وليد الكعبة

السيد محمد رضا الحسيني الجلالي

وليد الكعبة

المؤلف:

السيد محمد رضا الحسيني الجلالي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدريّة
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-8163-92-8
الصفحات: ٤٩٥

١
٢

دليل الكتاب

المقدمة :

١ ـ مولد علي عليه السّلام في البيت :

من حديث الصحابي بن عبد اللله الأنصاري مرفوعاً عن رسول الله صلّى الله عليه وآله.

٢ ـ مولد أمير المؤمنين عليه السّلام ومنشؤه مع النبي صلّى الله عليه وآله :

من حديث الإمام أبي جعفر الباقر ، محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السّلام.

٣ ـ خبر في مولد علي عليه السّلام :

من رواية الإمام أبي عبد الله الصادق ، جعفر بن محمد بن علي بن الحسين علي بن أبي طالب عليه السّلام من آبائه.

٤ ـ علي وليد الكعبة :

تأليف العلامة الحجة الشيخ محمد علي الأردوبادي الغروي (١٣١٢ ـ ١٣٨٠ ه).

٥ ـ الولادة في الكعبة المعظمة فضيلة لعلي عليه السّلام خصّة بها ربّ البيت :

بقلم الاُستاذ شاكر شبع النجفي.

٦ ـ ولادة أمير المؤمنين عليه السّلام خصوصية في الزمان وتفرّدٌ في المكان :

بقلم الاُستاذ علي موسى الكعبي.

٧ ـ قراءة في كتاب «علي وليد الكعبة» للأُردوبادي :

بقلم الاُستاذ محمد سليمان.

٨ ـ روايات مختصرة في مولد أمير المؤمنين عليه السّلام :

جمعها الدكتور أحمد پاكتچي.

٩ ـ مرلود جناب علي كرّم الله وجهه :

ناظمي سليمان جلال الدين ، قصيدة باللغة التركية.

١٠ ـ مسك الختام في ما قيل في مولد الإمام عليه السّلام :

مجموعة من الأقوال المنثورة والقصائدة المنظومة ، جمعها السيّد محمد رضا الحسيني الجلالي كان الله له.

٣
٤

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم

مقدّمة المؤلّف :

الحقائق الواقعة لا يمكن أن تزول عن واقعها مهما تُركت وأُهملت ، أو تغافل عنها أحد أو عُطَيت ، أو شُوّهت صورتها ، أو غُيّرت بزيادة أو نقصان ، أو أخفيت لبرهة من الزمن عن الأنظار ، أو غُمّت لفترة على الأفكار.

فإنّها لم تزل ثابتة في صقعها ، لا تزعزعها الأراجيف ، لأنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد ، وإذا وجد فهو واجب ثابت.

وإذا كانت الحقيقة الإهيّةً ، أوجدتها الإرادة الربانية التي لا بدّ أن تكون لحكمة ، فإنّ تلك الحكمة تقتضي إثباتها وظهورها ولو بعد حين ، وانتشارها واشتهار نبئها ولو بعد سنين.

و «مولد علي عليه السّلام في الكعبة» من تلك الحقائق الراهنة ، التي حصلت بإرادة ربّانيّة.

وذلك باعتراف الكلّ ، سواء من أهل الشرك قبل الإسلام ، ومن أسلم بعد البعثة الشريفة ، ممن عاصر الواقعة العظيمة ، أو سمع وشاهد معاصريها.

وفي مقدّمة الكلّ : أهل الوليد وذووه الذين هم الأعرف بما حصل له ، وهم مسؤولون عنه ، وهم المراجع المصدّقون في معرفة شؤونه.

وفي طليعة الجميه ـ مَن قَرُبَ وَمن بَعُد ـ هو النبيّ الأكرم محمد صلّى الله عليه وآله الذي بشّر بالوليد واستبشر به وأولاه غاية الاهتمام بشأنه ، قبل ولادته ، وحينها ، وبعدها.

٥

فالرويات المسندة المرفوعة عن الرسول صلّى الله عليه وآله في أمر ولادة علي عليه السّلام في الكعبة ، مأثورة مشهورة ، رواها من كبار الصحابة أمثال الصحابيّ الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري رَضِيَ اللهُ عَنْه (ت ٧٤ ه).

ورواها الأئمة من أهل البيت (الذين هم أدرى بما في البيت) عن آبائهم عليهم السّلام.

وتداول نبأ هذه الحقيقة التاصعة ، الرواة ، والمحدّثون ، والنسابة ، والمؤرخون ، والأدباء ، والمؤلّفون.

ودخل في حلبة الإعلان عنه الشعراء الموالون لعليّ وآله منذ القدم وحتى عصرنا الحاضر.

ابتهاجاً بهذه المكرمة العظيمة التي خصّ الله جلّت آلاؤه بها وليد البيت مستضيفاً له في بيته الكريم.

وأمام هذه الحقيقة الواقعة الثابتة ، وقف ذوو الحقد موقفَ العداء واللؤم ، لأنّهم أعداء الحقّ والصدق ، من الفاسدين الذين لم يستضيؤوا بنور الإسلام ، واستسلموا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبهم ، لأنّهم أشربوا حبّ الأوثان في عروقهم ، تلك التي رفضها الإسلام ، وكثرها الإمام ، ليطهّر منها مولده المقدّس المبارك.

فما كان منهم سوى المحاولات اليائسة ، للتشويه على تلك الحقيقة الراهنة الناصعة ، حيث لم يمكنهم ـ قطّ ـ إنكارها يصراحة ، خوفاً من الفضيحة ، وحذراً من أن تنكشف الأقنعة المزيفة التي تسلّلوا لها إلى المناصب والمقامات العالية بالسم الدين وخلافة الرسول وسقاية الحاج وعمارة المسجد ، وطبع المصحف وكتابته ، ودعوى اتّباع السنّة وأهليّتها!

بينما هم يقتلون أهل الإيمان والدين ، ويفتكون بعمّار المساجد ، ويحرقون المصاحف ، ويمنعون السنّة ويحرقون كتبها ويحبسون رواتها.

٦

ومن أجل ذلك ، لجأوا إلى اُسلوب التزوير والجعل فافتعلوا ولادة اُخرى في البيت لمكرّم ، زعموا أنّها كانت قبل الإسلام ، في عصر الجاهلية ، ولشخص ومن اُمّ من غير ذوي الشأن والمقام ، في عصر ذلك الظلم والظلام.

لينتقصوا من قضية مولد الإمام ، ويجعلوه أمراً غير ذي بال حصل مثله لغيره من العوام.

غير أنّ الزيف بادٍ على تلك المزعومة ، فسريعاً ما ينكشف الغطاء ، ويذهب الزبد جفاءاً ، بعد أن حقّق العلماء بطلان تلك الدعوى ، على غرابتها وانفراد راويها ، وعدم وثاقته ، وثبوت انحرافه عن عليّ وآله ، وكون المتناقلين لها من السائرين وراء الأطماع في دوامة العبث الأموي ، والأعراض الأميريّة التي ما فتئت تحرّف وتزيف ما لعليّ عليه السّلام من الفضائل والأمجاد ، وتفتعل مثالها لذويهم من أصحاب الجلود المنفوخة من الذين لا يملكون من الصلاح والمروءة نقيراً ولا قمطيراً.

ومع أن تلك المزعومة الموضوعة لا تعادل ولا تقابل ، فضلاً أن تعارض أو تدافع حديث مولد الإمام عغلي عليه السّلام في الكعبة ، ذلك الحديث المسند المجمع على ثبوته وصحته ، والذي انبرى المسلمون عامّة ، بكلّ مذاهبهم وطوائفهم ـ ، لنقله وتثبيت ذكره وروايته ، كما تشرّف الاُدباء والشعراء بنثره في روائعهم ونظمه في قصائدهم.

فإنّ من المحجقّقين من تصدّى لتلك المزعومة المفتعلة ـ حكاية اُم حكيم وحكيم ـ بالردّ والإبطال.

ونقول : يكفي لاستبعادها والكشف عن بطلانها ما احتوت عليه من ذكر «مثبرها» وثيابها التي طرحت «لُقىً» وموضعا الذي طُهِّرَ من أدناسها!

وغير ذلك من آثار الرجس ، التي تُبَرَّؤ الكعبة الشريفة ـ حتى عند الجاهلية ـ من التقرّب إليها ، أو النسبة إليها.

٧

بينما حقيقة «مولد علي عليه السّلام في الكعبة» منزّه عن كلّ ذلك الرجس ، وتلك النسبة ، بل ملؤه الطهر والنزاهة والطيب والحرمة والكرامة.

وأمّا ما يلوكه البعض من خبر تلك الأغلوطة فقد فنّده علماء الحديث والرجال ، والمحققون في الأسانيد ، وأثبتوا زيفها وكذبها وأنّها من الموضوعات التي بثها بنو اُميّة وأتباعهم.

* * *

ونحن في هذه المجموعة ، حاولنا أن ندرج تحت عنوان «وليد الكعبة» كلّ ماروي ، أو اُلّف ، أو قيل من نثر ونظم ، منذ صدر الإسلام وإلى عصرنا الحاضر ، حول هذه الحقيقة الثابتة الزاهية ، وهذه المكرمة الربانية التي خصّ بها ربُّ البيت وليدَ البيت.

وقد احتوى الكتاب على الأعمال والجهود السابقة :

منها :

مجموعة «مولد أمير المؤمنين عليه السّلام نصوص مستخرجة من التراث الإسلامي».

تحقيق الدكتور أحمد پاکتچي ، نشر المؤسسة العالمية لنهج البلاغة ، الطبعة الاُولى ، قم ، ١٤٢٤ ه.

أورد فيها نصوصاً لأربع كتب منسوبة إلى :

١ ـ وهب بن وهب القرشي المعروف بأبي البختري القاضي (ت ٢٠٠ ه) باسم «مولد أمير المؤمنين عليه السّلام».

٢ ـ مولد أمير المؤمنين عليه السّلام في البيت ، للشيخ الصدوق القمي ، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه (ت ٣٨١ ه).

٣ ـ مولد أمير المؤمنين علي عليه السّلام ، لأبي العلاء العطار الهمداني ، الحسن بن أحمد بن الحسن (ت ٥٦٩ ه).

٨

٤ ـ جزء من مولد أمير المؤمنين عليه السّلام ، لأبي الحسن القمي ، محمد بن أحمد بن علي بن شاذان (ت بعد ٤١٢ ه).

وقد اخترنا منها أفضل الروايات ونسبناها إلى أعلى رواتها كما تجد في الرسائل المرقمة (١ و ٢ و ٣).

وألحق الدكتور پاکتچي ملحقاً جميع فيه «روايات مختصرة في مولد أمير المؤمنين عليه السّلام» أوردناه برقم (٨).

ومن ذلك كتاب «عليٌّ وليد الكعبة» تأليف المحقّق الحجّة الشيخ محمّد عليّ الاُردوبادي الغروي (ت ١٣٨٠ ه) أثبتناه كلّه برقم (٤) معتمدين النسخة التي حقّقتها مؤسّسة «البعثة» في قم ، وقد أكلنا ما حذفه الطابع ، وهو مجموعة الأشعار الفارسيّة ، فأثبتناها اعتماداً على الطبعة الاُولى للكتاب ، التي قدم لها سبط المؤلّف ، وطبعت بمطبعة النجف في النجف عام ١٣٨٠ ه.

ومن ذلك ما قام به في الاستدراك والتعقيب على كتاب الاُردوبادي ، عدّة من الاساتذة في مقالات ، وهي :

١ ـ مقالة الاُستاذ شاكر شبع النجفي : المنشورة في مجلة (تراثنا)

٢ ـ مقالة الاُستاذ علي موسى الكعبي ، المنشورة في مجلة (علوم الحديث).

٣ ـ مقالة الاُستاذ محمد سليمان ، المنشورة في مجلة (ميقات الحجّ).

فأوردناها بالأرقام (٥ و ٦ و ٧).

ومن ذلك كتاب «مولد جناب علي» للشاعر التركي سليمان جلال الدين ، المطبوع في تركيا عام ١٣٠٨ ه ، أوردناه برقم (٩).

وقد جعلنا «مسك ختامه» ما جمععناه من مستدركاتٍ فاتت السابقين من نصوصٍ تاريخيّة ، وتصريحات أعلام النسب والأدب من منثور ومنظوم بالعربيّة والفارسيّة ، وكذلك ما تأخّر تأليفه ونظمه من عمل أعمال المعاصرين ، فأوردناه برقم (١٠).

٩

وليس رائدنا في هذا العمل سوى تخليد هذه الكرامة العظمى ، لصاحب الإمامة الكبرى أمير المؤمنين عليه السّلام وتجديد ذكراها.

وإبرازاً للولاء لعليّ وآله الأئمّة الأولياء.

أملاً في الحشر مع مواليهم ومحبّيهم في الديا ، وتحت لوائهم في يوم الجزاء.

والحمد لله أوّلاً وآخراً وصلّى الله علي محمد وآله الأطهار.

حرّر في الرابع من ربيع الأوّل عام ١٤٢٥ ه في قم المقدّسة.

وكتب

السيّد محمّد رضا الحسينيّ الجلاليّ

كان الله له

١٠

(١)

مولد عليّ عليه السّلام في البيت

من حديث

الصحابي الجليل

جابر بن عبد الله الأنصاري

(ت ٧٤ ه)

١١
١٢

بِسمِ اللهِ الّحمنِ الرّحيم

ذكر بهذا العنوان «مولد علي عليه السّلام في البيت» كتاباً للشيخ الصدوق ، كلّ من : النجاشي في رجاله ، وأسند إليه.

وابن طاووس الحلّي في كتابه «اليقين» ناقلاً عنه ، مصرّحاً بأنّه «نحو خمس قوائم».

ونقل عنه ابن شهر آشوب في «المناقب».

ونقل عنه مؤلّف كتاب «جامع الأخبار».

وهو متن حديثٍ أسنده الصدوق إلى جابر بن عبد الله الأنصاري ، مرفوعاً عن النبيّ صلّى الله عليه وآله.

ونقله كلّه الفتّال النيسابوري (الشهيد ٥٠٨ ه) في «روضة الواعظين».

كما أنّ لأبي العلاء الهمداني ، الحسن بن أحمد بن الحسن العطار (ت ٥٦٩ ه) كتاباً بعنوان «مولد علي عليه السّلام» ذكره السيّد ابن طاووس الحلّي في «اليقين» مصرّحاً بأنه «أكثر من سبع قوائم» وهو عين حديث جابر المرفوع باختلاف في بعض العبائر.

وأورده السيد حيدر بن محمد الحسيني كمال الدين في كتابه «الفضائل».

ولخّصه الحافظ الكنجي محمد بن يوسف (الشهيد ٦٥٨ ه) في «كفاية الطالب».

وكلّ هؤلاء أسندوا الحديث بطرقهم.

ونقدّم هنا أتمّ نصوصه ، كما ذكره ابن شاذان في «الفضائل» وهو الحديث (٧٣) فيه:

١٣

بِسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم

مولد

أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام

في البيت

عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال :

سألت رسول الله صلّى الله عليه وآله عن ميلاد عليّ بن أبي طالب عليه السّلام؟

فقال : آه ، آه! سألت عجباً ، يا جابر! عن خير مولود ولد (بعدي على سنّة المسيح) (١).

إنّ الله تعالى [عليّاً] نوراً من نوري ، وخلقني نوراً من نوره ، وكلانا من نور واحد ، وخلقنا من قبل أن يخلق سماء مبنيّة ، وأرضاً مدحيّة ، ولا كان طول ولا عرض ، ولا ظلمة ولا ضياء ، ولا بحر ولا هواء بخمسين ألف عام.

ثمّ إنّ الله عزّ وجل سبّح نفسه فسبّحناه ، وقدّس ذاته فقدّسناه ، ومجّد عظمته فمجّدناه ، فشكر الله تعالى ذلك لنا فخلق من تسبيحي السماءَ فسمكها ، والأرض فبطحها ، والبحار فعمّقها.

وخللق من تسبيح عليّ عليه السّلام الملائكة المقرّبين إلى أن تقوم السماء السابعة فجميع ما سبّحت الملائكة فهو لعليّ عليه السّلام وشيعته.

__________________

(١) ما بين القوسين هنا وفي ما يلي ، مما جاء في بعض نسخ المصدر.

١٤

يا جابر! إنّ الله عزّ وجل نقلنا فقذف بنا في صلب آدم عليه السّلام ، فأمّا أنا فاستقررت في جانبه الأيمن ، وأمّا عليّ فاستقرّ في جانبه الأيسر.

ثمّ إنّ الله عزّ وجل نقلنا من صلب آدم عليه السّلام في الأصلاب الطاهرة ، فما نقلني من صلب إلّا نقل علياً معي ، فلم نزل كذلك حتّى أطلعنا الله تعالى من ظهر طاهر وهو ظهر عبد المطلب.

ثمّ نقلني من ظهر طاهر وهو ظهر عبد الله ، واستودعني خير رحم ، وهي آمنة.

فلمّا ظهرتُ ارتجّت الملائكّة وضجّت ، وقالت : إلهنا وسيّدنا! ما بال وليّك علي عليه السلّام لا نراه مع النور الأزهر؟ يعنون بذلك محمّداً صلّى الله عليه وآله.

فقال الله عزّ وجل : إنّي أعلم بوليّي وأشفق عليه منكم ، فأطلع الله عزّ وجل عليّاً من ظهر طاهر من بني هاشم.

فمن قبل أن يصير في الرحم ، كان رجلٌ في ذلك الزمان ، وكان زاهداً عابداً يقال له : المبرم بن زغيب الشقبان (١) ، وكان من أحد العبّاد قد عبد الله تعالى مائتين وسبعين سنة لم يسأل حاجة (إلّا أجابه).

إنّ الله عزّ وجل أسكن في قلبه الحكمة ، وألهمه بحسن طاعته لربّه ، فسأل الله تعالى أن يريه وليّاً له.

فبعث الله تعالى أبا طالب ، فلمّا بصر به المبرم قام إليه وقبّل رأسه وأجلسه بين يديه ، ثمّ قال له : مَنْ أنت يرحمك الله تعالى؟

فقال له : رجلٌ من تهامة.

فقال : أيّ تهامة؟

فقال : من عبد مناف ، ثم قال : من هاشم.

__________________

(١) في بعض النسخ : «المثرم دعيب الشيقبان» هنا وفي ما يلي.

١٥

فوثب العابد وقبّل رأسه ثانية ، وقال : الحمد لله الذي لم يُمتني حتى أراني وليّه ، ثم قال : أبشر يا هذا! فإنّ العليّ الأعلى ألهمني إلهاماً فيه بشارتك.

فقال أبو طالب : وما هو؟

قال : ولدٌ يولد من ظهرك هو وليّ الله عزّ وجل ، إمام المتّقين ووصيّ رسول ربّ العالمين ، فإنْ أنتَ أدركت ذلك الولد ، فأقرئه منّي السلام ، وقل له : إنّ المبرم رسول الله صلّى الله عليه وآله ، به تتمّ النبوّة ، وبعليّ تتمّ الوصية.

قال : فبكى أبو طالب ، وقال : ما اسم هذا المولود؟

قال : اسمع عليّ.

قال أبو طالب : إنّي لا أعلم حقيقة ما تقول إلّا ببرهان ودلالة واضحة.

قال المبرم : ما تريد؟

قال : أُريد أن أعلم أنّ ما تقوله حقٌّ من ربّ العالمين ، ألهمك ذلك؟!

قال : فما تريد أن أسأل لك الله تعالى أن يُطعمك في مكانك هذا؟

قال أبو طالب : أُريد طعاماً من الجنّة في وقتي هذا.

قال : فدعا الراهب ربّه.

قال جابر : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : فما استتمّ المبرم الدعاء حتّى اُوتي بطبق عليه فاكهة من الجنّة ، وعذق رطب وعنب ورمّان.

فجاء به المبرم إلى أبي طالب فتناول منه رمّانة ، فنهض من ساعته إلى فاطمة بنت أسد رضي الله عنها.

فلمّا أنّه استودعها النور ارتجّت الأرض ، وتزلزلت بهم سبعة أيّام حتّى أصاب قريشاً من ذلك شدّة ، ففزعوا فقالوا : مروا بآلهتكم إلى ذروة جبل أبي قبيس حتّى نسألهم يسكّنون لنا ما نزل بنا وحلّ بساحتنا.

١٦

قال : فلمّا اجتمعوا على جبل أبي قبيس ، وهو يرتجّ ارتجاجاً ، ويضطرب اضطراباً ، ، فتساقطت الآلهة على وجهها ، فلمّا نظروا إلى ذلك قالوا ، لا طاقة لنا.

ثمّ صعد أبو طالب الجبل ، وقال لهم : أيّها الناس! اعلموا أنّ الله تعالى عزّوجل ، قد أحدث في هذه الليلة حادثاً ، وخلق فيها خلقاً ، فإن لم تطيعوه وتقرّوا له بالطاعة وتشهدوا له بالإمامة المستحقّة ، وإلّا لم يسكن ما بكم حتّى لا يكون بتهامة سكن.

قالوا : يا أبا طالب! إنّا نقول بمقالتك.

فبكى ورفع يديه وقال : «إلهي وسيّدي! أسألك بالمحمّدية المحمودة ، والعليّة العلويّة ، والفاطميّة البيضاء إلّا تفضّلت على تهامة بالرأفة والرحمة».

قال جابر : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : فوالله الذي خلق الحبّة ، وبرأ النسمة! قد كانت العرب تكتب هذه الكلمات ، فيدعون بها عند شدائدهم في الجاهليّة ، وهي لا تعلمها ولا تعرف حقيقتها حتّى وُلِدَ عليّ بن أبي طالب عليه السّلام.

فلمّا كان في الليلة التي ولد فيها عليه السّلام أشرقت الأرض ، وتضاعفت النجوم فأبصرت من ذلك عجباً ، فصاح بعضهم في بعض ، وقالوا : إنّه قد حدث في السماء حادثٌ ألا ترون من إشراق السماء وضياءها وتضاعف النجوم بها؟!

قال : قخرج أبو طالب ، وهو يتخلّل سكك مكّة ومواقعها وأسواقها ، وهو يقول لهم : أيّها الناس! ولد الليلة في الكعبة حجّة الله تعالى ، ووليّ الله.

فبقي الناس يسألونه عن علّة ما يرون من إشراق السماء؟

فقال لهم : أبشروا ، فقد ورد في هذه الليلة وليّ من أولياء الله عزّ وجل يختم به جميع الخير ويذهب به جميع الشرّ ، يتجنّب الشرك والشبهات.

ولم يزل يلزم هذه الألفاظ حتّى أصبح ، فدخل الكعبة ، وهو يقول هذه الأبيات شعراً :

يا ربّ هذا الغسق الدجيِّ

يا ربّ هذا الغسق الدجيِّ

بيّن لنا من حكمك المقضيِّ

ماذا ترى لي في اسم ذا الصبيِّ

١٧

قال : فسمع هاتفاً يقول :

خُصصتما بالولد الزكيِّ

والطاهر المطهّر المرضيِّ

إنّ اسمه من شامخ ٍ عليِّ

عليٌّ اشتقَ من العليّ

فلمّا سمع هذا خرج من الكعبة ، وغاب عن قومه أربعين صباحاً.

قال جابر : فقلت : يا رسول الله! عليك السلام ، أين غاب؟

قال : مضى إلى المبرم ليبشّره بمولد عليّ بن أبي طالب عليه السّلام في جبل لكام (١) فإن وجده حيّاً بشّره ، وإن وجده ميّتاً أنذره.

فقال جابر : يا رسول الله! فكيف يعرف قبره؟ وكيف ينذره؟

فقال : يا جابر! كتم ما تسمع ، فإنّه من سرائر الله تعالى المكنونة ، وعلومه المخزونة ، إنّ المبرم كان قد وصف لأبي طالب كهفاً في جبل اللكّام ، وقال له : إنّك تجدني هناك حيّاً أو ميّتاً.

فلمّا أن مضى أبو طالب إلى ذلك الكهف ودخله فإذا هو بالمبرم ميّتاً جسده ملفوف في مدرعتين مسجّى بهما ، وإذا بحيّتين إحداهما أشدّ بياضاً من القمر والاُخرى أشدّ سواداً من الليل المظلم ، وهما يدفعان عنه الأذى ، فلمّا أبصرتا أبا طالب غابتا في الكهف.

فدخل أبو طالب ، وقال : السلام عليك يا وليّ الله! ورحمة الله وبركاته.

فأحيى الله تعالى بقدرته المبرم ، فقام قائماً وهو يمسح وجهه وهو يشهد : «أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمداً رسول الله صلّى الله عليه وآله وأنّ علياً وليّ الله وهو الإمام من بعده».

__________________

(١) اللكّام : بالضمّ وتشديد الكاف ، ويروى بتخفيفها ، هو الجبل المشرف على أطاكيّة ، وبلاد ابن ليون والمصيّصة وطرسوس وتلك الثغور. معجم البلدان ٥ / ٢٢ ، (اللكّام).

١٨

ثمّ قال له المبرم : بشّرني يا أبا طالب! فقد كان قلبي متعلّقاً حتّى منّ الله تعالى (عليّ بك و) بقدومك.

فقال له أبو طالب : أبشر! فإنّ علياً قد طلع إلى الأرض.

قال : فما كان علامة الليلة التي ولد فيها؟ حدّثني بأتمّ ما رأيت في تلك الليلة.

قال أبو طالب : نعم ، أخبرك بما شاهدته.

لمّا مرّ من الليل الثلث أخذ فاطمة بنت أسد رضي الله عنها ما يأخذ النساء عند ولادتها ، فقرأت عليها الأسماء التي فيها النجاة ، فسكن بإذن الله تعالى ، فقلت لها : أنا آتيك بنسوة من أحبّائكِ ليعينوكِ أمركِ؟

قالت : الرأي لك.

فاجتمعت النسوة عندها ، فإذا أنا بهاتف يهتف من وراء البيت : أمسك عنهنّ يا أبا طالب! فإنّ وليّ الله لا تمسّه إلّا يد مطهّرة.

فلم يتمّ الهاتف (كلامه) فإذا قد أتى محمّد بن عبد الله ابن أخي ، فطرد تلك النسوة وأخرجهنّ من البيت.

وإذا أنا بأربع نسوة فدخلن عليها وعليهنّ ثياب حرير بيض ، وإذا روائحهنّ أطيب من المسك الأذفر ، فقلن لها : السلام عليك يا وليّة الله!

فاجابتهنّ بذلك.

فجلسنَ بين يديها ، ومعهنَّ جُونة من فضة ، فما كان إلّا قليلاً حتى ولد أمير المؤمنين عليه السّلام.

فلمّا أن ولد أتيتهنّ ، فإذا أنا به قد أطلع عليه السّلام فسجدَ على الأرض ، وهو يقول : «أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً رسول الله ، تختم به النبوّة ، وتختم بي الوصيّة».

فأخذته إحداهنّ من الأرض ووضعته في حجرها ، فلمّا حملته نظر إلى وجهها ونادى بلسان طلق ويقول : السلام يا اُمّاه!

١٩

فقالت : وعليك السلام يا بنيّ!

فقال : كيف والدي؟

قالت : في نعم الله عزّ وجل.

فلمّا أن سمعتُ ذلك لم أتمالك أن قلت : يا بنيّ! أو لستُ أباك؟!

فقال : بلى ، ولكن أنا وأنتَ من صلب آدم ، فهذه اُمّي حواء.

فلمّا سمعتُ ذك غضضتُ وجهي ورأسي وغطّيته بردائي ، وألقيتُ نفسي حياء منها عليها السّلام.

ثمّ دنت اُخرى ومعها نجونة مملوءة من المسك ، فأخذت عليّاً عليه السّلام ، فلمّا نظر إلى وجهها قال : السلام عليك يا اُختي!

فقالت : وعليك السلام يا أخي!

فقال : ما حال عمّي؟

قالت : بخير فهو يقرأ عليك السلام.

فقلت : يا بنيّ! مَنْ هذي ، ومن عمّك؟

فقال : هذه مريم ابنة عمران ، وعمّي عيسى عليه السّلام.

فضمّخته بطيب كان معها من الجنّة.

ثم أخذته اُخرى ، فأدرجته في ثوب كان معها.

قال أبو طالب : لو طهّرناه كان أخفّ عليه.

وذلك أنّ العرب تطهّر مواليدها في يوم ولادتها.

فقلن : إنّه ولد طاهرٌ مطهّر ، لأنّه لا يذيقه الله حرّ الحديد إلّا على يدي رجل يبغضه الله تعالى وملائكته والسماوات والأرض والجبال ، وهو أشقى الأشقياء.

فقلت لهنّ : مَن هو؟

قلن : هو عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله تعالى ، وهو قاتله بالكوفة سنة ثلاثين من وفاة محمد صلّى الله عليه وآله.

٢٠