تراثنا ـ العدد [ 19 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 19 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٣٨

١

الفهرس

مقولة جسم لا كالأجسام بين موقف هشام بن الحكم ومواقف سائر أهل الكلام

...................................................... السيد محمدرضا الحسيني ٧

أهل البيت عليهم السلام في المكتبة العربية (١٢)

.................................................. السيد عبدالعزيز الطباطبائي ١٠٨

فقه القرآن في التراث الشيعي (٥)

...................................... الشيخ محمدعلي الحائري الخرّم آبادي ١٣٢

الإمامة : تعريف بمصادر الإمامة في التراث الشيعي (٢)

.......................................................... عبدالجبّار الرفاعي ١٤٠

٢

من ذخائر التراث

رسالة القول المبين عن وجوب مسح الرجلين للعلّامة الكراجكي.

................................................. تحقيق : علي موسى الكعبي ١٨٥

من أنباء التراث............................................................. ٢٢١

* * *

_________________

* صورة الغلاف : نموذج من رسالة القول المبين عن وجوب مسح الرجلين للعلّامة الكراجكي ـ المنشورة في هذا العدد ، من ص ١٨٥ ـ ٢٢٠.

٣
٤

٥
٦

مقولة

«جسم لا كالأجسام»

بين

موقف هشام بن الحكم ومواقف سائر أهل الكلام

السيد محمد رضا الحسيني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام التامين على سيد الأنبياء والمرسلين ، محمد الصادق الأمين ، الصادع بالوحي المبين ، وعلى خلفائه الأئمة المعصومين ، الأمناء على الدنيا والدين.

وبعد :

فقد تعرض للحق ـ المتمثل في الإسلام ، منذ نشأته ، والناس حديثو عهد بأصوله ـ أعداء ألداء تحينوا كل فرصة للكيد له ، والنيل منه.

لكنهم أخفقوا ، ولم ينالوا مناهم ، فلم يصمدوا لصلابته ، فباءوا بالفشل ، وانهزموا خاسرين.

ولما أعيتهم أساليب القمع والفتك ، لجأوا إلى الاتهام ، وكيل الإفك. وتزوير الباطل ، وتحريف الحقيقة ، بهدف تشويه وجه الحق ، وتعكير صفائه ، وإطفاء نوره ، وبهائه.

لكن لم تنطل أكاذيبهم على أهل الحق وطالبيه ، ولم تحجب شبهاتهم ساطع ضوئه ، وصادق برهانه ، فخابوا ، وانقلبوا خاسئين.

ولما يئس الأعداء الحاقدون من المساس بأصول الدين وأسس عقائده ،

٧

عمدوا إلى أعمدته وقواعده ، وهم رجاله ومناصروه ، فخاضوا فيهم قتلا وإبادة ، حتى استنفدوا أساليب الغيلة والغدر فأعجزتهم عن إخضاع أولئك الأساطين ، فلجأوا إلى أسلوب بث الدعاية ، وكيل التهم ، لتشويه سمعة أبطال الإسلام وصناديده ، وهدفهم أن يجعلوا الإسلام غريبا لا ناصر له.

فملأوا الدنيا بما لاكته ألسنة السوء من الباطل ، وما لفظته أبواق الزور من البهتان الزائل.

وقد فشلوا أمام وعد الله ببقاء جذوة الحق وقادة ، حيث قال : (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) [سورة التوبة (٩) الآية (٣٢) وقال : (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) [سورة الحجر (١٥) الآية (٩)].

ولما يئسوا من أن يصيبوا الحق وأعلامه بسوء ، انكفأوا على الباطل ، وانضووا إلى المنافقين بتكديس المدائح المفتعلة لهم ، ووضع الفضائل واختلاقها فيهم ، وترويج باطلهم ، وتحسين قبائحهم ، والستر على فضائحهم ، والتطبيل لهم ، والتزمير للغطهم ، سعيا في ضرب الحق ، وإخفاء شعاعه ، وإظهار الباطل ، ودجله ، وخداعه.

أخرج ابن الجوزي ، عن طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال. سألت أبي : ما تقول في علي ومعاوية؟

فأطرق ، ثم قال : إعلم أن عليا كان كثير الأعداء ، ففتش أعداؤه له عيبا فلم يجدوا ، فعمدوا إلى رجل حاربه فأطروه ، كيدا منهم لعلي.

فأشار بذلك إلى ما اختلقوه لمعاوية من الفضائل مما لا أصل له (١).

وقال ابن قتيبة : أهملوا من ذكره [يعني الإمام عليا عليه‌السلام] أو روى حديثا من فضائله ، حتى تحامى كثير من المحدثين أن يتحدثوا بها ، وعنوا بجمع فضائل

__________________

(١) ذكر ابن حجر في فتح الباري ٧ / ٨٣. وذكره الهيتمي في الصواعق المحرقة : ٧٦ قال. أخرج السلفي في «الطيوريات».

٨

عمرو بن العاص ومعاوية ، كأنهم لا يريدونهما بذلك وإنما يريدونه (٢).

وابتلي الحق ـ ثانية ، وهو متمثل في التشيع بأولئك الأعداء ، مقنعين باسم السلف والسنة ، حيث تصدوا له بالمنابذة والمعارضة ، فواجهتهم أدلته القاطعة وحججه الصارمة الناصعة.

ولما تعرضوا لأئمة الحق من آل محمد ، خلفاء الرسول من عترته الطاهرة ، أعجزتهم قوة أولئك السادة العلماء بالحق ، وصلابة أولئك الأوتاد العرفاء بالله ، وإخلاصهم في التفاني من أجله ، بما لم يثنهم عن ذلك ، حتى الاغتيال والقتل الذريع ، والسجن والهتك الفظيع ، بل ظلوا صامدين ، مصرين على قول الحق وفعل الصدق ، رغم كل أساليب العدوان وأقاويل البهتان التي استعملها الأعداء ضدهم.

ولقد اضطر أعداء الحق للخضوع أمام عظمتهم ، والاعتراف لم بكل كرامة :

يقول ابن حجر الهيتمي ـ وهو يتحدث عن (حديت الثقلين) المحتوي على قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في القرآن وأهل البيت ـ : «لا تقدموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم (٣).

قال : في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دليل على أن من تأهل منهم للمراتب العلية والوظائف الدينية) كان مقدما على غيره (٤).

ويقول الذهبي ـ في ترجمة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن عليه‌السلام ـ : محمد ، هذا ، هو الذي يزعمون أنه «الخلف الحجة» وأنه «صاحب الزمان» وأنه حي لا يموت حتى يخرج ، فيملأ الأرض عدلا وقسطا ، كما ملئت ظلما وجورا.

[قال الذهبي :] فوددنا ذلك ـ والله ـ!

__________________

(٢) الاختلاف في اللفظ : ٤٨.

(٣) أنظر : مصادر حديث الثقلين ، بألفاظه المختلفة في مقال «أهل البيت في المكتبة العربية» المنشور في مجلة (تراثنا) العدد (١٥) السنة الرابعة ، ١٤٠٩ / ص ٨٤.

(٤) الصواعق المحرقة لابن حجر : ١٣٦.

٩

فمولانا علي من الخلفاء الراشدين! ... نحبه أشذ الحب!

وابناه الحسن والحسين ، فسبطا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسيدا شباب أهل الجنة ، لو استخلفا لكانا أهلا لذلك!؟

وزين العابدين كبير القدر ، من سادة العلماء العاملين ، يصلح للإمامة!

وكذلك ابنه أبو جعفر الباقر سيد ، إمام ، فقيه ، يصلح للخلافة!

وكذا ولده جعفر الصادق كبير الشأن ، من أئمة العلم ، كان أولى بالأمر من أبي جعفر المنصور.

وكان ولده موسى كبير القدر ، جيد العلم أولى بالخلافة من هارون ... (٥).

ولئن اضطرهم الأمر للاعتراف ـ هكذا ـ بالحق. والحق مر على أذواق غير أهله ، فبدلا من أن يبحثوا عن الطرق التي توصلهم إلى هؤلاء الأئمة السادة القادة ، قرناء الكتاب ، وأمناء الشرع ، فبدلا من ذلك انثالوا على كل ما يمت إليهم بصلة ، فانهمكوا بإنكاره وتكذيبه ، وعلى أصحابهم وأوليائهم فتعقبوهم بالمطاردة والتنكيل والتهديد ، وعلى رواة حديثهم فرموهم بالقدح والتجريح.

فلم يبخلوا ـ لا در درهم ـ بتهمة أن يلصقوها بكبار شيعة أهل البيت ، أولئك الذين وضعوا ثقتهم عند هؤلاء الأئمة عليهم‌السلام ، وانصاعوا للحق المتمثل في آرائهم.

ونظرة عجلى ، في الميزان للذهبي واللسان لابن حجر ، تكشف أبعادا من التجاوز الذي جاء على أتباع أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، في هذه المجالات! ولقد استهدفوا من ذلك نفس الهدف الذي كان لأعداء الحق المتمثل في الإسلام ـ أولا ـ وبنفس الأساليب التي انتهجها أولئك ، يحاولون إخلاء ساحة الحق من أنصاره الصادقين ، وتشويه ناصع الحق بإلصاق كل تهمة ، وتلطيخ سمعة أهله بأية صورة ، ظلما ، وعدوانا ، وزورا ، وبهتانا.

__________________

(٥) سير أعلام النبلاء ١٣ / ١١٩ ـ ١٢١ ، وانظر : كلمة حول الرؤية ـ شرف الدين ـ : ٤٢.

١٠

فهذا «هاشم بن الحكم» الذي التزم بهدي أهل البيت عليهم‌السلام وهو «شاب» (٦) «أول ما اختطت لحيته» (٧) و «غلام ، أول ما اختط عارضاه» (٨) ، فتمسك بالحق الذي هم عليه ، واستضاء بنور علومهم ، وكان من أنصار الإسلام ، وحمل مشعل الحق في ذلك العصر المظلم ، المدلهم ، الموبوء بالتيارات الإلحادية ، والآراء المستجدة على ساحة الفكر والعقيدة ، فكان ـ لما يتمتع به من نبوغ فائق ، وعقلية مقتدرة ـ نبراسا منيرا ، يتهافت حواليه شغب المشككين في الإسلام القويم ، وتندحر به شبه المنحرفين عن صراط أهل البيت عليهم‌السلام المستقيم.

ولعظمة هشام ، وسمو مقامه في الحق ، وعمق أثره في دحر الباطل ، وقف أعداء أهل البيت منه موقفا عدائيا صارخا ، وسعوا لتشويه سمعته ، وإبعاده عن الساحة ، وإفقاد جبهة الحق لمثل هذا العنصر النصير ، لما له من دور في الذب عن حياضه ، ورد كيد المبطلين إلى نحورهم ، لما يتمتع به من قوة على المناظرة وتفنيد شبهات المنحرفين ، والاعتراض على باطلهم بما يعجزون عن مقاومته ، ويوقفهم على صراح الحق بحيث يكلون عن تجاوزه وتخطيه.

ولقد أفرطوا في كيل التهم ، بأشكال مختلفة ، وفي مجالات عديدة ، لهذا الرجل

وركزوا ـ بالخصوص ـ على اتهامه في «التوحيد» باعتقاد التجسيم للبارئ تعالى شأنه ، فصوروا منه «رأسا» في هذا المعتقد الباطل ، ونسبوا إليه خرافات تأباها عقول المبتدئين في العلم ، فضلا عن مثل هشام الذي «كان حاذقا في صناعة الكلام» و «فتق الكلام في الإمامة ، وهذب المذهب بالنظر» (٩) و «له غور في الأصول»

__________________

(٦) الإحتجاج على أهل اللجاج : ٣٦٧ وانظر : اختيار معرفة الرجال : ٢٧١.

(٧) الإحتجاج على أهل اللجاج : ٣٦٥.

(٨) الفصول المختارة : ٢٨ ، وانظر : معالم العلماء ـ لابن شهرآشوب ـ : ١٢٨.

(٩) الفهرست ـ للنديم ـ : ٢٢٣.

١١

و «لا يغفل عن إلزاماته» (١٠).

مع ما يظهر على تلك التهم من التناقض الواضح ، والتهافت المفضوح! ومحور ما نقلوه عنه في هذه التهمة أنه كان يقول : إن البارئ تعالى شأنه «جسم لا كالأجسام».

ومع أن هذه المقولة لا تدل على ما يرومون إلصاقه بهشام من الاعتقاد بالتجسيم ، فإن أكثرهم اعتمد ما قاله الخصوم في نقلهم عن هشام ، واستند إلى تلك التهم في ترويج الدعايات المضللة ضد هذا العالم العظيم.

والعجب أن نجد في المتطاولين على هشام كثيرا من المنتسبين إلى السلف والمنتمين إلى السنة ، ممن يذهب إلى إثبات الأعضاء للبارئ جل شأنه ، بعنوان أن الأعضاء «صفات خبرية» له تعالى ، مع التزامهم بإمكان رؤيته ، ومع ذلك يلهثون ، ليخدشوا كرامة هشام بهذه التهمة!

ولا يقنع الأعداء باتهام هشام ، حتى اختلقوا مذهبا وهميا باسم «الهشامية» نسبوه إليه ، وذكروا فيه كل خرافة ، وكفر ، وتناقض ، وباطل! والأغرب أن تعويلهم في جميع ما تناقلوه ، على ما ذكره خصوم هشام فيه ، وكل واحد منهم يقصع بجرة سابقه ، حتى تكاثروا ، وألهاهم التكاثر عن رؤية الحق ودرك الحقيقة (١١).

ورأيت بعض الكتاب من المعاصرين قد استسلم لتلك الشائعات ، منصاعا لما استهدفته تلك التهم من الأغراض الفاسدة ، فنقل ما لفقه أولئك السابقون من الأكاذيب ، وعنون لفرقة باسم «الهشامية» في فرق الشيعة.

__________________

(١٠) الملل والنحل ـ للشهرستاني / ١٨٥.

(١١) إقرأ عن هذا التكاثر ، ما كتبه الأستاذ القدير المحامي توفيق الفكيكي رحمه‌الله في مقال «مع الدكتور كمال ...» في مجلة «الإيمان» النجفية ، العدد ٥ ـ ٦ ، السنة الأولى ، ص ٨ ـ ٣٩٩.

وفي العزم أن نكتب عما جناه مؤلفو كتب المقالات والفرق في شأن هشام ، وتفنيد مزاعمهم المفتراة عليه ، وفقنا الله لإنجازه ، إنه هو الموفق للخير والمعين عليه.

١٢

غافلا عن أن مصادرنا ـ على الاطلاق ـ خالية عن ذكر فرقة بهذا الاسم! والخصوم والأعداء ـ على رغم تكاثرهم ـ لم يعتمدوا فيما نسبوه إلى هشام من آراء وعقائد ، وأفكار ، وأدلة ، وشواهد ، وحجج ، على مصدر شيعي أبدا ، ولو على واحد! ولقد حز في نفسي كل هذا الحيف! فصممت على كتابة هذا البحث ، لعلي أسهم به في إسفار الحقيقة عن وجهها ، أو أنفض عنه غبار الزمان ، وعجاج العدوان.

والله المستعان.

وكتب

السيد محمد رضا الحسيني

الجلالي

في ٢٠ / جمادى الثانية / ١٤١٠ ه

* * *

١٣

مع المقولة : مصدرها ومدلولها

لقد تعددت الفرق التي عد هشام بن الحكم منها.

فبينما يصرح الأكثرون بأنه من «الشيعة الإمامية» باعتباره واحدا من كبار المتكلمين وفق هذا المذهب ، بل من المنظرين لعقائده ، ومن رواة حديثه ، ومن حملة فقهه ، والخصوم ينبزونه بأنه «رافضي» على هذا الأساس ، نجد من عده في «الغلاة» و «المجبرة» (١٢) و «الجهمية» (١٣) أو «المشبهة» (١٤) و «الحلولية» (١٥) و «الدهرية» (١٦) و «الديصانية الثنوية» (١٧) إلا أن ما أكد عليه أكثر خصومه هو كونه من «المجسمة» (١٨).

وقد نسبوا إليه ـ في مجال التجسيم ـ أمورا واضحة البطلان ، حتى أن بعضهم نسب إليه تجويز «المحال الذي لا يتردد في بطلانه ذو عقل» (١٩).

ونقلوا عن النظام قوله : إن هشاما قال في التشبيه ـ في سنة واحدة ـ خمسة أقاويل (٢٠).

ولوضوح بطلان هذه الدعاوى ، حيث أن هشاما أرفع شأنا من أن يوصم بمثل هذه الترهات ، وهو المتصدي لمناظرة كبار علماء القوم ، فإنا نرجئ التعقيب عليها وعلى أمثالها إلى مجال آخر.

وعلى كل ، فإن التجسيم أصبح السمة المشهورة التي تذكر مع هشام ،

__________________

(١٢) تأويل مختلف الحديث : ٤٨ ، والأنساب ـ للسمعاني ـ : ظ ٥٩٠ ، ولسان الميزان ٦ / ١٩٤ ، والملل والنحل ١ / لم ١٨٥

(١٣) هامش الفهرست ـ للنديم ـ : ٢٢٤.

(١٤) الملل والنحل / ١٨٤ ، والأنساب ـ للسمعاني ـ. ظ ٥٩٠.

(١٥) تاريخ الفرق الإسلامية ـ للغرابي ـ : ٣٠٢.

(١٦) التنبيه والرد ـ للملطي ـ : ٢٤.

(١٧) الإنتصار ـ للخياط ـ : ٤٠ ـ ٤١.

(١٨) مقالات الإسلاميين ـ للأشعري ـ ١ / ٢٥٧. ولسان الميزان ٦ / ١٩٦. ولهج بهذه التهمة أكثر المتأخرين!

(١٩) لسان الميزان ٦ / ١٩٤.

(٢٠) مقالات الإسلاميين ١ / ١٠٤. وانظر : تلبيس إبليس ـ لابن الجوزي ـ : ٨٣.

١٤

ويحاول خصومه إلصاقها به ، أو اتهامه بها ، ولقد عبروا عن هذه التهمة بعبارات تقشعر منها جلود المؤمنين الموحدين!!

وقد اتفقوا في النقل عنه أنه قال : البارئ جل ذكره «جسم لا كالأجسام» وكأنهم لخصوا التهمة في هذه الجملة ، وجعلوها دليلا على ما ادعوه عليه من التجسيم!

ولذلك ، فإنا نركز البحث عنها هنا. تحت العناوين التالية :

* * *

١٥

١ ـ مصدر المقولة :

نقلت هذه المقولة عن هشام ، في مصادر عديدة لمؤلفين قدماء :

١ ـ الرجال ، للكشي ، فقد ذكر بسنده عن عبد الملك بن هشام الحناط ، قال : زعم هشام بن الحكم : إن الله «شئ لا كالأشياء» وإن الأشياء بائنة عنه ، وهو بائن عن الأشياء.

وزعم : إن إثبات «الشئ» أن يقال : «جسم» فهو «جسم لا كالأجسام» «شئ لا كالأشياء» : ثابت موجود ، غير مفقود ، ولا معدوم ، خارج عن الحدين. حد الإبطال ، وحد التشبيه (٢١).

٢ ـ الكافي ، للكليني ، فقد روى بسنده عن الحسن بن عبد الرحمن الحماني ، قال : قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام : إن هشام بن الحكم زعم : أن الله «جسم ، ليس كمثله شئ» .. (٢٢).

فإن مؤدى «ليس كمثله شئ» هو نفس مؤدى «لا كالأجسام» من دون أدنى تفاوت ، وسيأتي توضيح هذه الجهة.

٣ ـ وقال الشيخ المفيد : لم يكن في سلفنا من تدين بالتشبيه من طريق المعنى ، وإنما خالف هشام وأصحابه جماعة أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام بقوله في «الجسم» فزعم أن الله تعالى «جسم لا كالأجسام» (٢٣).

٤ ـ وقال السيد الشريف المرتضى : فأما ما رمي به هشام بن الحكم من القول بالتجسيم ، فالظاهر من الحكاية عنه القول ب : «جسم لا كالأجسام» (٢٤).

وبهذا يثبت صدور هذه المقولة من هشام ، لأن كبار أعلام الطائفة نقلوها عنه.

__________________

(٢١) اختيار معرفة الرجال. ٢٨٤ الفقرة ٥٠٣.

(٢٢) الكافي ، كتاب التوحيد ، باب ١١ ج ١ ص ٨٢ ح ٧ ، رواه الصدوق في التوحيد ، باب ٦ ، ح ٨ ، ص ١٠٠.

(٢٣) الحكايات ١٣١. الفصول المختارة : ٢٨٥.

(٢٤) الشافي ـ للسيد المرتضى ـ : ١٢.

١٦

وقد نقلها علماء سائر الطوائف ، كما يلي :

٥ ـ قال أبو الحسن الأشعري ـ صاحب المذهب ـ : حكي عنه [أي : عن هشام] أنه قال : هو «جسم لا كالأجسام» ومعنى ذلك : أنه شئ موجود (٢٥).

وفي موضع آخر ، عند ذكر الاختلاف في التجسيم ، عد الفرقة الأولى : «الهشامية» ونقل عن هشام أنه قال : هو «جسم لا كالأجسام».

ثم عنون للفرقة الثانية بقوله : يزعمون أن ربهم «ليس بصورة ، ولا كالأجسام» ، وإنما يذهبون في قولهم : «إنه جسم» إلى : «أنه موجود» ولا يثبتون البارئ ذا أجزاء مؤتلفة ، وأبعاض متلاصقة (٢٦).

فالملاحظ : أن ما نسبه إلى الفرقة الثانية لا يختلف عما تحتويه المقولة التي نقلها عن هشام في ذكر الفرقة الأولى ، ولا عما نقله عنه في الموضع السابق ، وإنما هو هو بعينه ، بلا أدنى تفاوت ، عدا التقديم والتأخير ، وبعض التوضيح.

٦ ـ وابن أبي الحديد المعتزلي ـ بعد أن نقل أنواع التهم الموجهة إلى هشام ـ قال : وأصحابه من الشيعة يدفعون ـ اليوم ـ هذه الحكايات عنه ، ويزعمون : أنه يزد على قوله : إنه «جسم لا كالأجسام» وأنه إنما أراد بإطلاق هذا اللفظ عليه : إثباته (٢٧).

وقد نسبت هذه المقولة إلى آخرين غير هشام.

٧ ـ قال ابن أبي الحديد : وأما من قال : إنه «جسم لا كالأجسام» على معنى أنه بخلاف «العرض» الذي يستحيل أن يتوهم منه فعل ، ونفوا عنه معنى الجسمية ، وإنما أطلقوا هذه اللفظة لمعنى : أنه «شئ لا كالأجسام» و «ذات لا كالذوات».

فأمرهم سهل ، لأن خلافهم في العبارة ، وهم : علي بن منصور ، والسكاك ، ويونس بن عبد الرحمن ، والفضل بن شاذان.

__________________

(٢٥) مقالات الإسلاميين ١ / ٢٥٧.

(٢٦) مقالات الإسلاميين ١ / ١٠٤.

(٢٧) شرح نهج البلاغة ٣ / ٢٢٤ و ٢٢٨.

١٧

وكل هؤلاء من قدماء رجال الشيعة (٢٨).

ونسبت المقولة إلى أشخاص ينتمون إلى فرق أخرى :

٨ ـ قال ابن أبي الحديد ـ بعد ذكر ما نقلنا عنه ـ : وقد قال بهذا القول «ابن كرام» وأصحابه (٢٩).

ونسبت إلى داود الحواري (٣٠).

٩ ـ قال الشهرستاني ـ في «مشبهة الحشوية» نقلا عن الكعبي ، عن داود الحواري ـ رئيس «الحوارية» أنه يقول : إن الله سبحانه «جسم» ولحم ، ودم ، وله جوارح وأعضاء ...

وهو مع هذا «ليس جسما كالأجسام» ولا لحمها كاللحوم ... وكذلك جميع صفاته.

وهو سبحانه لا يشبه شيئا من المخلوقات ، ولا يشبهه شئ (٣١).

ومع قطع النظر عن التناقض بين صدر هذا النقل وذيله ، فإنه يدل على وجود المقولة «جسم لا كالأجسام» في ما نقل عن داود.

ونقلت المقولة ، بالمعنى ، منسوبة إلى قائلين لها :

١٠ ـ ذكر الأشعري في اختلافهم في البارئ تعالى هل هو في مكان أو لا؟ فقال. وقال قائلون : هو «جسم خارج من جميع صفات الأجسام» ليس بطويل ، ولا عريض ، ولا عميق ، ولا يوصف بلون ، ولا طعم ، لا مجسة ، ولا شئ من صفات الأجسام (٣٢).

وحكيت المقولة عن غير المعتزلة :

__________________

(٢٨) شرح نهج البلاغة ٣ / ٢٢٨.

(٢٩) شرح نهج البلاغة ٣ / ٢٢٨.

(٣٠) لقد اختلفت المصادر في إيراد هذا اللقب ، وقد ورد «الحواري» في بعض المواضع ، و «الجواربي» أو «الجواري» في مواضع أخرى ، والخوارزمي في مواضع ثالثة ، فليلاحظ.

(٣١) الملل والنحل ١ / ١٠٥ ، وانظر ـ : تاريخ الفرق الإسلامية ـ للغرابي ـ : ٣٠٠ ـ ٣٠١.

(٣٢) مقالات الإسلاميين ١ / ٢٦٠.

١٨

١١ ـ قال صاحب كتاب «فضيحة المعتزلة» : أيما أشنع؟ القول بأن الله «جسم لا يشبه الأجسام» في معانيها ، ولا في أنفسها ، غير متناه القدرة ، ولا محدود العلم ، لا يلحقه نقص ، ولا يدخله تغيير ، ولا تستحيل منه الأفعال ، لا يزال قادرا عليها؟ أم القول ... (٣٣).

وجاءت المقولة غير منسوبة :

١٢ ـ فيما ذكره الدواني على العقائد العضدية ، قال : ومنهم ـ أي : من المشبهة ـ من تستر بالبلكفة ، فقال : هو «جسم لا كالأجسام» وله حيز لا كالأحياز ، ونسبته إلى حيزه ليست كنسبة الأجسام إلى أحيازها ، وهكذا «ينفي جميع خواص الجسم» عنه ، حتى لا يبقى إلا اسم «الجسم».

وهؤلاء لا يكفرون ، بخلاف المصرحين بالجسمية (٣٤).

١٣ ـ فيما ذكره القاضي عبد الجبار المعتزلي من إبطال المعتزلة لقول من زعم : إن الله تعالى «جسم لا كالأجسام» قياسا على القول بأنه تعالى «شئ لا كالأشياء» (٣٥).

ولكن سنذكر أن مقولة «جسم لا كالأجسام» هي عند هشام بمعنى «شئ لا كالأشياء» وتساويها في المعنى ، فالدليل عليهما ـ عند هشام ـ واحد.

وعلى هذا فيمكن أن تعتبر مصادر «شئ لا كالأشياء» مكملة لمصادر مقولة «جسم لا كالأجسام».

ومن الغريب أن البغدادي ـ صاحب «الفرق بين الفرق» ـ لم ينقل هذه المقولة عن هشام ، مع نقله جملة من أشنع ما نسب إليه في بعض مصادرها السابقة!

وأظن أنه إنما عمد إلى ترك ذكر هذه المقولة ، لأنها تحتوي على ما ينسف كل تلك الأكاذيب المفتعلة ، والأباطيل المنسوبة إلى هشام ، كما سيتضح في هذا البحث ، بعون الله.

__________________

(٣٣) الإنتصار ـ للخياط ـ : ١٠٧.

(٣٤) الشيخ محمد عبده بين الفلاسفة والكلاميين : ٥٣٢.

(٣٥) شرح الأصول الخمسة : ٢٢١ ، وانظر : في التوحيد ـ تكملة ديوان الأصول ـ : ٥٩٦.

١٩

٢ ـ مصطلح هشام في كلمة «جسم» :

«الجسم». في العرف اللغوي يدل على تجمع الشئ ، وتكتله في الوجود الخارجي (٣٦).

وهذا بالطبيعة يقتضي وجود الأبعاد من الطول والعرض والعمق في ما يطلق عليه هذا اللفظ.

ويراد منه في العرف العام : مجموعة البدن ـ لإنسان أو حيوان ـ متكونة من أعضاء وجوارح.

وبعد أن دخلت الفلسفة الأجنبية بلاد الإسلام ، وترجمت ، واستغلها أعداء الدين لإحداث البلابل في أفكار المؤمنين ، وفصلهم عن معين الإسلام الصافي الذي كان يتمثل آنذاك في أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، استحدث لكلمة «الجسم» تفسير فلسفي هو : ما شغل حيزا ومكانا.

وقد اختلفت كلمات المتكلمين في معنى «الجسم» اختلافا كبيرا حيث يطلقونه في كتبهم ، وتجري على ألسنتهم.

قال ابن رشيد : الكرامية زعموا : أن معنى «الجسم» هو أنه «قائم بنفسه» (٣٧).

والأشاعرة ذهبوا إلى أن «الجسم» : ما كان مؤلفا.

ورأي المعتزلة : أن «الجسم» ما كان طويلا ، عريضا ، عميقا.

وهذا هو رأي المجسمة أيضا (٣٨).

وقد اصطلح هشام بن الحكم وتلامذته في «الجسم» معنى خاصا.

قال السيد الخوئي ـ معقبا على مقولة «جسم ، ليس كمثله شئ» ـ : إن نفي

__________________

(٣٦) معجم مقاييس اللغة ـ لابن فارس ـ ١ / ٤٥٧.

(٣٧) دوان الأصول : ٥٩٥ ، ولوامع البينات ـ للرازي ـ : ٣٥٩.

(٣٨) ديوان الأصول : ٥٩٥.

٢٠