تراثنا العدد [ 26 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا العدد [ 26 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٢٤٠
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

مجلة تراثنا العدد 26

١
 &

تراثنا

العدد الأول [ ٢٦ ]

السنة السابعة

الفهرس

* كلمة التحرير :

« تراثنا » بين الماضي والمستقبل على طريق مذهب أهل البيت عليهم السلام .

......................................  هيئة التحرير ٧

* الولادة في الكعبة المعظَّمة : فضيلة لعليٍّ عليه السلام خصّه بها ربُّ البيت .

...................................  شاكر شبع ١١

* من الأحاديث الموضوعة ( ٦ ) :

حديث ٱتّباع سُنّة الخلفاء وإطاعة الْأُمراء .

.............................  السيّد عليّ الحسينيّ الميلانيّ ٤٣

* أهل البيت ـ عليهم السلام ـ في المكتبة العربية ( ١٧ ) .

.............................  السيّد عبد العزيز الطباطبائي ٩٨

ISSN ١٠١٦ – ٤٠٣٠

٢
 &

مجلّة تراثنا العدد 26

محرّم ـ صفر ـ ربيع الأول

١٤١٢ هـ

* فهرس مخطوطات المدرسة الباقرية ـ مشهد المقدَّسة ( ٥ ) .

.............................  الدكتور محمود فاضل ١١٦

* الإِمامة : تعريف بمصادر الإِمامة في التراث الشيعي ( ٩ ) .

..............................  عبد الجبّار الرفاعي ١٤٩

* قراءة جديدة في كتاب « نهج البلاغة » للإِمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام .

.............................  الدكتور عبد الكريم الأشتر ١٧٠

* تاريخ الأدب الشيعي في الحويزة والدورق .

.............................  السيّد هادي بالليل الموسوي ١٧٧

* من ذخائر التراث :

الباقيات الصالحات في أُصول الدين الإِسلامي ـ لآية الله الخراساني الحائري .

...........................  تقديم : السيّد محمد رضا الحسينيّ ١٩١

* من أنباء التراث

.......................................  ٢٢٦

* صورة الغلاف : نموذج من مخطوطة « الإِرشاد في معرفة حجج الله علی العباد » للشيخ المفيد ( ت ٤١٣ هـ ) تاريخها سنة ٥٦٥ هـ ، مقابلة علی نسخة السيد فضل الله الراوندي بتاريخ سنة ٥٦٦ هـ ، والذي تقوم مؤسسة آل البيت ـ عليهم السلام ـ لإِحياء التراث بتحقيقه ، راجع العدد ٦ ص ٢٢٧ .

٣
 &

مجلة تراثنا العدد 26

٤
 &

مجلة تراثنا العدد 26

٥
 &

مجلة تراثنا العدد 26

٦
 &

كلمة التحرير

«تُراثنا» بين الماضي والمستقبل على طريق مذهب أهل البيت عليهم السلام

بسم الله الرحمن الرحيم

بهذا العدد تدخل « تُراثنا » عامها السابع . وقد خلّفتْ أعداداً ، وصفحاتٍ مُلِئَتْ بأعمالٍ وجهود ـ وإنْ كانت كثيرة ، وعديدةً ، وواسعةً ، ومثيرةً ـ إلّا أنّها في جنب « التراث الإِسلاميّ العظيم » الذي يحمله الماضي ، جهدٌ لا يمثّل سوى بعض ما يجب !

وأمّا المستقبل ـ المنظور وغير المنظور ـ فهو بلا ريبٍ يتطلّب من أحبّاء هذا التراث ، وهُواته ، وعارفيه : جهوداً أكبر وأوفر ، وسعياً أدقّ ، وأكثر !

فما حصل ، ويحصل ، عليه إنسانُ العصر من إمكانات ، وقدرات ، وأساليب ووسائل ، تغري بالتوسّع في العمل التراثيّ ، والاستفادة من التقدّم التكنولوجي ، والألكتروني ، بالسرعة الفائقة التي وصلت إليها أجهزة الاتّصال ، والتصوير ، والإِرسال ، والطبع والنشر والتوزيع ، وما إلى ذلك من نعم الله على البشر .

ولكن المستقبل ، بما فيه من أخطار ، وأمراض ، وأعراض ، بشكل حروب ، بأسلحة الدمار الواسعة ، والعصبيّات المقيتة ، التي إن كانت في الماضي تحرق كتاباً أو تقتل مؤلِّفاً ، فهي الآنَ تحرق مكتباتٍ ومدناً بأكملها ، وتقتل شعباً بكامله ، إنّ المستقبلَ مهدد فيه التراث الغالي ، بأكثر ممّا كان في الماضي .

٧
 &

ولئن كان التوسّع في تحقيق التُراث ونشره ، والاستفادة من إمكانات العصر الحاضر في هذا السبيل ، أمراً يبعث على الأمل ، لكنّ ما يُرى من العبث بالكتاب ، والتراث منه بخاصّة ، وما تَطالُ الأيدي عليه باسم التصحيح ، ولكنّه التصحيف والتحريف ، وباسم التحقيق ، لكنّه التخفيق والتزييف .

إنّ هذا التعدّي على الكتاب الإِسلاميّ ـ والتراث منه بخاصّة ـ لهو ممّا يزري بكرامة العلم والعلماء ، وبحرمة التراث والثقافة والحضارة الإِسلامية في ماضيها ومستقبلها .

مع أنّ الإِقدام على الطبع بذلك الشكل السيّئ ـ مضموناً ، لا إخراجاً ـ يعدّ كفراً بأنعم الله ، وتضييعاً للوقت والجهد ، وتبذيراً للأموال والأعمال !

وبين هذه الأتراح وتلك الأفراح ، وهذه الاثقال وتلك الآمال ، وهذه الخسارات وتلك البشارات ، فلا يُستثنى التراث ولا التراثيّون من التعرّض لمشاكل الحياة العامة والخاصة ، كما لا يُستثنيان ـ هو وهم ـ من القوانين المعقّدة العامة والخاصة ، ولا الإِرادات العامة والخاصة ، التي تعترض طريق العمل التراثيّ وتعوق مسيرته ، ونشره ، وتحقيقه .

وبين كلّ الذي جرى ويجري فإنّ « التُراث الإِسلاميّ » هو العملاق الصامد ، الذي لا يخبو نوره ، ولا يُنكر فضله ، ولا يزول أثره ، ولا يزال مجيداً وعظيماً ومفيداً وكريماً . . بالمجد الذي كتبته له القرون ، والعظمة المستلهمة من الإِسلام ، والفائدة التي يفرضها العقل والتدبير ، والكرامة لأُمّتنا ، في ماضيها ومستقبلها . فإنْ كنّا أغنياء في فكرنا إلى هذا الحدّ ، فما لنا لا نبني مستقبلنا على ذلك ، ونستضيء بنور التراث في طريقنا لنسير عليه في هذا العالم المليء بالظلمات ، ظلمات الظلم والجور ، وظلمات العقيدة والفكر .

وإذا كنّا نحمل بأيدينا مصباحاً غالي الثمن ، يحمل تلك القدرة الفائقة على الإضاءة وإراءة الهدىٰ ، فلماذا نبقى ـ على التلّ ـ تائهين ، متردّدين ، بين الأفكار المستوردة من هنا وهناك ، والأحزاب والنظريّات السائبة والهزيلة ؟ ! !

٨
 &

وإذا كان قُرآننا ـ أقدس كتاب تُراثيّ يملكه المسلمون ـ يدعو بإصرار إلى « التفكّر » و « التدبّر » و « العقل » و « النظر » فما لنا نكتفي بطبع هذا القرآن ـ فقط ـ وتزويقه وتزيينه وتذهيبه وتجليده فحسب ! ! !

و « تراثنا » تستهدي الطريق إلى الهدف الأسمىٰ من خلال تراث أهل البيت عليهم السلام ، خير أئمّة لهذه الأُمّة ، وبلغة القرآن الكريم ونوره ، كي ترسمه أمام المسلمين ، في خضمّ هذا الصَخَب ، ليركبوا « سفينة نجاتهم » التي عيّنها لهم الرسول الأكرم صلّی الله عليه وآله وسلّم في قوله : « مثل أهل بيتي كسفينة نوح مَنْ ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق » .

و « تُراثنا » تتجاوز كلّ ما يخصّها أو يعمّها من عقبات وعراقيل ، بما فيها استفزازات أعداء الحقّ ، المدّعين للإِسلام ، والمتسمّين به ـ مع الأسف ـ والّذين يحاولون شقّ عصا المسلمين ، وتشتيت كلمتهم ، في هذه الظروف العصيبة ، التي كشّر الكفّار الأجانب عن أنْيابهم ، وبصراحة ووقاحة ، لهذا الدين ولمعتنقيه المسلمين ، وهؤلاء ـ هم ـ تدنّس أقدامُهم القذرةُ أرضَ المقدّسات !

ومع هذا نجد المتأسلمين يحاولون بأقلامهم المأجورة رسم فتاوی مزيَّفة ، تهاجم طائفة كبيرة من المسلمين من شيعة أهل البيت النبويّ ، ينبزونهم بما لا يليق ، ويحضُّون الجهلة على سفك دمائهم وهتك أعراضهم ، وما إلى ذلك من إفك وحرام .

فلو حلَّ ـ في شرعة الله ـ قتل أحد ممّن شهد الشهادتين ، أو جاز ـ في قوانين الدول الحاكمة ـ إهدار دم من أجل المذهب ، فالأوْلى لهؤلاء « المفتين » أن يحكموا بقتل الكفّار الأجانب ـ الأمريكان وغيرهم ـ الّذين يعيثون في الأرض الإِسلامية المقدّسة فساداً ، والّذين يدنّسون بنجسهم أرض الحرمين المقدّسَين في الحجاز ! !

بدلاً من أن يُصدروا فتاوى في أُمّة تقول : « ربّنا الله » .

وتعمل « تُراثنا » لصدّ مثل هذا ، بأنَّ تكشف عن واقع مذهب أهل البيت من خلال تعريف تُراثه ، وفكره وجهده ليقف المسلمون على ذلك ، بعلم ويقين ، بما لأهل بيت النبي صلّی الله عليه وآله وسلّم من فضل وشرف وكرامة على هذه الأُمّة ، وما

٩
 &

لأعدائهم الّذين ينصبون لهم العداء ، ويتحاملون على شيعتهم ، ويحاولون تكفيرهم وقتلهم ، ونبذ معارفهم ، وتخويف المسلمين من كتبهم وعلومهم ، لا لشيء ارتكبوه إلا أنهم يدعون إلى الحقِّ ، ويتمثّلون ذلك في أهل بيت النبي صلّی الله عليه وآله وسلّم ، ويتّبعون فقههم باعتباره أصفى مورداً ، وأقرب مصدراً ، وأوضح دليلاً ومنطقاً .

و « تُراثنا » غير متوانيةٍ ولا متردّدة ، تؤدّي بذلك ما حمّلها التاريخ وما تفرضه الأحداث .

والثقة بالله ، أن يبلغ بالعمل رضاه ، وأن يمدّ العاملين بفضله وإحسانه ، فهو المأمول من منّه وكرمه ، إنّه ذو الجلال والإِكرام .

هيئة التحرير

١٠
 &

الولادةُ في الكَعْبةِ المُعَظَّمَةِ فَضِيلةٌ لِعَليٍّ عَليهِ السَّلام خَصَّهُ بِهَا رَبُّ البَيْتِ

شاكر شَبَعْ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله ربِّ العالمين ، والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين ، وصحبه الأخيار المنتجبين .

أمّا بعد :

فقد حالفني الحظّ في مطالعة كتاب « عليٌّ وليدُ الكعبةِ » لسماحة الشيخ الحجّة الميرزا محمّد علي الغروي الأُردوبادي تغمّدَهُ الله برحمته ، وسبرت غوره بقدر ما وسعني ذلك ، فامتلأتْ نفسي إعجاباً به وإكباراً له ، ووجدتني مندفعاً لتسجيل كلمة تُعرب عن مبلغ ارتياحي وابتهاجي بهذا الأثر القيّم ومكانته .

ولم يَعْرُني شكٌّ في أنّه نفحة من نفحات أمير المؤمنين عليه السلام منحها المؤلفَ فاستأثر بها ، مطلقاً العنان لسعة باعه وقوّة بيانه المفعم بعناصر التجويد والإِبداع ، مَوقِفَاً الباحث على جليّة حديث الولادة الميمونة ، مظهراً في أثناء ذلك مبلغ عنائه في جمع موادّه .

ولشدّة ما استهواني موضوع الكتاب بدأت أجمع استدراكات له ، تتميماً وتعضيداً ، والذي حداني إلى ذلك ثقتي بأنّه قدّس سرّه لو أمدَّ الله في عمره لصنع مثل

١١
 &

ما صنعت ، وبارك لي فيما كتبت ، خاصّة أنّي اقتفيتُ في هذا التتميمِ أثرَه ، وسلكت منهجَه .

وقد تجمّعت لديَّ نصوصٌ كثيرة من مخطوط الكتب ومطبوعها ، قديمها وحديثها ، نادرها ونفيسها ، ممّا كان الوصول إليه والحصول عليه في زمان الحجّة المؤلِّف أمراً عسيراً ، ومجموع ذلك يُغني لإِثبات صحّة الحديث ، والكشف عن اتّفاق أهل العلم والفضل عليه .

ولكن الّذين ( يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ) لم تُطاوعهم نفوسهم لقبول فضائل الإِمام أمير المؤمنين عليه السلام ، وهذه أوّلها بما فيها من دلالات عميقة ، فحاولوا تشويهها بشتّى الأساليب ، تمريراً لسياسة معاوية في التصدّي لفضائل الإِمام عليّ عليه السلام ، تلك السياسة التي دبّرها وعمّمها في مرسوم سلطاني يقول فيه :

برئت الذمّة ممّن روى شيئاً في فضل أبي تراب وأهل بيته (١) .

ثمَّ كتب إلى عمّاله في جميع الآفاق :

إذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأوّلين ، ولا تتركوا خبراً يرويه أحدٌ من المسلمين في أبي تراب ، إلّا وتأتوني بمناقضٍ له في الصحابة ، فإنَّ هذا أحبُّ إليَّ وأقرُّ لعيني ، وأدحضُ لحجّة أبي تراب وشيعته (٢) .

قال الرواي : فَرُوِيَتْ أخبارٌ كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها ! فظهر حديثٌ كثيرٌ موضوع ، وبهتان منتشر ! (٣) .

وبهذه الجرأة والصلافة ملأوا كتبهم بالأكاذيب الكثيرة ، والفضائل المجعولة ،

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١١ / ٤٤ عن كتاب « الأحداث » لأبي الحسن علي بن محمّد المدائني .

(٢) المصدر السابق : ١١ / ٤٦ .

(٣) المصدر السابق .

١٢
 &

والأحاديث الموضوعة .

وحيث لم يطالوا إنكار فضيلة المولد الشريف للإِمام عليّ عليه السلام لوضوحه واشتهاره ، بل تواتره والاتّفاق عليه ، عمدوا إلى وضع أُسلوب آخر لإِخفاء أثرها ، وهو ادّعاء مثل ذلك لشخص آخر هو الصحابي حكيم بن حزام ، وروّجوا لهذه المزعومة حسب الإِمكانات التي هيّأتها لهم السلطة وأعوانها .

وهذه ليست أوّل خصوصية يحاولون سلبها عليّاً عليه السلام ، بل هناك غيرها كثير ، منها :

الحديث المتواتر المتَّفق على صحّته : « أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها » .

وضعوا قباله حديثاً واهياً هو : « أنا مدينة العلم ، وأبو بكر أساسها ، وعمر حيطانها ، وعثمان سقفها ، وعليٌّ بابها ! » (٤) .

وحديثاً آخر ، أشدُّ وهناً ، وأظهر وضعاً ، هو : « أنا مدينة العلم ، وعليٌّ بابها ، ومعاوية حلقتها ! » (٥) .

ومنها الحديث المتواتر الثابت الآخر : « عليٌّ منّي بمنزلة هارون من موسى » .

وضعوا قباله حديثاً يشهد متنه وسياقه بوضعه ، فضلاً عن سنده ، هو : « أبو بكر وعمر منّي بمنزلة هارون من موسى ! » (٦) .

ومنها الحديث المتواتر الصحيح الآخر : « لأُعطينَّ الراية غداً رجلاً يحبُّ اللهَ ورَسولَه ، ويحبّه اللهُ ورسولُه . . . » .

وضعوا قباله حديثاً مثيراً للضحك والسخرية والاستغراب ، هو : « لأُعطينَّ هذا الكتاب رجلاً يحبُّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ! قم يا عثمان بن أبي العاص . فقام عثمان بن أبي العاص ، فدفعه إليه » ؟ ! (٧) .

ويكشف عن هذا التلاعب المكشوف ، ويبيّن أنّه كان أمراً معروفاً ومألوفاً ، قول

__________________

(٤ و ٥) راجع الغدير ٧ : ١٩٧ ـ ١٩٩ .

(٦) راجع الغدير ١٠ : ٩٤ .

(٧) المعجم الأوسط للطبراني ١ : ٤٣٨ ح ٧٨٨ ، عنه مجمع الزوائد ٩ : ٣٧١ .

١٣
 &

الزهري في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد بن حنبل في « فضائل الصحابة » قال :

حدّثنا عبد الرزّاق ، قال : أنا معمّر ، قال : سألتُ الزهري : مَن كان كاتب الكتاب يوم الحديبيّة ؟

فضحك وقال : هو عليٌّ ، ولو سألت هؤلاء ـ يعني بني أُميّة ـ قالوا : عثمان (٨) .

واستعراض باقي الأمثلة يُخْرِجُنَا عن موضوع البحث الرئيسي ، وإنّما أردنا التدليل على منهج أُولئك في سلب الخصوصية ، وجرأتهم على وضع الأحاديث الواهية قبال الأحاديث السليمة .

هذا رغم ميل بعض العلماء إلى أنَّ ولادة حكيم بن حزام في الكعبة ليست فضيلة ولا مكرمة ، وإنّما كانت اتّفاقاً ولم تكن قصداً ، كما ارتأى ذلك الصفوري وغيره (٩) .

وأغرق بعضهم نزعاً في الضلال ، ورمى القول على عواهنه ، متحدِّياً ما أثبته مهرة الفنّ وأئمّة النقل ، وأخبت كبار العلماء والمؤرّخين بصحَّته ، ولم يكترث بأسانيده المتضافرة ، وطرقه المتَّصِلة المعتمدة عند كلّ مؤالف ومُخالِف ، فقال :

« إنَّ حكيم بن حزام وُلِدَ في جوف الكعبة ، ولا يُعْرَف ذلك لغيره ، وأمّا ما روي أنَّ عليّاً وُلِدَ فيها فضعيفٌ عند العلماء » (١٠) ! !

وقد أجاد الحجّة الأُردوبادي في الردِّ عليه ، وتفنيد مزاعمه ، فراجع أواخر باب « حديث الولادة والمؤرِّخون » .

ولكن نجد رغم ذلك أنَّ محاولتهم فيما يخصّ فضيلة المولد الشريف في الكعبة المعظّمة باءت بالفشل (١١) ، فلو رجعنا إلى مصادر الحديث لوجدنا خلالها ـ مع إثبات

__________________

(٨) فضائل الصحابة ٢ : ٥٩١ ح ١٠٠٢ طبعة مكّة .

(٩) نزهة المجالس ٢ : ٢٠٤ .

(١٠) أُنظر إنسان العيون ١ : ٢٢٧ .

(١١) قال الحافظ شهاب الدين ابن حجر العسقلاني في الإِصابة : ٤ / ٢٦٩ : « كلّما أرادوا ـ يعني بنو أُميّة ـ إخمادها وهدّدوا مَن حَدَّثَ بمناقبه لا تزداد إلّا انتشاراً » .

١٤
 &

تلك الفضيلة للإِمام عليّ عليه السلام على اليقين والجزم ـ أنَّ من المؤلّفين والعلماء والرواة مَن أعلن أنَّ هذه الفضيلة مختصّة بالإِمام عليه السلام لم يشركه فيها أحد قبله ولا بعده ، مصرّحين بذلك بعبارات شتّى تدلُّ على حصر هذه الفضيلة للإِمام عليه السلام بضرس قاطع .

وإليك نصوصها :

« لم يولَد قبله ولا بعده مولود في بيت الله الحرام سواه ، إكراماً له بذلك وإجلالاً لمحلّه في التعظيم » .

رواها الحافظ أبو عبد الله محمّد بن يوسف القرشي الكنجي الشافعي ( ت ٦٥٨ هـ ) عن الحاكم أبي عبد الله النيشابوري ( ٣٢١ ـ ٤٠٥ هـ ) (١٢) .

وقالها أيضاً :

ـ الشيخ أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان البغدادي ، الشيخ المفيد ( ت ٤١٣ ) (١٣) .

ـ الحافظ يحيى بن الحسن الأسدي الحلّي ، المعروف بابن البطريق ( ٥٣٣ ـ ٦٠٠ هـ ) (١٤) .

ـ الشيخ الثبت أبو علي محمّد بن الحسن الواعظ الشهيد النيسابوري ، المعروف بابن الفتّال ، من علماء القرن السادس (١٥) .

ـ الشيخ الوزير بهاء الدين أبو الحسن علي بن عيسى الأربلي ( ت ٦٩٣ هـ ) (١٦) .

__________________

(١٢) كفاية الطالب : ٤٠٧ .

(١٣) الإِرشاد : ٩ .

(١٤) عمدة عيون صحاح الأخبار : ٢٤ .

(١٥) روضة الواعظين : ٧٦ .

(١٦) كشف الغمّة ١ : ٥٩ .

١٥
 &

ـ الإِمام جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي ( ٦٤٨ ـ ٧٢٦ هـ ) (١٧) .

ـ السيّد المحدَّث جلال الدين عبد الله بن شرفشاه الحسيني ، المتوفّى نيف وثمانمائة من الهجرة (١٨) .

ـ الشيخ المحدِّث الحسن بن أبي الحسن الديلمي ، من أعلام القرن الثامن الهجري (١٩) .

ـ الشيخ المؤرِّخ النسّابة جمال الدين أحمد بن علي الحسني ، المعروف بابن عنبة ( ت ٨٢٨ هـ ) (٢٠) .

ـ العلّامة المحدِّث السيّد وليّ الله بن نعمة الله الحسيني الرضوي ، من أعلام القرن التاسع الهجري (٢١) .

ـ العالم اللغوي الشيخ فخر الدين الطريحي ( ٩٧٩ ـ ١٠٨٧ هـ ) (٢٢) .

ـ العلّامة محمود بن محمّد بن علي الشيخاني القادري الشافعي المدني ، من أعلام القرن الحادي عشر (٢٣) .

*       *      *

« ولد بمكّة في البيت الحرام ، ولم يولد قطّ في بيت الله تعالى مولود سواه ، لا قبله ولا بعده ، وهذه فضيلة خصّه الله تعالى بها ، إجلالاً لمحلّه ومنزلته ، وإعلاءً لقدره » .

__________________

(١٧) نهج الحقّ وكشف الصدق : ٢٣٢ .

(١٨) منهج الشيعة في فضائل وصيّ خاتم الشريعة : ٧ ، نسخة مكتبة آية الله الكلبايكاني المؤرّخة ١٢٦٥ هـ .

(١٩) إرشاد القلوب : ٢١١ .

(٢٠) عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب : ٥٨ .

(٢١) كنز المطالب وبحر المناقب : ٤١ ، نسخة المدرسة الفيضية المؤرّخة ٩٨٩ هـ .

(٢٢) جامع المقال : ١٨٧ .

(٢٣) الصراط السويّ : ١٥٢ ، نسخة المكتبة الناصرية في لكهنو بالهند ، والتي يظهر أنّها بخطّ المؤلّف .

١٦
 &

قالها :

ـ أمين الإِسلام الشيخ المفسِّر أبو عليّ الفضل بن الحسن الطبرسي ( ت ٥٤٨ هـ ) (٢٤) .

ـ الحافظ محمّد بن معتمد خان البدخشاني الحارثي ، من أكابر علماء العامّة في القرن الثاني عشر (٢٥) .

*       *      *

« ولد بداخل البيت الحرام ، ولم يولد في البيت الحرام قبله أحدٌ سواه ، وهي فضيلة خصّه الله تعالى بها إجلالاً له ، وإعلاءً لمرتبته ، وإظهاراً لتكرمته » .

قالها :

ـ الحافظ نور الدين عليّ بن محمّد بن الصبّاغ المكّي المالكي ( ٧٨٤ ـ ٨٥٥ هـ ) (٢٦) .

وحكاها عنه :

ـ الفقيه المؤرِّخ نور الدين علي بن عبد الله الشافعي السمهودي ( ٨٤٤ ـ ٩١١ هـ ) في « جواهر العقدين في فضل الشرفين العلم الجليّ والنسب العليّ » .

ـ الشيخ علي بن برهان الدين الحلبي ( ٩٧٥ ـ ١٠٤٤ هـ ) في « إنسان العيون » (٢٧) .

ـ الشيخ مؤمن بن حسن مؤمن الشبلنجي ، من علماء القرن الثالث عشر (٢٨) .

*       *      *

__________________

(٢٤) إعلام الورى : ١٥٣ ، تاج المواليد : ١٢ .

(٢٥) مفتاح النجا في مناقب آل العبا ، نزل الأبرار بما صحَّ من مناقب أهل البيت الأطهار : ١١٥ .

(٢٦) الفصول المهمّة : ٣٠ .

(٢٧) عنهما عليٌّ وليد الكعبة : ١١٩ .

(٢٨) نور الأبصار في مناقب آل بيت النبيّ المختار : ١٥٦ .

١٧
 &

« ولد في البيت الحرام ، ولا نعلم مولوداً في الكعبة غيره » .

قالها نقيب الطالبيين الأديب الفقيه أبو الحسن محمّد بن الحسين الموسوي ، المعروف بالشريف الرضي ( ٣٥٩ ـ ٤٠٦ هـ ) (٢٩) .

*       *      *

« ولدته ـ أُمّه ـ في الكعبة ، ولا نظير له في هذه الفضيلة » .

قالها علم الهدى ذو المجدين علي بن الحسين الموسوي ، المعروف بالشريف المرتضى ( ٣٥٥ ـ ٤٣٦ هـ ) (٣٠) .

*       *      *

« لم يولد في الكعبة إلّا عليّ » .

قالها :

ـ الحافظ الفقيه محمّد بن علي القفّال الشاشي الشافعي ( ت ٣٦٥ هـ ) (٣١) .

ـ شيخ الإِسلام الحافظ المحدِّث إبراهيم بن محمّد الجويني الشافعي ( ٦٤٤ ـ ٧٣٠ هـ ) (٣٢) .

*      *       *

« ولدت ـ فاطمة بنت أسد ـ عليّاً عليه السلام في الكعبة ، وما ولد قبله أحدٌ فيها » .

نصّ على ذلك السيّد الشريف النسّابة نجم الدين أبو الحسن علي بن محمّد العلوي العمري ، من علماء القرن الخامس الهجري (٣٣) .

__________________

(٢٩) خصائص الأئمّة : ٤ .

(٣٠) شرح قصيدة السيّد الحميري المذهَّبة : ٥١ ، طبعة مصر سنة ١٣١٣ هـ .

(٣١) فضائل أمير المؤمنين : مخطوط ، عنه إحقاق الحقّ ٧ : ٤٨٩ .

(٣٢) فرائد السمطين ١ : ٤٢٥ .

(٣٣) المجدي في أنساب الطالبيّين : ١١ .

١٨
 &

« لقد وُلِدَ عليه السلام في بيت الله الحرام ، ولم يولد فيه أحدٌ غيره قط » .

قالها الشيخ الفقيه أبو الحسين سعيد بن هبة الله ، المعروف بقطب الدين الراوندي ( ت ٥٧٣ هـ ) (٣٤) .

*       *      *

« مولده عليه السلام في الكعبة المعظّمة ، ولم يولَد بها سواه » .

قالها العلّامة عمر بن محمّد بن عبد الواحد (٣٥) .

*       *      *

« . . . فالولد الطاهر ، من النسل الطاهر ، وُلِدَ في الموضع الطاهر ، فأين توجد هذه الكرامة لغيره ؟ !

فأشرف البقاع : الحرم ، وأشرف الحرم : المسجد ، وأشرف بقاع المسجد : الكعبة ، ولم يولد فيه مولودٌ سواه .

فالمولود فيه يكون في غاية الشرف ، فليس المولود في سيّد الأيّام ( يوم الجمعة ) في الشهر الحرام ، في البيت الحرام سوى أمير المؤمنين عليه السلام » .

قالها الحافظ المؤرّخ أبو عبد الله محمّد بن علي بن شهر آشوب السروي المازندراني ( ت ٥٨٨ هـ ) بعد أن ذكر عدّة أحاديث في ولادة عليٍّ عليه السلام في الكعبة (٣٦) .

*       *      *

« وُلِدَ في الكعبة بالحرم الشريف ، فكان شرف مكّة وأصل بكّة لامتيازه

__________________

(٣٤) الخرائج والجرائح ٢ : ٨٨٨ .

(٣٥) النعيم المقيم لعترة النبأ العظيم : ١٦ ، مخطوطة مكتبة آيا صوفيا ـ تركيا ، وأنظر بشأنه إيضاح المكنون ٢ : ٦٦١ ، أهل البيت ـ عليهم السلام ـ في المكتبة العربيّة .

(٣٦) مناقب آل أبي طالب ٢ : ١٧٥ .

١٩
 &

بولادته في ذلك المقام المنيف ، فلم يسبقه أحد ولا يلحقه أحد بهذه الكرامة » .

قالها المحدّث الجليل السيّد حيدر بن علي الحسيني الآملي من علماء القرن الثامن الهجري (٣٧) .

*       *      *

« كانت ولادته بالكعبة المشرّفة ، وهو أوّل مَن وُلِدَ بها ، بل لم يُعْلَم أنَّ غيرَه وُلِدَ بها » .

قالها العلّامة صفي الدين أحمد بن الفضل بن محمّد باكثير الحضرمي الشافعي ، من أعلام القرن الحادي عشر (٣٨) .

*       *      *

« وُلِدَ عليه السلام بمكّة داخل الكعبة على الرخامة الحمراء ، ولم ينقل ولادة أحدٍ قبله ولا بعده في الكعبة ، وذلك فضل الله يؤتيه مَن يشاء » .

قالها كلٌّ من :

ـ العالم المحدِّث الفقيه السيّد تاج الدين بن علي بن أحمد الحسيني العاملي ، من علماء القرن الحادي عشر (٣٩) .

ـ العالم الفاضل محمّد بن رضا القميّ ، من علماء القرن الحادي عشر (٤٠) .

*       *      *

« ولادة معدن الكرامة في جوف الكعبة ، ولم يولَد أحدٌ فيها غيره ، وقد خصّه

__________________

(٣٧) الكشكول فيما جرى على آل الرسول : ١٨٩ .

(٣٨) وسيلة المآل : ٢٨٢ ، نسخة مكتبة آية الله المرعشي النجفي العامة ، المؤرّخة ١٢٨٠ هـ .

(٣٩) التتمّة في تواريخ الأئمّة ، الفصل الثالث ، مخطوط .

(٤٠) كاشف الغمّة : ٤٢٢ ، نسخة المؤلِّف المخطوطة المحفوظة في مكتبة مجلس الشورى ، برقم ٢٠٠٠ .

٢٠