المدرّس الأفضل - ج ٣

الشيخ محمّد علي المدرّس الأفغاني

المدرّس الأفضل - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد علي المدرّس الأفغاني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر
المطبعة: دار الكتاب
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٨٣

١
٢

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

الحمد لله الذى خلق الانسان علمه البيان والصلاة والسّلام على من ارسله هدى للناس وأكرمه بفصل الخطاب والتبيان وعلى اله واصحابه الذين فازوا بشرف الايمان واللعن الدائم علي اعدائهم اعداء القرآن من الان الى يوم يوضع فيه الميزان فيخسر المبطلون وحزب الشيطان.

وبعد فيقول العبد المذنب الفانى ابن مراد على محمد علي الافغانى هذا هو الجزء الثالث من كتابنا المسمى ب (المدرس الافضل في شرح ما يرمز ويشار اليه في المطول) فلنشرع فيه بحول الله وقوته.

الباب الثاني احوال المسند اليه

(اعنى الامور العارضة له من حيث انه مسند اليه) لا لذاته فحزح الامور العارضة له من حيث ذاته او لقظه ومعناه او وضعه واستعماله ككونه عرضا او جوهرا وككونه كليا او جزئيا او متواطيا او مشككا وككونه حقيقة او مجازا او كناية او من حيث لفظه خاصة ككونه ثلاثيا او رباعيا ناقصا او صحيحا ونحو ذلك فتأمل.

وليعلم ان حيثية كونه مسندا اليه تقييدية لا تعليلية المراد بالتقييدية ما يكون قيد الموضوع الاحوال والمراد بالتعليلية ما يكون

٣

قيدا وعلة للاحوال ولا يكون له دخل بالموضوع والحاصل ان المراد بالاحوال في هذا الباب ما تعرض اللفظ حال كونه مسند اليه لا لكونه مسند اليه وهذا نظير قول الاصولين في اجتماع الامر والنهى ان الجهة والحيثية فيهما تقييديتان لا تعليليتان فالمبحوث عنه في هذا الباب انما ينحصر في الاحوال التى تعرض على اللفظ بقيد كونه مسند اليه (كحذفه وذكره وتعريفه وتنكيره وغير ذلك من الاعتبارات) المذكورة في هذا الباب (الراجعة اليه لذاتة) اى بواسطة كونه مسندا اليه (لا بواسطة الحكم) اى الاسناد (او) بواسطة (المسند مثلا ككونه مسند اليه لحكم مؤكد او متروك التاكيد) فان البحث عن ذلك قد تقدم في الباب الاول (وكونه مسند اليه لمسند مقدم او مؤخر او معرف او منكر ونحو ذلك) فان البحث عن ذلك راجع الى الباب الثالث.

فاندفع بما قلنا من ان الحيثية تقييدية لا تعليلية ما ربما يتوهم ان الظاهر من تفسير الاحوال بالاعتبارات الراجعة الى المسند اليه لذاته ان هذه الاحوال عارضة له لأجل كونه مسندا اليه وليس كذلك لأنها تعرض عليه لعلل اخرى ياتي بيان كل واحدة منها في محله مثلا الحذف يعرض له بعلة الاحتراز عن العبث في الظاهر لا بعلة كونه مسندا اليه وكذلك الذكر يعرض له بعلة كونه الاصل لا بعلة كونه مسندا اليه وهكذا ساثر الاحوال المذكورة في هذا الباب فتدبر جيدا.

واندفع ايضا بما قلنا ما ربما يتوهم ايضا نظرا الى اللام في قوله

٤

لذاته ان العلة الواحدة وهو كونه مسندا اليه كيف تقتضى امرين متنافين كالتعريف والتنكير او التقديم والتاخير ونحوهما فان قلت سلمنا ولكن من جملة الاحوال التى تعرص للفظ من حيث كونه مسندا اليه الرفع فيجب ان يذكر في هذا العلم بل في هذا الباب مع انه يذكر في علم النحو فكيف ذلك.

قلت اضافة الاحوال الى المسند المعهد اى الاحوال المعهودة عند اهل هذا الاصطلاح للمسند اليه وذلك لان المناسب لاهل الاصطلاح ان يريد باللفظ ما هو الاصطلاح عنده فالمراد بالاحوال انما هي الاحوال التى بها يطابق اللفظ مفتضى الحالى لاكل الاحوال فخرج الرفع في زيد قائم وقام زيد فانه وان كان عارضا له من حيث انه مسند اليه لكن لا من حيث انه يطابق به اللفظ مقتضى الحال.

وهذا نظير ما قاله في القوانين لاخراج علم المقلد عن الفقه وهذا نصه فالاولى في الاخراج التمسك باضافة الادلة الى الاحكام وارادة الادلة المعهودة فان الاضافة (كما ياتى في هذا الباب في بحث تعريف المسند اليه) للعهد انتهى.

وأما الجواب عن ذلك بان المقصود من عنوان الباب ان الامور المذكورة في هذا الباب عارضة للمسند اليه لذاته لا ان كل ما هو عارض له لذاته فهو مذكور في هذا الباب ففيه نظر ظاهر.

وذلك لان عنوان كل باب بمنزلة المعرف لما يذكر في ذلك الباب فلا بد من ان يكون جامعا ومانعا يدل على ذلك ما قاله السيوطي عند قول المصنف هذا باب الثائب عن الفاعل اذا احذف تعريضا على

٥

ابن الحاجب وهذا نصه والتعبير به احسن من التعبير بمفعول ما لم يسم فاعله لشموله للمفعول وغيره ولصدق الثانى على المنصوب في قولك اعطى زيد درهما وليس مراد انتهى.

(وسيأتى) بعد الفراغ عن بحث تعقيب المسند اليه بضمير الفصل (بيان كون المسند اليه او لى بالتقديم) على المسند لكن اذا كان مبتدأ لا فاعلا ووجهه ظاهر.

واما تقدم البحث عن احواله على البحث عن احوال المسند فلكونه كما ياتي الركن الاعظم

(اما حذفه قدمه) اى الحذف (على سائر الاحوال لأنه) اى الحذف (عبارة عن عدم الاتيان به وهو) اي عدم الاتيان (مقدم على الاتيان لتاخر وجود الحادث) اى حادث كان (عن عدمه) قال قوشجي عند قول المصنف والوجوه ان اخذ غير مسبوق بالغير او بالعدم فقديم والا فحادث ما هذا نصه القدم والحدوث صفتان للوجود واما المهية فانما توصف بهما باعتبار اتصاف وجودها بهما وقد يوصف بهما العدم فيقال للعدم الغير المسبوق بالوجود قديم وللمسبوق حادث.

وقال الحكيم السبزواري مشيرا الى ذلك :

أذا الوجود لم يكن بعد العدم

او غيره فهو مسمى بالقدم

وادر الحدوث منه بالخلاف

صف بالحقيقى وبالاضافي

ولا يذهب عليك ان تفسير الحذف بعدم الاتيان بظاهره نيافي ما ياتى في اول الباب الثالث لأن حاصل ما ياتى هناك ان الحذف من قبيل الرفع والترك من قبيل الدفع والتفسير بعدم الاتيان يناسب

٦

الثاني لا الاول.

(والحذف) اذا كان المسند اليه مبتدأ لا فاعلا وياتى وجة ذلك عن قريب (يفتقر الى امرين احدهما قابلية المقام وهو) الضمير راجع الى القابلية لان الضمير الراجع الى المصدر يستوى فيه المذكر والمؤنث فلا حاجة الى ما ارتكبه الفاضل المحشى من تاويل القابلية باحد الامرين (ان يكون السامع عارفا به) اى بالمبتدأ (لوجود القرائن) الخاصه اللفظية او المعنوية او غيرهما (والثاني) الامر (الداعي الموجب لرجحان الحذف) الذى هو خلاف الاصل في الالفاظ (على الذكر) الذى هو الاصل كما ياتي ذلك عن قريب.

واعلم انه اعترض على تعليل تقديم الحذف علي سائر الاحوال بتاخر وجود الحادث بانه يفيد تقدمه على الذكر خاصة دون سائر الاحوال لأن الحذف مقابل له دون بقية الاحوال كالتعريف والتنكير ونحوهما اذ ليس الحذف مقابلا لهذه الاحوال حتى يقال عدم الحادث سابق على وجوده.

وأجيب بان بقية الأحوال متفرعة على الذكر لأنها تفصيل له والمقدم على الاصل مقدم على الفرع ايضا.

(ولما كان) الامر (الاول معلوما مقررا في علم النحو ايضا) كما قال في الالفية :

وفي جواب كيف زيد قل دنف

فزيد استغنى عنه اذ عرف

(دون) الامر (الثانى قصد) الخطيب (الى تفصيل) الامر (الثاني) مع اشارة ما) اي اجمالية (ضمنية الى (الاول فقال

٧

فللاحتراز عن العبث اذ القرينة دالة عليه) اى على المسند اليه (فذكره عبث لكن لا بناء على الحقيقة وفي نفس الامر بل بناء على الظاهر والا) لى وان لم يكن بناء على الظاهر (فهو) اي المسند اليه (الركن الاعظم من الكلام) فينبغي كمال الالتفات اليه والتصريح به وان كانت القرينة عليه موجودة لما في الفعول على القرينة كما يأتى عنقريب من الضعف لا سيما فيما هو الركن الاعظم الاهم.

(قيل معناه) اي معنى قول الخطيب بناء على الظاهر (انه) اي ذكر المسند اليه (عبث نظرا الى ظاهر القرينة) الاضافة هنا بيانيه اي الظاهر الذي هو القرينة (واما في الحقيقة فيجوز ان يتعلق به) اي بذكر المسند اليه (غرض) من الاغراض التى تأتي عن قريب لذكره (مثل التبرك والاستلذاذ والتنبيه على غباوة السامع ونحو ذلك) من الاغراض الاخر الاتية والفرق بين المعنيين المذكورين لقوله بناء علي الظاهر ان نفي العبث على المعنى الاول بناء على كون المسند اليه الركن الاعظم والمقصود الاهم وعلى المعنى الثانى بناء على جواز تعلق الغرض بذكره.

(او تخييل) عطف الاحتراز اي الحذف لتخييل المتكلم السامع اي لا يقاع المتكلم في خيال السامع اي في ظنه اي في وهمه اي في ذهنه (العدول) اي عدول المتكلم (الى اقوى الدليلين) وقوله (من العقل واللفظ) بيان للدليلين لا لاقواهما لان الاقوى كما يصرح بعيد هذا هو العقل فقط (يعني ان الاعتماد عند الذكر على دلالة اللفظ) وحده لكن هذا (من حيث الظاهر) والا ففي الحقيقة الاعتماد على العقل واللفظ معا (و)

٨

الاعتماد (عند الحذف على دلالة العقل) وحده لكن هذا ايضا من حيث الظاهر والا ففى الحقيقه الاعتماد على اللفظ والعقل معا (وهو) اي العقل (اقوى لاستقلاله بالدلالة) فانه يمكن ان يدل بدون اللفظ كما في المعقولات المحضة كاستحالة اجتماع الوجود والعدم وكما في دلالة الاثر على المؤثر.

(بخلاف اللفظ) لعدم استقلاله بالدلالة (فانه يفتقر) في الدلالة (الى العقل) بان يعلم بالعقل ان اللفظ الفلاني موضوع للمعنى الفلاني (فاذا احذفت) المسند اليه (فقد خيلت) انت ايها المتكلم اي اوقعت في خيال السامع اى في ظنه اي في وهمه أي في ذهنه (انك عدلت من الدليل الاضعف) يعنى اللفظ (الى) (الاقوى) يعني العقل (وانما قال التخييل) لان الدال على ان العدول الى اقوى الدليلين اي العقل امر وهمي خيالي (لان الدال عند الحذف ايضا هو اللفظ المدلول عليه بالقرائن والاعتماد في دلالة اللفظ بالاخرة الى العقل فلا عند الذكر يكون الاعتماد بالكلية على اللفظ ولا عند الحذف) الاعتماد بالكلية (علي العقل كقوله) (قال لي كيف انت قلت عليل سهر دائم وحزن طويل)

الشاهد في حذف المسند اليه من عليل فانه (لم يقل انا عليل للاحتراز) عن العبث (والتخييل المذكورين) معا ويمكن ان يكون لواحد منهما والمقصود عند الشاعر ويعلم ذلك بألقرينة.

(او اختبار) اي امتحان (تنبه السامع عند القرينة هل يتنبه) بها على المحذوف) ام لا او اختبار مقدار تنبهه) ومبلغ ذكائه (هل

٩

يتنبه بالقرآئن الخفية) على المحذوف ا (ام لا) مثل لذلك بعضهم بما اذا حضر عندك شخصان احدهما اقدم صحبة من الاخر فتقول لمخاطبك والله حقيق بالاحسان تريد ان اقدمهما صحبة وهو زيد مثلا حقيق بالاحسان فتحدف ذلك المسند اليه اختبار المبلغ ذكائه هل يتنبه لهذا المحذوف بهذه القرنية التي معها خفاء وهي ان اهل الاحسان والصداقة القديمة دون حادثها او لا ينتبه له.

(او ايهام) اي ايقاع المتكلم في وهم السامع اي في ذهنه (صونه) اي حفظه (اي المسند اليه عن لسانك) كقولنا سيظهر ويملأ الله به الارض قسطا وعدلا نريد به المهدي الموعود عجل الله فرجه فحذفناه (تعظيما له وافخاما) كما هو مقتضى بعض الروايات (او عكسه اي ايهام صون لسانك عنه) اي عن المسند اليه تحقيرا له واهانة) يعلم مثاله من عكسه كما قال الشاعر مشيرا اليه :

ولقد علمت بانهم نجس

واذا ذكرتهم غسلت فمي

(او تاتي الانكار وتيسره لدى الحاجة) الى الانكار لانه قد تدعو الحاجة الى التكلم بشيء ثم تدعو الحاجة لانكاره (نحو فاسق فاجر اي زيد) فالحذف (ليتيسر لك) الانكار اذ لو قلت زيد فاسق فاجر لم تستطع عند الحاجة الانكار واما اذا احذفت فيمكن لك (ان تقول ما اردته بل اردت غيره) فتنجى من الغائلة.

فان قلت فهذا حينئذ مدعاة الى الكذب وهو محرم شرعا وقبيح

١٠

عقلا قلت نحن نتكلم على اسباب الحذف التي لاحظها البلغاء واعتبروها في الكلام بحسب مقتضى المقام سواء كان ذلك جائزا شرعا فيحسن عقلا وذلك كما اذا كان فيه مصلحة مهمة وذلك ظاهر (او تعينه) اي حذف المسند اليه لتعينه بحيث بعلم ان المسند منحصر فيه فلا حاجة الى ذكره كقولنا عالم الغيب والشهادة اي الله (او ادعائه اي) ادعاء (التعين) نحو وهاب الالوف اي السلطان فحذف المسند اليه لادعاء تعينه وانه لا يتصف بذلك غيره من رعيته وانما كان تعينه بذلك ادعائيا لانه يمكن ان يكون غيره من اهل مملكته كذلك.

(او نحو ذلك كضيق المقام عن اطالة الكلام بسبب ضجرة) اي غم وغلق وضيق صدر (وسأمة» قال في المجمع السأمة الملالة وزنا ومعني حاصل معني ضجرة وسأمه بالفارسية (دل كرفته كى) كما يقول شاعرهم :

دلم كرفته بحدى كه ميل باغ ندارد

بحد انكه بجيند كلي دماغ ندارد

فالانسان اذا اغتم او حصل له ضجرة وسئامة بسبب من الاسباب يختار اختصار الكلام بل يترك بعض امور العضام كما قال في القوانين ان الامام موسى بن جعفر عليهما‌السلام كان يترك النوافل اذا اهتم واغتم كما ورد في الروايات وافتى بمضمونه في الذكرى انتهى.

(او فوات فرصة) عطف على ضجرة وسئامه والكلام على حذف مضاف اي خوف فوات فرصة لان المقتضى للحذف خوف الفوات لانفس الفوات والفرصة النوبة والوقت كما في المصباح ومن هنا قال بعضهم انها

١١

قطعه من الزمان يحصل فيها المقصود فالمتكلم الفصيح يحذف المسند اليه لئلا يفوت المقصود بسبب اطالة الكلام بذكره والامثلة لذلك كثيرة (او محافظة على سجع) وهو تقارب فواصل الكلام وتشابهها اذا لم يكن الكلام موزونا اي اذا كان نثرا كقولهم (من طابت سريرته حمدت سيرته) ببناء حمدت للمفعول فلم يقل حمد الناس سيرته لضيق المقام عن اطالة الكلام بسبب المحافظة على السجع اذ لو ذكر المسند اليه اعنى الناس لكانت السريرة مرفوعة والسيرة منصوبة فيفترق الفاصلتان في الكلامين وذلك مرجوح ومرغوب عنه عند البلغاء.

(او) محافظة على (وزن) شعر (او قافية) له ويصح ان يمثل للوزن بقوله قلت عليل اذ لو ذكر المسند اليه ويقال انا عليل لم يستقم الوزن واما القافيه فكقوله :

وما المرء الا كالشهاب وضوئه

يجوز رمادا بعد اذ هو ساطع

وما المال والاهلون الا ودائع

ولا بد يوما ان ترد الودائع

فلو ذكر المسند اليه وقيل ان يرد الناس لاختلت القافية لصيرورتها مرفوعة في الاول ومنصوبة في الثاني فحذف المسند اليه لاجل المحافظه على القافية وفيه ايضا محافظة على الوزن فتدبر.

وقوله (وما اشبه ذلك) عطف على ضجرة وسامة اي كضيق المقام عن اطالة الكلام بسبب ما اشبه الضجرة والسأمة (كقول الصياد) مخاطبا المطيور الجوارح عند ابصاره للغزال (غزال) اي هذا غرال (فان المقام لا يسع ان يقال هذا غزال فاصطادوه) هكذا بينه بعضهم وقال فحذف هذا لانك اذ رغبته في التسارع اليه توهمه ان في ذكره

١٢

طولا كثيرا يوجب فوته وفراده بحسب زعمه فجعله مثالا لفوات الفرصة وفيه ما فيه وفال بعض اخر كقول الصياد عند عروض ابصار الغزال غزال غزال اي هذا غزال فاصطادوه فحذف هذا لان ذكره بحسب رغبته في التسارع اليه وتوهمه ان فيه طولا كثيرا يفيته بزعمه وفيه ايضا مالا يخفى لانه لم يعين المخاطب بالكلام وفي بعض النسخ كقولك للصياد وذلك ظاهر ولكن الاحسن على النتيجة المتقدمة ان يفسر المثال كقول الصياد لمصاحبيه الصيادين الاخر هذا غزال فاصطادوه فحذف هذا لفوات الفرصة وعليه فالاولى اتصاله بقوله لفوات الفرصة فتامل.

(وكالاخفاء من غير السامع من الحاضرين) الاولى ان يقول من غير المخاطب وذلك لان الحاضرين ان كانوا سامعين كان الاخفاء من غيرهم ممن لم يسمع فلا يصح قوله من الحاضرين وان كانوا غير سامعين فلا حاجة للاخفاء عنهم بل لا يمكن فتأمل (مثل جاء) في هذا المثال ما لا يخفى اذ لو كان المراد منه حذف الفاعل لكان مخالفا لما نقل عنهم السيوطي في باب الفاعل من انهم قالوا لا يحذف الفاعل اصلا وان كان المراد منه حذف المبتدء فلا بد فيه من التصريح بذلك اى من التصريح بان المسند اليه المحذوف هو المبتدء لئلا يتوهم ان المراد الفاعل وهو مذكور فتامل (وكاتباع الاستعمال الوارد على تركه) اي ترك المسند اليه وذلك لكون الكلام مثلا والامثال لا تتغير كما بينا ذلك في باب افعال المدح والذم من المكررات (مثل رمية من غير رام) اي هذه رمية مصيبة من غير

١٣

رام مصيب بل الذي رام مخطيء نظيره بالفارسية :

گه بود كز حكيم روشن راي

برنيا يد درست تدبيري

گاه باشد كه كودك نادان

بغلط بر هدف زند تيري

فحذف المسند اليه ولم يقل هذه رمية اتباعا للاستعمال الوارد على تركه لان هذا الكلام مثل يضرب لمن صدر منه فعل حسن.

وليس اهلا لصدوره منه والامثال كما قلنا لا تغير واول من قال هذا الكلام رجل من مضر حين نذر ان يذبح بقرة وحش على جبل بمنى وكان من ارمى الناس فصار كلما يرمي بقرة لا يصيبها رميه ولم يمكنه ذلك اياما حتى كاد ان يقتل نفسه ثم ان ابنه خرج معه في بعض الايام للصيد فرمى الاب بقرتين فأخطئهما فلما عرضت الثالثة رماها الابن فاصابها وكان اذ ذاك لا يحسن الرمي فقال ابوه رمية من غير رام فصار مثلا (و) كقوله :

ان بني زملوني بدم

شنشنة اعرفها من اخزم

البيت لابي اخزم الطائي الشنشة الخلق والطبيعة وابو اخزم جد حاتم الطائي اوجد جده له ابن يقال له اخزم مات وترك بنين فوثبوا يوما على جدهم ابي اخزم وادموه فقال هذا البيت والمقصود ان اخزم ايضا كان عاقا والشاهد في شنشنة حيث لم يقل هذه شنشنة.

(او) كاتباع الاستعمال الوارد (على ترك نظائره كما في) قطع الصفة بل مطلق التوابع عن التابعية الاعطف النسق ثم (الرفع) اي رفع التابع المقطوع (على المدح او الذم او الترحم) وعلى جعله خبرا لمبتدأ محذوف وجوبا (فانهم لا يكادون يذكرون فيه) اي في التابع

١٤

المقطوع (المبتدأ) كما قال السبوطي في باب المبتدأ والخبر.

(نحو (الْحَمْدُ لِلَّهِ) اهل الحمد بالرفع) اى برفع الاهل اي هو اهل الحمد : ونحو اعوذ بالله من الشيطان الرجيم برفع الرجيم اي هو الرجيم.

ونحو اللهم ارحم عبدك المسكين برفع المسكين اي هو المسكين.

ونحن قد ذكرنا المسئلة في باب النعت من المكررات مستوفاة (ومنه) اي من هذا الباب اي باب ورود الاستعمال على ترك نظائره (قولهم بعد ان يذكروا رجلا) فيذكرون امورا واشياء راجعة اليه (فتى من شانه كذا وكذا) اي هو اي الرجل المذكور فتى من شانه كذا وكذا (و) قولهم (بعد ان يذكروا) احد (الديار والمنازل) فيذكرون امورا واشياء راجعة اليها (ربع كذا وكذا) اي هو اي المذكور من المنازل والديار ربع اي منزل ربيعي كذا كذا وكذا (وهذه طريقة مستمرة عندهم) وياتي نظير هذا البحث في اوائل باب الفعل والوصل مع توضيح منا انشاء الله تعالى وساعدنا التوفيق لشرح ذلك.

(و) اعلم انه (قد يكون المسند اليه المحذوف هو الفاعل وحينئذ يجب اسناد الفعل الى المفعول) ليكون نائبا عن الفاعل (ولا يفتقر هذا) الحذف (الى الامر الاول اعني (القرينة) الخاصة (الدالة على تعيين) الفاعل (المحذوف بل) يفتقر (الى) الامر الثاني وهو (مجرد الغرض الداعي الى الحذف) اي حذف الفاعل (مثل قتل الخارجي) وانما لم يفتقر الحذف حينئذ الى تلك القرينة (لعدم الاعتناء

١٥

بشان) الفاعل المحذوف اعنى (قاتله وانما المقصود ان يقتل) الخارجي (ليؤمن) المسلمون (من شره) وقد ذكرنا لحذف الفاعل صورا اخرى في المكررات عند قول السيوطي قالوا لا يحذف الفاعل اصلا فراجع ان شئت.

(وقد يكون حذف الشيء) سواء كان مسندا اليه او غيره (اشعارا بانه (اي الشىء المحذوف (بلغ من الفخامة) والعظمة (مبلغا لا يمكن ذكره) وذلك كما (قال الله تعالى (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) اى) يهدى الناس الى (الملة التي او الحالة او الطريقة) الشاهد في حذف واحد من هذه الثلاث لا الناس فتنبه (ففي الحذف فخامة) وعظمة (لا توجد) تلك الفخامة والعظمة (في الذكر) وذلك ظاهر لمن له ذوق سليم وفهم مستقيم.

قال في الكشاف للتي هي اقوم الحالات واسدها او للملة او الطريقة واينما قدرت لم تجد مع الاثبات ذوق البلاغة الذي تجده مع الحذف لما في ايهام الموصوف بحذفه من فخامة تفقد مع ايضاحه انتهي.

واعترض في المقام بان الموصول لكونه اسما لا صفة لا يقتضي ذكر موصوف قبله فلا حذف هناك والاشعار انما هو من ايهام الموصول دون الحذف وقد يجاب بان الحذف على قسمين احدهما حذف ما لا بد منه في تصحيح اللفظ كحذف المبتدأ والاخر ما منه بد في تصحيحه كحذف الفاعل فيما بنى للمفعول مثلا وقوله يهدى للتى هي اقوم من قبيل الثانى ونظيره مع بيان النكتة كثير في الموارد.

(او) اشعارا بانه اى الشيء المحذوف (بلغ من الفظاعة)

١٦

وشدة الشناعة والقبح (الى حيث لا يقتدر المتكلم على اجرائه على اللسان او) لا يقتدر (السامع على استماعه ولهذا اذا قلت كيف فلان) حالكونك (سائلا عن) الشخص المعهود (الواقع في بلية) محسوسة او غير محسوسة (يقال) في جوابك (لا تسئل عنه) اى عن الشخص المسئول عنه المعهود والنهى عن السؤال (اما لانه) اي المتكلم المجيب (تجزع ان تجرى على لسانه ما) اى البلية التي (هو) اى الشخص المعهود (فيه) اى تلك البلية والتذكير فيه وفيما ياتي باعتبار لفظ ما (لفظاعته) اي البلية (واضجاره) اي البلية (المتكلم) المجيب (واما لانك) ايها السائل (لا تقدر على استماعه) اي استماع تلك البلية (لا يحاشه) اى لا يحاش تلك البلية (السامع) السائل (واضجاره) اى اضجار تلك البلية السامع وهذا هو المراد بقولهم بالفا الفارسية (نه مرا طاقت كفتن ونه تو را ياراى شنيدن).

(واما ذكره) اى المسند اليه (فلكونه اي الذكر) هو (الاصل) في مطلق الالفاظ (ولا مقتضى للعدول عنه) اى عن الذكر فان قلت سياتى عنقريب التصريح بان هذه الامور المذكوره الموجبة لذكر المسند اليه انما تكون مع قيام القرنية فالاحتراز عن العبث في الظاهر كما تقدم انفا مقتض للعدول عن هذا الاصل.

قلت المقتضى للعدول عن الاصل انما هو قصد الاحتراز وفعليته لا مجرد امكان ذلك القصد وجوازه ولا يخفى انه غير لازم (او للاحتياط لضعف التعويل على القرنية) لان دلالة اللفظ اقوى من دلالة القرنية وذلك لخفائها ودقتها غالبا او لعدم الوثوق

١٧

بنباهة السامع وتنبهه او لاشتباه فيها.

فان قلت ان هذا يقتضى ان يكون اللفظ اقوى من القرنية العقلية فيخالف ما سبق من ان العقل اقوى الدليلين.

قلت ان ذلك بالنسبة الى بعض السامعين وهذا بالنسبة الى بعض اخر او ان ذلك بالنسبة الى بعض القرائن وهذا بالنسبة الى بعض اخر والى ذلك اشرنا بقولنا غالبا.

وقد يجاب بان ما سبق بحسب التخييل او بالنظر الى ذات اللفظ وهذا بحسب الحقيقة وبالنظر الى القرنية واللفظ معا.

(او التنبيه على غباوة السامع) اى تنبيه الحاضرين السامعين علي غباوة السامع المقصود بالاسماع وبعبارة اخرى يذكر المسند اليه مع العلم بان السامع يفهمه وان لم يذكر لوجود القرنية عليه وذلك لاجل تنبيه الحاضرين على غباوة السامع حتى يعرفوه ويطلعوا على حاله او لاجل اهانته وتحقيره فيقال في جواب كيف زيد : زيد دنف بذكر المسند اليه تنبيها على ان السامع غبى لا ينبغى ان يكون الخطاب معه الا بذكر المسند اليه وان كان في السؤال قرنية دالة عليه يفهمه السامع منها لكونه غير غافل عنها.

(او زيادة الايضاح) اى ايضاح المسند اليه وانكشافه لفهم السامع (والتقرير) اي تقرير المسند اليه وتثبية في نفس السامع (ومنه) اى من ذكر المسند اليه لزيادة الايضاح والتقرير.

قوله تعالى (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الشاهد في اسم الاشارة الثانية كما اشار اليه بقوله (بتكرير اسم

١٨

الاشارة) حيث لم يجعل هم المفلحون خبرا بعد خبر عن اسم الاشارة الاولى (تنبيها على انهم) اى المتقين (كما ثبت لهم الاثره) اى العلامة او المكرمة والفضيلة (بالهدى) في دار الدنيا (فهى) اى الاثرة (ثابتة لهم) اى للمتقين (بالفلاح) فى دار الاخرة والمعنى الاول للاثرة اولى بقرينة قوله (فجعل كل) واحدة (من الاثرتين في تميزهم) اي المتقين (بها اى بكل واحدة من الاثرتين (عن غيرهم بالمثابة) اى بالمكانة والمنزلة (التى لو انفردت) كل واحد من الاثرتين (كفت) اى كافية حالكونها (مميزة) للمتقين عن غيرهم (على حيالها) اى على انفرادها والحاصل ان تكرير اسم الاشاره اعنى اولئك افاد ثبوت الاثرة لهم اي المتقين بكل واحد من الهدى والفلاح مميزا لهم عن غيرهم اى الفاسقين الكافرين ولو لم يكرر اسم الاشارة وجعل هم المفلحون خبرا ثانيا لاسم الاشارة الاولى لاحتمل امتيازهم بمجموع الاثرتين وبكل واحدة منهما فيحصل الاجمال فيفوت المقصود اعنى الايضاح الحاصل بالتكرير وسيأتى الكلام في الاية ايضا في بحث تعريف المسند اليه باسم الاشارة انشاء الله تعالى.

(او اظهار تعظيمه) اي المسند اليه (او) اظهار (اهانته او) اظهار التبرك بذكره او) اظهار (استلذاذه) اى استلذاذ المتكلم بذكر المسند اليه.

وليعلم ان ما ذكر في هذه الصور الاربع انما هو فيما اذا كان لفظ المسند اليه مفيدا لذلك فالاول كقولك العالم في الدار والثانى

١٩

كقولك الجاهل فيها والثالث كقولنا الله ثقتى ورجائي في اتمام الكتاب والرابع كما اذا قيل مثلا ابنة فلان بالباب فنقول نعم بنت فلان بالباب ومن هنا قيل.

اعد ذكر نعمان فان ذكره

هو المسك ما كررته يتضوع

فلو لا قصد هذه الامور لكانت القرنية كافية في الدلالة على المسند اليه كما هو المفروض في المقام فذكره لافادة ما هو المقصود اعني هذه الامور.

(او بسط الكلام) والاطناب فيه بذكر المسند اليه ولو كانت القرنية الخاصة الدالة عليه موجودة في المقام وذلك حيث الاصغاء مطلوب اي في مقام يكون اصغاء السامع) اي اسماعه (مطلوبا للمتكلم لعظمته) اي السامع (وشرفه نحو) (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى) (قالَ هِيَ عَصايَ) (أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى.)

والشاهد في هي عصاي اذ كان يكفى في الجواب لو لا قصد بسط الكلام مع الله جل جلاله ان يقول عصا لان السؤال عن الجنس فزاد بنى الله موسى على نبينا واله افضل الصلوة والسّلام المبتدء والاضافة والاوصاف للبسط المذكور.

(ولهذا يطال الكلام مع الاحباء ويجوز ان تكون حيث) في المتن (مستعارا للزمان) وان كان معناه الحقيقي كما اشير اليه المكان قال في المصباح حيث ظرف مكان ، يضاف الى الجملة وهي مبنية على الضم وبنو تميم ينصبون اذا كانت في موضع نصب انتهى (وقد يكون

٢٠