الأنوار الإلهية في المسائل العقائدية

آية الله الميرزا جواد التبريزي

الأنوار الإلهية في المسائل العقائدية

المؤلف:

آية الله الميرزا جواد التبريزي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: زيتون
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٢٠

١
٢

٣
٤

٥
٦

آية الله العظمى الحاج الشيخ ميرزا جواد التبريزي (دام ظلَّه) ، ما هي النصوص على إمامة الأئمّة المعصومين (عليهم السّلام)؟ بيّنوا لنا بعض الأفكار مع الإشارة إلى قسم من الروايات الصحيحة. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظكم ذخراً للإسلام والمسلمين ، وأن يثبتنا على الصراط المستقيم. أفيدونا مأجورين.

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

تثار بين فترة وأخرى أسئلة تتعرّض للمسلَّمات العقائديّة الموجودة لدى المسلمين. وبالذات لدى الطائفة المحقة أتباع أهل البيت (عليهم السّلام) ، وتختلف دوافع تلك الأسئلة ، فإنّ البعض بدافع التعرف والبحث عن الدليل يسأل عن تلك المواضيع ، ويحتاج إلى إجابة شافية وافية سوف نضعها بإذن الله بين يديه. وربّما كان هدف آخرين من طرح هذه الأسئلة هو التشكيك في تلك المسلَّمات وإلقاء الشبهة في قلوب العوام من أتباع هذا المذهب.

وتختلف طرق هؤلاء وشبهاتهم ، وذلك أنّ هدفهم هو إلقاء الشبهة ، وتشكيك أبناء الطائفة في عقيدتهم ، فلا يهمّ عندهم ما هو نوع السؤال ، ولا ينتظرون الإجابة عليه ، بل لو أجيبوا بجواب مقنع بالنسبة لهم ، فإنّهم يتركونه للبحث عن سؤال آخر وشبهة أُخرى! فالمهمّ عندهم هو التشكيك والسؤال المؤدّي إلى الشبهة ؛ فهم في يوم يشككون في بعض الوقائع التاريخية المتصلة بقضية الإمامة ، وفي آخر يشككون في حياة الإمام المهدي ، أو أنّه ما فائدة هذه الغيبة ، وثالثة يشككون في

٧

النص على الأئمّة المعصومين (عليهم السّلام) بأن يقولوا إنّه لا يوجد نص على الأئمة أو على الأئمة بعد الحسين (عليه السّلام).

وهؤلاء نحن لا نتحدّث معهم في هذه الرسالة ، ولا نوجّه لهم هذه الكلمات ، بل لا نرجو هدايتهم بعد أن اختاروا لأنفسهم هذا الطريق ، طريق التشكيك (لَمْ يَكُنِ الله لِيَغْفِرَ لَهُمْ ولا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً) (١) ، وإنّما يتوجّه حديثنا إلى أهل الإنصاف (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَه) (٢) ، وإلى العامّة من أبناء المذهب الحق الذين يترقبون الدليل الواضح للرد به على مزاعم المشككين وشبهات المنحرفين. لمثل هؤلاء الذين ربّما وردت أسئلة من قبل بعضهم وطلبوا الإجابة عليها فيما يرتبط بهذا الموضوع ، أي النص على إمامة الأئمّة المعصومين (عليهم السّلام) ، نكتب هذه الرسالة المختصرة ، علماً بأنّه لا يسعنا استقصاء الأدلة ، ولا بدّ لذلك من الرجوع إلى الكتب المدوّنة في هذا المضمار خصوصاً كتب الحديث والمجاميع الروائية.

منهج الرسالة

وسيكون منهجنا في هذه الرسالة أن نتعرّض إلى ذكر بعض الروايات الصحيحة والصريحة التي تعيّن أسماء الأئمة (عليهم السّلام) ، ممّا يقطع الطريق على من يدعي عدم وجود النص عليهم أو على بعضهم ، وسيثبت هذا أنّ المدعي لعدم وجود النص لو سلمت نيته فإنّه ضعيف الاطلاع جدّاً على أخبار أهل البيت (عليهم السّلام) وغير بصير بأحاديثهم. وسنلتزم أن يكون النص الذي نورده صحيحاً من غير شبهة أو مناقشة ، وإلَّا فالنصوص الأُخرى كثيرة جدّاً. وهذه النصوص تنقسم كما سيأتي إلى ما هو نص على العنوان مثل أبناء الحسين (عليه السّلام) ، وما هو نص على قسم منهم مثل النصوص

__________________

١) سورة النساء : الآية ١٦٨.

٢) سورة الزمر : الآية ١٨.

٨

الواردة الناصة عليهم إلى الإمام الباقر (عليه السّلام) ، وأهميّة هذه أنّ المشككين يدّعون أنّه لا نصّ بعد الحسين (عليه السّلام) ، والقسم الثالث ما هو نص عليهم جملة واحدة.

ثم سنتعرّض إلى ذكر النصوص الواردة بشأن إمامة كل إمام بخصوصه ، ونحن وإن كنا لا نحتاج إلى ذكرها ، بل كان يكفينا ويكفي من يريد الدليلَ روايةٌ صحيحة واحدة تذكرهم جملةً من غير حاجة إلى ذكر سائر الروايات سواء كانت بالعنوان أو لكلّ شخص نورد هذه للتأكيد ، وأنّ النص عليهم كان حاصلًا بطرق مختلفة ، وهو كافٍ (لِمَنْ كانَ لَه قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وهُوَ شَهِيدٌ) (١). هذا كلَّه مع ما سنذكره في الخاتمة من أنّ الظروف التي أحاطت بأئمّة أهل البيت (عليهم السّلام) وشيعتهم الكرام في أدوار التاريخ كانت من الصعوبة ، بحيث كان نقل الحديث الذي ينص على إمامة المعصومين خصوصاً الذين كانوا في فترات متأخّرة أمراً في غاية الخطورة.

النصوص التي تعيّن أسماء الأئمّة المعصومين (عليهم السلام)

يوجد في مصادرنا الحديثية العديد من الروايات التي تنص على تحديد أسماء الأئمّة المعصومين (عليهم السّلام) ، ولكن بما أنّ بناءنا هو على الاختصار في هذه الرسالة ، فإننا سنكتفي بذكر رواية صحيحة صريحة في كل باب (أو روايتين) ، وفيها لمن أراد الدليل كفاية وغنى. وهذه الروايات تنقسم بحسب المدلول إلى أقسام :

القسم الأوّل

ما ورد من الروايات في تحديد أنّ الأئمّة (عليهم السلام) هم من ولد الحسين (عليه السلام)

وهذه الروايات بهذا العنوان تجيب عن عدة أسئلة ، فهي من جهة تعالج نقطة هي مركز التشكيك عند المشككين المدعين عدم وجود نص على الأئمّة بعد الإمام

__________________

١) سورة ق : الآية ٣٧.

٩

الحسين (عليه السّلام) ، بينما هذه الروايات تعتبر نصاً على العنوان ، أي أولاد الحسين ، وأيضاً فهي تحدد نسب الأئمّة بعده وتحصرهم في هذه الذريّة الطاهرة ، فتنفي هذا المنصب عمن ليس من هذا البيت ، فكل من ادّعى الإمامة من غيرهم فادّعاؤه باطل ، ولو كان هاشمياً قرشياً ، بل حتى لو كان من أولاد أمير المؤمنين من غير نسل الحسين (عليه السّلام). وأيضاً فهذه الروايات تدلّ بالدلالة الالتزامية على أنّهم من قريش ، بل هي مفسِّرة لذلك العنوان ، ولهذا فما ورد من غير طرق الشيعة كثيراً من أنّ الأئمّة من قريش يكون مفسّراً بهذه الروايات ، حيث إنّ من كان من أبناء الحسين فهو بالضرورة قرشيّ.

فمن تلك الروايات :

ما رواه الشيخ الكليني (رحمه الله) عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن إسحاق بن غالب عن أبي عبد الله الصادق (عليه السّلام) من كلام يذكر فيه الأئمّة .. إلى أن قال : «فلم يزل الله يختارهم لخلقه من وُلد الحسين من عقب كل إمام ، كلما مضى منهم إمام نصب لخلقه من عقبه إماماً وعلماً هادياً ..» (١). (صحيحة).

ومنها : ما رواه الشيخ الصدوق (رحمه الله) عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب والهيثم بن مسروق النهدي ، عن الحسن بن محبوب السراد عن علي بن رئاب عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر (عليه السّلام) ، قال سمعته يقول : «إنّ أقرب النّاس إلى الله عز وجل وأعلمهم به وأرأفهم بالنّاس محمد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) والأئمّة ، فادخلوا أين دخلوا وفارقوا من فارقوا ، عنى بذلك حسيناً وولده فإنّ الحق فيهم وهم الأوصياء ومنهم الأئمّة ، فأينما رأيتموهم فاتّبعوهم وإن أصبحتم يوماً لا ترون منهم أحداً منهم فاستغيثوا با لله عز وجل وانظروا

__________________

١) الكافي : ج ١ ، ص ٢٠٣.

١٠

السنة التي كنتم عليها واتّبعوها وأحبّوا من كنتم تحبّون وأبغضوا من كنتم تبغضون فما أسرع ما يأتيكم الفرج»! (١). (صحيحة).

ويؤيّدها ما رواه في كمال الدين ، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن يعقوب بن يزيد عن حماد بن عيسى عن عبد الله بن مسكان عن أبان عن سليم بن قيس الهلالي عن سلمان الفارسي قال : «دخلت على النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ، فإذا الحسين بن علي على فخذه وهو يقبّل عينيه ويلثم فاه ويقول : أنت سيد ابن سيد ، أنت إمام ابن إمام أبو أئمّة أنت حجة الله ابن حجته وأبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم» (٢).

القسم الثاني

الروايات التي تنصّ على أسماء الأئمّة بدءاً من الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)

وهي متعددة نكتفي منها بروايتين :

الصحيحة الأُولى رواها الشيخ الكليني (رحمه الله) عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس ، وعلي بن محمد بن سهل بن زياد أبي سعيد عن محمد بن عيسى عن يونس ، عن ابن مسكان عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله (عليه السّلام) عن قوله عز وجل (أَطِيعُوا الله وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) (٣) ، فقال : «نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين (عليهم السّلام) ، فقلت : إنّ النّاس يقولون فما باله لم يسمِّ عليّاً وأهل بيته في كتاب الله عز وجل؟ فقال : قولوا لهم : إنّ رسول الله نزلت عليه الصلاة ولم يسمّ الله لهم ثلاثاً ولا أربعاً ، حتى كان رسول الله هو الذي فسّر ذلك ، ونزلت الزكاة ولم يسمّ لهم من كل أربعين درهماً

__________________

١) كمال الدين : ص ٣٢٨.

٢) كمال الدين : ج ١ ، ص ٢٦٢.

٣) الكافي : ج ١ ، ص ٢٨٦.

١١

درهم ، حتى كان رسول الله هو الذي فسّر لهم ذلك ، ونزل الحج فلم يقل لهم طوفوا أسبوعاً حتى كان رسول الله هو الذي فسّر لهم ذلك ، ونزلت (أَطِيعُوا الله وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) (١) ونزلت في علي والحسن والحسين ، فقال رسول الله في علي «من كنت مولاه فعلي مولاه» ، فقال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) : أوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي ، فإنّي سألت الله أن لا يفرق بينهما حتى يوردهما عليَّ الحوض فأعطاني ذلك. وقال : لا تعلموهم فهم أعلم منكم. وقال : إنّهم لن يخرجوكم من باب هدى ، ولن يدخلوكم باب ضلالة.

فلو سكت رسول الله فلم يبين من أهل بيته لادّعاها آل فلان وآل فلان ، لكن الله أنزل في كتابه تصديقاً لنبيّه (إِنَّما يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٢) ، فكان علي والحسن والحسين وفاطمة فأدخلهم رسول الله تحت الكساء في بيت أم سلمة ثمّ قال : اللَّهمّ إنّ لكل نبي أهلًا وثقلًا ، وهؤلاء أهلي وثقلي. فقالت أم سلمة : ألست من أهلك؟ قال : إنّك إلى خير ، ولكن هؤلاء أهلي وثقلي. فلما قُبض رسول الله كان علي (عليه السّلام) أولى الناس بالناس ، لكثرة ما بلَّغ فيه رسول الله وإقامته للناس وأخذه بيده ، فلما مضى عليُّ (عليه السّلام) لم يكن يستطيع عليّ (عليه السّلام) ولم يكن ليفعل أن يدخل محمد بن علي ولا العباس بن علي ولا واحداً من ولده .. إذن لقال الحسن والحسين إن الله تبارك وتعالى أنزل فينا كما أنزل فيك فأمر بطاعتنا كما أمر بطاعتك ، وبلغ فينا رسول الله كما بلغ فيك ، وأذهب عنّا الرجس كما أذهبه عنك ، فلما مضى علي كان الحسن أولى بها لكبره ، فلما توفي لم يستطع أن يدخل ولده ولم يكن ليفعل ذلك ، والله عز وجل يقول (وأُولُوا الأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ الله) (٣) فيجعلها في ولده .. إذن لقال الحسين أمر الله بطاعتي كما أمر بطاعتك وطاعة أبيك ، وبلغ فيَّ رسول الله كما بلغ فيك وفي أبيك ، وأذهب الله عني

__________________

١) سورة النساء : الآية ٥٩.

٢) سورة الاحزاب : الآية ٣٣.

٣) سورة الانفال : الآية ٧٥ ، سورة الاحزاب : الاية ٦.

١٢

الرجس كما أذهب عنك وعن أبيك. فلما صارت إلى الحسين لم يكن أحد من أهل بيته يستطيع أن يدعي عليه كما كان هو يدعي على أخيه وعلى أبيه ، لو أرادا أن يصرفا الأمر عنه ، ولم يكونا ليفعلاه ، ثم صارت حين أفضت إلى الحسين فجرى تأويل هذه الآية (وأُولُوا الأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ الله) ثم صارت من بعد الحسين لعلي بن الحسين ، ثم صارت من بعد علي بن الحسين إلى محمد بن علي ثمّ قال : الرجس هو الشك ، والله لا نشك في ربّنا أبداً» (١).

وينبغي التوجه إلى نقطتين مهمتين توضحهما هذه الرواية :

أولاهما : انّها تجيب عن سؤال ربّما طرحه البعض ، وهو أنّه لو كانت الإمامة بتلك الأهمية فلما ذا لم ينص القرآن عليها؟ ولمَ لم يذكر القرآن أسماء الأئمّة حتى يرتفع الشك والتردد بصورة قاطعة ، ولا يضل الناس؟

والرواية تجيب بأنّه كما نزل أصل وجوب الصلاة والزكاة والحج في القرآن ولم يبيّن فيه تفاصيل الأحكام ، فكذلك الحال في الإمامة حيث نزل وجوب الطاعة للأئمّة وأُولي الأمر ، وأوكل تعيين أسمائهم إلى النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وقد قام بذلك خير قيام.

وثانيتهما : أن قضية الإمامة ونصب الإمام هي أمر إلهي لا يرتبط بقضية الوراثة ، أو إرادة الإمام السابق في تعيين اللاحق ، فإنّه لا يستطيع ولم يكن ليفعل أن يغيّر مجراها عمّا هو عليه من النصب الإلهي. وفي هذه القضية كما أنّ أمير المؤمنين قد نصب نصباً إلهياً ، فكذلك زين العابدين علي بن الحسين والباقر محمد بن علي (عليهم السّلام) ، من دون فرق في هذه الجهة ممّا يرد بذلك على دعوى المشكَّكين بأنّ النص إنّما هو على الثلاثة الأوائل من الأئمّة.

ويؤيدها ما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن

__________________

١) الكافي : ج ١ ، ص ٢٨٦.

١٣

إبراهيم بن عمر اليماني وعمر بن أذينة عن أبان عن سليم بن قيس قال : شهدت وصية أمير المؤمنين حين أوصى إلى ابنه الحسن (عليه السّلام) ، وأشهدَ على وصيته الحسين (عليه السّلام) ومحمّداً وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته ، ثمّ دفع إليه الكتاب والسلاح وقال لابنه الحسن (عليه السّلام) : «يا بني ، أمرني رسول الله أن أُوصي إليك وأن أدفع إليك كتبه وسلاحه ، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين. ثم أقبل على ابنه الحسين فقال : وأمرك رسول الله أن تدفعها إلى ابنك هذا. ثمّ أخذ بيد علي بن الحسين وقال : وأمرك رسول الله أن تدفعها إلى ابنك محمّد بن علي ، واقرأه من رسول الله ومني السلام» (١).

القسم الثالث

ما نص على أسماء الأئمة (عليهم السلام) جميعاً

ومع هذه الروايات التي سوف نذكر بعضها ينقطع عذر كل متعلل لصراحتها وقوّتها ، وما يحف بها ، ففي الأُولى نلتقي مع أسماء الأئمة (عليهم السّلام) في سجدة الشكر عقيب كل صلاة ، حيث يُشهِد المصلي ربَّه والملائكة والخلق بمجمل اعتقاداته التي ينبغي أن يلقاه بها ، ومنها تولَّيه للأئمّة الطاهرين من أهل البيت (عليهم السّلام) وأنّه يتولَّاهم ويتبرّأ من أعدائهم. ولا يخفى الارتباط بين الصلاة وبين ذكر الأئمّة الهادين وفضلهم على الخلق في تعليمهم معالم الدين. وسنشير إلى هذه الجهة أيضاً في الخاتمة.

فمن هذه الروايات :

الصحيحة التي رواها الصدوق بإسناده عن عبد الله بن جندب عن موسى بن جعفر (عليه السّلام) أنّه قال : تقول في سجدة الشكر «اللَّهمّ إني أشهدك وأشهد ملائكتك وأنبياءك ورسلك وجميع خلقك أنّك أنت الله ربي والإسلام ديني ومحمّداً نبيي وعلياً والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن

__________________

١) الكافي : ج ١ ، ص ٢٩٧.

١٤

موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والحجّة بن الحسن أئمّتي بهم أتولى ومن أعدائهم أتبرأ» (١).

والصحيحة الأُخرى التي رواها الكليني عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد البرقي عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري عن أبي جعفر الثاني (عليه السّلام) قال : «أقبل أمير المؤمنين (عليه السّلام) ومعه الحسن بن علي وهو متكئ على يد سلمان فدخل المسجد الحرام فجلس ، إذ أقبل رجل حسن الهيئة واللباس ، فسلم على أمير المؤمنين ، فرد (عليه السلام) فجلس ، ثم قال : يا أمير المؤمنين ، أسألك عن ثلاث مسائل إن أخبرتني بهن علمت أنّ القوم ركبوا من أمرك ما قضي عليهم وأن ليسوا بمأمونين في دنياهم وآخرتهم ، وإن تكن الأُخرى علمت أنّك وهم شرع سواء! فقال له أمير المؤمنين (عليه السّلام) : سلني عمّا بدا لك. قال : أخبرني عن الرجل إذا نام أين تذهب روحه؟ وعن الرجل كيف يذكر وينسى؟ وعن الرجل كيف يشبه ولده الأعمام والأخوال؟ فالتفت أمير المؤمنين (عليه السّلام) إلى الحسن ، فقال : يا أبا محمد أجبه! قال : فأجابه الحسن. فقال الرجل : أشهد أن لا إله إلَّا الله ولم أزل أشهد بها ، وأشهد أنّ محمداً رسول الله ولم أزل أشهد بها ، وأشهد أنّك وصي رسول الله والقائم بحجته أشار إلى أمير المؤمنين ولم أزل أشهد بها ، وأشهد أنّك وصيه والقائم بحجّته أشار إلى الحسن وأشهد أنّ الحسين بن علي وصي أخيه والقائم بحجّته بعده ، وأشهد على علي بن الحسين أنّه القائم بأمر الحسين بعده ، وأشهد على محمد بن علي أنّه القائم بأمر علي بن الحسين ، وأشهد على جعفر بن محمد أنّه القائم بأمر محمد ، وأشهد على موسى أنّه القائم بأمر جعفر بن محمد ، وأشهد على علي بن موسى أنّه القائم بأمر موسى بن جعفر ، وأشهد على محمد بن علي أنّه القائم بأمر علي بن موسى ، وأشهد على علي بن محمد أنّه القائم بأمر محمد بن علي ، وأشهد على الحسن بن علي أنّه القائم بأمر علي بن محمد ، وأشهد على

__________________

١) الوسائل : ج ٧ ، ص ١٥.

١٥

رجل من ولد الحسن لا يكنّى ولا يسمّى حتى يظهر أمره فيملأها عدلًا كما ملئت جوراً ، والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. ثمّ قام فمضى. فقال أمير المؤمنين : يا أبا محمد ، اتبعه! فانظر أين يقصد؟ فخرج الحسن بن علي (عليه السّلام) ، فقال : ما كان إلَّا أن وضع رجله خارجاً من المسجد فما دريت أين أخذ من أرض الله ، فرجعت إلى أمير المؤمنين فأعلمته ، فقال : يا أبا محمد ، أتعرفه؟ قلت : الله ورسوله وأمير المؤمنين أعلم. قال : هو الخضر» (١).

الروايات التي تنص على كل إمام بشخصه :

بعد أن ذكرنا الروايات التي تذكر أسماء الأئمّة الطاهرين ، نعود ونذكر الروايات الخاصة التي تنص على كل إمام بشخصه ، وهي قد تذكر الإمام باسمه وأُخرى بالقرينة والصفة ، فإنّ بعض الروايات تعتمد على ذكر أمر ، ذلك الأمر يلازم كونه إماماً ، كما سيأتي في وصية الإمام الباقر لابنه الصادق (عليه السّلام) أن يغسله ويجهزه ويكفنه ، فإنّ هذا من النص عليه ، لما ثبت عندنا من النصوص والإجماع على أنّ الإمام لا يتولى تجهيزه إلَّا إمام مثله عند حضوره ، وقد لا ينتبه لمثل هذه الإشارات إلَّا من كان على مستوى من الإحاطة بتعابير الأئمّة ، كما نرى أنّ هشام بن الحكم عند ما سمع من علي بن يقطين قول الكاظم أنّ علياً الرضا سيّد ولده وأنّه قد نحلة كنيته ، فقد استنتج هشام من ذلك أنّه نص عليه بالإمامة من بعده ، ومثل أن يعطيه السلاح والكتب ، وهكذا ما يرافق إمامتهم من الكرامات ، مثلما حصل في قضية شهادة الحجر الأسود لعلي بن الحسين بالإمامة في مناقشة محمد بن الحنفية إياه! كما ورد في رواية صحيحة رواها الكليني في الكافي (٢) ، فإنّه بعد ما احتجّ السجاد عليه لأن سلاح

__________________

١) الكافي : ج ١ ، ص ٥٢٥.

٢) الكافي : ج ١ ، ص ٣٤٨.

١٦

رسول الله عنده وأنّ الحسين قد أوصى إليه دعاه للحجر الأسود ليحتكما إليه ، فتكلم محمد فلم يحصل على شيء ، ثم تكلم علي بن الحسين فنطق الحجر بقدرة الله «أن الوصية والإمامة بعد الحسين بن علي إلى علي بن الحسين»! فانصرف محمد بعد ذلك وهو مؤمن بإمامة علي بن الحسين (عليه السّلام).

وحيث إنّنا قد ذكرنا في القسم الثاني من الروايات ما ينصّ على إمامة الأئمّة من الإمام أمير المؤمنين إلى الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السّلام) ، فسنتعرّض هنا لذكر النصوص في إمامة الأئمّة بدئاً من الإمام الصادق ، وسنكتفي بنص واحد بالنسبة لكل إمام ، وسنذكر نصوصاً متعددة لخاتم الأوصياء والأئمّة صاحب الزمان.

جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)

فممّا ورد من النص على إمامة جعفر بن محمد الصادق (عليه السّلام) ، الرواية الصحيحة التي نقلها الكليني (رحمه الله) في الكافي عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس بن عبد الرحمن عن عبد الأعلى عن أبي عبد الله الصادق (عليه السّلام) : «إنّ أبي استودعني ما هناك ، فلما حضرته الوفاة قال : ادع لي شهوداً. فدعوت له أربعة من قريش فيهم نافع مولى عبد الله بن عمر ، فقال : اكتب : هذا ما أوصى به يعقوب بنيه (يا بَنِيَّ إِنَّ الله اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ، وأوصى محمد بن علي إلى جعفر بن محمد وأمره أن يكفنه في برده الذي كان يصلَّي فيه الجمعة وأن يعممه بعمامته وأن يربع قبره ويرفعه مقدار أربع أصابع وأن يحل عنه أطماره عند دفنه .. ثمّ قال للشهود : انصرفوا رحمكم الله. فقلت له : يا أبتِ بعد ما انصرفوا ما كان في هذا بأن تشهد عليه؟! فقال : يا بني ، كرهت أن تغلب ، وأن يقال : إنّه لم يوص إليه ، فأردت أن تكون لك الحجّة» (١).

وهذا كما تقدم بضميمة ما دلت عليه النصوص وقام عليه الإجماع أنّ الإمام

__________________

١) الكافي : ج ١ ، ص ٣٠٧.

١٧

عندنا لا يولَّى تجهيزه إلَّا إمام مثله إذا كان حاضراً ، وأنّ الوصية هي من علائم الإمامة يكون نصاً على إمامة الصادق (عليه السّلام).

موسى بن جعفر (عليه السلام)

وممّا ورد في النص على إمامة الإمام موسى بن جعفر (عليه السّلام) ، الصحيحة التي رواها في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي نجران عن صفوان الجمّال عن أبي عبد الله ، قال له منصور بن حازم : بأبي أنت وأُمي إنّ الأنفس يُغدى عليها ويُراح ، فإذا كان ذلك فمن؟ فقال أبو عبد الله : «إذا كان ذلك فهو صاحبكم. وضرب بيده على منكب أبي الحسن الأيمن فيما أعلم وهو يومئذ خماسي ، وعبد الله بن جعفر جالس معنا» (١).

علي بن موسى الرضا (عليه السلام)

ومن النص على إمامة الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السّلام) ، ما ورد في الصحيح عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن الحسين بن نعيم الصحاف قال : «كنت أنا وهشام بن الحكم وعلي بن يقطين ببغداد ، فقال علي بن يقطين : كنت عند العبد الصالح جالساً فدخل عليه ابنه علي فقال لي : يا علي بن يقطين ، هذا عليّ سيد ولدي! أما إنّي قد نحلته كنيتي. فضرب هشام بن الحكم براحته جبهته ثم قال : ويحك! كيف قلت؟! فقال علي بن يقطين : سمعت والله منه كما قلت. فقال هشام : أخبرك أنّ الأمر فيه من بعده» (٢).

فأنت عزيزي القارئ ترى هنا أنّ هشام بن الحكم لما كان متبحراً في العقائد ، وعارفاً بإشارات الأئمّة في ما يرتبط بموضوع الإمامة ، والصفات التي لا بدّ من توفرها في الإمام ، فإنّه بمجرد أن سمع تلك الكلمات وضمها إلى الكبريات الموجودة في

__________________

١) الكافي : ج ١ ، ص ٣٠٩.

١) الكافي : ج ١ ، ص ٣١١.

١٨

ذهنه المرتبطة بموضوع الإمامة انتقل فوراً إلى معنى نص الإمام الكاظم على الرضا (عليه السّلام) ، وإن كان مثل علي بن يقطين على جلالته ربّما لم يتوجّه إلى ذلك المعنى بنفس السرعة.

محمد بن علي الجواد (عليه السلام)

ومن النص على إمامة محمد بن علي الجواد (عليه السّلام) الصحيحة التي نقلها في الكافي أيضاً عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن معمر بن خلاد ، قال : سمعت الرضا (عليه السّلام) ، وذكر شيئاً فقال : «ما حاجتكم إلى ذلك؟ هذا أبو جعفر أجلسته مجلسي وصيرته مكاني. وقال : إنّا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القذة بالقذة» (١).

علي بن محمد الهادي (عليه السلام)

ومن الروايات التي تنص على إمامة الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السّلام) ما رواه صحيحاً في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن إسماعيل بن مهران قال : «لما خرج من المدينة إلى بغداد في الدفعة الأُولى من خرجيته ، قلت له عند خروجه : جعلت فداك إنّي أخاف عليك في هذا الوجه ، فإلى من الأمر من بعدك؟ فكرّ إلى بوجهه ضاحكاً : ليس الغيبة حيث ظننت في هذه السنة ، فلما خرج به الثانية إلى المعتصم ، صرت إليه ، فقلت له : جعلت فداك أنت خارج فإلى من الأمر من بعدك؟ فبكى حتى اخضلَّت لحيته ، ثم التفت إلى فقال : عند هذه يخاف علي ، الأمر من بعدي إلى ابني علي» (٢).

الحسن بن علي العسكري (عليه السلام)

وقد وردت روايات مصرحة بإمامة الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السّلام) ، منها ما رواه في الكافي عن علي بن محمد عن محمد بن أحمد النهدي عن يحيى بن

__________________

١) الكافي : ج ١ ، ص ٣٢٠.

٢) الكافي : ج ١ ، ص ٣٢٣.

١٩

يسار القنبري ، قال : «أوصى أبو الحسن إلى ابنه الحسن قبل مضيه بأربعة أشهر وأشهدني على ذلك وجماعة من الموالي» (١).

الحجة بن الحسن العسكري صاحب الزمان

وأمّا الروايات الواردة في إمامة الإمام الحجة بن الحسن العسكري صاحب الزمان ، وفي صفاته وعلامات ظهوره ، وما يرتبط بخريطة تحرّكه بعد الظهور ، وأنصاره ، فهي كثيرة جدّاً ، حتى لقد أُلَّفت كتب ومجلدات خاصة في هذا الأمر ، وحيث إنّ بناءنا هو على الاختصار في هذه الرسالة كما ذكرنا في البداية ، فسوف نذكر عدة مع عناوينها :

في النص عليه : ما رواه الصدوق عن محمد بن علي بن ماجيلويه عن محمد بن يحيى العطار عن جعفر بن محمد بن مالك الفزاري عن معاوية بن حكيم ومحمد بن أيوب بن نوح ومحمد بن عثمان العمري قالوا : «عرض علينا أبو محمد الحسن بن علي ونحن في منزله وكنا أربعين رجلًا فقال : هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوه ولا تتفرّقوا من بعدي في أديانكم فتهلكوا ، أما إنّكم لا ترونه بعد يومكم هذا. قالوا فخرجنا من عنده فما مضت إلَّا أيام قلائل حتى مضى أبو محمد (عليه السّلام)» (٢).

في أن الإيمان بالأئمّة كل لا يتجزأ وأن الاعتراف بهم من دون الإمام الحجة لا يساوي شيئاً وهو كإنكار أمير المؤمنين (عليه السّلام) : ما نقله في كفاية الأثر عن الحسن بن علي عن أحمد بن محمد بن يحيى العطار عن سعد بن عبد الله عن موسى بن جعفر البغدادي قال : سمعت أبا محمد الحسن بن علي العسكري (عليه السّلام) يقول : «كأنّي بكم وقد اختلفتم بعدي في الخلف مني ؛ ألا إن المقر بالأئمّة بعد رسول الله المنكر لولدي كمن أقرّ بجميع الأنبياء

__________________

١) الكافي : ج ١ ، ص ٣٢٥.

٢) كمال الدين : ج ٢ ، ص ٤٣٥.

٢٠