النّحو الوافي

عبّاس حسن

النّحو الوافي

المؤلف:

عبّاس حسن


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار المعارف
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٣٩

المسألة ١٢٧ :

النداء (١)

هو : توجيه الدعوة إلى المخاطب ، وتنبيهه للإصغاء ، وسماع ما يريده المتكلم (٢).

وأشهر حروفه ثمانية : الهمزة المفتوحة ، مقصورة أو ممدودة ـ يا ـ أيا ـ هيا ـ أى ، مفتوحة الهمزة المقصورة أو الممدودة ، مع سكون الياء فى الحالتين ـ وا ـ ... (٣)

ولكل حرف منها موضع يستعمل فيه :

(ا) فالهمزة المفتوحة المقصورة لاستدعاء المخاطب القريب (٤) فى المكان الحسىّ أو المعنوى ؛ كالتى فى قول الشاعر ينصح ابنه أسيدا :

أأسيد ، إن مالا ملك

ت فسر به سيرا جميلا

وكالتى فى قول الآخر : أربّ الكون : ما أعظم قدرتك ، وأجلّ شأنك.

(ب) ستة أخرى ؛ (هى : آ ـ يا ـ أيا ـ هيا ـ أى ، بسكون الياء مع فتح الهمزة مقصورة وممدودة ـ) لاستدعاء المخاطب البعيد (٥) حسّا أو معنى ، والذى فى حكم البعيد : كالنائم ، والغافل ... فمثال «يا» قول الشاعر فى مدح الرسول عليه السّلام :

__________________

(١) فى هذه الكلمة لغات ؛ أشهرها : المدّ مع كسر النون. وهى مصدر قياسى للفعل : «نادى» ويجوز فيها القصر أيضا. وقد ورد السماع بضم النون مع المد أو القصر. والهمزة التى فى آخر كلمة : «نداء» أصلها الواو ؛ فهى منقلبة عن أصل.

(٢) ويقولون فى تعريفه أيضا : «طلب الإقبال بالحرف : «يا» أو أحد إخوته». والإقبال قد يكون حقيقيا ، وقد يكون مجازيا يراد به الاستجابة ، كما فى نحو : يا ألله. وقد يكون الغرض من النداء تقوية المعنى وتوكيده ، كقولك لمن هو مصغ إليك ، مقبل على حديثك : إن الأمر هو ما فصلته لك يا على ـ مثلا ـ (كما سيجىء فى ص ١١٨)

والأصل فى المنادى أن يكون اسما لعاقل ، ولكن من الأسماء ما لا يكون إلا منادى ، ومنها لا يصلح منادى ـ كما سيجىء فى ص ٦٧ ـ

(٣) فالهمزة مقصورة وممدودة ؛ وكذا «أى» مقصورة الهمزة وممدودتها. وبقية الأحرف ممدودة ، لأنها مختومة بالألف. والبعيد يحتاج إلى مد الصوت ليسمع ، ولهذا يرى بعض النحاة أن «أى» المقصورة هى النداء القريب.

(٤ ـ ٤) انظر «ب» من ص ٥.

١

كيف ترقى رقيّك الأنبياء!

يا سماء ما طاولتها سماء

ومثال «أيا» قول بعضهم : أيا متوانيا وأنت سليل العرب الأبطال ، لا تنس مجدهم على الأيام. ومن الممكن وضع حرف آخر من الأحرف الباقية موضع «أيا» فى هذا المثال.

أما تحديد القرب والبعد فمتروك للعرف الشائع ؛ سواء أكانا حسّيين أم معنويين ...

(ج) «وا» وتستعمل لنداء المندوب (١) ؛ كقول الشاعر فى الرثاء :

وا محسنا ملك النفوس ببرّه

وجرى إلى الخيرات سبّاق الخطا

وقول الآخر : وا حرّ قلباه ممّن قلبه شبم (٢) ...

(د) وقد تستعمل : «يا» للندبة (٣) بشرط وضوح هذا المعنى فى السياق ، وعدم وقوع لبس فيه ؛ كالآية الكريمة التى تحكى قول العاصى يوم القيامة : (يا حسرتا على ما فرّطت فى جنب الله).

وقول الشاعر فى رثاء الخليفة عمر بن عبد العزيز :

حمّلت أمرا عظيما ، فاصطبرت له

وقمت فيه بأمر الله يا عمرا

فإنشاء الشعر بعد موت «عمر» العادل دليل على أن «يا» للندبة.

فإن التبس الأمر بين أن تكون «يا» للندبة أو لا تكون ، وجب ترك «يا» ، والاقتصار على : «وا» ؛ كأن تقول : فى ندبة «عمر» : وا عمر ، ولا يصح مجئ «يا» إذا كان أحد الحاضرين يسمى : عمر (٤) ...

__________________

(١) هو : المتفجّع عليه ، أو المتوجّع منه. فالأول : هو الذى يصاب الناس بفجيعة فقده.

(حقيقة أو حكما) والثانى : هو بلاء أو داء يكون سببا فى تألم المتكلم وتوجعه.

ـ انظر ص ٨٧ حيث الباب الخاص بالندبة ـ

(٢) بارد.

(٣) نداء المندوب ـ كما سيجىء فى باب الندبة ص ٨٧ ـ

(٤) فيما سبق من حضر أحرف النداء ومواضع استعمالها يقول ابن مالك فى باب عنوانه : النداء :

وللمنادى النّاء ، أو كالنّاء : «يا»

و : أى ـ و : آ ـ كذا : أيا ـ ثمّ : هيا

والهمز للدّانى ، و : «وا» لمن ندب

أو : «يا» وغير «وا» لدى اللّبس اجتنب

(الناء ـ النائى ، أى : البعيد. الدانى ـ القريب) سرد أحرف النداء ، وبين أن «يا» والأربعة التى بعدها تستعمل للبعيد وما يشبهه ، وأن الهمزة لنداء القريب. وأن «وا» للمندوب ، وكذا : «يا» بشرط ـ

٢

حذف حرف النداء :

(ا) يصح حذف حرف النداء «يا» ـ دون غيره ـ حذفا لفظيّا فقط. مع ملاحظة تقديره ، كقول الشاعر فى رثاء زعيم وطنىّ شابّ (١) :

زين الشباب وزين طلّاب العلا

هل أنت بالمهج الحزينة دارى؟

وقول الآخر :

إنما الأرض والسماء كتاب

فاقرءوه ، معاشر الأذكياء

التّقدير : يا زين الشباب ـ يا معاشر الأذكياء.

(ب) وهناك مواضع لا يصح فيها حذف الحرف «يا» ، أشهرها :

١ ـ المنادى المندوب (٢) ؛ كالأمثلة السالفة.

٢ ـ نداء لفظ الجلالة غير المختوم بالميم المشددة ، نحو : يا ألله.

٣ ـ المنادى البعيد ؛ كقول الشاعر :

يا صادحا يشدو على فنن

رحماك ؛ قد هيجت لى شجنى

٤ ـ المنادى النكرة غير المقصودة (٣) ، نحو : يا محسنا لا تكدر إحسانك بالمنّ.

٥ ـ المنادى المستغاث (٤) ، كقول الشاعر :

يا لقومى لعزة وفخار

وسباق إلى المعالى وسبق

٦ ـ المنادى المتعجّب منه ؛ نحو : يا لفضل الوالدين ؛ للتّعجب من كثرة فضلهما.

٧ ـ المنادى ضمير المخاطب ، عند من يجيز نداءه ؛ كقول الشاعر :

يا أنت يا خير الدعاة للهدى

لبّيك داعيا لنا ، وهاديا

أمّا ضمير غير المخاطب فلا ينادى مطلقا (٥) ...

(ح) ويقلّ الحذف ـ مع جوازه ـ إن كان المنادى اسم إشارة غير متصل

__________________

ـ أمن اللبس. أما عند اللبس فيجتنب استعمال «يا» فى الندبة. وهذا هو المراد من قوله : و (غير «وا» لدى اللبس اجتنب). أى : اجتنب عند اللبس استعمال حرف فى الندبة غير «وا».

(١) البيت من قصيدة لحافظ إبراهيم فى رثاء مصطفى كامل.

(٢) كما سيجىء فى ص ٨٩

(٣) سيجىء شرحها فى ص ٣٠ ومنه يعلم أن المنادى بها لا بد أن يكون غير معين ولا مقصود.

(٤) من ينادى ليخلص من شدة ، أو يساعد فى دفعها (سيجىء للاستغاثة باب خاص فى ص ٧٦)

(٥) من الأسماء ما لا يكون منادى ، ومنها لا يكون إلا منادى. والبيان فى ص ٦٧

٣

بكاف الخطاب (١) ، أو كان اسم جنس لمعين (٢) ، فمثال الأول قول أعرابى لابنه : «هذا ، استمع لقول الناصح ولو أغضبك قوله ؛ فمن أحبك نهاك ، ومن أبغضك أغواك». وقول آخر لأولاده : «هؤلاء ، اعلموا أن أقوى الناس من قاوم هواه ، وأشجعهم من حارب الباطل ...». أى : يا هذا ـ يا هؤلاء ...

ومثال الثانى قول بعض الأدباء وقد برّح به السّهر : «ليل ، أمالك آخر يدنو؟ وهل للحزن آخر؟ صبح ، أما لك مقدم يرجى؟ وهل فى الفجر مطمع؟». أى : يا ليل ، يا صبح ، لليل وصبح معينين ...

ومن هذا قول العرب : أطرق كرا ؛ إن النعام فى القرى. أى : يا كروان (٣).

__________________

(١) يصح نداء اسم الإشارة ، بشرط ألا يتصل بآخره كاف الخطاب (طبقا لما نقله الصبان فى هذا الموضع عن الشاطبى.) إلا فى الندبة فيصح. (على حسب البيان الآتى فى رقم ٢ من هامش ص ٨٩) وهذا الشرط لازم أيضا عند حذف : «يا». لأن مدلول كاف الخطاب يخالف مدلول المنادى اسم الإشارة إذ المنادى اسم الإشارة هو المقصود بتوجيه النداء ؛ لما هو مقرر أن المخاطب بالكاف غير المشار إليه فى الرأى الراجح ـ راجع الصبان ، جزء ٣ آخر باب النداء ـ. وخير من هذا أن يقال فى التعليل : هو استعمال العرب ، فحسب.

(٢) المراد باسم الجنس المعين النكرة المقصودة المبنية على الضم عند ندائها ؛ فيخرج اسم الجنس غير المعين ، والمراد منه هنا : النكرة غير المقصودة. وسيجىء تفصيل الكلام على هاتين النكرتين ، وحكمهما فى ص ٢٤ وص ٣٠.

(٣) هذا مثل يضرب للمتكبر ، وقد تواضع من هو خير منه. وقد حذفت النون والألف من كلمة : «كروان» لترخيم النداء ، كما سيجىء ييانه فى باب الترخيم ـ ص ١٠٢

وفى حذف حرف النداء لفظا لا تقديرا ـ ومواضع الحذف ، يقول ابن مالك : ـ مع اقتصاره على بعض مواضع الحذف ـ :

وغير مندوب ، ومضمر ، وما

جا مستغاثا ـ قد يعرّى. فاعلما

(جا ـ جاء. يعرى ـ يجرد من حرف النداء ، فاعلما ـ فاعلم. والألف إما زائدة للشعر ، وإما أصلها نون التوكيد الخفيفة قلبت ألفا عند الوقف)

يقول : قد يتجرد المنادى من حرف النداء إذا كان المنادى غير مندوب ، وغير مضمر ، وغير مستغاث وهذا التجرد ، أى : الحذف اللفظى ، ليس قليلا فى الكلام الفصيح. ثم بين أن هناك مواضع غيرها يكون الحذف فيها قليلا ، وهو مع قلته جائز ، ولا داعى لمنعه ، وطالب بتأييد مجوز يه ، ونصر من يلومهم على المنع ، وعلى عدم إباحة القياس عليه. قال :

وذاك فى اسم الجنس والمشار له

قلّ. ومن يمنعه فانصر عاذله

(المشار له : أى : اسم الإشارة ، وكان الأولى أن يقول : المشار به. عاذله ـ لائمه) يريد : أن حذف حرف النداء قليل فى اسم الجنس ، واسم الإشارة ـ وقد ترك شرط خلوه من ضمير المخاطب ـ لضيق الشعر ـ طالب بتأييد من يلوم المانع ؛ إذ لا حجة له فى المنع ؛ لورود أمثلة تكفى لإباحة القياس عليه.

٤

زيادة وتفصيل :

(ا) يمتاز الحرف : «يا» بأنه أكثر أحرف النداء استعمالا ، وأعمّها ؛ لدخوله على أقسام المنادى الخمسة (١) ؛ ولهذا يتعين تقديره ـ دون غيره ـ عند الحذف. كما يتعين فى نداء لفظ الجلالة (الله) (٢) وفى المستغاث ، وفى نداء «أيّها ، وأيتها» ؛ إذ لم يشتهر عن العرب أنهم استعملوا فى نداء هذه الأشياء حرفا آخر.

(ب) يجوز مناداة القريب بما للبعيد ، والعكس ، وذلك لعلة بلاغية ، كتنزيل أحدهما منزلة الآخر ، وكالتأكيد (٣) ...

(ح) الأصل فى النداء أن يكون حقيقيّا ، أى : يكون فيه المنادى اسما لعاقل ؛ كى يكون فى استدعائه وإسماعه فائدة.

وقد ينادى اسم غير عاقل ، لداع بلاغىّ ؛ فيكون النداء مجازيّا ؛ كقوله تعالى (٤) : (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ ، وَيا سَماءُ أَقْلِعِي)(٥)) ...

وقول الشاعر :

يا ليل طل ، يا نوم زل

يا صبح قف. لا تطلع

وقد يقتضى السبب البلاغى دخول حرف النداء على غير الاسم ، كأن يدخل على حرف ، أو جملة فعلية ، أو اسمية. فمثال الأول قوله تعالى : (يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي ...) وقول الشاعر :

فيا ربّما بات الفتى وهو آمن

وأصبح قد سدّت عليه المطالع

ومثال الثانى قول الشاعر :

قل لمن حصّل مالا واقتنى

أقرض الله ، فيا نعم المدين

وقول الآخر يخاطب ليلى :

فيا حبّذا الأحياء ما دمت حيّة

ويا حبّذا الأموات ما ضمّك القبر

__________________

(١) ستأتى فى ص ٨.

(٢) فى نداء لفظ الجلالة (الله) جملة لغات ، ستجىء فى رقم ٢ من هامش ص ٣٥.

(٣) انظر ما يوضحه فى رقم ٢ من هامش ص ١ وفى ص ١١٨.

(٤) فى قصة طوفان نوح ـ عليه السّلام ـ الواردة بسورة : هود.

(٥) امتنعى وكفى عن إنزال المطر.

٥

وفى هذه الحالات يكون حرف النداء إما داخلا على منادى محذوف ، مناسب للمعنى ؛ فيقال فى الآية : يا رب ، أو يا أصحاب ... أو نحوهما ، وهذا عند من يجيز حذف المنادى ـ وإما اعتباره حرف تنبيه عند من لا يجيز حذف المنادى. والرأيان مقبولان ؛ ولكن الثانى أولى ؛ لصلاحه لكل الحالات ، ولو لم تستوف الشرط الآتى الذى يتمسك به كثير من النحاة ، وهو : عدم حذف المنادى قبل الفعل الذى دخل عليه حرف النداء إلا إذا كان الفعل للأمر ، أو للدعاء ، أو صيغة «حبذا». فمثاله قبل الأمر قراءة من قرأ قوله تعالى : (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...) ، وقبل الدّعاء قول الشاعر :

ألا يا اسلمى يا هند ، هند بنى بدر

إذا كان حىّ قاعدا آخر الدهر

وقبل «حبذا» ـ غير مثالها السابق ـ قول الشاعر :

يا حبذا النيل على ضوء القمر

وحبذا المساء فيه والسّحر

فإن لم يتحقق الشرط عند المتمسكين به فلا منادى محذوف ، ولا نداء ، ويكون الحرف المذكور هو للتنبيه.

(د) يعتبر النحاة حرف النداء مع المنادى جملة فعلية إنشائية للطلب ؛ برغم أنها قبل النداء خبرية ، فهى تتحول معه إلى إنشاء طلبى جملته فعلية. فالأصل فى مثل : يا صالح ، هو : أنادى أو أدعو صالحا ... حذف الفعل مع فاعله الضمير المستتر ، وناب عنهما حرف النداء (١) ، وبقى المفعول به ، وصار منادى واجب الذكر ـ غالبا ـ وقيل : إن المحذوف هو الفعل وحده ، وناب عنه حرف النداء ، واستتر الفاعل فى حرف النداء. وقيل غير هذا ...

ولا قيمة للخلاف فى أصل الجملة الندائية ؛ فالذى يعنينا هو أنها صارت فعلية تفيد

__________________

(١) ولهذا يعتبر حرف النداء من حروف المعانى التى ينوب كل منها عن جملة محذوفة ، يذكر بدلا منها ... فحرف النداء ينوب عن جملة : (أنادى*ء أو : أدعو*) وحرف الاستفهام ينوب عن جملة (أستفهم*) وحرف العطف ينوب عن جملة (أعطف* ...) وهكذا.

ثم انظر رقم ٤ من هامش ص ٨ وقد سبق إيضاح لحروف المعانى. فى صدر الجزء الأول (م ٥) وفى بابى : «الظرف وحروف الجر» من الجزء الثانى.

هذا ، يولا يصح فى الجملة الندائية أن تقع خبرا ، فقد قال السيوطى فى الهمع (ج ١ ص ٩٦) ما نصه : «لا يسوع الإخبار بجملة ندائية ، نحو : زيد يا أخاه ، ولا مصدرة بلكن ، أو : بل ، أو : حتى. بالإجماع فى كل ذلك) اه.

٦

الإنشاء الطلبى ، وأنها تركت حالتها الأولى الخبرية (١).

(ه) ولما كان حرف النداء نائبا عن العامل الأصلى المحذوف صح أن يكون لهذا الحرف بعض المعمولات الخاصة التى يؤثر فيها ؛ نيابة عن ذلك العامل المحذوف. وأشهرها شبه الجملة (٢) ، كقول الشاعر :

يا دار بين النّقا والحزن ، ما صنعت

يد النوى بالألى كانوا أهاليك؟

وقول الآخر :

يا للرّجال لقوم عزّ جانبهم

واستلهموا المجد من أصل وأعراق

فليس فى المثالين ـ وأشباههما ـ ما يصلح لتعلق شبه الجملة إلا : «يا».

وجعلوا من المعمولات المصدر (٣) فى مثل قول القائل :

«يا هند ، دعوة صبّ دائم دنف» (٤) ...

فالمصدر «دعوة» متعلق بالحرف : «يا» ، النائب : عن «أدعو». والتقدير : أدعو هندا دعوة صب.

__________________

(١) ولهذا قيل إن السبب فى حذف الفعل مع فاعله على الوجه السالف هو قصد الإنشاء ؛ إذ ظهور الفعل يوهم الإخبار ، وأيضا كثرة الاستعمال ، والتعويض عن الفعل بحرف النداء ، وظهور المعنى المراد بعد حذفهما ـ راجع الهمع ج ١ ص ١٧١ ـ

(٢) لهذا إشارة فى باب : الظرف ، ج ٢ م ٧٨.

(٣) سبقت الإشارة لهذا فى ج ٢ باب المفعول المطلق م ٧٤.

(٤) تكملة البيت : *

منّى بوصل ، وإلا مات أو كربا

* (الدنف : شديد المرض ـ كرب : اقترب من الموت).

٧

المسألة ١٢٨ :

أقسام المنادى الخمسة ، وحكم كلّ

القسم الأول : المفرد العلم ، ويراد بالمفرد هنا : ما ليس مضافا ، ولا شبيها بالمضاف ؛ فيشمل المفرد الحقيقى (١) ؛ بنوعيه المذكر والمؤنث ، ويشمل مثناه ، وجمعه ، (نحو : فضل ، علم رجل ـ الفضلان ـ الفضلون ـ الفضول ـ عائدة. علم امرأة ـ العائدتان ـ العائدات ـ العوائد ...) ، ويشمل كذلك الأعلام المركبة قبل النداء ؛ سواء أكان تركيبها مزجيّا ؛ كسيبويه (علم إمام النحاة المشهور) ـ أم إسناديّا ، كنصر الله ، أو : شاء الله ، علمين ، أم عدديّا كخمسة عشر (٢) ...

فكل هذه الأعلام ـ وأشباهها ـ تسمّى مفردة فى هذا الباب ، وتعريفها بالعلمية قبل النداء يلازمها بعده ـ على الأصح ـ فلا يزيله النداء ليفيدها تعريفا جديدا أو تعيينا. وإنما يقوّى التعريف السابق ، ويزيد العلمية وضوحا وبيانا. ويلاحظ حذف «أل» وجوبا من صدر المنادى ؛ ـ علما وغيره ـ إن لم يكن المنادى من المواضع المستثناه التى يصح تصديرها «بأل» (٣).

حكمه :

(ا) الأكثر بناؤه على الضمة ـ بغير تنوين ـ أو على ما ينوب عنها. ويكون فى محل نصب دائما ، لأن المنادى فى أصله مفعول به (٤) نحو : يا فضل ، كلّ شىء يحتاج إلى العقل ، والعقل يحتاج إلى التّجربة ـ يا فضلان (٥) ... يا فضلون ... (٦)

__________________

(١) وهو الذى يدل على واحد. ويلحق به فى حكمه هنا مثناه وجمعه. لكن أيعتبر هذان بعد النداء أعلاما أم نكرات مقصودة؟ الجواب فى رقم ٣ من ص ١٥.

(٢) عند غير الكوفيين الذين يجعلون صدر المركب العددى بمنزلة المضاف ، منصوبا ، كما سيجىء فى رقم ٤ من ص ١٥ وفى هامشى ص ١٦ و ٣١.) ورأيهم ضعيف. وأثر الخلاف يظهر فى توابع المنادى.

(٣) ستجىء فى ص ٣٥.

(٤) المنادى بمنزلة المفعول به لفعل محذوف مع فاعله ـ فى أحد الآراء ـ نابت عنهما «يا» أو إحدى أخواتها. يقول النحاة فى مثل : يا على ... إن أصله ـ كما تقدم ، فى «د» من ص ٦ ـ : أدعو ، أو : أنادى عليا ... حذف الفعل ، مع فاعله ونابت عنهما «يا» وصار المفعول به منادى ، مبنيا على الضم فى محل نصب ويستدلون على أنه فى محل نصب بورود كعبر من توابعه منصوبا فى الكلام الصحيح المأنور. وليس فى الجملة ما يصلح سببا لنصبه إلا مراعاة المحل.

(٥) راجع ـ رقم ٣ ص ١٥ فى الزيادة والتفصيل ـ ما يختص بنداء العلم المثنى والجمع ؛ لأهميته.

٨

يا فضول ـ يا أفاضل (١) ... ـ يا عائدة ... ـ يا عائدتان ... ـ يا عائدات ... ـ ـ يا عوائد ... ـ

فالمفرد العلم فى هذه الأمثلة ـ وما شابهها ـ مبنى على الضمة فى المفرد الحقيقى ، وفى جمع التكسير ، وجمع المؤنث السالم ، ومبنى على الألف فى المثنى ، وعلى الواو فى جمع المذكر السالم. وهو فى أكثر أحواله مبنى (٢) لفظا على الضمة وفروعها ، منصوب محلّا (٣).

ولا فرق بين أن تكون الضمة ظاهرة ؛ كالتى فى بعض الأعلام السّالفة ، أو مقدرة كالتى فى آخر الأعلام المختومة بحرف علة ؛ كموسى فى قوله تعالى : (يا مُوسى لا تَخَفْ. إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ...) وكالتى فى آخر الأعلام المركبة التى ذكرناها ، ومنها : سيبويه ... ، وكالتى فى آخر الأعلام المنقولة ، المبنية أصالة قبل علميتها وندائها ؛ مثل الكلمات : منذ (٤) ـ. كيف ـ قطام ... وغيرها من كل لفظ سمّى به ، وصار علما ، وكان مبنيّا أصالة قبل أن يصير علما منادى. فتبقى علامة البناء الأصلى السابق على حالها ، وتقدّر على الآخر علامة البناء الجديدة التى جلبها النداء ، ويكون المنادى فى كل ذلك ، فى محلّ نصب (٥) ...

ويلحق بالمفرد العلم المبنى أصالة قبل النداء ـ فى حكم البناء على الضمّة المقدرة ، كلّ ما ينادى من المعارف الأخرى المبنية أصالة قبل النداء ؛ وليست أعلاما ؛ كأسماء الإشارة (نحو : هذا ـ هؤلاء ...) وأسماء الموصولات غير المبدوءة بأل (٦) (نحو : من ـ ما ...) وضمير المخاطب (نحو : أنت ـ إيّاك ...) أما غير المخاطب فلا ينادى ، كما عرفنا (٧).

__________________

(١) جمع : أفضل.

(٢) إلا صورة يجوز فى بنائها أمران ، تجىء فى ص ١٧ وإلا ثلاث صور معربة (فى ص ١٢ و ١٩ و ٣٣)

(٣) راجع «د» من ص ٦ ، ورقم ٤ من هامش الصفحة السابقة. ولا فرق فى هذا الحكم بين العلم الموصوف وغير الموصوف ـ انظر ص ٢١ ـ

(٤ و ٤) ويقال فى كلمة مثل : «منذ» ـ علما ـ عند ندائها ، إنها منادى ، مبنى على ضم مقدر على آخره منع من ظهوره علامة البناء الأصلى ، فى محل نصب. وعلامة البناء الأصلى فى هذه الكلمة هى : الضمة. وهذه تختلف عن ضمة البناء التى يجلبها النداء. (ثم انظر «ج» ص ٢٢ ـ وص ١١)

الضمة. وهذه تختلف عن ضمة البناء التى يجلبها النداء. (ثم انظر «ج» ص ٢٢ ـ وص ١١)

(٥) أما المبدوء «بأل» فله حكم خاص يجىء فى «الحالة الرابعة» من ص ٣٧.

(٦) فى ص ٣ ـ هذا ، وإلحاق الأشياء المذكورة بالمفرد العلم ، هو رأى كثير من النحاة شاع اتباعه والاقتصار عليه ؛ ويعارضه رأى آخر أنسب. (كما سيذكر فى «الملاحظة التالية» ص ١١) وقد يكون من السائغ أن نذكر ـ بإيجاز ـ للمتخصصين ما فى المطولات النحوية من خلاف جدلى شكلى حول حكم المعارف ـ

٩

__________________

ـ المبنية قبل النداء وليست أعلاما. يدور الخلاف حول نوع تعريفها بعد النداء ؛ أهو الذى كان لها قبله ، أم هو تعريف جديد بدل السابق ، حل محله؟ فشارح المفصّل (ج ١ ص ١٢٩) يعرض الرأيين ، ويرجح ـ فى وضوح وصراحة ـ الرأى القائل إن المعارف كلها ـ أعلاما وغير أعلام ـ ثفقد تعريفها السابق ، وتصير نكرات ، ويجلب لها النداء بما فيه من القصد والإقبال على المخاطب تعريفا جديدا ثزيل تنكيرها الجديد. ويؤبد هذا بكلام طويل. أما غيره ـ كأبى بكر بن السراج ، ومن معه من القدامى ، وكالصبان من المتأخرين ـ فيؤيد الرأى الآخر ؛ بحجة أن أكثر المعارف لا يمكن أن يزول عنه تعريفه القديم مطلقا ، ولا يمكن أن يتجرد منه ، ويصير نكرة تقبل التعريف المجلوب بالقصد والمخاطبة مع النداء ، (كلفظ الجلالة «الله» وكأسماء الإشارة ...) وقد وردت إشارة موجزة لهذه المسألة على هامش كتاب سيبويه (ج ١ ص ٣٠٣) اكتفى فيها المقرّر بأن أحال إيضاحها وتفصيلها وتفريعها إلى ما جاء فى شرح السيرافى لها. كذلك أشار صاحب شرح التصريح (فى أول الفصل الثانى من أقسام المنادى) إلى المنادى المعرف ؛ ما كان منه مذكرا أو مؤنثا ، علما وغير علم ، معرفا قبل النداء أو بعده. ألى غير هذا مما اشتملت عليه المطولات من تفريعات وتشعيبات لا خير فى سردها الآن. ومن الممكن أن نستخلص منها نتيجتين.

الأولى : أن العلم المفرد إذا نودى ، وجب بناؤه على الضمة ؛ وأنه ـ بعد النداء ـ معرفة لا شك فى تعرفه ، علم لا خلاف فى علميته. ولا يعنينا بعد هذا أن يكون تعرفه وعلميته هما السابقان على النداء ، أو مجلوبان بعد النداء ، مجددان بسببه ؛ لأفه فى الحالتين علم ، بالرغم من وجود أعلام لا يفارقها التعريف مطلقا ؛ كلفظ الجلالة «الله».

وما سبق خاص بالعلم المفرد الذى ليس مثنى ولا مجموعا. فان كان مثنى أو مجموعا فله حكم آخر يجىء ـ فى رقم ٣ من ص ١٥ ـ

الثانية : أن المعارف الأخرى التى ليست أعلاما ، والتى يغلب أن تكون قبل النداء مبنية أصالة (كالضمير ، والإشارة ...) لا شك فى تعرفها ولا يعنينا أيضا أن يكون هذا التعريف هو السابق على النداء ، وأنه استمر بعده ؛ (إذ لا يمكن تنكيرها ـ على الأصح) ـ أو هو تعريف جديد حل محل الأول الذى زال بالنداء ، وصارت المعرفة نكرة بعد زواله ، ثم زال تنكيرها بتعريف القصد رالخطاب مع النداء ... لا يعنينا ذلك ؛ لأن هذه المعارف التى ليست أعلاما والتى هى مبنية أصالة قبل النداء ـ ستبنى بعده على الضمة المقدرة أو فروعها. وتعتبر ملحقة تقسم المفرد العلم السالف ؛ ولا تلحق بقسم النكرة المقصودة ـ كما يرى بعض النحاة ـ لأنها معارف قبل النداء ، وليست نكرة تامة التنكير بصير بالنداء والخطاب نكرة مقصودة. ولو فرضنا أن تعريفها السابق يزول بالنداء ، ويحل محله تعريف جديد ـ وهذا رأى ضعيف مردود ـ لوجب أن يكون التعريف المتجدد مماثلا لتعريفها السابق نوعا ودرجة ، كما عاد للعلم نوع تعريفه السانق ودرجته وهو العلمية ، (على رأى من يقول : إنه يفقد علميته بالنداء ، ثم تعود له بعده) فليس بمقبول أن يقال إنها معارف فى أصلها ، زال تعريفها السابق ، فصارت نكرة ، ثم نوديت فاكتسبت التعريف الجديد المخالف للسابق ، وصارت به نكرة مقصودة ، (مع أن أكثر تلك المعارف لا يفقد تعريفه مطلقا فى الرأى الأقوى ـ كما سبق) ـ

١٠

ملاحظة :

ما تقدم من حكم الضمة المقدرة فى آخر الأعلام المبنية أصالة قبل النداء ، وفى آخر ما ألحق بها ... ، هو الرأى الشائع عند أكثر النحاة ـ كما أشرنا (١) ـ وفيه مع صحته وشيوعه ـ نوع من التضييق والتعقيد ؛ لأن بعض المحققين يتوسع فيقول : (إذا نقلت الكلمة المبنية وجعلتها علما لغير ذلك اللفظ ، فالواجب الإعراب) (٢). يريد : فالواجب اعتبارها معربة بعد النقل ، وقبل مناداتها ، وتناسى البناء السابق ، ويراعى عند ندائها هذا الاعتبار الجديد ، الذى يجعلها فى حكم الأسماء المعربة ، الأصيلة الإعراب قبل مجئ النداء ـ. وبناء على هذا الرأى ـ الشامل للضمير والإشارة ، وغيرهما صرح بعض النحاة بأنّك (تقول فى : كيف ، وهؤلاء ، وكم ، ومنذ ... أعلاما) ـ (يا كيف يا هؤلاء ـ يا كم ـ يا منذ ... بضمة ظاهرة ؛ فهى متجددة للنداء). اه. وفى هذا الرأى توسعة ، وتيسير محمودان ؛ لأنه يجعل حكم المنادى (٣) «المفرد العلم» مطرّدا ؛ يعم ويشمل صورا كثيرة بغير تفرقة ولا تشتيت. ومن ثم كان الأخذ

__________________

ـ وإنما ألحقت بالعلم لقرب درجة تعريفها منه ، ولم تدخل فى عداده لأنها ليست علما ... وهذا الخلاف شكلى ؛ بالرغم مما يرتبون عليه من وضع المعارف فى درجات متفاوتة القوة فى التعريف تفاوتا يؤدى إلى تقديم بعضها فى ترتيب الكلام على بعض ، لكن لا أثر له فى ضبط الكلمة ، ولا معناها ، ولا إعرابها ؛ فهى على الرأيين معرفة بعد النداء ، ومبنية على الضمة. سواء أكانت من قسم المفرد العلم أم من قسم النكرة المقصودة ... (وقد سبق نفصيل الكلام على العلم فى ج ١ ص ص ٢٠٠ م ٢٢)

(١) فى رقم ٦ من هامش ص ٩.

(٢) هذا كلام «الرضى» فى باب : «العلم» نقله «خالد» وعلق عليه فى شرحه : على «التصريح» (ج ٢ ـ أول الفصل الثانى ، فى أقسام ألمنادى).

(٣) وهو البناء على الضمة أو ما ينوب عنها ، من غير تفرقة بين ما أصله علم قبل النداء أو غير علم ، مبنى أو غير مبنى. لأن إدراك هذه التفرقة ، والوصول إلى معرفتها اليوم عسير كل العسر على جمهرة الناس ، ففى الاستغناء عنها راحة بغير ضرر. وهناك نص آخر يؤيد ما سبق ؛ ملخصه : وجوب الإعراب والتنوين معا قبل النداء فى كل لفظ أصله مفرد حقيقى (أى : ليس مثنى ولا جمعا ، ولا من أنواع المركبات الثلاثة التى منها المركب الإضافى ، وشبه الملحق به) ومبنى ثم ترك أصله ، وصار اعلما منقولا من معناه وحكمه السابقين إلى معنى وحكم جديدين. مثل كلمة : «أمس ، وغاق» إذا صارتا علمين ؛ فعند ندائهما يجرى عليهما حكم الأسماء المعربة قبل النداء.

راجع التصريح أول الفصل الثانى فى «أقسام المنادى ، ج ٢ ص ١٦٦ ـ وحاشيته آخر باب «الممنوع من الصرف» ص ٢٢٦) وسبق لهذا الحكم بيان مفيد فى ج ١ ، بابى المعرب والمبنى ـ والعلم ، م ٦ و ٢٣ ص ٧٤ و ٢٧٨.

١١

به أفضل من الأخذ بالرأى الأول.

وإنما يبنى المفرد العلم ـ وملحقاته ـ إذا لم يكن معربا مجرورا باللام فى «الاستغاثة والتعجب» مع ذكر «يا» ؛ كما فى نحو : يا لعلىّ للضعيف ؛ للاستغاثة بعلىّ فى نصر الضعيف. ويا لعلى المحسن ؛ للتعجب من كثرة إحسانه. فالمنادى فيهما ، معرب وجوبا ، كما كان قبل النداء ، مجرور باللام فى محل نصب ، لأنه خرج بسبب الجار من قسم «المفرد العلم» ، ودخل فى قسم المضاف ـ (١) تأويلا ـ.

وكذلك يجب إعرابه (ولا يصح بناؤه) إذا كان هذا العلم المفرد منقولا من أحد الأعداد المتعاطفة ، بالتفصيل الموضح فى مكانه (٢).

وهناك صورة يجوز فيها الإعراب والبناء ، وستجئ (٣).

__________________

(١) كما سيجئ هذا فى باب الاستغاثة ، ص ٧٨

(٢) ص ٣١ وص ٣٣ ـ ا ـ

(٣) فى ص ١٩.

١٢

زيادة وتفصيل :

١ ـ ما كيفية بناء المفرد العلم الذى كان فى أصله اسما منقوصا ، منونا ، ثم نقل إلى العلمية ؛ مثل : هاد ـ راض ـ مرتض ـ مستكف ـ وغيرها؟ ... الأصل فى المنقوص أن يكون مختوما بالياء (١) الظاهرة إلا فى بضع حالات قليلة ؛ أهمها : أن يكون منونا مرفوعا أو مجرورا ؛ فيجب حذفها نطقا وكتابة ؛ لأن الضمة والكسرة ثقيلتان على الياء ، فتحذفان ؛ طلبا للخفة. فإذا حذفتا تلاقت الياء ساكنة مع التنوين فيجب حذفها ؛ تخلّصا من التقاء الساكنين ؛ فتصير الكلمة إلى الصور السالفة. (فأصل : «هاد» ـ مثلا ـ فى : «أنت هاد للخير» هو : هادين ؛ بكتابة التنوين نونا ساكنة تبعا لأصله (٢). ثم حذفت الضمة ؛ منعا للثقل ؛ فصارت الكلمة : «هادين» بياء ونون ساكنتين. ثم حذفت الياء (٣) ؛ للتخلص من الساكنين ؛ فصارت الكلمة : «هادن» ، بإثبات التنوين على شكله الأول نونا ساكنة. ثم جرى الاصطلاح على كتابة التنوين كسرة مكررة لكسرة الحرف الأخير الذى قبل الياء المحذوفة ، فصار للحرف الأخير كسرتان ؛ إحداهما حركة أصلية هجائية ، والأخرى بدل التنوين. وانتهت الكلمة إلى صورتها الأخيرة : «هاد». ومثلها استمعت لهاد ، وأصلها : هادين ، حذفت كسرة الياء ، وجرى ما سبق ...)

فإذا نوديت وجب حذف التنوين ، لأن المنادى هنا علم مفرد ؛ فيجب بناؤه على الضم بغير تنوين. وهذا الضم مقدر على الياء ، لكن أتبقى الياء محذوفة كما كانت ، والضّمّ مقدر عليها برغم حذفها ـ لأنها ملحوظة كالمذكورة ـ أم تعود بعد النداء إلى مكانها ؛ فتظهر نطقا وكتابة ، ويكون الضمّ مقدرا عليها كذلك؟ رأيان ؛ أحدهما : يوجب حذف التنوين واستمرار حذف الياء ؛ لأن الكلمة المناداة كانت منونة ومحذوفة الياء قبل المناداة فوجب حذف التنوين ؛ لأنه معارض لبناء المنادى ، كما يوجب ألّا ترجع الياء ؛ لعدم وجود ما يقتضى إثباتها وإرجاعها ؛ إذ

__________________

(١) يجوز حذفها بالتفصيل الخاص بحذف الياء. وقد سبق بيانه مفصلا فى ج ١ م ١٦

(٢ و ٢) أوضحنا هذا وسببه فى صدر الجزء الأول عند تفصيل الكلام على التنوين م ٢

١٣

طرأ عليها النداء وهى محذوفة ، فتبقى على حالها من الحذف.

والآخر : يوجب حذف التنوين للسبب السالف ، ويوجب إرجاع الياء وإثباتها لأن سبب حذفها ـ وهو تلاقيها ساكنة مع التنوين ـ قد زال بزوال التنوين. وإذا زال السبب لا تبقى بعده آثاره. فالرأيان متفقان على حذف التنوين وسببه ، مختلفان فى إرجاع الياء وإثباتها ، أو عدم إرجاعها.

ويتفقان على إرجاعها إذا لم يكن فى العلم المنقوص إلّا حرف أصلى واحد ، مثل : «مر» ، اسم فاعل من «أرى» ، فتقول فى نداء المسمى به : يا مرى.

والحق أنّ هذه الأدلة جدلية محضة ليس فيها مقنع. والفيصل إنما هو السماع الوارد عن العرب ، ولم ينقل أحدهما منه ما يكفى لترجيح رأيه ؛ فالرأيان متكافئان. وقد يكون الأنسب هو الرأى الداعى إلى إثبات الياء ؛ لأنه أقرب إلى الوضوح ، وأبعد من اللبس والاختلاط.

وكل ما قيل فى كلمة : «هاد» ـ مما أسلفناه ـ يقال فى سائر الأعلام المنقوصة المنونة عند ندائها ... ـ كما سيجىء البيان (١) ـ

٢ ـ إذا كان المفرد العلم فى أصله منقولا من اسم مقصور منون. (نحو : مرتضى ـ مصطفى ـ رضا ... وأشباهها) ـ وجب عند ندائه حذف تنوينه ، لأنه سيبنى على الضم ، وهذا البناء يقتضى حذف التنوين حتما. لكن أتعود بعد ذلك ألف المقصور التى حذفت من آخره نطقا ؛ بسبب تلاقيها ساكنة مع التنوين الساكن ، أم لا تعود؟

(ذلك أن الأصل فى كلمة مثل : مرتضى ، هو مرتضى ؛ أى : مرتضين ؛ رفعا ـ والنون الساكنة هى التنوين ـ تحركت الياء ، وانفتح ما قبلها ؛ فقلبت ألفا ، وصارت الكلمة : مرتضان ، تلاقى ساكنان ؛ الألف وهذه النون ، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين ، وصارت الكلمة : مرتضن ، لكنها تكتب «مرتضى» ، طبقا لقواعد رسم الحروف ؛ وهى تقضى بأن يوضع على الحرف الذى قبل النون حركة ثانية مماثلة لحركته الهجائية ، تغنى عن النون بعد حذفها ، وتكون هذه الحركة الهجائية الثانية هى الرمز الدال على التنوين ، بدلا من التنوين).

__________________

(١) فى باب : تشنية المقصور ، والممدود ، وجمعهما (.. هامش ص ٥٦٦).

١٤

ويجيب النحاة : أن الظاهر فى هذه المسألة هو تطبيق حكم المسألة السابقة فيجرى على ألف المقصور ما جرى على ياء المنقوص من وجود رأيين متفقين على حذف التنوين ، مختلفين فى رجوع الألف نطقا أو عدم رجوعها ، بالحجة التى تساق لكل. وقد يكون الأنسب إرجاع الألف ...

٣ ـ سبق فى باب المثنى (١) أن العلم المفرد إذا ثنّى أو جمع ، زالت علميته ، وصار نكرة ، ولا يحكم له بالتعريف إلا بوسائل جديدة تزاد ؛ منها : إدخال «أل» المعرّفة عليه ، أو نداؤه ... أو ... فإذا نودى العلم بعد تثنيته وجمعه حكم له بالتعريف الناشئ من النداء ، لا من العلمية ؛ لأن النداء هنا دخل على منادى خال من العلمية ، فقد أزالها ما طرأ من التثنية أو الجمع ، مثل : يا محمدان ـ يا محمدون ... وأشباههما ؛ فيصير بعد ندائه فى حكم النكرة المقصودة ـ عند كثير من النحاة ـ تجرى عليه أحكامها التى منها : صحة نعتها ـ أحيانا ـ بالنكرة أو بالمعرفة ؛ فيراعى إما أصله الأول الذى زالت علميته قبل النداء ، وإما حالة تعريفه الطارئة بعد النداء ـ (٢) ... ـ من بخلاف العلم الذى ليس مثنى ، ولا جمعا ، فإن علميته تبقى بعد النداء ويتعرف بها ، أو لا تبقى ؛ فيتعرف بالنداء الطارئ لا بتلك العلمية السابقة ـ على حسب الخلاف الذى سبق (٣) ـ.

٤ ـ إذا نودى : «إثنا عشر» و «إثنتا عشرة» علمين ، جاز أن يقال : يا إثنا عشر ، ويا إثنتا عشرة ، فإثنا وإثنتا مبنيان على الألف ، لأن المثنى وملحقاته فى هذا الباب فى حكم المفرد ؛ فيبنى على ما يرفع به. وكلمة : «عشر وعشرة» بعدهما مبنية على الفتح ، لا أهمية لها ، لأنها بمنزلة نون المثنى. وهمزتهما للقطع (٤) ما داما علمين.

ويجوز أن يقال : يا إثنى عشر ، ويا إثنتى عشرة ... بالنصب بالياء على

__________________

(١) ج ١ ص ٨٣ م ٩.

(٢) طبقا لما سيجىء فى «د» من ص ٢٩.

(٣) فى رقم ٦ من هامش ص ٩.

(٤) انظر رقم ٢ من هامش ص ٣٧ و ٢ من هامش ص ٢٣٥؟

١٥

اعتبار المثنى مع كلمة : «عشر» أو «عشرة» بمنزلة المضاف مع المضاف إليه فى الصورة ، والمنادى المضاف واجب النصب (١).

__________________

(١) هذا رأى الكوفيين الذى أشرنا إليه (فى رقم ٢ من هامش ص ٨ و ١ من هامش ص ٣١) وبمقتضاه تكون الأعداد المركبة كلها داخلة فى قسم المنادى المضاف ، فصدر كل واحد منها واجب النصب ، عند الكوفيين فى النداء ، ويظل العجز مبنيا على الفتح ، بمنزلة النون.

أما عند غيرهم فالأعداد المركبة كلها مبنية على فتح الجزأين ـ (ما عدا العلمين : إثنى عشر وإثنتى عشرة ـ ؛ والمنادى هو العدد المركب بجزأيه معا إلا هذين. فإذا كان المنادى العلم هو : إثنا عشر ، وإثنتا عشرة ، فصدرهما وحده ، فى حكم العلم ، المثنى ، المنادى ، المبنى.

ويترتب على الخلاف بين الكوفيين وغيرهم الخلاف فى ضبط تابع المندى.

١٦

(ب) من المفرد العلم صورة يجوز فيها أمران (١) : البناء على الضم فى محل نصب ، أو البناء على الفتح فى محل نصب. وهذه الصورة الجائزة بحكميها لا بد أن يكون فيها المنادى علما غير مثنى ، ولا مجموع ، وأن يكون آخره مما يقبل الحركة (فلا يكون معتل الآخر ؛ كعيسى ، ولا مبنيّا على السكون لزوما ، مثل : «من» علم شخص ...) وأن يوصف مباشرة ـ أى : بغير فاصل ـ بكلمة : «ابن» أو «ابنة» ، دون «بنت» ،. وكلتاهما مفردة مضافة إلى علم آخر ، مفرد أو غير مفرد (٢) ... مثل : يا حسن بن على ، من أثنى عليك بما فعلت فقد كافأك. ويا فاطمة بنة محمد ، أنت فخر النساء ، ببناء كلمتى : «حسن» ، و «فاطمة» ، على الضم أو على الفتح ، فى محل نصب فى الحالتين. ولا بد أن تكون البنوة حقيقية.

__________________

(١) انظر الزيادة والتفصيل ، ففيها أمر ثالث حكمه الإعراب ، وتعليل الأوجة الثلاثة.

(٢) ولا يشترط فى العلمين ولا فى أحدهما التذكير ـ على الرأى الراجح ـ ولا مانع أن يكون العلم اسما ، أو كنية ، أو لقبا. أو جنسيا للأعلام المجهولة ؛ نحو : يا فلان بن فلان ، أو : يا حارث بن همام ، (للشخص الخيالى الذى تخيله الحريرى دعامة المحاورات فى مقاماته ، وأدار الحديث بلسانه فى كثير منها.) وكذلك : يا سيد بن سيد ؛ لكثرة استعماله كالأعلام ، وبضع كلمات ساغت كهذه.

ومتى اجتمعت الشروط في نداء أو غيره وجب ـ فى ذلك الرأى الراجح ـ حذف همزة الوصل وألفها كتابة ونطقا من «ابن» ، و «ابنة» إلا لضرورة الشعر ، أو لوقوع إحداهما فى أول السطر فتثبت الألف كتابة. وكذلك يجب ـ فى غير الضرورة الشعرية ـ حذف التنوين كتابة ونطقا من المستوفى للشروط ؛ ولو كان غير منادى. (وقد سبقت إشارة لهذا فى ح ١ ص ٣٠ م ٤).

غير أن هنا مسألة وقع الخلاف فيها فى حذف التنوين من آخر العلم الموصوف المنادى وغير المنادى.

وفى حذف همزة الوصل مع ألفها من الصفة (ابن وابنة) هى : أن يكون العلم الأول (الموصوف) كنية أو مضافا آخر ، أو يكون العلم الثانى (وهو المضاف إليه) كنية أو مضافا آخر كذلك ؛ مثل : أول الخلفاء الراشدين أبو بكر بن قحافة. ومثل محمد بن أبى بكر من أشهر الزهاد ... فيرى كثير من النحاة وجوب إثبات التنوين وألف الوصل فى الصورتين. ويرى آخرون جواز حذفهما ، وإثباتهما. وقد يكون الحذف ـ على لمته ـ هو الأنسب اليوم ، ليكون حكمه مطردا شاملا الصور المختلفة.

ومسألة أخرى ، هى التى تكون فيها الصفة كلمة : «بنت» ، ويكون موصوفها علما لمؤنث يصح صرفه ، ومنعه من الصرف. فهل يجوز بقاء التنوين فى موصوفها المنادى وغير المنادى؟ روى سببويه الحذف والإثبات عن العرب الذين يصرفون كلمة : «هند» وأشباهها ؛ مما يجىء فى ص ٢٢٦ فيقولون : هذه هند بنت عاصم ؛ بتنوين «هند» ، وتركه لكثرة الاستعمال.

وقد يكون الأحسن هنا أيضا حذف التنوين ، ليكون الحذف مطردا فى كل المسائل ، وقاعدته عامة.

١٧

فإذا فقد شرط وجب الاقتصار على البناء على الضمّ ، كأن يكون المنادى غير علم ، مثل : يا غلام ابن سعد ، أو يكون علما مفصولا (١) من المنادى ، مثل : يا سليمان النبى ابن داوود ، أو تكون كلمة : «ابن» و «ابنة» ليست نعتا وإنما هى بدل ، أو مفعول ، أو خبر : أو منادى جديد ، أو غير ذلك مما ليس نعتا ...

__________________

(١) مع الخلاف فى العلم إذا كان كنية ، على الوجه المبين فى هامش الصفحة السالفة.

١٨

زيادة وتفصيل :

أولا ـ إذا اجتمعت الشروط السابقة جاز الوجهان المذكوران ، ووجه ثالث ، هو أن يكون المنعوت معربا منصوبا ، بغير تنوين.

وللنحاة فى تعليل الأوجه الثلاثة آراء قائمة على التكلف ، والتأويل ، والحذف أو الزيادة ، بغير حاجة ماسّة إلا رغبتهم فى إلحاق كل وجه بحالة إعرابية ثابتة ، وإدخاله تحت قاعدة أخرى مطّردة. ولا يعرف العرب شيئا من هذه التعليلات ، ولا شأن لهم بها ، ولن يتأثر الأسلوب أو ضبط مفرداته بإغفالها ، وإهمال الوجه الثالث القائم على الإعراب مع النصب المباشر. وفيما يلى بعض تلك الآراء بإيجاز يحتاج إليه الخاصة :

(١) فى مثل : يا حسن بن علىّ ـ بضم المنادى ـ يكون بناؤه على الضمّ فى محل نصب ؛ مراعاة للقاعدة العامة ، لأنه مفرد علم. وتعرب كلمة : «ابن» صفة ، منصوبة ، تبعا لمحل المنادى الموصوف. لا لفظه المبنىّ. وهذا إعراب حسن لا مأخذ عليه.

(٢) وفى مثل : يا حسن بن على ... (١) ـ بفتح المنادى ـ يكون مبنيّا على الفتح فى محل نصب (فهو مبنى لفظا ، منصوب محلا). ويقولون : إن حقه البناء على الضم ؛ لأنه مفرد علم ، ولكن آخره تحرك بحركة تماثل الحركة التى على آخر الصفة ، على توهم وتخيل أن الكلمتين بمنزلة كلمة واحدة ؛ إذ الفاصل بين آخر المنادى ، وآخر صفته حرف واحد ساكن. فالفصل به كلا فصل ؛ لأنه حاجز غير حصين ـ كما يقولون ـ وفى هذه الحالة يذكرون فى إعراب المنادى : أنه مبنى على ضم مقدر منع من ظهوره فتحة الإتباع (٢) ، فى محل نصب ، وكلمة «ابن» صفة له ، منصوبة باعتبار محله.

فلم هذا التوهم ، واللف والالتواء فى إعراب المنادى ، وإتباع حركته ـ وهو السابق ـ لصفته اللاحقة ، مع ما فى هذا من مخالفة المألوف الذى يجرى على أن يكون المتأخر هو التابع فى حركته للمتقدم؟

لم لا نقول : إن المنادى إذا اجتمعت فيه الشروط السالفة جاز أن يكون مبنيّا على الفتح مباشرة ، أو على الضم ، مراعاة للواقع المأثور من فصيح الكلام العربى؟ ولا ضرر فى هذا ولا إساءة ، بل إنه السائغ المقبول ، وهو فى الصورتين فى محل نصب.

__________________

(١) تجىء مناسبة أخرى لهذا النوع من المنادى ، فى «ج» ، من ص ٥٢.

(٢) أى : الفتحة التى جاءت فى آخر المنادى متابعة ومماثلة للفتحة التى فى آخر صفته.

١٩

(٣) ويجيزون فى إعراب المنادى فى الصورة السالفة أنه مبنى على الفتح ، على توهم وتخيل تركيبه مع صفته تركيبا لفظيّا ، كالتركيب اللفظى الذى فى الأعداد : أحد عشر ، وثلاثة عشر ، وأربعة عشر ، وما بعد أربعة عشر إلى آخر تسعة عشر ، فإن هذه الأعداد مبنية على فتح الجزأين دائما فى جميع الحالات الإعرابية ، بسبب تركيب الكلمتين تركيبا يلازمهما ، ويقتضى أن يلازمهما فتح آخرهما.

فما الداعى لهذا التكلّف أيضا ، وحمل المنادى مع صفته فى هذه الصورة على تلك الأعداد المركبة ، مع وجود الفارق الواضح بينهما؟ ذلك أن العدد المركب لا يؤدى معناه الأساسى المطلوب إلا مع التركيب الحتمى ، فكل جزء من الجزأين لا يستقل بنفسه ، وإنما هو بمثابة حرف من كلمة واحدة ، تؤدى معنى أصيلا ، لا يؤديه أحد حروفها ، وليس هذا شأن النعت والمنعوت كما هو معروف. ومن ثم كانت المشابهة بين الأسلوبين ضعيفة ، وكان الاعتماد عليها هنا غير قوىّ ، وإنما القوى أن نقول فى هذه الحالة ما قلناه فى الحالة الثانية وهو أن المنادى مبنىّ على الفتح ـ مباشرة ـ فى محل نصب ، نزولا على حكم الواقع الذى لا ضرر فى اتباعه. أما كلمة : «ابن» فإعرابها هنا كإعرابها هناك.

(٤) ويجيزون أيضا فى المنادى السالف ألّا يكون مبنيّا على الفتح فى محل نصب وإنما يكون معربا منصوبا ، مباشرة ، بغير تنوين ، غير أنّهم لحظوا أن حالات المنادى المعرب المنصوب لا تنطبق عليه ؛ فتلمسوا الوسيلة لإدخاله تحت واحدة منها فارتضوا أن تكون الصفة (ابن) فى حكم الزائدة التى لا وجود لها ، وأن المنادى مضاف ، وأن المضاف إليه هو الكلمة التى بعد كلمة «ابن» وبذا يكون المنادى ـ فى تقديرهم داخلا فى قسم المضاف الذى يجب إعرابه ونصبه!! ويترتب على هذا أن تكون كلمة «ابن» مقحمة بين المضاف والمضاف إليه وأنها لا توصف بإعراب ولا بناء ، وإنما هى موقوفة ـ كما يقولون ـ ولا محل لها من الإعراب ، فليست صفة ، ولا غيرها.

فما هذا؟ وما الدافع له؟ الخير فى إهماله ، وإنما ذكرناه لنعرض شيئا يستحق الإعراض عنه. ثم نواجه الواقع بحكم أصيل يناسبه ، لا إقحام فيه ، ولا وقف ، ولا بناء ؛ فنعتبر المنادى معربا منصوبا بغير تنوين ، وكلمة «ابن صفة له ، منصوبة.

٢٠