تراثنا ـ العدد [ 17 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٤٦

١

الفهرس

الكنية : حقيقتها ، وميزانها ، وأثرها في الحضارة والعلوم الإسلامية

...................................................... السيد محمدرضا الحسيني ٧

أهل البيت عليهم السلام في المكتبة العربية (١٠)

.................................................... السيد عبدالعزيز الطباطبائي ٩٦

فقه القرآن في التراث الشيعي (٣)

...................................... الشيخ محمدعلي الحائري الخرّم آبادي ١٣١

معجم ما ألّفه علماء الإسلامية ردّاً على خرافات الدعوة الوهّابيّة

.................................................... السيد عبدالله محمدعلي ١٤٦

٢

تحقيق النصوص : بين صعوبة المهمّة وخطورة الهفوات (٢)

.................................................. السيد محمدرضا الحسيني ١٧٩

من ذخائر التراث

رسالة في شرح الدنيا مزرعة الآخرة للشهيد الثاني

..................................................... تحقيق اُسامة آل جعفر ٢١١

من أنباء التراث............................................................. ٢٣١

٣
٤

٥
٦

الكنية

حقيقتها ، وميزاتها

وأثرها في الحضارة والعلوم الإسلامية

السيد محمد رضا الحسيني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، الذي علم بالقلم ، وصلى الله وسلم على سيد ولد آدم ، محمد الرسول الأعظم ، وعلى الأئمة المعصومين ، من آله وعترته الميامين ، وعلى شيعتهم الأبرار ، والتابعين لهم بإحسان ، من الآن إلى يوم الدين.

وبعد :

فقد لزمني ـ لبعض الأغراض العلمية ـ الوقوف على حقيقة الكنية المعروفة لدى الكل ، والمتداولة على الألسن ، وبعد البحث عنها وجدتها تدخل ـ بشكل أو بآخر ـ في أكثر من علم من العلوم الإسلامية ، فضلا عن توغلها في الحياة العامة كظاهرة اجتماعية معتنى بها ، وتبتني عليها نكت في محادثات الأدباء ، وأحاديث الظرفاء ، الأمر الذي يجعلها واحدا من ما ينبغي معرفته من معالم الحضارة ..

وكنت ـ على عادتي ـ أقيد ما أستطرفه من ذلك ، في جذاذات تجمعت لدي ، ولقا عدت إليها يوما ـ لغرض علمي آخر ـ وجدتها كثيرة ، فخطر لي جمعها وتنظيمها ، فتكون هذا المقال ، الذي أعتبره جديرا بقول القيرواني : (ليس لي في تأليفه ـ من الافتخار ـ أكثر من حسن الاختيار ، واختيار المرء قطعة

٧

من عقله».

وأملي وطيد أن يستطرفه من يراجعه من فضلاء القراء ، وأن يستعذبه من يقرؤه من الطلاب الأعزاء.

والله ولي التوفيق ، وهو المستعان ، وله الحمد في الأولى والآخرة ، وصلى الله على محمد وعترته الطاهرة.

وكتب

السيد محمد رضا الحسيني

في الخامس والعشرين من شوال سنة تسع وأربعمائة وألف

من هجرة سيد الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله الأصفياء

٨

القسم الأول : حقيقة الكنية وميزاتها

١ ـ أصل الكنية :

قال ابن الأثير : بلغني أن سبب الكنى في العرب كان :

أن ملكا من ملوكهم الأول ولد له ولد توشم فيه أمارات النجابة فشغف به ، فلما نشأ وترعرع وصلح لأن يؤدب أدب الملوك ، أحب أن يفرد له موضعا بعيدا من العمارة يكون فيه مقيما يتخلق أخلاق مؤدبيه ، ولا يعاشر من يضيع عليه بعض زمانه ، فبنى له في البرية منزلا ونقله إليه ، ورتب له من يؤدبه بأنواع الآداب العلمية والملكية ، وأقام له ما يحتاج من أمر دنياه ، ثم أضاف إليه من هو من أقرانه وأضرابه من أولاد بني عمه وأمرائه ليواسوه ويتأدبوا بآدابه بموافقتهم له عليه.

وكان الملك على رأس كل سنة يمضي إلى ولده ، ويستصحب معه من أصحابه من له عند ولده ولد ، ليبصروا أولادهم ، فكانوا معه إذا وصلوا إليهم سأل ابن الملك عن أولئك الذين جاءوا مع أبيه ليعرفهم بأعيانهم ، فيقال له : «هذا أبو فلان ، وهذا أبو فلان» يعنون آباء الصبيان الذين هم عنده ، فكان يعرفهم بإضافتهم إلى أبنائهم فن هنالك ظهرت الكنى في العرب ، ثم انتشرت حتى صاروا يكنون كل إنسان باسم ابنه (١).

واحتمل الأخ الفاضل السيد حيدر شرف الدين ، العاملي ، أبو رضا (٢) : أن

__________________

(١) المرضع : ١ ـ ٤٢.

(٢) من أحفاد الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي العاملي ، صاحب المراجعات ، وأخونا السيد الجليل أبو رضا يتمتع بذكاء حاد ، وفكر عميق ، ويصحب قلبا طيبا ، ويملك زمام الورع والتقى ، كشفت عن ذلك كله السنوات التي عشتها معه في النجف وقم ، وفرض التنويه بها الواجب الشرعي وحق الأخوة ، عاد إلى وطنه لأداء واجب التبليغ ، كان الله له وأخذ بيده ووفق الله المؤمنين لمعرفة حقه وأداء واجبه.

٩

يكون أصل استعمال الكنية عند العرب لإخفاء أسمائهم ، لأنهم كانوا أمة قبلية تعيش حالات الحروب والغارات ، فربما اتخذوا الكنى ـ في بداياتها ـ ليخفوا وراءها شخصياتهم المعروفة ـ عادة ـ بالأسماء ، ثم تبلورت إلى أداة معبرة عن الأشخاص ، وتميزت بخصوصيات أخرى.

ويؤيد هذا الاحتمال : أن اللغويين فسروا الكنية بالستر ، كما سيجئ.

٢ ـ حقيقة الكنية :

قال الجرجاني : الكنية : ما صدر بأب أو أم أو ابن أو بنت (٣).

وقال الشيخ الرضي : الكنية هي : الأب ، أو الأم ، أو الابن ، أو البنت ، مضافات ، نحو : أبو عمرو ، وأم كلثوم ، وابن آوى ، وبنت وردان (١).

وقال ابن الأثير : لما كان أصل الكنية أن تكون بالأولاد ، تعين أن تكون بالذين ولدوهم ، كأبي الحسن ، في كنية علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

فمن لم يكن له ابن ، وكان له بنت ، كنوه بها.

ومن لم يكن له ابن ولا بنت ، كنوه بأقرب الناس إليه كأخ وأخت وعم وعمة وخال وخالة (٥).

وجروا في كنى النساء بالأمهات هذا المجرى في الكنى بالأولاد (٦).

أقول : ورد في الحديث الشريف عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال : «من السنة والبر أن يكنى الرجل باسم ابنه» كما سيأتي.

وقال الرضي : وقد يكنى الشخص بالأولاد الذين له ، كأبي الحسن لأمير المؤمنين علي عليه‌السلام.

__________________

(٣) التعريفات : ٨١.

(٤) شرح الكافية ٢ / ١٣٩.

(٥) لاحظ : النحو الوافي ١ / ٢٧٧.

(٦) المرصع ٢ ـ ٤٣.

١٠

وقد يكنى في الصغر تفاؤلا لأن يعيش حتى يصير له ولد اسمه ذاك (٧).

التكنية بالبنوة :

قال ابن الأثير : وكذلك فعلوا في إضافة الأبناء والبنات إكراما واحتراما لهم بإضافتهم إلى آبائهم مع ترك أسمائهم (٨).

تكنية الحيوان :

قال ابن الأثير : وأجروا غير الأناسي مجراهم في ذلك ، لما شارك الناس ـ في الولادة ـ باقي الحيوانات ، كنوا ما كنوا منها بالآباء والأمهات ، كأبي الحارث : للأسد ، وأم عامر : للضبع ، وأجروها في ذلك مجرى الأناسي (٩).

تكنية الجمادات :

قال ابن الأثير : فلما تجوزوا في إجراء الحيوانات العجم مجرى الناس في الكنى والأبناء ، حملوا عليها بعض الجمادات فأجروها مجراها فقالوا : أبو جابر : للخبز ، وأم قار : للداهية ، وابن ذكاء : للصبح ، وبنت أرض : للحصاة (١٠).

٣ ـ أقسام العلم :

العلم من ما يسمى في النحو «المعارف» وهو ينقسم إلى اسم وكنية ولقب ، قال ابن مالك الأندلسي :

اسم يعين المسمى مطلقا

علمه كجعفر وخرنقا

__________________

(٧) شرح الكافية : ٢ / ١٣٩.

(٨) المرصع : ٤٣.

(٩) المرصع ١ ـ ٤٢.

(١٠) المرصع : ١ ـ ٤٢.

١١

واسما أتى وكنية ولقبا

 ............................. (١١)

وقال الرضي : الاسم : ما لا يقصد به مدح ولا ذم (وإنما يراد به مجرد تعيين المسمى).

واللقب : هو اللفظ الذي يدل على مدح أو ذم.

وأما الكنية : فما كان فيه أحد أدوات الكناية من : أب ، وأم ، وقيل : وابن ، وبنت ـ أيضا ـ (١٢).

وقال أبو البقاء : العلم : إن كان مصدرا بأب أو أم فهو «كنية» وإن لم يصدر بأحدهما : فإن قصد به التعظيم أو التحقير فهو «اللقب» وإلا فهو «اسم».

وبعض أهل الحديث يجعل المصدر بأب أو أم ، مضافا إلى اسم حيوان أو وصفه كنية ، وإلى غير ذلك لقبا.

والشئ ـ أول وجوده ـ تلزمه الأسماء العامة ، ثم تعرض له الأسماء الخاصة كالآدمي ، إن ولد سمي به ـ ذكرا كان أو أنثى أو مولودا أو رضيعا ـ وبعد ذلك يوضع له الاسم ، والكنية ، واللقب.

وقال : ويجوز اجتماع الثلاثة لشخص واحد ، إذا قصد بكل واحد منها ما لا يقصد بالآخرين ، ففي التسمية إيضاح ، وفي الكنية تكريم ، وفي التلقيب ضرب من الوصفية (١٣).

وقال الصفدي : إن العلم الدال على شخص معين :

إن كان مصدرا بأب ، كأبي بكر ، أو بأم ، كأم كلثوم وأم البنين ... فهو «الكنية».

وإن أشعر برفع المسمى ، كماء السماء ، وذي الجناحين ، وذات النطاقين ،

__________________

(١١) الألفية ، لابن مالك ، المطبوعة مع النحو الوافي ١ / ٢٨٤ ه ٥.

(١٢) شرح الكافية ٢ / ١٣٩.

(١٣) الكليات ، لأبي البقاء ٣ / ١٩٢ ـ ١٩٣.

١٢

ويدخل في هذا ألقاب الخلفاء ، كالعباس ، والمهدي ، ... ، ويدخل فيه مصطلح الناس من : شمس الدين ، وبدر الدين ، ونجم الدين ، وغير ذلك من ألقاب أهل الكتاب ، كشمس الدولة ، وتاج الملك.

أو يشعر بضعة المسمى ، كقفة ، وبطة ، والأقيشر ، والأحوص.

فهذا هو «اللقب».

وإن كان للدلالة على ذات المسمى وتعيينه ، كزيد ، وعمرو ، فهو «الاسم» (١٤).

٤ ـ موقع الكنية في الكلام :

قال ابن مالك الأندلسي :

واسما أتى وكنية ولقبا

وأخرن ذا إن سواه صحبا (١٥)

ومعناه : أن اللقب إذا اجتمع مع الاسم والكنية ، لزم تأخير اللقب عنهما ، فالاسم والكنية مقدمان على اللقب عند اجتماعها ، فيقال : الحسين ، أبو عبد الله ، الشهيد ، عليه‌السلام.

أما تقديم الاسم على اللقب : فمتفق عليه :

قال ابن عقيل : يجب تأخير اللقب إذا صحب الاسم (١٦).

وأما تقديم الكنية على اللقب ، فهو ظاهر الألفية حيث ورد فيها : «وأخرن ذا» أي اللقب «إن سواه» أي غير اللقب «صحبا».

ولكن شراح الألفية قالوا : أنت ـ في اللقب مع الكنية ـ بالخيار ، بين أن تقدم الكنية على اللقب ، فتقول : أبو عبد الله زين العابدين ، وبين أن تقدم اللقب

__________________

(١٤) نصرة الثائر : ٢ ـ ٧٣.

(١٥) النحو الوافي ١ / ٢٨٤ ه ه.

(١٦) شرح ابن عقيل على الألفية ـ الطبعة الأولى ـ : ١٩.

١٣

على الكنية فتقول. زين العابدين أبو عبد الله (١٧).

وعلى هذا الأساس احتملوا أن تكون عبارة الألفية :

 ..............

وأخرن ذا إن سواها صحبا

أي أخر اللقب إن صحب سوى الكنية ، أي إن صحب الاسم لزم تأخيره عن الاسم ، وأما إن صحب الكنية ، فهو ساكت عنه.

ويرد عليه : أنهم حكموا في اجتماع الاسم والكنية بالخيار في تقديم أحدهما على الآخر ، فلو كان الناطق في اجتماع اللقب والكنية بالخيار أيضا ، لزم من تقديم اللقب على الكنية جواز تقديمه على الاسم نفسه ، وقد عرفنا أن اللقب متأخر عن الاسم! ذكر أبو البقاء هذا الاعتراض (١٨).

فالظاهر وجوب تأخر اللقب عن الاسم والكنية ، وهذا يوافق النسخة المعروفة من الألفية : «إن سواه» (١٩).

وقال أبو البقاء : إذا اجتمع الاسم واللقب : فالاسم ـ إن لم يكن مضافا ـ أضيف إلى اللقب ، كسعيد كرز ، لأنه يصير المجموع بمنزلة الاسم الواحد.

وإن كان مضافا ، فهم يؤخرون اللقب ، فيقولون : عبد الله بطة.

ويقدم اللقب على الكنية ، وهي على العلم ، ثم النسبة إلى البلد ، ثم إلى الأصل ، ثم إلى المذهب في الفروع. ثم إلى المذهب في الاعتقاد ، ثم إلى العلم.

وقد يقدمون اللقب على الاسم ، ويجرون الاسم عليه بدلا أو عطف بيان (٢٠).

وقال الصفدي : فسردها يكون على الترتيب : ـ ثم ذكر عين ما ذكره أبو البقاء إلا أنه أضاف بعد قوله «ثم إلى العلم» قوله. أو الصناعة أو الخلافة أو

__________________

(١٧) شرح ابن عقيل على الألفية ـ الطبعة الأولى ـ : ١٩.

(١٨) الكليات ، لأبي البقاء ٣ / ١٩٢ ـ ١٩٣.

(١٩) النحو الوافي ١ / ٢٨٤ ه ه.

(٢٠) الكليات ، لأبي البقاء ٣ / ١٩٢ ـ ١٩٣.

١٤

السلطنة أو الوزارة أو القضاء أو الإمرة أو المشيخة أو الحج أو الحرفة.

وقال : هذا الذي ذكرته ههنا هو القاعدة المعروفة والجادة المسلوكة المألوفة عند أهل العلم (٢١).

وفي المقام أقوال أخر (٢٢).

٥ ـ كنية أو لقب؟

قال الشيخ الرضي : لفظ «اللقب» ـ في القديم ـ كان في الذم أشهر منه في المدح ، وهو ما يقصد به المدح أو الذم في الأعصار المتأخرة مثل : بطة ، وقفة ، وعائد الكلب ، في الذم.

وكالمصطفى ، والمرتضى ، وفخر الدين ، في المدح (٢٣).

وقد تجعل اللفظة المستعملة للكنية «لقبا» لشخص ، والمراد بجعلها اعتبار جهة المدح أو الذم فيها ، بحيث لا تستعمل إلا لإرادة أحدهما منها ، فتسمى «لقبا» اصطلاحا ، وهي كنية لفظا.

وقد قسم ابن منظور الأنصاري الكنية إلى ما يراد به الذم أو المدح ، أو الخالي منهما (٢٤).

وعلى ذلك يصح إطلاق «الكنية» و «اللقب» على لفظ واحد ، باختلاف الاعتبار.

وقد جعل ابن الأثير كلمة «أبي تراب» كنية للإمام علي عليه‌السلام ، ولكن جعلها من قسم الكنى النادرة ، كما سيأتي (٢٥).

__________________

(٢١) الوافي بالوفيات ١ / ٣٣ ـ ٣٥.

(٢٢) لاحظ الكواكب الدرية ، للأهدل ١ / ٥٣.

(٢٣) شرح الكافية للرضي ٢ / ١٣٩.

(٢٤) لسان العرب ٢٠ / ٩٨ مادة (ك ن ى).

(٢٥) المرصع ٤٤.

١٥

وأبن الصلاح جعل لفظ «أبي تراب» لقبا للإمام عليه‌السلام ، فقال : الذين لقبوا بالكنى ، ولهم غير ذلك كنى وأسماء ، مثاله : علي بن أبي طالب عليه السلام يلقب بأبي تراب ، ويكنى أبا الحسن (٢٦).

وممن لقب بالكنية : عبد الله بن محمد الأصفهاني ، المكنى بأبي محمد ، الملقب بأبي الشيخ (٢٧)

وقال ابن حجر ، في إبراهيم بن خالد : قيل : كنيته أبو عبد الله ، وأبو ثور لقب (٢٨) وقد ذكر عدة من الكنى في فصل الألقاب من التقريب (٢٩).

وقال الفيروزآبادي : أبو العتاهية : لقب أبي إسحاق بن سويد " لا كنية (٣٠).

وقد يقال : إن الكنية ـ كما سيجئ ـ تدل على الاحترام والتعظيم للمكنى ، وهذا ينافي أن يكون دالا على الذم ، عندما يستعمل لقبا؟!

ويجاب : بأن اللقب ـ إنما يذم الملقب به بمعنى لفظه ، فدلالته على الذم لفظية ظاهرية مطابقية ، بخلاف الكنية (٣١).

فاللقب يدل بمعناه اللغوي على ذم الملقب به ، أما الكنية فجهة التعظيم فيها ـ كما سيجئ ـ هو عدم ذكر اسم الشخص ، فهي تدل عليه بالدلالة التزامية.

٦ ـ أهداف الكنى :

قال الأهدل : والمقتضي للتكنية أمور :

__________________

(٢٦) مقدمة (ابن الصلاح : ٥١١.

(٢٧) مقدمة ابن الصلاح : ٢٦٣ و ٥١٢ ، وعلوم الحديث ، له. ١٥٢.

(٢٨) تهذيب التهذيب ١ / ١١٨.

(٢٩) تقريب التهذيب ٢ / ٧ ـ ٥٦٨.

(٣٠) كليات أبي البقاء ٣ / ١٩٢ ، وانظر : وسائل الشيعة ١٥ / ١٣٢ ب ٣٠ ح ١.

(٣١) شرح الكافية ، للرضي ٢ / ١٣٩ ، وانظر : النحو الوافي ١ / ٢٧٦ ه ٢.

١٦

الأول : الإخبار عن نفس كأبي طالب ، كني بابنه طالب ، وهذا هو الأغلب.

الثاني : التفاؤل والرجاء ، كأبي الفضل : لمن يرجو ولدا جامعا للفضائل.

الثالث : الايماء إلى الضد ، كأبي يحيى لملك الموت.

الرابع : اشتهار الشخص بخصلة ، فيكنى بها :

إما بسبب اتصافه بها في نفسه.

أو انتسابه إليها بوجه قريب ، أو بعيد. كأبي الوفاء : لمن اسمه إبراهيم ، وأبي الذبح : لمن اسمه إسماعيل أو إسحاق.

ومن هذا القبيل غالب كنى الحيوان (٣٢).

أقول : ومن فوائد الكنية وأغراض وضعها :

هو التمييز بين الأشخاص بتعيين أحدهم بكنيته ، بالدلالة عليه.

قال ابن قتيبة : الكناية أنواع ، ولها مواضع ... فمنها : أن تكني عن اسم الرجل بالأبوة لتزيد من الدلالة عليه ، إذا أنت راسلته أو كتبت إليه ، إذ كانت الأسماء قد تتفق (٣٣).

أقول : وتتضح هذه الفائدة لو كانت الأسماء المتفقة لعدة كل من الإخوة ، حيث تتفق هناك أسماء الآباء والأجداد ـ أيضا ـ فتكون الحاجة إلى تمييز كل واحد ، والدلالة عليه بما يخصه ، أظهر.

وإليك أمثلة لذلك :

ذكر النسابة المروزي عدة ممن اتفقت أسماؤهم واختلفت كناهم : منهم أبناء عمر بن يحيى بن الحسين ، أمير الحاج ، صاحب الكوفة ، والموسم : فإنهم ثمانية وعشرون أخا ، واسم (واحد وعشرين) منهم (محمد) وكناهم

__________________

(٣٢) الكواكب الدرية ، للأهدل ١ / ٥٢.

(٣٣) تأويل مشكل القرآن : ٢٥٦.

١٧

مختلفة (٣٤).

وسمى الحسن بن الحسن بن القاسم بن محمد البطحاني أبناءه السبعة (عليا) وكناهم مختلفة (٣٥).

وذكر أن محمد الجور بن الحسين بن علي الخارص بن محمد : له عشرة أولاد ممن اسمه (جعفر) وكناهم مختلفة (٣٦).

وقد ذكر النسابة المذكور تلك الكنى ، فلتراجع.

٧ ـ الكنية للتعظيم والتكريم :

قال ابن قتيبة : أن تكني عن اسم الرجل بالأبوة ... لتعظمه في المخاطبة بالكنية ، لأنها تدل على الحنكة وتخبر عن الاكتهال (٣٧).

وقال ابن الأثير : إنما جئ بالكنية لاحترام المكنى بها وإكرامه وتعظيمه ... ومنه قول الشاعر :

أكنيه أناديه لأكرمه

ولا ألقبه والسوءة اللقب

وهذا مختص بالإنسان دون غيره ، وهو الأصل (٣٨).

وقال ـ في وجه دلالة الكنية على الاحترام ـ : كي لا يصرح في الخطاب باسمه (٣٩).

وقال الرضي. الكنية ـ عند العرب ـ يقصد بها التعظيم ، لعدم التصريح بالاسم ... فإن بعض النفوس تأنف من أن تخاطب باسمها (٤٠).

__________________

(٣٤) الفخري : ٢٤٥.

(٣٥) الفخري : ٢٤٧.

(٣٦) الفخري : ٢٤٨.

(٣٧) تأويل مشكل القرآن : ٢٥٦.

(٣٨) المرصع : ٤١.

(٣٩) المرصع : ٤١.

(٤٠) شرح الكافية ٢ / ١٣٩.

١٨

أقول : يظهر من الجمع بين الكلمات : أن في الكنية أكثر من جهة تدل على التكريم والتعظيم :

١ ـ عدم ذكر الاسم.

٢ ـ الإخبار عن الاكتهال ، فيما لو كانت الكنية بالأبوة.

٣ ـ النسبة إلى الآباء ، فيما لو كانت الكنية بالبنوة (٤١).

وفي قول ابن الأثير : «وهو الأصل» إشارة إلى أن هذه الدلالة قد تتخلف ، وأن الكنية قد تستعمل للإهانة والذم ، وإن كان ذلك نادرا ، فهو بحاجة إلى قرينة تدل عليه.

وقد انعكست دلالة الكنية على التكريم والتعظيم في الأخبار التالية :

١ ـ روى الشيخ المفيد ـ بسنده ـ عن أحمد بن عبيد الله بن الخاقان ـ الذي كان على الضياع والخراج بقم ـ قوله : اذكر أني كنت يوما قائما على رأس أبي ـ وهو يوم مجلسه للناس ـ [بسامراء] إذ دخل حجابه ، فقالوا : «أبو محمد ابن الرضا» بالباب.

فقال ـ بصوت عال ـ : ائذنوا له.

فتعجبت مما سمعت منهم ، ومن جسارتهم أن يكنوا رجلا بحضرة أبي ، ولم يكن يكنى عنده إلا خليفة أو ولي عهد أو من أمر السلطان أن يكنى! فقلت لحجاب أبي وغلمانه. بحكم من هذا الذي كنيتموه بحضرة أيي ...

إلى آخر الحديث (٤٢).

ونقله القهپائي ، وقال : فظهر أن ذكر الرجل بالكنية لا يكون إلا مع اعتبار زائد ، حتى قد يصير سببا لاعتباره في حديثه (٤٣).

__________________

(٤١) المرصع : ٤٣.

(٤٢) الإرشاد للمفيد : ٨ ـ ٣٣٩.

(٤٣) مجمع الرجال ٧ / ٢ هامش.

١٩

٢ ـ وقال الحسين بن حمدان الخصيبي ـ في من لقيه في ضواحي قم ، فقال له. يا حسين ـ : لا احترمني ولا كناني (٤٤).

٣ ـ قال أبو بكر ابن إسماعيل الوراق : دققت على أبي محمد ابن صاعد بابه ، فقال : من ذا؟ فقلت : أنا أبو بكر ابن أبي علي ، يحيى ههنا؟ فسمعته يقول للجارية : هات النعل ، حتى أخرج إلى هذا الجاهل ، الذي يكني نفسه وأباه ، ويسميني ، فأصفعه؟! (٤٥).

٤ ـ كان عروة بن الزبير (ت ٩٣) يتحدث عن أخيه عبد الله بن الزبير ، عند عبد الملك ، فذكره بكنيته «أبي بكر» فاستشاط الحجاج غضبا ، وقال له : لا أم لك ، أتكني منافقا عند أمير المؤمنين؟! فقال له عروة : ألي تقول : «لا أم لك» وأنا ابن عجائز الجنة؟! أمي أسماء بنت أبي بكر ، وجدتي صفية بنت عبد المطلب ، وعمتي خديجة بنت خويلد (٤٦).

وقد اعترض على دلالة الكنية على الاحترام ، بذكر «أبي لهب» في القرآن دون اسمه!

وقد أجابوا عن ذلك بوجوه ، سنذكرها في فصل «الكنية في التفسير».

٨ ـ الكنى الغالبة :

إن بعض الكنى يغلب وضعها مع بعض الأسماء ، وإذا تمكنا من تحديدها ، أمكن الاستفادة منها عند اشتباه الأسماء بوقوع تصحيف فيها ، أو خلط بعضها ببعض.

وقد وقفنا على مجموعة منها :

المسمى بمحمد يكنى بأبي جعفر.

__________________

(٤٤) جامع أحاديث الشيعة ٨ / ٥٥١ رقم ١٦٤٠.

(٤٥) تاريخ بغداد.

(٤٦) الأنساب ، للبلاذري ، كما في مغازي رسول الله ، لعروة : ٣.

٢٠