العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته

السيد محمد رضا الحسيني الجلالي

العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته

المؤلف:

السيد محمد رضا الحسيني الجلالي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية المقدسة
المطبعة: دار الكفيل للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٣

١

٢

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

الحمدُ لله ربّ العالَمين

والصلاة والسلامُ على سيّد المرسلين

وعلى الأئمّة من آله المعصومين

وعلى أوليائهم أجمعين إلى يوم الدين

٣
٤

الأهداء

إلى سيّدي الوالد :

* الّذي اْستظَلَّ بِجِوارِ أبي الفَضْل العَبّاسِ عليه السلام عُمراً مَديداً

* وأَمَّ جماعةَ المُؤمنينَ في الحَرَمَينِ الشريفين الحُسَينيّ والعبّاسيّ سنينَ عَدِيدَةً

* وظلّ مدرّساً في الحوزةِ العلميّةِ في كربلاءَ المُقدّسة فترةً طويلةً الفقيه الحُجّة الشهيد السيّد مُحسن الحُسينيّ الجلاليّ الحائريّ

(١٣٣٠ ـ ١٣٩٦ هـ)

أُقدّم هذا العملَ الّذي هوَ ممّا نَفَثَهُ في رُوْعيَ من مَعارِفِهِ ومنوِيّاتهِ ورَغَباتِهِ قدّسَ اللهُ رُوحهُ وحَشَرَهُ مع الصِدّيقينَ ، آمين.

السيّد محمّد رضا الحسينيّ الجلاليّ

٥
٦

دليلُ الكتاب

كلمة إدارة المكتبة................................................................ ٩

مقدّمة المؤلّف.................................................................. ١٢

القسم الأوّل : هويّة العبّاس عليه السلام وسماتُه......................... ١٥ ـ ١٤٣

البابُ الأوّل : هويّة العبّاس عليه السلام الشخصيّة.................................. ١٧

البابُ الثاني : سمات العَبّاس عليه السلام الجسديّة................................. ١٢٧

البابُ الثالث : سمات العَبّاس عليه السلام الروحيّة................................. ١٣١

القسم الثاني : سيرةُ العبّاس عليه السلام............................. ١٤٥ ـ ٢٣٢

البابُ الرابع : سيرة العَبّاس عليه السلام في رحاب الأئمّة عليهم السلام.............. ١٤٧

البابُ الخامس : سيرة العَبّاس عليه السلام في كربلاء............................... ١٨٣

البابُ السادس : قِتال العَبّاس عليه السلام وأرجازه ومقتله ومرقدُهُ.................... ٢٠٣

الخاتمة :...................................................... ٢٣٣ ـ ٢٤٤

العَبّاس معجزة الحسين عليهما السلام............................................ ٢٣٣

الملاحق............................................................... ٢٤٥ ـ ٣٧٠

الملحق الأوّل : الزيارات المأثورة للعبّاس عليه السلام................................ ٢٤٧

الملحق الثاني : زوجة العبّاس عليه السلام وأولاده ، وذرّيته في كتب النسب ، والأعلام منهم عبر التاريخ        ٢٥٣

الملحق الثالث : خلاصة الكتاب................................................ ٣٥٩

الفهارس العامّة....................................................... ٣٧١

٧
٨

كلمة إدارة المكتبة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

الحمدُ لله ربّ العالمين ، وصلّى اللهُ على رسولهِ الأكرمِ ، وعلى آلِه الطيّبينَ الطاهِرينَ ، وسَلَّمَ ... وبعد :

حينَ تَشَرَّفنا باستلامِ مَهامّ إِدارةِ مكتبةِ العَتَبَةِ العَبّاسيّةِ المُشرَّفَةِ ؛ تداعَتْ إلى أذْهانِنا مجموعَةٌ من الإنجازاتِ المُنبَثِقة من رغبةٍ جادّةٍ في النهوضِ بِواقِعِ المكتبةِ ورَفْعِ أركانها بِما يليقُ بِمكانةِ مُشرِّفها عليهِ أفضلُ الصلاةِ والسلامِ ، فبعد ما عانتهُ خلال السَنَواتِ العِجافِ الّتي أثّرتْ بعُمقٍ ملموسٍ على الواقع الثقافيّ في العراق عموماً ، وعلى هذا الصَرْحِ المقدّس بخاصّة.

وقد وضعنا في اعتبارنا أنّ نقطةَ الانْطلاقِ لا بُدّ أنْ تَسيرَ على خُطُواتٍ مرسومةٍ وِفْقَ خُطّةٍ مدروسةٍ تشملُ مَحاوِرَ عِدّةً :

فمن جهةٍ : أنّ المكتبة بحاجةٍ إلى المصادر العامّة الكثيرة والمنوّعة ، لِسَدِّ حاجةِ رُوّادِها بِمُختلفِ مشاربِبهم ومستوياتهم الثقافيّة والعلميّة.

ومن جهةٍ أُخرى : ونحنُ في مقامِ بابِ الحوائجِ أبي الفَضْلِ العَبّاس ابن أميْر المُؤْمِنيِنَ عليه السلام ، وفي مكتبتهِ العامِرَةِ ، والكلُّ ينهلُ من فيضهِ العَذْبِ ، ومَعَ ذلَك فنحنُ لا نملكُ من تُراثه إلاّ النَزْرَ الّذي لا يَسُدُّ طَلَبَ مُحبّيهِ ، ولا يُروّي ظَمَأَ شَوقِهِم إلى الوُقُوفِ عليهِ.

٩

فاستعَنّا بِاللهِ تعالى وقَصَدْنا بابَ مَنْ يلوذُ بِبابِهِ السائِلُونِ ، أنْ يُوفّقَنا لِخِدْمَةِ مُحبّيهِ في مَشارقِ الأرضِ ومَغارِبها ، من خلال إخراج دراساتٍ علميّةٍ ، بأقلامٍ مُعاصرةٍ ، وعلى منهجِ البُحُوثِ والدِراسات القويمةِ في مجالَي السيرةِ والتراجمِ ، ودراسةِ المَصادِرِ التاريخيّة ، وبِأُسلوبٍ مُواكِبٍ لِمُتطلّباتِ المَرحَلةِ الراهِنَةِ ، في ما يَخُصُّ سيّدَنا العَبّاسَ عليه السلام لِمَحدوديّة الأعمالِ الجادّةِ لِدراسةِ شَخصيّتهِ وسِماتِهِ وسِيرَتِهِ المُباركةِ ، وهُوَ القَمَرُ الزاهِرُ بينَ شُمُوسِ العِتْرةِ الطاهرةِ عليهم السلام والمُتألّق في رِحابِ العِصْمةِ والهُدى ، فكانَ لهَ نَورٌ يَشِعُّ في ظِلَّ الأوْتادِ المُطهّرةِ ، المَعْصومينَ : والده الإمام أمير المُؤمنينَ وسيّد الوّصِيّينَ ، وأخَوَيْه الإمامَينِ السِبْطَيْنِ الحَسَنِ والحُسَينِ عليهما السلام فكانَ من المُحَتّم أنْ يُكْتَبَ عن سِماتِهِ وسِيرَتِهِ بِالبحثِ والتنقيبِ والتَحَرّي الدقِيقِ.

وقد استجابَ اللهُ جلّ وعلا سُؤْلَنا بِأَنْ هَيَّأ لِهذِهِ المُهِمّةِ الشريفةِ أحَدَ أبْرَزَ المُحقّقينَ في مجالِ التأليفِ والبحثِ السيّدَ الجلاليَّ دامَ عِزُّهُ ، المُؤلِّفُ لِهذا الكتاب ، فانْبرى لِكتابَتِهِ مُعْتمِداً أوْثَقَ المَصادِرَ وأقْدَمَها ، مُستخدِماً ما عُرِفَ عنهُ وشاعَ من غزَارَةِ فِكْرٍ وعُمْقِ رُؤْيَةٍ وسَدادَ نَظَرٍ ، مَعَ بَراعَةِ الأُسْلُوب ، ومَنْهَجيّةِ الطَرْحِ ، وقدْ تَمَّ ما أَنجَزَهُ بِتَوفيقٍ من اللهِ تعالى وفَضْلٍ (ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).

ونحنُ إِذْ نُقدّمُ هذا الكتابَ لِعاشقي سيّدِنا أبي الفَضْل العبّاس عليه السلام وطالبي المعرفَةِ ، نهنِّئُ السيّدَ المُؤلِّفَ للتوفيقِ لهذا العَمَلِ ، ونَدْعُو لَهُ بِالمزيدِ من التوفيقِ لِنيلِ شَرَفِ خِدمةِ الحَقّ وأَهلهِ من الّذينَ رَسَمُوا على جبينِ الإنسانيّة

١٠

بَصَمَات العِزِّ والفَخارِ ، كما قام به لأبي الفَضْل العَبّاس عليه السلام الّذي طبعَ بِكِلتي يَدَيْهِ بَصْمَةً ظلّتْ شِعاراً لِلوَلاءِ والوَفاءِ والإخْلاصِ ، لِكَشفِ الحقيقةِ ونَصْرِها ، وإزالَةِ الزَيْفِ والتزويرِ والظُلمِ ودَحْرِها.

وما نأملُ ونرجُو من الله تعالى التوفيقَ لِتحقيقه في القريب العاجل ، هُو جمعِ تُراث أبي الفَضْلِ العَبّاس عليه السلام من الشِعْرِ والنَثْرِ ، على طُولِ القُرُونِ من الأوّل حتّى عصرنا هذا.

ونسألُهُ تعالى العَفْوَ عن التقصيرِ ، والعَوْنَ في أَداءِ المُهمّاتِ ، والتوفيقَ لِما يُحِبُّ ويَرْضَى ، إنّهُ قَرِيْبٌ مُجِيْبٌ.

نور الدين الموسوي

إدارة مكتبة العتبة العبّاسيّة المشرّفة

كربلاء المقدّسة

١٤٣٣ هـ

١١

مقدّمة المؤلّف

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

كانَ من توفيق الله تباركَ اسمُه أنْ حظيتُ بزيارة العَتَباتِ المُقدّسة في العراق ، في ثلاثة شُهُورٍ مُتواليةٍ : شهر رجبٍ المُكرّم ، وشهر شعبانَ المُعظّم وشهر رمضانَ المُبارك ، هذه السنةَ (١٤٢٩ هـ).

ومن مكارم تلك السَفرات أنّي فُزْتُ بزيارة مرقد سيّدنا الشهيد العبّاس أبي الفَضْلِ ابن أمير المؤمنين عليهما السلام في كربلاء المقدّسة ، وفي تلك البقعة المُباركة ساقني الحظُّ إلى لِقاء القائمين على خدمة عتبته المُقدّسة ، ووقفت عن كَثَبٍ على جُهُودهم الكبيرة في المجالات كافّةً ، وفي المجال الثقافيّ والإعلاميّ خاصّة ، فكانتْ أعمالُهم ممّا يفتخرُ به نظير ما يصدر في العتبات المقدّسة الأُخرى ، فشكرَ اللهُ سعيَهم وأجزلَ أجرَهم.

وفي اللقاء دارَ الحديثُ عن كِتابي (الحُسينُ عليه السلام سماتُهُ وسيرتُهُ) الّذي كانَ لهُ وَقْعٌ بين الأوساط العلميّة والتاريخيّة والأدبيّة ، منذُ ظُهوره ، فتداولَهُ خُطباء المِنْبر الحُسَينيّ دامَ مجدُهُم وعُلاهم ، وتقبّلُوهُ بقبولٍ حَسَنٍ ، وقرّظوهُ ، فأوقعَ في نفسي اعتزازاً ، لكونِهِ يَدُلُّ على قبولِهِ عندَ الله جلّ وعَزَّ ، وما يستَتبعُ من دُعاء القُرّاء لي بالمغفرة والرضوان.

١٢

وفي تلك الأجواء الْمَلْأى بالقُدسيّة ، وفي ظِلال العَتبة العَبّاسيّة المقدّسة وأروقة مرقده الشريف ، وصحنه الواسع المُبهج ، وفي جَمْعٍ مِنَ الفُضَلاء العاملين في خدمته ؛ وَقَعَ في خَلَدي أنْ أكتبَ عن سيّدنا أبي الفضل العَبّاس الشهيد عليه السلام كذلك كتاباً يحوي (سماته وسيرته) على منوال ما كتبتُ عن الإمام الحسين سيّد الشهداء عليه السلام.

ورجعتُ إلى مقرّ عملي في قُمّ المُقدّسة ، وبدأتُ العمل لإنجاز هذا الكتاب باسم (العَبّاس عليه السلام سماته وسيرته).

وقد التزمتُ فيه اعتماد أقدم المصادر المختصّة وأوثقها ، مقدّماً ما اتّفقت عليه ثمّ ما اجتمع عليه اثنان على الأقلّ ممّن تأخّر عصرُه.

مُحاولاً استنطاق النُصُوص بما يتوافقُ مع معطَيات العقائد الحقّة ، والتاريخ المثبَت ، ومؤدّى اللّغة والأدب.

ومعضّداً لذلك بالقرائن الحاليّة والمقاليّة المنثورة في التُراث الإسلاميّ ممّا تؤطِّرُ تلك النُصوصَ وتُقارن دلالاتِها.

هادفاً من العمل : أن لا تبقى النُصوصُ المنقولةُ مُبْهَمةً ، أو جامدةً على ظواهرها ، أو بعيدةً عن مُقارناتها المُهِمَّةِ الّتي تُثيرُ مداليلها وتُضيئ مقاصدها ؛ فالغرضُ الأقصى هو : توضيحُ النُصُوص وتقريب دلالاتها للوصول إلى أهدافها الواقعيّة ، الّتي نبتغي تقديمها إلى القُرّاءِ بأبهى شَكلٍ وأيسره.

وأرجُو من الله الكريم المَنّان أَنْ يَمُنَّ عَلَيَّ بقبولِ هذا العمل الّذي لم أقصدْ به سوى وجههِ الكريم ، خدمةً لوليّهِ الصالِحِ.

١٣

وأن يُثِيْبَنِي عليهِ يَوْمَ لِقائِهِ ، بوسيلَةِ سَيِّدي وَعَمِّي وَمَوْلايَ أبي الفَضْلِ العبّاس عليه السلام بِالْمَغْفِرَةِ وَالرِّضْوانِ في الآخرةِ ، والرحمةِ والتوفيقِ في هذِهِ الدُّنيا.

وآمُلُ أنْ يَقَعَ هذا الكتابُ عندَ القُرّاءِ المَوْقِعَ الَّذي سَبَقَ لكتاب (الحسين عليه السلام سماتُه وسيرتُه) ليكونا خُطَىً من قَدَمِ صِدقٍ لِي مَعَهما وأصحابِهما الّذين بَذَلُوا دُونهَما ، فأفُوزَ فَوزاً عظيماً ، وَاللهُ هُوَ المُسْتَعانُ.

وكَتَبَ

السيّد مُحَمَّد رِضا الحُسينيّ الجلاليّ

قمّ المُقدّسة ٢٠ شهر صفر الخير ١٤٣٣ هـ

١٤

القسم الأوّل

هويّة العبّاس عليه السلام وسِماتُه

البابُ الأوّل : هويّة العَبّاس عليه السلام الشخصيّة

البابُ الثاني : سمات العَبّاس عليه السلام الجسديّة

البابُ الثالث : سمات العَبّاس عليه السلام الروحيّة

١٥
١٦

البابُ الأوّل

هويّةُ العَبّاس عليه السلام الشَّخْصِيَّةُ

آباؤُهُ وأعْمامُهُ

أُمَّهاتُهُ وأَخْوالُهُ

اسمُهُ وأَلْقابُهُ وكُناهُ

إخْوَتُهُ وأَخَواتُهُ

١٧
١٨

آباؤُهُ الكِرامُ وأعْمامُهُ العِظامُ

ولد العَبّاس عليه السلام في كنف والدين ، فاحتوشه آباء وأُمّهاتٌ هم القمّة في الشرف والمجد

أتاهُ المجدُ مِنْ هَنّا وهَنّا

فَكانَ لَهُ بِمُعْتَلِجِ السُّيُوْلِ (١)

فوالدُهُ :

الإمامُ أَميْرُ المُؤْمِنِيْنَ عليٌّ المُرتضى ، ابن عمّ الرسول صلى الله عليه وآله وصهرُهُ زوجُ الزهراء فاطمة البتول عليها السلام وأبو السبطين الحسن والحسين عليهما السلام.

وهو مَن فضائلُهُ وفواضلُهُ كثيرةٌ سائرةٌ ، معروفةٌ مرفوعةٌ ، كالشمس في رائعة النهار ، وقد ملأت الدُنيا وخلدتْ ، لأنّها من الوحي صدرتْ ، وفي آيات القرآن الكريم وردتْ ، وعلى لسان النَبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله رويتْ.

وها هي سلسلةُ نَسَبِهِ الشريف :

فهو العَبّاسُ :

ابنُ عليٍّ أَمير المُؤْمِنِيْنَ ، أبي الحسن : وليد الكعبة المعظّمة ، وربيب

__________________

(١) من شعر يزيد بن عُبَيْد السعديّ ، أبي وجزة السلميّ (ت ١٣٠ هـ) قاله في محمّد الديباج ، وفي ديوانه : (أتاك) و(وكنت). وراجع : اختيار الممتع في علم الشعر وعمله للنهشلي (١ / ٧٣) ، وفيه : كمجتمع السيول.

١٩

الرسول ، وأوّل من آمن به ، وصهره ، ووصيّه ، وشهيد الصلاة في محراب مسجد الكوفة.

ابن أبي طالب :

شيخ البطحاء ، وسيّد بني هاشم ، ومؤمن قريش ، وعَمُّ الرسول وناصره وكافله ، فقال فيه لمّا مات : «يا عمّ ، ربّيت صغيراً ، وكَفَلْتَ يتيماً ونصرتَ كبيراً ، فجزاك الله عنّي خيراً» ومشى بين يدي سريره ، وجعل يعرضه ويقول : «وصلتك رحمٌ وجُزيت خيراً» (١).

وقد أعلن أبو طالب إيمانَهُ ، وكشف عن معرفته بالحقّ ، في وصيّته وهو مُحْتَضَرٌ ، وهذا نصُّها منقولاً من خطّ ابن الشِحْنَة :

لمّا حضرت الوفاةُ أبا طالبٍ عمّ النَبِيّ ، جمع إليه وجوه قريشٍ وأوصاهم ، قال :

«يا معشر قريشٍ أنتم صفوةُ الله من خلقه ، وقلبُ العرب ، وفيكم السيّدُ المُطاعُ ، وفيكم المُقْدِمُ الشُجاعُ ، الواسعُ الباع.

واعلموا أنّكم لم تتركوا للعرب في المآثر نَصيباً إلاّ أحرزتموهُ ، ولا شَرَفاً إلاّ أدركتموهُ ، فلكم بذلك على الناس الفضيلة ، ولهم إليكم الوسيلة ، والناسُ لكم حربٌ ، وعلى حربكم ألْبٌ.

وإنّي أُوصيكم بتعظيم هذه البِنْية ، فإنَّ فيها مرضاةً للربّ ، وقواماً للمعاش ، ونبأة للوطأة.

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي (٢ / ٣٥)

٢٠