إعلام الخلف - ج ١

صادق العلائي

إعلام الخلف - ج ١

المؤلف:

صادق العلائي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الآفاق للدراسات الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠١
الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣

١
٢

٣

٤

٥

٦

٧

٨

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

المقدمةُ

الحمد لله رب العالمين ، نحمدك يارب بما أنت أهل له ، ونصفك بما وصفت به نفسك ورضيته لنفسك ، ولاحول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم.

اللهم صل على أشرف أنبيائك المرسلين وسيد خلقك أجمعين ، نورك الذي لا يخبو ، وحبيبك الذي لايجفو ، نزيه الشرك أباً وأما وأخاً وابناً ، من هو بالمؤمنين رؤوف رحيم ، سيدنا ومولانا أبي القاسم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام ، وعلى أهل بيته فخر خليقتك وأفضل بريتك ، السادة المنتجبين والهداة الميامين ، مصابيح الظلام وهداة كل الأنام والقادة إلى دار السلام حججك على خلقك من اقتدى بهم اهتدى ومن أبى زُخّ إلى لظى.

اللهم وفِّق ويسِّر وأعن واستر ، ولا تجعل أمرنا علينا غمة يوم نلقاك بحق محمد وآل محمد صلواتك عليهم كل صباح ومساء ، آمين رب العالمين.

التشويه العقائدي مستمر!

الركل والخيزران هو الخطاب الذي كان يخاطب به الشيعة قبل بعض سنين ، ومن قبله لهيب السياط وحز السيف الذي كان يعترض له الشيعة من قبل أمراء سلفهم الصالح ، حتى قضى ألوف من الشيعة صلباً وتقطيعاً للأطراف ، وسبحناً حتى الموت في المطبق وغيره ، وقد انزوت هذه الأفاعيل اليوم وصار محلها الدهاليز العطنة والسراديب المظلمه مراعاةً لمشاعر العالم

٩

الغربي ولجان حقوق الإنسان.

وأما على مستوى عقائد الشيعة فكان الأسلوب القهري الجبروتي الخظاب المعتاد ، كالتكفير والإخراج من الدين والتبديع والتفسيق ، وما زالت رحى أسلوبهم المنطقي هذا دائرة على رؤوس أتباع أهل البيت عليهم السلام ، وصوا عق الافتراء والكذب عليهم كالمطر الهاطل ، ومازال الشيعة ينتظرون الخطاب العقلائي منذ أكثر من ألف سنه!

ولو أراد أحدنا أن يدوِّن التهم التي أنطيت بالشيعة الإمامية والخز عبلات التي نبزوا بها من أول التاريخ إلى يومنا هذا لكتب من جنسه أنواعا ، كراريس ودفاتر ، بل موسوعات ، وقد كتبت بالفعل! لكن بأقلام مأجورة فرحين بها إرضاءً لأحلامهم وآمالهم ، فبدلا من مقارعة الحجة بالحجة أخذاً ورداً ، قام أصحاب هذه الأقلام بكل قوة وحماس بقذف الحمم البركانية وتلبيد سماء التشيع لأهل البيت عليهم السلام بسحائب التنكيل والتشنيع والتبديع والتهديد والإخراج من الملة وأن الشيعة هم وقود النار ، كفارمشركون ، عبدة طين وأوثان ، هدفهم الأول والأخير إحياء أصل مذهبهم المزدكي المجوسي الزرادشتي القرمطي الهندوكي الساساني الكنفوشي وكل عجيب وغريب ، وأن الشيعة فعلوا ، وما فعلوا ، وما أدراك ما فعلو؟! إلى غير ما هنالك من الافتراء والكذب!

وكله يحقق لهؤلاء غايتين في طول بعضهما لا أرى ثالثة لهما.

أولاهما : أن هذا المكدسات من الكذب والأ راجيف ترتفع وتتراكم لتكون ساتراً كثيفاً يقف دون علم الناس بحقيقة ما يقوله أهل البيت عليهم

١٠

السلام ويمنع من فهمه على النحو الصحيح ، ولا ريب أن لهؤلاء المهرجين العذر في إثارة لأتربه ونفضها في وجوه من يحاول فهم مذهب أهل البيت عليهم السلام؛ لأن اثر كلمات أهل البيت عليهم السلام في النفوس الطيبة قوي جداً ، وأقل النور يخرق الظلام وإن كان دامساً ، فما بالك بنور أناس أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً وهم أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟!

وغايتهم الأخرى من هذا الكذب المتواصل والافتراء على مدى أكثر من ألف سنة ، هي المنع من نتجية الفهم الصحيح لمذهب أهل البيت عليهم السلام ، فهذا المنع والحرمان ينتج عنه الوقوف دون أي مقايسة حقة ومقارنة صحيحة يقوم بها الناس الطيبون بين ما يدين به أولئك وما يدين به أهل البيت عليهم السلام ، لئلا يظهر فساد المعتقد وفراغ المذهب وعوار الفكر ولكي لا يتضع الأصيل من اللصيق والنور المبين من الضلال القديم وإلا بماذا نسفر قولهم لعوامهم : لا تناقش شيعياً فإنه يسحرك بالكلام! ، (قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (١) (كَذَٰلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) (٣) (أَفَسِحْرٌ هَٰذَا أَمْ أَنتُمْ لَا تُبْصِرُونَ) (٣).

__________________

(١) البقرة : ١١٨.

(٢) الذاريات : ٥٢.

(٣) الطور : ١٥.

١١

لماذا الكتابة في تحريف القرآن؟

ما كان تعرضنا لموضوع كهذا نتاجَ وقتٍ فَرَغَ ، أو استهواء مترف أو ميل لاكتشافات غريبة ، إذ لا يشك الغيور أن خوضاً في غمار موضوع كهذا ، وانتزاع نتيجة منه يعتبر مرصداً لكل من حادِّ الله ورسوله وملاذاً لمن أعجز في طلب حيله يخاصم بها أتباع الدين الحنيف.

إن فرية تحريف القرآن على الشيعة التي تطبل لها الوهابية بين الفينة والأخرى ما هي إلاّ نشاب وأسنة طعنو بها القرآن ، وأي طعنة!وفتنة للناس حتى شك بعض المسلمين من السنة والشيعة في سلامة القرآن من التحريف وقد رأينا على شاشات الإنترنت بعضاً من احتجاجات أهل الكتاب الذين ارتدوا عن الإسلام زاعمين أنالحلم الذي أدخلهم الإسلام قد تبدد وهو وجود كتاب لله عزّ وجلّ لم تناله يد التحريف ، فاتضح الآن أن القرآن والإنجيل سواء بسواء! وقد احتجوا لذلك ببعض افتراءات الوهابية على الشيعة!فمن الذي أضل هؤلاء؟!ومن الذي يطبل لهذا الفرية؟!

وقد كثرت الأراجيف واشتد سَعر الافتراء من الوهابيين مجدين مصرين بكل جهدهم على تشويه القرآن من حيث تشويههم المذهب أهل البيت عليهم السلام ، وخفي عليهم أن المصيبة تحل على القرآن فقط ، فكم من شيعي وسني شك في سلامة القرآن من التحريف دون رجوع عن مذهبه!وسنبين الوجه فيه.

وهذا حال الوهابية منذ زمن طويل في توزيع التهم والكيل بالأوفى وقد صكّت فرية اعتقاد الشيعة بتحريف القرآن مسامع الكثيرين وصدقوا

١٢

بها لجهلهم ، إضافة لعدم اكتراث الوهابية بالنصح والإرشارد ، بل اعتبرو أن هذا النصح تهرباً وتستراً وانهزاماً! ، لذا أصبحنا بين أمرين : القرآن من جانب ، والرضا بالظلم والكذب من جانب آخر ، فرجعنا غير لغة النصح والتواعية؛لأن لغة احترام القرآن وتقديسه لا تلقي الوهابية لها كثير بال فكان كشف المعتدي وتعريته على حقيقتة وإلزامه بها في مذهبه هو العلاج لإسكاته وآخر العلاج الكي!

وأرى أن من الحتم على الغيور من كل فرق المسلمين سنة وشيعة اجتثاث هذا الطرح الخطر ، بأي وسيلة ، ولا ريب أن من اطلع على كلمات الوهابية لن يجد دواءً نا جعلناً إلاّ ما رأيناه نحن ، حتى أن بعض علماء أهل السنة أخذ به ، حيث قال بعضهم : إن إلزام الشيعة بهذا الرأي يوجب إلزام أهل السنة به أيضاء ، وصاروا يسردون كلمات سلفهم في تحريف القرآن ثم أردفو ناصحين بوجوب غلق هذا الباب ورفع القرآن عن مرمى السهام ، ولكن يالها من آذان لا تسمع ، ومن قلوب لا تفقه ، ومن أعين لا تبصر عند الوهابية؟! وكما ترى فما انجلت الغبرة إلاّ عن قرآن تتلاطم به أمواج التشكيك وانقلب مرتعاً ومحلاّ لافتراء السفيه وخبال المتهتك ، فكانوا مصدقاً آخر للمستعاذ منه في هذه الآية الكريمة : (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) (١).

__________________

(١) النحل : ٩٨.

١٣

تحريف القرآن تشويه واستغفال للعوام!

وإلى يومنا هذا منابرهم تصيح وكتيبا تهم الملونة وأشرطتهم السمجة تنسخ وتوزع ، وجزُي خيراً من أعان على نشر هذا الشريط ، وأفضل هدية لأخيك المؤمن وحوار مع رافضي ، وحوار مع ناصبي ، وغير هذه التفاهات ، لماذا؟! لأن الشيعة تقول بالجمع بين صلاتين ، والشيعه قبلتها في الصلاة كربلاء ، وهكذا!

ولكن لنسأل ، هل إن طرح هذا المواضيع ـ بغض النظر عما فيها من الأكاذيب والأراجيف ـ يعطي النتيجة المطلوبة؟! ، إن المطلوب المنطقي المتصور لكل هذا الطرح هو إخراج الشيعة من مذهب أهل البيت عليهم السلام وإدخالهم في مذهب العامة ، وهذا الطرح لا يعطي المراد ، إلاّ إذ كان التهريج هو القصد.

يمكن توضيح المراد بالقول إن مذهب التشيع قائم على ركيزه افترق بها عن مذهب العامة ، فالشيعة يجعلون أهل البيت عليهم السلام الحجة بينهم وبين الله عزّ وجلّ ، ومصدراً لتلقي السنة النبوية والأحكام الشرعية بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ، بدلالة حديث الثقلين المواتر الذي أوصى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأمة بأن تتمسك من بعده بالكتاب والعترة ، وهذا ذكره الألباني في سلسلته الصحيحة :

قال رسول الله صلى الله عليه[وآله]وسلم : أيها الناس!إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضوا ، وعترتي أهل بيتي (١).

__________________

(١) سلسلة الأحاديث الصحيحة لناصر الدين الألباني ٣٥٥ : ٤ ح ١٧٦١.

١٤

فمشايعة أهل البيت عليهم السلام ومتابعتهم هو الخط الفاصل بين مذهبين ، فأن ثبت بطلانها بطل مذهب الشيعة من رأس ويخز بنيانهم من الأساس ، لذا ليسأل العاقل نفسه ، هل إن طرح تلك المواضيع يمس التشيع لأهل البيت عليهم السلام؟!بالطبع لا؛ لأن مشايعة أهل البيت عليهم السلام لا توقف على القول بالتقية فأن ثبت عنده أن التقية غير جائز ـ لا عناداً لأقوال اهل البيت عليهم السلام ـ فهذا لا يخرجه من التشيع ولا يدخله في مذهب العامة ، وكذا من قال بعدم تحريف القرآن فإن ذلك لا يخرجه من التشيع ولا يدخله في التسنن ، وكذا بقية الموارد السابقة ، إلاّ أن يقال : إن تحريف القرآن يوجب الكفر ، وهذا الكلام على إطلاقه خطأ كبير سوف نثبت خلافه من كلمات علماء أهل السنة إن شاء الله تعالي ، ثم لنفرض أنه يوجب الكفرفهل هذا يصحح مذهب العامة؟! ، فلماذا يطرح الوهابيون هذه المواضيع التي لا تمس محل النزاع وهو التشيع والمتابعة لأهل البيت عليهم السلام؟! أم حسبوا أن المبطل والضال من يقول قولاً يثيرغضب الهمج وترتفع في وجهه صرخات الأوباش؟!أما كان لميزانهم الخاسر بين العقلاء موضوع غير القرآن وسلامته من التحريف؟!

الاستىدراج والخداع في النقاش الوهابي!

ولا بأس بذكر شيء نقرب به معنى كلامنا أن نقاش الوهابية فيه محاولة جادة للطعن في كتاب الله عزّ وجلّ من حيث لا يشعرون ، فهاهم الآن ينتهجون منهجاً في النقاش يجرّون به الطرف المقابل إلى موضوع تحريف القرآن شاء أم أبى!فعندما يناقشهم الشيعي في لب الموضوع ومنبع الخلاف أي

١٥

تحديد مصدر التلقي وأخذ الدين بعد النبي بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم ، أي مفاد حديث الثقلين السابق ، يفاجئك الوهابي بالقول : فلنتكلم عن الثقل الأكبر! ، يقصد لنتكلم عن تحريف القرآن!فهذا هو الأسلوب الأول.

ولأسلوب الآخر أن يقول لك قبل النقاش : نريد أن نحدد محوراً ومرجعاً تحتكم إليه عند الخلاف ، فيقال له لنجعل القرآن كتاب الله بيننا ، فيرد عليك : الشيعة يقولون بتحريف القرآن!ويبدأ السجال والأخذ والرد والتناوش على كتاب الله!

هكذا ، يتحايلون ويخادعون لجر النقاش وحصر الخلاف بين الشيعة والسنة إلى القرآن بأنه محرف أم لا؟مع أننا قلنا : إن إثبات عدم التحريف لا يمس التشيع والمتابعة لأهل البيت عليهم السلام! ، فقد يري الشيعي عدم التحريف أو التحريف ولا يصيرسنيّاً في كلتا الحالتين ، وهنا يتضع معنى قولنا : إن هذاالطرح لا يجّر سوى الويلات على القرآن.

ولو نظرنا في خداعهم السابق لوجدناه منطويا على مغالطة في كل من الحيلتين ، فأسلوبهم الأول بتسرعه الفاضح لحصر الكلام في الثقل الاكبر وقصر العين على أحد الثقلين قبل تحديد الثقل الآخر ، له معنيان لا ثالث لهما ، إما أنه مسلّم بدلالة حديث الثقلين ولا داعي لتحديد هما في الرتبة السابقة ، وهذا تسليم بمرجعية أهل البيت عليهم السلام بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم ، وعند هذه النقطة يكسر مذهب اهل السنة ويفض النزاع وإما أنه دلس وقفز من دلالة الحديث إلى ما عبأ به نفسه وشحنها ليحصر النقاش فيه ، أي في تحريف القرآن ـ وهو واقع حال الوهابية ـ فحينها يقال

١٦

له : يجب قبل الخوص في خصوصية كل ثقل ورأي المذهبين فيه ومدى التمسك به أن نحدد في الرتبة السابقة دلالة الحديث ، أي العلم بما يدل عليه الحديث من معنى الثقلين ، هل هما الكتاب والعترة أم غير هما؟ وبعد تحديد هما والفراغ من أن القرآن والعترة أو القرآن وأي شيء آخر هما المأمور باتبا عهما بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، حينها ينتقل النقاش ـ ولن ينتقل لأن هذه المرتبة تسقط مذهب أهل السنة ـ إلى المرتبة الثانية وهي خصوصيات كل ثقل منهما ويحصر النقاش فيه قبل الفراغ من دلالة الحديث!

والحيله الثانية أسخف من الأولى؛ لأن الطرف المقابل ـ الشيعي ـ قد سلم بعدم تحريف القرآن ومن سلم بشيء يلُزم به حتى وإن لم يؤمن به؛ لأن أمره سيفتضح في نهاية المطاف ، فكيف إذا كان مؤمنا به حقا؟! ، وهذا أمر بديهي ومن أوليات التفكير المنطقي ، لذا من غير المعقول أن يقال له إن بعض علماء الشيعة قال بالتحريف ، فهل يعني هذا أنه لم يُسلّم؟! أو أن تسليمه ليس بتسليم؟! ، حتى لو (سلمنا) بأن المقّر بشيء لا يؤخذ بإقراره وتسليمه إلاّ بشروط وقيود! ، فلماذا يلزم هذا المسكين برأي شاذ ولا يُلزم برأي الجمهور بل لماذا يرفَض تسليمه وما سلم به وهو رأي كل مراجع الشيعة على مر العصور؟!بل أكثر من ذلك إن من قال بتحريف القرآن لم يقل : إن المحرف والساقط من المصحف يتاعارض مع الموجود حتى يمنع ذلك من جعل القرآن الحالي محورا يحتكم إليه عند النزاع ، فالكل إذن متفق على أن ما في المصحف يمكن جعله محورا ومرجعا بلا معارض!

١٧

ناهيك عن أن عدم قبول الوهابي لهذا التسليم يعني سد باب النقاش في أي موضوع كان ، سواء في تحريف القرآن أو غيره؛ لأن أي نقاش يثار ـ حتى وإن كان في تحريف القرآن ـ سيقف عدم تحديد المرتكز الذي يحتكم إليه عند الاختلاف عقبة لم تحل بعد! ، لذا عندما يحاول الوهابي الضحك على القول فيبدأ النقاش في تحريف القرآن ، نسأله : ما هو الضابط الذي نحتكم إليه في هذا النقاش؟!هل هو القرآن؟! كيف وقد صار محلا للنقاش؟! ، فيجب عليه حينها تغيير المركز كجعل العقل مثلا ، ولن يقبله الوهابي؛ لأن العقل ليس من حزبه ، أو أن ينبذ جهالاته وسخافاته جانبا ويأخذ بما سلم به الطرف المقابل ، وعليه يتضح معنى البديهة المنطقية القائلة من سلم بشيء يُلزم به.

والمضحك أن أحد مشايخهم تكلم بنفس هذا الأسلوب واستدرج أحد عوام الشيعة إلى تحريف القرآن ، وفي حين أن الوهابي لم يقبل من الشيعي حاكمية ومرجعية القرآن عند الاختلاف لأن الشيعة تقول بتحريف القرآن بزعمه صارت استدلالات الوهابي المخدوشة كلها من القرآن ، ويتعجب هذا الوهابي العبقري من الشيعي كيف لا يقر باستدلاله القرآني؟!مع أن الوهابي يقول : إن الشيعة لا يصح لها أن تعتمد القرآن في النقاش؟!! فأي عقل هذا؟!كتاب الله عزّوجلّ محاولين حصر النقاش في تحريف القرآن.

آخر العلاج ، هذا الكتاب!

وإن أبي الوهابيون إلاّ النقاش في تحريف القرآن على ما في التقاش من

١٨

مغالطات وتخليط ، وانتهجوا التبجح والصياح كذبا وزورا أن الشيعة يحرفون القرآن ، فحينها يؤخذ وبكل سرور هذا الترياق المجرب والميسم الكاوي ليوسم به الوهابية بنفس كلمات علمائهم المعتبرين ، كالطبري وابن كثير وابن حجر وابن تيمية وغيرهم ، الذين صرحوا واعترفوا بأن من أكابر الصحابة والتابعين من كان يرى وقوع التحريف في القرآن وهذا هو دين بعض سلفهم الصالح ، وقد أفردنا له فصلا كاملا في آخر لكتاب ، وحينها ينتهي السجال بتكفير الصحابة والتابعين بنفس ميزان اولهابية.

ماذا في الكتاب

لا أدري كيف صبغت هذه المقدمة بالقيل والقال حتى لا تكاد تشعر أنها مقدمة! ، ولكني وجدت الكلام السابق مفيدا ونافعا لذا نرجو معذرة القارئ الكريم.

وهذا الكتاب في ثلاثة فصول ، الفصل الأول : يتناول تحريف القرآن عند الشيعة مع شيء من التفصيل ، وفيه شيء من عجائب وغرائب الوهابية والفصل الثاني : في تحريف القرآن عند أهل السنة ، وهو على قسمين :

القسم الأول : التحريف غير الصريح

وموضوعه علوم القرآن التي شانت القرآن بتقنين تحريفه والقول بشرعيتة ، وهذا في أربعة بحوث :

١ ـ الأحرف السبعة

٢ ـ جمع القرآن

٣ ـ القراءات القرآنية

١٩

٤ـ نسخ التلاوة

وبين طيات كل مبحث منها توجد ملاحظات واعتراضات على الجزئيات المطروحة ، ثم ندكر وجه العلاقة بين هذا المبحث المطروح وتحريف القرآن ، وفي نهاية كل مبحث نذكر رأي الشيعة في أهم المسائل لتصح المقارنة والمقايسة بين المذهبين ، أقصد مذهب أهل البيت عليهم السلام ومذهب العامة ، أما الوهابية فسنقتصر على بيان غرائبهم وشيء من نوادرهم لترويح وإنعاش القارئ المحترم الذي تلبد فكره بالأخذ والرد.

والقسم الثاني : التحريف الصريح

وفيه ذكر للسور الزائدة والناقصة من القرآن ، وكذا الحال بالنسبة للأيات ، ونذكر أيضا التلاعب الذي أحدثه سلفهم في القرآن واتخاذهم تحريف القرآن مهنة وحرفة يراد منها التفاف الجماهير والشهرة ، ومن ثم نفرد فصلا لذكر من قال بتحريف القرآن من سلفهم ودان به ، ثم نعقب بفصل آخر فيه شهادات علماء أهل السنة الكبار معترفين مقرين أن من الصحابة ورموز التابعين من كان يعتقد وقوع التحريف في القرآن ، وهذه الشهادات والاعترافات اخذت من كتبهم المعتبرة بالجزء والصفحة.

وأما الفصل الثالث فتناول دور الشيعة في صيانة القرآن من التحريف وإيصاله لنا بهذا الشكل الأنيق الرصين ، وسيتفضح لنا أن جمع القرآن وتدوينه وإملاءه وتنقيطه بنقط الإعراب أولا ، وبتقط الإعجام ثانيا ، وإعادة صياغة النقاط مع بعض الإضافات الخط المصحف ، وكذا تطوير الخط النسخي إلى هذا الخط الرائع أمامك فأمكن وضع التشكيل عليه ، كل هذه الأمور التي

٢٠