إعجاز البيان في تفسير اُمّ القرآن

صدر الدين القونوي

إعجاز البيان في تفسير اُمّ القرآن

المؤلف:

صدر الدين القونوي


المحقق: السيّد جلال الدين الآشتياني
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-183-8
الصفحات: ٣٩١

١
٢

٣

٤

مقدّمة الناشر

يعدّ أبو المعالي محمد بن إسحاق القونوي (٦٠٧ ـ ٦٧٢) من أبرز تلامذة وشارحي آراء وأفكار الشيخ محيي الدين بن عربي ، فكان ـ على ما قيل ـ قد التقى بابن عربي وهو في سنّ الثانية عشرة ولازمه ولم يفارقه أبدا حتّى الوفاة ؛ ولذلك فقد تلقّى منه العلوم ونقلها مباشرة إلى تلامذته.

وبما أنّه كانت له علاقة بابن سبعين حيث كان يختلف إليه ويجالسه فيمكن القول : إنّ القونوي في أفكاره عن وحدة الوجود كان قد تأثّر بهذين العارفين ، أعني ابن عربي وابن سبعين. وكان لصدر الدين القونوي علاقة مع كبار العلماء والعارفين من أمثال المحقّق نصير الدين الطوسي وسعد الدين الحموي وملّا جلال الدين الرومي وأوحد الدين الكرماني. كما له تلامذة من قبيل سعد الدين الفرغاني وفخر الدين العراقي وعفيف الدين التلمساني وقطب الدين الشيرازي الذين تعاهدهم وقام بتربيتهم.

ولذيوع صيته وشهرته فقد اختاره «مولانا» من بين علماء قونيه لإقامة صلاة الميت عليه وإنفاذ وصيّته.

لصدر الدين القونوي آثار كثيرة ، أهمّها وأشهرها «مفتاح الغيب» ، «النفحات الإلهية» ، «الفكوك» ، «النصوص» ، «شرح أربعين حديثا» و «تفسير فاتحة الكتاب» المعروف ب «إعجاز البيان في تأويل أمّ القرآن» وهو الكتاب الماثل بين يديك عزيزي القارئ.

وقد ذكر صدر الدين القونوي في مقدمة الكتاب أنّه نقل كلمات المفسّرين والمفكّرين وغيرهم ، وقصد بذلك بيان بعض أسرار أمّ الكتاب. وبناء على ذلك يتّضح أنّه لم يقصد تفسير

٥

سورة الفاتحة ، بل ما ذكره يكون تأويلا.

وفرق واضح بين التفسير والتأويل ، فلكلّ منهما أسلوبه المخالف للآخر في فهم القرآن الكريم. ففي مقدّمة تفسير القرآن لمحيي الدين بن عربي ـ الذي يحتمل قويا أن تكون هي تأويلات عبد الرزاق الكاشاني ـ جاء ما مضمونه : «الذي في هذا الكتاب هو تأويل القرآن لا تفسيره».

وقد قام صدر الدين القونوي في هذا الكتاب ـ كما في سائر آثاره العرفانية ـ بتأويل الآيات القرآنية الشريفة.

وقد تأثّر بأسلوبه بعض العرفاء من قبيل صدر الدين الشيرازي والإمام الخميني في تفاسير هم لسورة الفاتحة والقدر والتوحيد.

لقد طبع هذا الكتاب سابقا في حيدرآباد دكن في الهند ، وطبع في قم على الأوفست من نسخة حيدرآباد.

والآن قامت مؤسسة «بوستان كتاب» التابعة لمركز النشر في مكتب الإعلام الإسلامي بالإعداد لطبع هذا الكتاب ـ بعد أن عهد إليها السيد جلال الدين الآشتياني الذي قام بتصحيح الكتاب ومقابلته مع النسخ المتعدّدة ـ بمهمّة طبع الكتاب ومقابلة التجارب المطبعية المختلفة وإعداد الفهارس اللازمة التي تسهّل على الباحث الوصل إلى المباحث القرآنية في الكتاب. ولا يفوتنا هنا أن نتقدّم بشكرنا الجزيل إلى كلّ الإخوة الأفاضل الذين ساهموا في إنجاز الكتاب. لا سيّما فضيلة الشيخ أحمد عابدي الذي تولّى ضبط عبارات الكتاب ووضع علامات الترقيم على النصوص.

نتمنّى للجميع التوفيق والعافية للسيد الجليل الأستاذ الآشتياني طول العمر خدمة لدين الله تعالى ونشر أفكار وتعاليم محمد وآله صلوات الله عليهم أجمعين.

مؤسسة بوستان كتاب قم

(مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي في الحوزة العلمية بقم المقدّسة)

محرم الحرام ١٤٢٣ إسفند سنة ١٣٨٠

٦

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وصلّى الله على المصطفين من عباده ، خصوصا سيّدنا محمد وآله ، يا ربّ أنعمت فتمّم ، وأظهرت فعمّم.

الحمد لله الذي بطن في حجاب عزّ غيبه الأحمى ، فأبهم وستر ، وشمل وظهر وتجلّى ، ففهّم وأظهر ، وجمل وعلم ، وشاء الإنشاء فأبرم ، ودبّر ، وفصّل وقدّر ، فقضى وحكم وأمر ، فعدل ، وخلق فسوّى ، فقوّم وصوّر ، وعدل ، وقدّر من كمّله من الأناسيّ على صورة حضرته ، وحباه بأحسن تقويم ، فيا أحسن (١) ما حبا وأنعم ، (٢) وقدّر وكمّل ، وملّكه أزمّة الأمور ومقاليد البيان ، فأبدى ما كتم وستر وأجمل ، فكان إماما حاويا مبينا (٣) ، وخازنا حاميا أمينا على حضرة الجمع والأسرار ، وأمّ الكتاب الأكبر ، معدن الظلّات والأنوار ، فما أعلى وأعظم وأنور وأجمل!

أحمده سبحانه حمده نفسه عن نفسه وعبده بلسان جمعه وأحديّة ودّه ؛ إذ هو الحمد الأسنى الأعمّ الأظهر الأشمل.

وأشكره شكر من يرتجي أن يكون ممّن يرى (٤) النعمة منه به ، مع تيقّن العجز وشهوده من مقام الحمد المذكور ؛ إذ هو (٥) الشكر الأسمى الأتمّ الأخطر الأفضل.

وأسأله تعالى استمرار صلواته ، ودوام ورود الطيّبات من تحيّاته ، من أشرف أسمائه لديه ، وأعلى تجلّياته ، على سيّدنا محمد وآله ، والصفوة من أمّته الوارثين لعلومه ومقاماته

__________________

(١) ق : فما حسن ، ب : فيا حسن ، والصحيح : فما أحسن.

(٢) ق : فأنعم.

(٣) ق : مبنيّا.

(٤) ق : يسري.

(٥) ق : فهو.

٧

وأحواله (١). مرتجيا من إحسانه الإسعاف والإجابة ؛ فإنّه أجود من سئل فأجاب وسخا وتكرّم وبرّ وبذل.

__________________

(١) ق : وأحواله ومقاماته.

٨

رشح بال بشرح (١) حال

اعلموا معاشر الإخوان الإلهيّين خاصّة ، والمؤمنين بهم وبأحوالهم والمحبّين لهم عامّة ـ فإنّكم قبلة هذه المخاطبة العليّة ، ومحلّ هذه التحفة السنيّة ـ ، أنّ الله سبحانه منح عبده من عين منّته ، بسابق إحسانه (٢) وعنايته ، بعد التحقّق بمعرفته وشهوده من علم الأسماء والحقائق ، وأسرار الوجود والخلائق ، ما شاء وأحبّ ، حسب القبول والأهليّة ، وخلوص التوجّه لدى التعرّض للنفحات الإلهيّة (٣) وصفاء النيّة ، لا على مقدار جوده ؛ فإنّه أعظم من أن ينحصر أو يتقيّد ، أو ينتهي إلى غاية فيحدّ ، فكان من جملة ما منّ به أن أطلعه على بعض أسرار كتابه الكريم ، الحاوي على كلّ علم جسيم ، وأراه أنّه أظهر عن مقارعة غيبيّة واقعة بين صفتي القدرة والإرادة ، منصبغا بحكم ما أحاط به العلم في المرتبة الجامعة بين الغيب والشهادة ، لكن على نحو ما اقتضاه الموطن والمقام ، وعيّنه حكم المخاطب وحاله ووقته بالتبعيّة والاستلزام ، فالكلام وإن كان مجرّدا من حيث حقيقته ، فإنّه لجمعه حكم الصفتين المذكورتين في طريقته ، وتوقّف ظهوره في عالم الشهادة عليهما ، هو كالمركّب منهما.

فأمّا نسبته من الإرادة فإنّه مقصود (٤) المتكلّم وسرّ إرادته ، ومظهر وموصل وجامع ، ولهذا (٥) يبرز ما كمن في باطن المتكلّم إلى كلّ مخاطب وسامع.

__________________

(١) ق : بلسان.

(٢) ه : حسناه.

(٣) ساقطة من ق.

(٤) ق : فلأنّه لمقصود.

(٥) ق : ولذا.

٩

وأمّا نسبته من القدرة فمن حيث كونه من باب التأثير الإلهي والكوني آلة ، ولهذا كان الإيجاد موقوفا على قول «كن» معنى أو صورة أو هما معا لا محالة ، واشتقّ له اسم من الكلم ـ وهو التأثير ـ تنبيها على هذا السرّ الخطير.

ثمّ سرى الحكم في كلّ كلام صادر من كلّ متكلّم أن لا يظهر إلّا بحكم النسب المذكورة ، منصبغا بما انطوت عليه السريرة ، واقتضاه حكم الصفة الغالبة على المتكلّم حين الكلام والسيرة ، وسيتلى عليك من أخباره ، ما يكشف لك (١) عن سرّ مراتبه وأحكامه وأسراره (٢).

ثمّ إنّ الحقّ ـ سبحانه وتعالى ـ جعل العالم الكبير الأوّل من حيث الصورة كتابا حاملا صور أسماء الحقّ وصور نسب علمه المودع في القلم الأسمى ، وجعل الإنسان الكامل ـ الذي هو العالم الصغير من حيث الصورة ـ كتابا وسطا جامعا بين حضرة الأسماء وحضرة المسمّى ، وجعل القرآن العزيز [شارح] خلق المخلوق على صورته ، ليبيّن به خفيّ سيرته ، وسرّ سورة مرتبته ، فالقرآن العزيز هو النسخة الشارحة صفات الكمال الظاهر بالإنسان ، والفاتحة نسخة النسخة القرآنيّة من غير اختلال ولا نقصان ؛ وكما أنّ كلّ نسخة تالية هي مختصرة الأولى ، كذلك كانت الفاتحة آخر النسخ العلى.

والكتب الإلهيّة الكليّة خمسة على عدد الحضرات الأول الأصليّة.

فأوّلها الحضرة الغيبيّة العلميّة النوريّة المحيطة بكلّ ما ظهر ، ولها المعاني المجرّدة والنسب الأسمائيّة العلميّة.

وتقابلها حضرة الظهور والشهادة ، ولها ظاهر الوجود الكوني ـ المسمّى بالكتاب الكبير ـ وسائر التشخّصات الصوريّة.

وحضرة الجمع والوجود والإخفاء والإعلان ، ولها الوسط ، وصاحبها الإنسان.

وعن يمين هذه الحضرة الوسطى حضرة بينها وبين الغيب المتقدّم ، نسبتها إليه أقوى وأتمّ ، وكتابها عالم الأرواح واللوح المحفوظ المصون الملحوظ.

وعن يسارها حضرة نسبتها إلى الاسم الظاهر ـ مرتبة الشّهادة ـ أقرب ، وهي مستوى الصحف المنزلة على الأنبياء والكتب.

__________________

(١) ق : له.

(٢) ق : آثاره.

١٠

فالكتب الأربعة المذكورة جداول بحر أحكام مرتبة الإنسان المستورة ، وباقي المراتب الوجوديّة التفصيليّة يتعيّن فيما بين هذه الأمّهات العلويّة ، فإنّه عليها تترتّب أحكام النسب الأصليّة ، وما يتبعها من الأسماء المتصرّفة في العوالم الملكيّة والجبروتيّة والملكوتيّة ، وأشخاص الموجودات مظاهر دقائق الأسماء والصفات.

فمن كان مظهرا لإحدى هذه المراتب الخمس ، قربت نسبته منها في حضرة القدس ؛ فإنّ حكم تلك المرتبة الأصليّة فيه يكون أظهر وأبين ، ونسبة كلامه وما يخاطب به من جهة الحقّ من حيث تلك المرتبة أشدّ وأمكن.

ولكلّ مرتبة من هذه الخمس كمال ربّاني يبدو حكمه ويدوم بحسب قبول مظهره الإنساني.

ومن كان مقامه نقطة وسط الدائرة وسلم من (١) الأطراف الجائرة كنبيّنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّ كلامه يكون أعمّ حكما ، والتنزيلات الواردة عليه أعظم إحاطة ، وأجمع علما ؛ لاستيعابه أحكام المراتب وحيطته لها ، فليس يخرج شيء عن حكم مقامه وقبضته.

ولهذا المقام أسرار سترت بإقرار وإنكار ، وأقرّت في منزلها ؛ خوفا من إظهارها في غير وقتها ، وقبل بلوغ محلّها ، ولو جاز إفشاؤها لأبرزت إليكم ، وتليت آياتها عليكم ، ولكن سرّ قوله تعالى : (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) (٢) ـ ولم يقل : ما نزّل إليك ، ولا كلّ ما أنزل عليك ، وغير ذلك من الإشارات الإلهيّة والحكم ـ منع من التصريح بما هنالك ، فوجب اعتبار التنبيه الإلهي ، والوقوف عند ذلك.

ثمّ إنّه لمّا وقف العبد على خزائن هذه الأسرار ، واستجلى منها ما شاء الله عند رفع الأستار ، لم يجد (٣) إلّا (٤) من جانب الحقّ لإظهار ما جاد به ؛ باعثا يوجب الإفادة والإخبار ، ولا رغبة ـ بحمد الله ـ إلى طلب الظهور بالإظهار ، فرجّح السكوت والكتمان ، وغلّب بالتوفيق الإلهي حكم الإخفاء على الإعلان. ولم يزل هذا حاله إلى أن جدّد له الحقّ داعية العزم كرّة أخرى ، من حيث السفر فيه على التوجّه إليه ، والتعرّض لنفحات جوده ، والإقبال

__________________

(١) ق ، ه : جذبات.

(٢) النحل (١٦) الآية ٤٤.

(٣) ساقطة من ق.

(٤) الإلّ : العهد ، الأصل. في بعض النسخ : أولا.

١١

بوجه القلب عليه ، ومنحه عند ذلك التوجّه لا (١) به فتحا جديدا ، وجعل بصر بصيرته به ـ لا بالفتح ـ حديدا وقيامه بحقّ شكر نعمته من غاية العجز قعودا ، وضمن من (٢) هذا الفتح أيضا من أسرار علم كتابه ما فتح به مغاليق (٣) كثيرة من أبوابه ، ثم حرّك الباطن لإبراز نبذ من تلك الأسرار إلى إخوانه الإلهيّين والأبرار بداعية لائحة بركتها ، مرجوّ من فضل الله الأمن [من] غائلتها (٤) ، فاستخار العبد ربّه في إمضاء تلك الداعية ، رجاء أن يجعل لها عنده ثمرة صالحة ، وكلمة باقية ، واستفتح باسم الله.

__________________

(١) ق : لأنّه.

(٢) ق : في.

(٣) ق : مغالق.

(٤) ق : غائلة.

١٢

الكلام على فاتحة الكتاب

والتعريف ببعض ما تحويه من لباب الحكم والأسرار الذي هو غذاء أرواح أولي الألباب ؛ لموجب سرّ خفيّ ، وحكم أمر جليّ ونسب عليّ.

قال العبد : وقد عزمت ـ بعون الله ـ أن أسلك في الكلام ـ بعد الإعراض عن البسط والإطالة ـ باب الإشارة والإيماء ، والجمع بين لساني الكتم والإفشاء ، مقتديا بربّي الحكيم العليم ، ومتّبعا ـ بمشيّته ـ صراطه المستقيم ، فإنّه سبحانه هكذا فعل في كلامه ولا سيّما في هذه السورة ، فأدرج فيها مع الإيجاز علم كلّ معنى وصورة.

وأرجو ـ إن شاء الله ـ أن لا أمزج الكلام بنقل أقاويل المفسّرين ، ولا الناقلين المتفكّرين وغير المتفكّرين ، غير ما يوجبه حكم اللسان ، ويستدعيه من حيث الارتباط الثابت بين الألفاظ والمعاني التي هي قوالب لها وظروف ومغان (١) بل أكتفي بالهبات الإلهيّة الذاتيّة عن آثار الصفات المكتسبة والعواريّ ؛ سائلا ربّي أن يجعل حلية دثاري ، وخلعة شعاري عساي أثبت في جريدة عبيد الاختصاص ، وأمنح في كلّ الأمور (٢) الخلاص من شرك الشرك ، والإخلاص ، والله سبحانه بكلّ خير مليّ ، وبالإجابة (٣) والإحسان أهل ووليّ.

وبعد ، فاعلموا ـ فهّمكم الله ـ أنّ كلّ ما له مبادئ وأسباب وعلل فإنّ تحقّق العلم به إنّما يحصل بمعرفة أسبابه ومبادئه والوقوف من أصوله وأسبابه عليه.

ولمّا كان القصد من إنشاء (٤) هذا المختصر بيان بعض أسرار الفاتحة المسمّاة بأمّ القرآن :

__________________

(١) جمع المغني بمعنى المنزل والمراد أنّ الألفاظ منازل للمعاني.

(٢) ق : واضح وفي كلّ الأحوال.

(٣) ق : للإجابة.

(٤) ق : إنشاد.

١٣

ـ أي أصله ـ كان الأولى أن يقع الشروع في الكلام على الأصل من أصله.

ولهذا الكتاب ـ أعني القرآن العزيز ـ من كونه ينطق به ويكتب حروف تتركّب من حرفين إلى خمسة أحرف متّصلة ومفردة ، فيظهر بنظمها عين الكلمة ، وبنظم الكلمات عين الآيات ، وبنظم الآيات عين السور ؛ فهذه الأركان الأربعة التي هي : الحروف ، والكلمات ، والسور ، والآيات مظاهر الكلام الغيبي الأحدي ، ومنازل ظهوره ، وجداول بحره ، وأشعّة نوره.

وهي ـ أي الأركان ـ وإن كانت مبادئ الكلام (١) من حيث مرتبتي اللفظ والكتابة ، فهي فروع لما فوقها من الأصول التي لا يتحقّق بمعرفتها إلّا من اطّلع على سرّ الحضرات الخمس المشار إليها [آنفا] ، وسرّ الظهر والبطن والحدّ والمطلع ؛ فلهذا وسواه احتجت أن أنبّه على هذه الأصول وأبيّن سرّ الكتاب والكتابة والكلام والحروف والكلمات وغير ذلك من المبادئ والأسباب والتوابع المهمّة ، واللوازم القريبة.

ولمّا كان الكلام في التحقيق نسبة من نسب العلم ، أو حكما من أحكامه أو صفة تابعة له كيف قلت ، وجب عليّ ؛ لما التزمته ، التنبيه على سرّ العلم ومراتبه ومتعلّقاته الكلّيّة الحاصرة (٢) ، وأحكامه وموازينه ، وطرقه وعلاماته ، ومظاهره التي هي محلّ أشعّة أنواره ، كما ستقف على جميع ذلك إن شاء الله تعالى.

فأنا أقدّم أوّلا تمهيدا مشتملا على قواعد كلّيّة أذكر فيها سرّ العلم ، ومراتبه ولوازمه المذكورة ، وسرّ المراتب الأولى الأصليّة الأسمائيّة والمراتب التالية لها في الحكم ، وسرّ الغيبين : المطلق والإضافي ، وسرّ الشهادة وانفصالها من الغيب ، وتعيّن كلّ منها بالآخر ، وعلم مراتب التميّز الثابت بين الحقّ وبين ما سواه ، وعلم مقام الاشتراك الواقع بين مرتبتي الحقّ ، والكون ، وأحكامه وأسراره ، وسرّ النفس الرحماني ومرتبته وحكمه في العالم ـ الذي هو الكتاب الكبير ـ بالنسبة إلى الأعيان الوجوديّة ، التي هي الحروف والكلمات الربّانيّة والحقائق الكلّيّة الكونية (٣) ، من حيث إنّه أمّ الكتاب الأكبر وبالنسبة إلى المقام الإنساني وحروفه وكلماته ، وسرّ بدء الإيجاد وانبعاث الصفة الحبّيّة وسرّ الغيرة ، والتقسيم الظاهر من

__________________

(١) ق : للكلام.

(٢) ق : الحاضرة.

(٣) الربانية.

١٤

المقام الأحدي وعلم الحركة والقصد والطلب ، وعلم الأمر الباعث على الظهور والإظهار ، وعلم الكمال والنقص ، وعلم الكلام والحروف والمخارج ، والنقط والإعراب ، ومراتبها الكلّيّة ، وعلم الإنشاء والتأثير ، وسرّ الجمع والتركيب والكيفيّات الفعليّة والانفعاليّة ، وسرّ التصوّرات الإنسانيّة ومراتبها ، وعلم الإفادة والاستفادة وعلم أدوات التفهيم والتوصيل ، وسرّ البعد والقرب ، وسرّ الحجب المانعة من الإدراك ، وسرّ الطرق الموصلة إلى العلم ، وأقسامه وعلاماته وأسبابه ، وسرّ الوسائط وإثباتها ورفعها ، وسرّ سريان أحكام المراتب الكلّيّة بعضها في البعض ، وكذا ما تحتها من الجزئيّات بحسب ما بينها من التفاوت في الحيطة والتعلّق الحكمي ، وبيان التابعة اللاحقة التفصيليّة للمتبوعة السابقة الكلّيّة ، وسرّ المناسبات ، وسرّ التبدّل والتشكّل والالتئام ، وعلم الأسماء وأسماء الأسماء ، وعلم النظائر الكلّيّة ، وسرّ المثليّة والمضاهاة والتطابق بسرّ تبعيّة التالي للمتلوّ وبالعكس ، وذلك بالنسبة إلى الكتب الإلهيّة التي هي نسخ الأسماء ، ونسخ الأعيان الكونيّة ، وما اجتمع منهما وتركّب ممّا لا يخرج عنهما ، وسرّ مرتبة الإنسان الكامل ، وما يختصّ به بحسب (١) ما يستدعيه الكلام عليه من كونه كتابا ونسخة جامعة ، وسرّ الفتح والمفاتيح الحاكمة في الكتابين : الكبير والمختصر ، وما فيهما (٢) وما يختصّ من ذلك بفاتحة الكتاب ، وسرّ القيد والتعيّن والإطلاق ، وسرّ البرازخ الجامعة بين الطرفين وخواتم الفواتح الكلّيّة وجوامع الكلم (٣) والأسرار الإلهيّة ، هكذا (٤) إلى غير ذلك ممّا ستقف عليه ـ إن شاء الله تعالى ـ فإنّي لا أستحضر ما يسّر (٥) الله لي ذكره على سبيل الحصر ؛ لعدم التتبّع والتأمّل والجمع النقلي والتعمّل ، ولهذا لم أسلك في إيراد هذه الترجمة ـ التي متعلّقها الكلّيّ هذا التمهيد المقدّم ـ الأسلوب المعهود الذي جرت العادة أن يسلك في فهرست الفصول والأبواب المقدّم ذكرها في أوّل الكتاب (٦).

ثمّ اعلم أنّ الكلام على سائر ما ذكرت ترجمته (٧) إنّما يرد على سبيل التنبيه الإجمالي ، حسب ما يستدعيه مناسبة الكلام على الفاتحة ، وبمقدار ما يحتمله هذا المختصر ، ليتفصّل

__________________

(١) ه : حسب.

(٢) ب : فيها.

(٣) ق : الحكم.

(٤) ق : الآلية هذا.

(٥). ق : تيسّر.

(٦). ه : الكتب.

(٧). أثبتناها من ق.

١٥

للمتأمّل بهذه القواعد جمل أسرار هذه السورة ، وتشرق له شموس أنوارها المستورة ، فعلى الناظر في هذا المسطور ، الراغب في استجلاء أسراره ومعانيه أن يتدبّره حرفا حرفا ، وكلمة كلمة ، جامعا للنكت (١) المبثوثة فيه بإضافة خواتمها إلى سوابقها ، وإلحاق متوسّطات فوائدها بأوائلها وأواخرها ؛ فإذا انتظمت النشأة المعنويّة ، وتشخّصت صورة روحانيّة الكلام في المرتبة الذهنيّة نظر إليها بعين الإنصاف والاستبصار نظر أولي الأيدي والأبصار ، فحينئذ يعلم ما أودع في هذا المختصر من غرائب الأسرار والعلوم ، ولطائف الإشارات والمفهوم ، فما وجد من فائدة وخير (٢) ، فليحمد الله عليه ، وما رأى من نقص وخلل لا يجد له محملا صادقا ، أو تأويلا في زعمه موافقا ، فليسرّحه إلى بقعة الإمكان إن لم يتلقّه بالتسليم ، وليستحضر قوله تعالى : (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) (٣) ؛ فإنّ علم الله أعظم من أن ينحصر (٤) في ميزان معيّن ، أو ينضبط بقانون مقنّن.

هذا مع أنّ البشريّة محلّ النقائص ، فما كان من عيب فمنها ومن المشاهد لا من المشهود والوارد ، وفي قول العارف الإمام : «لون الماء لون إنائه» شفاء تامّ ، والله وليّ الإرشاد والتوفيق ، لأحمد نهج وطريق.

__________________

(١) ه : لنكت.

(٢) ب : وجيزة.

(٣) يوسف (١٢) الآية ٧٦.

(٤) ق : يحصر.

١٦

التمهيد الموعود به

منهج البحث

اعلم أنّ هذا تمهيد يتضمّن قواعد كلّيّة يستعان ببعضها على فهم بعضها ، ويستعان بمجموعها على فهم كلام الحقّ وكلماته ، وخصوصا ما يتضمّنه هذا المسطور المتكفّل ببيان بعض أسرار الفاتحة من غرائب العلوم ، وكلّيّات الحقائق التي لا أنسة (١) لأكثر العقول والأفهام بها ؛ لعزّ مدركها ، وبعد غورها ، وخفاء سرّها ؛ إذ كانت ممّا لا ينفذ إليها إلّا الهمم الخارقة حجب العوائد ، والمرفوع عن أعين بصائر أربابها أستار الطباع (٢) وأحكام العقائد ، ولا يظفر بها إلّا من سبقت له الحسنى وشملته العناية الإلهيّة ، فأنالته البغي (٣) والمنى ، وحظّي بميراث من كان ربّه ليلة أسرى به بمقام قاب قوسين أو أدنى.

وما من قاعدة من هذه القواعد إلّا وتشتمل على جملة من المسائل المتعلّقة بأمّهات الحقائق والعلوم الإلهيّة ، يمكن تقرير بعضها بالحجج الشرعيّة ، وبعضها بالأدلّة النظريّة ، وسائرها بالبراهين الذوقيّة الكشفيّة ، التي لا ينازع فيها أحد ممّن تحقّق بالمكاشفات النوريّة ، والأذواق التامّة الجليّة ؛ إذ كانت لكلّ طائفة أصول ومقدّمات هم مجمعون على صحّتها ، مسلّمون لها ، هي من جملة موازينهم التي يبنون عليها ، ويرجعون إليها ، فمتى (٤) سلّمت لمن سلّمت له من محقّقي أهل ذلك الشأن ، تأتّى له أن يركّب منها أقيسة صحيحة ، وأدلّة تامّة لا ينازعه فيها أرباب تلك الأصول التي هي من موازينهم.

__________________

(١) ب : آنسة.

(٢) ق : الطبائع.

(٣) ق : البغية.

(٤) ب : فمن.

١٧

ومع التمكّن ممّا ذكرته ، وكون الأمر كما بيّنته فإنّي لا أتعرّض لتقرير ما يرد ذكره في هذه القواعد وما بعدها بالحجج الشرعيّة والأدلّة النظريّة والذوقيّة ، تعرّض من يلتزم ذلك في كلامه.

لكن إن قدّر الحقّ تقرير أمر في أثناء الكلام ، ذكرت ذلك ؛ تأنيسا للمحجوبين ، وتسكينا للضعفاء المتردّدين ، وتذكرة للمشاركين ، لكن (١) أقدّم في أوّل التمهيد فصلا أنبّه فيه على مرتبة العقل النظري ، وأهل الطلب الفكري ، وما ينتهي الفكر بصاحبه ؛ ليعلم قلّة جدواه وسرّه ، وثمرته وغايته ، فيتحقّق من يقف على هذا الكتاب وغيره من كلام أهل الطريق (٢) أنّه لو كان في الأدلّة الفكريّة والتقريرات الجدليّة غناء أو شفاء ، لم يعرض عنها الأنبياء والمرسلون ـ صلوات الله عليهم ـ ولأورثتهم من الأولياء القائمون بحجج الحقّ ، والحاملون لها ـ رضي الله عنهم ـ.

هذا مع أنّ ثمّة موانع أخر غير ما ذكرت ، منعتني عن (٣) سلوك ما إليه في كلامي أشرت : منها : أنّي لم أوثر أن أسلك في الكلام المتعلّق بتفسير كتاب الله مسلك أهل الجدل والفكر (٤) ، لا سيّما وقد ورد حديث نبوي يتضمّن التحذير من مثل هذا وهو

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما ضلّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلّا أوتوا الجدل» (٥) وتلاوته بعد ذلك : (ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً) (٦) الآية.

ومنها : طلبي للإيجاز.

ومنها : أنّ قبلة مخاطبتي هذه بالقصد الأوّل هم المحقّقون من أهل الله وخاصّته ، والمحبّون لهم ، والمؤمنون بهم وبأحوالهم من أهل القلوب المنوّرة الصافية ، والفطرة (٧) السليمة ، والعقول الواقدة الوافية ، الذين يدعون ربّهم بالغدوة والعشىّ يريدون وجهه (٨) ويستمعون القول فيتّبعون أحسنه (٩) بصفاء طويّة ، وحسن إصغاء بعد تطهير (١٠) محلّهم من صفتي الجدل والنزاع ونحوهما ، متعرّضين لنفحات جود الحقّ ، مراقبين له ، منتظرين ما يبرز

__________________

(١) ق : لكنّي.

(٢) ق : الطريق الله.

(٣) ق : من.

(٤) ق : الفكر والجدل.

(٥) جامع المسانيد ، ج ١٣ ، ص ٢١٧.

(٦) الزخرف (٤٢) الآية ٥٨.

(٧) ق : الفطر.

(٨) إشارة إلى الآية ٥٢ من الأنعام (٦).

(٩) إشارة إلى الآية ١٨ من الزمر (٣٩).

(١٠) ق : تطهر.

١٨

لهم من جنابه العزيز على يدي من وصل ، ومن أيّ مرتبة (١) من مراتب أسمائه ورد ، بواسطة معلومة وبدونها ، متلقّين له بحسن الأدب ، وازنين له بميزان ربّهم العامّ تارة ، والخاصّ تارة ، لا بموازين عقولهم ؛ فأرباب هذه الصفات هم المؤهّلون للانتفاع بنتائج الأذواق الصحيحة ، وعلوم المكاشفات الصريحة.

ومن كان حاله ما وصفناه فلا نحتاج معه إلى التقريرات النظريّة ونحوها ، ممّا سبقت الإشارة إليه ، فهو إمّا مشارك يعرف صحّة ما يخبر به بما عنده منه ، للاستشراف بعين البصيرة على الأصل الجامع المخبر به وعنه ؛ وإمّا مؤمن صحيح الإيمان والفطرة ، صافي المحلّ ، ظاهره يشعر بصحّة ما يسمع من وراء ستر رقيق اقتضاه حكم الطبع وبقيّة الشواغل والعلائق المستجنّة في المحلّ ، والعائقة له عن كمال الاستجلاء ، لاعن الشعور المذكور ، فهو مستعدّ للكشف ، مؤهّل للتلقّي ، منتفع بما يسمع ، مرتق بنور الإيمان إلى مقام العيان.

فلهذا اكتفى بالتنبيه والتلويح ، ورجّحا على البسط والتصريح ، اختيارا وترجيحا لما رجّحه الحقّ سبحانه واختاره في كلامه العزيز لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمره به حيث قال له : (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) (٢) ، ولم يأمره بإقامة المعجزة وإظهار الحجّة على كلّ ما يأتي به ويخبر عنه ، عند كلّ فرد فرد من أفراد المخاطبين المكلّفين ، مع تمكّنه صلى‌الله‌عليه‌وآله من ذلك ؛ فإنّه صاحب الحجج الإلهيّة الباهرة والآيات المحقّقة الظاهرة ، ومن أوتي جوامع الكلم ، ومنح علم الأوّلين والآخرين ، بل إنّما كان ذلك منه بعض الأحيان مع بعض الناس في أمور يسيرة بالنسبة إلى غيرها.

والمنقول أيضا عن أوائل الحكماء ـ وإن كانوا من أهل الأفكار (٣) ـ نحو هذا [و] أنّهم إنّما كان دأبهم الخلوة والرياضة والاشتغال على مقتضى قواعد شرائعهم التي كانوا عليها ، فمتى فتح لهم بأمر ذكروا منه للتلاميذ والطلبة ما تقتضي المصلحة ذكره ، لكن بلسان الخطابة لا التقرير البرهاني ، فإن لاحت عندهم مصلحة ترجّح عندهم إقامة برهان على ما أتوا به وتأتّى لهم ذلك ساعتئذ ، قرّروه (٤) وبرهنوا عليه ، وإلّا ذكروا ما قصدوا إظهاره للتلامذة ، فمن

__________________

(١) ق : مرتبتين.

(٢) الكهف (١٨) الآية ٢٩.

(٣) ق : الأذكار.

(٤) ب : قرّورة.

١٩

قبله دون منازعة ، انتفع به ، ومن وجد في نفسه وقفة أو بدا (١) منه نزاع ، لم يجيبوه ، بل أحالوه على الاشتغال بنفسه ، والتوجّه لطلب معرفة جليّة الأمر فيما حصل له التوقّف فيه من جناب الحقّ بالرياضة وتصفية الباطن ، ولم يزل أمرهم على ذلك إلى زمان أرسطو ، ثم انتشت صنعة الجدل بعد من عهد أتباعه (٢) المسمّين بالمشّائين وإلى هلمّ.

وإذا كان هذا حال أهل الفكر والتأمّل ، الآخذين عن الأسباب ، والمتوجّهين إلى الوسائط ، فما الظنّ بالمستضيئين بنور الحقّ ، المهتدين بهداه ، والسالكين على منهاج الشريعة الحقّة النبويّة ، الآخذين عن ربّهم بواسطة مشكاة الرسالتين : الملكيّة والبشريّة ، وبدون واسطة كونيّة ، وسابق آلة وتعمّل أيضا؟ كما نبّه الحقّ سبحانه على حال نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك بقوله : (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا) (٣) وبقوله أيضا : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ). (٤)

فمثل هذا الذوق التامّ يسمّى علما حقّا ، ونورا صدقا ، فإنّه كاشف سرّ الغيب ، ورافع كلّ شكّ وريب.

وها أنا ذا أذكر المقدّمة الموضّحة مرتبة الفكر والبراهين النظريّة وغايتها وحكم أربابها ، وما يختصّ بذلك من الأسرار والنكت العلميّة بلسان الحجّة الإلهيّة على سبيل الإجمال ، ثم أبيّن أنّ العلم الصحيح ـ الذي العلوم النظرية وغيرها من بعض أحكامه ، وصفاته (٥) عند المحقّقين من أهل الله ـ ما هو؟ وبما ذا يحصل؟ وما أثره؟ وما حكمه؟ ثمّ أذكر بعد ذلك ما سبق الوعد بذكره إن شاء الله تعالى.

ولو لا أنّ هذه المقدّمة من جملة أركان التمهيد الموضّح سرّ العلم ومراتبه وما سبق الوعد ببيانه ، لم أوردها في هذا الموضع ولم أسلك هذا النوع من التقرير ، ولكن وقع ذلك تنبيها للمحجوبين بأنّ الإعراض عمّا توهّموه حجّة وصفة كمال وشرطا في حصول العلم اليقيني ،

__________________

(١) ب : أبد.

(٢) ق : تباع.

(٣) الشورى (٤٢) الآية ٥٢.

(٤) العنكبوت (٢٩) الآية ٤٨.

(٥) ق : أحكامها وصفاتها.

٢٠