موسوعة عشائر العراق - ج ١

عباس العزاوي المحامي

موسوعة عشائر العراق - ج ١

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٨

١
٢

٣
٤

٥
٦

٧
٨

بسم الله الرّحمن الرّحيم

المقدمة

كانت الاقوام ولا تزال النفرة بينها قائمة على قدم وساق من أمد بعيد ، وكذا التمايز سائرا على وتيرة ، وان شيوع الحضارة ، والتعارف العلمي ، وسهولة وسائط النقل المؤدي للاختلاط والالفة ... كل هذه لم تؤلف بين الشعوب ، ولا دعت إلى التقريب بينهم ، ولم تزل الفروق باقية ، والبغضاء سائدة فلم ترتفع الشحناء مما ولدته العصبية الباطلة ، والنعرات المذمومة بحيث صارت لا ترتكز على ارادة خير الانسانية ، والعمل لصلاحها ، أو تعاونها على هذه الحياة بتذليل صعابها ...

وهذه الفكرة يتخلل صفوفها مجموعات تدعو إلى ألفة أخرى هي الاخوة المبدئية ، والقوة الحزبية ، ونرى أساسها الاشتراك في الآراء للتعاون ، والوحدة في السلوك ، وحب التآخي ... وان اختلفت القوميات وتناءت الاقطار ... وهذه أيضا في تكاتف شديد ، واتصال مكين وان كان الموضوع لا يراد به إلا طلب الاصلاح في ناحية معينة وتعديل السلوك فيها خاصة ... ولا تزال الامم في خطر من هذا العداء ؛ والمبادئ ضعيفة ، وتقوية ناحيتها من الامور المشهودة ؛ وان الفروق والميزات مما نفّر بين الاقوام بعضها من بعض ...

والعرب لم يخرجوا من نطاق هذا بل كان فيهم ما يزيد ، ووسائل العداء فيما بينهم كثيرة ، يدعو اليها وضعهم وما هم فيه ... من غزو وإغارة

٩

وقتال مستمر ... ينشب بينهم غالبا لأدنى حادث أو لأقل سبب ... والذي يتأهب لمثل هذه الامور يختلق ، أو يوجد ما يدعو لتنفيذ رغبته والقيام بعمليته ...

هذه الحالة هي في كافة أوضاعهم الجاهلية ، ووقائعهم معروفة في ازمانهم الغابرة وامثلتها كثيرة جدا ... بل التاريخ مليء بها ولما دخلت العقيدة الاسلامية غيرت هذه الحالة وجعلت اساسها احترام الشعوب والقبائل ، وجعلتها واسطة التعارف ، وأوقفتها عند حدودها ، ودعت إلى الاسلام والتآلف ، وحثت على الوفاء بالعهود ، ولم تبرر نقض العهد بوجه ، ومنعت المفاجآت الحربية بلا سبب صحيح ... فسيرت هؤلاء نحو الطريق الأمثل ، والاخوة العامة ، وازالة البغضاء فيما بينهم ... وأصلحت الحالة الاجتماعية ، وسيرت القوم نحو السيرة اللائقة ...

ولما كان العرب اول من بدأ الدعوة فيهم بسبب تغلب البداوة عليهم لزم تسييرهم بمقتضى تلك الشريعة فقامت اولا باصلاح البيت وأركانه ، ثم امرت بالتقريب بين القبائل ومجاوريها ، ومنعت مما يضر بألفتها كالتنابذ ، وذكر المعايب والمثالب ... وحرمت النفوس والاموال بل جعلتهما محترمين ... فمشى الكل من بدو وحضر على مرسومها باخلاص في مراعاة سياسة موحدة مبناها المبدأ القويم والاخوة العقائدية ، ورفعت الحواجز الرديئة من نعرة جاهلية ، وعصبية باطلة ...

ومن ثم كان لتعاليم الاسلام قبول واذعان بين العرب ، لما فيه من الاوصاف الفاضلة ، النبيلة فزال العداء وذهب الخصام ، وبقي الوضع القبائلي مدارا للتعارف والتآلف فصاروا اخوانا بعد ان كانوا اعداء مما لم تر البشرية مثله في عصورها السالفة والحاضرة معا ... الغاية شريفة ، والوحدة صحيحة والغرض سام لا شائبة فيه للتحكم والاستعباد ، والعقيدة خالصة ، والطريقة مثلى ، والادارة قويمة ، ذلك ما مكنهم في الارض ، وجعلهم الوارثين ...

١٠

هذه الروحية مضت على سيرتها تلك مدة ، وسيّرت الامم الأخرى بمقتضى نهجها ، ولكن لم تستمر على حالتها هذه طويلا ... وانما أصابها ركود ، واعتراها فتور في نشاطها الذي ولدته في حينه وحصل من الأسباب ما دعا للخمول والعودة إلى الأوضاع السابقة ، ومراعاة العرف الجاهلي ، والنفرة القبلية ... فتأسست البغضاء ثانية ، وبشكل آخر ، ورجعنا إلى ما كنا عليه في جاهليتنا ، من التنابذ ، ونسينا التوحيد والوحدة فحلت الشحناء ، وتمكن العداء. وأسباب التخريب على قلتها وتفاهة شأنها ـ كما يتراءى للناظر ـ أودت بالأمة ، وأثرت في الأمم الأخرى المجاورة ، وللأثر السيئ حكمه ...

وعلى كل تظهر هذه الأوضاع في العشائر أكثر وأوضح ، وهي أيضا صفحة من موضوع حياة العرب في إدارتهم ، وثقافتهم ، واجتماعهم ولها أثرها في مقدراتهم ، وهم مجموعة كبرى ... فمن الضروري دراسة أوضاع قبائل العرب قبل دخول الاسلام وبعده في حاضرها وماضيها البعيد والقريب .. وبهذا نقف على احوالها في مختلف الازمان ونحصل على فكرة نأمل ان تكون صحيحة ... ولن نوسع الموضوع بل سوف نقصر البحث على قبائل العراق حبا في التوغل في دقائقه ليكون مستوفى ... ونترك للاقطار الاخرى نصيبها من البحث ...

وهذا من أصعب المواضيع الاجتماعية عندنا ، وهو أحق بالاهتمام ، واولى بالبحث ، وأن أهميته لا تقتصر على المعرفة ، او الوقوف على الحالة الحاضرة ، وان كانت هذه من لوازم البحث وأركانه ولكن تسيير الجماعة ، وتوجيه استقامتها مما يحتاج إلى دراسات معمقة ، وقدرة علمية بل خبرة كاملة للتمكن من معرفة نواحي النقص ، والوقوف على محط الفائدة تحقيقا للغرض الاجتماعي الذي لا يصح اهماله ، أو التهاون به ، وفوات المدة في التلوّم ، او التردد مما يؤخر في التقدم والاخذ منه بنصيب ...

وليست الغاية أن نجمع حكاية القصد منها المسامرة ولذة التعرف إلى أخبار الغابرين وادبياتهم وان كانت لا تخلو منها ... وانما يهمنا أن نتعرف

١١

على دور القائمين بأمر القبائل واصلاح شؤونها وملاحظة نواحي ادارتها ، وتربيتها ، ورفاه حالتها ، وخصوماتها ، وآدابها ، وتطوراتها وتقلباتها ... حيث انهم عملوا على تأسيس ثقافة سليمة ، وآداب نافعة ، وادارة صالحة ... مما يجب ان يراعيه الباحث الاجتماعي ، أو من يعنيه إصلاح هذه المجموعة الكبرى عن خلال التعرف إلى كافة شؤونها ، ووسائل اصلاحها ، وتنظيم جماعاتها ، والطرق التي أدت إلى رفع مستواها إلى آخر ما يتحتم الالتفات اليه باستطلاع الآراء من كل ناحية وصوب حتى تتكامل المعرفة ومن ثم يعرف ما يستقر حسن الادارة عليه ، وهناك تتأسس الحضارة ...

ومن المؤسف اننا لم يسبق لنا الاشتغال بسعة في هذه المباحث ، أو الافتكار بها وعرضها للنقد والتمحيص ، ولا استطلعنا الآراء في موضوعاتها ، او الالتفات اليه بعناية زائدة إلا من نفر قليل لا تتناسب مباحثهم وأهمية هذا الموضوع ... ومشارب الناس ، ومناحي آرائهم في تلقي موضوع العشائر مختلفة :

١) البدوي. يتطلع إلى ان يعرف مكانته من القبائل الاخرى ليعين القربى ودرجتها ، والعداء ومبلغه ... ويرغب في التقرب إلى من يمتّ اليه بصلة تبعا لمقتضيات الغزو وما ماثل ، أو لمن يصلح أن يكون له كفوا ، أو من هو أعلى منه باعتباره أصل نسبه إلى غير ذلك من الاعتبارات ، أو ركونه إلى ناحية الثأر وما يولد الخصام والانتقام ...

٢) الحضري. يحاول الانتساب والقربى المجردة لمعرفة قومه الذين تشعب منهم ، ولا يلتفت إلى ما ينظر إليه البدوي من تقوية تلك الأواصر.

٣) الأجنبي. وهو بعيد عن هذا كله لا يلتفت إلى ما كان يهم هذا أو ذاك ، وإنما يتطلع إلى ما نحو مراكز القوة والقدرة ، والعصبية ، والبيوت وعددها ، ومقدار البنادق ، وبيت الرياسة ليتفاهم معه ، ويحاول أن يتبصر بالموالي والمعادي.

اختلفت وجهات النظر ، وتباعدت نزعة البحث ، وزال التقارب ،

١٢

وتضاربت المطالب والرغبات. وإذا كان هناك ما يدعو للاستفادة فهو قليل جدا وهذا لا يخلو ـ إذا تناولته اليد الغريبة ـ من الوقوع في الغلط ، والسقوط في هوة لا قرار لها ، وقد ينال الوضع الحقيقي لها مسخا وتشويها فيؤدي إلى شيوع الخطأ ، أو يتولد من تكراره والأخذ به أن يعود الصحيح مغلوطا فتنعكس القضية أو تشوه ...

وشتان بين هذه النظرات وبين النظرة الحقيقية المؤسسة على بيان الوضع الصحيح ، ولا يتيسر هذا الا بعد مراجعة نصوص كثيرة ، وتفكر عميق في الحالة ، وتثبيت ما عليه العشائر في الماضي والحاضر ... لنعدّ المادة للباحث الاجتماعي ، أو المربي فنسأل أنفسنا بعد أن يتم العمل وتنتهي المباحث بقولنا : إذا كانت العشائر بهذه الروحية ، وتلك النزعة ، وعلى هذا النمط من الحياة الاجتماعية والأدبية ... فما الذي يجب أن نراعيه في صلاحها ووحدتها ، أو تسييرها؟ وما هي النواقص الطارئة؟ وما العمل المثمر للوصول إلى الاصلاح.؟ومن ثم تبدأ وظيفة الباحث الاجتماعي أو المربي فتستدعي حلّه ، أو تسترعي نظره ...! وفي موضوعنا هذا تسهيل لمهمته ، وتعيين صحيح للوضع حذرا من أن يغلط المتتبع فيقع في سلسلة نتائج كلها أو أكثرها عثرات ... ولا أريد بالاجتماعي الفرد واختباراته الخاصة ...!

ولما كانت هذه تجربة ولأول مرة ، فمن الملحوظ أن تعرض لها أخطاء كثيرة من ناحية الغفلة وعدم الالتفات ، أو التقصير في الاستقصاء ، أو وجود بعض الحالات في جهة ، وما يعارضها في أخرى ، وهكذا مما لا يحصى أو لا يحاط به وطبعا نظرتنا فردية وجهودنا قليلة ولكنها بذرة للمتتبعين ، والأمل أن تكون نافعة وقد قيل لا يترك الميسور بالمعسور. ومن الله التوفيق.

عباس العزاوي

١٣
١٤

المراجع التاريخية

غالب من بحث عن القبائل من كتّاب العرب القدماء ، ذكروا تاريخهم القديم ولم يتعرضوا في الأكثر إلى حالاتهم الحاضرة في أيامهم هذه ... فكأن القدماء هم المقصودون أصلا وأساسا ، أو من ناحية العلاقة بالاسلام ورجال الحديث وحملته أو كان اغفال مقصود مبني على أوامر معينة ... فجاءت المباحث ناقصة ، أو مبتورة غير موصولة ، ومقصورة على عهد معين هو عهد ما قبل الاسلام ... وكذا معاصرونا فاتتهم أشياء كثيرة ، ومواضيعهم تتعلق بأمور لا تخص النواحي المذكورة ...

ذلك كله أدى إلى أن يسلم أكثرنا المقاليد إلى الأجانب في بحوثهم ، ويأخذوا عنهم ما كتبوه دون تمحيص ولا ترو فوقعوا في أغلاطهم ... فكانت جهودنا إلى الآن غير مثمرة لأنها لم تكن ناشئة عن تتبعنا ولا عن ثمرة مباحثنا ... مما جعلنا نحترز ونراعي التروي في النقل ، وأن نشير إلى هذه الأغلاط التي شاعت على أيدي مؤلفينا ومن طريقهم ، ليزول ما علق في الأذهان من صحتها والجزم بها ...

رأينا الجم الغفير ممن زاولوا البحث ونقلوا أو عربوا حرصوا على السهولة فاستغنوا بهذه المراجع ، وبكثرة المباحث وشيوعها فاستهوتهم بسعتها والتفاتها إلى مطالب اجتماعية ، فأخذوها عفوا وبلا تعب ... ثم وقعوا بما وقع فيه أولئك ، وجاءت كتاباتهم على الرغم من الجهود المبذولة ، لا تستحق الاطراء بل يتحتم نبذها. لأنها" زادت في الطين

١٥

بلّة" ، وأوقعت في أوهام فاضحة على ما سيوضح عند ذكر القبائل وما لحق بعضها أو فروعها من أغلاط ...

والنصوص العربية هي معوّلنا في الغالب. وهذه نالها أيضا من أيدي النساخ والكتاب ما شوه بعض ألفاظها ... فصارت تضارع كتب بعض الأجانب. وذلك أنهم في عصورهم المنحطة عادوا لا يبالون بالعناية ... والمقابلات بين النصوص المختلفة أو الرجوع إلى المخطوطات القديمة لمعرفة الفرق ، ومراجعة الكتب العديدة في اللغة وفي الأنساب خاصة مما يسهل تلافي النقص وإصلاح الغلط بقدر المستطاع ...

وأقل الأخطاء ما نراه في كتاب (العقد الفريد) بين (المنتفق) و (المشفق) (١) مثلا فإنه غلط ناسخ قطعا. وفي بعض الكتب الحديثة بين (الضفير) القبيلة المعروفة وبين (الدفير) الواصل من طريق الأجانب ، وعنزة القبيلة المشهورة و (عينيزة) (٢) ومثل هذه يقال ما قيل في غلط الأفكار .. أو في كتابات يراد بها أن يلتذ السامع ...

راعينا الأخذ عن القبائل مباشرة ، ونبهنا إلى ما وقع من غلط ، وجل ما في الموضوع أن جعلنا نهجنا الترصد والاسترابة حتى نستبين طريق الصواب بقدر الاستطاعة ، والتوقي حسب الامكان من الاعتماد على كتب الأجانب ، ومن كتب أصحابنا إلا بعد التمحيص والتدقيق الزائد على ما في ذلك من صعوبة ..

ولا يفوتنا أن نشير إلى أن الغرض ليس هو النقد المجرد ، أو التنديد بالمؤلفين السابقين أو المعاصرين ، ولا الوقيعة بالأجانب والاسترابة منهم فيما يكتبونه بلا قيد أو شرط ، فلا أعتقد أن غالبهم يتعمد الغلط ، أو يكتب الباطل ، أو ينقل السخيف. وإنما همهم العلم الصحيح ، وقد تكبدوا المشاق في هذا السبيل وأفادوا كثيرا ... إلا أن الغلط وصل اليهم على أيدي

__________________

(١) العقد الفريد ج ٢ ص ٦٣ طبعة سنة ١٢٩٣ ه‍ ببولاق مصر.

(٢) كتاب ابن سعود لابي النصر.

١٦

جهال ، أو أنهم لم يتمكنوا من النطق بوجه الصحة فكتبوا كما لفظوا ، أو كما وصل اليهم ... وجل قصدنا مصروف إلى البيان الصحيح ، وتعيين وجه الاستفادة من هذه الآثار للوصول إلى ما نحاول بلوغه مع التنبيه إلى ما وقعوا فيه للتجنب منه ...

وغاية ما نقوله هنا أن المراجع التاريخية ـ وإن كانت كثيرة ـ قليلة المادة ولا نكتفي بواحد منها إذ لم نجد فيها من قصر موضوعه على البحث عن القبائل خاصة ، وتكلّم عليها بسعة وتفصيل. وهذه لا مجال لوصفها وإنما أقصر القول على المهم منها مما يتعلق بالعراق خاصة ولكن قبل الكلام على المراجع أقول إننا لم نجد مؤلفات عديدة عن القبائل في مختلف العصور وبصورة متوالية لنعلم العلاقات المستمرة بين عشائرنا الحاضرة والماضية ، ولنقف على الاشتقاق والتفرع في الأنساب ولنقطع في معرفة التجولات والتفرعات ، فالأسماء تغيرت ، وما شاهدناه من القبائل في موطن لمدة قد لا نجد له أثرا في الحاضر ، أو أن قسما منه هاجر إلى موطن آخر ولكن لا يعرف تاريخ هجرته وهكذا مما صعب المهمة ... فخفي علينا شيء كثير من أحوال العشائر تاريخيا لعدم الالتفات إلى تدوين وقائع مثل هذه إلا أن هذا يجب ألا يثبط العزم بل يدعو إلى البحث ، والتدوين بقدر الإمكان في مواصلة المراجع ، والآثار بلا كلل ولا ملل ، فيزيد المتأخر ما فات سابقه ...

أما كتب التاريخ فإنها كتبت لتدوين الحضارة الاسلامية وأثرها في النفوس والخلافة وما قامت به ، والملوك ووقائعهم ... وأما الحالة القبائلية فلم تتعرض لها إلا أحيانا ، وبصورة ضئيلة جدا لا تكشف عن حقيقة الوضع ، ولا هي وافية بالغرض وكل ما بحثت عنه أنها دوّنت أعمال الرجال الرسميين والوقائع الشاذة والغرائب فلم تبال بالمالوف المعتاد ولا اهتمت به بل قد نراها عديمة الفائدة فيما يتعلق بالعشائر كأن يقال تحارب فلان مع أمير العرب ولم يسمه (١) أو كما جاء في تاريخ المغول من أن

__________________

(١) ابن بطوطة في طريق الحج.

١٧

الخليفة جهز أعراب البوادي (١) ... ولم يذكر أسماء قبائلهم ... والملاحظ أن كتب الأنساب لم تعرّف الصلة في القبائل المعاصرة إلا قليلا ومع هذا نرى العصور التالية لم تستمر في التبيان ، ولم تدوّن التبدلات ، ولا عينت الأفخاذ دائما ونجد العناء كل العناء في تعيين وقائع القبائل باستنطاق مؤرخين كثيرين وتقريب النصوص التاريخية مع بعضها ليتيسر الإيضاح ، وفي الغالب يمتنع ..

وخير معين لمعرفة العشائر كتب الأنساب وكتب الأدب وكتاب الأغاني ، والعقد الفريد ، وأكثر الدواوين لمشاهير الشعراء ، وأما كتب التاريخ فإنها تذكر بعض المباحث عن قبيلة بقصد أو بدون قصد فيستفيد الباحث منها. ومن أهم المراجع ابن خلدون فإنه كان ذا علاقة بالقبائل واتصال بها ، يبحث عنها أحيانا فيوفي الموضوع حقه في نظرات صادقة ، وإيضاح نافع يصلح للاستفادة. ومثله كتب ابن حجر سواء الدرر الكامنة أو أنباء الغمر في أبناء العمر فإنه كاد يضارع ابن خلدون في طريقته ...

ومن هذه المراجع وغيرها ظهر لنا ان التاريخ لم يدوّن كافة هجرات القبائل إلى الانحاء ولا عرّف بتجوالاتها ، أو ما أحدثته من حركة أو سير تاريخي لا كل قبيلة ولا بصورة عامة ... ذلك ما دعانا أن نفتش عما فيها من شعلة ـ ولو ضئيلة ـ لنسير على نورها .. ولما كان عملنا فرديا فلا يؤمل منه الكمال وإنما يتم بإضافة جهود الآخرين وتأملاتهم وتتبعاتهم في الموضوع وابداء ملاحظاتهم الوافية فيضاف ما فات ، أو أهمل ...

أما الكتب الحديثة عن العشائر فإن فائدتها محدودة وقليلة. ومهما يكن فمراجعنا مؤلفات كثيرة نكتفي بوصف بعضها مما يخص القبائل ، والباقي يتعين بالنقل عنه في محله ...

وهذه أشهر المراجع الخاصة بعشائر العراق أو بالقبائل بصورة عامة :

__________________

(١) تاريخ العراق بين احتلالين.

١٨

١ ـ سبائك الذهب :

كنا نظن ـ لأول وهلة ـ أننا عثرنا على ضالتنا المنشودة في كتاب سبائك الذهب وهي معرفة الصلة بين القبائل ودرجة الارتباط بين القديمة منها والحديثة ... ولكن لم يلبث أن خاب الظن ، رأينا الكتاب قد مثل عصرا قديما ، وراعى أصلا يرجع إلى عهد بعيد ، وهو تأليف الشيخ أبي الفوز محمد أمين بن أبي السعود محمد سعيد بن أبي البركات عبد الله الشهير بالسويدي وكان المؤلف قد توفى سنة ١٢٤٦ ه‍ ـ ١٨٣١ م أثناء رجوعه من مكة المكرمة في القصيم من ديار نجد(١)

والكتاب مرتب بصورة مشجر على نحو الشجرة وتفرع أغصانها كأن يذكر الأصل ويفرع عنه ما أحدث من فروع أو أغصان كالشجرة .. أوله :

الحمد لله الذي خلق الخلق فاختار منهم العرب الخ. وهو مفيد من جهات عديدة ونافع في موضوعه ، ويؤخذ على مؤلفه أنه حوّل كتاب القلقشندي المسمى (نهاية الأرب في أنساب العرب) إلى مشجر فهدم وضعه ، وغيّر شكله مما أدى إلى نسبة كل قبيلة إلى مشاركتها باللفظ من القبائل القديمة التي لا تعرف لها هذه الصلة والقرابة وإنما كان لمجرد الموافقة بالاسم ، وفاتته عشائر كثيرة قديمة كانت تسكن في العراق ، أو حديثة النزوح إليه .. لمجرد أنه لم يتمكن من إيجاد علاقة لها بالقبائل القديمة ... وقد سبقه كثيرون في ترتيبه هذا ، وكان الأولى أن يرجع إلى المشجرات من نوعه ... وفيها ما يفي بالغرض ... ولعله لم يعثر على بغيته ، أو ما يوافق رغبته .. وهنا نراه راعى أنساب القلقشندي مع أنه مصري بعيد عن عشائر العراق وأصولها لضعف علاقة عشائر العراق بمن هناك. اعتمده وطبقه على العشائر العراقية فذكر ما ذكره ، وأهمل ما أهمله ... وبهذا تغير الوضع التاريخي.

__________________

(١) راجع الصارم الحديد في عنق صاحب سلاسل الحديد رقم ٢٨٢٥ من مكتبة نعمان الآلوسي في دار كتب الأوقاف العامة ففي ظهر الكتاب بيان لوفاته.

١٩

قال المؤلف :

«أحببت أن أجعله ـ نهاية الأرب ـ على ترتيب مخالف لترتيبه ، وأسلوب مغاير لاسلوبه ، وذلك بأن أوصل آخر القبائل بأوائلها ، بخطوط تمتد من الآباء إلى أبناءها ... وزدت عليه كلاما كثيرا ...» ا ه.

والمؤلف لم يستطع القيام بما رسمه ، ولم يطق وصل العلاقة بين العشائر في الماضي والحاضر ، وكثير مما بينه غير صحيح ، أو مفقود الصلة ومقطوع ببطلانه كما نرى عن طيىء في الصحفة ٥٨ و ٥٩ منه فإنه وصلها بصلة غير صحيحة ، والمدونات التاريخية ومحفوظات القبائل لأنسابها تخالفه في كثير منها ، ولم يبين علاقة خزاعة بالموجودين اليوم ، وهكذا في حرب وقبائل أخرى. ولما رأى الحمداني لم يذكر شيئا عن أصلها عدها من المتحيرة.

ومن هذا الكتاب نسخة خطية في مكتبة المرحوم نعمان خير الدين الآلوسي في مكتبة الأوقاف العامة برقم ٢٧١٧ ليس عليها تاريخ ولكنها متقنة. طبع على الحجر في بغداد في أواخر شهر رمضان لسنة ١٢٨٠ ه‍ ـ ١٨٦٤ م.

والمؤلف من آل السويدي في بغداد الأسرة التي لها مكانتها العلمية في الماضي من أيام الشيخ عبد الله السويدي المتوفى سنة ١١٧٠ ه‍ ـ ١٧٥٧ م والسياسية والحقوقية في الوقت الحاضر ، ورجالها المعروفون اليوم الأساتذة ناجي السويدي ، وعارف ، وتوفيق ، والطبيب شاكر أولاد يوسف السويدي ، وترجمة أسرته في المسك الأذفر للآلوسي ... وللكلام على هذه الأسرة الشهيرة موطن غير هذا.

٢ ـ عنوان المجد في بيان أحوال بغداد والبصرة ونجد :

هذا التاريخ لابراهيم فصيح الحيدري المتوفى في ٥ صفر سنة ١٣٠٠ ه‍ ـ ١٨٨٣ م فلم يخرج به عمن سبقه ، وإنما اعتمد ذات الطريقة تقريبا ،

٢٠