الشّفاء ـ طبيعيّات - المقدمة

الشّفاء ـ طبيعيّات - المقدمة

المؤلف:


الموضوع : العلوم الطبيعيّة
المطبعة: گل‌وردى
الطبعة: ٢
ISBN: 978-600-161-072-1
الصفحات: ٢٦٧

١
٢

الفهرس

المقدمة................................................................... ط ـ ق

الفن الثاني من الطبيعيات

فى السماء والعالم

وهو مقالة واحدة فى عشرة فصول

الفصل الأول

فصل فى قوى الأجسام البسيطة والمركبة وأفعالها................................ ١ ـ ٥

الفصل الثاني

فصل فى أصناف القوى والحركات البسيطة الأولى وإبانة أن الطبيعة الفلكية خارجة عن الطبائع العنصرية    ٦ ـ ١٥

الفصل الثالث

فصل فى الإشارة إلى أعيان الأجسام البسيطة وترتيبها وأوصافها وأشكالها التي لها بالطبع ومخالفة الفلك لها  ١٦ ـ ٢٥

الفصل الرابع

فصل فى احوال الجسم المتحرك بالاستدارة ، وما يجوز عليه من أصناف التغير وما لا يجوز ٣٦ ـ ٣٦

الفصل الخامس

فصل فى أحوال الكواكب ومحور القمر.................................... ٣٧ ـ ٤٤

الفصل السادس

فصل فى حركات الكواكب.............................................. ٤٥ ـ ٤٩

الفصل السابع

فصل فى حشو الجسم السماوى وما قاله الناس فى أحوال الأرض وسائر العناصر ٥٠ ـ ٥٧

٣

الفصل الثامن

فصل في مناقضة الآراء الباطلة المذكورة فى تعليل سكون الأرض............... ٥٨ ـ ٦٣

الفصل التاسع

فصل فى ذكر اختلاف الناس فى الخفيف والثقيل واستنباط الرأى الحق من بين آرائهم ٦٤ ـ ٦٩

الفصل العاشر

فصل فى أن جملة الأجسام الملاقى بعضها بعضا إلى آخر ما لا يتناهى إليه جملة واحدة ٧٠ ـ ٧٦

الفن الثالث من الطبيعيات

فى الكون والفساد

وهو مقالة واحدة فى خمسة عشر فصلا

الفصل الأول

فصل فى اختلاف آراء الأقدمين فى الكون والاستحالة وعناصرهما............. ٧٧ ـ ٨٥

الفصل الثاني

فصل فى اقتصاص حجة كل فريق........................................ ٨٦ ـ ٩٣

الفصل الثالث

فصل فى نقض حجج المخطئين منهم.................................... ٩٤ ـ ١٠٠

الفصل الرابع

فصل فى إبطال قول أصحاب الكون ومن يقرب منهم ويشاركهم فى نفى الاستحالة ١٠٠ ـ ١١١

الفصل الخامس

فصل فى مناقضة أصحاب المحبة والغلبة ، والقائلين بأن الكون والفساد بأجزاء غير الأجزاء الغير المتجزئة من السطح واجتماعها وافتراقها.................................................................. ١١٢ ـ ١٢١

الفصل السادس

فصل فى الفرق بين الكون والاستحالة................................. ١٢٢ ـ ١٣٢

٤

الفصل السابع

فصل فى إبطال مذهب محدث فى المزاج................................ ١٣٣ ـ ١٣٩

الفصل الثامن

فصل فى الكلام فى النمو............................................. ١٤٠ ـ ١٤٦

الفصل التاسع

فصل فى إبانة عدد الأسطقسات...................................... ١٤٧ ـ ١٥٩

الفصل العاشر

فصل فى ذكر شكوك تلزم ما قيل..................................... ١٦٠ ـ ١٦٦

الفصل الحادى عشر

فصل فى حل شطر من هذه الشكوك.................................. ١٦٧ ـ ١٧٥

الفصل الثاني عشر

فصل فى حل قطعة أخرى من هذه الشكوك............................ ١٧٦ ـ ١٨٢

الفصل الثالث عشر

فصل فى حل باقى الشكوك.......................................... ١٨٣ ـ ١٨٨

الفصل الرابع عشر

فصل فى انفعالات العناصر بعضها من بعض واستحالاتها فى حال البساطة وفى حال التركيب ، وكيفية تصرفها تحت تأثير الأجسام العالية.................................................................. ١٨٩ ـ ١٩٤

الفصل الخامس عشر

فصل فى أدوار الكون والفساد........................................ ١٩٥ ـ ٢٠٠

٥

الفن الرابع من الطبيعيات

فى الأفعال والانفعالات

مقالتان

المقالة الأولى من هذا الفن تسعة فصول

الفصل الأول

فصل فى طبقات العناصر............................................ ٢٠٢ ـ ٢٠٤

الفصل الثاني

فصل فى أحوال كلية من احوال البحر.................................. ٢٠٥ ـ ٢١٠

الفصل الثالث

فصل فى تعريف سبب تعاقب الحر والبرد............................... ٢١١ ـ ٢١٤

الفصل الرابع

فصل فى تعريف ما يقال من ان الأجسام كلما زادت عظما ازدادت شدة وقوة ٢١٥ ـ ٢٢٠

الفصل الخامس

فصل فى تعديد الأفعال والانفعالات المنسوبة إلى هذه الكيفيات الأربع..... ٢٢١ ـ ٢٢٢

الفصل السادس

فصل فى النضج والنّهوءة والعفونة والاحتراق............................ ٢٢٣ ـ ٢٢٧

الفصل السابع

فصل فى الطبخ والشيء والقلى والتبخير والتدخين والتصعيد والذوب والتليين والاشتمال والتجمير والتفحم ، وما يقبل ذلك وما لا يقبله.................................................................. ٢٢٨ ـ ٢٣٤

الفصل الثامن

فصل فى الحل والعقد................................................ ٢٣٥ ـ ٢٤٠

الفصل التاسع

فصل فى أصناف انفعالات الرطب واليابس............................. ٢٤١ ـ ٢٤٨

٦

المقالة الثانية

هذه المقالة نصف فيها جملة القول فيما يتبع المزاج من الأحوال المختلفة وهى فصلان ٢٤٩

الفصل الأول

فصل فى ذكر اختلاف الناس فى حدوث الكيفيات المحسوسة التي بعد الأربع وفى نسبتها إلى المزاج ومناقضة المبطلين منهم     ٢٥٠ ـ ٢٦٠

الفصل الثاني

فصل فى تحقيق القول فى توابع المزاج................................... ٢٦١ ـ ٢٦٧

٧
٨

مقدمة

للدكتور إبراهيم مدكور

جمعنا فى هذا المجلد ـ على غير عادة ـ ثلاثة فنون من طبيعيات الشفاء ، وهى : «السماء والعالم» ، «الكون والفساد» ، «الأفعال والانفعالات». ولا شك فى أنها متصلة ومتكاملة : ينصب أولها على الأجسام الطبيعية بسيطة كانت أو مركبة ، فيبين خصائصها ومكوناتها ؛ ويبحث ثانيها فيما قد يطرأ عليها من كون أو فساد ؛ ويعالج ثالثها ما يلحقها من أعراض وانفعالات.

ولم يكن للعرب قبل الإسلام درس يعتد به ، ولا علم يعول عليه. وترجع معلوماتهم الطبيعية إلى ما أوحت به الملاحظة العابرة والتجربة اليومية ، وقضت به ظروف الحياة وأسباب العيش ، كمعرفة مطالع النجوم ومغاربها وأنواء الكواكب وأمطارها (١). ثم جاء الإسلام فوجه نظرهم إلى ما فى الكون من عجائب وآيات ، ودعاهم إلى البحث والنظر. وامتدت فتوحاتهم شرقا وغربا ، فاتصلوا عن قرب بالحضارات القديمة والمعاصرة ، ووقفوا على علوم لا عهد لهم بها.

وما إن انتشرت الدعوة الإسلامية ، وهدأت حركة الغزو والفتح ، حتى أخذ العرب والمسلمون يدرسون ويبحثون. وظهرت فى القرن الأول للهجرة دراسات دينية ولغوية ، إلا أن الحركة العلمية الحقة لم تبدأ إلا فى القرن الثاني ، ثم أخذت تنمو وتترعرع طوال قرون ثلاثة. فامتد نشاطها ، وتنوعت فنونها ، وأمدتها الترجمة بمصادر شتى. وكان للعلوم الطبيعية فيها نصيب ملحوظ ، ولم يكن غريبا أن يبدأ العرب بالعلوم العملية كالطب والكيمياء ، ثم أضافوا إليها دراسات فى الكون والفلسفة الطبعية. وهنا كان المعتزلة روّادا ، كما كانوا دائما فى ميادين أخرى ، وعلى رأسهم أبو الهذيل العلاف (٢٣٤ ه‍) أول قائل فى الإسلام بنظرية الجزء الذي لا يتجزأ (٢) ، وتلميذه النظام (٢٣١ ه‍) الذي رفض هذه النظرية ، وقال بالكمون والطفرة (٣) ؛ وكانا يهدفان معا إلى نقض بعض المبادئ التي قامت عليها الفلسفة الأرسطية.

__________________

(١) صاعد الأندلسى ، طبقات الأمم ، القاهرة (بلا تاريخ) ، ص ٧٠.

(٢) الأشعرى. مقالات الإسلاميين. استانبول ١٩٣٠ ، ج ٢ ص ٣١٤.

(٣) محمد عبد الهادى أبو ريده ، إبراهيم بن سيار النظام ، القاهرة ١٩٤٦ ، ص ١١٣ ـ ١٢٩.

٩

وقد تغذت الدراسات الطبيعية فى الإسلام بغذاء وفير ومتنوع ، فأخذت عن الهند والفرس ما أخذت ، وتأثرت بآراء كثير من مفكرى اليونان ، أمثال ديمقريطس ، وأنباذوقليس ، وزينون الرواقى ، وأفلاطون. ولكنها عولت التعويل كله على أرسطو الذي ترجمت كتبه الطبيعية الهامة إلى العربية.

(ا) أرسطو الطبيعى :

لا شك فى أن أرسطو يعد بين مفكرى اليونان فيلسوف الطبيعة الأول ، عرض لجوانبها المختلفة ، عضوية كانت أو غير عضوية ، وعالج ظواهرها فى عالمى السماء والأرض.

فجدّ فى الكشف عنها ، وجمع ما أمكن من خصائصها ، معولا على الملاحظة والتجربة حينا ، وعلى البرهنة والاستدلال حينا آخر. وحاول أن يحدد ، فى اختصار ، قوانين التغير والحركة. فاستعاد ما كان للدراسات الطبيعية من ازدهار لدى الأيونيين وغيرهم من المدارس السابقة لسقراط ، وامتد هذا النشاط بعده جيلا أو جيلين على أيدى تلاميذه ، وأتباعه ، ثم فتر وتضاءل فى القرون الخمسة التالية ، ولم يستأنف إلا فى مدرسة الإسكندرية وعلى أيدى المشائين المحدثين. وقدر لآراء أرسطو الطبيعية أن تسود فى القرون الوسطى ، إن فى الفلسفة الإسلامية أو الفلسفة المسيحية ولدى مفكرى اليهود ، وبقيت تردّد إلى أن ظهرت الكشوف العلمية الحديثة فى القرن السادس عشر.

وقد وضع أرسطو فى الطبيعة عدة كتب ترجم معظمها إلى العربية ، وأدرك مفكر والإسلام ما بينها من صلة ، فلاحظوا أن منها ما ينصب على المبادي العامة ، وهو «كتاب السماع الطبيعى» ، وما ينصب على أمور خاصة ، «ككتاب السماء» ، «والكون والفساد» ، «والآثار العلوية» (١). ويعنينا أن نقف قليلا عند الكتب الثلاثة الأخيرة التي تتصل اتصالا وثيقا بكتب ابن سينا التي نقدم لها.

١ ـ فأما «كتاب السماء» ، أو «كتاب السماء والعالم» كما يسميه العرب ، فيقع فى أربع مقالات. وأغلب الظن أن هذه التسمية سابقة على الإسلام ، وأنها وليدة خلط بين كتاب أرسطو وكتاب DeMondo ليوزيدويتوس (١٣٥ ق. م.) ، أحد رؤساء المدرسة المشائية المتأخرين ، لا سيما وفى كتاب أرسطو درس مستفيض

__________________

(١) الفارابى ، إحصاء العلوم ، القاهرة ١٩٤٩ ، ص ٩٦ ـ ٩٧.

١٠

للعالم (١). وقد اشترك فى ترجمة هذا الكتاب نفر من كبار المترجمين ، وهم ابن البطريق (٢١٥ ه‍) ، وحنين بن إسحاق (٢٦٣ ه‍) ، وأبو بشر متى بن يونس (٣٢٨ ه‍). وترجم معه شرح الإسكندر الأفروديسى للمقالة الأولى ، وشرح تامسطيوس للكتاب جميعه (٢). واحتفظت لنا المكتبات الأوربية بمخطوطين يشتملان على نصين لترجمة «كتاب السماء» ، متفاوتين فى الدقة (٣) ، ونشر الدكتور عبد الرحمن بدوى أحدهما منذ بضع سنوات (٤).

وما إن ترجم الكتاب إلى العربية حتى أخذ الباحثون يفيدون منه ، فاستعان به الكندى (٢٥٨ ه‍) والرازى الطبيب (٣٠٩ ه‍) فى دراستهما الفلكية والطبيعية (٥) ، وعلق عليه الفارابى (٣٣٩ ه‍) تعليقا لم نعثر عليه بعد (٦) ، وقد مهد ذلك كله لكتاب السماء والعالم لابن سينا (٤٢٨ ه‍).

٢ ـ وأما كتاب «الكون والفساد» فيشتمل على مقالتين ، واشترك فى ترجمته أكثر من واحد ، لا سيما وقد كان العرب لا يقنعون بترجمة واحدة للمؤلف الواحد ، فيترجمون عن السريانية كما يترجمون عن اليونانية إن وجدوا فيها نصا. وفى مقدمة من أسهم فى هذه الترجمة حنين بن إسحاق ، وابنه إسحاق بن حنين (٢٩٦ ه‍). وترجم مع كتاب «الكون والفساد» بعض شروحه القديمة ، وبخاصة شرح الإسكندر الأفروديسى ، وشرح لنامسطيوس ، وآخر ليحيى النحوي (٧). ولم نهتد إلى شىء من ذلك بعد ، ونأمل أن يكشف البحث عنه يوما.

وقد أثارت ترجمته ما أثارت من درس وبحث فى العالم العربى ، شأن مؤلفات أرسطو الأخرى. فوضع الكندى «رسالة فى الكون والفساد» (٨) ، وأشار الفارابى إلى

__________________

(١) Madlour, Le pbynique d\' Aristote dans le monde arabe, Congres de pbilosopbie medieavle, Mendola ١٩٦٤

(٢) ابن النديم ، الفهرست ، القاهرة ، ١٩٣٠ ، ص ٣٥١.

(٣) احدهما فى مكتبة باريس الأهلية تحت رقم (Fonds arabe ٢٢٨١) ، والآخر فى المتحف البريطانى تحت رقم (add.orientales ٧٢٥٣).

(٤) عبد الرحمن بدوى ـ دراسات إسلامية ، أرسطوطاليس ، فى السماء والآثار العلوية ، القاهرة ١٩٦١ ،.

(٥) ابن النديم ، الفهرست ، ص ٣٦١ ، ٤٢٠.

(٦) ابن أبى اصيبعة ، عيون الأنباء فى طبقات الأطباء ، القاهرة ١٨٨٢ ، ج ٢ ، ص ١٣٨.

(٧) ابن النديم ، الفهرست ، ص ٣٥١.

(٨) ابن أبى أصيبعة ، عيون الأنباء ح ١ ص ٢١٢.

١١

المؤلف الأرسطي فى بعض كتبه ، وأخذ عنه ما أخذ (١) ، ولم يخرج ابن سينا ؛ كما سنرى ، على هذه السنة.

وأما «كتاب الآثار العلوية» فيقع فى أربع مقالات ، وقد ترجمه ابن البطريق إلى العربية منذ عهد مبكر ، وترجمت معه أيضا شروح قديمة ، أخصها شرح الإسكندر الأفروديسى (٢). وأبقى ازمن على مخطوط لترجمة ابن البطريق فى مكتبات استانبول (٣). وعليه عول الدكتور عبد الرحمن بدوى فى نشر كتاب الآثار العلوية منذ سنوات (٤). وفى العام الماضى أخرجه الأستاذ بترايتس إخراجا دقيقا محكما ، معولا على الأصول العربية والعبرية واللاتينية واليونانية (٥).

ولكتاب «الآثار العلوية» شأن فى الدراسات الجيولوجية والجغرافية العربية ، فكان له صدى فى بعض رسائل الكندى فى الكريات والفلكيات (٦). وسيرا على سنن المشائين الأقدمين وضع له الفارابى شرحا مستقلا (٧). وسبق لنا أن قررنا أن ابن سينا فى كتابه «المعادن والآثار العلوية» قد التقى مع كثير من آراء أرسطو فى الرياح والسحاب ، والبخار والثلج والبرد ، وأنه ربط ـ كما صنع المعلم الأول ـ الجيولوجيا بالميتيورلوجيا (٨). ولم يخرج فلاسفة الأندلس على هذه السنة ، ولابن باجة (٥٣٢ ه‍) شرح على كتاب «الآثار العلوية» الأرسطي يعد للنشر منذ زمن (٩) ، ولابن رشد (٥٩٣ ه‍) شرح آخر عرف من قديم فى الفكر العبرى والفكر اللاتينى (١٠).

(ب) كتاب السماء والعالم لابن سينا

هو الفن الثاني من طبيعيات الشفاء ، يقع فى عشرة فصول ، ويكاد يدور حول ثلاث مسائل رئيسية ، وهى الأجسام الطبيعية ، والسماء ، والأرض. وينحو فيه ابن سينا

__________________

(١) الفارابى ، إحصاء العلوم. ص ٩٧ ؛ الثمرة المرضية فى بعض الرسالات الفارابية ، ليدن ١٨٩٥ ، ص ٥١.

(٢) ابن النديم ـ الفهرست ، ص ٣٥١.

(٣) يانى جامع ١١٧٩. (٤) عبد الرحمن بدوى ، أرسطوطاليس ، القاهرة ١٩٦٠.

(٥) كازيمير بترايتس ، دار الشرق ـ بيروت ، ١٩٦٧.

(٦) ابن النديم ، الفهرست ، ٣٥٩ ، ٣٦١.

(٧) ابن ابى أصيبعه ، عيون الأنباء ، ج ١ ، ص ١٣٨.

(٨) ابن سينا ، المعادن والآثار العلوية ، القاهرة ١٩٦٥ ، ص (ز).

(٩) يضطلع بهذا الاستاذ ماجد فخرى.

(١٠) بترايتس ، الآثار العلوية ، ص ١٦٦.

١٢

منحى أقرب إلى التركيز منه إلى البسط والتفصيل ، يعنى بالمبادئ أكثر مما يعنى بالجزئيات.

ويسلم بقدر منها مشروح فى مظانه ، ولا داعى لأن يعود إلى شرحه ، كملازمة الصورة للمادة ، ووحدة العالم ، ونهائيته ، وقدمه. وكأنما يخاطب مشائين يعرفون أصول المذهب الأرسطي ، فهم فى غنى عن أن نوضح لهم. يشير إلى الملاحظة وينوّه بالأرصاد ، ولكنه يعول خاصة على البرهنة العقلية. ويستعين كعادته بالقسمة المنطقية التي تقود إلى نتيجة ملزمة ، وتمكن من إفحام الخصوم. ومع هذا ، يلتزم الإنصاف فى جدله ، فإن رأى أن حجته واهية لم يتردد فى الاعتراف بذلك. فيقول مثلا لأنصار النار فيما أصر من مفاضلة بين النار والتراب : «لا القول الذي قالوه ، ولا الجواب الذي أجبنا به من جنس الكلام البرهانى (١)». وقد يقع فى شىء من الاستطراد ، ثم يتدارك ويعود إلى ما كان فيه (٢). ومؤلفه على كل حال أشد ضبطا وأحسن تنسيقا من «كتاب السماء».

والأجسام فى رأيه ضربان : بسيطة وهى ما كانت حركتها دائرية ، ومركبة وهى ما كانت حركتها غير دائرية (٣). ومنها خفيف يصعد إلى أعلى ، وثقيل ينزل إلى أسفل (٤) ، والحار خفيف عادة ؛ والبارد ثقيل (٥). والحركة الصاعدة تتجه نحو السماء ، والهابطة تنزل إلى الأرض (٦).

والسماء هى الجرم المحيط بالأرض ، وهى بسيطة ومتناهية ، وشكلها كروى (٧). تتحرك بطبيعتها حركة مستديرة ، والحركات الدائرية أكمل الحركات (٨). والسماء قديمة وإن تكن مبدعة ، فهى لا تقبل الكون ولا الفساد (٩). وفيها أفلاك وكواكب ، وكلها متحركة ، تتحرك من الشرق إلى الغرب ، أو بالعكس ؛ ويظهر أن ابن سينا لا يسلم بأن الكواكب الثابتة فى كرة واحدة (١٠). والكواكب مختلفة فى ألوانها وحركاتها ، منها مضىء بنفسه كالشمس ، ومنها ما يستمد ضوءه من غيره كالقمر (١١) ، ويذهب إلى أن هناك كواكب لا تستمد ضوءها من الشمس (١٢). ويستنكر ما ذهب إليه بعض نصارى بغداد من أن سواد القمر يرجع إلى جانبه الذي لا يقابل الشمس (١٣).

__________________

(١) ابن سينا ـ السماء والعالم ، القاهرة ١٩٦٨ : ص ٥٤.

(٢) المصدر السابق ، انظر مثلا ص ٤٩. (٣) المصدر السابق ، ص ٧ ، ١١.

(٤) المصدر السابق ، ص ٢٢. (٥) المصدر السابق ، ص ١٥. (٦) المصدر السابق ، ص ١٦. (٧) المصدر السابق ، ص ١٦. (٨) المصدر السابق ، ص ٣٧. (٩) المصدر السابق ، ص ٣٤.

(١٠) المصدر السابق ، ص ٤٦. (١١) المصدر السابق ، ص ٣٧. (١٢) المصدر السابق ، ص ٤٨.

(١٣) المصدر السابق ، ص ٤٤.

١٣

ولا يسترسل فى بيان عدد الكواكب ، ولا فى ذكر أنواع حركتها ، لأنه وقف على هذا فنا خاصا من رياضيات الشفاء (١).

والأرض فى رأيه كروية أيضا ، إلا أنها ثابتة غير متحركة ، فهى مركز العالم ، وكأنها فى حال توازن بين الأفلاك المختلفة. ويبرهن ابن سينا على كروية الأرض ، كما صنع أرسطو. ويروقه خاصة برهان منظر السفينة التي لا ترى لأول وهلة جملة واحدة (٢) ويرد على القائلين بأن الأرض متحركة ، لأن الفلك يجذبها إلى الجهات المختلفة جذبا متشابها فتبقى ثابتة (٣). وعالم الأرض أدنى منزلة من عالم السماء ، ومكوناته هى العناصر الأربعة التي قال بها ابنادوقليس من قديم ، وهى قابلة للكون والفساد (٤) ، ولا يكاد يشير ابن سينا إلى العنصر الخامس ، الذي شاء أرسطو أن يجعل منه مادة عالم السماء ، وهو الأثير (٥).

لا نظننا فى حاجة أن نشير إلى أن «كتاب السماء والعالم» مستمد أساسا من «كتاب السماء» ، ويكاد يعول عليه وحده. وكل ما بينهما من فارق هو أن ابن سينا يرى أن الدراسة الفلكية أولى بها أن تعرض فى علم الهيئة ، وهو صناعة غير صناعة الطبيعيات ، لا سيما وهو فى بحثه الفلكى متأثر بصاحب المجسطى بدرجة لا تقل عن تأثره بأرسطو. وسبق لنا أن لا حظنا أن ابن سينا لم يقف تقريبا عند فكرة العنصر الخامس (الأثير) ، وكأنه لا يأخذ بها ، لا سيما إذا أريد بها تفسير حركة الأفلاك والكواكب ، لأن عالم السماء تدبره نفوس مختارة بالطبع ، وهى مصدر حركته. هذا إلى أن عالم السماء فى رأى ابن سينا مبدع ، والإبداع خلق من عدم ، وهذه نقطة دينية لا سبيل لفيلسوف مسلم أن يحيد عنها. والواقع أن أرسطو لم يقل بفكرة الأثير إلا فى «كتاب السماء» ، ولم تصادف نجاحا لدى المشائين الأول ، وتردد المتأخرون فى قبولها (٦).

(ج) كتاب الكون والفساد لابن سينا :

هوالفن الثالث من طبيعيات الشفاء ، ويشتمل على خمسة عشر فصلا تقوم أساسا على الجدل والتاريخ ، ويطول فيها نفس المؤلف بقدر ما يقصر فى«كتاب السماء والعالم».

__________________

(١) المصدر السابق ، ص ٢٠ ، ٣٧.

(٢) المصدر السابق ، ص ٥٥. (٣) المصدر السابق ، ص ٥٦.

(٤) المصدر السابق ، ص ٢٥.

(٥) المصدر السابق.

(٦) P. Moraux Aristcte, Du Ciel, Paris ١٩٦٣, P. L VI ـ LX

١٤

فيعرض آراء الخصوم ويشرح حججهم ، ثم يثنّى بالرد عليها مستعينا بمنطقه غالبا ، ومفيدا أحيانا من بعض الملاحظات والتجارب. وجد له ضرب من التحليل اللفظى أو المنطقى الذي كان يعد فى الماضى رياضة ذهنية ، قد لا نستسيغها نحن اليوم كثيرا. ولا غضاضة عليه فى أن يتوقف إزاء ما لم يطمئن إليه أو ما لم يفهمه. ومن العسير أن نعتبر أقواله مصدرا تاريخيا ، لأنه لا يتحدث عن مدارس محددة ، ويكتفى بأن يسرد الرأى ، دون أن يعزوه إلى صاحبه ، وخلال مناقشات طويلة تتبعها فى نحو خمسة فصول لم يذكر اسما واحدا من الفلاسفة السابقين لسقراط. وهو فى تأريخه على كل حال عالة على أرسطو ، يأخذ عنه ويحاكى حواره ، وقد يتوسع فيه بعض الشىء.

وسيرا على سنة المعلم الأول يحدد ابن سينا فى الفصل الأول موضوع كتابه ، وهو ممن يؤمنون بالتغير ؛ ويرى أن عالم الأرض فى تغير مستمر بعكس عالم السماء ، وليس تغيره إلا كونا وفسادا ، أو بعبارة أخرى وجودا وعدما. والقائلون بالتغير كثيرون ، ويمكن ردهم إلى فريقين : أنصار الوحدة ، وأنصار التعدد. فيذهب الأول إلى تفسير التغير فى ضوء عنصر واحد كالماء أو الهواء ، ويذهب الأخيرون إلى تفسيره فى ضوء أكثر من عنصر (١).

ويستعرض ابن سينا هذه المذاهب ، ويقف بوجه خاص عند مذهب الذرة وفكرة الكمون ، فيفندها تفنيدا تاما (٢) ، ولعله كان يصوب إلى بعض أنصارهما من مفكرى الإسلام (٣). ويحلل نظرية المحبة والغلبة التي قال بها أنبادوقليس ، ويبين ما فيها من من نقص (٤). وهو مع هذا يؤيد فكرة العناصر الأربعة ، ويجهد نفسه فى دعمها ، ويستشهد بملاحظات وتجارب تثبت تحول بعضها إلى بعض (٥). وعنده أن الأسطقسات أجسام بسيطة تتكون منها الأجسام المركبة ، وهى متعددة ومتناهية (٦). ويفتن فى بيان أنها أربعة لا تزيد ولا تنقص ، وإن عز عليه إثبات ذلك.

ويحاول تفسير الكون مفرقا بينه وبين الاستحالة من جانب ، وبينه وبين النمو من جانب آخر. فالكون تحول جوهر أدنى إلى جوهر أعلى ، فى حين أن الاستحالة تغير فى الكيفية مع بقاء أساس ثابت ؛ ففيها موضوع محسوس تطرأ عليه صفات جديدة ، بينما

__________________

(١) ابن سينا ، الكون والفساد ، القاهرة ١٩٦٨ ، ص ٧٧ ـ ٨٥.

(٢) المصدر السابق ، ٨٩ ـ ٩٤ ، ١٠١ ـ ١١١ ، ١١٢ ـ ١٢١.

(٣) المصدر السابق ، ص (ط)

(٤) المصدر السابق ، ص ١١٢ ـ ١١٣.

(٥) المصدر السابق ، ص ١٢٢ ـ ١٢٤. (٦) المصدر السابق ، ص ١٤٧.

١٥

الموضوع غير محسوس فى الكون (١). والنمو تغير فى الحجم والمقدار ، فهو تغير مكانى دون نقلة مع بقاء طبيعة الجوهر ، والكون تغير فى الجوهر نفسه. ويحاول أيضا أن يفرق بين الامتزاج والاختلاط ، فعن الامتزاج ينشأ جسم متجانس ، كل واحد من أجزائه شبيه بالكل وبأي جزء آخر. أما الاختلاط فهو مجرد تجاور وتماس يبقى فيه كل من المختلطين قائما بذاته (٢). والكون امتزاج دائما ، ولا يحلو من فعل وانفعال ، فيتأثر المنفعل بالفاعل ، وينتج عن امتزاجهما صورة جديدة هى أشبه ما يكون بطبيعة وسطى بين الطبيعتين الأصليتين (٣) ، وفى كل جوهر كيفية انفعالية يستعد بها لقبول فعل ما (٤). ولا سبيل إلى كون بدون قوة فاعلة ، فالتسخين يستلزم حرارة تنصب على جوهر مستعد لقبولها (٥). والقوتان الفاعلتان هما الحار والبارد ، والقوتان المنفعلتان هما الرطب واليابس (٦). وتتكون الأحياء وتنمو بفعل هذه القوى ، وهى تتلخص فى العلل المادية ، والصورية ، والفاعلية. والغائية.

ولا يخضع الكون والفساد لعالم الأرض وحده ؛ بل هو خاضع أيضا لعالم السماء. فالفلك المحيط علة دوران الشمس الدائم حول الأرض ، وعلة تعاقب الليل والنهار ، وتعاقب الفصول ، وعلة الظواهر المتصلة بهذا التعاقب على وجه الأرض. يقول ابن سينا : «فالحركات المستديرة السماوية المقربة لقوى الأجرام العالية والمبعدة هى أسباب أولى إلى الكون والفساد ، وعوداتها ، لا محالة ، أسباب لعود أدوار الكون والفساد. والحركة الحافظة لنظام الأدوار والعودات ، الواصلة بينها ، والمسرعة بما لو ترك لأبطأ ولم يعدل تأثيره ، هى الحركة الأولى» (٧).

وفى هذا ما يفسر اطراد الظواهر الكونية وخضوعها لنظام ثابت ، وفيه ما قد يعين هلى شىء من التنبؤ بالمستقبل. وسبيله الرصد والحساب المبنى عليه اللذان يسمحان بتتبع سير الكواكب والأفلاك ، واستنتاج ما يترتب عليه. ولكن الرصد ليس من الدقة بحيث ينتهى إلى احكام يقينية ؛ هذا إلى انه لا ينصب على وقائع جزئية ، وإنما يدور حول قضايا كلية ، وهذه لا تحقق ما ينشده القائلون بأحكام النجوم (٨). فينكر ابن

__________________

(١) المصدر السابق ، ص ١٢٥ ـ ١٣٢.

(٢) المصدر السابق ، ص ١٤٠ ـ ١٤٤.

(٣) المصدر السابق ، ص ١٢٧. (٤) المصدر السابق ، ص ١٧٣.

(٥) المصدر السابق ، ص ١٧٩. (٦) المصدر السابق ، ص ١٧٨ ـ ١٧٩.

(٧) المصدر السابق ، ص ١٩٢.

(٨) المصدر السابق ، ص ١٩٨.

١٦

سينا ، كما أنكر الفارابى من قبل ، التنجيم ، ويرفض ما لا يصح من أحكام النجوم (١). وكيفما كان سير الكون وانتظامه ، فانه لا يتعارض مع القضاء الأزلى فى شىء لأن هذا القضاء «هو الفعل الأولى الإلهى الواحد المستعلى على الكل ، الذي منه ، تنشعب المقدورات (٢)».

يبدو ابن سينا هنا أيضا مشائيا مخلصا ، يأخذ عن أرسطو أولا ، وقد يضم إليه ما أضافه المشاءون. على أنه لا يتردد فى أن يناقش هؤلاء ، ويرفض ما لا يقره من آرائهم ، وفى هذا ما يدعوه إلى البسط والتطويل احيانا.

وفى الكتاب الذي نقدم له أربعة فصول تدور حول شكوك أثارها شراح أرسطو السابقون ، ويحرص ابن سينا على مناقشتهم والفصل فى مواطن الخلاف (٣) ، فيعرض مثلا لذلك الرأى القائل بأن البخار من طبيعة أخرى غير طبيعة الماء والهواء (٤) وهناك مسائل لا تقبل التردد فى نظره ، وهى تلك التي تتصل بالتعاليم الدينية ، فيقطع بأن نظام الكون لا يتعارض مع القضاء والقدر ، وبأنا لا نستطيع أن نكشف حجب الغيب ، ولا أن تتكهن بالمستقبل فى تفصيل ودقة.

(ء) كتاب الأفعال والانفعالات :

هو الفن الرابع من طبيعيات الشفاء ، ويقع فى مقالتين ، تحت أولاهما تسعة فصول ، وتحت الثانية فصلان ، ولا يبدو فى وضوح لم قسمه إلى مقالتين مع أن الموضوع متصل ، والكتاب كله أصغر حجما من كل من الكتابين السابقين. وليس فى قوائم كتب أرسطو التي وصلتنا عنوان شبيه بهذا العنوان ، اللهم إلا إشارة غير صريحة فى قائمة ديوجين اللائرسى ، ويمكن أن تصدق على «كتاب الكون والفساد». (٥) على ان فكرة الفعل والانفعال شائعة فى فلسفة أرسطو ، وتكاد ترد فى كتبه الطبيعية جميعها ، ولها شأن فى تفسير الكون والفساد أشرنا إليه من قبل (٦). وكتاب ابن سينا الذي نقدم له يرجع فى أغلبه

__________________

(١) Madkour, Astrologie en terre d Islam, Congres de Pbilosopbie medievale. Montreal\' ١٩٦٧

(٢) ابن سينا الكون والفساد ، ص ١٩٦. (٣) المصدر السابق ، فصل ١٠ ـ ١٣ ، ص ١٦٠ ـ ١٨٨.

(٤) المصدر السابق ، ص ١٦٩.

(٥) Moraux, Les Listes arciennes des ouvrages d\'Aristote, Louvain ١٩٥١, P. ٤٥. ٨١, ٨٢. Maugler Aristote De la generation et de la Corruption Paris ١٩٦٦, P. VI

(٦) ص ع.

١٧

إلى المقالة الرابعة وجزء من الثالثة من «كتاب الآثار العلوية» الأرسطي ، وكأنما شاء ابن سينا أن يقسم موضوع هذا الكتاب قسمين واضحين ، ينصب أحدهما على بعض الخواص الطبيعية الأرضية ، وسماه «الأفعال والانفعالات» ، وينصب الآخر على ما يتكون فى باطن الأرض أو ما يحدث من ظواهر طبيعية بين السماء والأرض كالسحاب والرياح ، وسماه «المعادن والآثار العلوية» ، ووقف عليه الفن الخامس من طبيعيات الشفاء.

ويتحدث ابن سينا عن ملوحة ماء البحر ووزنه النوعى ، مبينا أنه أثقل من ماء النهر. والماء فى طبيعته العنصرية حلو ، وإنما يكتسب الملوحة من اختلاطه بجسم آخر.

وملوحة البحار مستمدة من الطبقات الأرضية التي اتصلت بها ، بدليل أنا نستطيع أن نقطر ماءها ونرشحه فيصير عذبا (١). ويعيب على أنبادوقليس قوله أن ملوحة البحر بسبب أنه عرق الأرض ، لأن هذا كلام شعرى لا فلسفى ، وإن أمكن تأويله بأن هذه الملوحة شبيهة بالعرق الذي يستمد ملوحته من المواد المحترقة فى البدن (٢). ويلاحظ أن هناك أماكن انحسرت عنها مياه البحار كالنجف فى العراق ، وقد مثل أرسطو لهذا من قبل بدلتا مصر (٣).

ويفصل ابن سينا القول فى بعض مظاهر التغير المترتبة على الفعل والانفعال كالطبخ والقلى والنضج والنهوءة ، والتجميد والتفخم ، والتصعيد والذوب ، والعفونة والاحتراق (٤). وهى تفصيلات تبدو اليوم غير ذات بال ، إلا أنها تؤذن بأن ابن سينا كان يؤمن بالتطور.

فهو يرى مثلا أن الأشياء قد تستعد بالعفونة لقبول صورة أخرى ، فتتولد منها أشياء جديدة من حيوان أو نبات (٥). ويعود إلى المزج فيتحدث عن أثره فى الطعوم والروائح والمركبات ، وقد عرض له من قبل فى كتاب «الكون والفساد» (٦). ويعبر عنه هنا بلفظ فيه شىء من اللبس ، فيسميه المزاج ، مع أنه عرض للأمزجة طويلا فى «كتاب القانون» (٧).

هذه هى كتب ابن سينا الثلاثة ، وقد أفاد منها الطبيعيون المعاصرون ، أمثال ابن الهيثم (٤٣٠ ه‍) والبيرونى (٤٣٩) ، وتأثر بها الباحثون المتأخرون ، وكان لها شأن

__________________

(١) ابن سينا ، الأفعال والانفعالات ، ص ٢٠٦.

(٢) المصدر السابق ، ص ٢٠٧ ـ ٢٠٨.

(٣) المصدر السابق ، ص ٢٠٩ أرسطو ، الآثار العلوية ، طبعة بيروت ، ص ٤٧.

(٤) ابن سينا ، المصدر السابق ، ص ٢٢٣ ـ ٢٣٤.

(٥) المصدر السابق ، ص ٢٢٦.

(٦) ص ع.

(٧) ابن سينا ، القانون ، طبعة روما ، ص ٢ ـ ٥.

١٨

فى الدراسات الطبيعية العربية حتى أخريات القرن الماضى. وقد ترجمت إلى اللاتينية فى عهد مبكر ، منذ أخريات القرن الثاني عشر الميلادى ، وأخذ عنها فلاسفة اللاتين ما أخذوا ، واستعانوا بها بوجه خاص على فهم أرسطو.

ولا شك فى أن نشرها اليوم يعين على فهمها بشكل أتم وأوضح ، ويمكّن من ربطها بسلسلة الدراسات الطبيعية فى التاريخ قديمه وحديثه.

وقد اضطلع بتحقيقها الدكتور محمود قاسم ، ووقف عليها زمنا غير قصير ، وعول على عدة مخطوطات هى :

١ ـ مخطوط الأزهر : (ب) وهامشه (بخ).

٢ ـ مخطوط دار الكتب : (د).

٣ ـ مخطوط داماد الجديد : (سا).

٤ ـ مخطوط المتحف البريطانى : (أ).

٥ ـ نسخة طهران المطبوعة : (ط).

وحرص الدكتور محمود قاسم على أن يلحق بالنص فهرسا للمصطلحات ، ويقينى أن قراءه يقدرون ما أنفق من جهد وزمن ، ويرحبون بهذا التحقيق الذي كانوا يرتقبونه.

١٩