شرح زيارة العاشوراء

الملّا حبيب الله الشريف الكاشاني

شرح زيارة العاشوراء

المؤلف:

الملّا حبيب الله الشريف الكاشاني


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: محمد شريف الكاشاني
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨

١
٢

٣

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله الملك المنان الذي جعل زيارة الحسين وسيلة إلي المغفرة والرضوان ، والصلوة علي محمد وآله امناء الرحمن واركان الإيمان ، ولعنة الله علي أعدائهم ما اخضرت الجنان وسعرت النيران.

أما بعد فيقول العبد الضعيف ابن علي مدد حبيب الله الشريف : إن هذه العجالة شرح في غاية الأختصار والوجازة ، علّقته علي الزيارة المعروفة بزيارة العاشوراء المروية في جملة من الكتب المعتبرة عند أصحانا الإمامية عن مولانا الباهر محمد بن علي الباقر (ع).

فقد روي الشيخ الجليل جعفر بن محمد بن جعفر بن موسي بن قولويه في كتابه المسمي «بكامل الزيارة» عن حكيم بن داود بن حكيم وغيره ، عن محمد بن موسي الهمداني ، عن محمد بن خالد الطيالسي عن سيف بن عميرة وصالح بن عقبة جمعياً ، عن علقمة بن محمد الحضرمي ومحمد بن اسمعيل ، عن صالح بن عقبة عن مالك الجهني ، عن أبي جعفر الباقر (ع) قال : من زار الحسين بن علي (ع) يوم عاشوراء يوم العاشز من الشهر حتي يظل عنده باكياً لقي الله يوم القيمة مع ثواب ألف

 

٤

_________________________________

ألف حجة وألف ألف عمرة وألف ألف غزوة وثواب كل عمرة وغزوة كثواب من حج واعتمر مع رسول الله (ص) ومع الأئمة الراشدين. قال : قلت : جعلت فداك فما لمن كان في بعد البلاد وأقاصيها ولم يمكنه المسير في ذلك اليوم؟ قال : إذا كان ذلك اليوم برز إلي الصحراء أو صعد سطحاً في داره وأومي إليه بالسلام ، اجتهد علي قاتله بالدعاء ، وصلي بعده ركعتين ، يفعل ذلك في داره بالبكاء عليه ، ويقيم في داره مصيبته بإظهار الجزع عليه ويتلاقون بالبكاء بعضهم عضاً في البيوت ، وليعزّ بعضهم بعضاً بمصاب الحسين (ع) فانا ضامن لهم إذا فعلوا ذلك علي الله جميع هذا الثواب. فقلت : جعلت فداك أنت الضامن لهم والزعيم؟ قال : أنا الضامن لهم ذلك والزعيم لمن فعل ذلك. قال : قلت : كيف يعزي بعضهم بعضاً؟ قال يقولون : عظم الله اجورنا بمصابنا بالحسين (ع) وجعلنا وإياكم من الطالبين بثاره مع ولي الإمام المهدي (ع) من آل محمد فأن استطعت أن لا تنشر يومك في حاجة فافعل ، فأنّه يوم نحس لا يقضي فيه حاجة مؤمنف وإن قضيت لم يبارك له فيها ولم ير رشداً ، ولا تدّخرن لمنزلك شيئاً فأنّه من ادّخر لمنزله شيئاً في ذلك اليوم لم يبارك له فيما يدّخره ولا يبارك له في أهله ، فمن فعل ذلك كتب له ثواب ألف ألف حجة وألف عمرة وألف غزوة مع رسول الله ، وكان له ثواب مصيبة كل نبي ورسول وصدّيق وشهيد مات أو قتل منذ خلق الله الدنيا ذلي أن تقوم الساعة.

٥

_________________________________

قال صالح بن عقبة الجهني وسيف بن عميرة قال علقمة بن محمد الحضرمي فقلت لأبي جعفر (ع) : علمني دعاء أدعو به في ذلك اليم إذا زرته من ثريب ، ودعاء أدعو به إذا لم أزره من قرب وأوأته إليه من بعد البلاد ومن داري بالسلام.

قال : فقال : يا علقمة إذا دنت صليت الركعتين بعد أن تؤمي إليه بالسلام وقلت عند الإيماء إليه بعد الركعتين هذا القول فأنّك إذا قلت ذلك فقد دعوت بما يدعو به من زاره من الملائكة ، وكتب الله لك بها دلف ألف حسنة ومحي عنك ألف ألف سيئة ، ورفع لك مأة ألف درجة وكنت ممن اسستشهد مع الحسين بن علي (ع) حتي تشاركهم في درجاتهم لا تعرف إلّا في الشهداء الذين استشهدوا معه وكتب لك ثواب كل نبي ورسول وزيارة من زار الحسين (ع) منذ قتل (ع).

السلام عليك يا إبا عبد الله السلام عليك يابن رسول الله (ص) إلي آخره.

وابن قولويه مؤلف الكتاب المذكور كان شيخاً جليلا وثقة نبيلا تلمّذ عنده شيخنا المفيد ، وقد قيل في حقّه : إن كلمّا يوصف الناس به من جميل وفقه الا وهوفوقه ، ولكن حكيم بن داود مجهول لم أقف علي حاله في الرجال الا ان في رواية مثل هذا الشيخ عنه نوع دلالة علي حسن حاله ، ومحمد بن موسي الهمداني ضعفّه القميون بالغلو وربما يقال أنه كان يضع الحديث ، ومحمد بن خالد لم أقف علي من

٦

السلام عليك يا إبا عبد الله ، السلام عليك يابن رسول الله

_____________________________________

وثقه ولكن قد يقال : أن رواية الاجلّة عنه دليل الاعتماد ، وسيف بن عميرة ثقة ولكن ربما يقال : إنّه كان واقفياً ، وصالح بن عقبة قيل : كتابه معتمد الأصحاب وقيل : أنّه غال كذاب ، وعلقمة بن محمد لم أر من صرح بتوثيقه. وبالجملة سند هذه الرواية ضعيف ، ولكن ضعفه بالشهرة منجبر مع ان شيخنا الطوسي رواه أيضاً في مصباحه علي أن قاعدة التسامح في أدلة السنن كفتنا مؤنة الاهتمام بتحقيق السند ، وكيف كان فالمرادبهذا القول في قوله وقلت عند الإيماء إليه بعد الركعتين هذا القول : هذا القول.

السلام عليك يا أبا عبد الله

هذه الجملة تحية بأشهر أفرادها وأكملها يقصدبها الدعاء ولحقيقته القدسية المتحدة مع الجوهر الاكمل والعقل الاول المعبّر عنه بلسان الشرع بالحقيقة المحمدية (ص) بالحفظ والسلامة والعصمة من كل مايوجب ابعد عن ساحة القربة ، وهذا في الحقيقة تعليم للامة ليتوسلوا به إلي الوصول إلي هذه الدرجة علي حسب! اختلاف مراتب استعدادهم للكمالات الإمكانية والا فدرّة حقيقته (ع) مكنونة ، وجوهرة لطيفته مصونة عن كل آفة ، وكذا جسمه اللطيف وجسده الشريف علي ما يرشد إليه قوله : «وعلي أجسامكم وعلي أجسادكم» لأنهما ليسا كسائر الأجسام والأجساد التي تفني وتبلّي كما ورد به روايات كثيرة ، وعليه فالخطاب لا يختص بالحقيقة ، وأبو عبد الله من كناه المعروفة والغرض من التكنية أظهار العظمة

٧

____________________________________

فلا يلزم في ولده من يتصف بهذه التسمية ، ولكنه (ع) كان أبا عبد الله ظاهراً لأنّه كان في ولدد من يسمي بهذا الإسم ، وباطناً لمّا ظهر منه من شقثته علي عباد الله بشهادته المستتبعة للشفاعة.

السلام عليك يابن رسول الله

كونه ابناً للرسول مماتلقته الطائفة المحقة بالقبول للآيات الكثيرة المستدل با في دخبار كثيرة والأخبار الكثيرة. ففي رواية جابر عن النبي (ص) قال : ان كل بني ام ينتمون إلي أبيهم الا أولاد فاطمة فاني أنا أبوهم اه. واحتجاج يحييي بن يعمر العامري علي الحجاج بن يوسف القفي لعنه الله معروف كاحتجاج سعيد بن جبير عليه.

ولاينافي ذلك قوله تعالي : ماكان محمد أبا أحد من رجالكم الخ لأنّه (ع) كان من رجاله (ص) كإبراهيم ولده مع أنّه (ع) حين نزول هذه الآية ما كان بالغاً حد الرجال والنفي مخصوص بالماضي فلايندرج فيه الإستقبال هذا مع اختصاصص المور بزيد بن حارثة الذي تبنّاه النبي (ص) (١) وحكايته معروفة فالحسين (ع) ابن رسول الله ظاهراً لما مضي وباطناً لوجوه لا تخفي علي اولي النهي. ويمكن حمل مثل قوله (ص) : «هذان أي الحسن والحسين (ع) ابناي إمامان» علي مايشملهما فأنّه معني واحد كلي يندرج تحته المعنيان فيجوز استعمال اللفظ فيه ولو مجازاً في باب الحقيقة والمجاز والمشترك ، وكذا في المجازين

________________

(١) تبناه : بفرزندي كرفت اورا

 

٨

(السلام عليك ياخيرة الله وابن خيرته ـ خ) السلام عليك يابن

_________________________________

كما في المقام لوقلنا بأن استعمال الابن في ابن البنت بل مطلق غير الوالد للصلب تجوز ، فهذا من باب سبك المجاز من المجاز ولكن العارف الواقف علي صراط المعارف يري هذا الاستعمال من قبيل الحقيقة كما ذهب إليه السيد المرتضي من أصحابنا المحقة. وفي الكامل بعد هذه الفقزة

السلام عليك يا خيرة الله وابن خيرته

أي من اختاره الله من خلقه.

السلام عليك يا بن أمير المؤمنين وابن سيد الوصيين

كونه ابناً له (ع) حقيقة علي الوجهين مما لا شك فيه ، وقد افتخر به في رجزه المعروف عند قوله خيرة الله من الخلق أبي ثم أمّي فأنا ابن الخيرتين ، وأمير المؤمنين من ألقاب أبيه علي (ع) ، سماه الله به حين أخذ الميثاق له علي عباده ، كما نطقت به رواياتا كثيرة : منها ما رواه الكليني بسنده عن جابر عن الباقر (ع) قال : قلت له : لم سمي أمير المؤمنين أمير المؤمنين؟ قال : الله سمّاه ، وهكذا انزل الله في كتابه واذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم علي أنفسهم ألست بربكم» وان محمداً رسولي وان علياً أمير المؤمنين.

وروي الصدوق في العلل عن الثمالي عنه (ع) إنّه بعد أن سئل عن علة التسمية واختصصاصها به قال : لأنّه ميرة العلم (١) يمتارمنه ولايمتار منه اه وفي كثير من الأخبار إنّه لا يسمي به غيره بعده ولم يسم به أحد قبله وفي

_______________

(١) مار يمير ميراً وامار عياله : اتاهم بالطعام والمؤنة (المنجد).

٩

_________________________________

بعضها لا يتسمي به أحد غيره الا مفتر كذاب ، وفي بعضها الا كان منكوحاً وان لم يكن به ابتلي به وهو قول الله في كتابه «ان يدعون من دونه الا اناثاً وان يدعون الا شيطاناً مريدا» الخ.

وروي في معاني الأخبار عن الحسن البصري أنّه قال صعد أمير المؤمنين علي بن أبيطالب (ع) منبر الكوفة فقال : أيها الناس انسبوني فمن عرفني فلينسبني والا فانسب نفسي ، أنا زيد بن عبد مناف بن عامر ابن عمروا بن المغيرة بن زيد بن كلاب فقام إليه ابن الكواء فقال يا هذا ما نعرف لك نسباً غير انك علي بن أبيطالب بن عبد المطلب بن هاشم ابن عبد مناف بن قصي بن كلاب فقال له يالكع (١) ان أبي سمّاني زيداً باسم جده قصي وان اسم أبي عبد مناف فغلبت الكنية علي الاسم وان اسم عبد المطلب عامر فغلب اللقب علي الاسم واسم هاشم عمرو فغلب اللقب علي الاسم واسم عبد مناف المغيرة فغلب اللقب علي الاسم وان اسم قصي زيد فسمته العرب مجمّعاً لجمعه اياها من البلد الاقصي إلي مكة فغلب اللقب علي الاسم اه.

وانما كان (ع) سيد الوصيين كما كان محمد (ص) سيد النبيين (ص) لأنّ الله فضّلهما علي سائر الأنبياء والأوصياء في مقام الرسالة والولاية المطلقتين فما من نبي ولاولي الا وهو تحت لوائهما وكل في شأن الرسالة والولاية قطرة من بحار رسالة محمد وولاية علي (ع) ،

______________

(١) لكع بضم اللام وفتح الكاف اي اللئيم.

١٠

أمير المؤمنين وابن سيد الوصيين ، السلام عليك يا بن فاطمة

____________________________________

فمحمد (ص) سيد المرسلين وعلي (ع) سيد الوصيين وقد افتخر بتلك السيادة كما وردت به الرواية.

والمراد بالسيد الاشرف وربما يراد به المفترض الطاعة كما رواه الصدوق عن عايشة قالت : كنت عند النبي (ص) فأقبل علي بن أبيطالب (ع) فقال هذا سيد العرب. فقلت يا رسول الله ألست سيد العرب قال أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب قلت : وما السيد؟ قال (ص) من افترضت طاعته كما اترضت طاعتي اه. ولاينافي مفهوم هذا الحديث الدال علي أنّه ليس سيد غير العرب. حديث الغدير المعروف لاختصاص افتراض الطاعةفي حال حيوة النبي (ص) به اصالة وحديث الغدير نصب لعلي (ع) عد الوفاة وهو (ع) كان منصوباً عن النبي (ص) علي العرب خاصة في حال حيوته فكان مفترض الطاعة لهم حينئذ بالنيابة فتدبر.

السلام عليك يابن فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين

لو لوحظ في الزهراء معني الوصفية فالجر علي الوصفية والا بأن جعل لقباً كما يظهر من جملة من الأخبار فعلي الاضافة لكونهما مفردين ، ولعل الاول اظهر نظراً إلي النظائر كالمصطفي والمرتضي والمجتبي والسجاد والباقر وغيرها من ألقاب الأئمة (ع).

نعم في بعض الاخبار أنّه سئل الصادق (ع) عن فاطمة لم سميت زهراء؟ فقال لانها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لاهل السماء كما يزهر نور الكواكب لاهل الأرض اه. ولكن يحتمل ان يراد بالتسمية

 

١١

_________________________________

مطلق الوصف كما في حديث تسميتها بالمحدثة. وفاطمة من الفطم وهو القطع سميت بهذا الاسم لأنّ الله فطم من أحبها من النار كما في جملة من الروايات ، أو لأنّه فطمها بالعلم ، وعن الطمث كما في بعضها ، أو عن الشر كما في رواية يونس بن ظبيان. وفيها لفاطمة تسعة أسماء عند الله : فاطمة ، والصديقة ، والمباركة ، والطاهرة ، والزاكية ، والراضية والمرضية ، والمحدثة ، والزهراء الخ.

والمراد بكونها سيدة نساء العالمين كونها اشرف من جميع نساء العالمين من الأولين والآخرين لانساء عالمها وأهل زمانها كما كانت مريم. وبه وقع التصريح في رواية المفضل بن عمر ع الصادق (ع) المروية في المعاني وفي هذه النسبة أيضاً فخر ظاهر وشرف باهر للحسين (ع). وقد افتخر بها في مواطن عديدة ، كيف لا وفاطمة بنت رسول الله (ص) ولها من الفضل مالا ينكره المخالف أيضاً. وقد كتب زياد بن أبيه لعنه الله إلي الحسن بن علي (ع) من زياد بن دبي سفيان إلي الحسن بن فاطمة : أما بعد فقد أتاني كتابك تبدء فيه بنفسك قبلي إلي اخر ما كتبه فبعث (ع) بكتاب الملعون إلي معاوية فكتب إلي زياد : أمّا بعد فان الحسن بن علي بعث إليّ بكتابك إليه جواباً عن كتاب كتبه إليك إلي قوله : وأما كتابك إلي الحسن بأسمه وإسم أمّه ولاتنسبه إلي أبيه فأن الحسن ويحك من لا يرمي به الرجوان (١) وأي أم وكلته لا ام لك أما عملت انها

__________________

(١) الرجوان : تثنية رجا ودر مقام استهزاء گفته ميشود : رمي به الرجوان ارادوا أنه وقع في المهاك جمع آن ارجاء «منتهي الارب».

١٢

سيدة نساء العالمين ، السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره والوتر

____________________________________

فاطمة بنت رسول الله فذاك أفخر له لو كنت تعقله اه. وقد يقال : ان فاطمة بعد رسول الله وأمير المؤمنين (ع) أفضل من سائر الأئمة وهو كما تري

السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره والوتر الموتور

الثأر مهموز العين كالرأس والكأس فقد يخفف الهمز بقلبه الفساً مثلهما كما هو امضبوط في كثير من كتب الزيارات طلب الد كما في نهاية ابن الأثير. قال في حديث محمد بن مسلمة يوم خبير : انا له يا رسول الله الموتور الثائر أي قتلت قاتله ، ومنه الحديث ياثارات عثمان اي يا أهل ثاراته ويا أيها الطالبون بدمه فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. وقال الجوهري يقال يا ثأرات فلان اي ياقتلة فلان فعلي الاول يكون قد نادي طالبي الثار ليعينوه علي استيفائه وأخذه وعلي الثاني يكون قد نادي القتلة تعريفاً لهم وتقريعاً الخ اه ، او مشترك بينه وبين الدم وقاتل الحميم كما يظهر من (ق) قال الثأر : الدم والطلب به وقاتل حميمك اه ، أو حق القصاص واستيفاء عوض الدم كما يظهر من المطرزي قال أدرك فلان ثأره يعني قتل قاتل حميمه ، ولعله راجع إلي ماتقدم ويحتمل أن يكون الثأر في المقام وامثاله بالالف مخففاً من الثائر كما في هار علي أحد الوجهين او مصحفاً منه كما في مجمع الطريحي قال والثائر الذي لايبقي علي شيء حتّي يدرك ثاره وفي مخاطبة الامام حين الزيارة أشهد أنّك ثار الله وابن ثاره ولعله مصحف من ياثائر الله وابن ثائره اه وكيف

١٣

_________________________________

كان فهذه الفقرة تحتمل وجوهاً :

أحدها أن المراد أنّك طالب دم الشهداء لله ولاجله وفي سبيله في زمان رجعتك إلي الدنيا ولاتجوز فيه لوجعلنا الثار مخففاً من الثائر الذي هو طالب الدم ووليه ، واما علي غيره فلابد من حذف مضاف اي وليّ دم الشهداء لله أو في الله كما قال الله ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً وقيل أي أنّك أهل طلب دم الشهداأ في الله أي في سبيله حيين الرجعة فتأمّل.

وثانيها ان المراد أنّك قتيل لاجل الله وفي سبيله فتجوّز عنه بلفظ الثار الذي هو الدم لبعض العلائق المصححة.

وثالثها ان المراد أنّك قتيل قتله محبة الله كما قال ومن عشقته قتلته قال الشاعر :

باح مجنون عامر بهواه

وكتمت الهوي فمت بوجدي

واذا كان في القيمة نودي

من قتيل الهوي تقدمت وحدي

ومما ينسب اليه قوله (ع) :

تركت الناس طرّاً في هواكا

وأيتمت العيال لكي أراكا

فلو قطّعتني ارباً فارباً

لما حنّ الفؤاد إلي سواكا

والجوّز علي حسب ماتقدم.

ورابعها ان المراد أنّ الله سبحانه وليّ دمك يطلب بدمك من أعدائك ففيه أيضاً تجوّز بالثار الذي هو طلب الدم عن المطلوب بدمه. قيل وحينئذ يقدر مضاف للثار أي أهل ثار الله ويكون اضافة الثار إلي

١٤

_________________________________

الله بمعني من ، اي أنّك أهل طلب الدم من الله اي طلب الدم الذي يكون الطلب ناشئاً منه وأنت أهل لذلك الطلب الناشي منه اه فتدبر.

وخامسها إنّ المراد أنّك صاحب الدم الذي عظّمه الله وشرّفه علي سائر الدماء فالمضاف محذوف والاضافة تشريفيه كما في روح الله وبيت الله ويحتمل أن يراد بالثار صاحبه علي التجوّز في نفس الكلمة.

وسادسها أنّ المراد يامن ثاره ثار الله اي بمنزلته كما في يد الله وعين الله ، ونصب الوتر عطفاً علي المنادي المضاف لكون المعطوف عليه كالمستقل وهو بالكسر علي المضبوط في الزيارات والمشهور في القرآت الفرد فهو (ع) وتر لتفرده في الكمال في عصره او بقبوله للامانة أي الشهادة الكلية التي عرضها الله في الذر علي عباده فأبوا من حملها وأشفقوا منها فحملها فكان ظلوما أي مظلوماً جهولا أي مجهول القدر لعلو شأنه وارتفاع همته كما قال :

سبقت العالمين إلي المعالي

بحسن خليقة وعلو همة

فلاح بحكمتي نور الهدي في

ليال في الضلالة مدلهمة

يريد الجاحدون ليطفئوه

ويأبي الله الا أن يتمّه

والموتور يحتمل أن يكون تأكيداً للوتر من قبيل قولهم برد بارد وليل اليل ، وشعر شاعر ، وفي التنزيل وحجراً محجوراً ، وأن يكون من قبيله قوله (ع) : أنا الموتور أي الطالب بالثار من الوتر والوتيرة والترة وهو طلب الثار ، وأن يكون من قبيل قوله من فاتته صلوة العصر فكأنما وتر أهله وماله أي نقص يقال وترته إذا نقصته

١٥

الموتور ، السلام عليك وعلي الأرواح التي حلّت بفنائك ،

__________________________________

فكأنّك جعلته وتراً بعد أن كان كثيراً ، ومنه قوبه تعالي : «ولن يتركم أعمالكم» أي ولن ينقصكم فهو (ع) موتور أي منقوص مكسور صولته بقتل أعوانه وأنصاره من إخوانه وأولاده وغيرهم ممن قتل بكربلا فصار فردا لم ينصره أحد كما قيل في فتية ساعدوا وواسوا وجاهدوا أعظم الجهاد حتّي تفانوا وظل ونكسوه عن الجواد ، وأن يكون من قولهم : فلان موتور أي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه وهو (ع) وإن قتل يوم كربلاء كثيراً من أعدائه أضعاف من قتل من أوليائه الا انه لو قتل جميعهم لم يعدل سهماً خرق حلقوم طفله الرضيع.

السلام عليك وعلي الأرواح التي حلّت بفنائك

الحلول النزول يقال : حل المكان وبه : نزل به ، وفناء الدار بالكسر ما اتسع من امامها والمراد بالأرواح أرواح أصحابه وأعوانه الذين استشهدوا بين يديه ونزلوا بفناء محبته والوفاء بعهد مودته (ع) واستقاموا علي طريق بيعته حتّي قال (ع) في حقّهم لا أعلم أصحاباً أوفي ولا خيراً من أصحابي ولنعم ما قيل :

هم سادة قد عظمت أجورها

بدت لهم عند اللقاء حورها

في جنة عالية قصورها

قطوفها دانية لمن يري

فعاينوا الحور عليهم تشرف

وجنة الخلد لهم تزخرف

فعانقوا بيض الظبا وارتشفوا

من القنا كأس الفناء سكرا

حتّي ابيدوا كلهم علي ظما

بين طعين وجريح ظلما

فيالهم من ناصرين كرما

باعوا علي الله النفوس فاشتري

١٦

______________________________

ويمكن أن يراد بحلولها بفنائه وساحته حشرها معه في حضرة القدس ، فأن المرء يحشر مع من أحبّه ، والأخبار متضافرة بذلك ، وفي الحلول بالفناء إشارة إلي انحطاط درجتها عن رجته كما هو كذلك في نفس الأمر بالضرورة فأنّها ما نالت هذا المقام الا بمحبته والفناء في عشقه ومودته ، فياليتنا كما معهم فنفوز فوزاً عظيماً ، ولكن الصحيفة الالهية قد انطوت عليهم لم يزد علي عدتهم أحد ولم ينقص منهم أحد.

فيا طول الاسي من بعد قوم

ادير عليهم كأس الافول

تعاورهم أسنة آل حرب

وأسياف قليلات القلول

بتربة كرلاء لهم ديار

يتارمي الاهل دارسة الطلول

تحيات ومغفرة وروح

علي تلك المحلة والحلول

ويحتمل أن يراد بالأرواح أجسادهم الشريفة الطاهرة المدفونة معه في روضته المقدسة الطيبة لطهارتها ، ونزاهتها عن الادناس البشرية والعلائق العنصرية فصارت منزلة الأرواح اللطيفة المجردة.

وحكي انه قد ترأس تلميذ لقلانوس الحكيم علي النهد فرغب الناس في تلطيف الابدان وتهذيب الانفس وكان يقول أي امرء هذب نفسه ، وأسرع في الخروج عن هذا العالم الدنس ، وطهر بدنه عن أوساخ هذا العالم ظهر له كلشيء ، وعاين كل غائب ، وقدر علي كل متعذر ، وكان مسروراً محبوراً ملتّذاً عاشقاً ، لا يمل ولا يكل ، ولا يمسه نصب ولا لغوب.

قال الشهرستاني ولما وصل الاسكندر إلي تلك الديار وأراد

١٧

عليكم منّي جميعاً سلام الله أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار

____________________________________

محاربتهم صعب عليه افتتاح مدينة أحد الفريقين وهم الذين كانوا يرون استعمال اللذات في هذا العالم بقدر القصد الذي لا يخرج إلي فساد البدن فجهد حتي افتتحها وقتل منهم جماعة من أهل الحكمة فكانوا يرون جثث قتلاهم مطرحة كأنّها جثث السمك الصافية النقية التّي في الماء الصافي فلما رأوا ذلك ندموا علي فعلهم وأمسكوا عن الباقين اه فإذا كان هؤلاء أجسادهم بهذه المثابة من اللطافة فكيف ظنك بالفتية الذين ربّاهم الحسين بن علي (ع) وصفتهم بالشهادة ، وبلغ بهم أعلي مراتب السعادة.

وقد تقرّرفي محله أن الجسد بالرياضة والتصفية وتهذيب الاخلاق يتلون بلون الروح كما ان الروح بمتابعة النفس الأمّارة بتلون بلون الجسد والله أعلم.

عليكم منّي جميعاً سلام الله أبداً مابقيت وبقي الليل والنهار

تقديم الخبر لافدة الحصر وجميعاً حال من ضمير الجمع ، ويحتمل بعيداً من ضمير النفس اي بلساني وجناني ، وفي أضافة السلام إلي الله أشارة إلي أن اللائق ببهم سلامه تعالي كما قيل :

سلام من الرحمن نحو جنابكم

فإن سلامي لا يليق بباكم

وأبداً ظرف عامله الإستقرار المحذوف وجوباً وهو الخبر بحسب المعني ، ويحتمل كونه السلام ، وما بقيت أيّ مدة بقائي وبقاء الليل والنهار فهو تفسير بحسب المعني لأبداً ، وما حرفية مصدرية والظرفية مستفادة من المضاف المحذوف ولا تنافي بين نسبة السلام إلي الله وكونه من الزائر

١٨

يا أبا عبد الله. لقد عظمت الرزية وجلت وعظمت المصيبة بك علينا وعلي جميع أهل الإسلام ، وجلت وعظمت مصيبتك في

____________________________________

وناشئاً منه كما يقتضيه من الابتدائية ، فإنّ المراد أنّه يطلب من الله أن يديم سلامه عليه ، ويجعله مستمراً دائماً فيقول سلام الله ابداً عليكم أو أنّه يسلم عليكم بسلام الله أبداً في حال حيوته وبعد وفاته فالمراد بسلام الله نحوه ونوعه كما في سبحان الله اي سبّحت نحو تسبيحه اللائق به الذي علمناه وألهمناه فكما أن مطلق تسبيحنا لله لا يناسب ببابه تعالي كذلك مطلق تسليمنا لا يليق بجنابه (ع).

يا أبا عبد الله لقد عظمت الرزية وجلّت المصيبة بك علينا وعلي جميع أهل الإسلام وجلّت وعظمت مصيبتك في السماوات علي جميع أهل السموات.

جدد ندائه لتجديد الحزن وتوفير البكاء عليه فأنّه لا يذكر عند مؤمن الا وحزنه يتجدد وعبرته تجري ، واللام في لقد لتوطئة القسم اي والله لقد عظمت الرزيةف وهي بفتح الراء المهملة وكسر المعجمة وتشديد الياء وربما يبقي الهمزة علي حالها فيقال رزيئة من الرزء وهو المصيبة بفقد الاعزة والاحباب ، والمصيبة أعم فأنها أعم فأنّها الأمر المكروه الذي يحل بالإنسان كالمصابة والمصوبة ، وكيف لاتعظم علينا وعلي جميع أهل الإسلام رزيته ولا تجل مصيبته ، وقد خص بالشهادة الكلية المتضمنة لجميع انواع الرزايا والمصائب ولذا كانت مصيبته أعظم المصائب قال الصادق (ع) أن أبا عبد الله (ع) لما مضي بكت عليه السموات السبع

١٩

____________________________________

ومافيهن والارضون السبع وما فيهن وما بينهن وما ينقلب في الجنة والنار من خلق ربنا وما يري وما لا يري اه.

وقال الباقر (ع) ببكت الأنس والجن والطيرو الوحش علي الحسين ابن علي (ع) حتّي ذرفت دموعها اه.

وعن جبلة المكية قالت : سمعت ميثم التمّار يقول : والله لتقتل هذه الأمة ابن نبيّها في المحرم لعشر يمضين منه وليتخذن أعداء الله ذلك اليوم بركة ، وان ذلك لكائن قد سبق في علم الله. اعلم ذلك بعهد عهده إليّ أمير المؤمنين (ع) ، فلقد أخبرني أنّه يبكي عليه كلشيء حتي الوحوش في الفلوات ، والحيتان في البحار ، والطيرفي جو السماء وتبكي عليه الشمس والقمر والنجوم والسماء والارض ، ومؤمنوا الانس والجن ، وجميع ملائكة السموات والأرضين ورضوان ومالك وحملة العرش ، وتمطر السماء دماً ورماداً الخ اه.

والأخبار من هذا القبيل متواترة فالتخصيص بالمسلمين وأهل السموات لتأثير هذه المصيبة في قلوبهم أعظم التأثير علي الوضع المعروف ولكن تأثيرها في سائر الموجودات علي وضع آخر كما لا يخفي علي من تأمل وتدبّر قال بعضهم :

مصائب سائت كل من كان مسلماً

ولكن عيون الفاجرين اقرّت

إذا ذكرت نفسي مصيبة كربلا

واشلاء سادات بها قد تقرّت (١)

أضاقت فؤادي واستباحت تجاربي

وعظم كربي ثم عيشي أمرت

__________________

(١) اشلاء اي اعضاء جمع شلو بالكسر وهو العضو.

٢٠