جنة الحوادث في شرح زيارة الوارث

الملّا حبيب الله الشريف الكاشاني

جنة الحوادث في شرح زيارة الوارث

المؤلف:

الملّا حبيب الله الشريف الكاشاني


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: محمد شريف الكاشاني
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ١
الصفحات: ٨٤

١
٢

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله.

____________________________________

الحمد لله الذي جعل زيارة الحسين (ع) وسيلة إلي رحمته للعباد ، وزاداً لهم في المعاد ، والصلوة علي جدّه المصطفي ، وأبيه المرتضي وأخيه المجتبي ، وأمّه الزهراء وذريته الأئمّة الإمجاد ، واللعنة علي أعدائهم ، وأعداء شيعتهم ، من الآن إلي يوم الميعاد.

أمّا بعد : فيقول العبد الواثق بالله ابن علي مدد حبيب الله : ان هذا شرح وجيز علّقته علي الزيارة المعروفة بزيارة الوارث ، مع تراكم العوائق والحوادث وهجوم الهموم والكوارب والغموم والمصائب ، راجياً من الله أن يكشف عنّي الضر ، فأنّه المأمول لكل عسر ويسر وهو أرحم الراحمين.

السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله.

قد علم اولوا الالباب ان السلام تحية الإسلام ، وإنّ التسليم مطيّة التعظيم والتكريم ، وقد ورد عن النبي (ص) إنّه قال : إبدؤا بالسلام قبل الكلام ، فمن بدء بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه اه. وعن علي (ع) قال لا تغضبوا ولا تغضبوا أفشوا السلام وأطيبوا الكلام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام اه. وعن الباقر (ع) قال : إنّ الله يحب

٣

____________________________________

إفشاء السلام اه. وعن الصادق (ع) قال البادي بالسلام أولي بالله ورسوله اه إلي غير ذلك ممّا لا يحصي. فان قال قائل : أو ليس حيوة المسلّم عليه وحضوره وقربه شروطاً لصحة التسليم ، فما معناه في هذه الزيارات؟ قلت : بلي والكل متحقق بالنسبة إلي آل الله المعصومين ، فإنّهم احباء عند ربّهم في بساط القرب وعرش القدس يرزقون بموائد العلم والمعرفة فيطعمون بألوان اطعمة الروحانيين ، ويسقون من كأس المقربين ، يرون مقام شيعتهم ، وبسمعون كلامهم ، ويردون سلامهم كما في الزيارة الرضوية (ع).

ويدل عليه من العقل براهين ساطعة ، ومن النقل أخبار كثيرة لائحة يطول المختصر بذكرها ، وقد كفاك شاهدا علي هذا ما في الزيارة الجامعة «ورضيكم خلفاء في أرضه وحججاً علي بريته إلي قوله وشهدآء علي خلقه واعلاماً لعباده ومناراً في بلاده» وكذا مافيها ايضاً «أنتم السبيل الاعظم والصراط الأقوم وشهداء دار الفناء وشفعاء دار البقاء والرحمة الموصولة والآية المخزونة الخ».

وكذا ما في حديث النورانية يا سلمان ان ميتنا إذا مات لم يمت ومقتولنا إذا قتل لم يقتل وغائبنا إذا غاب لم يغب ولا نلد ولا نولد ولا في البطون ولا يقاس بنا أحد من الناس الخ. وما ورد من التسليم علي أهل القبول ممّا يرفع الإستبعاد المذكور فإنّ المخاطب به هو أرواحهم الباقية ونفوسهم الناطقة التي خلقت للبقاء دون أجسادهم البالية التي يعرضها التلاشي والفناء ، فإذا صح التسليم علي من هذا حاله

٤

____________________________________

فكيف ينكر صحّته بالنسبة إلي المعصومين الذين لا يفني أرواحهم ، ولا يبلي أجسادهم المصونة عند عرش الله العظيم فان كل شيء هالك الا وجهه ، وقد ورد تفسيره بهم (ع) فهم الباقون بعد فناء الأشياء ، فكل من عليها فان ويبقي وجه ربك ذو الجلال والإكرام.

وروي في البصائر بسنده عن الباقر (ع) قال : فال رسول الله (ص) لأصحابه : حيوتي خير لكم تحدثون ونحدث لكم ومماتي خير لكم تعرض علي أعمالكم ، فان رأيت حسناً جميلاً حمدت الله علي ذلك ، وإن رأيت غير ذلك استغفرت الله لكم اه. وكيف كان فعلي الزائر ان يذعن بحيوتهم (ع) وحضورهم وأحاطة علمهم بأحوال شيعتهم ، وأطوارهم وحركاتهم وسكناتهم وجميع تنقلاتهم فليراع الأدب عند زيارتهم ، وليكن بين يديهم خاشعاً خاضعاً ضارعاً مسكيناً مستكيناً كالعبد الذليل الواقف بين يدي مولاه الجليل ، كيف وهم موالي الخلق والخلق كلهم عبيد لهم عبيد الطاعة كما في بعض الأخبار ، بل عبيد الرق كما عن بعض الأخيار بقي الكلام في مواضع ثلثه :

الأوّل : في تفسير السلام فقد إختلفت فيه الأعلام علي وحوه :

منها إنّه مأخوذ من سلم من الآفات سلامة أي سلمت من المكاره والآفات ، وإليه يرجع ما قيل من إنّه دعاء بالسلامة لصاحبه من آفات الدنيا وعذاب الآخرة وضعه الشارع موضع التحية والبشري بالسلامة وكذا ما قيل من إنّه من السلامة من الاذي كما في قوله «فسلام لك من أصحاب اليمين» اي لا يؤذونك ما يؤذيك غيرهم وأنت خبير بأنّ هذا

٥

____________________________________

المعني لا يناسب المقام الا ان يتكلف بجعله دعاء لشيعته ومحبيه.

ومنها : إنّه مأخوذ من السلام الذي هو إسم من أسماء الله كما قال السلام المؤمن ، وقال : لهم دار السلام اي دار الله علي أحد الوجهين سمي به لسلامته وتنزهه عن نقائص الإمكان ، أو لأنّ افعاله صواب وسداد لا يعتريها القصان ، أو لأنّه مسلم ومؤمن لكل من التجأ إلي مابه من مكاره الحدثان ، وحافظ علي كل من توجه إلي جنابه بوسيلة الإيمان فالمعني : الله عليك اي حافظ لأسرارك المستسرة ، وعلومك المكنونة المخزونة من ان ينالها ايدي الجهلة أو عاصم لك من الرجس والسهو والخطاء ، ومن كل ما يكره من المعائب والنقائص ، وقد يقال أنّ المراد إسم السلام عليك اي إسم الله عليك فأن أريد به ما ذكر والا فلا معني له ولذا حملوا قول الشاعر إسم السلام عليكما علي الزيادة وربما يتكلف لتصحيحه بما لا حاجة إليه.

ومنها : إنّه من السلم وهو الصلح كما قال وإن جنحوا للسلم ، وقال إنّي سلمٌ لمن سالمكم وحربٌ لمن حاربكم اي مسالم ، فهذه الكلمة للائذان بالمسالمة وترك المحاربة ، وقد كانوا يؤمنون بها من يخاف شرهم ومكيدتهم.

ومنها : إنّه من التسليم فهو أمّا بشري له بما بشره الله به من السلطنة الكاملة والغلبة علي الأعداء في زمان الرجعة ، أو ايذان بأنّه مسلم ومفوض له جميع أموره مطيع له في جميع أو أمره ونواهيه ، ومؤمن بسرّه وعلانيته ، كما في الزيارة الجامعة : مؤمن بسرّكم وعلانيتكم

٦

____________________________________

وشاهدكم وغائبكم وأوّلكم وآخركم ومفوض في ذلك كلّه إليكم ومسلم فيه معكم وقلبي لكم مسلم ورأيي لكم تببع ونصرتي لكم معدة حتّي يحيي الله تعالي دينه بكم ويردكم في أيّامه ويظهركم لعدله ويمكنكم في أرضه فمعكم معكم لامع عدوكم الخ

ويؤيد الأوّل ما روي عن داود بن كثير الرقي قال : قلت : ما معني السلام علي الله وعلي رسوله (ص) فقالإنّ الله لمّا خلق نبيه ووصيه وابنيه وابنته وجميع الأئمّة وخلق شيعتهم أخذ عليهم الميثاق ، وإن يصبروا ويصاببروا وإن يتقوا اللله ، ووعدهم ان يسلم لهم الأرض المباركة والحرم الأمن ، وإن ينزل لهم البيت المعمور ويظهر لهم السقف المرفوع وينجيهم من عدوهم والأرض التي يبدلها من دار السلم ويسلم مافيها لهم ولا شبهة فيها ولا خصومة فيها لعدوهم وان يكون لهم فيها ما يحبون وأخذ رسول الله (ص) علي الأئمّة وشيعتهم الميثاق بذلك وإنّما عليه ان يذكره نفس الميثاق بذلك وإنّما عليه ان يذكره نفس الميثاق وتجديد له علي الله لعلّه ان يعجله ويعجل المسلم لهم بجميع ما فيه اه.

ويؤيد الثاني ما في جملة من التفاسير من ان المراد بقوله : «ويسلموا تسليما» في قوله : «فلا وربك لا يؤمنون حتّي يحكموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجا ممّا قضيت ويسلموا تسليما» هو السلام عليك أيّها النبي (ص). قال الطريحي واستصوبه بعض الأفاضل لقضية العطف ولأنّه المتبادر إلي الفهم عرفا اه. وروي الكاهلي عن الصادق (ع) إنّه تلاهذه الآية فقال : لو ان قوما عبدوا الله ووحدوه

٧

____________________________________

ثمّ قالوا لشيء صنعه رسول الله (ص) لو صنع كذا كذا ووجدوا ذلك في أنفسهم كانوا بذلك مشركين ثمّ قال : «فلا وربك لايؤمنون» الخ قال هو التسليم في الأمور اه. وعنه (ع) في قول الله تعالي : «إنّ الذين قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا» قال : هم الأئمّة ، ويجري فيمن أستقام من شيعتنا وسلم لأمرنا ، وكتم حديثنا عند عدونا الخ اه. وعن الباقر (ع) قال قد أفلح المسلمون ، إنّ المسلمين هم النجباء. وعنه (ع) إنّ الإمام هاد مهدي لا يدخله الله في عماء ولا يحمله علي هنة ليس للناس النظر في أمره ولا التبختر عليه وإنّما أمروا بالتسليم اه. وأخبار التسليم لآل محمد (ص) كثيرة.

وئمنها إنّ هذه الجملة قد صارت حقيقة عرفية في إنشاء الثناء والتمجيد نظير جملتي الصلوة والتحميد فيجري فيها ما ذكروه في الحمد لله من الأصل ، والعدول عنه إلي الجملة الإسمية للدلالة علي الدوام وغير ذلك من الإحتمالات في اللام وتفصيل الكلام لا يليق بالمقام.

الموضع الثاني

في تفسير كونه (ع) وارثاً للأنبياء والأوصياء

فاعلم إنّ الوارث هو الذي يبقي بعد موت آخر مع استحقاقه لتركته بقيامة مقامه ، ونزوله في منزلته فكأنّه هو وسمّي تعالي بالوارث لأنّه باق بعد فناء الأشياء ، ولأنّه يرث الأرض ومن عليها هو خير الوارثين والمؤمنون هم الوارثون لأنّهم يرثون منازل الكفار في الجنّة ، اولانهم

٨

____________________________________

يمكنون في الأرض في زمان الرجعة كما قال ان الأرض يرثها عبادي الصالحون ، وفي الدعاء واجعلهما اي السمع والبصر الوارثين منّي اي ابقهما صحيحين إلي زمان الموت بعد ضعف جميع اعضائي ، وكونه (ع) وارثاً للأنبياء كسائر الأئمّة النقباء ممّا لاريب فيه ، والأخبار والزيارات مشحونة بذلك كما لا يخفي علي المتتبع فيها.

وروي عن الصادق (ع) إنّه قال : إنّ العلماء ورثه الأنبياء وذلك إنّ الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً ، وإنّما ورثوا أحاديث من أحاديثهم فمن أخذ بشيء منها أخذ بحظ وافراه. وقد فسر العلماء في بعض الأخبار بأئمتنا الأبرار (ع) ولا ينافي ذلك ما روي عنه (ص) إنّه قال نحن معاشر الأنبياء لانوّرث اي لانبقي الميراث لأحد أو لايرث أحد منا ، لضعفه أو لا بروايته من غير طرقنا ، ومخالفته للآيات القرآنية والأخبار الكثيرة وقد وضعوا هذا الخبر ليحرموا فاطمة (ع) عن ميراث النبي (ص) ، ومحاجة علي (ع) معهم في ذلك معروفة ، وتأويله ثانياً بأنّ المراد عدم توريث متاع الدنيا بشأن النبوة لاقتضائه توريث العلوم والمعارف خاصة وهذا لاينافي توريثهم أيّاه بشأن البشرية ، فأنّ لكل من الشأنين خواص ليست للاخر. هذا مع ان الغرض اثبات الوارثية في الجملة ، وهو ممّا لم ينكره احد. وأمّا معني كونهم (ع) ورثه للأنبياء فيحتمل وجوها :

منها : إنّهم ورثوا ما أعطاهم (ع) من العلوم والمعارف والأسرار فعلموها كما علموها ، فإنّ العلم لا يموت بموت العالم ، بل يصير إلي عالم آخر ، وقد قال الباقر (ع) : إنّ علياً (ع) عالم هذه الأمّة ، والعلم

٩

____________________________________

يتوارث ، ولا يهلك أحد منّا الا ترك من أهله من يعلم مثل علمه أو ما شاء الله اه. رواه في الجزؤ الثالث من البصائر في باب أنّ العلماء يرثون العلم بعضهم من بعض.

وروي أيضاً في باب «إنّ الأئمّة (ع) ورثوا علم آدم (ع) وجميع العلماء» بسنده عن الفضل بن يسار قال : سمعت أبا عبد الله (ع) يقول إنّ العم الذي هبط مع آدم لم يرفع ، وإنّ العلم يتوارث وما يموت منّا عالم حتّي يخلفه من أهله من يعلم علمه أو ما شاء الله اه. وبسنده عن أبي جعفر (ع) قال : كانت في علي (ع) سنة ألف نبي (ص) ، وقال : إنّ العلم الذي نزل مع آدم لم يرفع ، وما فات عالم فذهب علمه ، وإنّ العلم ليتوارث ، وإنّ الأرض لا يبقي بغير عالم اه.

وبسنده عنه (ع) أيضاً قال : يمصّون الصماء ويدعون النهر العظيم قيل له ومن النهار العظيم؟ قال : رسول الله (ص) والعلم الذي أتاه الله. إنّ الله جمع لمحمد (ص) سنن النبيين (ص) من آدم هلّم جرا إلي محمد (ص) قيل له وما تلك السنن قال علم النبيين (ص) بأسره وإنّ الله جمع لمحمد (ص) علم النبيين بأسره ، وإنّ رسول الله صيّر ذلك كلّه عند أمير المؤمنين (ع) فقال له الرجل : يابن رسول الله فأمير المؤمنين أعلم أو بعض النبيين (ص) فقال (ع) : اسمعوا ما يقول ، إنّ الله يفتح مسامع من يشاء ، إنّي حدثت إنّ الله جمع لمحمد (ص) علم النبيين ، وإنّه جعل ذلك كلّه عند أمير المؤمنين (ع) وهو يسألني هو أعلك أم بعض النبيين (ص) اه.

وبسنده أيضاً عن أبي الحسن الأوّل (ع) قال قلت له جعلت فداك

١٠

____________________________________

النبي (ص) ورث علم النبيين (ص) كلّهم (ع) قال لي : نعم قلت : من لدن آدم إلي أن إنتهي إلي نفسه (ع) قال : نعم قلت : ورئهم النبوة وما كان في آبائهم من النبوّة والعلم قال ما بعث الله إلّا وقد كان محمد (ص) أعلم منه قال : قلت : إنّ عيسي بن مريم كان يحيي الموتي بإذن الله قال صدقت ، وسليمان بن داود كان يفهم كلام الطير قال : وكان رسول الله (ص) يقدر علي هذه المنازل إلي أن قال فقد ورثنا نحن هذا القرآن فعندنا ما يقطع به الجبال ويقطع به البلدان ويحيي به الموتي بإذن الله ونحن نعرف ماتحت الهواء إلي أن قال الله يقول «ومامن غائبه في السماء والأرض إلّا في كتاب مبين» ثمّ قال : «ثمّ أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا» فنحن الذين اصطفانا الله ، فقد ورثنا علم هذا القرآن الذي فيه تبيان كلشييء اه.

وروي أيضاً في باب إنّ الأئمّة ورثوا علم أولي العزم من الرسل وجميع الأنبياء ، وإنّهم امناء الله في أرضه وعندهم علم البلايا والمنايا وانساب العرب.

وبسنده عن عبد الرحمن بن أبي نجران قال كتب أبو الحسن الرضا (ع) رسالة وأقرأنيها قال قال علي بن الحسين (ع) : إنّ محمداً (ص) كان أمين الله في أرضه فلمّا قبض محمد (ص) كنّا أهل البيت ورثته ونحن أمناء الله في أرضه ، عندنا علم البلايا والمنايا وانساب العرب ومولد الإسلام وانا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق إلي أن قال نحن ورثة الأنبياء ونحن ورثة اولي العزم من الرسل الخ.

١١

____________________________________

وبسنده عن الباقر (ع) قال : قال رسول الله (ص) : ان اوّل وصي كان علي وجه الأرض هبة الله بن آدم وما من نبي مضي الا وله وصي ، كان عدد جميع الأنبياء ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نببي ، خمسة منهم أولوا العزم : نوح وإبراهيم وموسي وعيسي ومحمد (ص) وان علي بن أبي طالب هبة الله لمحمد (ص) ورث علم الأوصياء وعلم من كان قبله أمّا ان محمداً ورث علم من كان قبله من الأنبياء والمرسلين الخ اه ، والأخبار بهذه المثابة لاتحصي كثرة.

ومنها أنّهم (ع) اتصفوا بما اتصف به الأنبياء السابقون من الصفات المحمودة ، والأخلاق الفاضلة ، والسمات الكاملة من الشرف والمجد والنجدة والكرامة والسخاوة والشجاعة والحلم والرحمة والعطوفة وغير ذلك من المناصب العالية التي بلغوا بها أعلي المدارج ، ووصلوا بها إلي اسني المعارج فصاروا بها مظاهر أسماء الله الحسني ومرايا صفاته العليا فكأنّهم هم فمن نظر إليهم فكأنمّا نظر إليهم (ع). وقد أشار إلي ذلك النبي (ص) فط حديث الأعرابي والضبّ بقوله (ص) يا عبد الله من أراد أن ينظر إلي آدم في جلالته وإلي شيث في حكمته وإلي إدريس في نباهته ومهابته ، وإلي نوح في شكره لربّه وعبادته ، وإلي إبراهيم في وفائه وخلته ، وإلي موسي في بغض كل عدولله ومابزته ، وإلي عيسي في حب كل مؤمن ومعاشرته ، فلينظر إلي علي بن أبي طالب هذا الخ اه.

وفي حديث المفضل وسيدنا القائم (ع) مسند ظهره بالكعبة ويقول : يا معشر الخلايق الا ومن أراد أن ينظر إلي آدم وشيث فها أنا آدم وشيث

١٢

____________________________________

ألا ومن أراد أن ينظر إلي نوح وسام فها أنا ذا نوح وسام ، ألا ومن أراد أن شنظر إلي إبراهيم وإسمعيل فها أنا ذا إبراهيم وإسمعيل ، ألا ومن أراد أن ينظر إلي موسي ويوشع فها أنا ذا موسي ويوشع ، ألا ومن أراد أن ينظر إلي عيسي وشمعون فها أنا ذا عيسي وشمعون ، ألا ومن أراد أن ينظر إلي محمد وأمير المؤمنين فها أنا محمد وأمير المؤمنين ألا ومن أراد أن ينظر إلي الحسن والحسين فها أنا ذا الحسن والحسين آلا ومن أراد أن ينظر إلي الأئمّة من ولد الحسين فها أنا ذا الأئمّة الخ.

وهو طويل وهذا أحد الوجوه التي يحمل عليها ما ورد في بعض خطب أمير المؤمنين (ع) من قوله أنا آدم الأوّل أنا نوح الأوّل ، أنا محم ومحمد أنا ، ونحو ذلك ، وهذه الأخبار وأن أفادت الإختصاص بعلي (ع) الا إنّه لا فرق بينه وبين سائر الأئمّة المعصومين (ع) ، فقد روي عبد الرحمن ابن كثير عن الصادق (ع) قال : «الذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان الحقنا بهم ذرياتهم وما التناهم من عملهم من شيء» قال الذين آمنوا النبي وأمير المؤمنين (ع) والذرية الأئمّة الأوصياء الحقنا بهم ، ولم تنقص ريتهم من الجهة التي جاء محمد (ص) وعلي (ع) ، وحجتهم واحدة وطاعتهم واحدة الخ. وعن أبي الحسن (ع) قال : نحن في العلم والشجاعة سواء ، وفي العطايا علي قدر ما نؤمر اه.

ومنها : إنّ الروح الأعظم القدسي الذي كان قد تجلّي في هياكل السابقين فقدروا به علي خرق العادات واظهار المعجزات من إحياء الأموات وإشفاء المرضي ونحو ذلك قد إنتقل إلي هياكل محمد وآله

١٣

____________________________________

فظهرت منهم الآيات الباهرات والمعجزات الظاهرات بل التجليات السابقة كانت بالصورة والظل وما كان في هذه الهياكل الشريفة إنّما هو بالحقيقة والأصل فلذا كانت قدرتهم علي الأمور العجيبة أشد وأقوي ، وعلمهم بما كان وما يكون أكثر وأجلي بل الصادر عن السابقين رشحة من رشحات جودهم ، كما أنّ وجودهم رشحة من رشحات وجودهم ، وإلي هذا المقام أشار علي (ع) في بعض خطبه بقوله : أنا رافع إدريس مكاناً علياً ، أنا منطق عيسي في المهد صبياً ، وقوله : أنا جاوزت موسي في البحر ، واغرقت فرعون وجنودوه ، أنا أعلم هماهم البهائم ، ومنطق الطير ، أنا الذي أجوز السموات السبع والأرضين السبع في طرفة عين ، أنا المتكلم علي لسان عيسي في المهد صبياً ، أنا الذي يصلي عيسي خلفي ، أنا الذي ينقلب في الصور كيف يشاء الله ، وقوله : أنا الخضر معلم موسي ، أنا معلم داود وسليمان ، أنا ذو القرنين ، أنا تكلمت علي لسان عيسي في المهد ، أنا نوح ، أنا إبراهيم ، أنا صاحب الناقة أنا صاحب الرجفة ، أنا صاحب الزلزلة ، أنا اللوح المحفوظ ، الي إنتهي علم مافيه ، أنا أنقلب في الصور كيف ماشاء الله ، من رآهم فقد رآني ، ومن رآني فقد رآهم ونحن في الحقيقة نور الله الذي لا يزول ولا يتغير الخ اه.

ومنها : ان عندهم ما كان عند الأنبياء من الآلات والأدوات المختصّة بهم التي خصهم الله بها دون سائر خلقه مثل عصا موسي وعمامة هرون وخاتم سليمان والتابوت وغير ذلك ممّا ورد في الأخبار ، فقد روي عن

١٤

____________________________________

سعيد السلمان قال : كنت عند الصادق (ع) إذ دخل عليه رجلان من الزيدية فقالا له أفيكم إمام مفترض الطاعة؟ قال : لا ، فقالا له (ع) : أخبرنا عنك الثقات انك تفتي وتقر وتقول به ونسميهم لك فلان وفلان وهم أصل ورع وتشمير وهم ممّن لا يكذب فغضب (ع) وقال ما أمرتهم بهذا فلمّا رأيا الغضب في وجهه خرجا فقال (ع) لي أتعرف هذين؟ قلت : نعم هما من أهل سوقنا ، وهما من الزيدية وهما يزعمان ان سيف رسول الله (ص) عند عبد الله بن الحسن فقال كذبا لعنهما الله ، والله مارآه عبد الله بن الحسين (ع) فإن كانا صادقين فما علامة في مقبضه وما اثر في موضع مضربه ، وإن عندي لسيف رسول الله ، وإن عندي لراية رسول الله ودرعه ولامته ومغفره ، فإن كانا صادقين فما علامة في درع رسول الله (ص) ، وإن عندي لراية رسول الله المغلبة ، وإن عندي الواح موسي وعصاه ، وإن عندي خاتم سليمان بن داود ، وإن عندي الطست كان موسي يقرب بها القربان ، وإن عندي الإسم الأعظم الذي كان رسول الله (ص) إذا وضعه بين المسلمين والمشركين لم تصل من المشركين إلي المسلمين نشابة ، وأن عندي لمثل الذي جائت به الملائكة ومثل السلاح فينا كمثل التابوت في بني إسرائيل ، كانت بنو إسرائيل في اي أهل بيت وجد التابوت علي أبوابهم أوتوا النبوة ، ومن صار إليه السلاح منّا أوتي الإمامة ، ولقد لبس أبي درع رسول الله فخطت علي خطيطا ، ولبستها أنا فكانت وكانت وقائمنا من إذا لبسها ملائها

١٥

____________________________________

إنشاء الله اه.

فالمراد إن آل محمّد (ص) يرثون أمثال هذه المتروكات المعبّر عنها في بعض الأخبار بالآثار وبمخيراث النبوة ، فقد روي عن الباقر (ع) قال : لمّا قضي رسول الله (ص) نبوته ، واستكملت أيّامه أوحي الله إليه يا محمّد قد قضيت نبوتك ، واستكملت أيّامك ، فاجعل العم الذي عندك والآثار والإسم الأكبر وميراث العلم وآثار النبوة في أهل بيتك عند علي ابن أبي طالب ، فذنّي لم اقطع علم النبوة من العقب من ذريتك كما لم اقطعها من بيوتات الأنبياء الذين كانوا بينك وبين أبيك آدم (ع) اه.

وقد روي صاحب البصائر في الجزؤ الرابع منه في باب ماعند الأئمّة (ع) من سلاح رسول الله وآيات الأنبياء مثل عصا موسي وخاتم سليمان والطشت والتابوت والألواح وقميص آدم جملة وافرة من الروايات توضح هذا المعني.

ومنها : ان من شأن الأئمّة الإرشاد والإبلاغ والإنذار ، ووجوب طاعتهم علي الناس كما كان ذلك شأن الأنبياء ، وهذا معني كون العلماء أيضاً ورثة لهم ، قال الصادق (ع) الفضل لمحمد (ص) وهو المقدم علي الخلق جميعاً لا يتقدمه أحد وعلي (ع) المقدم بعهد والمتقدم بين يدي علي (ع) كالمتقدم بين يدي رسول الله (ص) وكذلك يجري للأئمّة من بعده واحداً بعد واحد جعلهم الله أركان الأرض ان تميد بأهلها ورابطة علي سبيل هداه لا يهتدي هاد من ضلالة الأبهم ولا يضل خارج من هدي الا بتقصير عن حقهم وامناء الله علي ما أهبط الله من علم أو عذر أو نذر وشهدائه

١٦

____________________________________

علي خلقه والحجة البالغة علي من في الأرض جري لآخرهم من الله مثل الذي أوجب لأوّلهم فمن إهتدي بسبيلهم وسلم الأمر لهم فقد إستمسك بحبل الله المتين وعروة الله الوثقي الخ اه ولا يخفي ان حمل الميراث المستفاد من هذه الفقرات علي جميع ما كان للهم (ع) من الخصائص سوي مرتبة النبوة اولي من حمله علي خصوص بعض المراتب كما يشهد له كثير من الأخبار الواردة في هذا المضمار.

ألا تري إلي ما رواه المفضل الجعفي عن الصادق (ع) قال : سمعته يقول أتدري ما كان قميص يوسف قال قلت : لا ، قال إنّ إبراهيم لمّا أوقد له النار أتاه جرئيل بثوب من ثياب الجنة فالبسه أيّاه فلم يضرّه معه حر ولا برد ، فلمّا حضر إبراهيم الوفاة جعله في تميمة وعلّقها علي إسحق ، وعلّقها إسحق علي يعقوب ، فلمّا ولد يوسف علّقها عليه ، وكان في عضده حتّي كان من أمره ما كان فلمّا أخرج يوسف بمصر من التميمة وجد يعقوب ريحه فهو قوله : «إنّي لاجد ريح يوسف لولا ان تفندون» فهو القميص الذي أنزل من الجنّة قلت جعللت فداك فالي من صار ذلك القميص فقال إلي أهله ثم قال : كل نبي ورث علما أو غيره فقد إنتهي إلي محمّد (ص) وأهل بيته اه كيف عمّم في آخره ولم يفرق فيه بين العلم وغيره.

١٧

____________________________________

الموضع الثالث

في تفسيره صفوة الله

فاعلم إنّ هذا اللفظ محتمل لكونه وصفاً لآدم (ع) وبدلا وعطف بيان له ولا يرد علي الأوّل جموده أمّا علي القول ببجواز الوصف بالجامد مطلقا فظاهر ، وأمّا علي القول الآخر فلتأويله إلي الصفي وهو مشتق والعدول عنه إليه إنّما هو للمبالغة كما في زيد عدل ، فالمجاز في الكلمة ولكن التحقيق إنّ هذا لتصحيح اللفظ بمعني إنّه لو كان الكلام قد جيء به علي ظاهره من دون أن يقصد به المبالغة لكان حقه ان يؤل إلي المشتق وكذا تأويلهم نحوزيد عدل بذو عدول وبذلك صرح بعض أهل البيان (١) علي ما حكي عنه في بيت الخنساء تصف الناقة «فإنّما هي إقبال وإدبار» قال لم ترد بالإقبال والإدبار غير معناها حتّي يكون المجاز في الكلمة وإنّما المجاز في ان جعلتها لكثرة ما تقبل وتدبر كأنّها تجسمت من الإقبال والإدبار الخ اه وحاله إنّ المجاز في أمثال ذلك عقلي لكونه في الأسناد ، وكيف كان فصفوة الشيء بتثليت الحر كات علي الصاد خالصه وخلاصته كالصفو إلّا إنّه بالفتح خاصة وصفوة الله خيرة الله اي مصطفاه ومختاره من خلقه ، وفي بعض الأخبار سمي الصفا صفا لأنّ المصطفي آدم (ع) هبط عليه فقطع للجبل إسم من أسماء آدم ، وهبطت حواء علي المروة فسمين مروة لأنّ المرأة هبط عليه ، فقطع للجبل إسم من أسماء المرأة

__________________

(١) الشيخ عبد القادر في دلائل الإعجاز ـ منه.

١٨

____________________________________

اه ، يقال صفا الماء إذا خلص من الكدر ، والدليل علي كون آدم (ع) صفي الله ومصطفاه مضافاً إلي ماذكر قوله تعالي : «إنّ الله أصطفي آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران علي العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم اه» وإنّما لقب (ع) بالصفوة مع عدم الإختصاص لكونه أوّل الأصفياء من الأنبياء كما أنّه لقب محمد (ص) بالمصطفي لكونه خاتم الأصفياء بحسب الظاهر والا فجميع الأنبياء أصفياء الله حيث خلقهم الله من طينة صافية طيبة فكرمهم علي سائر الخلق واختارهم من خلقه.

قال علي (ع) فاغترف جل جلاله من الماء العذب الفرات غرفة بيمينه وكلتا يديه يمين فصلصلها فجمدت وقال الله : منك أخلق النبيين والمرسلين وعبادي الصالحين والأئمّة المهديين الدعاة إلي الجنة وأتباعهم إلي يوم القيمة ، ولا أسئل عمّا أفعل وهم يسئلون الخ اه. وإنّما صار آدم (ع) صفي الله لأنّه تعالي جعل هيكله الشريف مظهراً لأنوار محمد وآله ولذا أمر ملائكته بالسجود له تعظيماً وإكراماً لهذه الأنوار كما دل عليه جملة وافرة من الأخبار فقد روي عن النبي (ص) إنّه قل يا عباد الله إنّ آدم لمّا رأي النور ساطعاً من صلبه إذ كان الله قد نقل أشباحنا من ذرورة العرش إلي ظهره رأي النور ولم يتبين الأشباح فقال : يارب ماهذه الأنوار فقال أنوار أشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشي إلي ظهرك ولذلك أمرت الملائكة بالسجود لك إذ كنت وعاء لتلك الأشباح الخ اه.

فإن قيل ترك الإنتهاء ينافي مقام الأصطفاء وقد قال : «وعصي آدم ربّه فغوي» قلنا : قد أجابوا عن ذلك بوجوه كثيرة لا يليق بهذا المختصر

١٩

السلام عليم يا وارث نوح نبي الله.

____________________________________

وفي بعضها إنّ النهي كان من النواهي التنزيهية ، فعدم الإنتهاء لا ينافي العصمة ، علي إنّه روي عن الرضا (ع) إنّه قال : قال الله تعالي لهما : «لاتقربا هذه الشجرة» وإشار لهما إلي شجرة الحنطة ولم يقل لهما ولا تاكلا من هذه الشجرة ولا ممّا كان من جنسها فلم يقربا تلك الشجرة وإنّما أكلا من غير ها لمّا أن وسوس الشيطان إليهما ، ثمّ قال وكان ذلك من آدم قبل النبوة ولم يكن ذلك بذنب كبير أستحق به دخول النار ، وإنّما كان من الصغار الموهوبية التي تجوز علي الأنبياء قبل نزول الوحي إليهم فلمّا أجتباه الله وجعله نبياً وكان معصوماً لا يذنب صغيرة ولا كبيرة قال قال الله : «وعصي آدم ربّه فغوي ثمّ أجتباه ربّه فتاب عليه وهدي» وقال «إنّ الله أصطفي آدم ونوحاً» الخ اه.

وروي أيضاً أنّ الله خلق آدم حجة في أرضه وخليفة في بلاده لم يخلقه للجنة وكانت المعصية من آدم في الجنة لا في الأرض ليتم مقادير أمر الله فلمّا أهبط إلي الأرض وجعله حجة وخليقة عصم بقوله عزّوجل «إنّ الله أصطفي آدم ونوحاً» الخ اه فتدبّر ولا تغفل. والتحقيق أن معاصي الأنبياء ليست من قبيل المعاصي المتعارفة المعروفة بل هي من قبيل ما اشير إليه بقوله : حسنات الأبرار سيئات المقربين ، وقد فصلنا هذا الأجمال وشرحنا هذا المقال في بعض رسائلنا الشريفة.

السلام عليك يا وارث نوح نبي الله.

وهو نوح بن لمك الملقّب بشيخ الأنبياء وبنجي الله لأنّ الله نجاه

٢٠