إعجاز القرآن العلمي والبلاغي والحسابي

محمّد حسن قنديل

إعجاز القرآن العلمي والبلاغي والحسابي

المؤلف:

محمّد حسن قنديل


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار ابن خلدون
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٠٢

١
٢

٣

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها)

٤

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم ... ، نحمد الله ونستعينه ونصلى ونسلم على خاتم أنبيائه ورسله وعلى آله وأصحابه أجمعين ... ،

أما بعد .. ،

فإن القرآن الكريم سيظل معجزة الله الباقية على مر الزمن ... ، فهو كتاب التشريع الذى يدعو إلى كل خير .. ، وكتاب الإعجاز البلاغى الذى تحدى الله به الثقلين ... ، وهو كتاب الكون الرياضى .. ، وكتاب الإعجاز العددى والحسابى ... ، وهو كتاب الإعجازات العلمية فى مختلف العلوم ... ، إنه دائما سيظل هو النور لكل الباحثين عن النور ... ، وطريق الهدى لمن تخبطوا طويلا فى الظلمات ... ،

ولأن القرآن الكريم هو كلام الله عزوجل فإن كلماته عميقة المعنى ، ويظل إعجازها على مر الأزمان مناسبا لكل العصور ، ويتواءم مع الأجيال والأزمان ، والبيئات والثقافات بالقدر الذى يسمح لكل جيل أن يرى فيه كل جديد ومعجز ... ، ولقد أجمل العلماء تلك الحقيقة فى قولهم ، " إن كل كلمة من كلمات القرآن الكريم كأنها قطعة من الماس يعطيك كل ضلع منها شعاعا تبهرك ألوان طيفه ، فهناك ضلعا يعطيك حقيقة تشريعية ... ، وضلعا آخر يعطيك حقيقة علمية ، وآخر يعطيك معجزة رياضية أو بلاغية .." ، وحين تحدى الله تعالى الإنس والجن بأن يأتوا بمثل هذا القرآن ، كان هذا التحدى لأنه سبحانه وتعالى هو العالم بما يحتويه كتابه من أسرار لا تخطر بالعقول المحدودة التى خلقها بقدرته ويعلم حدود طاقتها ، وإمكانياتها ... ، لذلك فإن البحث فى القرآن الكريم والذى هو كلام الله سبحانه ، يتطلب عمقا وجهدا يفوق البحث فى مسائل العلوم المختلفة ، حيث إنها إحدى فروع العلم التى

٥

يحتويها القرآن الكريم بمنهجيته الشاملة فهو يحتوى الكثير من آيات الإعجاز فى مختلف المجالات ... ، فى علم الطب ... ، وعلم الأجنة ... ، وعلم الجيولوجيا .. ، والبحار ... وغيرها.

ويحتوى أيضا الإعجازات الرياضية ، والإعجازات الحسابية ، والرقمية والتى تخاطب العقول فى عصر الحاسبات ، والكمبيوتر وما بعدها ... ، إن كل زمان تظهر فيه آية تخاطب العقل وتحاور العصر بلغته وإمكانيته ... ، والعقل هو وسيلة البحث والإدراك بالدليل والبرهان .. ، وبخاصة حين أذن الله تعالى أن يتضح لنا أن الحقائق القرآنية تحمل إعجازا رياضيا يناسب هذا العصر الذى يتحدث فيه العالم بلغة الأرقام والحسابات ... ، وسوف نتناول هذا الكتاب لونا من ألوان الإعجازات الرياضية ، وسوف يكون العقل والتفكر هما وسيلة البحث كما أشرنا حتى نصل إلى الدليل والبرهان الذى لا يعتريه الشك ، والذى يثبت فى النهاية أن القرآن الكريم هو كلام الله تعالى ومعجزته الباقية ... ، وأنه الحق المطلق الذى يرتفع فوف الجدال ... ، ويثبت بأسراره ومعجزاته ما يساعد على استقرار الإيمان فى القلوب دون أدنى ريب على مر الزمن وإلى أن تقوم الساعة ... ، وفى هذا الكتاب سوف نرى كيف أن القرآن الكريم بلغته العربية التى اشتملت على دستور هذا الكون فى كل أمور الدنيا والآخرة ، واشتملت أيضا على الإعجاز العلمى الواضح فى جميع المجالات ، ومطابقة ما يكتشفه العلماء لنصوص الآيات والحقائق القرآنية فى كل عصر فهى تشتمل أيضا على الإعجاز الرياضى المبهر والذى لا تخترقه وساوس الجدل أو سهام الأعداء المضلين ، ولو أخذنا من آيات القرآن الكريم دليلا ومثلا لوجدنا الكثير مما يبهر العقول ، وتعجز أمامه الأفكار ، وتخرس أمامه ألسنة الملحدين فى كل مكان وزمان ... ، وتلك الحقيقة هى بداية الفيض فى هذا الموضوع

٦

والذى ندعوكم إلى استكمال باقى فيوضاته بالاطلاع والنظر فى الفصول التالية من هذا الكتاب ... ، لندرك أن العلم هو سبيل النور ، وهو حجة الباحثين عن الحقيقة فى كل زمان .. ، وهو السبيل إلى اليقين الثابت والإيمان العميق والخشية من الله تعالى ... ، يقول تعالى (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) ... (١) نسأله سبحانه أن يجعل هذا الكتاب فى ميزاننا يوم القيامة ، وأن يجعلنا سببا لمن اهتدى به من فضله ، وأن يجعله رحمة لنا ولأرحامنا فى الدنيا والآخرة ... ، وأن يجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا وبه ذهاب همومنا وأحزاننا ، كما نسأله سبحانه أن لا يؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ، وأن يوفق ويغفر لمن ساعدوا على إخراجه ونشره ... ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ....

__________________

(١) سورة فاطر الآية ٢٨.

٧
٨

تمهيد

إن رسالة الإسلام هى الحق المطلق وهى النور للبشرية كلها ... ، وهى التى مع الإيمان تضيء القلب والفكر بأنوار التأمل فى كل شىء ... ، فى النفس ... ، وفى هذا الكون الممتد البديع ... ، فما أجمل لحظات الشروق ... ، وما أروع الكون حين تسرى إليه أضواء النهار .. ، وما أروع البحار حين تمتد بمنظرها البديع وأمواجها التى تتحرك فى انسياب رائع. وجمال لا مثيل له ، يشهد بقدرة الله وإبداعه فى جوانب الكون .. ، إنه إتقان الخالق الذى يخلق ما يسعد النفس ويمتع الروح ، ولا يشعر بذلك إلا الناظرين المتأملين ... ، ما أروع السير والتأمل عبر المدن ... ، وعبر القرى البسيطة المتواضعة ، حيث الحقول الخضراء ... ، وحيث أشجار النخيل ... ، وحيث بساطة الفلاح ، وجمال الأنعام .. ، وحيث مياه الترع .. ، وأصوات السواقى الدائرة فى كل مكان .. ، إنها قدرة الله التى تتجلى فى كل شىء .. ، تتجلى فى نظرة تأمل عند شروق الصبح .. ، تتجلى فى مشهد هدوء البحر وروعة الأشياء عند الغروب .. ، تتجلى فى شكل الصحارى ، ورسوخ الجبال .. ، وصمت المكان .. ، تتجلى فى شكل المزارع واختلاف النخيل والشجر ... ، تتجلى فى سعى البشر .. ، وفى سكون الليل .. ، وتسبيح الطيور ... ، تتجلى فى شكل الورود .. ، وتسبيح الجماد .. ، وتسخير الدواب .. ، فسبحان الخالق الذى تجلت قدرته وعظمت أسراره فى كل زمان ومكان .. ، فهو الذى بقدرته أخرج الناقة دما ولحما من الصخرة الصماء لصالح عليه‌السلام .. ، وهو الذى رزق مريم ابنة عمران فى محرابها بغير حساب .. ، وجعل النار بردا وسلاما وأحيا الطير لإبراهيم عليه‌السلام .. ، سبحانه وتعالى أبدع فى صنع كل شىء فالإصبع الخامس على مسافة من الأربعة ليتمكن الفلاح من أن يقبض على فأسه ، والعالم من أن يمسك بالقلم .. ، وقطعة اللحم عند بداية القصبة الهوائية لتسدها عند البلع .. ، والغدة اللعابية تفرز الماء باستمرار لتسهيل الهضم والكلام ... ، وفقرات الظهر مصممة بطريقة

٩

هندسية بديعة تساعد على الحركة وثنى الظهر .. ، ومن يتأمل يرى إبداع الله فى صنع الفم لمرور الغذاء ، والأسنان الصلبة لمضغه ، فهو الخالق الرازق سبحانه ، ولو لا ذلك لما خلق الفم والأسنان وجعلهما لمرور الطعام ومضغه .. ، فسبحان العليم الحكيم .. ، قدر وهدى ... ، فالطيور تهاجر لمسافات طويلة وتعود لموطنها دون خطأ .. ، والدجاجة تقلب البيض من آن لآخر حتى لا تترسب المواد الغذائية فتمزق الأوعية الدموية .. ، وقد اكتشف العلماء خطوطا حساسة على جوانب الأسماك لتنبيه السمك باختلاف الضغط فى الماء نتيجة وجود أى حاجز فى طريقه .. ، وهناك نباتات تحتاج فى غذائها إلى الحشرات لقلة المواد العضوية فى التربة لذلك فإن هناك أنواعا من هذه النباتات أوراقها ذات مصراعين مزودان بزوائد شوكية ، فإذا وقعت الحشرة على النبات يغلق المصراعان على الحشرة ثم يفرز إنزيمات تذيب الحشرة ويمتصها .. ، وقد تنمو على بعض البذور شعيرات رقيقة ليسهل نقلها من مكان لآخر .. ، أو يكون لها زوائد خطافية ليشتبك فى فراء الحيوان الذى ينتقل من كان إلى مكان .. ، ولقد هدى الله تعالى الكائنات إلى ما تحتاجه ، فلقد لوحظ الدب الذى أصابه المرض وهو ينبش فى الأرض باحثا عن جذور نبات السرخس ، وهذا الذئب الذى لدغته الحية فمضغ جذور اللوف العطرى مضغ الواثق من الشفاء .. ، والطيور عند الحمى تتخذ مكان بارد قريب من الماء .. ، وعند البرد تقترب من الأماكن الدافئة .. ، وتتناول نباتات مسهلة .. ، والظباء حراسها فى الخلف لأن الذئب يهاجم من الخلف .. ، والجاموس الوحشى يقف على أعلى مكان يلاحظ الغابة .. ، وقد راقب أحد العلماء غزالين يرتعان فى بقعة من العشب وكانا يتناوبان المرعى بقسمة عادلة فى الوقت وكان أحدهما حذرا يحرس ببصره مشارف المرعى والآخر يأكل .. ، وهكذا .. ، وهناك الأرنب القطبى الذى يكون فى الصيف أغبر اللون فإذا نام وانبطح على الأرض غاب عن الأنظار .. ، والحرباء صفراء فى الصحراء ولونها بنى غامق على ساق الشجرة وخضراء فى وسط الخضرة ، وتتلون حسب المكان حتى لا يتنبه إليها الأعداء .. ، ومن إبداع الله أنك لا

١٠

تثنى كف القدم وتثنى كف اليد لحاجتك إلى القبض على الأشياء .. ، والحيوانات المسالمة كالبقر والجاموس تكون بلا أنياب ولها قواطع ليسهل بها تناول الحشائش وقطع العشب بسرعة لتوفير وقت الإنسان .. ، وحماية للحيوان من أن يكون عرضه للحيوانات المفترسة فى المراعى فيتناول غذاؤه بسرعة ثم يعود إلى مكان راحته ليبدأ فى هضم الطعام حيث يعود الطعام مرة أخرى إلى الفم ليتم مضغه جيدا بعد تخمره ليسهل مضغه. حيث أن مادة السيليلوز التى تغلف جميع الخلايا النباتية هى مادة عسيرة الهضم تحتاج وقتا طويلا لهضمها .. ، ونجد أن الحيوان الذى يجرى ويحمل الأشياء ، أرجله قوية ، كالحصان والحمار وفى نهاية الأرجل حافر صلب بعكس البقر والجاموس حيث تحتوى أرجلهم على أظلاف صلبة مشقوقة لتساعدها على الثبات والسير فى الأرض الزراعية والطينية .. ، والطيور خفيفة العظام ولها أكياس هوائية تنتفخ عند طيرانها لتساعد على تخفيف وزنها .. ، والطيور التى تتغذى على اللحم كالنسر لها مخالب قوية ومثنية لتتمكن من القبض على فريستها والطيور التى تعوم فى الماء أرجلها مفلطحة ولها غشاء مخاطى لتستعملها كمجداف فى الماء عند السباحة كالبط والأوز ولها غدة شمعية يأخذ منها الطائر بفمه ويمسح على ريشه حتى تناسب المياه على الريش فلا تبلله .. ، والضفدعة لسانها طويل لزج مثبت من الأمام سائب من الخلف لتتمكن من التهام الحشرات بسرعة فائقة .. ، وهناك نوع من السمك الصياد يعيش على الحشرات ، فإذا أبصر حشرة على نبات قائم بجانب المياه ، أطبق فمه فيخرج الماء على هيئة أنبوبة رفيعة فى اتجاه الحشرات فتسقط فى المياه فيلتهمها .. ، والنمل يقسم الحب المخزون حتى لا ينبت ويتركه إذا أراد إنباته .. ، والجمل شفته العليا مشقوقة ليتمكن من تناول أشواك الصحراء .. ، إنها أمم أبدع الله فى خلقها كما أبدع فى خلق الإنسان .. ، يقول تعالى (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى

١١

رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (١) .. ، ومن آيات الله تحقق نبوءات النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلقد أخبر بفتح مصر بقوله" إذا فتحتم مصر فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لهم ذمة ورحما" (٢).

وقد فتحت فى عهد عمرو بن العاص .. ، وأخبر بظهور الخوارج فقال" تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق" (٣) ، ولقد خرجوا بالفعل فى عصر على بن أبى طالب وقاتلهم طائفة من المسلمين التى كانت على حق بقيادة على بن أبى طالب .. ، وقال عن الحسن ، " ابنى هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين من المسلمين" ، (٤) وبالفعل حين جاء دور الحسن لتولى الخلافة تنازل عنها حقنا لدماء المسلمين وأصبح المسلمين فرقة واحدة بقيادة معاوية بن أبى سفيان .. ، وأخبر بقوله" لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان يكون بينهما مقتله عضيمة دعواهما واحدة (٥) ".

وبالفعل اختلف المسلمون بعد مقتل عثمان بن عفان رضى الله عنه إلى فرقتين عظيمتين إحداهما بقيادة معاوية بن أبى سفيان وكانت تريد الثأر فى الحال من قتله عثمان دون ترو فى الأمر ، وفرقة بقيادة على بن أبى طالب الذى كان يرى تأجيل الثأر لفترة حتى يتمكن من معرفة الجناة حيث تفرقوا فى البلاد وذلك حقنا لدماء المسلمين .. ، ولقد أخبر صلى‌الله‌عليه‌وسلم بفشو التجارة ومشاركة المرأة زوجها فى تجارته حيث قال" بين يدى الساعة تسليم الخاصة وفشو التجارة حتى تشارك المرأة زوجها فى التجارة" (٦).

__________________

(١) سورة الأنعام الآية ٣٨.

(٢) صحيح رواه الطبرانى علامات يوم القيامة.

(٣) رواه مسلم ـ علامات يوم القيامة.

(٤) رواه البخارى (٧١٠٩).

(٥) رواه البخارى ومسلم ـ امارات الساعة.

(٦) رواه أحمد وقال أحمد شاكر : إسناده صحيح ـ أمارات الساعة.

١٢

وبالفعل نجد الآن انتشار التجارة ونلاحظ مشاركة المرأة زوجها فى تجارته ، بل ربما تقيم معه بالسوق طوال النهار ، وكذلك انتشر سلام الخاصة ، وهو إلقاء السلام على من نعرف فقط رغم أن السنة هى إفشاء السلام وإلقاء السلام على من نعرف ومن لا نعرف ، يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" من تمسك بسنتى عند فساد أمتى فله أجر مائة شهيد" (١) ، وكذلك علمنا من وصايا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم .. ، بامتناع غير المسلمين من رفع الجزية والخراج .. ، والتطاول فى البنيان وكثرة الزلازل .. ، وظهور النساء الكاسيات العاريات .. ، وأخبر أن عمار بن ياسر سوف تقتله الفئة لباغية وقد قتله بالفعل أحد أتباع معاوية وعندها حدث انقلاب فى صفوف أتباعه وانضموا إلى صفوف على بن أبى طالب .. ، وأخبر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم .. ، بانتشار الربا وكثرة موت الفجأة وقد انتشر ذلك فى زماننا .. ، وقد أخبر بصدق رؤيا المؤمن وكثرة القتل وحلق اللحى وجعلهما كحواصل الحمام وصبغها بالسواد وقد حدث كل ذلك فى زماننا .. ، يقول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم .. ، " يكون قوم يخضبون فى آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة" (٢).

إنها الآيات تتحقق لتملأ قلوب المؤمنين يقينا بوعد الله فى الدنيا والآخرة .. ، لقد نزلت الملائكة تؤيد المسلمين فى غزوة بدر .. ، وفى حروب المسلمين الآن هناك من الوقائع ما يثبت نزولهم وتأييدهم فى مواقع كثيرة ، واعترف بذلك من شاهدوا تلك الموافق ولقد نزلت الملائكة على الصحابى أسيد بن حضير وهو يقرأ ورأى مثل الظلة فوق رأسه كأمثال المصابيح مدلاة بين السماء والأرض .. ، وأخبره الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم .. ، أن تلك الملائكة كانت تستمع إليه" (٣).

__________________

(١) أخرجه البيهقى. من وصايا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٢) رواه أحمد وصححه أحمد شاكر ـ ورواه أبو داود وقوى الحافظ إسناده.

(٣) أنظر حياة الصحابة ـ الجزء الرابع ص ٣٧٦.

١٣

وفى عصرنا هناك من رأوا الملائكة وهم يقرءون القرآن ، وهم أناس يشهد لهم بالصلاح والإيمان .. ، وهناك من الناس فى بعض القرى رأوا أنوار الملائكة فوق بعض المساجد فى الأيام المباركة كشهر رمضان والعشر الأواخر منه ، ومن ذلك نعتبر أنه كما ازدادنا إيمانا بالله خالقا ورازقا من خلال التفكر ، فلا بد أن نؤمن بالغيب وبأن الجنة حق والنار حق ، ونؤمن بوجود الجن والملائكة .. ، وبهذا الإيمان الصادق يكون التأييد من الله والرضوان ، فهناك من الصالحين من اقتحموا بخيولهم سطح البحر كما حدث بقيادة سعد بن أبى وقاص فى معركة القادسية .. ، لقد كانوا رجالا .. الرجل منهم بألف رجل .. ، ولقد كان القعقاع بن عمرو صوته بألف رجل فى المعركة وكان الزبير بن العوام وعبادة بن الصامت ، والمقدد بن الأسود رجالا من هؤلاء الرجال .. ، ويكفى أن منهم من القى التمرات من يده وهو يقول إنها حياة طويلة واندفع طالبا الشهادة .. ، لقد قيل لعيسى بن مريم .. ، يا عيسى بأى شىء تمشى على الماء؟ قال بالإيمان واليقين ولقد حاول جماعة من صحابته أن يعبروا مثله ولم يستطيعوا لخوفهم من الموج ، فقبض فى إحدى يديه ذهبا وفى الأخرى حصى ومدر ، وقال لهم : أيهما أجل فى قلوبكم؟ قالوا هذا الذهب قال فإنها عندى سواء .. ، ومن أقواله : كما أنه لا يستطيع أحدكم أن يتخذ على موج البحر دارا فلا يتخذ الدنيا قرارا .. ، وقيل له من أشد الناس فتنة؟ قال زلة العالم ، إذا زل يزل بزلته عالم كثير .. ، ومن أقواله : أصبح وليس لى شىء وأنا طيب النفس غير مكترث فمن أغنى منى وأربح؟ ومع الإيمان تأتى الكرامات فهذا هو حمزة بن عمرو يقول لما كنا بتبوك ، وأنفر المنافقون بناقة رسول الله فى العقبة حتى سقط بعض متاع رحله .. ، قال حمزة : فنور فى أصابعى الخمس فأضيء ، حتى جعلت ألقط ما شذ من المتاع .. ، السوط .. ، والحباء ، وأشباه ذلك" (١).

وحين بعثت أم سليم بعكة ملأتها سمنا لرسول الله وبعد أن أفرغها لها وجدتها فى بيتها بعد أن علقتها مملوءة وتقطر سمنا ، وحين سألت رسول الله عن ذلك .. ، قال لها أ تعجبين إن كان الله أطعمك كما أطعمت نبيه؟! كذلك عند بداية دعوة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم حبب

__________________

(١) رواه البخارى فى التاريخ بإسناد جيد ـ حياة الصحابة ص ٤٤٢ الجزء الرابع.

١٤

إليه التفكر والخلاء وكان يرى الرؤية فتتحقق كفلق الصبح وكان يسمع سلام الشجر والحجر وهو يمر بالطريق حتى لا يتعجب حين يبشره الوحى بالنبوة ...

وهناك من تصدق على أحد الفقراء وكانت ستجرى له عملية جراحية دقيقة فى القلب وحين ذهب لعمل الفحوص اللازمة أخبره الطبيب بأنه قد شفى تماما .. لقد طبق سنة النبى" داووا مرضاكم بالصدقة" وهذا هو أبو أمامة الباهلى الذى كان يحب الصدقة ويجمع لها وما يرد سائلا ولو ببصلة أو بتمرة أو بشيء مما يؤكل ، فأتاه سائل ذات يوم وقد افتقر إلى ذلك كله وما يملك إلا ثلاثة دنانير فأعطاه دينارا ، ثم جاءه آخر فأعطاه دينارا ، ثم تبعه سائل آخر فأعطاه دينارا ، فتصدق بالثلاثة دنانير كلها ، فغضبت مولاه أبى أمامة لأنه لم يترك شيئا فى البيت واقترضت لتعد له طعاما حيث كان صائما .. ، وحين ذهبت لتمهد له فراشه وجدت ثلاثمائة دينار من ذهب وحين أخبرته بمكانهم فرح واشتد تعجبه" (١) ، وأخرج ذلك أبو نعيم فى الحلية ، ولقد أخرج الإمام أحمد عن أبى هريرة رضى الله عنه" قصة الرجل الذى دخل على أهله ورأى ما بهم من حاجة ، فخرج إلى البرية .. ، فقامت امرأته إلى الرحى فوضعتها وإلى التنور فسجرته ثم قالت اللهم ارزقنا ، فنظرت فإذا الجفنة قد امتلأت". ، وهناك من فتح باب المسجد فرأى نورا فى إحدى الأركان يتصاعد لأعلى ، وعند إعادة بناء المسجد كان ماء الحفر فى هذا المكان له رائحة عطرية كالمسك ... ، ومع الكرامات هناك آيات الله فى العقوبات .. ، " ففي إحدى البلاد بارزوا الله بالمعاصى وشرب الخمر على إحدى الشواطئ فأظلتهم سحابة ثم ابتلعتهم الأرض ثم تبع ذلك زلزالا ابتلع قرى بأكملها" (٢) وهناك من عذّب المسلمين ، وقال أين إلهكم لأضعه فى الحديد .. ، فتصطدم سيارته بشاحنة تحمل حديدا فدخل الحديد فى جسده من أعلى رأسه إلى أحشائه" (٣) ، ويحكى

__________________

(١) حياة الصحابة ص ٤٧٤ الجزء الرابع

(٢) حدث ذلك فى تركيا على احدى الشواطى وقد تناقلت الصحف ذلك الخبر

(٣) حكى هذا عن حمزة البسيونى مدير السجن الحربى فى عهد عبد الناصر

١٥

الشيخ القحطانى فى محاضرة له عن حسن الخاتمة أن بعض الأموات يبتسم عند تغسيله ومنهم من تنقلب بشرته إلى السواد ومنهم من يشم رائحة الشواء تخرج من فرجه ، ومنهم من لا تستطيع أن تقف حافيا فى مكانه ، ومنهم من يتحول عن القبلة فنعوذ بالله من سوء الخاتمة .. ، لنا عبرة وموعظة مع اعصار تسونامى الذى أطاح بسواحل اللهو والإباحية وزلزال إيران الذى ابتلع قرى بأكملها حين كان البعد عن منهج الله وشريعته .. ، فأى قسوة وجحود بعد ذلك لمن لا يعتبر؟! .. ، إنها الآيات والعبر من الله للتذكرة وهى تضيف للإنسان ما تضيفه الإعجازات العلمية ، فسبحان العليم الخبير ...

١٦

الجزء الأول

إعجاز القرآن العلمى

١٧
١٨

١ ـ كل شىء خلقه الله بقدر

منذ البداية والإنسان جنين فى بطن أمه .. ، وبعد أن خرج طفلا لا يدرك شيئا كان كل شىء فى خلقه بقدر وحكمة .. ، فالإصبع الخامس فى القدم بجوار الأربعة لعدم حاجة الإنسان إلى استعماله فى القبض على الأشياء ، ولكن الإصبع الخامس فى اليد على مسافة ، ليتمكن الفلاح من أن يقبض على فأسه ، والعالم من أن يمسك بالقلم .. ، ولن يستطيع الإنسان أن يبتلع الطعام جافا ، فجعل سبحانه الغدة اللعابية تحت اللسان لإفراز الماء لتسهل عملية ابتلاع الطعام وجعل القواطع الحادة فى الأمام ليسهل قطع الطعام وجعل الضروس العريضة فى الخلف لأنها لا تصلح للقطع ولكن يتم بها طحن الطعام .. ، وبمرور السنين تمكن الإنسان بخبرته من معرفة أن الإناء الذى يحتوى على الدهون يمكن تنظيفه بمادة حمضية كالليمون مثلا ، فجعل الله تعالى للإنسان منذ أن كان جنينا لا يدرك شيئا حويصلة ، تسمى بالحويصلة المرارية لهضم الدهون ، وتحويلها إلى مستحلب دهنى ، بالإضافة إلى العصارة الحمضية التى تفرزها المعدة .. ، وإن من يسير فى الأرض ويتأمل يجد أن أغلب الشجر أملس والنخلة بالذات لعلوها فيها الدرجات كالسلم ليتمكن الإنسان من الصعود والانتفاع بثمرها .. ، والبط له غشاء جلدى بين أصابعه بخلاف الدجاج ليتمكن من العوم فى الماء .. ، والجمل شفته العليا مشقوقة لأنه يتناول النباتات الشوكية الخضراء والأشواك تتشعب لأعلى مما يؤثر على شفته العليا ويحميه من ذلك هذا التصميم الإلهى فسبحان الخبير القادر البديع ...

٢ ـ الآيات تظهر ووعد الله يتحقق

إن آيات الله تعالى تظهر وتتحقق فى كل عصر وفى مواعيد تتناسب مع رقى البشرية وما تتحمله عقول البشر ولكن الإنسان يستعجل يقول تعالى (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) (١)

__________________

(١) سورة الأنبياء الآية ٣٧

١٩

وبالفعل يرى الإنسان إعجاز الله تعالى فى نفسه وفى القرآن الكريم وفى الاكتشافات العلمية المطابقة للقرآن الكريم وفى الإعجازات الواردة فى سنة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهناك الإعجازات فى نصر المسلمين رغم قلة عددهم على المشركين والفتوحات الإسلامية فى البلاد المختلفة حيث وعد الله بالنصر للمسلمين وهناك الإشارات والحوادث فى عصر الصحابة وتلك العصور والتى تثبت وجود الملائكة وأن عالم الجن حق كما أشرنا فى الفقرات السابقة .. ، وهناك حوادث التذكرة الزمنية كالكرامات التى تحدث مع بعض الصالحين والخواتيم بحسب الأعمال .. ، وهناك الإعجازات فى العلوم المختلفة ومطابقتها للقرآن الكريم كعلم الطب ، وعلم الجغرافيا ، وعلم النبات والعلوم الكونية ، وعلم البحار ، وعلم الوراثة وعلم الأجنة ، وعلم الجيولوجيا ، وعلم الرياضة وما يحتويه من الحقائق والإعجازات الرقمية ، فمثلا كلمة" البر" ترد ١٢ مرة معرفة وكلمة" يبسا" ترد مرة واحدة فيكون المجموع ١٣ مرة وهو رقم يعبر عن اليابسة ونجد أن العلماء قد اكتشفوا أن كلمة البحر ترد ٣٢ مرة معرفة فيكون المجموع لليابسة والماء ـ ١٣+ ٣٢ ٤٥ مرة ولو أردنا باستخدام الرياضيات أن نعرف نسبة اليابسة إلى الماء ، فنقسم كل رقم المجموع فالنسبة لليابسة ١٣ خ ٤٥ ٨٨٨ ، ٢٨ وهو رقم يعكس نسبة اليابسة إلى سطح الكرة الأرضية ولو أخذنا النسبة لمساحة البحار ، ٣٢ / ٤٥ ١١١ ، ٧١ وهى نسبة تعكس نسبة البحار إلى سطح الكرة الأرضية ، ومعروف من علوم الجغرافيا أن نسبة البحار ٣ / ٤ مساحة الكرة الأرضية ، أى أن ربع الكرة الأرضية يابسة والباقى مياه ، وهو ما عبرت عنه القيم الرياضية السابقة .. ، وهكذا نجد أن كل العلوم تطابق حقائق القرآن الكريم فى كل عصر .. ، ويكتشف العلماء بواسطة أجهزة لم تكن موجودة فى عصر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم حقائق تبدو لنا اليوم أخبرنا عنها الله تعالى منذ ألف وأربعمائة عام فسبحان العليم الخبير.

٢٠