إعراب القرآن - ج ١

الزجّاج

إعراب القرآن - ج ١

المؤلف:

الزجّاج


المحقق: ابراهيم الأبياري
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٨

١

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

تمهيد لا تقديم

هذا الكتاب يحمل اسم «إعراب القرآن» ويحمل إلى جانب هذا العنوان اسم مؤلف: هو «الزجّاج».

وحول اسم الكتاب ، وحول اسم المؤلف دراسة ، سيكون مكانها في آخر الكتاب مع الفهارس.

من أجل هذا جعلت هذه الكلمة تمهيدا لا تقديما ، أردت أن أشير إلى هذا الذي شككت فيه ، وإلى هذا الذي أنتويه. كما أردت أن أشير إلى أن هذه التقسمة ، التي ستخرج بالكتاب في أقسام ثلاثة ـ هذا أولها ـ ليست من صنع المؤلف ، فلقد جعل المؤلف كتابه أبوابا تبلغ التسعين ، لم يفعل غير هذا ، وجعلته أنا أقساما يمليها الحجم ويمليها التيسير ؛ يضم كل قسم أبوابا كاملة. ولسوف يضم هذا القسم الأول تسعة عشر بابا. ولسوف تمضي صفحات الأقسام متصلة ، لتكون مجموعها كتابا واحدا ، تفصل بينه هذه التجزئة ، ولتستوي فهارسه في يسر لا يضار بتلك التجزئة.

هذا ما أردت أن أمهد به ، لأصل القارئ بالكتاب وبعملي ، فلا يسبق بالاستدراك عليّ قبل أن يبلغ الكتاب أجله.

وإلى اللقاء مع هذه الدراسة التي أرجو أن ينفعني فيها المضي في الكتاب إلى آخره تحقيقا ، وأن يعينني عليها الاستيعاب الكامل بما يكشف ، والتنقيب المتصل بما ينفع ، والله المستعان.

إبراهيم الأبياري

٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

مقدّمة المؤلف

الباب الأول ما ورد في التنزيل من إضمار الجمل.

الباب الثاني ما جاء في التنزيل من حذف المضاف.

الباب الثالث ما جاء في التنزيل معطوفا بالواو والفاء وثم من غير ترتيب الثاني على الأول.

الباب الرابع ما جاء في التنزيل وقد حذف منه حرف الجر.

الباب الخامس ما جاء في التنزيل وقد زيدت فيه «لا» و «ما» ، وفي بعض ذلك اختلاف وفي بعض ذا اتفاق.

الباب السادس ما جاء في التنزيل من الأسماء التي سميت بها الأفعال.

الباب السابع ما جاء في التنزيل من أسماء الفاعلين مضافة إلى ما بعدها بمعنى الحال أو الاستقبال. الباب الثامن ما جاء في التنزيل من إجراء «غير» في الظاهر على المعرفة.

الباب التاسع ما جاء في التنزيل من كاف الخطاب المتصلة بالكلمة ولا موضع لها من الإعراب.

الباب العاشر ما جاء في التنزيل من المبتدأ ويكون الاسم على إضمار المبتدأ وقد أخبر عنه بخبرين.

الباب الحادي عشر ما جاء في التنزيل من الإشمام والروم.

الباب الثاني عشر ما جاء في التنزيل ويكون الجار والمجرور في موضع الحال محتملا ضميرا من صاحب الحال.

٣

الباب الثالث عشر ما جاء في التنزيل دالا على جواز تقديم خبر المبتدأ.

الباب الرابع عشر ما جاء في التنزيل وقد حذف الموصوف وأقيم صفته مقامه.

الباب الخامس عشر ما جاء في التنزيل من حذف الجار والمجرور.

الباب السادس عشر ما جاء في التنزيل وقد حذف منه همزة الاستفهام.

الباب السابع عشر ما جاء في التنزيل من اجتماع الهمزتين.

الباب الثامن عشر ما جاء في التنزيل من لفظ «من» و «ما» و «الذي» و «كل» و «أحد» وغير ذلك.

الباب التاسع عشر ما جاء في التنزيل من ازدواج الكلام والمطابقة والمشاكلة وغير ذلك.

الباب العشرون ما جاء في التنزيل من حذف المفعول أو المفعولين.

الباب الحادي والعشرون ما جاء في التنزيل من الظروف التي يرتفع ما بعدهن بهن.

الباب الثاني والعشرون ما جاء في التنزيل من «هو» و «أنت» فصلا ويسميه الكوفيون «العماد».

الباب الثالث والعشرون ما جاء في التنزيل من المضمرين إلى أي شيء يعود مما قبلهم.

الباب الرابع والعشرون ما جاء في التنزيل وقد بدل الاسم من المضمر الذي قبله والمظهر. الباب الخامس والعشرون ما جاء في التنزيل من الكلمات التي فيها همزة ساكنة.

الباب السادس والعشرون ما جاء في التنزيل من العطف على الضمير المرفوع.

الباب السابع والعشرون ما جاء في التنزيل مما لحقت فيه إن التي للشرط وما لحقت النون فعل الشرط.

الباب الثامن والعشرون ما جاء في التنزيل عقب اسمين كفيا عن أحدهما اكتفاء بذكره.

٤

الباب التاسع والعشرون ما جاء في التنزيل مما صار الفعل فيه عوضا عن نقصان لحق الكلمة.

الباب الثلاثون ما جاء في التنزيل وقد حمل فيه اللفظ على المعنى ، وحكم عليه بما يحكم على معناه لا على اللفظ.

الباب الحادي والثلاثون ما جاء في التنزيل من حذف «إن» وحذف المصادر والفصل بين الصلة والموصول.

الباب الثاني والثلاثون ما جاء في التنزيل من حذف حرف النداء والمنادى.

الباب الثالث والثلاثون ما جاء في التنزيل وقد حذف منه المضاف إليه.

الباب الرابع والثلاثون ما جاء في التنزيل من حروف الشرط

ودخلت عليه اللام الموطئة للقسم.

الباب الخامس والثلاثون ما جاء في التنزيل من التجريد.

الباب السادس والثلاثون ما جاء في التنزيل من الحروف الزائدة في تقدير وهي غير زائدة في تقدير آخر.

الباب السابع والثلاثون ما جاء في التنزيل من التقديم والتأخير وغير ذلك.

الباب الثامن والثلاثون ما جاء في التنزيل من اسم الفاعل الذي يتوهم فيه جريه على غير من هو له ، ولم يبرز فيه الضمير.

الباب التاسع والثلاثون ما جاء في التنزيل نصبا على المدح ورفعا عليه.

الباب الأربعون ما جاء في التنزيل من المبتدأ المحذوف خبره.

الباب الحادي والأربعون ما جاء في التنزيل من «إن» المكسورة المخففة من «إنّ».

الباب الثاني والأربعون ما جاء في التنزيل من المفرد ويراد به الجمع.

الباب الثالث والأربعون ما جاء في التنزيل من المصادر المنصوبة بفعل المضمر دل عليه ما قبله.

الباب الرابع والأربعون ما جاء في التنزيل من دخول لام إن على اسمها وخبرها. الباب الخامس والأربعون ما جاء في التنزيل وفيه اختلاف بين سيبويه وأبي العباس.

٥

الباب السادس والأربعون ما جاء في التنزيل من إدخال همزة الاستفهام على الشرط والجزاء.

الباب السابع والأربعون ما جاء في التنزيل من إضمار الحال والصفة جميعا.

الباب الثامن والأربعون ما جاء في التنزيل من الجمع يراد به التثنية.

الباب التاسع والأربعون ما جاء في التنزيل منصوبا على المضاف إليه.

الباب الخمسون ما جاء في التنزيل وإن فيه بمعنى أي.

الباب الحادي والخمسون ما جاء في التنزيل من المضاعف وقد أبدلت من لامه حرف لين.

الباب الثاني والخمسون ما جاء في التنزيل من حذف واو العطف.

الباب الثالث والخمسون ما جاء في التنزيل من الحروف التي أقيم بعضها مقام بعض.

الباب الرابع والخمسون ما جاء في التنزيل من اسم الفاعل المضاف إلى المكنى.

الباب الخامس والخمسون ما جاء في التنزيل في جواب الأمر.

الباب السادس والخمسون ما جاء في التنزيل من المضاف الذي اكتسب من المضاف إليه بعض أحكامه.

الباب السابع والخمسون ما جاء في التنزيل وصار المضاف إليه عوضا عن شيء محذوف.

الباب الثامن والخمسون ما جاء في التنزيل معطوفا وليس المعطوف مغايرا للمعطوف عليه.

الباب التاسع والخمسون ما جاء في التنزيل من التاء في المضارع.

الباب الستون ما جاء في التنزيل من واو الحال تدخل على الجملة من الفعل والفاعل.

الباب الحادي والستون ما جاء في التنزيل من حذف «هو» من الصلة.

الباب الثاني والستون ما جاء في التنزيل من إجراء غير اللازم مجرى اللازم ، وإجراء اللازم مجرى غير اللازم.

الباب الثالث والستون ما جاء في التنزيل من الحروف المحذوفة لشبهها بالحركات.

٦

الباب الرابع والستون ما جاء في التنزيل أجرى فيه الوصل مجرى الوقف.

الباب الخامس والستون ما جاء في التنزيل من باب النسب. الباب السادس والستون ما جاء في التنزيل أضمر فيه المصدر لدلالة الفعل عليه.

الباب السابع والستون ما جاء في التنزيل على وزن مفعل بفتح العين ويراد به المصدر ويوهمك أنه مكان.

الباب الثامن والستون ما جاء من حذف إحدى التاءين في أول المضارع.

الباب التاسع والستون ما جاء في التنزيل حمل فيه الاسم على الموضع دون اللفظ.

الباب السبعون ما جاء في التنزيل حمل فيه ما بعد إلا على ما قبله وقد تم الكلام.

الباب الحادي والسبعون ما جاء في التنزيل وقد حذف منه ياء النسب.

الباب الثاني والسبعون ما جاء في التنزيل وقد أبدل المستثنى من المستثنى منه.

الباب الثالث والسبعون ما جاء في التنزيل وأنت تظنه فعلت الضرب في معنى ضربته.

الباب الرابع والسبعون ما جاء في التنزيل مما تخرج على أبنية التصريف.

الباب الخامس والسبعون ما جاء في التنزيل من القلب والإبدال.

الباب السادس والسبعون ما جاء في التنزيل من إذا الزمانية

وإذا المكانية وغير ذلك.

الباب السابع والسبعون ما جاء في التنزيل من أحوال النون عند الحروف.

الباب الثامن والسبعون ما جاء في التنزيل وقد وصف المضاف بالمبهم.

الباب التاسع والسبعون ما جاء في التنزيل وذكر الفعل وكنى عن مصدره.

الباب الثمانون ما جاء في التنزيل وعبر عن العقلاء بلفظ العقلاء.

الباب الحادي والثمانون ما جاء في التنزيل وظاهره يخالف ما في كتاب سيبويه ، وربما يشكل على البزّل الحذّاق فيغفلون عنه.

الباب الثاني والثمانون ما جاء في التنزيل من اختلافهم في لفظة «ما» من أي قسمة هي؟

٧

الباب الثالث والثمانون ما جاء في التنزيل من تفنن الخطاب والانتقال من الغيبة إلى الخطاب ، ومن الخطاب إلى الغيبة ومن الغيبة إلى المتكلم.

الباب الرابع والثمانون نوع آخر من إضمار الذكر.

الباب الخامس والثمانون ما جاء في التنزيل حمل فيه الفعل على موضع الفاء في جواب الشرط فجزمه.

الباب السادس والثمانون ما جاء في التنزيل وقد رفض فيه الأصل واستعمل ما هو فرع.

الباب السابع والثمانون ما جاء في التنزيل من القراءة التي رواها سيبويه في كتابه.

الباب الثامن والثمانون وهذا نوع آخر من القراءات.

الباب التاسع والثمانون ما جاء في التنزيل من ألفاظ استعملت استعمال القسم وأجيبت بجواب القسم.

الباب التسعون ما جاء في التنزيل من الأفعال المفرغة لما بعد إلا.

فهذه تسعون بابا أخرجتها من التنزيل بعد فكر وتأمّل ؛ وطول الإقامة على درسه ، ليتحقّق للناظر فيه قول القائل : (١)

أحبب النّحو من العلم فقد

يدرك المرء به أعلى الشّرف

إنما النّحويّ في مجلسه

كشهاب ثاقب بين السّدف

يخرج القرآن من فيه كما

تخرج الدّرة من بين الصّدف

وأنشد أبو الحسن الكسائي : (١)

إنما النحو قياس يتّبع

وبه في كل أمر ينتفع

فإذا ما أبصر النحو الفتى

مرّ في المنطق مرّا فاتسع

__________________

(١) نسبت هذه الأبيات لجامع العلوم علي بن الحسين (إثبات الرواة : ٢ : ٢٤٩ ، بنية الوعاة : ٢ : ١٦٠ ومعجم الأدباء : ١٣ : ١١٦).

(٢) هو أبو الحسن علي بن الكسائي إمام في اللغة والنحو والقراءة ، من أهل الكوفة وكانت وفاته سنة تسع وثمانين ومائة (١٨٩ ه‍) (إنباه الرواة : ٢ : ٢٥٦).

٨

واتّقاه كلّ من جالسه

من جليس ناطق أو مستمع

وإذا لم يبصر النحو الفتى

هاب أن ينطق جبنا (٢) فانقمع

فتراه ينصب الجرّ وما

كان من نصب ومن جرّ (٣) رفع

يقرأ القرآن لا يعرف ما

صرّف الإعراب فيه وصنع

وإذا يبصره (٤) يقرؤه

وإذا ما شكّ في حرف رجع

ناظرا فيه وفي إعرابه

فإذا ما عرف الحقّ (٥) صدع

__________________

(٢) في إنباه الرواة (٢ : ٢٦٧) : «فانقطع».

(٣) رواية البيت في إنباه الرواة :

فتراه ينصب الرفع وما

كان من نصب ومن خفض رفع

(٤) في إنباه الرواة : «يعرفه».

(٥) في إنباه الرواة : «اللحن».

٩
١٠

الأول

هذا باب ما ورد في التنزيل من إضمار الجمل

ولا شك أنك قد عرفت الجمل ، ألا ترى أنهم زعموا أنّ الجمل اثنتان (١) : فعليّة واسميّة ، وقد ورد القبيلان فى التّنزيل.

وذكر إضمار الجمل سيبويه فى مواضع : من ذلك قوله :

«العباد مجزيّون بأعمالهم ، إن خيرا فخير ، وإن شرّا فشر» (٢) أي إن عملوا خيرا فالمجزىّ به خير.

ومثله :

«هذا ولا زعماتك» (٣) ، أي : ولا أتوهّم. أو : «فرقا خير من حب» (٤) ، أي : أفرق (٥).

__________________

(١) في الأصل : «اثنان».

(٢) هو من شواهد النحو ، ويروى «الناس مجزيون بأعمالهم» إلخ.

(٣) هذا مثل ، يقال لمن يزعم زعمات ويصح غيرها. أي هذا هو الحق ولا أتوهم زعماتك وما زعمت.

ومنه قول ذي الرمة :

لقد خط رومى ولا زعماته

لعتبة خطا لم تطبق مفاصله

وانظر الكتاب لسيبويه (١ : ١٤١) وشرح المفصل لابن يعيش (١ : ٢٧).

(٤) قيل : أول من تكلم بذلك رجل عند الحجاج ، وكان صنع عملا فاستجاده الحجاج ، وقال : كل هذا حبا؟ فقال الرجل مجيبا : «أو فرقا خيرا من حب!» أي فعلت هذا لأني أفرقك فرقا خيرا من حب.

(٥) في الأصل : «الفرق» وهو تحريف. والتصويب من شرح المفصل لابن يعيش (١ : ١١٣) والكتاب لسيبويه (١ : ١٣٦).

١١

قال (١) : وحدثنا أبو الخطّاب (٢) أنه سمع بعض العرب ، وقيل له : لم أفسدتم مكانكم هذا؟ قال : الصبيان يا أبى. فنصب ، كأنه حذر أن يلام فقال : لم الصّبيان (٣).

ومن ذلك قوله عزوجل : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (٤).

قال : التقدير : أبدأ باسم الله. أو : بدأت باسم الله ، أو : ابدأ باسم الله. وأضمر قوم فيها اسما مفردا على تقدير : ابتدائى باسم الله : فيكون الظرف خبرا للمبتدأ.

وفيه [....] (٥) :

فإذا قدّرت «أبدأ» أو «ابدأ» (٦) يكون «باسم الله». فى موضع النصب مفعولا به (٧).

وإذا قدرت : ابتدائى باسم الله ، يكون التقدير : ابتدائى كائن باسم الله ، ويكون فى «باسم الله» ضمير انتقل إليه من الفاعل (٨) المحذوف ، الذي هو الخبر حقيقة.

ومنه قوله [تعالى] : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ) (٩) أي : واذكر إذ قال ربّك. وإن شئت قدرت : وابتداء خلقكم إذ قال ربك.

__________________

(١) القائل : سيبويه.

(٢) أبو الخطاب : هو الأخفش الأكبر عبد الحميد بن عبد المجيد. كانت وفاته سنة ١٧٧ ه‍ ـ ٧٩٣ م.

بغية الوعاة (ص ٢٩٦).

(٣) الكتاب لسيبويه (١ : ١٢٨) وشرح المفصل لابن يعيش (١ : ١٢٦).

(٤) فاتحة الكتاب : ١.

(٥) ما بين المربعين بياض بالأصل.

(٦) فاتنة الصورة الثانية : «بدأت».

(٧) يريد ما كان على وزن «فاعل».

(٨) البقرة : ٣٠.

١٢

وكذلك قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ) (١) أي : واذكر إذ قلنا للملائكة. وجميع «إذ» فى التنزيل أكثره / على هذا.

ومن حذف الجملة قوله تعالى : (فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ) (٢) أي: فضرب فانفجرت.

نظيره فى «الأعراف» و «الشعراء» : فضرب (فَانْبَجَسَتْ) (٣) ؛ فضرب (فَانْفَلَقَ) (٤).

ومن ذلك قوله تعالى : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ). (٥) أي : فمن اضطر فأكل ، وهو فى صلة «من» و «غير» حال من قوله (اضْطُرَّ) ، أو من الضمير فى «أكل». وفيه كلام يأتيك فى حذف المفعول.

ومثله : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ). (٦) أي : فأفطر فعدة من أيام ، موضعين جميعا (٧).

ومثله : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ). (٨) أي : فيفطرون ففدية.

ومثله : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ) (٩) أي : حلق ففدية.

فهذه أفعال حذفت من الصّلة.

__________________

(١) البقرة : ٣٤.

(٢) البقرة : ٦٠.

(٣) الأعراف : ١٦٠.

(٤) الشعراء : ٦٣.

(٥) الأنعام : ١٤٥.

(٦) البقرة : ١٨٤.

(٧) يريد هذه الآية الكريمة والتي بعدها : (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ).

(٨) البقرة : ١٨٤.

(٩) البقرة : ١٩٦.

١٣

ومثله : (بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) (١) أي : تتّبع ملة إبراهيم حنيفا.

والكسائىّ يقول : نكون أهل ملة إبراهيم حنيفا.

ومثله : (صِبْغَةَ اللهِ) (٢) أي : الزموا صبغة الله.

فأما قوله [تعالى] : (ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا) (٣).

فالتقدير : إذا حلفتم وحنثتم. فحذف «حنثتم» [و] لا بد من إضماره ؛ لأن الكفّارة بالحنث تجب لا بذكر اسم الله.

وهذه من طرائف العربية ؛ لأن «حنثتم» معطوف على «حلفتم» ؛ و «حلفتم» مجرور بالإضافة ، فكأنه قال : وقت حلفكم وحنثكم ، والمتعارف حذف المضاف دون المضاف إليه.

وقد جاء ذلك أيضا فى التنزيل ، وله باب فى هذا الكتاب.

ومن ذلك إضمار «القول» فى قوله [تعالى] : (وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا) (٤) فى الموضعين فى سورة البقرة.

وفى قوله تعالى : (وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا) (٥). أي قلنا لهم : خذوا.

ومثله : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا) (٦) أي : يقولان : ربنا.

__________________

(١) البقرة : ١٣٥.

(٢) البقرة : ١٣٨.

(٣) المائدة : ٨٩.

(٤) البقرة : ٦٣ و ٩٣.

(٥) الأعراف : ١٧١.

(٦) البقرة : ١٢٧.

١٤

ومن ذلك قوله تعالى : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا) (١). أي : يقولون : ربنا. عن الأخفش ؛ لأنه يبتدئ بقوله: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً) (٢) ويسند إليه «يقولون» المضمر.

مثله : (وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ) (٣) أي فقلنا له : خذها بقوّة.

ومنه قوله تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (٢٣) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ) (٤) أي : يقولون : سلام عليكم.

/ ومنه قوله تعالى فى قول الخليل : (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ) (٥).

قال : التقدير : من يقال لهم : أيّهم ؛ فحذف «القول» ، كقولهم :

وكانت عقيل خامرى أمّ عامر (٦)

فيحمله على الحكاية دون «لننزعنّ» ، [على] تعليق العلم عند الكوفيين. [و] يجوز أن يكون تقديره : لننزعن كل شيعة.

__________________

(١) آل عمران : ١٩١.

(٢) الأعراف : ١٤٥.

(٣) الرعد : ٢٣.

(٤) مريم : ٦٩.

(٥) خامرى : استترى. وأم عامر : الضبع. وهذا القول استحماق لها ، فهي ـ كما زعموا ـ من أحمق الدواب ، وإذا أرادوا صيدها رموا في حجرها بحجر فتحسبه شيئا تصيده فتخرج ، فتصاد عند ذلك ، والبيت للأخطل والرواية فيه :

على حين أن كانت عقيل وشائظا

وكانت كلاب خامرى أم عامر

(الكتاب ١ : ٢٥٩).

١٥

وكذلك يجوز عندهم : لننزعنّهم متشايعين ننظر أيّهم أشدّ (١).

وسيبويه يجعله مبنيّا على الضم.

ومن إضمار القول قوله تعالى : (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ). (٢) أي يقال لهم : هذا فوج مقتحم معكم.

ومنه قوله تعالى : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ) (٣) يقولون : ما نعبدهم «فيقولون» خبر المبتدأ.

ومنهم من جعل «يقولون» فى موضع الحال ، وجعل الخبر قوله : (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (٤).

ومنه قوله تعالى : (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ) (٥) أي : «يقولون» :(إِنَّما نُطْعِمُكُمْ) إذ الآيتان داخلتان فى «القول» فلا وقف على قوله : (وَلا شُكُوراً) (٦).

ومنه قوله تعالى : (كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ) (٧).

__________________

(١) في الكلام اضطراب مرده إلى نقص. ومجمل ما في الآية من أقوال : رفع «أيهم» على الحكاية. والمعنى ثم لننزعن من كل شيعة الذين يقال لهم أشد.

قال ابن النحاس : ورأيت أبا إسحاق الزجاج يختار هذا القول ويستحسنه.

(٢) ص : ٥٨ ، ٥٩.

(٣) الزمر : ٣.

(٤) الإنسان : ٩.

(٥) في الأصل بعد قوله «ولا شكورا» جاءت العبارة : «يا رازي مالك وكتاب الله!». وظاهر أن هذه العبارة : من زيادات قارئ في الحاشية ، فالتبست على الناسخ فزادها في المتن. فالرازي متأخر الوفاة عن الزجاج. هذا إلى أن الرازي عند تفسير هذه الآية ـ التفسير الكبير ج ٨ : ص ٢٩٥ ـ لم يعرض لشيء من هذا.

(٦) سبأ : ١٥.

١٦

ومن إضمار «القول» قوله [تعالى] : (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) (١) ، أي : قل للإنسان الطاغي : واقترب تر العجب.

ومثله : (قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ) (٢) ، تقديره : قل لهم : قد جاءكم ، فأضمر «قل». يدل عليه قوله [تعالى] : (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) (٣).

* * *

ومن إضمار الجملة قوله تعالى : (فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ ، أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ ، قالَ : أَلَمْ نُرَبِّكَ) (٤) أي : فأتياه وقالا له : أرسل معنا بنى إسرائيل. [فقال ألم نربّك] (٥).

ومن ذلك قوله تعالى : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ* رِجالٌ) (٦) فى قراءة ابن عامر (٧) مرتّبا للمفعول (٨) ، كأنه قيل : من يسبّح؟ فقال : يسبّحه رجال.

__________________

(١) العلق : ١٩.

(٢) الأنعام : ١٠٤.

(٣) هود : ٨٦.

(٤) الشعراء : ١٨.

(٥) في الأصل : «فقال فمن ربكما» وما بين القوسين المربعين زيادة يستقيم بها الكلام.

(٦) النور : ٣٦ ، ٣٧.

(٧) هو عبد الله بن عامر بن يزيد بن تميم بن ربيعة اليحصبي ، أبو عمران المقرئ الدمشقي. كانت وفاته سنة ١١٨ ه‍ (تهذيب التهذيب ٥ : ٢٧٤).

(٨) «يسبح» بكسر الباء المشددة والياء ، قراءة الجمهور ، والفاعل «رجال» ، وبفتح الباء المشددة ، قراءة ابن عامر وغيره ؛ و «رجال» فاعل بفعل محذوف. وقرأ ابن وثاب وأبو حيوة «تسبح» بكسر الباء المشددة. وقرأ أبو جعفر «تسبح» بفتح الباء المشددة. ووجهها أن تسند إلى أوقات الغدو والآصال ، على زيادة الباء ، وتجعل الأوقات مسبحة. (انظر الكشاف ٣ : ٢٤٢ ـ والبحر المحيط لأبي حيان ـ ٦ : ٤٥٤ و ٤٥٨).

١٧

ومن ذلك قوله تعالى : (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ) (١) إلى قوله : (وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) (٢) أي واللائي لم يحضن فعدّتهن ثلاثة أشهر ، فحذف المبتدأ والخبر.

ومن ذلك قوله تعالى : (لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ) (٣) والتقدير : وأمة غير قائمة (٤).

ومنه قوله تعالى : (وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ) (٥) أي : وهم لا يؤمنون به [كله] ، فحذف «وهم لا يؤمنون [به كله]» (٦).

ومنه قوله تعالى : (وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) (٧) / أي : وسبيل المؤمنين ، فحذف.

__________________

(١) الطلاق : ٤. وهي متصلة : (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ).

(٢) آل عمران : ١١٣.

(٣) في الأصل : «والتقدير : ومنهم أمة غير قائمة». والتصويب من البحر المحيط (٣ : ٣٣) وفيه : «قال الفراء : أمة ، مرتفعة بسواء ، أي ليس مستويا من أهل الكتاب أمة قائمة ، موصوفة بما ذكر ، وأمة كافرة ، فحذفت هذه الجملة المعادلة ، ودل عليها القسم الأول : كقوله :

عصيت إليها القلب إني لأمره

سميع فما أدرى أرشد طلابها

التقدير : «أم غى».

(٤) آل عمران : ١١٩ وأولها : (ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ).

(٥) التكملة من البحر. وفيه : «يدل عليها ـ أي على الحذف ـ إثبات المقابل في : تحبونهم ولا يحبونكم».

(٦) وقيل : خص سبيل المجرمين ، لأنه يلزم من استبانتها استبانة سبيل المؤمنين ، وعليه فلا حذف (البحر ٤ : ١٤١). وعلى الحذف ، فليس المحذوف هنا جملة ، كما يشعر به سياق المؤلف.

(٧) الأنعام : ١٠٩.

١٨

وقيل فى قوله تعالى : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) (٨) إن التقدير : وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون أو يؤمنون ، فحذف ؛ كقوله تعالى : (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ) (١). والتقدير : إن أردن أو لم يردن.

ومنه قوله تعالى : (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) (٢) أي : ويغشى النهار الليل ، فحذف.

ومنه قوله تعالى : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) (٣) أي : وسرابيل تقيكم البرد ، فحذف.

وقال تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا) (٤) أي : يقولون : ربنا.

وقال [تعالى] : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ) (٥) أي : بعثناهم (٦) ليسوءوا.

وقال [تعالى] : (فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ) (٧) أي : فآمنوا وأتوا خيرا لكم (٨).

وقال الكسائي (٩) : يكن الإيمان خيرا لكم (١٠).

__________________

(١) النور : ٣٣.

(٢) الأعراف : ٥٣ ـ الرعد : ٣.

(٣) النحل : ٨١.

(٤) السجدة : ١٢.

(٥) الإسراء : ٧.

(٦) وهو جواب «إذا» يدل عليه جواب «إذا» الأولى في قوله تعالى قبل : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ). (البحر ٦ : ١٠).

(٧) النساء : ١٧٠.

(٨) هذا مذهب الخليل وسيبويه. (البحر ٣ : ٤٠٠).

(٩) وهو قول أبي عبيدة أيضا. (البحر ٣ : ٤٠٠).

(١٠) وثم مذهب ثالث للفراء ، والتقدير : إيمانا خيرا لكم. يجعل «خيرا» نعتا لمصدر محذوف يدل عليه الفعل الذي قبله. (البحر ٣ : ٤٠٠).

١٩

وقال تعالى : (وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ) (١) أي : وأتوا خيرا لأنفسكم (٢). وأنشدوا :

فواعديه سرحتى مالك

أو الرّبا بينهما أسهلا (٣)

أي : ائتى مكانا أسهل.

ومن إضمار الجملة قوله تعالى : (فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى) (٤) أي : فضربوه ببعضها فحيى ، وأخبر بقاتليه (٥) ثمّ خرّ ميتا.

يدل على صحة الإضمار قوله : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ) (٦) ، ف «قست» : معطوف على «خرّ» (٧).

ومن إضمار الجملة قوله تعالى : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) (٨).

أي : فأكل غير باغ فلا إثم عليه.

ونظيره فى المائدة : (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٩). أي : فأكل غير متجانف.

__________________

(١) التغابن : ١٦.

(٢) وزادوا مذهبين ، الرابع : إن «خيرا» حال. والخامس : على أنها مفعول «وأنفقوا». (البحر ٨ : ٢٨٠).

(٣) البيت لعمر بن أبي ربيعة. وسرحتا مالك : موضع بعينه. ويروى : «ذو النقا» مكان «أو الربا» (الكتاب لسيبويه ١ : ١٤٣ ـ والبحر ١ : ١٩٩).

(٤) البقرة : ٧٣.

(٥) الأصل : «بقاتله» ، وانظر «مفاتيح الغيب للرازي» (١ : ٣٩٥).

(٦) البقرة : ٧٤.

(٧) جمهور المفسرين على أن في الكلام حذفا ، يدل عليه ما بعده وما قبله ، والتقدير : فضربوه فحيى. دل على «ضربوه» قوله تعالى : اضربوه ببعضها. ودل على «فحيى» قوله تعالى : (كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى) ولم يقولوا إن فعل القسوة معطوف على هذا الفعل المضمر.

(٨) البقرة : ١٧٣.

(٩) المائدة : ٣.

٢٠