الشّفاء ـ طبيعيّات - المقدمة

الشّفاء ـ طبيعيّات - المقدمة

المؤلف:


الموضوع : العلوم الطبيعيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٢

١
٢

الفهرس

تصدير للدكتور إبراهيم مدكور................................................. ك ـ ت

الفصل الثامن من جملة الطبيعيات

فى طبائع الحيوان

المقالة الأولى

الفصل الأول

فى اختلاف الحيوان جملة من جهة المأوى والمطعم والأخلاق والأفعال والأعضاء............ ١

الفصل الثاني

فى الأعضاء الكلية.............................................................. ١٠

الفصل الثالث

فى تعديد الأعضاء الآلية ومواضعها................................................ ٢٠

المقالة الثانية

الفصل الأول

فى استئناف ذكر اختلاف الحيوان من جهة الأعضاء الظاهرة......................... ٢٥

الفصل الثاني

فى اختلاف الحيوان من جهة الأعضاء الباطنة....................................... ٣٤

المقالة الثالثة

الفصل الأول

فى تشريح الأعضاء الباطنة والخلاف بين الفلاسفة والأطباء فيها....................... ٣٩

٣

الفصل الثاني

فيه كلام في القرون والعظام والشعر والريش وما يشبها................................ ٤٧

الفصل الثالث

فى الدم واللين وفيه شىء من أمر المنى............................................. ٥١

المقالة الرابعة

الفصل الأول

فى تشريح حيوان من حيوان الماء وفي حال أعضاء بعض المحززات....................... ٥٤

الفصل الثاني

فى حس الحيوان وحركته وتصويته ونومه ويقظته وذكورته وأنوثته........................ ٦١

المقالة الخامسة

الفصل الأول

فى ذكر بعض أحوال سفاد الحيوان ووضعه......................................... ٦٧

الفصل الثاني

فى مثل ذلك ويشير إلى حال الزرع والمنى........................................... ٧٣

المقالة السادسة

الفصل الأول

فى بيض الطير وتفريحها وتشريح البيض والفرخ...................................... ٧٧

الفصل الثاني

فى سفاد السمك وبيضها وتوليدها................................................ ٨٦

المقالة السابعة

الفصل الأول

فى اختلاف الحيوان بحسب الماوى والمطاعم واختلاف ذلك في الأعمار والأخلاق........ ٩٣

الفصل الثاني

فى معنى الفصل الذي تقدم وفيه إشارات إلى أمراض الحيوانات....................... ١٠١

٤

المقالة الثامنة

الفصل الأول

فى اختلاف الحيوانات أيضا وأكثره في الأخلاق................................... ١١١

الفصل الثاني

فى قريب من المعنى الذي يشتمل عليه الفصل قبله................................. ١١٦

الفصل الثالث

فى مثل ذلك ويذكر فيه أحوال النحل والزنابير واختلاف أخلاق الحيوانات............ ١٢٧

الفصل الرابع

فى مثل ذلك من أخلاق السباع المختلفة وحيوان الماء والطير......................... ١٣٧

المقالة التاسعة

الفصل الأول

فى حال الإدراك والمنى والطمث وذكر الاختلاف في ذلك........................... ١٤١

الفصل الثاني

فى احتجاج جالينوس على الفيلسوف ونقض ذلك الاحتجاج وتسخيفه.............. ١٤٧

الفصل الثالث

مأخذ التعليم الأول وبيانه أن ليس المرأة بالحقيقة منى ، ... وفصل القول فى المنى....... ١٥٨

الفصل الرابع

فى كيفية تكون الأعضاء الرئيسة من المنيين....................................... ١٦٥

الفصل الخامس

فى تفصيل استحالات مادة الجنين إلى أن يتم..................................... ١٧٢

٥

الفصل السادس

فى أحوال الولد والوالدة........................................................ ١٧٩

المقالة العاشرة

فى أحوال النساء من جهة العلوق والإسقاط...................................... ١٨٥

المقالة الحادية عشرة

تذكير في أصول متقررة......................................................... ١٨٨

المقالة الثانية عشرة

الفصل الأول

فى أصناف التركيب والمركبات التي منها البدن..................................... ١٨٩

الفصل الثاني

فى المزاج..................................................................... ١٩٢

الفصل الثالث

فى مزاج الأعضاء.............................................................. ١٩٨

الفصل الرابع

فى أمزجة الأسنان............................................................. ٢٠٠

الفصل الخامس

فى استحالة الغذاء إلى الأخلاط................................................. ٢٠٥

الفصل السادس

فى تفصيل أصناف الأخلاط................................................... ٢٠٩

الفصل السابع

فيما يتصل بما قلناه من كلام المعلم الأول في الرطوبات والأمخاخ والأدمغة.............. ٢١٩

٦

الفصل الثامن

فى الدماغ وتشريحه ونبات النخاع منه............................................ ٢٢٦

الفصل التاسع

فى منفعة العصب وتشريح الدماغى منه.......................................... ٢٣٥

الفصل العاشر

فى تشريح سائر العصب وهو العصب الفقارى.................................... ٢٤٢

الفصل الحادى عشر

فى العظام.................................................................... ٢٤٧

الفصل الثاني عشر

فى الأوصال الكلية للعظام والكلام في الأعلى منها وهو الرأس وتشريح عظامه......... ٢٥٠

الفصل الثالث عشر

فى تشريح آلات البصر وعضلها................................................ ٢٥٥

الفصل الرابع عشر

فى آلة السمع والشم والذوق................................................... ٢٦١

الفصل الخامس عشر

فى حركات أعضاء الرأس بعد العينين وتشريح عضلها.............................. ٢٦٦

المقالة الثالثة عشرة

الفصل الأول

فى الأسنان والفم والقرون وما يشبهها............................................ ٢٧٠

الفصل الثاني

فى كلام كلى في الأحشاء وابتداء تشريح أعضاء النّفس وتشريح قصبة الرئة والحنجرة والرئة ، وأعضاء الجوف   ٢٧٥

الفصل الثالث

فى تشريح القلب وما ينشأ عنه من الشرايين...................................... ٢٨٣

٧

الفصل الرابع

فى تشريح طريق الغذاء وهو المريء والمعدة والأمعاء والصفاقات التي عليها ، والعضل المحرّكة للمقعدة   ٢٩٢

الفصل الخامس

خاص في الأمعاء.............................................................. ٣٠٠

الفصل السادس

فصل آخر في تشريح الكبد والبواب والأوردة...................................... ٣٠٨

الفصل السابع

فى المرارة والمثانة والفضل الذي يسيل إليهما....................................... ٣٢٠

المقالة الرابعة عشرة

الفصل الأول

كلام المعلم الأول في المرارة ، تشريح الكلية ، ما في التعليم الأول من أحوال أحشاء المحززات وسائر أعضائها   ٣٢٥

الفصل الثاني

فى تشريح الترقوة والكتف واليدين............................................... ٣٣٠

الفصل الثالث

فيه ذكر كلام كلى لأمر الصلب والعنق وأجزائهما................................. ٣٣٨

الفصل الرابع

فى تشريح فقرات العنق والصلب ، وفي تشريح الصدر والعجز....................... ٣٤٢

الفصل الخامس

فى الأضلاع.................................................................. ٣٤٨

الفصل السادس

فى العضل المحركة لهذه الأعضاء التي قد شرحت................................... ٣٥١

٨

الفصل السابع

فى الرجل وتشريحها ، وعضلها واختلاف الحيوان في ذلك........................... ٣٦٠

الفصل الثامن

من كلام المعلم الأول في أسباب اختلاف أطراف الحيوان ، وفي آخره تشريح الفك..... ٣٧٠

الفصل التاسع

فى تشريح الخد والشفة وكلام في أطراف الحيوان أيضا.............................. ٣٧٨

المقالة الخامسة عشرة

الفصل الأول

فى أحوال تولد الحيوان وتوالده ، وفيه تشريح الذكر والرحم.......................... ٣٨٤

الفصل الثاني

فى أسباب أحوال مادة الإيلاد.................................................. ٣٩١

الفصل الثالث

فى المنيين ودم الطمث......................................................... ٣٩٦

المقالة السادسة عشرة

الفصل الأول

فى كيفية تولّد الحيوان من المنى والبيض واختلاف الحيوان فيه......................... ٤٠٠

الفصل الثاني

فى فروق الأعضاء المتشابهة من جهة جواهرها ، وفي أحوال العقم والعقر ، والإذكار والإيناث ٤٠٨

المقالة السابعة عشرة

الفصل الأول

فى علل حال ما يبيض من جهة كثرة ما يبيض وقلته وسائر ما يختلف فيه وحال ما يتولد من الحيوان   ٤١٣

٩

المقالة الثامنة عشرة

وهي فصل واحد

فى علل الإذكار والإيناث والمشابهة ، وأسباب اختلاف النشو واختلاف الآجال....... ٤٢٠

المقالة التاسعة عشرة

وهي فصل واحد

فيه نتف من أحوال الإنسان.................................................... ٤٢٨

فهرس المصطلحات............................................................ ٤٣٥

١٠

مقدمة

عنى العرب منذ عهد بعيد بتعرّف الحيوانات التي وقعت تحت بصرهم ، سواء أكانت أليفة أم متوحشة ، فوصفوها ، وبيّنوا بعض خصائصها. وفي الشعر الجاهلى قطع خالدة فى وصف الإبل والخيل ، ولم يغفلوا الوحشيات ، وفلواتهم غنية بها. ولا تخلو أمثالهم ونوادرهم من حديث عن الحيوان والطير ، كثيرا ما شابته الأسطورة والخرافة.

وفي القرن الثاني للهجرة بدأ الباحثون يسجلون شيئا من ذلك ، وفي مقدمتهم الأصمعى (٢١٦ ه‍) وأبو حاتم السجستانى (٢٤٨ ه‍) فوضعوا كتبا في الإبل والخيل ، والوحوش والطير ، وقد وصلنا بعضها (١).

ويظهر أن المعتزلة غذّوا هذه الناحية ، كما غذّوا نواحى أخرى في بحوث الإسلامالمبكرة. فقادهم الحوار والجدل إلى البحث عن آيات الله ، وتفننوا في الكشف عن عجائب المخلوقات. وتبنّوا أحيانا حيوانات أو طيورا يتحدثون باسمها ، ويتعمقون في بيان خصائصها ومميزاتها ، فمنهم «صاحب الكلب» و «صاحب الديك» و «صاحب الحمام (٢)» وعدّوا ذلك ضربا من ضروب التعبد ، وسبيلا للكشف عن جلال الله وعظمته. ونظم بشر بن المعتمر (٢١٠ ه‍) ، وهو رئيس فرقة من فرق المعتزلة ، قصيدتين وقفهما على خصائص الحيوان وعجائبه (٣). ثم جاء الجاحظ (٢٥٥ ه‍) الأديب والمعتزليّ ، فتوّج ذلك كله ، ووضع أول كتاب عربى شامل في علم الحيوان جمع بين الأدب والسياسة ، والكلام والفلسفة ، والطب والطبيعة.

فى هذا الجو العامر بالدرس والبحث ، رغب العرب في أن يستمدّوا من الثقافات الأخرى كل ما يتصل بالحيوان وخصائصه ، فأخذوا عن الثقافة الهندية والفارسية ما أخذوا ، وعوّلوا بوجه خاص على الثقافة اليونانية. وكان عمدتهم فيها ما قام به أرسطو من دراسة مستفيضة للحيوان ، ترجموا قسطا كبيرا منها في عهد مبكر إلى السوريانية والعربية ، واضطلع بترجمته أحد كبار المترجمين في الإسلام ، وهو ابن البطريق (٢١٥ ه‍) الذي

__________________

(١) منها للأصمعى «كتاب الوحوش» ـ ثيينا ١٨٨٨ ، وكتاب الخيل ، ثيينا ١٨٩٥ ،

(٢) الجاحظ ، «الحيوان» ـ طبعة ساسى ، ج ١ ، ص ١٧٥ ، ج ٢ ، ص ٥٥.

(٣) المصدر السابق ، ج ٦ ، ص ٩١.

١١

تخصص في ترجمة الكتب العلمية والفلسفية. وقد سبقت هذه الترجمة وضع «كتاب الحيوان» للجاحظ ، وكان لها شأن فيه. ولا يتردد الجاحظ نفسه في أن يشير إلى أرسطو ، وينوّه ببعض آرائه ، وإن ناقشها وعارضها أحيانا ، ويسميه «صاحب المنطق» (١) ونقل ابن زرعة (٣٩٨ ه‍) وهو معاصر لابن سينا ، ملخصا لكتاب الحيوان الأرسطي من صنع نيقولا الدمشقى (القرن الأخير قبل الميلاد) (٢). ووقف العرب أيضا على كثير من دراسات جالينوس (٢٠١ م) البيولوجية.

(ا) أرسطو عالم الأحياء

عنى أرسطو بالتاريخ الطبيعى عناية كبرى ، وأولع به منذ صغره ، ولا غرابة فهو ابن طبيب. وغذّاء في رحلاته المختلفة ، وقراءته المستفيضة لكل ما يتصل بالحيوان لدى الباحثين السابقين ، وبخاصة هوميروس وديمقريطس وأفلاطون. واستمد شيئا مما كشفت عنه حملة الاسكندر وحروبه. ولا أدل على هذا من أنه اتخذ فى «اللوقيون» متحفا يجمع فيه بقايا الطير والحيوان ، وكان يجرى عليها بنفسه بعض التجارب (٣).

وتوافرت له بذلك مادة لم تتوافر لأحد سواء في التاريخ القديم ، وقلّ أن نجد لها نظيرا في التاريخ الحديث. ويكفى أن نعلم أنه كتب في التاريخ الطبيعى أكثر مما كتب فى أى موضوع آخر ، وقف عليه ما يزيد على ثلث ما وصلنا من مؤلفاته تقريبا ، ووضع فيه أطول كتبه (٤) وإذا كان من المسلم أنه واضع علم المنطق ، فإنه يعد بحق المؤسس لعلم الأحياء. حدد موضوعه ، ورسم منهجه ، وعالج نواحيه المختلفة ، فعرض لما يزيد على خمسمائة نوع من الحيوانات ، وحاول أن يصنفها ويبين خصائصها ومميزاتها ، ويشرّح أجزاءها ، ويحدّد وظائف أعضائها. ووقف طويلا عند نموها وتناسلها ، وأشار إلى أثر الجو والبيئة فيها ، مما يضطرها أحيانا إلى الاختفاء أو الهجرة. ولا يزال قدر كبير مما سجله من ملاحظات وانتهى إليه من معلومات مسلما به حتى اليوم.

وكان لدراساته البيولوجية أثرها في القرون الوسطى ، ثم أهملت نوعا في عصر النهضة والتاريخ الحديث. ولم تقدر قدرها إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، ويكفى

__________________

(١) الجاحظ ، الحيوان ، ساسى : ج ١ ، ص ٨٥ ؛ ج ٢ ، ص ١٨ ؛ ج ٣ ، ص ١٦٢ ؛ ج ٤ ، ص ٥٢ ؛ ج ٥ ، ص ١٤٧ ، ١٥٦ ؛ ج ٦ ، ص ٧٢ ؛ ج ٧ ص ٤٠.

(٢) ابن النديم ، الفهرست ، القاهرة ، ١٩٣٠ ص ٣٥٢.

(٣) Aristote, Histore, des Animaux Paris ١٩٥٦, IV, ٧, ٥٣١ b ٣٠ ـ ٥٨٢ a ١

(٤) Pierre Louis, Aristote, Partiesdes Animaux, Paris ١٩٥٦, Introduction P, V ـ VI

١٢

أن نشير إلى أن دارون يشيد بها ، ويذكرها في تقدير وإعجاب (١).

ويعزى إلى أرسطو في دراسة الحيوان عدة كتب أهمها :

١ ـ تاريخ الحيوان أو طبائع الحيوان (Histoire des Animaux)

ويقع في عشر مقالات.

٢ ـ أعضاء الحيوان (Les Parties des Animaux)

ويقع في أربع مقالات.

٣ ـ كون الحيوان (De la Generation des Anemaux)

ويقع في خمس مقالات.

ومن المرجح أن ثلاثتها من وضعه ، فيما عدا المقالة العاشرة من الكتاب الأول ، وكانت تجمع أحيانا في مخطوط واحد.

وقد عرفها العرب جميعا بأسمائها (٢) ، نقلا عن بطلميوس ، أحد المصادر الثلاثة الهامة فى حصر مؤلفات أرسطو (٣). ويظهر أنهم ترجموها كذلك تحت عنوان «كتاب الحيوان» ، ويقررون أنه يقع في تسع عشرة مقالة (٤) ، وهي جملة الكتب الثلاثة السابقة ولا شك فى أنها متصلة ومتكاملة ، وإن اختلفت في منهجها وهدفها. وهذه هي الترجمة التي اضطلع بها ابن البطريق والتي أشرنا إليها من قبل (٥). ومما يؤسف له أنها لم تصل إلينا ، فلا نستطيع مقابلتها بأصولها اليونانية. على أن الكتاب الذي بين أيدينا يأخذ عنها جميعا ، وهو كاف في إثبات أن ثلاثتها عرفت في العالم العربى ، حتى المقالة العاشرة من الكتاب الأول ، وإن تكن موضوعة.

وما إن ترجم «كتاب الحيوان» إلى العربية حتى أخذ الباحثون عنه وأفادوا منه ، وفي مقدمتهم الجاحظ. وللكندى (٢٥٢ ه‍) معاصره رسائل في الطيور والنحل ، وللفارابى (٣٥٠ ه‍) من بعده كلام في أعضاء الحيوان (٦) ، وأغلب الظن أنهما عوّلا

__________________

(١) Darwin ,Daruinxs lite ,London ١٨٨٧ ,t.٣ ,P.٢٥١.

(٢) ابن أبى أصيبعة ، عيون الأنباء ، القاهرة ١٨٨٢ ؛ ج ١ ، ص ١٦٨.

(٣) المصدر الثاني هو «ديوجين اللائرسى» فى كتابه Vies des Philosophes ، والمصدر الثالث مجهول «ميناج» (Hamelin. Le Systeme d\' Aristote, Paris. ١٩٣١ p ٢ BTsuiv.)

(٤) ابن النديم ، الفهرست ، ص ٣٥٢.

(٥) «ص ١».

(٦) القفطى ، تاريخ الحكماء ، القاهرة ٩٣٥ ، ص ٣٤ ؛ ابن أبى أصيبعة ، عيون الأنباء ج ١ ص ١٦٨.

١٣

بخاصة على أرسطو. ويبدو أثره واضحا على ابن رشد (٥٩٥ ه‍) وابن سينا (٤٢٨ ه‍) فابن رشد يعلق على كتاب الحيوان الأرسطي ، ويضع له شرحا احتفظت لنا الترجمة اللاتينية بصورة منه.

وابن سينا يعلن في أول كتابه الذي نقدم له : «ولنتكلم الآن في الحيوان ، محتذين فى جميع هذا الكتاب حذو التعليم الأول (١)».

(ب) ابن سينا وعلم الأحياء

لم يعن ابن سينا بعلم الأحياء عناية أرسطو ، وإن اشتغل بالطب أكثر منه ، وكان طبيبا مبرّزا. ولم يكتب فيه مثلما كتب ، وكل ما خلّف لنا إنما هو كتاب «الحيوان» الذي نحن بصدده. حقا إنه عرض لبعض الدراسات البيولوجية في كتاب «القانون» ، ولكنه عالجها بنوع خاص من الناحية الطبية (٢).

ولعل ذلك راجع إلى أنه لم يحظ في حياته باستقرار كاف يفسح له مجال المشاهدة والملاحظة ، ولم تتح له بيئته ما أتاحت بيئة أرسطو ورحلاته ، وإن شاهد في قصور من اتصل بهم من الملوك والأمراء بعض الطيور والحيوانات النادرة (٣). هذا إلى أن اشتغاله بالطب وقف به خاصة عند أرقى صورة في المملكة الحيوانية ، وهي الإنسان.

يؤمن ابن سينا بالمشاهدة والملاحظة ويعتد بهما اعتداد أرسطو. فيجمع الوقائع من الهواة والصيادين ، وينقل فقط عمن يثق به خشية الاختلاق وحب المبالغة والتهويل (٤). ويسجل ملاحظاته الشخصية على ما صادفه من طيور وحيوانات غريبة بجورجان وخراسان وماوراء النهر ، ويلاحظ الفرق بين بعض حيوانات الشرق والغرب (٥). ويعوّل التعويل كله على ما سجله أرسطو ، مؤيدا له بملاحظات جديدة ، أو مهذبا له ومنقحا (٦).

ولا يبدو عليه أنه اتجه نحو تشريح بعض الحيوانات ، وإن كان يردد ما قاله أرسطو من أن تشريح الحيوان الميت غير يسير (٧).

ويربط علم الأحياء بعلم الطبيعة ربطا وثيقا ، فيخضعه لفكرة الصورة والمادة ، ويطبق

__________________

(١) ابن سينا كتاب الحيوان ، القاهرة ، ص ١.

(٢) ابن سينا ، القانون ، طبعة رومة ، ص ٢ ـ ٨ ، ١١ ـ ٣٩.

(٣) ابن سينا ، الحيوان ، القاهرة ، ص ١١٤.

(٤) المصدر السابق ص ١١٩

(٥) المصدر السابق ٢٧ ، ٦٨.

(٦) المصدر السابق ، ص ١٢١.

(٧) المصدر السابق ، ص ١٣٧.

١٤

عليه قوانين التغير والحركة ، ونظرية الحار والبارد ، والرطب واليابس. ولا يرى ضرورة لشرح تلك القوانين والنظريات هنا في تفصيل ، بعد أن وفاها حقها في مظانها (١) وعلم الأحياء عنده وثيق الصلة بعلم النفس أيضا ، وهما معا جزءان من الطبيعيات ، والنفس مبدأ الحياة والحركة في الحيوان والإنسان. ويعقد عدة فصول للجهاز العصبى ويبين أثره في الإحساس والإدراك. ويغذّى ذلك كله بمعلوماته الطبية الوفيرة ، وكثيرا ما يرجع إلى جالينوس ويحتج به ، ويسميه «محصّل الأطباء (٢)».

والواقع أن أرسطو أخذ كثيرا في دراساته البيولوجية عن الأطباء السابقين برغم معارضته لهم أحيانا ، وفي مقدمتهم أبقراط وإن لم يصرح باسمه. أما ابن سينا فهو طبيب قبل أن يكون عالم أحياء ، ولطبه شأن كبير في دراسته البيولوجية. وفي الكتاب الذي بين أيدينا فصول أقرب إلى الطب منها إلى علم الأحياء ، ونصيب الإنسان فيه يزيد دون نزاع عن نصيب الحيوانات المختلفة. فيشرح فيه الهيكل العظمى للإنسان شرحا مفصلا ، ويعرض جهازه الهضمى والتنفسى عرضا مستفيضا (٣). ويعنيه الجهاز التناسلى وعلم الأجنة عند الإنسان أكثر مما يعنيه عند الحيوانات الأخرى (٤). ومع هذا إن اختلف الطب والفلسفة ، كان إلى الفلسفة أميل. وسنرى بعد قليل موقفه من أرسطو في خلافه مع الأطباء حول وظيفة القلب ، وأثر الذكر والأنثى في التوالد والتناسل (٥).

ويأخذ ابن سينا أخيرا بالغائية أخذا مطلقا ، ويرى أن أجزاء الكائن الحى تتضافر على تحقيق أعظم نفع له ، وأن في الطبيعة دقة وإبداعا يحس بهما من تذوقهما ، وهي لا تخلق شيئا عبثا. وفي عالم الأحياء آيات باهرة تدل على جلال الله وعظمته «تبارك الله أحسن الخالقين (٦)». لكل حي ، بل لكل عضو من أعضائه منفعة ، وإن خفيت علينا أحيانا ، ويجهد ابن سينا نفسه في الكشف عن هذه المنافع وتسجيلها. ونحن نعلم أنه من المتفائلين. يذهب إلى أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان ، وأن عالمنا خير عالم ممكن ، ويحل «مشكلة الشر» حلا يذكّرنا بما ذهب إليه ليبنتز في التاريخ الحديث (٧). ويلتقى فى هذا مع أرسطو الذي يقرر أن في الطبيعة جمالا لا يقل عن جمال قطع الفن الخالدة (٨).

__________________

(١) المصدر السابق ، ص ١٨٨.

(٢) المصدر السابق ، ص ٢١٠.

(٣) المصدر السابق ، ص ٢٤٢ ـ ٢٤٦ ، ٢٧٧ ـ ٢٨٤.

(٤) المصدر السابق ، ص ١٦٤.

(٥) المصدر السابق ، ص ١٦٤ ـ ١٧٢.

(٦) المصدر السابق ، ص ٢٤٧ ، ٣٠٠.

(٧) ابن سينا ، الإلهيات القاهرة ـ ١٩٦٠ ج ٢ ، ص ٤١٤ ـ ٤٢١.

(٨) Aristote ,Les parties des Animaux ,٦٥٤ a ٢٣ ـ ٢٨.

١٥

ويلتقى أيضا مع المعتزلة الذين رأوا في دراسة الحيوان بابا من أبواب إثبات حكمة البارئ وعظمته.

(ج) كتاب الحيوان لابن سينا

هو الفن الثامن والأخير من فنون طبيعيات الشفاء ، من أكبرها حجما ، بل هو أكبر من الإلهيات ، وهي قسم رئيس من أقسام الشفاء الأربعة. يشتمل على تسع عشرة مقالة ، وتحت كل مقالة فصل أو أكثر ، وأطولها المقالة الثالثة عشرة التي تتضمن خمسة عشر فصلا. ولأمر ما قسمه ابن سينا إلى تسع عشرة مقالة ، وكأنما شاء أن يحاكى كتاب «الحيوان» لأرسطو على نحو ما عرفه العرب.

والواقع أن الكتابين يلتقيان شكلا وموضوعا ، فتقسيمهما وتبويبهما غير منسّق ، ولا يخلوان من تبعثر وتكرار. وقد يغفر لأرسطو ما لوحظ في كتبه البيولوجية من توزع وتشتيت ، لأنه لم يضعها في صورتها النهائية ، ولم تخل من تدخل التلاميذ في بعض أجزائها. أما ابن سينا المعروف بحسن التقسيم والتبويب ، والذي كان يدوّن كتبه بنفسه أو يمليها على تلميذه المخلص الجوزجانى (١) ، فإن كتابه في الحيوان يخرج على مبادئ منهجه العام. فهو يعالج الموضوع الواحد في أكثر من موضع (٢) ، ولا يحاول أن يوفى كل فصيلة من فصائل الحيوان حقها دفعة واحدة. وهكذا كان يفعل أرسطو ، وفي كتبه الثلاثة التي أشرنا إليها من قبل تكرار وتداخل. وكأن عدوى من هذا سرت لابن سينا ، وفي كتابه أجزاء يمكن أن ترد إلى طبائع الحيوان ، وأخرى إلى أعضاء الحيوان ، وثالثة إلى كون الحيوان. ويقنع ابن سينا في عناوينه لبعض الفصول بقوله : «فى مثل ذلك (٣)» أو «فى قريب من المعنى الذي يشتمل عليه الفصل الذي قبله (٤)» وقد سبقه أرسطو إلى شىء من هذا في بعض عناوينه غير المعبّرة (٥).

ومن الناحية الموضوعية ، يكاد يقوم كتاب الحيوان لابن سينا أساسا على كتب أرسطو الثلاثة السابقة ، يأخذ عنها ويصرح بذلك في وضوح ، ولا نظنه ذكر اسم المعلم الأول في مؤلف آخر قدر ما ذكره في كتابه هذا. ويصرح تلميذه الجوزجانى ، بأنه «حاذى في

__________________

(١) ابن سينا المدخل ، القاهرة ١٩٥٢ ، ص ٢.

(٢) ابن سينا كتاب الحيوان ص ٣٩ ، ٥٤ ، ٦٧ ، ٣٣٠ ، ٣٣٨ ، ٣٩٦.

(٣) المصدر السابق ص ١٣٧.

(٤) المصدر السابق ١٠١.

(٥) Aristote ,Histoire des Animaux ,P ,٦٤١ b.

١٦

أكثره كتاب ارسطو ، مع بعض الزيادات» (١). ومادة أرسطو الغزيرة جديرة بأن تجتذب الباحثين ، ولا يكاد يختلف معه ابن سينا إلا في بعض التفاصيل والجزئيات. فيلاحظ مثلا على عكس ما كان يظنّ أن الفيلة تصادق بعض الطيور (٢) ، وأن سفادها يتم في الغربة كما يتم في مواطنها الأصلية (٣). ويقرر أن تناسل اللادمويات (غير الفقاريات) كالنحل ودودة القز إنما يتم عن طريق الفراشة أو البيضة ، ولا يمكن أن تلد كائنا حيا دفعة واحدة (٤). وله إضافات استمدها من مصادر أخرى ، أو عوّل فيها على ملاحظاته الخاصة. فيشير مثلا إلى الحيات الحبشية الطائرة (٥) ، وإلى القرون غير المجوفة لبعض الحيوانات التركية (٦) ، وإلى أن الأسد الخراسانية أشد وأعظم شهامة من الأسد العراقية (٧) ، وإلى سرطان بحيرة طبرستان الذي تحلّى جلده بوشى وأصباغ دقيقة (٨).

وعلى هذا من الخطأ أن يظن أن كتاب الحيوان لابن سينا مجرد تعليق أو تلخيص لكتب أرسطو ، وإنما هو دراسة مستقلة صاغها صاحبها على نحو خاص ، وتأثر فيها بمؤثرات مختلفة. وقد سبق لنا أن أشرنا إلى أنه ظهرت قبله في العالم الإسلامى عدة دراسات في الحيوان ، وعلى رأسها كتاب الحيوان للجاحظ ، ومن المرجح أنه وقف عليه ، ويصرح هو نفسه بأن «ما يذكره بعض المتكلمين من مصادقة الأسد والنمر مخترع (٩)» ، ويغلب على الظن أنه يعنى بذلك الجاحظ. والذي لا نزاع فيه أنه أفاد أيضا ، وأفاد كثيرا ، من دراسته الطبية ومن آراء جالينوس وبحوثه البيولوجية.

ويكاد يدور كتاب الحيوان لابن سينا حول أبواب أربعة رئيسية : علم حيوان مقارن ، تشريح ، وظائف أعضاء ، تناسليات وعلم أجنة ، ولا نستطيع أن ندخل في تفاصيلها الفنية ، وإنما يعنينا أن نبين مدى صلتها بأرسطو ، ونشير إلى ما توسع فيه فيلسوفنا.

__________________

(١) ابن سينا ، المدخل ص ٣.

(٢) ابن سينا ، كتاب الحيوان ، ص ١١٣ ، ١١٤.

(٣) المصدر السابق ، ص ٦٨.

(٤) ابن سينا ، كتاب الحيوان ص ٣٨٥.

(٥) المصدر السابق ، ص ٥.

(٦) المصدر السابق ، ص ٢٧.

(٧) المصدر السابق ، ص ١٣٧.

(٨) المصدر السابق ، ص ٥٦.

(٩) المصدر السابق ، ص ١١٤.

١٧

ويقف ابن سينا المقالات الثمانية الأولى على علم الحيوان المقارن ، ويضيف إليها المقالة السابعة عشرة ، فيعرض لاختلاف الحيوانات من حيث المأوى والمطعم ، والأعضاء الظاهرة والباطنة ، والتناسل والإنتاج ، والطبائع والخصال. ويعوّل في ذلك كله تعويلا كبيرا على كتاب «طبائع الحيوان» لأرسطو ، ولا يكاد يضيف إليه إلا ملاحظات فرعية أشرنا إلى بعضها من قبل ، وهي في أغلبها تؤيد ما ذهب إليه المعلم الأول ، أو تحدده وتوضحه ، وقد تقترح شيئا من التعديل ، وتبيّن الفرق بين حيوانات المشرق والمغرب. ولطبائع الحيوان وخصاله ذكر متصل في الأدب العربى ، إلا أن ابن سينا عوّل فيها خاصة على ما قاله أرسطو ، ووقع في أخطائه نفسها ، فعزا مثلا الرئاسة في فصيلة النحل إلى الملك لا إلى الملكة (١).

أما التشريح فقد توسع فيه كثيرا ، وزاد على أرسطو زيادة واضحة. ودار حديثه كله تقريبا حول الإنسان ، ولا يعرض لتشريح الحيوان إلا قليلا. ولا غرابة فهو طبيب ألمّ بالدراسات الطبية السابقة ، وغذّاها بتجاربه الخاصة. وقد رسم لوحة شبه تامة ودقيقة للهيكل العظمى للإنسان ، بادئا بالرأس ، أو بالدماغ كما يسميه ، منتقلا إلى القفص الصدرى والعمود الفقرى والحوض والعجز ، ومنتهيا بالفخذين والساقين والقدمين. وأدرك ما للعضلات من شأن في حركة الإنسان ، وتتبعها عضلة عضلة ، وأشار إلى العضلة التي كشفها جالينوس (٢). وشرّح المخ والجهاز العصبى تشريحا تاما ، وربطهما بالحواس ووسائل الإدراك. وعرض للقلب ، فشرّحه وبين ما تفرع منه من أوردة وشرايين منتشرة فى الجسم جميعه. ولم يفته أن يتحدث عن الأنسجة والأمزجة والأخلاط ، وفصّل القول فى الدم ، والمخ ، والنخاع ، وقارب بهذا كل المقاربة بين الطب وعلم الحيوان. ووقف على ذلك كله ثلاث مقالات هي أطول مقالات الكتاب ، وهي الثانية عشرة ، والثالثة عشرة ، والرابعة عشرة ، وقد أخذ في هذا ما أخذ عن كتابى «طبائع الحيوان» ، «وأعضاء الحيوان» لأرسطو ، ولكنه عوّل بوجه خاص على طبه وتجاربه الشخصية ، وأفاد كثيرا من بحوث جالينوس في التشريح. ولجالينوس شأن كبير في العالم العربى ، عنى به العرب بين الأطباء عنايتهم بأرسطو بين الفلاسفة ، وساروا على نهج مدرسة الاسكندرية ، وهو على رأس علماء التشريح بين اليونان.

ولم تكن عناية ابن سينا بوظائف الأعضاء أقل من عنايته بالتشريح ، يرى فيها بيانا

__________________

(١) المصدر السابق ، ص ١٣٢.

(٢) المصدر السابق ، ص ٣٦٠.

١٨

لسر الله في خلقه ، وتفسيرا لأسباب الوجود. ويذهب إلى أن هناك ثلاثة اعضاء رئيسة ، أو كلية على حسب تعبيره أيضا ، هى مبادئ القوى الضرورية لبقاء الشخص والنوع ، وهي القلب مبدأ قوة الحياة ، والدماغ مبدأ قوة الحس والحركة ، والكبد مبدأ قوة التغذية (١). ولكل عضو من هذه خدّام ، فخادم القلب الرئة والشرايين ، وخادم الدماغ أعضاء الغذاء والعصب ، وخادم الكبد المعدة والأوردة (٢). ويصحح بهذا الخطأ الذي وقع فيه أرسطو من قصره وظيفة المخ على تبريد القلب بما يفرزه من البلغم الذي يحول دون زيادة الحرارة عن القدر اللازم (٣).

ويعطى ابن سينا صورة واضحة عن الجهاز الهضمى ، فيشير إلى ما للفم والأسنان فيه من أثر ، ويعد المعدة مطبخ الطعام (٤). وقد عرف المريء والحجاب الحاجز ، والاثنا عشرى ، وفتحة البواب ، والبنكرياس (أبقراس) ، والأمعاء الدقيقة والغليظة (٥). وبيّن ما للعصارات من أثر في إتمام الهضم ، وبخاصة المرارة (٦).

ويقول مع أطباء اليونان الأول بالروح الحيوانى (الإبنيما) ، وهو جسم بخارى لطيف يتدفق في الأعصاب ، وينتشر في الجسم جميعه. يخرج من القلب ويمتد إلى سائر الأطراف ، وكأنما يسير مع الدم في الشرايين والأوردة (٧). وهذا هو الذي عوّل عليه في تفسير الصلة بين الجسم والنفس (٨). ولعل هذا الروح هو الذي صرف القدامى عن فهم الدورة الدموية على وجهها. ويعقد ابن سينا فصلا لبيان الخلاف بين الفلاسفة والأطباء في أمر مبدأ الدم ، فيرى أفلاطون وأرسطو أن القلب مبدؤه ، ويذهب الأطباء المعتد برأيهم إلى أن مبدأه الكبد (٩). وينضم ابن سينا إلى الفلاسفة ، وإن كان يرفض ما ذهب إليه المشاءون من جعل القلب مبدأ القوى النفسية ، ويرد هذه مع الأطباء إلى الدماغ (١٠). وقد أشرنا من قبل إلى أنه شرّح القلب تشريحا دقيقا ، وفرّع منه الشرايين ، والأوردة.

__________________

(١) المصدر السابق ، ص ١٥.

(٢) المصدر السابق ، ص ١٥.

(٣) Aristo\'e ,Les Parties des Animaux ,P.٦٥٢ b.

(٤) ابن سينا ، الحيوان ، ص ٢٩٢.

(٥) المصدر السابق ، ص ٢٩٥ ، ٢٩٦.

(٦) المصدر السابق ، ص ٣٢٠.

(٧) المصدر السابق ، ص ٢٢٤ ـ ٢٢٦.

(٨) د. إبراهيم مدكور ، فى الفلسفة الإسلامية ، القاهرة ١٩٦٨ ، ص ١٧٠ ـ ١٧٤.

(٩) ابن سينا ، الحيوان ، ص ٣٩ ـ ٤٦.

(١٠) المصدر السابق ، ص ٤٠.

١٩

ويرى أنه يتحرك حركة غير إرادية ، ويخطئ من ذهب إلى انه عضلة ، وإن كان أشبه الأشياء بها (١).

وقد عنى بالتنفس ، ووضّح جهازه كله ، الأمر الذي فات أرسطو. فعرف القصبة الهوائية ولسان المزمار ، وشرّح الرئتين ، وبيّن شعبهما المختلفة. وأشار إلى وظيفة هذا الجهاز ، وهي إعداد الهواء ليكون صالحا لغذاء الجسم والروح. ويرى أن من حكمة الله أن يكون للمرء رئتان ، بحيث إذا تعطلت إحداهما لا يتعطل التنفس (٢).

وفي ضوء هذا يمكن أن نلاحظ أن ابن سينا ألمّ بالفسيولوجيا القديمة جميعها ، أخذ عن أرسطو ، وأفاد خاصة من كتابيه : «أعضاء الحيوان» ، «وكون الحيوان» ، وهما ينصبان أساسا على الدراسات الفسيولوجية. ولكنه لم يتردد في أن يتدارك بعض ما فاته ، ويصحح قدرا من أخطائه. وآراؤه الفسيولوجية أكمل وأتم من آراء اليونان ، أطباء كانوا أو فلاسفة ، وإن تكن أصبحت إلى حد ما بائدة بعد كشف الفسيولوجيا الحديثة والاستعانة بالآلات والأجهزة العلمية الدقيقة.

وأخيرا سلك ابن سينا أيضا مسلك الجمع والتوفيق في التناسليات وعلم الأجنة ، وإن كان إلى آراء أرسطو أميل. والواقع أن المعلم الأول وضع دعائم هذا العلم ، وانتهى فيه إلى ملاحظات ومبادئ لها شأنها. ففرّق بين الأحياء الولود والبيوض ، وميز بين الخواص الجنسية الأساسية والثانوية. وبيّن أن تكوّن الجنين متدرج ، وشبه نموه بفعل الإنفحة والحميرة ، وحدّد الوظائف الحقيقة للمشيمة والحبل السرى (٣). وقد أخذ ابن سينا بذلك كله ، وعرضه عرضا واضحا مفصلا في المقالات التاسعة والعاشرة ، والخامسة عشرة إلى الثامنة عشرة.

وأجهد نفسه في أن يصحح ما وقع فيه أرسطو من خطأ ، بزعمه أن المنى للرجل وحده وأن المرأة ليس لها إلا دم الطمث (٤) ، محلولا أن يثبت أنه لم يقل بذلك ، وأن لكل من الرجل والمرأة في الحقيقة منيا وإن اختلف في بعض أوصافه (٥). وصحح أيضا ما ذهب إليه أرسطو من أن الذكر لا يمد الأنثى بشيء ملموس ، ووقف عند هذه النقطة طويلا. وأشار إلى ما شجر فيها من خلاف بين جالينوس والمعلم الأول ، ودخل في جدل مدرسى طويل

__________________

(١) المصدر السابق ، ص ٢٩٠ ـ ٢٩١.

(٢) المصدر السابق ، ص ٢٧٧ ـ ٢٨٢.

(٣) سارتون ، تاريخ العلم ، القاهرة ١٩٦١ ؛ ج ٣ ، ص ٢٦٩ ـ ٢٧٠.

(٤) ابن سينا ، الحيوان ، ص ١٤٤ ـ ١٤٥.

(٥) المصدر السابق ، ص ١٤٥.

٢٠