المدرّس الأفضل - ج ٤

الشيخ محمّد علي المدرّس الأفغاني

المدرّس الأفضل - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد علي المدرّس الأفغاني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر
المطبعة: دار الكتاب
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢١

١
٢

٣
٤

بسم الله الرحمن الرحيم

وله الحمد

الحمد لله رب العالمين والصلوة والسّلام على خير خلقه محمد وآله اجمعين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين من الان الى قيام يوم الدين.

اما بعد فيقول العبد المذنب الجاني محمد علي بن مراد علي المدرس الافغاني هذا هو الجزء الرابع من كتابنا المدرس الافضل فيما يرمز ويشار اليه في المطول اسئل الله العلي القدير ان يوفقني لاتمامه انه على كل شىء قدير وبالاجابة جدير.

(اما تركه فلما مر في حذف المسند اليه) من الاحتراز من العبث او تخييل العدول الى أقوى الدليلين وغيرهما مما ذكر هناك فراجع ان شئت.

(وانما قال في المسند اليه حذفه وفي المسند تركه) والفرق بينهما ان الاول معناه بالفارسية (افكندن وانداختن) والثاني معناه بالفارسية (دست برداشتن) وظاهر ان بين المعنيين بون بعيد وتفاوت شديد يظهر من قوله (رعابة للطيفة وهى) اى اللطيفة ما تقدم هناك من (ان المسند اليه اقوم ركن في الكلام وأعظمه والاحتياج اليه فوق

٥

الاحتياج الى المسند فحيث لم يذكر لفظا فكانه اتى به لفرط الاحتياج اليه ثم اسقط لغرض) من الاغراض التى ذكرت هناك اعنى الاحتراز من العبث وتخييل العدول ونحوهما والحاصل انه كل ما يصلح لتعليل الحذف في ذلك الباب يصلح له في هذا الباب (بخلاف المسند فانه ليس بهذه المثابة) والمنزلة (في الاحتياج فيجوز ان يترك ولا يوتى به لغرض) من الاغراض المذكورة هناك (كقوله اي قول ضابى بن الحارثى البرجمى).

ومن يك امسى بالمدينة رحله

فانى وقيار بها لغريب

لفظة من شرطية محذوفة الجزاء ويك فعل الشرط اصله يكون حذفت الواو لالتقاء الساكنين بعد الجزم وحذفت النون ايضا تخفيفا او تشبيها بالتنوين في السكون كما قال في الالفية.

ومن مضارع لكان منجزم

يحذف نون وهو حذف ما التزم

وامسى اما مسند الى ضمير من وجملة بالمدينة رحله خبره ان كانت ناقصة وحال ان كانت تامة فالاسناد في امسى حقيقة واما مسند الى رحله بمعنى المنزل والماوي كما قال (في الاساس لناء في رحله اى في منزله وماويه) فالاسناد مجاز لان المراد امساء اهل المنزل دون المنزل نفسه اى ومن يك امسى بالمدينة رحله فنعم الامساء امائه لانه امساء في المنزل بين الاهل والاحبة والاصدقاء سالما عن كدر الغربة وكمد الفرقة ساكنا فؤاده مطمئنا قلبه بوصلهم كما قال الشاعر الفارسي

دانى كه چيست دولت ديداد دوست ديدن

در كوى او گدائى بر خسروى گزيدن

(وقيار اسم جعل له) اى للشاعر وقال في المختصر اسم فرس له

٦

وقيل اسم غلام له (ولفظ البيت خبر) استعمل في مقام الانشاء اى انشاء التحصر على الغربة اى التحزن منها والتوجع بها (و) ذلك لان (معناه) اى معنى البيت كما قلنا (التحصر على الغربة والتوجع) أى وجع القلب (من الكربة) الحاصلة بسبب الغربة كما قيل بالفارسية ،

غريب اگرچه بغربت ميانه كنجست

همين كه شام شود آن غريب دل رنجست

والشاهد في البيت انه (حذف المسند) من المسند اليه (الثاني) يعنى قيار لا من الاول اعنى اسم ان فقوله غريب خبر لان اللام الابتدائية انما يدخل على خبر ان كما قال في الالفية.

وبعد ان ذات الكسر تصحب الخبر

لام ابتداء نحو انى لوزر

(والمعنى انى لغريب وقيار ايضا غريب) فحذف المسند من الثاني (لقصد الاختصار والاحتراز عن العبث في الظاهر) حسبما فصل في اوائل باب المسند اليه والا فلا عبث بحسب الحقيقة ونفس الامر لكونه ركن الكلام في الحقيقة فكيف يكون ذكره عبثا (مع ضيق المقام بسبب التحصر ومحافظة الوزن) والمحافظه على الوزن من اهم الامور عندهم يرتكبون لاجلها امورا لا يرتكبونها في غيرها كما هو ظاهر للمتتبع

(ولا يجوز ان يكون غريب خبرا عنهما) اى عن اسم ان وقيار (بافراده) اى وحده من دون تقدير خبر اخر لقيار وسياتى وجه هذا التقيد والتفسير عند قوله وفي ارتفاع قيار وجهان ولا يخفى عليك انه لو جاز ذلك لكان من عطف المفرد على المفرد بخلاف ما اذا قدر لقيار خبر اخر فانه حينئذ من عطف الجملة على الجملة وذلك جائز

٧

كما يصرح به عنقريب وانما لم يجز كون غريب خبرا عنهما بافراده (لامتناع العطف على محل اسم ان قبل مضى الخبر) قال الجامى ويشترط في العطف على اسم ان المكسورة بالرفع مضى الخبر اى ذكر خبرها قبل المعطوف لفظا مثل ان زيدا قائم وعمرو او تقديرا مثل ان زيدا وعمرو قائم اى ان زيدا قائم وعمرو قائم لانه لو لم يمض قبله لا لفظا ولا تقديرا لزم اجتماع العاملين على اعراب واحد مثل ان زيدا وعمرو ذاهبان فانه لا شك ان ذاهبان خبر عن كل من المعطوف والمعطوف عليه فمن حيث انه خبر عن اسم ان يكون العامل في رفعه ان ومن حيث انه خبر المعطوف على اسمه يكون العامل في رفعه الأبتداء فيلزم اجتماع عاملين اعنى ان والابتداء على رفعه وهو باطل انتهى.

من هذا القبيل مثال التفتازانى اعنى (نحو ان زيدا وعمرو منطلقان).

وللمحقق الرضى كلام ادق يعجبنى ذكره وهذا نصه ولا يحمل على المحل عند البصريين الا بعد مضى الخبر فلا يجوز عندهم ان زيدا وعمرو قائمان واجازه الكسائى وانما منعوا من ذلك لان العامل في خبر المبتدء عند جمهورهم الابتداء والعامل في خبر ان ان فيكون قائمان خبرا عن زيد وعمرو معا فيعمل عاملان مختلفان مستقلان في العمل رفعا واحدا فيه وذلك لا يجوز لان عوامل النحو عندهم كالمؤثر الحقيقى كما ذكرنا في صدر الكتاب والاثر الواحد الذي لا يتجزء لا يصدر عن مؤثرين مستقلين في التأثير كما ذكر في علم الاصول لانه يستغنى بكل واحد من المؤثرين عن الاخر فيلزم من احتياجه اليهما معا عدم استغنائه عنهما انتهى.

٨

وانما علل التفتازانى عدم جواز كون غريب خبرا عنهما بما ذكر اى بامتناع العطف على محل اسم ان قبل مضى الخبر لا بافراد غريب لان وزن فعيل يستوى فيه المفرد والمثنى والجمع ولذلك وصف به الجمع في قوله تعالى (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) فلولا امتناع العطف المذكور لجاز كون غريب خبرا عنهما بافراده فتنبه.

(وفي ارتفاع قيار وجهان احدهما العطف على محل اسم ان لان الخبر) اي خبر ان اي لغريب (مقدم تقديرا) لانه اى لغريب جزء الجملة المعطوف عليها ، فهو حينئذ نظير باب التنازع بل عينه من وجه اذا اعملنا الاول نحو قد بغى واعتديا عبداك ، فاعمل في عبداك الاول واضمر في الثاني.

ولا محذور لرجوع الضمير الى متقدم في الرتبة (فيكون العطف بعد مضى الخبر ولا يلزم) حينئذ (ارتفاع الخبر بعاملين مختلفين كما في ان زيدا وعمرو ذاهبان) حيث ارتفع ذاهبان بعاملين مختلفين وقد تقدم بيانه ، وانما قلنا انه لا يلزم حينئذ ارتفاع الخبر بعاملين مختلفين (لان لكل منهما) اي ان وقيار.

(خبرا اخر) فعمل ان في خبره اعنى لغريب وعمل قيار او الابتدائية في خبر اخر مقدر وهو ايضا غريب ، فهو من قبيل عطف شيئين على معمولى عامل واحد ، لان قيارا معطوف على محل اسم ان وغريبا المحذوف على غريب المذكور واحتمل بعضم انه من قبيل عطف الجملة على الجملة وليس بشيء فتامل.

قال الرضى : ولو فرق الخبران بالعطف نحو ان زيدا وهند قائم وخارجة لم يات الفساد الذي ذكروا فيجب جوازه ، فيكون الكلام

٩

من باب اللف ، كقوله تعالى :

«جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ». واذا قدمت الخبر على العطف فاما ان تاتى المعطوف بالخبر ظاهرا نحو ان زيدا قائم وعمرو كذلك او تحذفه وتقدره ، والاكثر الحذف نحو : ان زيدا قائم وعمرو ولا يجوز ان يكون هذا من عطف المفرد ، لان قائم لا يكون خبرا عن الاسمين.

وانما اجاز الكسائى نحو ان زيدا وعمرو قائمان لان العامل عنده في خبران ما كان عاملا في خبر المبتدء ، لان ان واخواتها لا تعمل عند الكوفيين الا في المبتدء دون الخبر ، والعامل في خبر ان اسمها ، لان المبتدء والخبر لا يترافعان عنده ، فلا يلزم صدور اثر واحد عن مؤثرين.

والفراء توسط مذهبي سيبويه والكسائى ، فلم يمنع رفع المعطوف مطلقا ولم يجوزه مطلقا بل فصل وقال : ان خفى اعراب الاسم بكونه مبنيا او معربا مقدر الاعراب جاز الحمل على المحل قبل مضى الخبر ، نحو انك وزيد ذاهبان وان الفتى وعمرو قائمان والا فلا ، لانه لا ينكر في الظاهر كما ينكر مع ظهور الاعراب في المتبوع ، وذلك لان خبرا واحدا عن مختلفين ظاهرى الاعراب مستبدع ولا كذلك اذا خفى اعراب المتبوع ، ولا يلزمه ايضا توارد المستقلين على اثر واحد ، لان مذهبه في ارتفاع خبر ان مذهب الكسائى انتهى.

(و) اما الوجه (الثاني) من وجهى ارتفاع قيار ، فهو (ان يرتفع) قيار بالابتداء والمحذوف خبره والجملة) اى قيار وخبره المحذوف (باسرها عطف على جملة ان مع اسمه وخبره ، ولا تشريك هنا في عامل ، كما تقول ليت زيدا قائم وعمرو منطلق) فانه من عطف

١٠

جملة خبرية مستقلة على جملة انشائية مستقلة وفيه كلام ياتى في اوائل الباب السابع انشاء الله تعالى.

(و) اما (السر في تقديم قيار على خبر ان) فهو قصد التسوية بينهما) أي بين الشاعر وقيار (في التحسر على الاغتراب كانه) اى الاغتراب (اثر فى غير ذوى العقول ايضا). هذا بناء على ان قيار اسم جمل او فرس له لا غلام له فتنبه.

(بيان ذلك) اي بيان ان السر في تقديم قيار قصد التسويه بينهما (انه لو قيل : انى غريب وقيار لجاز ان يتوهم) من تاخير قيار عن خبر ان ، اعنى غريب (ان له) اي للشاعر (مزيد) وزيادة (على قيار في التاثر) والتحسر (عن الغربة) وذلك (لان ثبوت الحكم) لشيىء (اولا) وسابقا (اقوى) من ثبوته ثانيا وحقا (فقدمه) اى قيارا (ليتاتى) اى ليمكن (الاخبار عنهما) اى عن الشاعر وقيار (دفعة) واحدة (بحسب الظاهر) لا بحسب الحقيقة اذ في الحقيقة لكل منهما خبر اخر على ما بينا انفا.

فقدمه (تنبيها على ان قيارا مع انه ليس من ذوى العقول قد ساوى العقلاء في استحقاق الاخبار عنه بالاغتراب) وانما فعل ذلك (قصدا الى) اظهار كمال (التحسر) وزيادة التوجع.

(وهذا الوجه) الثاني من وجهى ارتفاع قيار مع السر المذكور (هو الذي قطع به صاحب الكشاف في سورة المائدة في قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى) الاية وقال) ما حاصله ((وَالصَّابِئُونَ) مبتدء وهو مع خبره المحذوف جملة معطوفة على جملة (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) الخ لا محل لها من الاعراب وفائدة تقديم (الصَّابِئُونَ)

١١

التنبيه على انهم) اي الصابئون مع كونهم ابين المذكورين) في الاية (ضلالا واشدهم غيا) لانهم خرجوا عن دين اليهوديه والنصرانيه بل عن الاديان كلها وعبد والملائكة وفي مجمع البحرين عن الصادق عليه‌السلام سمى الصابئون لانهم صبوا الى تعطيل الانبياء والرسل والشرايع وقالوا كلما جائوا به باطل فجحدوا توحيد الله ونبوة الانبياء ورسالة المرسلين ووصية الاوصياء فهم بلا شريعة ولا كتاب ولا رسول وفيه ايضا قيل اصل دينهم دين نوح عليه‌السلام فمالوا عنه وكذا في مفردات الراغب وفيهم اقوال اخر مذكورة في التفاسير وكتب اللغة وكيفكان لهم (يثاب عليهم ان صح منهم الايمان والعمل الصالح فما الظن بغيرهم) من الكفار والمنافقين ، (وههنا) اى في العطف على محل اسم ان (ابحاث لا يحملها المقام) ونحن قد نقلنا بعض تلك الابحاث عن الرضى.

(اكمال) قال الرضى واما قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى) امن فعلى ان الواو في والصابئون اعتراضية لا للعطف وهو مبتدء محذوف الخبر اى والصابئون كذلك اسد خبر ان مسده ودلالته عليه كما في ياتيم تيم عدى على مذهب المبرد ومنه قوله.

فمن يك امسى بالمدينة رحله

فانى وقيار بها لغريب

اى فانى وقيار كذلك بها لغريب انتهى وياتى وجه تسمية هذه الواو اعتراضية في الباب الثامن عند قول المصنف واما بالاعتراض الخ انشاء الله تعالى.

وقال ايضا اعلم انه يختلف عباراتهم في ذلك يقول بعضهم كما

١٢

قال المصنف يعطف على اسم المكسورة بالرفع وبعضهم يقول على موضع ان مع اسمها كما قال الجز ولى وكان الاول نظر الى ان الاسم هو الذي كان مرفوعا قبل دخول ان ودخولها عليه كلا دخول يبقى على كونه مرفوعا لكن محلا لاشتغال لفظه بالنصب فان كاللام في لزيد ولا شك ان المرفوع فيه هو الاسم وحده لا الاسم مع الحرف الداخل عليه فكذا ينبغى ان يكون الامر مع ان ومن قال على موضعها مع اسمها نظر الى ان اسمها لو كان وحده مرفوع المحل لكان وحده مبتدء والمبتدء مجرد عن العوامل عندهم واسمها ليس بمجرد.

والجواب انه باعتبار الرفع مجرد لان ان كالعدم باعتباره وانما يعتنى بها اذا اعتبر النصب ويشكل عليه بان ان مع اسمها لو كانت مرفوعة المحل لكانت مع اسمها مبتدء والمبتدء هو الاسم المجرد على ما ذكرنا وهى مع اسمها ليست اسما فالاولى ان يقال العطف بالرفع على اسمها وحده انتهى.

(و) نحو (قوله) اي قول قيس بن عطية او امرء القيس

نحن بما عندنا وانت بما عندك

راض والراى مختلف

اى نحن بما عندنا من الاعتقادات والافعال والاقوال والعادات راضون وانت بما عندك راض ولكن راينا وافكارنا وطريقنا واعمالنا مختلفة والله اعلم بما هو صلاح وصدق وخير منها يعنى ان طريقنا خير من طريقكم لكنه لم يصرح به كما قال الله تعالى (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) فالبيت نظير قوله تعالى حكاية (إِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً) او (فِي ضَلالٍ مُبِينٍ).

وقيل معناه كل واحد منا راض بما اتاه الله وقسم له من المال

١٣

وغيره لا نتنازع ولا نتحاسد فيه والاراء مع ذلك مختلفة لا تتفق وكيفكان (هذا) المثال (صريح في ان) الخبر (المذكور) يعنى راض (خبر عن) المبتدء (الثاني) يعنى انت (وخبر) المبتدء (الاول) يعنى نحن (محذوف) والخبر المحذوف راضون (على عكس البيت السابق) اي قوله وانى وقيار الخ.

والوجه في هذا البيت وجوب المطابقة في الخبر المشتق كما انه في البيت الاول اللام الابتدائية لانها كما قال في المغنى في الباب الرابع في اقسام العطف لا تدخل على خبر المبتدء الا اذا قدم نحو لقائم زيد او كان خبر المبتدء منسوخ كما في الالفية.

وبعد ان ذات الكسر تصحب الخبر

لام ابتداء نحو انى لوزد

قال ابن هشام في الباب الخامس اذا دار الامر بين كون المحذوف اولا او ثانيا فكونه ثانيا اولى الى ان قال تنبيه الخلاف انما هو عند انتردد والا فلا تردد في ان الحذف من الاول في قوله.

نحن بما عندنا وانت بما عندك

راض والراى مختلف

ثم قال وتكلف بعضهم في البيت فزعم ان نحن للمعظم نفسه وان راض خبر عنه ثم رد هذا التكلف بانه لا يحفظ من نحو نحن قائم بل تجب في الخبر المطابقة نحو (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) واما (قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ) فافرد ثم جمع فلان غير المبتدء والخبر لا يجب لهما من التطابق ما يجب لهما انتهى (وكذا) اي مما حذف الخبر من الاول (قوله).

ومانى بامر كنت منه ووالدى

بريا ومن اجل الطوى رمانى

(على ان بريا خبر لوالدي وخبر كنت محذوف فهو عنده) اي

١٤

الخطيب (من عطف المفرد) على المفرد اى من عطف شيئين على معمولى عامل واحد لان والدى معطوف على اسم كان وبريا على خبره المحذوف كما قال ابن مالك (وحذف متبوع بدا هنا استبح).

(و) لكن (جمهور النجاة على ان) بريا (المذكور خبر كنت و) ان (والدي) ليس معطوفا على اسم كان بل هو (مرفوع بالابتداء) على تقدير لئلا يلزم العطف قبل تمام الجملة (والخبر) اى خبر والدى (محذوف) فهو مثل البيت السابق لا عكسه ونظير ما (قال) الامام (المرزوقى في قوله).

فيا قبر معن كيف واريت جوده

وقد كان منه البر والبحر مترعا

(ان البحر مرتفع بالابتداء على تقدير التاخير) لما ذكرنا (والمعنى كان منه البر مترعا والبحر ايضا مترع فيكون) العطف في والدى (من عطف الجملة) على الجملة اى على جملة كنت بريا (ولا يلزم العطف قبل تمام المعطوف عليه) وان كان الخبر من الجملة المعطوف عليها اعنى بريا مؤخرا لفظا من مبتدء الجملة المعطوفة اعنى والدي (لان هذا المبتدء) يعنى والدي (في نية التاخير) معنى كما تقدم انفا في تقديم قيار انه (قدم لفرط الاهتمام) وقصد التسوية فتامل جيدا.

(ولو انهم قدروا) الخبر (المحذوف من الثاني) حالكون الخبر المحذوف (منصوبا) لا مرفوعا كما قاله جمهور النحاة والامام المرزوقى (اى كنت منه بريا ووالدى ايضا بريا وكان البر منه مترعا والبحر ايضا مترعا ليكون من عطف المفرد) على المفرد اى من عطف شيئين على معمولى عامل واحد (كقولنا كان زيد قائما وعمرو قاعدا لم يكن بعيدا) قال الرضى عند قول ابن الحاجب واذا عطف على عاملين مختلفين

١٥

لم يجز ما هذا نصه واما عطف المعمولين متفقين كانا او مختلفين على معمولى عامل واحد فلا باس به نحو ضرب زيد عمر او بكر خالدا وظننت زيدا قائما وعمرا قاعدا واعلم زيد عمرا بكرا فاضلا وبشر خالدا محمدا كريما وذلك لان حرف العطف كالعامل ولا يقوى ان يكون حرف واحد كالعاملين ويجوز ان يكون كعامل يعمل عملين او ثلثة او اكثر انتهى.

ولا يذهب عليك ان استواء فعيل في المفرد والمثنى والمجموع يضعف بعض ما تقدم فتامل.

(و) نحو (قولك زيد منطلق وعمرو اى وعمرو كذلك) اى منطلق (فحذف) الخبر وهو كذلك او منطلق (للاحتراز عن العبث) اذ لو قلت وعمرو منطلق او كذلك للزم العبث لدلالة العطف صريحا على ان خبر المعطوف هو مثل خبر المعطوف عليه فحذف من الثاني لدلالة خبر الاول عليه فالحذف للاحتراز المذكور (من غير ضيق المقام) مع قصد الاختصار كما في المفتاح.

(و) نحو (قولك خرجت فاذا زيد اى موجود فحذف) الخبر اى موجود (لما مر) أي للاحتراز عن العبث) بناء على الظاهر حسبما مر في حذف المسند اليه (مع) ان في هذا الحذف (تباع الاستعمال) الوارد على ترك الخبر بعد اذا المفاجاة ولهذا ترجح الحذف على الذكر ولو لا ذلك لما جاز الحذف لانه قد تقدم في اول الباب الثاني ان الحذف يفتقر الى امرين احدهما قابلية المقام وهو ان يكون السامع عارفا به لوجود القرائن والثاني الداعي الموجب لرجحان الحذف على الذكر ولما كان الاول معلوما مقررا في علم النحو ايضا دون الثاني قصد

١٦

الخطيب الى تفضيل الثاني مع اشارة ضمنية الى الاول.

فان قلت لم يسبق في كلام الخطيب في حذف المسند اليه ذكر لاتباع الاستعمال والمحافظة على الوزن وضيق المقام فكيف يمثل لهذه الامور ويشير اليها بقوله لما مر.

قلت هذه الامور المذكورة داخلة في قوله او نحو ذلك بناء على كونه من المتن فحينئذ لو جعل هذا المثال لتخييل العدولى الى اقوى الدليلين من العقل واللفظ لكان جائزا ايضا فتامل.

والقرينة فى هذا المثال اى خرجت فاذا زيد هى لفظة اذا المفاجاة (لان اذا المفاجاة تدل على مطلق الوجود) الذى هو من افعال العموم هذا اذا كان الخبر كما في المثال من افعال العموم.

(و) اما (اذا اريد فعل خاص) اى اذا كان الخبر من افعال الخصوص (مثل قائم او قاعد او راكب) ونحوها (فلا بد) حينئذ (من الذكر) اى ذكر الخبر اذ لا دلالة للفظة اذا حينئذ على الذى هو من افعال الخصوص والحاصل ان لفظة اذا نظير لو لا الامتناعية في حذف الخبر حسبما بيناه في المكررات عند قول ابن مالك.

وبعد لو لا غالبا حذف الخبر

حتم وفي نص يمين ذا استقر

(نعم قد يدل الفعل) المتقدم على اذا المفاجاة (على نوع خصوصية) في الخبر وبعبارة اخرى قد ينضم الى لفظة اذا المفاجاة قرائن خاصة تدل على خبر خاص (فيقدر) الخبر (بحسبه) أى بحسب ذلك النوع من الخصوصية (كما في المثال المذكور فان خرجت يدل على ان المعنى حاضر او بالباب او نحو ذلك) كواقف او جالس ونحوهما مما يدل عليه قرينة المقام والحال.

١٧

(و) اما (الفاء في فاذا) ففيها اقوال ثلثة (قيل هى للسببية التي يراد بها لزوم ما بعدها لما قبلها اى مفاجاة زيد لازمة للخروج) هذا ماخوذ من كلام الرضى حيث قال واما الفاء الداخلة على اذا المفاجاة فنقل عن الزيادى انها جواب شرط مقدر ولعله اراد انها فاء السببية التي المراد منها لزوم ما بعدها لما قبلها كما تقدم اى مفاجاة السبع لازمة للخروج وقال الماذنى : هى زائدة وليس بشيء اذ لا يجوز حذفها.

(وقيل للعطف حملا على المعنى اي خرجت ففاجات وقت وجود زيد بالباب) هذا ايضا ماخوذ من كلام الرضى حيث قال وقال ابو بكر مبرمان هى للعطف حملا على المعنى اى خرجت ففاجات كذا انتهى وحاصل معنى المفاجاة بالفارسية (ناگهان برخوردن بچيزي يا بكسى) او (ناگاه دريافتن) (فالعامل في اذا) على هذا القول الثالث (هو فاجات فحينئذ تكون) لفظة اذا (مفعولا به) لفاجات (لا ظرفا) اى لا مفعولا فيه هذا.

ولكن قال الرضى ان اذا من الظروف غير المتصرفة وكيفكان فهى مضافة الى الجملة بعده (ويجوز ان يكون العامل فيها هو الخبر المحذوف فحينئذ لا يكون اذا مضافا الى الجملة) بعده لان المضاف اليه لا يعمل في المضاف وهى في كلتا الصوتين من ظروف الزمان.

(وقال المبرد ان اذا ظرف مكان فيجوز أن يكون هو خبر المبتدء اى فبالمكان زيد بخلاف تينك الصورتين فانه لا يجوز ان يكون هو خبر المبتدء لان الزمان لا يخبر به عن الجثة الا اذا افاد كما قال في الالفية.

١٨

ولا يكون اسم زمان خبرا

عن چثة وان يفد فاخبرا

(و) انما (التزم تقديمه) اى تقديم اذا مع كون الاصل في الاخبار ان تؤخر (لمشابهتها) اى اذا المفاجاة (اذا الشرطية) لفظا ومعنى كما اشير اليه انفا والشرطية لها الصدر (لكنه) اى كون اذا ظرف مكان وخبرا (لا يطرد) من حيث المعنى (في نحو خرجت فاذا زيد بالباب اذ لا معنى لقولنا فبالمكان زيد بالباب) ولابن هشام كلام فيه بيان اجمال ما تقدم وفوائد اخرى يعجبنى نقله بطوله وهذا نصه : اذا على وجهين احدهما ان تكون للمفاجاة فتختص بالجمل الاسمية ولا تحتاج لجواب ولا تقع في الابتداء ومعناها الحال لا الاستقبال نحو خرجت فاذا الاسد بالباب ومنه فاذا هى حية تسعى اذا لهم مكر وهى حرف عند الاخفش ويرجحه قولهم خرجت فاذا ان زيدا بالباب بكسر ان لان ان لا يعمل ما بعدها فيما قبلها.

وظرف مكان عند المبرد وظرف زمان عند الزجاج واختار الاول ابن مالك والثانى ابن عصفور والثالث الزمخشرى وزعم ان عاملها فعل مقدر مشتق من لفظ المفاجاة.

قال في قوله تعالى (ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً) الاية ان التقدير ثم اذا دعاكم فاجاتم الخروج في ذلك الوقت ولا يصرف هذا لغيره وانما ناصبها عندهم الخبر المذكور في نحو خرجت فاذا زيد جالس او المقدر في نحو فاذا الاسد اى حاضر وان قدرت انها الخبر فعاملها مستقر او استقر ولم يقع الخبر معها في التنزيل الامصر حابه نحو (فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى فَإِذا هُمْ خامِدُونَ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ* فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ).

١٩

واذا قيل خرجت فاذا الاسد صح كونها عند المبرد خبرا اى فبا لحضرة الاسد ولم يصح عند الزجاج لان الزمان لا يخبر به عن الجثة ولا عند الاخفش لان الحرف لا يخبر به ولا عنه.

فان قلت فاذا القتال صحت خبريتها عند غير الاخفش وتقول خرجت فاذا زيد جالس او جالسا فالرفع على الخبرية واذا نصب فالنصب على الحالية والخبر اذا ان قيل بانها مكان والا فهو محذوف.

نعم يجوز ان تقدرها خبرا عن الجثة مع قولها انها زمان اذا قدرت حذف مضاف كان تقدر في نحو خرجت فاذا الاسد فاذا حضور الاسد انتهى.

(و) نحو (قوله اى قول الاعشى)

ان محلا وان مرتحلا

وان في السفر اذ مضوا مهلا

(السفر) كركب (جمع سافر كصحب وصاحب) قال في المصباح سفر الرجل سفر امن باب ضرب فهو سافر والجمع سفر مثل راكب وركب وصاحب وصحب وهو مصدر في الاصل والاسم السفر بفتحتين انتهى ومن هنا قال بعض المحققين انه اسم جمع لان فعلا ليس من ابنية الجمع.

(ومهلا اى بعدا وطولا) قال في المصباح امهلته امهالا انظرته واخرت طلبه ومهلته تمهيلا مثله وفي التنزيل (فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) والاسم المهل بالسكون والفتح لغة وامهل امهالا وتمهل في امرك تمهلا اى اتئد فى امرك ولا تعجل والمهلة مثل غرفة كذلك وهى الرفق وفي الامر مهلة اى تاخير وتهمل في الامر تمكث ولم يعجل انتهى.

(اى ان لنا في الدنيا حلولا) اشارة الى ان محلا مصدر ميمي

٢٠