ذلك الشيخ الوقور

المؤلف:

كمال السيد


الموضوع : التراجم
الطبعة: ١
الصفحات: ٩٦

١
٢

٣

الامام جعفر الصادق عليه السلام :

«إيّاك أن تنصب رجلاً دون الحجّة ؛

فتصدّقه في كلّ ما قاله»

الكافي ج ٢ ص ٢٩٨

باب طلب الرئاسة ، الحديث رقم ٥

٤

في البدء

منذ صعود المتوكّل إلى السلطة في ٢٣٢ هـ ـ ٨٤٦ م استشرى الفساد والارهاب الحكومي ، وفي فترة مبكرة جدّاً من حكمه الذي امتدّ إلى ١٥ عاماً تأسّس جهاز للأمن الخاص وجهاز للأمن العام الأوّل يراقب المسؤولين والآخر يراقب أفراد الشعب.

وقد حصل المتوكّل على لقب «محيي السنّة» بعد اطاحته بالمعتزلة الذين كانوا يسيطرون على مفاصل الدولة ؛ وفي طليعتها سلطة القضاء واغلاقه ملف ما عرف تاريخيّاً بـ«محنة خلق القرآن» وتكريمه «أحمد بن حنبل» وكان الأخير قد تعرّض لمعاملة قاسية في بغداد لرفضه القول بـ«خلق القرآن».

وما زاد في شعبيّة المتوكّل في بغداد أوامره بانزال جثمان

٥

«أحمد بن نصر الخزاعي» الذي أعدم قبل شهور حيث قام الخليفة الواثق باعتقاله ؛ فسيق مخفوراً من بغداد إلى العاصمة سامراء ؛ وقد استجوبه الخليفة شخصيّاً ونفذ فيه حكم الاعدام! وأمر بصلب الجثمان في بغداد.

وقد اشترك المئات في تشييعه وربما الآلاف ما يشير إلى أن تجربة المتزلة في الحكم واستغلالهم للدولة وابتداعهم «مسألة خلق القرآن» واستشراء الفساد المالي والاداري افرز طاقة سلبيّة في العمق الاجتماعي وجنوح إلى تبني الفكر السلفي المتمثل بالتيار الذي كان يقوده «أحمد بن حنبل» والذي راح يتفاقهم يوماً بعد آخر.

وكان الامام علي بن محمّد الهادي قد وجّه شيعته وأنصاره إلى عدم الانجرار وراء هذه الفتنة ، التي أحدثت مزيداً من التصدّع الاجتماعي وأمرهم بعدم الخوض في الجدل المحتدم حول خلق القرآن والاكتفاء في توصيفه بأنّه «كلام الله» فحسب.

من جانب آخر وجهت الدولة أجهزتها باتّجاه اضطهاد

٦

العلويّين من نسل الرسول صلى الله عليه وآله وأتباع أهل البيت عليهم السلام وأنصارهم ؛ وقد استدعي الامام الهادي وأجبر على مغادرة المدينة المنوّرة والحضور في سامراء ؛ حيث فرضت عليه الاقامة الاجباريّة ليكون تحت المراقبة المباشرة وعيون رجال الأمن الخاص! كما فرض على الامام الهادي عليه السلام منذ ذلك الوقت ارتداء الزي الأسود وهو الزي الرسمي للدولة العباسيّة والحضور يومي الاثنين والخميس في قصر الخلافة!

وقد وصل الارهاب الحكومي والتشدّد في التعامل مع شيعة أهل البيت عليهم السلام ذروته في الحظر الرسمي على زيارة مرقد أهل البيت عليهم السلام ذروته في الحظر الرسمي على زيارة مرقد الامام الحسين سيّد الشهداء عليه السلام في كربلاء ، وبالرغم من المنع الحكومي فقد كانت كربلاء تشهد تدفق الزائرين خاصّة في منتصف شعبان من كلّ عام حتّى عرفت تلك الزيارة بـ«الحجّ».

وقد انتشرت هذه الظاهرة حتّى وصلت إلى قصر الخليفة المتوكّل الذي تحوّل إلى طاغية ما انفك يقيم حفلاته الساهرة حيث يستمتع احياناً بمشاهدة عروض مسرحيّة سخيفة تسخر

٧

من رموز وائمة أهل البيت عليهم السلام.

وصادف ذات ليلة أن طلب الخليفة حضور احدى مطرباته الأثيرات فقيل له : انّها ذهبت للحجّ! وعندما استغرب من ذلك! قيل له انّها ذهبت لتزور الحسين في كربلاء! الأمر الذي ضاعف من قلقه فأصدر أوامره بهدم المرقد الطاهر وتخريب القبّة بل تحويل كربلاء إلى أرض جرداء.

وهي المهمّة التي امتنع المسلمون على اختلاف طوائفهم من القيام بها وكذلك المسيحيّون وتبناها بعض اليهود بقيادة إبراهيم الديزج الذي سيصبح قائداً للشرطة في سامراء!

وقد قامت السلطة بمعاقبة المسيحيّين عقاباً جماعيّاً وهدمت بعض كنائيهم!

وما يثير التساؤلات ان المتوكّل ذهب في مناصبته العداء لأهل البيت عليهم السلام حدوداً خطيرة حتّى انه قرّر اتّخاذ دمشق عاصمة للدولة العبّاسيّة في سنة ٢٤٤ هـ ـ ٨٥٨ هـ (١) لكنّه يعدل

__________________

١. موسوعة أحداث التاريخ الاسلامي للدكتور عبد السلام الترمانيني ج ١ م ٢ ص ١٣٥٨.

٨

عن قراره بعد أسابيع خوفاً من الوباء الذي عصف بها ؛ ولعلّه خوفاً من مؤامرات الضبّاط الأتراك في سامرّاء حيث توجد معسكرات الجيوش العبّاسيّة والتي تشكّل العناصر التركية فيها الغالبيّة الساحقة (١).

ولم تمض سوى بضعة أشهر على عودته إلى سامراء قام المتوكّل بجريمته الاُخرى في قتل العالم الأديب الكبير يعقوب بن إسحاق المعروف بـ«ابن السكّيت» وكان الأخير قد استقدم من بغداد للاشراف على تعليم أبناء الخليفة فسأله الأخبر قائلاً :

ـ يا يعقوب! أيّهما أحبّ إليك ابناء هذان ، أم الحسن والحسين؟!

فأجاب ابن السكّيت بشجاعة وبسالة :

ـ إنّ قنبراً خادم عليّ خير منك ومن ابنيك!

فانقض عليه الجلاوزة وأشبعوه ركلاً على بطنه واستلّوا

__________________

١. موسوعة العتبات المقدّسة جعفر الخليلي كتاب سامراء.

٩

لسانه من قفاه ، ولفظ أنفاسه بعد لحظات! ثمّ حمل جثمانه إلى بغداد ليوارى الثرى (١).

وفي عام ٢٤٥ هـ ـ ٨٥٩ م استنزفت خزانة الدولة في بناء القصور وتأسيس مدينة جديدة شمال سامراء وشق نهر يتفرّع من دجلة كان يعمل فيه اثنا عشر ألف عامل ؛ غير ان المشروع فشل لأسباب فنيّة ترتبط بطبيعة الأرض والتضاريس ومع ذلك استمرّ العمل فيه ؛ بالرغم من مرور شهور طويلة! (٢).

ويبدو ان المهندس المشرف على تلك المشاريع «دليل بن يعقوب النصراني» على علم بما يجري في الخفاء وتحديداً الإعداد لمحاولة انقلابيّة خطيرة بقيادة نجل المتوكّل محمّد (المنتصر) وكان والده قد قام بالغاء ولايته للعهد واسنادها إلى «المعتز» بتأثير محظيته الحسناء «قبيحة».

ففي منتصف ليلة الثالث من شوال سنة ٢٤٧ هـ ـ الثامن من كانون الأوّل ٨٦١ م اقتحمت قوّة مؤلّفة من الضباط الأتراك

__________________

١. أحداث التاريخ الاسلامي ج ١ م ٢ ص ١٣٦٣.

٢. المصدر السابق ص ١٣٦٥.

١٠

بقيادة «باغر» وانقضت على الخليفة السكران ورئيس وزرائه الفتح بن خاقان وتقطّعهما ارباً ارباً وكان المتوكّل يحضر لاغتيال ابنه «المنتصر» في يوم ٥ شوال! والاعلان عن تنصيب المعتز وليّاً للعهد (١).

وبعد ستّة أشهر فقط اغتيل المنتصر بمبضع مسموم! لتصبح الخلافة أُلعوبة بأيدي الضباط الأتراك الذين راحوا يتنازعون من أجل الاستحواذ على المزيد من الثروات والنفوذ ما أدّى إلى نشوب الحرب الأهليّة اثر هروب الخليفة المستعين إلى بغداد (٢).

وفي إيران تمرّد ليث الصفّار ليؤسّس له دولة داخل دولة وقد بلغ من تفاقم قدراته العسكريّة انّه استولى على مناطق شاسعة من الشمال واتّجه جنوباً إلى فارس ، ثمّ هو الآن يستعد للزحف باتّجاه بغداد منتهزاً انشغال الجيوش العبّاسيّة بمواجهة ثورة الزنوج في جنوب العراق!

__________________

١. تاريخ الطبري حوادث سنة ٢٤٧ هـ.

٢. انظر فارس الزمن الغائب ، كمال السيّد ص ٣٣ ـ ١٤٢.

١١

وفي هذه الأجواء ولد محمّد بن يعقوب بن إسحاق في قرية «كلين» جنوب الري (طهران).

تلقى تعليمه الابتدائي لدى والده الشيخ يعقوب الكليني وكان من علماء الري المعروفين آنذاك وكذا خاله علي بن محمّد بن إبراهيم وكان من أساتذة علم الحديث.

وقد دفعه حبّ العلم والمعرفة إلى أن يشدّ الرحال إلى مدينة الـ«ري» التي تقع على بعد ٣٨ كم شمال قرية «كلين» وكانت الري يومذاك حاضرة علميّة معروفة تنسب إليها الشخصيّات التي تحمل لقب «الرازي».

الله وحده المطّلع على القلوب! ترى هل خطر على قلب ذلك الشاب انّه يودّع قريته «كُلين» إلى الأبد!

في مدينة الري

عندما وصل محمّد بن يعقوب الكليني مدينة الري كان انتماء معظم سكّانها موزعاً بين المذهبين الحنفي والشافعي

وكان ثمّة وجود للشيعة القاطنين في ضواحي «ري» وقد بدأ

١٢

شيعة أهل البيت بالنفوذ داخل المدينة والتأثير في قناعات سكّانها بسبب ما امتازوا به من أخلاق رفيعة وسلوك نبيل وبالتالي يصبع المذهب الامامي الاثني عشري جزءً من المعادلة!

كانت «ري» في تلك الفترة الزمنيّة من حواضر الاسلام المعروفة حيث سادت فيها أفكار واتّجاهات مذهبيّة متباينة إلّا انّها كانت تنعم بالاستقرار والهدوء والتعايش السلمي.

غير ان بعض الحركات السياسيّة التي كانت تتّخذ من الدين غطاءً لم ترك هذا الاستقرار يستمرّ طويلاً ، فقد نشطت الفرقة الاسماعيليّة فكريّاً واعلاميّاً بغية السيطرة على إيران ، فاتّخذت من الري قاعدة أساسيّة في نشاطها الدعائي.

وحصل التصادم بينها وبين المذهب الشافعي والحنفي وكذلك المذهب الإمامي أيضاً.

وفي هذه الفترة لم يتعرّف الكليني ـ إضافة إلى تلقيه الدروس الدينيّة ـ على عقائد وأفكار وتوجّهات المذاهب والفرق الاُخرى فحسب ؛ بل تسنّى له أيضاً أن يتعرّف على

١٣

بعض الفرق التي كانت ترمي إلى حرف التشيّع عن مساره الحقيقي.

لقد تعرّف الكليني مبكراً على موضع الداء كما انّه اكتشف الدواء! لقد كانت العلّة تكمن في ذلك الانفصال بين الناس وأحاديث أهل البيت الكرام ، وكان الدواء بطبيعة الحال هو في ايصال هذه المعارف السامية إلى عموم المسلمين.

ومن هنا انتخب الكليني طريقه وسار قدماً بالرغم من صخب الحوادث وراح يبحث عن أحاديث أهل البيت ويدوّنها.

فقد تتلمذ في هذه الفترة على أيدي أساتذة كبار في طليعتهم : «أبو الحسن محمّد بن أسد الكوفي» (١) الذي كان يقيم في مدينة الري.

ينبغي توصيف عصر الكليني بأنّه عصر الحديث ذلك انّه شهد حركة واسعة جداً لتدوين الحديث وكان الرواة في ترحال

__________________

١. مفاخر الاسلام ، علي الدواني ج ٢ ص ٢٦.

١٤

دائم يجوبون المدن والحواضر العلميّة الرئيسيّة بحثاً عن الحديث الشريف والمحدّثين والرواة.

ولقد نشط علماء أهل السنّة في هذا المضمار نشاطاً واسعاً جدّاً حتّى ان المجموعات الحديثيّة الكبرى إنّما تبلورت في تلك الفترة وفي ذلك العصر ظهرت الصحاح الستّة الشهيرة.

إلى قم

كان طلب الحديث هاجس الكليني ، فقد عاش في عصر تلامذة الإمام علي الهادي والإمام الحسن العسكري عليهما السلام غير ان اولئك الرجال لم يكن لديهم سوى مدوّنات حديثيّة محدودة جداً ، بل ان بعضها تعرض للتلف في نفس الفترة.

واذن فقد كان الفناء والاندثار يهدّدان ذلك الميراث الحديثي النفيس عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وأهل بيته الكرام عليهم السلام فمع وفاتهم سوف يندرس الكثير والكثير جداً من الأحاديث الشريفة ؛ خاصّة وان عصر الغيبة الصغرى تزامن مع مولد الكليني تقريباً وكان الاتّصال بسفراء الامام الغائب معقداً

١٥

بسبب الظروف السياسيّة والاجتماعيّة السائدة في بغداد.

ومن هنا فقد عاصر الكليني حقبة زمنيّة بالغة الحساسيّة كانت فيها الطائفة الشيعيّة بأمس الحاجة إلى ما يحصّنها ضدّ التيارات الفكريّة والاستلاب ، سيّما تيار القرامطة الذين بدأوا يتشكّلون سياسيّاً ويتحرّكون عسكريّاً في ثورات متتابعة.

لهذا شدّ الكليني الرحال إلى مدينة قم التي كانت آنذاك احدى الحواضر العلميّة التي تزخر بالنشاط والحركة والحياة الفكريّة.

وتعدّ مدينة قم في تلك الفترة مدينة المحدّثين والرواة الشيعة وقد كانوا بالعشرات يملأون المساجد ، حيث تنعقد بهم حلقات الدراسة والمعرفة وعلم الحديث وكانت تمتاز بوجود رواة ومحدّثين يروون على نحو مباشر ومن دون واسطة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام.

وفي مدينة قم انتظم الكليني في حلقات علم الحديث حيث تتلمذ على أيدي أبرز أساتذته وفي طليعتهم أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري وأحمد بن إدريس القمّي المعروف

١٦

بـ«المعلّم» وعبد الله بن جعفر الحميري مؤلّف كتاب «قرب الاسناد» ونجله محمّد بن عبد الله الحميري ، وكان عبد الله بن جعفر على صلات وثيقة بالامامين الهادي والعسكري عليهما السلام ومراسلات في ظروف صعبة ؛ وتذكر بعض المدوّنات ان مؤلّف «قرب الاسناد» كانت له مراسلات أيضاً مع الامام الحجّة المنتظر عليه السلام.

وقد بلغ عدد الأساتذة الذين تلقى الكليني عنهم علم الحديث خمسة وثلاثين راوياً ومحدّثاً كان لهم الأثر ولا شكّ في بلورة شخصيّة الكليني.

غير ان اسماً يبرز ساطعاً يقترن بموسوعته الحديثيّة الفريدة ألا وهو المحدّث والراوية الكبير علي بن إبراهيم القمّي ، هذا الاسم الذي سيشغل التسلسل الثالث في سلسلة أسناد السفر الجليل «الكافي» حيث روى الكليني عنه ما يناهز «٧١٤٠» حديث (١).

__________________

١. معجم رجال الحديث ، آية الله الخوئي ١١ / ١٩٤.

١٧

ولـ«علي بن إبراهيم» تفسير معروف باسمه يعد في طليعته التفاسير لدى الشيعة الإماميّة.

ويمكن القول انّه لولا ملازمة الكليني لهذه الشخصيّة لضاع قسم كبير من الأحاديث الشريفة ولضاع ميراث كبير.

انّ الله سبحانه شاء أن يبقى هذا الميراث سالماً وقيّض لذلك رجلاً عالماً وأميناً أوقف سنوات حياته على تدوينه الحديث الشريف واكتشف كنوزه المبعثرة هنا وهناك ، ولقد كان علي بن إبراهيم القمّي واحداً من تلك الكنوز الحديثيّة الكبرى والكليني هو من كشف عنها وضبطها وأثبتها وسجّلها لتكون ميراثاً ثقافيّاً فريداً.

إلى مدينة الكوفة

ومن قم المقدّسة شدّ الكليني الرحال إلى مدينة الكوفة التي كانت في طليعة الحواضر والمراكز العلميّة والثقافيّة على الاطلاق ، فقد كانت هذه المدينة تموج بحقول العلم والمعرفة وتزخر برجالات الفكر ؛ أجل كانت الكوفة في تلك الفترة

١٨

ميداناً رحباً للحوار الثقافي والفكري بما نعمت به من حريّة فكريّة وحريّة في التعبير عن الرأي.

وفي مسجدها الكبير انعقدت حلقات الدراسة والحوار وسرعان ما وجد الكليني ضالته في أحد كبار حفظة الحديث الشريف وهو «ابن عقدة» الراوية الذي اتّخذ من مدينة الكوفة موطناً له.

وقد عرف ابن عقدة بذاكرة فريدة جعلته آية من آيات الذكاء في العالم الاسلامي آنذاك (١).

وبالرغم من انتماء الأخير إلى المذهب الزيدي في اتّجاهه الجارودي الّا ان زهده وتقواه جعله ثقة لدى الجميع في الرواية والحديث لذلك كان الكليني يروي عنه.

التطوّرات السياسيّة

من المحتمل جدّاً أن يكون الكليني في مدينة الكوفة أبان

__________________

١. مفاخر الاسلام ج ٢ ص ٥٥.

١٩

حكومة المعتضد المعروف بـ«السفّاح الثاني» الذي حكم الدولة العبّاسيّة بالحديد والنار ؛ وكان يشرف على حفلات التعذيب الوحشيّة والاستجواب والتحقيق في القضايا الأمنيّة الخطيرة ، خاصّة التي تمسّ أمن النظام ؛ والمعتضد هو حفيد الطاغية المتوكّل أنشأ جهازاً سريّاً للاغتيالات قبل تسنّمه الخلافة بعشرين سنة تقريباً وهو المتّهم الأوّل باغتيال رئيس الوزراء عبيد الله بن يحيى بن خاقان سنة ٢٦٣ هـ ـ ٨٧٦ م في حادث سير مفتعل! (١)

والمعتضد هو من تشير إليه المدوّنات لدى الشيعة الإماميّة بأنّه وجّه بعض رجاله إلى سامراء لاغتيال الإمام المهدي في سنة ٢٧٥ هـ ـ ٨٨٩ م ولذلك تشير بعض الكتب التاريخيّة إلى سنة ٢٧٥ هـ بأنّه العام الذي دخل فيه الامام المهدي المنتظر «سرداباً في دار أبيه بسامراء ولم يخرج منه» (٢).

وقد عاصر الكليني زهاء أربعين ثورة عصفت بالدولة

__________________

١. تاريخ الطبري حوادث سنة ٢٤٧ هـ.

٢. وفيات الأعيان ج ٤ ص ١٧٦ ؛ الأعلام ج ٦ ص ٣٠٩.

٢٠