أحكام القرآن - ج ١

أبي بكر محمّد بن عبدالله [ ابن العربي ]

أحكام القرآن - ج ١

المؤلف:

أبي بكر محمّد بن عبدالله [ ابن العربي ]


المحقق: علي محمّد البجاوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٣

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

مقدّمة

[............... الطبري شيخ الدين ، فجاء فيه بالعجب العجاب ، ونثر فيه ألباب الألباب ، وفتح فيه لكلّ من جاء بعده إلى معارفه الباب ؛ فكلّ أحد غرف منه على قدر إنائه ، وما نقصت قطرة من مائه ، وأعظم من انتقى منه الأحكام بصيرة : القاضي أبو إسحاق ، فاستخرج دررها ، واستحلب دررها ، وإن كان قد غيّر أسانيدها لقد ربط معاقدها ، ولم يأت بعدهما من يلحق بهما. ولما منّ الله سبحانه بالاستبصار في استثارة العلوم من الكتاب العزيز حسب ما مهّدته لنا المشيخة الذين لقينا ، نظرناها من ذلك المطرح ، ثم عرضناها على ما جلبه العلماء ، وسبرناها بعيار الأشياخ ، فما اتفق عليه النظر أثبتناه ، وما تعارض فيه شجرناه (١) ، وشحذناه حتى خلص نضاره وورق عراره ، فنذكر الآية ، ثم نعطف على كلماتها بل حروفها ، فنأخذ بمعرفتها مفردة ، ثم نركبها على أخواتها مضافة ، ونحفظ في ذلك قسم البلاغة ، ونتحرّز عن المناقضة في الأحكام والمعارضة ، ونحتاط على جانب اللغة ، ونقابلها في القرآن بما جاء في السّنة الصحيحة ، ونتحرّى وجه الجميع ؛ إذ الكلّ من عند الله ، وإنما بعث محمد صلى الله عليه وسلم ليبيّن للناس ما نزّل إليهم ، ونعقّب على ذلك بتوابع لا بد من تحصيل العلم بها منها ، حرصا على أن يأتى القول مستقلّا بنفسه ، إلا أن يخرج عن الباب فنحيل عليه في موضوعه مجانبين للتقصير والإكثار ، وبمشيئة الله نستهدي ، فمن يهدى الله فهو المهتدى لا ربّ غيره (٢)].

__________________

(١) شجرناه : نحيناه.

(٢) من م.

١

سورة الفاتحة فيها

خمس آيات

الآية الأولى : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).

فيها مسألتان :

المسألة الأولى ـ قوله تعالى : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).

اتفق الناس على أنها آية من كتاب الله تعالى في سورة النمل (١) ، واختلفوا في كونها في أول كلّ سورة ، فقال مالك وأبو حنيفة : ليست في أوائل السّور بآية ، وإنما هي استفتاح ليعلم بها مبتدؤها.

وقال الشافعى : هي آية في أول الفاتحة ، قولا واحدا ؛ وهل تكون آية في أول كلّ سورة؟ اختلف قوله في ذلك ؛ فأما القدر الذي يتعلّق بالخلاف من قسم التوحيد والنظر في القرآن وطريق إثباته قرآنا ، ووجه اختلف المسلمين في هذه الآية منه ـ فقد استوفيناه في كتب الأصول ، وأشرنا إلى بيانه في مسائل الخلاف ، ووددنا أنّ الشافعى لم يتكلّم في هذه المسألة ، فكلّ مسألة له ففيها إشكال عظيم ، ونرجو أنّ الناظر في كلامنا فيها سيمحى (٢) عن قلبه ما عسى أن يكون قد سدل من إشكال به.

وفائدة الخلاف في ذلك الذي يتعلق بالأحكام أنّ قراءة الفاتحة شرط في صحة الصلاة عندنا وعند الشافعى ، خلافا لأبى حنيفة حيث يقول : إنها مستحبّة ، فتدخل (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في الوجوب عند من يراه ، أو في الاستحباب ، [كذلك] (٣). ويكفيك أنها ليست (٤) بقرآن للاختلاف فيها ، والقرآن لا يختلف فيه ، فإنّ إنكار القرآن كفر.

__________________

(١) أى في قوله تعالى : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.) وفي ص : لا خلاف في أنها ليست بآية تامة في سورة النمل ، وأنها هناك بعض آية ، وأن ابتداء الآية من قوله تعالى : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ) ، ومع ذلك فكونها ليست آية تامة في سورة النمل لا يمنع أن تكون آية في غيرها لوجود مثلها في القرآن.

(٢) في م : سيمسح.

(٣) ليس في م.

(٤) في القرطبي : ليست من القرآن اختلاف الناس فيها.

٢

فإن قيل : ولو لم تكن قرآنا لكان مدخلها في القرآن كافرا.

قلنا : الاختلاف فيها يمنع من أن تكون آية ، ويمنع من تكفير من يعدّها من القرآن ، فإنّ الكفر لا يكون إلّا بمخالفة النص والإجماع في أبواب العقائد.

فإن قيل : فهل تجب قراءتها في الصلاة؟ قلنا : لا تجب ، فإنّ أنس بن مالك رضى الله عنه روى أنه صلّى خلف رسول الله [٢] صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر ، فلم يكن أحد منهم يقرأ : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ؛ ونحوه عن عبد الله بن مغفّل.

فان قيل : الصحيح من حديث انس ؛ فكانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين. وقد قال الشافعى : معناه انهم كانوا لا يقرؤون شيئا قبل الفاتحة.

قلنا : وهذا يكون تأويلا (١) لا يليق بالشافعي لعظيم فقهه ، وانس وابن مغفل ؛ إنما قالا هذا ردّا على من يرى قراءة : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).

فإن قيل : فقد روى جماعة قراءتها ، وقد تولى الدّارقطنيّ جميع ذلك في جزء صحّحه.

قلنا : لسنا ننكر الرواية ، لكن مذهبنا يترجّح بأنّ أحاديثنا وإن كانت أقلّ فإنها أصحّ وبوجه عظيم وهو المعقول في مسائل كثيرة من الشريعة ، وذلك أنّ مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة انقضت عليه العصور ، ومرّت عليه الأزمنة من لدن زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زمان مالك ، ولم يقرأ أحد [قط] (٢) فيه بسم الله الرحمن الرحيم ، اتّباعا للسنة ؛ بيد أنّ أصحابنا استحبّوا قراءتها في النّفل ، وعليه تحمل الآثار الواردة في قراءتها.

المسألة الثانية ـ ثبت عن النبىّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : قال الله تعالى : قسّمت الصلاة بيني وبين عبدى نصفين ، فنصفها لي ، ونصفها لعبدي ، ولعبدي ما سأل. يقول العبد : الحمد لله رب العالمين ، يقول الله تعالى : حمدنى عبدى. يقول العبد : الرحمن الرحيم. يقول الله تعالى : أثنى علىّ عبدى. يقول العبد : مالك يوم الدّين. يقول تعالى : مجّدنى عبدى (٣). يقول العبد : إياك نعبد وإياك نستعين. يقول الله تعالى : فهذه الآية بيني وبين عبدى ولعبدي ما سأل يقول العبد : اهدنا الصراط المستقيم. صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب

__________________

(١) في ا : قلنا هذا تأويل.

(٢) ليس في م.

(٣) في ص : فوض إلى عبدى.

٣

عليهم ولا الضالّين. يقول الله : فهؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل.

فقد تولّى سبحانه قسمة القرآن (١) بينه وبين العبد بهذه الصفة ، فلا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب.

وهذا دليل قوىّ ، مع أنه ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ، وثبت عنه أنه قال : من صلّى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج (٢) ثلاثا ـ غير تمام (٣).

الآية الثانية ـ قوله تعالى : (٤) (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).

اعلموا علّمكم الله المشكلات أنّ البارئ تعالى حمد نفسه ، وافتتح بحمده كتابه ، ولم يأذن في ذلك لأحد من خلقه ، بل نهاهم في محكم كتابه ، فقال : (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) (٥) ، ومنع بعض الناس من أن يسمع مدح بعض له ، أو يركن إليه ، وأمرهم بردّ ذلك ، وقال : احثوا (٦) في وجوه المدّاحين التراب ـ رواه المقداد وغيره.

وكأن في مدح الله لنفسه وحمده لها وجوها منها ثلاث أمهات :

الأول ـ أنه علّمنا كيف نحمده ، وكلّفنا حمده والثناء عليه ؛ إذ لم يكن لنا سبيل إليه إلا به.

الثاني ـ أنه قال بعض الناس معناه : قولوا الحمد لله ، فيكون فائدة ذلك التكليف لنا. وعلى هذا تخرّج قراءة من قرأ بنصب الدال في الشاذ.

الثالث ـ أنّ مدح النفس إنما نهى عنه لما يدخل عليها من العجب بها ، والتكثّر على الخلق من أجلها ، فاقتضى ذلك الاختصاص بمن يلحقه التغيّر ولا يجوز منه التكثر وهو المخلوق ، ووجب ذلك للخالق لأنه أهل الحمد.

وهذا هو الجواب الصحيح والفائدة المقصودة.

الآية الثالثة ـ قوله [٣] تعالى (٧) : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ).

فيها مسألتان :

المسألة الأولى ـ يقول الله تعالى : فهذه الآية بيني وبين عبدى ، وقد روينا

__________________

(١) في ا : القراءة.

(٢) الخداج : النقصان ، يريد ذات خداج ، وصفها بالمصدر مبالغة ، أو على حذف مضاف ؛ أى ذات خداج.

(٣) ثلاثا : أى كرر قوله : فهي خداج ـ ثلاث مرات.

(٤) الفاتحة : ٢

(٥) النجم : ٣٢

(٦) احثوا : ارموا.

(٧) الفاتحة : ٥

٤

عن النبي صلى الله عليه وسلم واسندنا لكم أنه قال : قال الله تعالى : يا بن آدم ، أنزلت عليك سبعا ، ثلاثا لي ، وثلاثا لك ، وواحدة بيني وبينك ؛ فأما الثلاث التي لي ف (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ). وأما الثلاث التي (١) لك ف (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ. غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ). وأما الواحدة التي بيني وبينك ف (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ). يعنى من العبد العبادة ، ومن الله سبحانه العون.

المسألة الثانية ـ قال أصحاب الشافعى : هذا يدلّ على أنّ المأموم يقرؤها ، وإن لم يقرأها فليس له حظّ في الصلاة لظاهر هذا الحديث.

ولعلمائنا في ذلك ثلاثة أقوال :

الأول ـ يقرؤها إذا أسرّ خاصة ـ قاله ابن القاسم.

الثاني ـ قال ابن وهب وأشهب في كتاب محمد : لا يقرأ.

الثالث ـ قال محمد بن عبد الحكم : يقرؤها خلف الإمام ، فإن لم يفعل أجزأه ، كأنه رأى ذلك مستحبّا.

والمسألة عظيمة الخطر ، وقد أمضينا القول في مسائل الخلاف في دلائلها بما فيه غنية(٢).

والصحيح عندي وجوب قراءتها فيما يسرّ وتحريمها فيما جهر إذا سمع قراءة الإمام ، لما عليه من فرض الإنصات له والاستماع لقراءته ، فإن كان عنه في مقام بعيد فهو بمنزلة صلاة السرّ ؛ لأنّ أمر النبىّ صلى الله عليه وسلم بقراءتها عامّ في كل صلاة وحالة ، وخصّ من ذلك حالة الجهر بوجوب فرض الإنصات ، وبقي العموم في غير ذلك على ظاهره ، وهذه نهاية التحقيق في الباب. والله أعلم.

الآية الرابعة والخامسة ـ قوله تعالى : (٣) (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ. غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) (٤).

فيها سبع مسائل :

المسألة الأولى ـ لا خلاف أنّ الفاتحة سبع آيات ، فإذا عددت فيها (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

__________________

(١) انظر ما سيأتى في الصفحة التالية ، إذ يقول : والصحيح أن قوله : (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) خاتمة آية.

(٢) الغنية : الاستغناء والكفاية.

(٣) الفاتحة : ٦ ، ٧

(٤) يجرى المؤلف على أن يقول : إلى آخر السورة ، أو : إلى آخر الآية ، فآثرنا أن نكمل هذه الآيات ليستقل القارئ بالفهم.

٥

آية اطّرد العدد ، وإذا أسقطتها تبيّن تفصيل العدد فيها.

قلنا : إنما الاختلاف بين أهل العدد في قوله : (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) ـ هل هو خاتمة آية أو نصف آية؟ ويركب هذا الخلاف في عدّ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).

والصحيح أنّ قوله : (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) خاتمة آية ؛ لأنه كلام تامّ مستوفى.

فإن قيل : فليس بمقفّى على نحو الآيات [قبله] (١).

قلنا : هذا غير لازم في تعداد الآي ، واعتبره بجميع سور القرآن وآياته تجده صحيحا إن شاء الله تعالى ، كما قلنا.

المسألة الثانية ـ ثبت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : إذا قال الإمام : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) فقولوا : آمين ؛ فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر الله له ما تقدّم من ذنبه.

وثبت عنه أنه قال : إذا أمّن الإمام فأمّنوا ، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ؛ فترتيب المغفرة للذنب على أربع مقدمات ذكر منها ثلاثا وأمسك عن واحدة ، لأن ما بعدها يدلّ عليها : المقدمة الأولى تأمين الإمام. الثانية تأمين من خلفه. الثالثة تأمين الملائكة. الرابعة موافقة التأمين. فعلى هذه المقدمات الأربع تترتّب المغفرة. وإنما أمسك عن الثالثة (٢) اختصارا لاقتضاء الرابعة لها فصاحة ؛ وذلك يكون في البيان للاسترشاد والإرشاد ، ولا يصحّ ذلك [٤] مع جدل أهل العناد ، وقد بيناه في أصول الفقه.

المسألة الثالثة ـ اختلف في قوله : «آمين» ، فقيل هو على وزن فاعيل كقوله يامين. وقيل فيه أمين على وزن يمين ؛ الأولى ممدودة ، والثانية مقصورة ، وكلاهما لغة ، والقصر أفصح وأخصر ، وعليها من الخلق الأكثر.

المسألة الرابعة ـ في تفسير هذه اللفظة : وفي ذلك ثلاثة أقوال :

قيل : إنها اسم من أسماء الله تعالى ، ولا يصح نقله ولا ثبت قوله.

الثاني : قيل معناه اللهم استجب ، وضعت موضع الدعاء اختصارا.

الثالث : قيل معناه كذلك يكون ، والأوسط أصحّ وأوسط.

__________________

(١) ليس في م.

(٢) في م : عن الرابعة.

٦

المسألة الخامسة ـ هذه كلمة لم تكن لمن قبلنا ، خصّنا الله سبحانه بها ، في الأثر عن ابن عباس أنه قال : ما حسدكم أهل الكتاب على شيء ما حسدوكم على قولكم : «آمين».

المسألة السادسة ـ في تأمين المصلّى ، ولا يخلو أن يكون إماما أو مأموما أو منفردا ، فأما المنفرد فإنه يؤمّن (١) اتفاقا. وأما المأموم فإنه يؤمّن في صلاة السرّ (٢) لنفسه إذا أكمل قراءته ، وفي صلاة الجهر إذا أكمل القراءة إمامه يؤمّن. وأما الإمام فقال مالك : لا يؤمّن ، ومعنى قوله عنده إذا أمّن الإمام : إذا بلغ مكان التأمين ، كقولهم : أنجد الرجل إذا بلغ نجدا.

وقال ابن حبيب : يؤمّن. قال ابن بكير : هو بالخيار ، فإذا أمّن الإمام فإنّ الشافعى قال : يؤمّن المأموم جهرا. وأبو حنيفة وابن حبيب يقولان : يؤمّن سرّا.

والصحيح عندي تأمين الإمام جهرا ؛ فإنّ ابن شهاب قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول آمين ، خرّجه البخاري ومسلم (٣) وغيرهما. وفي البخاري : حتى إنّ للمسجد للجّة (٤) من قول الناس آمين.

وفي كتاب الترمذي : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول آمين ، حتى يسمع من الصفّ. وكذلك رواه أبو داود ، وروى عن وائل بن حجر : أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لما فرغ من قراءة الفاتحة قال : آمين ، يرفع بها صوته.

المسألة السابعة ـ ليس في أمّ القرآن حديث يدلّ على فضلها إلا حديثان :

أحدهما حديث : قسّمت (٥) الصلاة بيني وبين عبدى نصفين ...

الثاني حديث أبىّ بن كعب : لأعلمنك سورة ما أنزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلها.

وليس في القرآن حديث صحيح في فضل سورة إلا قليل سنشير إليه ، وباقيها لا ينبغي لأحد منكم أن يلتفت إليها.

__________________

(١) في م : فليؤمن.

(٢) في م : فإنه يؤمن في صلاة الجهر ... وفي صلاة السر.

(٣) صحيح مسلم : ٣٠٧

(٤) اللجة : الجلبة. يعنى أصوات المصلين.

(٥) صحيح مسلم : ٢٩٦

٧

سورة البقرة

اعلموا ـ وفّقكم الله ـ أنّ علماءنا قالوا : إنّ هذه السورة من أعظم سور القرآن ؛ سمعت بعض أشياخى يقول : فيها ألف أمر ، وألف نهى ، وألف حكم ، وألف خبر. ولعظيم فقهها أقام عبد الله بن عمر ثماني سنين في تعلّمها ، وقد أوردنا ذلك عليكم مشروحا في الكتاب الكبير في أعوام ، وليس في فضلها حديث صحيح إلّا من طريق أبى هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا تجعلوا بيوتكم مقابر ، وإنّ البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله شيطان. خرّجه الترمذي. وعدم الهدى وضعف القوى وكلب الزمان على الخلق بتعطيلهم وصرفهم عن الحق.

والذي حضر الآن من أحكامها في هذا المجموع تسعون آية :

الآية الأولى ـ قوله تعالى (١) : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ).

فيها مسألتان :

المسألة الأولى : (يُؤْمِنُونَ). قد بيّنا حقيقة الإيمان في كتب الأصول ومنها تؤخذ.

المسألة الثانية ـ [٥] قوله : (بِالْغَيْبِ). وحقيقته ما غاب عن الحواسّ مما لا يوصل إليه إلّا بالخبر دون النّظر ، فافهموه.

وقد اختلف العلماء فيه على أربعة أقوال :

الأول ـ ما ذكرناه كوجوب البعث ، ووجود الجنة ونعيمها وعذابها والحساب. الثاني بالقدر. الثالث بالله تعالى. الرابع يؤمنون بقلوبهم الغائبة عن الخلق لا بألسنتهم التي يشاهدها (٢) الناس ؛ معناه ليسوا بمنافقين.

وكلها قويّة إلا الثاني والثالث ؛ فإنه يدرك بصحيح النظر ، فلا يكون غيبا حقيقة ، وهذا الأوسط وإن كان عامّا فإنّ مخرجه على الخصوص.

والأقوى هو الأول ؛ أنه الغيب الذي أخبر به الرسول عليه السلام مما لا تهتدى إليه

__________________

(١) الآية الثالثة.

(٢) في ا : شاهدها.

٨

المعقول ، والإيمان بالقلوب الغائبة عن الخلق ، ويكون موضع المجرور على هذا رفعا ، وعلى التقدير الأول يكون نصبا ، كقولك : مررت بزيد. ويجوز أن يكون الأول مقدّرا نصبا ، كأنه يقول : جعلت قلبي محلّا للإيمان ، وذلك الإيمان بالغيب عن الخلق.

وكلّ هذه المعاني صحيحة لا يحكم له بالإيمان ولا بحمى الذمار ، ولا يوجب له الاحترام ، إلّا باجتماع هذه الثلاث ؛ فإن أخلّ بشيء منها لم يكن له حرمة ولا يستحقّ عصمة.

الآية الثانية ـ قوله تعالى (١) : (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ).

فيها مسألتان :

المسألة الأولى ـ قال علماؤنا : في ذكر الصلاة في هذه الآية قولان :

أحدهما أنها مجملة ، وأنّ الصلاة لم تكن معروفة عندهم حتى بيّنها النبىّ صلى الله عليه وسلم.

الثاني أنها عامّة في متناول الصلاة حتى خصّها النبىّ صلى الله عليه وسلم بفعله المعلوم في الشريعة.

وقد استوفينا القول في ذلك عند ذكر أصول الفقه.

والصحيح عندي أنّ كلّ لفظ عربىّ يرد مورد التكليف في كتاب الله عزّ وجلّ مجمل موقوف بيانه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلّا أن يكون معناه متحدا (٢) لا يتطرّق إليه اشتراك ؛ فإن تطرّق إليه اشتراك ، واستأثر الله عزّ وجلّ برسوله صلى الله عليه وسلم قبل بيانه ، فإنه يجب طلب ذلك في الشريعة على مجمله ، فلا بدّ أن يوجد ، ولو فرضنا عدمه لارتفع التكليف به ، وذلك تحقّق في موضعه.

وقد قال عمر رضى الله عنه في دون هذا أو مثله : ثلاث وددت أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عهد إلينا فيها عهدا تنتهي إليه : الجدّ ، والكلالة ، وأبواب من أبواب الرّبا.

فتبيّن من هذا أن النبىّ صلى الله عليه وسلم لما أسرى به ، وفرض عليه الصلاة ، ونزل سحرا جاءه جبريل عليه السّلام عند صلاة الظهر فصلّى به وعلّمه ، ثم وردت الآيات بالأمر

__________________

(١) الآية الثالثة.

(٢) هكذا في ا ، م. ولعله : محدودا.

٩

بها والحثّ عليها ؛ فكانت واردة بمعلوم على معلوم ، وسقط ما ظنّه هؤلاء من الموهوم.

المسألة الثانية ـ (وَيُقِيمُونَ) ؛ فيه قولان :

الأول يديمون فعلها في أوقاتها ، من قولك : شيء قائم ، أى دائم.

والثاني معناه يقيمونها بإتمام أركانها واستيفاء أقوالها وأفعالها ، وإلى هذا المعنى أشار بقوله : من حفظها وحافظ عليها حفظ دينه ، ومن ضيّعها فهو لما سواها أضيع.

الآية الثالثة ـ قوله تعالى (١) : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ).

فيها مسألتان :

المسألة الأولى ـ في اشتقاق النفقة ، وهي عبارة عن الإتلاف ، ولتأليف «نفق» في لسان العرب معان ، أصحّها الإتلاف ، وهو المراد هاهنا ، يقال نفق (٢) [٦] الزاد ينفق إذا فنى ، وأنفقه صاحبه : أفناه ، وأنفق القوم : فنى زادهم ، ومنه قوله تعالى (٣) : (إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ).

المسألة الثانية ـ في وجه هذا الإتلاف ؛ وذلك يختلف ، إلا أنّه لما اتّصل بالمدح تخصّص (٤) من إجماله جملة. وبعد ذلك التخصيص اختلف العلماء فيه على خمسة أقوال :

الأول أنه الزكاة المفروضة ـ عن ابن عباس.

الثاني أنه نفقة الرجل على أهله ـ قاله ابن مسعود.

الثالث صدقة التطوّع ـ قاله الضحاك.

الرابع أنه وفاء الحقوق الواجبة العارضة في المال باختلاف الأحوال ما عدا الزكاة.

الخامس أنّ ذلك منسوخ بالزكاة.

(التوجيه) أما وجه من قال : «إنه الزكاة» فنظر إلى أنّه قرن بالصلاة ، والنفقة المقترنة [في كتاب الله تعالى] (٥) بالصلاة هي الزكاة.

وأما من قال : إنه النفقة على عياله فلأنه أفضل النفقة. روى عن النبىّ صلى الله عليه وسلم أنه قال له رجل : عندي دينار. قال : أنفقه على نفسك. قال : عندي آخر. قال : أنفقه على أهلك ، وذكر الحديث ، فبدأ بالأهل بعد النفس.

__________________

(١) الآية الثالثة.

(٢) الفعل كفرح ونصر.

(٣) سورة الإسراء : ١٠٠

(٤) في م : تخصيص.

(٥) ليس في م.

١٠

وفي الصحيح أنّ النبي صلى الله عليه وسلم جعل الصدقة على القرابة صدقة وصلة.

وأما من قال : إنه صدقة التطوّع فنظر إلى أنّ الزكاة لا تأتى إلا بلفظها المختصّ بها ، وهو الزكاة ، فإذا جاءت بلفظ الصدقة (١) احتملت الفرض والتطوّع ، وإذا جاءت بلفظ الإنفاق لم يكن إلّا التطوع.

وأما من قال : إنه في الحقوق العارضة في الأموال ما عدا الزكاة فنظر إلى أنّ الله تعالى لمّا قرنه بالصلاة كان فرضا ، ولما عدل عن لفظها كان فرضا سواها.

وأما من قال : إنه منسوخ فنظر إلى أنه لما كان بهذا الوجه فرضا سوى الزكاة ، وجاءت الزكاة المفروضة فنسخت كلّ صدقة جاءت في القرآن ، كما نسخ صوم رمضان كلّ صوم ، ونسخت الصلاة كلّ صلاة ، ونحو هذا جاء في الأثر.

(لتنقيح) إذا تأمّل اللبيب المنصف هذه التوجيهات تحقّق أن الصحيح المراد (٢) بقوله : (يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) كلّ غيب أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كائن. وقوله : (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) عامّ في كل صلاة فرضا كانت أو نفلا. وقوله : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) عامّ في كلّ نفقة ، وليس في قوّة هذا الكلام القضاء بفرضيّة ذلك كلّه ، وإنما علمنا الفرضيّة في الإيمان والصلاة والنفقة من دليل آخر ، وهذا القول بمطلقه يقتضى مدح ذلك كله خاصة كيفما كانت صفته.

الآية الرابعة ـ قوله تعالى (٣) : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ).

المراد بهذه الآية وما بعدها المنافقون الذين أظهروا الإيمان ، وأسرّوا الكفر ، واعتقدوا أنهم يخدعون الله تعالى ، وهو منزّه عن ذلك ؛ فإنه لا يخفى عليه شيء. وهذا دليل على أنهم لم يعرفوه ، ولو عرفوه لعرفوا أنه لا يخدع ، وقد تكلمنا عليه في موضعه.

والحكم المستفاد هاهنا أن النبىّ صلى الله عليه وسلم لم يقتل المنافقين مع علمه بهم وقيام الشهادة عليهم أو على أكثرهم.

واختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال :

__________________

(١) في القرطبي : فإذا جاءت بلفظ غير الزكاة

(٢) في ا : أن الصحيح أن المراد

(٣) الآية الثامنة.

١١

الأول (١) ـ أنه لم يقتلهم ، لأنه لم يعلم حالهم سواه ، وقد اتفق العلماء عن (٢) [٧] بكرة أبيهم على أن القاضي لا يقتل بعلمه ، وإن اختلفوا في سائر الأحكام هل يحكم بعلمه أم لا؟

الثاني ـ أنه لم يقتلهم لمصلحة وتألّف القلوب عليه (٣) لئلا تنفر عنه. وقد أشار هو صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى ، فقال : أخاف أن يتحدّث الناس أنّ محمدا صلى عليه وسلم يقتل أصحابه.

الثالث ـ قال أصحاب الشافعى : إنما لم يقتلهم لأنّ الزنديق (٤) ـ وهو الذي يسرّ الكفر ويظهر الإيمان ـ يستتاب ولا يقتل.

وهذا وهم من علماء أصحابه ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستتبهم ، ولا يقول أحد إن استتابة الزنديق غير واجبة (٥). وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم معرضا عنهم ، مع علمه بهم ، فهذا المتأخّر من أصحاب الشافعى الذي قال : إن استتابة الزنديق جائزة ، قال ما لم يصحّ قولا واحدا.

وأما قول من قال إنه لم يقتلهم لأن الحاكم لا يقضى بعلمه في الحدود ، فقه قتل بالمجذّر ابن زياد ـ بعلمه ـ الحارث بن سويد بن الصامت ، لأن المجذّر قتل أباه سويدا يوم بعاث ، فأسلم الحارث ، وأغفله يوم أحد الحارث فقتله ، فأخبر به جبريل النبيّ صلى الله عليه وسلم فقتله به ؛ لأن قتله كان غيلة (٦) ، وقتل الغيلة حدّ من حدود الله عزّ وجلّ.

والصحيح أن النبىّ صلى الله عليه وسلم إنما أعرض عنهم تألّفا ومخافة من سوء المقالة الموجبة للتنفير ، كما سبق من قوله. وهذا كما كان يعطى الصدقة للمؤلّفة قلوبهم مع علمه بسوء اعتقادهم تألّفا لهم ، أجرى الله سبحانه أحكامه على الفائدة التي سنّها إمضاء لقضاياه (٧) بالسنة التي لا تبديل لها.

الآية الخامسة ـ قوله تعالى (٨) : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً).

__________________

(١) في ا : أحدها.

(٢) في م : على.

(٣) في ا : مصلحة ولتأليف القلوب عليه فلا.

(٤) الزنديق : هو الذي يسر الكفر ويظهر الإيمان (ق).

(٥) في القرطبي : أن استتابة الزنديق واجبة

(٦) قتله غيلة : خدعه فقتله. والخبر في الإصابة : ٣ : ٣٤٣ ، والإكمال ٢ : ٢٤٢.

(٧) في م : وإمضاء للقدر بالسنة.

(٨) الآية الثانية والعشرون.

١٢

قال أصحاب الشافعى : لو حلف رجل لا يبيت على فراش ، ولا يستسرج سراجا ، فبات على الأرض ، وجلس في الشمس لم يحنث ، لأنّ اللفظ لا يرجع إليهما (١) عرفا (٢).

وأما علماؤنا (٣) فبنوه على أصلهم في الأيمان أنها محمولة على النية ، أو السبب ، أو البساط ، التي (٤) جرت عليه اليمين ، فإن عدم ذلك فالعرف ، وبعد أن لم يكن ذلك (٥) على مطلق اللفظ في اللغة ، وذلك محقّق في مسائل الخلاف.

والأصل في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : الأعمال بالنية ، ولكل امرئ ما نوى.

وهذا عامّ في العبادات والمعاملات ، وهذا حديث غريب اجتمعت فيه فائدتان :

إحداهما تأسيس القاعدة.

والثانية عموم اللفظ ، في كلّ حكم (٦) منوىّ. والذي يقول إنه إن حلف ألّا يفترش فراشا وقصد بيمينه الاضطجاع ، أو حلف ألّا يستصبح ، ونوى (٧) ألّا ينضاف إلى نور عينيه نور يعضده ، فإنه يحنث بافتراش الأرض والتنوّر بالشمس ، وهذا حكم جار على الأصل. الآية السادسة ـ قوله تعالى (٨) : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً).

لم تزل هذه الآية مخبوءة تحت أستار المعرفة حتى هتكها الله عزّ وجلّ بفضله لنا ، وقد تعلّق كثير من الناس بها (٩) في أن أصل الأشياء الإباحة ، إلا ما قام عليه دليل بالحظر (١٠) ، واغترّ به (١١) بعض المحققين وتابعهم عليه.

وقد حققناها في أصول الفقه بما الإشارة إليه أن الناس اختلفوا في هذه الآية على ثلاثة أقوال :

الأول أن الأشياء كلّها على الحظر حتى يأتى دليل الإباحة.

__________________

(١) في ا : إليها.

(٢) في ص : لأن الأيمان محمولة على المعتاد المتعارف من الأسماء ، وليس في العادة إطلاق هذا الاسم للأرض والشمس.

(٣) في ق : وأما المالكية. وعند ما يقول المؤلف : علماؤنا ، فإنما يريد المالكية.

(٤) في ا : الذي.

(٥) في ا : وبعد أن لم يكن ذلك حمل على مطلق اللفظ.

(٦) في ا : والثانية عموم اللفظ فكل حكم.

(٧) في م : وقصد.

(٨) الآية التاسعة والعشرون.

(٩) في ا : بهذا.

(١٠) في م : بالنظر.

(١١) في م : واعتبر.

١٣

الثاني أنها كلّها على الإباحة حتى [٨] يأتى دليل الحظر.

الثالث أن لا حكم لها حتى يأتى الدليل بأى حكم اقتضى فيها (١).

والذي يقول بأن أصلها إباحة أو حظر اختلف منزعه في دليل ذلك ؛ فبعضهم تعلق فيه بدليل العقل ، ومنهم من تعلق بالشرع.

والذي يقول : إن طريق ذلك الشرع قال : الدليل على الحكم بالإباحة قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) ، فهذا سياق (٢) القول في المسألة إلى الآية.

فأما سائر الأقسام المقدمة فقد أوضحناها في أصول الفقه ، وبيّنا أنه لا حكم للعقل ، وأن الحكم للشرع ؛ ولكن ليس لهذه الآية في الإباحة ودليلها مدخل ولا يتعلق بها محصل.

وتحقيق ذلك أن الله تعالى إنما ذكر هذه الآية في معرض الدلالة ، والتنبيه على طريق العلم والقدرة وتصريف المخلوقات بمقتضى التقدير والإتقان بالعلم وجريانها في التقديم والتأخير بحكم الإرادة ، وعاتب الله تعالى الكفار على جهالتهم بها ، فقال (٣) : (أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ. وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ).

فخلقه سبحانه وتعالى الأرض ، وإرساؤها بالجبال ، ووضع البركة فيها ، وتقدير الأقوات بأنواع الثمرات وأصناف النبات إنما كان لبنى آدم ؛ تقدمة لمصالحهم ، وأهبة لسدّ مفاقرهم ، فكان قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) مقابلة الجملة بالجملة ؛ للتنبيه على القدرة المهيّأة لها للمنفعة والمصلحة ، وأن جميع ما في الأرض إنما هو لحاجة الخلق ؛ والبارئ تعالى غنىّ عنه متفضّل به ، وليس في الإخبار بهذه العبارة (٤) عن هذه الجملة ما يقتضى حكم الإباحة ، ولا جواز التصرّف ؛ فإنه لو أبيح جميعه جميعهم جملة منثورة النظام لادّى ذلك إلى قطع الوصائل والأرحام ، والتهارش في الحطام (٥). وقد بيّن لهم طريق الملك ، وشرح لهم مورد الاختصاص ، وقد اقتتلوا وتهارشوا وتقاطعوا ؛ فكيف لو شملهم التسلّط وعمّهم

__________________

(١) في ا : اقتضاه فيها.

(٢) في ا : بمعونة انسياق.

(٣) سورة فصلت ، آية ٩ ، ١٠

(٤) م : بهذه القدرة.

(٥) التهارش : التقاتل. والحطام ـ كغراب : ما تكسر من اليبس.

١٤

الاسترسال ؛ وإنما يجب على الخلق ـ إذا سمعوا هذا النداء ـ أن يخرّوا سجّدا ؛ شكرا لله تعالى لهذه الحرمة لحق ما ذلك من نعمه ، ثم يتوكّفوا (١) بعد ذلك سؤال وجه الاختصاص لكلّ واحد بتلك المنفعة.

ونظير هذا من المتعارف بين الخلق على سبيل التقريب لتفهيم الحقّ ما لو قال حكيم لبنيه : قد أعددت لكم ما عندي من كراع (٢) وسلاح ومتاع وعرض وقرض لما كان ذلك مقتضيا لتسليطهم عليه كيف شاءوا حتى يكون منه بيان كيفية اختصاصهم.

وقد قال الله سبحانه : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ـ يعنى في الجنة. فلا يصل أحد منهم إليه إلّا بتبيان حظّه منه وتعيين اختصاصه به.

الآية السابعة ـ قوله تعالى (٣) : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ).

قال علماؤنا : البشارة هي الإخبار عن المحبوب ، والنذارة هي الإخبار بالمكروه ، وذلك في البشارة يقتضى أول مخبر بالمحبوب ، ويقتضى في النّذارة كلّ مخبر.

وترتّب على هذا مسألة من الأحكام ، وذلك قول المكلّف : من بشرنى من عبيدي بكذا فهو حرّ.

فاتفق العلماء على أنّ أول مخبر له به يكون عتيقا دون الثاني.

ولو قال : من أخبرنى من عبيدي بكذا فهو حرّ ، فهل يكون الثاني مثل الأول أم لا؟ اختلف الناس فيه (٤) ؛ فقال أصحاب الشافعىّ : يكون حرّا ؛ لأن كل واحد منهم مخبر [٩]. وعند علمائنا لا يكون به حرّا ؛ لأن الحالف إنما قصد خبرا يكون بشارة ، وذلك يختصّ بالأول ، وهذا معلوم عرفا ، فوجب صرف اللفظ إليه.

فإن قيل : فقد قال الله تعالى (٥) : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) ، فاستعمل البشارة في المكروه.

فالجواب أنّهم كانوا يعتقدون أنهم يحسنون ، وبحسب ذلك كان نظرهم للبشرى ، فقيل لهم : بشارتكم على مقتضى اعتقادكم عذاب أليم. فخرج اللفظ على ما كانوا يعتقدون أنهم

__________________

(١) التوكف : التوقع والانتظار.

(٢) الكراع : اسم يجمع الخيل.

(٣) الآية الخامسة والعشرون.

(٤) في ا : اختلفوا فيه.

(٥) سورة آل عمران ، آية ٢١

١٥

محسنون ، وبحسب ذلك كان نظر له على الحقيقة ، كقوله تعالى (١) : (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً).

الآية الثامنة ـ قوله تعالى (٢) : (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ).

العهد على قسمين :

أحدهما فيه الكفّارة ، والآخر لا كفّارة فيه ، فأما الذي فيه الكفّارة فهو الذي يقصد به اليمين على الامتناع عن الشيء أو الإقدام عليه.

وأما العهد الثاني فهو العقد الذي يرتبط به المتعاقدان على وجه يجوز في الشريعة ويلزم في الحكم ، إما على الخصوص بينهما ، وإما على العموم على الخلق ، فهذا لا يجوز حلّه ، ولا يحلّ نقضه ، ولا تدخله كفّارة ، وهو الذي يحشر ناكثه غادرا (٣) ، ينصب له لواء بقدر غدرته ، يقال : هذه غدرة فلان.

وأما مالك فيقول : العهد باليمين ، لم يجز حلّه لأجل العقد (٤) وهو المراد بقوله تعالى(٥) : (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها ، وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً). وهذا ما لا اختلاف فيه.

الآية التاسعة ـ قوله تعالى (٦) : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ).

اتفقت الأمة على أن السجود لآدم لم يكن سجود عبادة ، وإنما كان على أحد وجهين : إما سلام الأعاجم بالتكفّى والانحناء والتعظيم ، وإما وضعه قبلة كالسجود للكعبة وبيت المقدس ، وهو الأقوى ؛ لقوله في الآية الأخرى (٧) : (فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ). ولم يكن على معنى التعظيم ؛ وإنما صدر على وجه الإلزام للعبادة واتخاذه قبلة ، وقد نسخ الله تعالى جميع ذلك في هذه الملة.

الآية العاشرة ـ قوله تعالى (٨) : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ).

فيها مسألتان :

__________________

(١) سورة الفرقان ، آية ٢٤

(٢) الآية السابعة والعشرون.

(٣) نكث العهد : نقضه.

(٤) في م : وذلك هذا العهد باليمن لم يجز حده.

(٥) سورة النحل ، آية ٩١

(٦) الآية الرابعة والثلاثون.

(٧) سورة الحجر ، آية ٢٩

(٨) الآية الخامسة والثلاثون.

١٦

المسألة الأولى ـ جاء في كتاب التفسير أنّ إبليس حاول آدم على أكلها ، فلم يقدر عليه ، وحاول حوّاء ، فخدعها فأكلت فلم يصبها مكروه ، فجاءت آدم فقالت له : إن الذي تكره من الأكل قد أتيته فما نالني مكروه. فلما عاين ذلك آدم اغترّ فأكل ، فحلّت بهما النقمة والعقوبة ، وذلك لقول الله سبحانه : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) ؛ فجمعهما في النهى ، فلذلك لم تنزل بهما العقوبة حتى وجد المنهىّ عنه منهما جميعا.

واستدلّ بهذا بعض العلماء على أن من قال لزوجتيه أو أمتيه : إن دخلتما علىّ الدار فأنتما طالقتان أو حرّتان ـ أنّ الطلاق والعتق لا يقع بدخول إحداهما.

وقد اختلف علماؤنا رحمة الله عليهم في ذلك على ثلاثة أقوال :

فقال ابن القاسم : لا تطلقان ولا تعتقان إلا باجتماعهما في الدار في الدخول ، حملا على هذا الأصل ، وأخذا بمقتضى مطلق اللفظ.

وقال مرة أخرى : تعتقان جميعا ، وتطلقان جميعا بوجود الدخول من إحداهما ؛ لأن بعض الحنث حنث ، كما لو حلف ألّا يأكل هذين الرغيفين ، فإنه يحنث بأكل أحدهما ، بل بأكل لقمة منهما حسبما بيّنّاه [١٠] في أصول المسائل.

وقال أشهب : تعتق وتطلق التي دخلت وحدها ؛ لأنّ دخول كل واحدة منهما شرط في طلاقها أو عتقها.

وقد قال مالك في كتاب محمد بن الموّاز فيمن قال لزوجته : إن وضعت فأنت طالق وهي حامل ، فوضعت ولدا وبقي في بطنها آخر : إنها لا تطلق حتى تضع الآخر.

وقال مرة أخرى : تطلق بوضع الأول.

والصحيح أنّ اليمين إن لم يكن لها نيّة وبساط يقتضى ذلك من الجمع بينهما أو بساط أو نيّة ، فإن القول أشهب ، ويشبه أن يكون هذا من علمائنا اختلاف حال لا اختلاف قول ؛ فأما الحكم بطلاقهما أو عتقهما معا بدخول واحدة منهما فبعيد ؛ لأن بعض الشرط لا يكون شرطا إجماعا ، وأما الحكم بالحنث (١) بأكل بعض الرغيفين فلأنه محلوف عليه ،

__________________

(١) في م : وأما الحنث.

١٧

وبعض الحنث حنث حقيقة ؛ لأن الاجتناب الذي عقده لا يوجد منه (١).

المسألة الثانية ـ قوله تعالى : (هذِهِ الشَّجَرَةَ).

اختلف الناس كيف أكل آدم من (٢) الشجرة على خمسة أقوال :

الأول ـ أنه أكلها سكران (٣) ، قاله سعيد بن المسيّب.

الثاني ـ أنه أكل من جنس الشجرة لا من عينها ، كأن إبليس غرّه بالأخذ بالظاهر ، وهي أول معصية عصى الله بها على هذا القول فاجتنبوه ؛ فإنّ في اتباع الظاهر على وجهه هدم الشريعة (٤) حسبما بيّنّاه في غير ما موضع ، وخصوصا في كتاب النواهي عن الدواهي.

الثالث ـ أنه حمل النهى على التنزيه دون التحريم.

الرابع ـ أنه أكل متأوّلا لرغبة الخلد ، ولا يجوز تأويل ما يعود على المتأول بالإسقاط.

الخامس ـ أنه أكل ناسيا.

فأما القول [الأول] (٥) بأنه أكلها سكران فتعلّق به بعض الناس في أن أفعال السكران معتبرة في الأحكام والعقوبات ، وأنه لا يعذر في فعل ؛ بل يلزمه حكم كلّ فعل ، كما يلزم الصاحي ، كما ألزم الله تعالى آدم حكم الخلاف في المعصية مع السّكر.

وقد اختلف علماؤنا في أفعال السّكران على ثلاثة أقوال : أحدهما أنها معتبرة. الثاني أنها لغو. الثالث أنّ العقود غير معتبرة كالنكاح ، وأن الحلّ معتبر كالطلاق. ولذا (٦) إذا أكل من جنسها فدليل على أنه إذا حلف ألّا يأكل من هذا الخبز فأكل من جنسه حنث.

وتحقيق المذاهب فيه أن أكثر العلماء قالوا : لا حنث عليه. وقال مالك وأصحابه : إن اقتضى بساط اليمين تعيين المشار إليه لم يحنث بأكل جنسه ، وإن اقتضى بساط اليمين أو سببها أو نيّتها الجنس حمل عليه ، وحنث بأكل غيره ، وعليه حملت قصة آدم ؛ فإنه نهى

__________________

(١) في ا : لا يوجد منهما.

(٢) في ا : منها.

(٣) في هامش م هنا : مسألة في أفعال السكران.

(٤) في م : فإن في اتباع الظاهر على وجه هذه الشريعة. ونراه تحريفا.

(٥) من م.

(٦) في م : وأما إذا أكل. وفي هامش م هنا : مسألة فيمن حلف ألا يأكل من شيء فأكل من جنسه.

١٨

عن شجرة عيّنت له ، وأريد به جنسها ، فحمل القول على اللفظ دون المعنى كما تقدم.

وقد اختلف علماؤنا في فرع من هذا ، وهو أنه إذا حلف ألا يأكل هذه الحنطة فأكل خبزا منها على قولين :

فقال في الكتاب : إنه يحنث ؛ لأنها هكذا تؤكل. وقال ابن المواز : لا شيء عليه ، لأنه لم يأكل حنطة ، وإنّما أكل خبزا ، فراعى الاسم والصفة.

ولو قال في يمينه : لا آكل من هذه الحنطة حنث بأكل الخبز المعمول منها.

وأما حمل النهى على التنزيه فهي ـ وإن كانت مسألة من أصول الفقه ـ وقد بيّنّاها في موضعها ، فقد سقط ذلك [١١] ها هنا فيها لقوله تعالى : (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) ، فقرن (١) النّهى بالوعيد ؛ ولا خلاف مع ذلك فيه. وكيف يصحّ أن يقال له لا تأكلها فتكون من الظالمين ، ويرجو أن يكون من الخالدين.

وأما قوله : إنه أكلها ناسيا فسيأتى في سورة طه إن شاء الله تعالى.

(التنقيح) أما القول بأنّ آدم أكلها سكران ففاسد نقلا وعقلا : أما النقل فلأنّ هذا لم يصح بحال ، وقد نقل عن ابن عباس أنّ الشجرة التي نهى عنها الكرم ، فكيف ينهى عنها ويوقعه الشيطان فيها ، وقد وصف الله خمر الجنة بأنها لا غول (٢) فيها ، فكيف توصف بغير صفتها التي أخبر الله تعالى بها عنها في القرآن.

وأما (٣) العقل فلانّ الأنبياء بعد النبوة منزّهون (٤) عما يؤدّى إلى الإخلال بالفرائض واقتحام الجرائم.

وأما سائر التوجيهات فمحتملة ، وأظهرها الثاني ، والله أعلم.

الآية الحادية عشرة ـ قوله تعالى : (وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) (٥).

روى أنه لما أكل آدم من الشجرة سلخ عن كسوته ، وخلع من ولايته ، وحطّ عن مرتبته ، فلما نظر إلى سوأته منكشفة قطع الورق من الثمار وسترها.

وهذا هو نصّ القرآن ، وفي ذلك مسألتان :

__________________

(١) في م : فتقرر.

(٢) الغول : السكر.

(٣) هنا في الهامش : مسألة في تحسين العقل.

(٤) في ق : معصومون.

(٥) هكذا في ا ، م. وهذه الآية في سورة الأعراف ، آية ٢٢ ، وسورة طه ، آية ١٢١ ، لا في سورة البقرة.

١٩

[المسألة الأولى ـ بأى شيء سترها؟] (١)

فقالت طائفة : سترها بعقله حين رأى ذلك من نفسه منكشفا ، منهم القدرية ، وبه قال أقضى القضاة الماوردي.

ومنهم من قال : إنه سترها استمرارا على عادته ومنهم من قال : إنما سترها بأمر الله.

فأما من قال : إنه سترها بعقله فإنه بناها على أن العقل يوجب ويحظر ويحسن ويقبّح ، وهو جهل عظيم بيّنّاه في أصول الفقه ، وقد وهل (٢) أقضى القضاة في ذلك ، إلا أنه يحتمل أنه سترها من ذات نفسه من غير أن يوجب ذلك عليه شيء ، فيرجع ذلك إلى القول الثاني أنه سترها عادة.

وأما من قال : إنه سترها بأمر الله ، فذلك صحيح لا شكّ فيه ؛ لأن الله تعالى لما خلق آدم عليه السلام علّمه الأسماء وعرّفه الأحكام فيها ، وأسجل له بالنبوة ، ومن جملة الأحكام ستر العورة.

المسألة الثانية ـ ممّن سترها؟ ولم يكن معه إلا أهله الذين ينكشف عليهم وينكشفون عليه (٣)؟ وقد قدمنا في مسائل الفقه وشرح الحديث وجوب ستر العورة وأحكامها [ومحلها] (٤) ، ويحتمل أن يكون آدم سترها من زوجه بأمر جازم في شرعه ، أو بأمر ندب ، كما هو عندنا.

ويحتمل أن يكون آدم سترها من زوجه بأمر جازم في شرعه ، أو بأمر ندب ، كما هو عندنا.

ويحتمل أن يكون ما رأى سترها إلا لعدم الحاجة إلى كشفها ، لأنه كان من شرعه أنه لا يكشفها إلّا للحاجة. ويجوز أنه كان مأمورا بسترها في الخلوة ، وقد أمر النبىّ صلى الله عليه وسلم بسترها في الخلوة ، وقال : الله أحقّ أن يستحى منه ، وذلك مبيّن في موضعه.

وبالجملة فإن آدم لم يأت من ذلك شيئا إلا بأمر من الله لا بمجرّد عقل ، إذ قد بيّنّا فساد اقتضاء العقل لحكم شرعي.

الآية الثانية عشرة ـ قوله تعالى (٥) : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ).

كان من أمر الله سبحانه بالصلاة والزكاة والركوع أمر بمعلوم متحقّق سابق للفعل

__________________

(١) ليس في م.

(٢) وهل في ذلك : غلط فيه ونسيه. وفي م : ذهل.

(٣) هنا في هامش م : مسألة ستر العورة.

(٤) ليس في م.

(٥) الآية الثالثة والأربعون.

٢٠