المدرّس الأفضل - ج ٧

الشيخ محمّد علي المدرّس الأفغاني

المدرّس الأفضل - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمّد علي المدرّس الأفغاني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر
المطبعة: دار الكتاب
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٠٠

١
٢

بسم الله الرحمن الرحيم

بسمه تعالى

الحمد لله رب العالمين والصلوة والسّلام على خير خلقه محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم على اعدائهم ومخالفيهم من الآن إلى قيام يوم الدين وبعد فهذا هو الجزء السابع والأخير من كتابنا المدرس الافضل فيما يزمز ويشار اليه في المطول واسئل الله تعالى أن يوفقني لاتمامه كما وفقني لأتمام سائر الأجزاء انه سميع مجيب.

الفن الثالث من الفنون الثلاثة ـ علم البديع

الأضافة هنا عهدية أي المعلوم اضافته الى البديع والبديع في اللغة كما في المصباح ما كان فيه معنى التعجب وذلك لغرابته وكونه عادما للنظير (وهو) أي علم البديع (علم) أي ملكة أو قواعد (يعرف به) أي بذلك العلم أي بتلك الملكة أو القواعد (وجوه تحسين الكلام) أي الامور التي بها يحسن الكلام معنى أو لفظا (أي يتصور معانيها) وبعبارة أخرى أنا نتمكن بتلك الملكة أو القواعد أن تتصور ان هذا الامر مما يحسن به الكلام معنى أو لفظا (ويعلم) به أي بذلك العلم أي بتلك الملكة أو القواعد (أعدادها) اي اعداد وجوه التحسين (وتفاصيلها) حسبما يأتي في طي المسائل الآتية (بقدر الطاقة) التي اعطاها الله المفضال للأشخاص بقدر أستعداداتهم

٣

وقابلياتهم وإنما قيد بذلك لأن الوجوه المحسنة البديعية غير منحصرة في عدد معين لا يمكن زيادتها عليه.

لا يقال فعلى هذا تكون الوجوه المحسنة مجهولة والتعريف بالمجهول غير صحيح.

لأنا نقول الاضافة هنا للعهد (فوجوه تحسين الكلام اشارة الى الوجوه المذكورة في صدر الكتاب في قوله وتتبعها وجوه أخر تورث الكلام حسنا) فكأنه يقول علم يعرف به الوجوه المشار اليها في صدر الكتاب وهي الوجوه التي تحسن الكلام وتورثه قبولا بعد رعاية البلاغة مع الفصاحه.

(و) حينئذ يكون (قوله بعد رعاية المطابقة أي مطابقة الكلام لمقتضى الحال) المبينة هناك أي في علم المعاني (و) بعد (رعاية وضوح الدلالة) المبينة في علم البيان (أي الخلو عن التعقيد المعنوي) وأما الخلو عن التعقيد اللفظي فهو داخل في قوله بعد رعاية المطابقة لأن المطابقة لا تعتبر إلا بعد الفصاحة وهي تتوقف على الخلو عن التعقيد اللفظي.

والحاصل أن قوله هذا (للتنبيه ان هذه الوجوه إنما تعد محسنة للكلام بعد رعاية) هذين (الأمرين) المذكورين (وإلا) أي وان لم تراع هذين الأمرين (لكان) ما ذكر من الوجوه (كتعليق الدرر على اعناق الخنازير) وفيه اشارة لطيفة الى أن رتبة هذا العلم بعد ذينك العلمين.

(فقوله بعد) ظرف لغو (متعلق بالمصدر أعني تحسين الكلام) فيكون المعنى أن تحسين الكلام بهذه الوجوه إنما يكون بعد رعاية الأمرين فبعدية التحسين إنما هي من حيث الملاحظة لا من حيث الوجود لأن وجود التحسين مقارن لوجود الأمرين وأما اذا جعل ظرفا مستقرا بأن يكون متعلقا

٤

بمحذوف من أفعال العموم فالذي بعدهما حينئذ هو الحصول فيقتضي انه متأخر عنهما في الوجود لأن المعنى حينئذ حالة كون التحسين حاصلا بعدهما.

(ولا يجوز أن يكون المراد بوجوه التحسين مفهومها الأعم) يعني (الشامل للمطابقة لمقتضى الحال والخلو عن التعقيد وغير ذلك مما يورث الكلام حسنا سواء كان داخلا في البلاغة او غير داخل) فيها (ويكون قوله بعد رعاية المطابقة ووضوح الدلالة احترازا عما يكون داخلا في البلاغة مما يتبين في علم المعاني) وهو المطابقة لمقتضى الحال (و) في علم (البيان) وهو الخلو عن التعقيد المعنوي (و) في علم متن اللغة وهو السلامة عن وهو الغرابة (و) في علم (الصرف) وهو السلامة عن مخالفة القياس (و) في علم (النحو) وهو السلامة عن ضعف التأليف والتعقيد اللفظي وقد بين كل ذلك في المقدمة فراجع ان شئت.

وإنما لا يجوز ذلك (لأنه يدخل فيها) أي في الوجوه (حينئذ) أي حين اذ يكون المراد بوجوه التحسين مفهومها الأعم الشامل لما ذكر (بعض ما ليس من المحسنات التابعة لبلاغة الكلام كالخلو عن التنافر مثلا) وجه عدم كونه من المحسنات التابعة للبلاغة انه كسائر ما اشترط في بلاغة الكلام وفصاحته داخل في البلاغة فليس تابعا في ايراث الحسن الذاتي للكلام (مع انه) أي الخلو عن التنافر (ليس من علم البديع).

والحاصل انه يلزم على هذا المفهوم العام أن يدخل في هذا الفن أي علم البديع بعض ما ليس منه وهو الخلو من التنافر فأنه ليس داخلا في علمي المعاني والبيان ولا في غيرهما من العلوم المذكورة بل يدرك كما تقدم في آخر المقدمة بالحس اذ به يدرك ان مستشزرا متنافر دون مزتفع وكذا تنافر الكلمات.

٥

فتحصل مما بيناه أن حاصل الكلام في المقام انه لو أريد بوجوه التحسين مفهومها الاعم الشامل للمطابقة لمقتضى الحال والخلو عن التعقيد وغير ذلك مما يورث حسنا سواء كان داخلا في البلاغة أو غير داخل وجعل قوله بعد رعاية المطابقة ووضوح الدلالة احترازا عما يكون داخلا في البلاغة مما يتبين في العلوم المذكورة لكان تعريف علم البديع غير مانع وذلك غير جائز.

(وهي أي وجوه تحسين الكلام ضربان) أي قسمان قسم (معنوي أي راجع الى تحسين المعنى بحسب العراقة والاصالة) العطف تفسيري وإنما نسب هذا القسم الى المعنى لأنه راجع الى تحسينه اولا وبالذات بمعنى أن هذا القسم قصد أن يكون كل فرد من أفراده محسنا للمعنى لذاته (وإن كان بعضها لا يخلو عن تحسين ما للفظ) أيضا.

والحاصل ان التحسين في هذا القسم تحسين للمعنى اولا ومتعلق به لذاته وأما تعلق القصد بكونه تحسينا للفظ فيكون ثانيا وبالعرض وإنما يكون هكذا لأن هذه الوجوه قد يكون بعضها محسنا للفظ لكن القصد الأصلي منها إنما هو الى كونها محسنة للمعنى كما يأتي بيانه في المشاكلة اذ هى ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبة ذلك الغير نحو :

قالوا اقترح شيئا نجد لك طبخة

قلت اطبخوا لي جبة وقميصا

فقد عبر عن الخياطة بالطبخ لوقوعها في صحبته فاللفظ حسن لما فيه من ايهام المجانسة اللفظية لان المعنى مختلف واللفظ متفق لكن الغرض الاصلي انما هو المعنى وهو جعل الخياطة كطبخ الطعام في أقتراحها لوقوعها في صحبته وأما تعلق الغرض بتحسينه اللفظي المشار اليه فهو ثانيا وبالعرض وعلى وجه المرجوحية وكذلك العكس كما في قولهم عادات السادات سادات

٦

العادات ففيه تحسين اللفظ والغرض الاصلي تحسين المعنى وهو الاخبار بعكس الفقرة الاولى مع صحته.

(و) قسم (لفظي أي راجع الى اللفظ كذلك) أي وان كان بعض أفراده لا يخلو عن تحسين ما للمعنى حسبما يأتي بيانه في محله انشاء الله تعالى.

(وبدء بالمعنوي لأن المقصود الاصلي) في مقام التفهيم والتفهم (والغرض الأولى) في ذلك المقام (هو المعاني) فينبغي حينئذ الإهتمام بالوجوه المحسنة لها وتقديمها على الوجوه المحسنة لغيرها (والالفاظ توابع) من حيث أن المعنى يستحضر في ذهن المتكلم او لا ثم يؤتي باللفظ على طبقة (وقوالب لها) أي للمعاني والى ذلك أشار الشيخ فيما نقلنا عنه في صدر الكتاب وهذا نصه لما كانت المعاني تتبين بالالفاظ ولم يكن لترتيب المعاني سبيل إلا بترتيب الألفاظ الى آخر ما ذكر هناك.

(فقال اما المعنوي فالمذكور منه في) هذا (الكتاب تسعة وعشرون) وجها (فمنه المطابقة وتسمى الطباق والتضاد أيضا و) يسمى (التطبيق والتكافوء أيضا) ويعرف وجه التسمية من قوله (وهي الجمع) في كلام واحد أو ما هو في حكم كلام واحد بأن يكون بين الكلامين أو أكثر اتصال بوجه ما (بين متضادين أي معنيين متقابلين) هذا أقل ما يحصل به المطابقة بالجمع بين أكثر من معنيين فهو نظير باب التنازع في النحو حيث يقول الناظم ان عاملان اقتضيا في اسم عمل فأنه قد يكون التنازع بين اكثر من عاملين (في الجملة يعني ليس المراد بالمتضادين ههنا) خصوص (الامرين الوجوديين المتواردين على محل واحد بينهما غاية الخلاف كالسواد والبياض بل) المراد ما هو (أعم من ذلك وهو ما يكون بينهما تقابل وتناف)

٧

عطف تفسير (في الجملة وفي بعض الاحوال) كما في التقابل الاعتباري وسيأتي بيانه الآن (سواء كان التقابل حقيقيا) كتقابل الأمرين الذين بينهما غاية الخلاف لذاتيهما كتقابل القدم والحدوث (أو اعتباريا) وذلك كتقابل الأحياء والاماتة فأنهما لا يتقابلان إلا بإعتبار بعض الاحوال وهو ان يتعلق الأحياء بحياة جرم في وقت والأماتة بأماتته في ذلك الوقت وإلا فلا تقابل بينهما بأعتبار ذاتهما ولا بأعتبار المتعلق عند تعدد الوقت.

(وسواء كان) التقابل الحقيقي (تقابل التضاد) كالسواد والبياض وكتقابل الحركة والسكون على الجرم الموجود بناء على انهما وجوديان (أو تقابل الايجاب والسلب) كتقابل مطلق الوجود وسلبه (أو تقابل العدم والملكة) كتقابل العمى والبصر وكتقابل القدرة والعجز بناء على أن العجز عدم القدرة عمن شأنه الاتصاف بها (او تقابل التضايف) كتقابل الأبوة والبنوة (او ما يشبه شيئا من ذلك) أي ما يكون ملحقا بذلك مما يشعر بالتنافي لأشتماله بوجه ما على ما يوجب التنافي بين شيئين وسيأتي بيانه عنقريب في قوله (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) وغيرها من الآيات التي تذكر هناك وبما ذكرنا من الأمثلة يتضح المراد من قوله (على ما يجييء من الأمثلة) فعليك بتطبيق ما ذكرنا على ما يجييء من الامثلة (ويكون ذلك الجمع) بين متضادين (بلفظين من نوع) واحد (من أنواع الكلمة) بأن يكونا (اسمين نحو قوله تعالى (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ)) الأيقاظ جمع يقظ على وزن عضد أو كتف بمعنى يقظان والرقود جمع راقد فالجمع بين ايقاظ ورقود مطابقة لأن اليقظة تشتمل على الادراك بالحواس والنوم يشتمل على عدمه فبينهما شبه العدم والملكة بأعتبار لازميهما واما بأعتبار ذاتيهما فبينهما التضاد لأن النوم عزض يمنع ادراك الحواس واليقظة عزض

٨

يقتضي الادراك بها وان قلنا ان اليقظة عدم ذلك الادراك كان بينهما تقابل عدم وملكة وكيفكان فهما اسمان.

(أو فعلين نحو) قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي (يُحْيِي وَيُمِيتُ)) وله اختلاف الليل والنهار الشاهد في الاحياء والاماتة وقد تقدم الكلام فيهما آنفا فلا نعيده (أو حرفين نحو قوله تعالى (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ)) لما كان التقابل بين اللام وعلى غير ظاهر بخلاف ما ذكر بينه التفتازاني بقوله (فأن في اللام معنى الانتفاع) وذلك لأن اللام مشعرة بالملكية المؤذنة بالانتفاع (وفي على معنى التضرر) وذلك لأن على تشعر بالعلو المشغر بالتحمل أو الثقل المؤذن بالتضرر فصار تقابلهما أي اللام وعلى كتقابل النفع والضرر وهما ضدان (أي لها) أي للنفس (ما كسبت من خير) من ثواب الطاعات (وعليها) أي على النفس (ما أكتسبت من شر) من عقاب المعاصي (لا ينتفع بطاعتها ولا يتضرر بمعصيتها غيرها) هذا الحصر مستفاد من تقديم الجار والمجرور على عامله فالانتفاع الحاصل من الدعاء والصدقة ونحوهما للغير انتفاع بثمرة الطاعة لا بنفسها فتدبر جيدا.

(وتخصيص الخير بالكسب) أي بالثلاثي المجرد (والشر بالاكتساب) أي بالثلاثي المزيد فيه (لأن الاكتساب) أي باب الافتعال (فيه اعتمال) أي تعمل أي تكلف بالطلب (والشر تشتهيه الأنفس وتنجذب اليه فكانت أجد في تحصيله واعمل) وذلك لأن النفس امارة بالسوء.

قال في شرح النظام في بحث معاني باب الافتعال ما هذا نصه وأفتعال للمطاوعة غالبا نحو غممته اي احدثت فيه الغم فاغتم والاتخاذ نحو اشتوى أي اتخذ النوى لنفسه. وبمعنى التفاعل نحو اجتوروا واختصموا بمعنى تجاوروا وتخاصموا للتصرف وهو المعاناة في تحصيل الشيء والمبالغة

٩

الاحتيال فيه نحو اكتسب والفرق بينه وبين كسب ان ذلك تحصيل شيء على أي وجه كان بخلاف الاكتساب ولهذا قال عز من قائل لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت تنبيها على ان الثواب انما يرجى على أي فعل حسن كان وان كان صدر عنه على سبيل الاتفاق والعقاب لا يكون الا على منهى عنه بولغ في ارتكابه وانسد طريق الاعتذار عنه انتهى.

قال المحشى معنى الكسب تحصيل الشيء على أي وجه كان ومعنى الاكتساب المبالغة والاعتمال فيه و

من ذلك قوله تعالى (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) وفيه تنبيه على لطف الله تعالى بخلقه فأثبت لهم ثواب الفعل على أي وجه كان ولم يثبت عليهم عقاب الفعل الا على وجه المبالغة والاعتمال فيه.

قال الزمخشري لما كان الشر مما تشتهيه النفس وهي منجذبة اليه وامارة به كانت في تحصيله اعمل واجد فجعلت لذلك مكتسبة فيه ولما لم تكن في باب الخير كذلك لفتورها في تحصيله وصف بما لا دلالة على الاعتمال والتصرف انتهى.

(او من نوعين عطف على) على ما سبق اعني (قوله من نوع والقسمة) الثنائية العقلية (تقتضي ان يكون هذا ثلاثة اقسام اسم مع فعل واسم مع حرف وفعل مع حرف لكن الموجود) من هذه الاقسام الثلاثة في الكلام البليغ (هو) القسم (الاول) اي اسم وفعل (فقط نحو قوله تعالى (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ)) اي ضالا فهديناه (فأن الموت) المعتبر في ميتا (والاحياء) الدال على الحياة مما يتقابلان في الجملة) حسبما مر بيانه آنفا (وقد ذكر الاول) يعني الموت (بالاسم والثاني) يعني الاحياء (بالفعل) المعتبر فيه الحياة.

١٠

(وهو اي الطباق ضربان) احدهما (طباق الايجاب) وهو ان يكون اللفظان المتقابلان معناهما موجبا (كما مر) في الامثلة المتقدمة (و) ثانيهما (طباق السلب وهو ان يجمع بين فعلي مصدر واحد احدهما مثبت والآخر منفي او احدهما امر والاخر نهي) فان الامر يدل على طلب الفعل والنهي على طلب الكف عن الفعل والفعل والكف متضادان فيكون التقابل باعتبار الكف والفعل لا باعتبار مصدر الفعلين لاتحاده فيهما وانما جعل هذا من تقابل السلب والايجاب لان المطلوب في احدهما كما يأتي سلب من حيث المعنى وفي الاخر ايجاب كذلك (فالاول) وهو ما كان احدهما مثبتا والاخر منفيا (نحو قوله تعالى (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ظاهرا من الحياة الدنيا) فان العلم الاول منفي والثاني مثبت وفيهما تقابل في الجملة اي باعتبار النفي والاثبات مع قطع النظر عن خصوصية العلم لا مطلقا لان المنفى علم ينفع في الاخرة والمثبت علم لا ينفع فيها فلا تنافي بينهما مع هذه الخصوصية.

(والثاني) وهو ان يكون احدهما امرا والاخر نهيا (نحو (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ)) هذه الآية نظير الاية المتقدمة اذ من المعلوم أن الخشية ليست مامورا بها ومنهيا عنها من جهة واحدة بل من جهتين كما في الاية المتقدمة فقد امر بها باعتبار كونها لله تعالى ونهى عنها بأعتبار كونها للناس فالتنافي بينهما انما هو في الجملة اي باعتبار المتعلق مع قطع النظر عن الخصوصية لا مطلقا لان المأمور بها الخشية لله والمنهي عنها الخشية للناس فتأمل.

(ومن) اقسام (الطباق ما سماه بعضهم تدبيجا من دبج المطر الارض) اذا سقاها فانتت ازهارا مختلفة كذا في المصباح ومن ذلك يعرف

١١

وجه التفسير في قوله (وفسره) ذلك البعض (بان يذكر في معنى المدح أو غيره) كالهجاء والرثاء ونحوهما (الوان) مختلفة فذكر الالوان في الكلام تشبيه بما يحدث بالمطر من الوان النبات والازهار ويحتمل ان يكون مأخوذا من الدبج وهو النقش لان ذكر الالوان كالنقش على البساط وكذلك الديباج للثوب المعروف.

(لقصد الكناية) بالكلام المشتمل على تلك الالوان (او التورية) بذلك الكلام وسيأتي المراد من التورية (واراد) البعض (بالالوان ما فوق الواحد) ولو كان اثنين بقرينة ما يذكره من المثال الآتي وذلك بناء على ما هو المصطلح عند أهل الميزان.

(ولما كان هذا داخلا في تفسير الطباق) المذكور في اول المبحث (لما بين اللونين) او الالوان (من التقابل) الظاهر (صرح المصنف بأنه من أقسام الطباق وليس قسما من المعنوي برأسه) اي على حدة.

(فتدبيج الكناية نحو قول ابي تمام في مرثية ابي نهشل محمد بن حميد حين استشهد تردى ثياب الموت حمرا فما اتى لها اي لتلك الثياب الليل الا وهي من سندس خصر اي ارتدى الثياب الملطخة بالدم فلم ينقض يوم قتله ولم يدخل في ليلته الا وقد صارت الثياب من سندس خضر أي من ثياب الجنة فقد ذكر) ابو تمام (لون الحمرة والخضرة والقصد من) اللون (الاول الكناية عن القتل) لان التردي بثياب الموت حال كونها حمرا يلزم منه القتل (و) القصد (من) اللون (الثاني الكناية عن دخول الجنة) لما علم ان اهل الجنة يلبسون الحرير الاخضز وصيرورة هذه الثياب الحمر تلك الثياب الخضر عبارة عن انقلاب حال القتل الى حال التنعم بالجنة.

١٢

(وما في هذا البيت من الكناية قد بلغ من الوضوح الى حيث يستغني عن البيان ولا ينفيه الا من لا يعرف معنى الكناية) وهو معذور لانه ليس من أهل الدراية ومضرات الجهل ليس لها نهاية.

(واما تدبيج التورية) والمراد منها ان يطلق لفظ له معنيان قريب وبعيد ويراد البعيد وهذا هو الايهام الذي تقدم في صدر الكتاب (فكقول الحريري فمذ اغبر العيش الاخضر) خضرة العيش كناية عن طيبه ونعومته وكماله لان اخضرار العود والنبات يدل على طيبه ونعومته وكونه على اكمل حال فيكنى به عن لازمه في الجملة الذي هو الطيب والحسن والكمال واغبرار العيش كناية عن ضيقه ونقصانه وكونه في حال التلف لان اغبرار النبات والارض يدل على الذبول والتغير والرثاثة فيكنى به عن هذا اللازم (وازور) أي تباعد واعرض ومال عني (المحبوب الاصفر) الشاهد هنا وسيأتي بيانه (اسود يومي الابيض) اسوداد اليوم كناية عن ضيق الحال وكثرة الهموم فيه لان اسوداد الزمان كالليل يناسبه الهموم ووصفه بالبياض كناية عن سعة الحال والفرح والسرور لان بياض النهار يناسب ذلك (وابيض فودى الاسود) الفود شعر جانب الرأس مما يلي الاذن وابيضاض فوده كناية عن ضعف بنيته ووهنه من كثرة الهموم والاحزان (حتى رثي لي) اي رق لي واشفق علي (العدو الازرق) أي الخالص العداوة الشديدها وانما وصف العدو الشديد العداوة بالزرقة لانه في الاصل كان اهل الروم اعداء للعرب والزرقة غالبة عليهم ثم وصف كل عدو شديد العذاوة بها على طريق الكناية وان لم يكن ازرق (فياحبذا الموت الاحمرة) حمرة الموت كناية عن شدته ويحتمل ان يراد بالموت الاحمر القتل.

١٣

اما الشاهد (فالمعنى القريب للمحبوب الاصفر هو الانسان الذي له صفرة والبعيد هو الذهب وهو المراد هنا فيكون تورية).

وقد علم من جميع ما ذكرنا ان جمع الالوان لا يقتضي ان يكون في كل لون تورية بل قد تجمع الالوان لقصد التورية بؤاحد منها كما هنا فان الحريري جمع بين الاغبرار والاخضرار والاصفزار والاسوداد والأبيضاض والزرقة والحمرة وقد بينا ان التورية في واحد منها والباقي كناية.

(ويلحق به اي بالطباق شيئان احدهما الجمع بين معنيين يتعلق احدهما بما يقابل الاخر نوع تعلق مثل السببية واللزوم) وبعبارة اخرى احدهما الجمع بين معنيين ليس احدهما مقابلا للاخر لكن يتعلق احدهما بمعنى يقابل المعنى الآخر وذلك التعلق اما لوجود السببية والمسببية بين المتعلق بالكسر والمتعلق بالفتح او لوجود الملازمة بينهما واما نفس المعنيين فلا تقابل بينهما بل بين احدهما ومتعلق الآخر نحو) الرحمة والشدة في (قوله تعالى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ فان الرحمة وان لم تكن مقابلة للشدة) فانه لا تنافي بينهما لانهما قد يجتمعان فان الرحمة قد تكون شديدة (لكنها) أي الرحمة (مسببة عن اللين الذي هو ضد الشدة) ومن المعلوم ان منافي السبب لا يجب أن يكون منافيا للمسبب كالبرودة والحرارة بالنسبة لتأثز الحاسة.

والحاصل انه قد جمع في الآية بين الرحمة والشدة والرحمة لا تقابل الشدة وانما تقابل الرحمة الفظاظة والشدة انما يقابل اللين لكن الرحمة مسببة عن اللين المقابل للشدة وذلك لان اللين حالة قلبية في الانسان تقتضي الانعطاف على من يستحقه والانعطاف هو الرحمة فقد قوبل في الآية بين معنيين هما الرحمة والشدة

١٤

واحدهما وهو الرحمة له تعلق السببية اي كون الرحمة مسببة عن اللين ويحتمل ان يقال ان الشدة لها تعلق بمقابل الرحمة وهو الفظاظة وعدم الانعطاف لان عدم الانعطاف لازم للشدة التي هي حالة قلبية توجب الانعطاف على مستحقة.

ولا يذهب عليك ان اصل الشدة واللين في المحسوسات وقد تقدم في الفن الثاني ان الشدة فيها الصلابة واللين فيها ضدها وهي صفة تقتضي صحة الغمز الى الباطن والنفوذ فيه والشدة بخلافها.

(ونحو قوله تعالى (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) فان ابتغاء الفضل) اي الكسب والاشتغال بأمور المعاش (وان لم يكن مقابلا للسكون لكنه يستلزم الحركة المضادة للسكون) ومن هنا قيل بالفارسية (از تو حركت از ما بركت) نقلا عن الله تعالى (ومنه) اي من القسم الاول من الملحق بالطباق (قوله تعالى (أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً) لان اذخال النار يستلزم الاحراق المضاذ للاغراق) لاستلزام احدهما توقد النار والاخر اطفائها.

(والثاني) مما يلحق بالطباق (الجمع بين معنيين غير متقابلين) ولا يتعلق احدهما بما يقابل الآخر وبهذا فارق ما قبله اعني القسم الاول من الملحق (عبر عنهما بلفظين يتقابل معنياهما الحقيقيان نحو قوله أي قول دعبل) بكسر الدال والياء وسكون العين ويجوز فتحها ايضا على قول (لا تعجبي يا سلم) ترخيم سلمى او المراد يا سالمة من العيوب فهو من باب زيد عدل اي عادل (من رجل يعني نفسه) عبر عن نفسه باسم الظاهر لاجل ان يتمكن من الوصف بالجملة (ضحك المشيب برأسه) المشيب والشيب عبارة عن بياض الشعر (اي ظهر ظهورا تاما فبكى ذلك الرجل) بسبب قرب الموت او بسبب تاسف مضى الشباب من دون اياب

١٥

(فانه لا تقابل بين البكاء وظهور المشيب) بل بينهما كمال المناسبة (لكنه عبر عن ظهور المشيب) على سبيل المجاز (بالضحك الذي يكون معناه الحقيقي مضادا لمعنى البكاء ويسمى) هذا القسم (الثاني ايهام التضاد) بخلاف القسم الاول فانه ليس له اسم خاص بل هو عام وهو ملحق بالطباق (لان المعنيين المذكورين) في هذا القسم يعني البكاء وظهور المشيب (وان لم يكونا متقابلين حتى يكون التضاد حقيقيا لكنهما قد ذكرا بلفظين) يعني لفظ البكاء ولفظ الضحك (يوهمان بالتضاد نظرا الى الظاهر) اي ظاهز اللفظين المذكورين (والحمل) اي حمل اللفظين المذكورين (على الحقيقة) التي ليست مرادة وحقيقة الضحك عبارة عن هيئة للفم معتبرة من ابتداء حركة وانتهاء الى شكل مخصوص واما البكاء فمعناه الحقيقي ظاهر.

(ودخل فيه أي في الطباق بالتفسير الذي سبق) وهو الجمع بين امرين متقابلين ولو في الجملة او امور كذلك (ما يختص باسم المقابلة الذي جعلها السكاكي وغيره قسما برأسه من المحسنات المعنوية وهي أن يؤدي بمعنيين متوافقين) اي غير متقابلين وسيصرح بذلك (او أكثر اي بمعان متوافقة ثم) يؤتي (بما يقابل ذلك أي ثم يوتي بما يقابل المعنيين المتوافقين او المعاني المتوافقة على الترتيب) أي يكون ما يؤتى به ثانيا على ترتيب ما اتى به اولا بحيث يكون الاول للاول والثاني للثاني وهكذا فهو نظير ما يأتي من اللف والنشر (فيدخل في الطباق لانه حينئذ يكون جمعا بين معنيين متقابلين في الجملة) او بين معان كذلك.

(والمراد بالتوافق) كما اشرنا سابقا (خلاف التقابل لا ان يكونا متناسبين ومتماثلين فان ذلك غير مشروط كما يجيء من الامثلة) فيشمل هذا القسم الخلافين كالانسان والحمار والمتناسبين كما يأتي في مراعاة

١٦

النظير والمتماثلين في اصل الحقيقة كمصداق الكاتب والانسان.

(ثم يخص به) اي بهذا القسم الذي يختص باسم المقابلة (اسم المقابلة بالاضافة الى العدد الذي وقع عليه المقابلة مثل مقابلة الاثنين بالاثنين نحو قوله تعالى (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً)) فانه (اتى) أولا (بالضحك والقلة المتوافقين ثم) اتى (بالبكاء والكثرة المتقابلين لهما) ثانيا (ومقابلة الثلاثة بالثلاثة نحو قوله اي قول ابي دلامة) :

ما احسن الدين والدنيا اذا اجتمعا

واقبح الكفر والافلاس بالرجل

فانه اي الشاعر (قابل الحسن والدين والغنى بالقبح والكفر والافلاس) أي جعل الثلاثة الاولى مقابلة للثلاثة الاخيرة (على الترتيب) وذلك ظاهر.

(ومقابلة الاربعة بالاربعة نحو قوله تعالى (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى)) هذه افعال اربعة (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) وهذه اربعة اخرى فوقع كل واحد من هذه الافعال الاربعة في مقابل واحد من تلك الافعال الاربعة.

(ولما كان التقابل في الجميع ظاهرا الا مقابلة الاتقاء والاستغناء) فان التقوى اما ان تفسر برعاية اوامر الله تعالى ونواهية والاعتناء بها خوفا منه تعالى او محبة فيه او تفسير بنفس خوف الله او محبته الموجب كل منهما لتلك الرعاية واما الاستغناء فان كان معناه عدم طلب المأل لكثرته فلا يقابل التقوى بذلك المعنى وان كان معناه عدم طلب الدنيا للقناعة فكذلك وان كان شيئا آخر فمعه خفاء (بينه بقوله والمراد باستغنى انه زهد فيما عند الله) من الثواب الاخروي فصار بتركه طلبه (كأنه مستغن عنه اي عما عند الله تعالى) اي لا يحتاج اليه لو كان له ميز وذلك ان العاقل لا يترك طلب شيء الا ان كان مستغنيا عنه فعبر بالاستغناء عن

١٧

ترك طلب ما عند الله تعالى على وجه الترفع عنه على سبيل الانكار وهذا كفر (فلم يتق او استغنى بشهوات الدنيا عن نعيم الجنة فلم يتق) ايضا لانه اما ان يكون ذلك على وجه يؤديه الى انكار النعيم فيكون كافرا ومنه قول يزيد لعنه الله لا خبر جاء ولا وحي نزل وقول اللعين الاخر لا خبر جاء ولا وحي نزل ومعلوم ان هذا يعود الى الوجه الاول من معنى الاستغناء واما ان يكون ذلك سفها وشغلا باللذة المحرمة العاجلة عن ذلك النعيم كما هو الحال في الفسقة (فيكون الاستغناء مستلزما لعدم الاتقاء المقابل للاتقاء) فعدم الاتقاء ليس هو نفس الاستغناء بالشهوات بل الاستغناء ملزومه فيكون من قبيل الملحق بالطباق فهو نظير اشداء على الكفار رحماء بينهم وهذا هو المراد بقوله (ففي هذا المثال تنبيه على ان المقابلة قد تركب من الطباق وقد تركب مما هو ملحق بالطباق لما مر من ان مثل مقابلة الاتقاء والاستغناء من قبيل الملحق بالطباق) وهو الجمع بين معنيين يتعلق احدهما بما يقابل الاخر نوع تعلق (مثل مقابلة الشدة والرحمة) حسبما مر بيانه آنفا.

(وزاد السكاكي في تعريف المقابلة قيدا آخر) فلا تحصيل المقابلة عنده الا به (حيث قال هي) اي المقابلة (ان تجمع شيئين متوافقين او أكثر وضديهما) أو اضدادها (وإذا شرط ههنا أي فيما بين المتوافقين) أو المتوافقات (أمر شرط ثمة أي فيما بين الضدين او الاضداد ضده اي ضد ذلك الامر كهاتين الايتين) المتقدمتين (فانه لما جعل التيسير مشتركا بين الاعطاء والاتقاء والتصديق جعل ضده اي ضد التيسير وهو التعسير المعبر عنه بقوله (لِلْعُسْرى) مشتركا بين اضدادها أي اضداد تلك) الامور الثلاثة (المذكورات وهي) اي الاضداد (البخل والاستغناء

١٨

والتكذيب فعلى هذا) الذي قاله السكاكي (لا يكون بيت ابي دلامة من المقابلة لانه اشترط في الدين والدنيا الاجتماع ولم يشترط في الكفر والافلاس ضده) أي ضد الاجتماع اي الافتراق.

وليعلم ان المراد بالشرط ههنا مطلق التقيد والتعلق لا الشرط المعروف لان التيسير والتعسير المذكورين في الآيتين ليسا شرطين وانما هما امران اشترك في كل منهما امور متوافقة.

(ومنه أي من المعنوي مراعاة النظير ويسمى التناسب والتوفيق أيضا و) يسى (الايتلاف والتلفيق ايضا) ويعرف وجه التسمية بكل واحد من هذه الاسماء بقوله (وهي جمع امر وما يناسبه) لكن يجب ان (لا) يكون المناسبة بينهما (بالتضاد) بل بالتوافق في الشكل او في ترتب بعض على بعض او في الادراك أو في شيء مما يشبه من ذلك كما يظهر من الامثلة الاتية (والمناسبة بالتضاد ان يكون كل منهما مقابلا للاخر وبهذا القيد يخرج الطباق) لانه كما مر الجمع بين متضادين اي معنيين متقابلين في الجملة (وذلك) الجمع المسمى بمراعاة النظير (قد يكون بالجمع بين الامرين نحو (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ)) أي يجريان بحساب معلوم المقدار في قطعها للابراج الاثنى عشر المعروفة والدرجات الفلكية لا يزيدان عليه ولا ينقصان فالشمس نقطع الفلك ذلك تقدير العزيز العليم.

(وقد يكون بالجمع بين ثلثه امور نحو قوله اي قؤل البحتري في الابل (المهزولة (كالقسي) جمع قوس (المعطفات اي المنحنيات) مأخوذ (من عطف العود) من باب التفعيل (وعطفه) اي من الثلاثي المجرد وفي الصورتين معناه (حناه) وهو صفة كاشفة للقسي او صفة مؤكدة له اذ لا يكون القوس الا كذلك (بل الاسهم) اي بل كالاسهم حال

١٩

كونها (مبرية اي منحوتة) مأخوذ (من برئه) اي (نحته بل الاوتار) أي بل كالاوتار فهي اي الابل هزيلة جدا.

وحاصل المعنى ان الابل في رقة اعضائها وشكلها شابهت تلك القسي بل شابهت ما هي ارق منها وهي الاسهم بل شابهت مأ هي ارق منهأ وهي الاوتار اي الخيوط الجامعة بين طرفي القوس.

والشاهد في انه (جمع بين القوس والسهم والوتر وبينها مناسبة وفيها اضرابات ثلاثة وهي تدل على ان القوس اغلظ من السهم المبري والسهم المبري اغلظ من الوتر والوتر والوتر أرق من الكل.

(وقد يكون) الجمع (بين اربعة) امور (كقول بعضهم للمهلبي الوزير انت ايها الوزير اسمعيلي الوعد شعيبي التوفيق يؤسفي العهد محمدي الخلق) فجمع بين الانبياء الاربعة عليهم الصلوة والسّلام وفيه مناسبة.

(وقد يكون) الجمع (بين اكثر) من الاربعة (كقول ابن رشيق) : بفتح الراء وكسر الشين :

اصح واقوى ما سمعناه في الندى

من الخبر المأثور منذ قديم

احاديث ترويها السيول عن الحياة

عن البحر عن كف الامير تميم

فقد جمع اولا بين ستة امور متناسبة وثانيا بين اربعة أشياء متناسبة أيضا بل خمسة أشياء (فانه ناسب فيه) اولا (بين الصحة والقوة والسماع والخبر المأثور والاحاديث والرواية) والتناسب في هذه الامور الستة ظاهر لمن له المام بعلم الرجال والدراية.

(وكذا ناسب ايضا) ثانيا (بين السيل والحيا) بالقصر اي المطر (والبحر وكف تميم مع ما في البيت الثاني من صحة الترتيب والعنعنة)

٢٠