أسنى المطالب في مناقب سيّدنا علي بن أبي طالب

أبي الخير شمس الدين محمد بن محمد بن محمد الجزري الشافعي

أسنى المطالب في مناقب سيّدنا علي بن أبي طالب

المؤلف:

أبي الخير شمس الدين محمد بن محمد بن محمد الجزري الشافعي


المحقق: الدكتور الشيخ محمّد هادي الأميني
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام العامّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٦٠

١
٢

٣

٤

الهى ... اسلك بى الطريقة المثلى ، واجعلنى على ملتك أموت وأحيى.

الهى ... انطقنى بالهدى ، وألهمنى التقوى ، ووفقنى للتى هى أزكى ، واستعملنى بما هو أرضى.

الهى ... اختم بعفوك أجلى ، وحقق فى رجاء رحمتك أملى ، وسهل الى بلوغ رضاك سبلى ، وحسن فى جميع أحوالى عملى.

الهى ... امدد لى فى أعمار ولدى ، وزد لى فى آجالهم ، ورب لى صغيرهم ، وقولى ضعيفهم ، وأصح لى أبدانهم ، وأديانهم ، وأخلاقهم ، وعافهم فى أنفسهم ، واجعلهم أبرارا اتقياء ، مطيعين لك ، ولاء وليائك محبين مناصحين ولجميع أعدائك معاندين ومبغضين.

٥

الاهداء

الى ولدى الصريع برصاص الغدر والخيانة ... الشهيد

المهندس ... مرتضى الامينى النجفى

ولدى ... وجدتك منذ الطفولة مغرما بسماع مناقب الامام على بن أبى طالب عليه السلام ، ومتفانيا فى حبه وولائه ومحبته ، منقبا عن فضائله ... ولما كان الكتاب هذا تناول جانبا من جوانب ما كنت تبتغيه ، لذلك أهدى البك هذا البحث ، فتقبله من أبيك الذى ابيضت عيناه من الحزن وهو كظيم ...

محمد هادى الامينى

٦

المدخل :

لم يعهد ائمة الحديث ، كما لم يألف الحفاظ على اختلاف طبقاتهم على امتداد التاريخ والزمان ... واحدا من الصحابة جائت وتضافرت بحقه من المناقب والفضائل ، ما جائت عن الصادع الكريم (ص) فى حق ربيب معدن الرسالة ... ونفس النبى الاعظم (ص) وعملاق البلاغة ، وترجمان القرآن ، وعبقرى الفصاحة ، ومعلم الادب ، وسيد البيان والمسلمين ، وقائد الغر المحجلين ، وخاتم الوصيين ، وأول القوم ايمانا ، وأوفاهم بعهد الله ، وأعظمهم مزية ، وأقومهم بأمر الله ، وأعلمهم بالقضية ، وراية الهدى ، ومنار الايمان ، وباب العلم ، والحكمة ، والفقه ، والممسوس فى ذات الله ، خليفة النبى الاقدس الامام امير المؤمنين على ابن أبى طالب ، الهاشمى ، الطاهر ، وليد الكعبة المشرفة ومطهرها من كل صنم ووثن ، والشهيد فى البيت الالهى (جامع الكوفة) سنة ٤٠ من الهجرة.

فقد وردت فى حقه من الاحاديث التى لا يمكن ضمها وجمعها ، فى أسفار ومجلدات ودورات وان تصدى البعض من الحفاظ والرواة الى جمعها وتدوينها عبر التاريخ ، بيدانهم لم يأتوا بها بصورة كاملة ومستوعبة وجامعة من كافة النواحى ، لذلك نجد فى كل كتاب وسفر شطرا من مناقبه ، ونتفا من فضائله الجمة ، وهذا ان دل على شىء فانما يدل على ان ائمة الحديث لم يتمكنوا من استيعاب جميع مناقب الامام امير المؤمنين عليه السلام ، وان جمعها وتدوينها فى الواقع خارج

٧

عن حدود امكانياتهم العلمية ، وعن صعيد البحث والتحقيق والتتبع. وكيف يمكن وقد قال مجاهد بن جبير ، من كبار التابعين وعلماء المفسرين فيه : ان لعلى سبعين منقبة ما كانت لاحد من اصحاب النبى صلى الله عليه وسلم مثلها ، وما من شىء من مناقبهم الا وقد شاركهم فيها (١).

وقال سليمان بن طرخان التيمى العابد : كان لعلى بن أبى طالب عشرون ومائة منقبة لم يشترك معه فيها أحد من اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد اشترك فى مناقب الناس (٢).

وقال أبو الطفيل نقلا عن بعض اصحاب النبى صلى الله عليه وسلم : لقد سبق لعلى بن أبى طالب من المناقب ما لو ان واحدة قسمت بين الخلق وسعهم خيرا (٣).

وقال الامام احمد بن حنبل : ما جاء لاحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضائل ، اكثر ما جاء لعلى بن ابى طالب (٤).

الى غير هذا من أقوال الصحابة ، والتابعين ، والسلف فى كثرة خصائص امير المؤمنين عليه السلام ، ولذلك اندفع ابن ابى الحديد فى مقدمة شرحه يقول بصراحة وبملء فمه :

فأما فضائله عليه السلام ، فانها قد بلغت من العظم والجلالة والانتشار والاشتهار مبلغا يسمج معه التعرض لذكرها ، والتصدى لتفصيلها ، فصارت كما قال ابو العيناء لعبيد الله بن يحيى بن خاقان وزير المتوكل والمعتمد : رأيتنى فيما أتعاطى من وصف فضلك كالمخبر عن ضوء النهار الباهر ، والقمر الزاهر الذى لا يخفى على الناظر ، فايقنت انى حيث انتهى بى القول منسوب الى العجز ، مقصر عن

__________________

(١) شواهد التنزيل ١ : ١٧.

(٢) شواهد التنزيل ١ : ١٧.

(٣) شواهد التنزيل ١ : ١٨. ابن عساكر الحديث ١١٠٧ من مجلدات ـ على بن ابى طالب.

(٤) شواهد التنزيل ١ : ١٨. المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٠٧. تهذيب التهذيب ٧ : ٣٣٩ وفيه : وكذا قال النسائى وغيره. نظم درر السمطين : ٨٠.

٨

الغاية فانصرفت عن الثناء عليك الى الدعاء لك ، ووكلت الاخبار عنك الى علم الناس بك.

وما أقول فى رجل اقرله اعداؤه وخصومه بالفضل ، ولم يمكنهم جحد مناقبه ، ولا كتمان فضائله ، فقد علمت انه استولى بنو امية على سلطان الاسلام فى شرق الارض وغربها ، واجتهد وابكل حيلة فى اطفاء نوره والتحريض عليه ووضع المعايب والمثالب له ، ولعنوه على جميع المنابر (٥) وتوعد وامادحيه بل حبسوهم ، وقتلوهم ومنعوا من رواية حديث يتضمن له فضيلة أو يرفع له ذكرا ، حتى حظروا ان يسمى احد بأسمه فما زاده ذلك الارفعة وسموا ، وكان كالمسك كلما ستر انتشر عرفه ، وكلما كتم تضوع نشره ، وكالشمس لا تستر بالراح ، وكضوء النهار ان حجبت عنه عين واحدة أدركته عيون كثيرة.

وما أقول فى رجل تعزى اليه كل فضيلة وتنتهى اليه كل فرقة ، وتتجاذبه كل طائفة ، فهو رئيس الفضائل وينبوعها وابو عذرها وسابق مضمارها ومجلى حلبتها كل من بزغ فيها بعده ، فمنه أخذ وله اقتفى وعلى مثاله احتذى.

وما أقول فى رجل تحبه اهل الذمة على تكذيبهم بالنبوة وتعظمه الفلاسفة على معاندتهم لاهل الملة ، وتصور ملوك الفرنج والروم صورته فى بيعها وبيوت عباداتها حاملا سيفه مشمر الحربه ، وتصور ملوك الترك والديلم صورته على أسيافها كان على سيف عضد الدولة بن بويه ، وسيف أبيه ، ركن الدولة صورته ، وكان على سيف ألب ارسلان وابنه ملكشاه صورته كأنهم يتفألون به النصر والظفر.

وما أقول : فى رجل أحب كل واحد ان يتكثر به ، وود كل احد ان يتجمل ويتحسن بالانتساب اليه ، حتى الفتوة التى أحسن ما قيل فى

__________________

(٥) قال الرهنى : لعن على بن ابى طالب رضى الله عنه على منابر الشرق والغرب ولم يلعن على منابر سجستان الامرة ، وأى شرف أعظم من امتناعهم من لعن اخى رسول الله صلى الله عليه وسلم على منبرهم وهو يلعن على منابر الحرمين مكة والمدينة. معجم البلدان ٣ : ١٩١.

٩

حدها الا تستحسن من نفسك ما تستقبحه من غيرك ، فان اربابها نسبوا أنفسهم اليه وصنفوا فى ذلك كتبا وجعلوا لذلك اسنادا انهوه اليه ، وقصروه عليه ، وسموه سيد الفتيان ، وعضدوا مذهبهم اليه بالبيت المشهور المروى انه سمع من السماء يوم احد :

لا سيف الا ذو الفقا

رولا فتى الا على

وما أقول فى رجل سبق الناس الى الهدى ، وآمن بالله وعبده وكل من فى الارض يعبد الحجر ويجحد الخالق لم يسبقه احد الى التوحيد الا السابق الى كل خير محمد رسول الله صلى الله عليه وآله (٦).

ومهما يكن من امر فان الائمة والحفاظ رغم عجزهم العلمى فى هذا السبيل من جمع وتدوين مناقب وفضائل على بن ابى طالب عليه السلام ... أفرد واكتبا خاصة ومؤلفات مستقلة فى مناقبه (ع) وجمعوا فيها ما تيسر لهم ذلك ، واليك الثبت التالى المشتمل على بيان أسماء بعض الذين وضعوا كتبا بعنوان (مناقب الامام على بن ابى طالب) حسب الترتيب :

١ ـ أبو الخير أحمد بن اسماعيل بن يوسف بن محمد بن العباس القزوينى الطالقانى الشافعى المتوفى ٥٩٠.

٢ ـ ابو بكر أحمد بن الحسين بن على بن عبد الله البيهقى الشافعى المتوفى ٤٥٨. له : فضائل على بن ابى طالب.

٣ ـ ابو نعيم احمد بن عبد الله بن احمد بن اسحاق بن موسى بن مهران الاصبهانى الحافظ المتوفى ٤٣٠. له : ما نزل فى على من القرآن.

٤ ـ أبو عبد الرحمن احمد بن على بن شعيب بن على بن سنان بن بحر النسائى المتوفى ٣٠٣ ، له خصائص على بن ابى طالب.

٥ ـ ابو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيبانى المروزى البغدادى المتوفى ٢٤١. له : مناقب على بن ابى طالب. والكتاب هذا كبير فى مجلد ضخم ، غيرانه فقد ولم يوجد منه الابعض الكراسات

__________________

(٦) شرح ابن أبى الحديد ١ : ١٦.

١٠

وقد تصدى لتحقيقها والتعليق عليها واخراجها سماحة العلامة السيد عبد العزيز الطباطبائى.

٦ ـ أبو عبد الله احمد بن محمد بن على العاصمى من حفاظ القرن الخامس الهجرى. جمع فى كتابه : زين الفتى فى تفسير سورة هل أتى. الكثير من مناقب الامام على بن ابى طالب عليه السلام.

٧ ـ أبو عبد الله احمد بن محمد الطبرى الخليلى المتوفى ٢٧٥. له فضائل امير المؤمنين عليه السلام.

٨ ـ ابو القاسم اسماعيل بن على بن احمد البستى الزيدى المتوفى ٤٢٠. له : المراتب فى فضائل على بن ابى طالب.

٩ ـ جلال الدين عبد الرحمن بن أبى بكر بن ناصر الدين محمد السيوطى الشافعى المتوفى ٩١٠. له : القول الجلى فى فضائل على.

١٠ ـ ابو الفرج عبد الرحمن بن على بن عبد الله القرشى التميمى المعروف بابن الجوزى المتوفى ٥٩٧. له : مناقب على بن ابى طالب.

١١ ـ جلال الدين عطاء الله بن محمد بن فضل الله بن عبد الرحمن الشيرازى الحسينى الدشتكى نزيل هراة والمتوفى ٩٢٦. له : الاربعين فى مناقب امير المؤمنين.

١٢ ـ أبو القاسم على بن الحسن بن هبة الله الدمشقى الشافعى الحافظ المتوفى ٥٧١. له : مناقب على بن ابى طالب ١ ـ ٣ طبع فى بيروت ، وهو من مجلدات تاريخه الكبير (تاريخ دمشق).

١٣ ـ أبو الحسن على بن محمد الشمشاطى العدوى البغدادى المتوفى ٣٨٠. له : البرهان فى النص الجلى على امير المؤمنين على كرم الله وجهه.

١٤ ـ ابو الحسن على بن محمد بن الطيب الخطيب الواسطى الشافعى المتوفى ٤٨٣. له : مناقب على بن أبى طالب. طبع فى ايران تحقيق الاستاذ العلامة محمد باقر البهبودى.

١٥ ـ محمد بن احمد العجمى الاصبهانى المتوفى ٧٢٧. له ، مناقب على بن أبى طالب.

١١

١٦ ـ شمس الدين محمد بن احمد بن سالم بن سليمان السفارينى الحنبلى المتوفى ١١٨٨. له ، القول العلى فى شرح اثر امير المؤمنين على.

١٧ ـ ابو عبد الله محمد بن احمد بن عثمان بن قايماز بن عبد الله الذهبى الشافعى المتوفى ٧٤٨. له مجلدات حول ، حديث الطير. حديث الغدير. حديث الولاية. فتح المطالب فى مناقب على بن ابى طالب.

١٨ ـ محمد حبيب الله بن عبد الله بن احمد اليوسفى الشنقيطى المتوفى ١٣٦٣. له ، كفاية الطالب فى مناقب على بن ابى طالب. مطبوع.

١٩ ـ ابو عبد الله محمد بن على بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن محمد بن صلاح بن على بن عبد الله الشوكانى اليمانى المتوفى ١٢٥٠.

له ، العقد الثمين فى اثبات وصايا امير المؤمنين.

٢٠ ـ ابو عيسى محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك السلمى الترمذى المتوفى ٢٧٩. له ، مناقب على بن ابى طالب. مطبوع.

٢١ ـ محمد صدر العالم ... له ، معارج العلى فى مناقب المرتضى.

٢٢ ـ الشيخ محمد نور الدين الحسينى المعروف بالنور العربى المتوفى ١٣٠٥. له ، فضائل على بن أبى طالب.

٢٣ ـ ابو عبد الله محمد بن يوسف الگنجى الشافعى المتوفى ٦٥٨.

له ، كفاية الطالب فى مناقب على بن ابى طالب. طبع بتحقيق وتقديم وتعليق الدكتور الشيخ محمد هادى الامينى.

٢٤ ـ ابو المويد الموفق بن احمد بن محمد البكرى المعروف بأخطب خوارزم المتوفى ٥٦٨. له ، المناقب. قضايا امير المؤمنين.

رد الشمس لامير المؤمنين.

٢٥ ـ بدر الدين محمود بن احمد بن موسى الحنفى العينى القاهرى المتوفى ٨٥٥. له ، مناقب على بن ابى طالب.

٢٦ ـ مصطفى الزركلى. له ، مناقب على بن ابى طالب والحسنين. مطبوع.

* * *

١٢

هذا تعريف لبعض الكتب المحتوية لمناقب الامام امير المؤمنين عليه السلام ... ولشمس الدين أبى الخير محمد بن محمد بن محمد بن على بن يوسف الجزرى الدمشقى الشافعى المتوفى ٨٣٣ كتاب باسم (اسنى المطالب فى مناقب سيدنا على بن ابى طالب) وهو الكتاب الذى بين يديك جمع فيه احاديث مسندة مما تواتر وصح وحسن من مناقبه عليه السلام ، اردفها بمسلسلات من حديثه ، وبمتصلات من روايته ، وتحديثه ، وبأعلى اسناد صحيح اليه.

ان الكتاب هذا مع صغر حجمه الذى يقع فى ٦٢ ص يضم بعض الاحاديث الصحيحة مع ذكر المؤلف فيه من الاحاديث الخارجة عن صلب الموضوع ... أصبح منذ تأليفه ووضعه من المصادر العتيدة ، والمراجع القيمة التى يرجع اليها أهل البحث والتحقيق والجرح والتعديل ، والحديث والتأليف وقد اكثروا النقل عنه ، غير انه مع رداءة طبعه عام ١٣٢٤ بمكة ... كاديكون فى عداد النوادر وعديم الوجود والاثر ، مع حاجة المؤلفين الماسة اليه ... وهذا ما دفعنى الى تحقيقه واخراجه مع تراكم الاعمال وتزاحمها ... خدمة للتراث الاسلامى ... والسنة المحمدية ... ليرد من شرعته العلماء ، وينهل من مورده الباحثون والمؤلفون ... وقد رجعت فى تحقيقه الى النسخة المطبوعة ومن ثم مراجعة نصوصها وتطبيقها مع بقية المراجع التى رجع اليها المؤلف بالاضافة الى مراجع اخرى ... ومن الله أطلب الهداية والتيسير ، والعون والتوفيق.

ربنا عليك توكلنا واليك أنبنا واليك المصير ...

ألجزرى ... فى المعاجم

ولد شمس الدين أبو الخير ، الحافظ محمد بن محمد بن محمد بن على بن يوسف المعروف بابن الجزرى الشافعى مقرىء الممالك الاسلامية ... بدمشق ليلة السبت الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة احدى وخمسين وسبعمائة (٧٥١) هجرية.

قال عنه أبو الفلاح عبد الحى بن العماد الحنبلى المتوفى سنة

١٣

١٠٨٩ فى (شذرات الذهب) ج ٧ : ٢٠٤ ، ما لفظه :

ولد بدمشق وتفقه بها ولهج بطلب الحديث والقراآت وبرزفيهما ، وعمر للقراء مدرسة سماها (دار القرآن) واقراء الناس وعين لقضاء الشام مرة ولم يتم ذلك لعارض ، وقدم القاهرة مرارا وكان شكلا حسنا مثريا فصيحا بليغا ، وكان باشر عند قطبلك استادار ايتمش فاتفق انه نقم عليه شيئا فتهدده ففر منه ، فنزل البحر الى بلاد الروم فى سنة ثمان وتسعين فاتصل بأبى يزيد بن عثمان فعظمه وأخذ اهل البلاد عنه علم القراآت واكثر واعنه ، ثم كان فيمن حضر الوقعة مع ابن عثمان واللنكية فلما اسر ابن عثمان اتصل ابن الجزرى باللنك فعظمه وفوض له قضاء شيراز فباشره مدة طويلة.

وكان كثير الاحسان لا هل الحجاز ، وأخذ عنه اهل تلك البلاد القراآت والحديث ، ثم اتفق انه حج سنة اثنتين وعشرين فنهب ففاته الحج ، واقام بينبع ثم بالمدينة المنورة ثم مكة الى أن حج ورجع الى العراق ثم عاد سنة ست وعشرين ، وحج ودخل القاهرة سنة سبع فعظمه الملك الاشرف وأكرمه ، وحج فى آخرها واقام قليلا ودخل اليمن تاجرا ، فاسمع الحديث عند صاحبها ووصله ورجع ببضاعة كثيرة فدخل القاهرة فى سنة سبع ، واقام بها مدة الى أن سافر على طريق الشام ثم على طريق البصرة الى ان وصل شيراز.

وقال الحافظ ابن حجر العسقلانى المتوفى سنة ٨٥٢ ، فى (انباء الغمر بانباء العمر) ج ٣ : ٤٦٧ :

انتهت اليه رئاسة علم القراآت فى الممالك ، وكان قديما صنف (الحص الحصين) فى الادعية ولهج به أهل اليمن واستكثرو امنه وسمعوه على قبل أن يدخل هو اليهم ، ثم دخل اليهم فأسمعهم وحدث بالقاهرة بمسند احمد ، ومسند الشافعى ، وبغير ذلك وسمع بدمشق وبمصر من ابن اميلة ، وابن الشيرجى ، ومحمود بن خليفة ، وعماد الدين ابن كثير ، وابن عمرو ، وابراهيم بن احمد بن فلاح ، والكمال بن حبيب ، وعبد الرحمن بن احمد البغدادى ، وغيرهم. وبالاسكندرية من

١٤

عبد الله بن الدمامينى ، وببعلبك من احمد بن عبد الكريم ، وطلب بنفسه وكنب الطباق وعنى بالنظم وكانت عنايته بالقراءات اكثر فجمع. ذيل طبقات القراء ـ للذهبى واجاد فيه ونظم قصيدة فى قراءة الثلاثة وجمع (النشر فى القراآت العشر) جوده وذكر ان ابن الخباز اجاز له واتهم فى ذلك.

وقرأت بخط القاضى علاء الدين بن خطيب الناصرية انه سمع الحافظ ابا اسحاق ابراهيم سبط ابن العجمى : سمعت من اصحابه الذين سمعوه منه يقول : لما دخلت دمشق قال لى الحافظ صدر الدين الياسوفى : لا تسمع من ابن الجزرى شيئا قلت : وقد سمعت بعض العلماء يتهمه بالمجازفة فى القول ، وكذا الحديث فما اظن الا انه كان اذا رأى للعصريين شيئا أغار عليه ونسبه لنفسه وهذا أمر قد اكثر المتأخرون منه ولم ينفرد به.

وكان يلقب فى بلاده (الامام الاعظم) ولم يكن محمود السيرة فى القضاء ، واوقفنى بعض الطلبة من اهل تلك البلاد على جزء فيه أربعون حديثا عشاريات فتأ ملتها فوجدته خرجها بأسانيده من جزء الانصارى ، وغيره وأخذ كلام شيخنا العراقى فى أربعينه العشاريات.

وبالجملة فانه كان عديم النظير ، طائر الصيت انتفع الناس بكتبه وسارت فى الافاق مسير الشمس.

وقال القاضى العلامة شيخ الاسلام محمد بن على الشوكانى المتوفى ١٢٥٠ فى (البدر الطالع) ٢ : ٢٥٧.

محمد بن محمد بن محمد بن على بن يوسف الدمشقى ثم الشيرازى المقرى الشافعى ، المعروف بابن الجزرى.

نسبة الى جزيرة ابن عمر (٧) قرب الموصل كان أبوه تاجرا فمكث أربعين سنة لا يولد له ولد ثم حج فشرب ماء زمزم ، بنية أن يرزقه الله

__________________

(٧) جزيرة ابن عمر ... بلدة فوق الموصل بينهما ثلاثة أيام ولها رستاق مخصب واسع الخيرات ، وأول من عمرها الحسن بن عمر بن الخطاب التغلبى ، وينسب اليها جماعة كثيرة معجم البلدان ٢ : ١٣٨.

١٥

ولدا عالما فولد له صاحب الترجمة فى ليلة السبت الخامس والعشرين من رمضان سنة ٧٥١ احدى وخمسين وسبعمائة بدمشق ، فنشأ بها فأخذ القراآت عن جماعة ثم رحل الى القاهرة فسمع من جماعة كاصحاب الفخر بن البخارى ، واصحاب الدمياطى ، ورحل الى الاسكندرية فقرأ على اهلها كابن الدمامينى ، وجاد فى طلب الحديث بنفسه ، وكتب الطباق وأخذ الفقه عن الاسنوى ، والبلقينى ، والبهاء السبكى ، وأخذ الاصول والمعانى والبيان عن الضياء القرمى ، والحديث عن العماد بن كثير ، والعراقى ، واشتد شغفه بالقراآت حتى جمع العشر ثم الثلاث عشرة ، وتصدى للاقراء بجامع بنى امية ثم دخل بلاد الروم سنة ٧٩٨ ، واتصل بالسلطان بايزيد خان فأكرمه وعظمه فنشر هنالك علم القراآت والحديث وانتفعوا به فلما دخل تيمور لنگ بلاد الروم أخذه معه الى سمرقند فأقام بها ناشر اللعلوم ، وكان وصوله اليها سنة ٨٠٥ ولما مات تيمور فى شعبان سنة ٨٠٧ خرج من سمرقند الى خراسان ودخل هراة ثم دخل يزد ثم اصبهان ثم شيراز ، وانتفع به الناس فى جميع هذه الجهات لاسيما القراآت وألزمه سلطان شيراز أن يلى قضاءها فأجاب مكرها ثم خرج منها الى البصرة ثم جاور بمكة والمدينة سنة ٨٢٣ ثم قدم دمشق سنة ٨٢٧ ثم القاهرة ، واجتمع بالسلطان الاشرف فعظمه وأكرمه وتصدى للاقراء والتحديث ثم عاد الى مكة ودخل اليمن فعظمه صاحبها وأكرمه وأخذ عنه جماعة من علماء اليمن وعاد الى مكة ثم الى القاهرة ثم الى الشيراز.

وحكى صاحب الشقائق النعمانية فى علماء الدولة العثمانية : ان صاحب الترجمة لما دخل هو وتيمور الى سمرقند ، عمل تيمور هنالك وليمة عظيمة وجعل على يساره أكابر الامراء ، وعلى يمينه العلماء فقدم صاحب الترجمة على السيد الشريف الجرجانى ، فعوتب فى ذلك فقال : كيف لا اقدم رجلا عارفا بالكتاب والسنة.

١٦

شيوخ شمس الدين الجزرى :

ترجمة الجزرى شمس الدين ، وحياته وشخصيته من نواحيها الشتى متوفرة ومذكورة فى أكثر المعاجم وكتب السير والتاريخ والحديث والادب ، وآثاره وصفاته مدونة هنا وهناك ، كما ان مشايخه وتراجمهم بصورة موجزة واردة فى المعاجم غير ان اصحاب التراجم والمعاجم لم تذكر شيوخه ومراحله العلمية والثقافية ومبلغ شيوخه ، فى العلم والفقه والحديث.

غير ان المؤلف بنفسه فى كتابه (أسنى المطالب) ذكر شيوخه فى الحديث ، والاجازة ، والخرقة ، ولكنه مع الاسف اقتصر على ذكر اسمائهم فحسب من دون وضع ترجمة موجزة وحتى عن تاريخ ولادتهم ووفاتهم ... ولا شك ان البحث على هذا النحو لا يعطينا فكرة واسعة مثمرة ، ونظرة دقيقة قويمة وثابة عن ثقافة الجزرى .... ومبلغ أثره وثقافته.

على اننا فى الفصل هذا لا نذكر من شيوخه الا من أشار المؤلف الى اسمه وانه قرأ عليه ، او استجازه ، او كتب اليه ، وقد بذلنا قصارى جهد نافى ان ندرج اسماء المشايخ كاملة مع ذكر المصادر المترجمة لهم دفعا للالتباس والشك.

واليك شيوخه حسب الترتيب المعجمى وفى ذيل كل واحد من مشايخه ذكر ما امكن جمعه من مصادر ترجمتهم فى كتب التاريخ.

١

قاضى القضاة شرف الدين أبو العباس احمد بن الحسن بن عبد الله ابن ابى عمر محمد بن احمد بن قدامة الحنبلى المتوفى ٧٧١ ، شيخ الحنابلة المقدسى الاصل الدمشقى المشهور بابن قاضى الجبل.

كان عالما متفننا متضلعا فى الحديث وعلله ، والنحو واللغة والاصلين والمنطق وله فى الفروع القدم العالى ، قرأ على الشيخ تقى

١٧

الدين ابن تيمية عدة مصنفات فى علوم شتى ، واذن له فى الافتاء فافتى فى شبيبته ، وسمع فى الصغر من الفراء وابن الواسطى ، ثم طلب بنفسه بعد العشر وسبعمائة واجازه والده ، واقام بمصر ، واخذ واعنه ، واقام بهامدة يدرس ويشغل ويفتى ورأس على اقرانه الى ان ولى القضاء بدمشق بعد جمال الدين المرداوى سنة ٧٦٧.

له مصنفات ، منها بيع الوقف للحاجة. المناقلة فى الاوقاف وما فى ذلك من النزاع والخلاف. ديوان شعر.

شذرات الذهب ٦ / ٢١٩. الدرر الكامنة ١ / ١٢٠. القلائد الجوهرية / ٣٦١. كشف الظنون / ٤٩٥. / ١٢١٧ / ١٨٥١ / ١٨٨٣.

٢

أحمد بن الطحان المقرى.

لم اقف على ترجمته.

٣

احمد بن عبد الكريم بن ابى بكر بن ابى الحسن البعلبكى الحنبلى الصوفى المسند المتوفى ٧٧٧.

سمع صحيح مسلم من زينب بنت كندى ، وسمع من اليونينى وغيره ، واجاز له ابو الفضل بن عساكر ، وابن القواس وحدث بالكثير وارتحلوا اليه ، واستدعاه التاج السبكى سنة ٧٧١ الى دمشق فقرأ عليه الصحيح. كان خيرا حسنا اخرجت له جزا توفى مناهز اللتسعين.

شذرات الذهب ٦ / ٢٥٠. انباء الغمر ١ / ١٠٩. الدرر الكامنة ١ / ٤٥٣.

٤

احمد بن محمد بن الحسين البناء.

لم أهتد الى ترجمته.

١٨

٥

عماد الدين اسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير بن زرع البصرى الدمشقى الشافعى المتوفى ٧٧٤.

الحافظ الكبير كان كثير الاستحضار قليل النسيان جيد الفهم يشارك فى العربية وينظم نظما وسطا ، قيل : فى حقه الامام المحدث المفتى البارع لازم الحافظ المزى ، وتزوج بابنته وسمع عليه اكثر تصانيفه ، وأخذ عن الشيخ تقى الدين ابن تيمية فاكثر عنه انتهت اليه رياسة العلم فى التاريخ والحديث والتفسير له مصنفات منها : التفسير الكبير. مختصر علوم الحديث لابن الصلاح. البداية والنهاية فى التاريخ. الفصول فى سيرة الرسول. جامع المسانيد جمع فيه أحاديث الكتب الستة والمسانيد الاربعة.

الدرر الكامنة ١ / ٣٧٣. النجوم الزاهرة ١١ / ١٢٣. شذرات الذهب ٦ / ٢٣١. البدر الطالع ١ / ١٥٣. الدارس فى اخبار المدارس ١ / ٣٦. ايضاح المكنون ٢ / ١٩٤.

٦

الحسن بن احمد بن هلال بن سعد بن فضل الله الصرخدى الصالحى المعروف بابن هبل الطحان المتوفى ٧٧٩.

سمع الفخر بن البخارى ، ومن التقى الواسطى ، واجازا له وسمع بنفسه ، من التقى سليمان ، واخيه ، وفاطمة بنت سليمان ، والدشتى ، وعثمان الحمصى ، وعيسى المغارى ، وغير هم وحدث بالكثير ورحل اليه الناس.

شذرات الذهب ٦ / ٢٦١.

٧

أبو هريرة عبد الرحمن بن الحافظ ابى عبد الله محمد بن احمد

١٩

ابن عثمان بن قايماز الذهبى الشافعى المتوفى ٧٩٩.

مسند الشام فى عصره ، احضره أبوه على وزيرة بنت المنجا ، والقاضى سليمان ، واسماعيل بن مكتوم ، وابن عبد الدايم ، واسمعه من عيسى المطعم ، وابن الشيرازى ، وابن مشرف ، والقسم بن عساكر ، واهل عصره فاكثر عنهم ، وكان صبورا على الاسماع محبا لاهل الحديث والروايات ويذاكر باشياء حسنة وام بجامع كفر بطناعدة سنين واضر بآخره وتفرد بكثير من الشيوخ والروايات.

شذرات الذهب ٦ / ٣٦٠. الدرر الكامنة ٣ / ٨٩٤. انباء الغمر ١ / ٥٣٦.

٨

جمال الدين ابو محمد عبد الرحيم بن الحسن بن على بن عمر ابن على بن ابراهيم القرشى الاموى الاسنوى المصرى الشافعى المتوفى ٧٧٢.

الامام العلامة منقح الالفاظ ومحقق المعانى ، ولد باسنا وقدم القاهرة وسمع الحديث واشتغل بانواع العلوم ، وأخذ الفقه والنحو والعلوم العقلية ، وغيرها وانتصب للاقراء والافادة ودرس التفسير بجامع (طولون) وولى وكالة بيت المال ثم الحسبة ثم تركها ، وعزل من الوكالة وتصدى للاشغال والتصنيف ، ذكره تلميذه سراج الدين بن الملقن فى (طبقات الفقهاء) فقال : شيخ الشافعية ومفتيهم ومصنفهم ومدرسهم ذو الفنون ، الاصول ، والفقه ، والعربية وغير ذلك ، تخرج به خلق كثير واكثر علماء الديار المصرية طلبته ، وكان حسن الشكل حسن التصنيف ، لين الجانب كثير الاحسان للطلبة ملازما للافادة والتصنيف من تصانيفه : كافى المحتاج فى شرح المنهاج. وتصحيح التنبيه. وطبقات الشافعية.

قال السيوطى : انتهت اليه رياسة الشافعية وصار المشار اليه بالديار المصرية وكان ناصحا فى التعليم مع البر والدين والتواضع والتودد ،

٢٠