كتاب سيبويه - ج ٢

أبو بشر عمرو بن عثمان [ سيبويه ]

كتاب سيبويه - ج ٢

المؤلف:

أبو بشر عمرو بن عثمان [ سيبويه ]


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٢٦

١
٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

[باب ما ينصرف وما لا ينصرف * هذا باب أفعل]

اعلم أن أفعل إذا كان صفة لم ينصرف في معرفة ولا نكرة وذلك لانها أشبهت الأفعال نحو أذهب وأعلم قلت فما باله لا ينصرف إذا كان صفة وهو نكرة ، فقال لأن الصفات أقرب الى الأفعال فاستثقلوا التنوين فيه ، كما استثقلوه في الأفعال ، وأرادوا أن يكون في الاستثقال كالفعل إذ كان مثله في البناء والزيادة وضارعه ، وذلك نحو أخضر ، وأحمر ، وأسود ، وأبيض ، وآدر ، فإذا حقّرت قلت : أخيضر ، وأحيمر فهو على حاله قبل أن تحقّره من قبل أنّ الزيادة التي أشبه بها الفعل مع البناء ثابتة وأشبه هذا من الفعل ما أميلح زيدا كما أشبه أحمر أذهب.

[باب أفعل اذا كان اسما ، وما أشبه الأفعال من الاسماء التي في أوائلها الزوائد]

فما كان من الأسماء أفعل فنحو أفكل ، وأزمل ، وأيدع ، وأربع لا تنصرف في المعرفة لأنّ المعارف أثقل وانصرفت في النكرة لبعدها من الأفعال ، وتركوا صرفها في المعرفة حيث أشبهت الفعل لثقل المعرفة عندهم ، وأما ما أشبه الأفعال سوى أفعل فمثل اليرمع واليعمل ، وهو جماع اليعملة ومثل أكلب ، وذلك أنّ يرمعا بمنزلة يذهب وأكلب بمنزلة أدخل ، ألا ترى أن العرب لم تصرف أعصر ولغة لبعض العرب يعصر لا يصرفونه أيضا وتصرف ذلك في النكرة لانه ليس بصفة.

٣

واعلم أنّ هذه الياء والألف لا تقع واحدة منهما في أوّل حرف رابعة الّا وهي زائدة ، ألا ترى أنه ليس اسم مثل أفكل يصرف وان لم يكن له فعل يتصرّف ، ومما يدلّك أنها زائدة كثرة دخولها على بنات الثلاثة وكذلك الياء أيضا ، وان لم تقل ذلك دخل عليك أن تصرف أفكلا وأن تجعل الشيء اذا جاء بمنزلة الرّجازة والرّبابة لأنه ليس له فعل بمنزلة القمطرة والهدملة فهذه الألف والياء تكثر زيادتها في بنات الثلاثة فهي زوائد حتى يجيء أمر يتبيّن ، نحو أولق فان أولقا انما الزيادة فيه الواو يدلّك على ذلك قد ألق ورجل مألوق ، ولو لم يتبيّن أمر أولق لكان عندنا أفعل لأنّ أفعل في الكلام أكثر من فوعل ، ولو جاء في الكلام شيء نحو أكلل وأيقق فسمّيت به رجلا صرفته لأنه لو كان أفعل لم يكن الحرف الاوّل الّا ساكنا مدغما ، وأما أوّل فهو أفعل ، يدلك على ذلك قولهم هو أوّل منه ومررت بأوّل منه.

ومما يترك صرفه لأنه يشبه الفعل ولا يجعل الحرف الأول منه زائدا الّا بثبت نحو تنضب فانما التاء زائدة لانه ليس في الكلام شيء على أربعة أحرف ليس أوله زيادة يكون على هذا البناء نحو ترتب وقد يقال أيضا ترتب فلا يصرف ، ومن قال ترتب صرف لأنه وان كان أوله زائدا فقد خرج من شبه الأفعال وكذلك التّدرأ وتقديرها التّدرّؤ فانما هو من درأت ، وكذلك التتّفل ، ويدلك على ذلك قول بعض العرب التّتفل وأنه ليس في الكلام كجعفر وكذلك رجل يسمّى تألب لأنه تفعل ويدلك على ذلك أنه يقال للحمار ألب يألب وهو طرده طريدته وانما قيل له تألب من ذلك ، وأما ما جاء مثل تولب ونهشل فهو عندنا من نفس الحرف مصروف حتى يجيء أمر يبيّنه وكذلك فعلت به العرب لأن حال التاء والنون في الزيادة ليس كحال الألف والياء لأنهما لم تكثرا في الكلام زائدتين ككثرتهما ، فان لم تقل ذلك دخل عليك أن لا تصرف نهشلا ونهسرا فهذا قول الخليل ويونس والعرب ، واذا سمّيت رجلا بإثمد لم تصرفه لانه يشبه إضرب ، واذا سمّيت رجلا باصبع لم تصرفه لأنه يشبه إصنع وإن سمّيته بأبلم لم تصرفه لأنه يشبه أقتل ، ولا تحتاج في هذا إلى ما تحتاج اليه في ترتب وأشباهها لأنها ألف ، وهذا قول الخليل ويونس ، وإنما صارت هذه الأسماء بهذه

٤

المنزلة لأنهم كأنّهم ليس أصل الاسماء عندهم على أن يكون في أوائلها الزوائد وتكون على هذا البناء ، ألا ترى أنّ تفعل ويفعل في الاسماء قليل وكان هذا البناء انما هو في الأصل للفعل فلما صار في موضع قد يستثقل فيه التنوين استثقلوا فيه ما استثقلوا فيما هو أولى بهذا البناء ، وإنما صارت أفعل في الصفات أكثر لمضارعة الصفة الفعل ، واذا سمّيت رجلا بفعل في أوله زائدة لم تصرفه نحو يزيد ، ويشكر ، وتغلب ، ويعمر ، وهذا النحو أحرى أن لا تصرفه ، وانما أقصى أمره أن يكون كتنضب ويرمع ، وجميع ما ذكرنا في هذا الباب ينصرف في النكرة قال من قبل أنّ أحمر كان وهو صفة قبل أن يكون اسما بمنزلة الفعل فإذا كان اسما ثم جعلته نكرة فإنما صيّرته الى حاله اذا كان صفة ، وأما يزيد فانك لمّا جعلته اسما في حال يستثقل فيها التنوين استثقل فيه ما كان استثقل فيه قبل أن يكون اسما فلمّا صيّرته نكرة لم يرجع الى حاله قبل أن يكون اسما وأحمر لم يزل اسما ، واذا سمّيت رجلا باضرب أو أقتل أو إذهب لم تصرفها وقطعت الألفات حتى يصير بمنزلة الأسماء لأنك قد غيّرتها عن تلك الحال ، ألا ترى أنك ترفعها وتنصبها الّا أنك استثقلت فيها التنوين كما استثقلته في الأسماء التى تشبهها بها نحو إثمد وإصبع وأبلم فانما أضعف أمرها أن تصير الى هذا ، وليس شيء من هذه الحروف بمنزلة امرىء لأن ألف امرىء كأنّك أدخلتها حين أسكنت الميم على مرء ومرء ومرء فلمّا أدخلت الألف على هذا الاسم حين أسكنت الميم تركت الألف وصلا كما تركت ألف إبن وكما تركت ألف إضرب في الأمر ، فاذا سمّيت بامرىء رجلا تركته على حاله لانك نقلته من اسم الى اسم وصرفته لأنه لا يشبه لفظه لفظ الفعل تقول امرؤ وامرىء وامرءا وليس شيء من الفعل هكذا واذا جعلت إضرب أو أقتل اسما لم يكن له بدّ من أن تجعلها كالأسماء لأنك نقلت فعلا الى اسم ولو سمّيته انطلاقا لم تقطع الالف لأنك نقلت اسما إلى اسم.

واعلم أن كلّ اسم كانت في أوله زائدة ولم يكن على مثال الفعل فانه مصروف ، وذلك نحو إصليت وأسلوب وينبوت وتعضوض ، وكذلك هذا المثال اذا اشتققته من الفعل نحو يضروب وإضريب وتضريب لأن ذا ليس بفعل وليس باسم على مثال

٥

الفعل ، ألا ترى أنك تصرف يربوعا فلو كان يضروب بمنزلة يضرب لم تصرفه ، وإن سمّيت رجلا هراق لم تصرفه لأن هذه الهاء بمنزلة الألف زائدة وكذلك هرق بمنزلة أقم ، وإذا سمّيت رجلا بتفاعل نحو تضارب ثم حقّرته فقلت تضيرب لم تصرفه لانه يصير بمنزلة قولك في تغلب ويخرج الى ما لا ينصرف كما تخرج هند في التحقير اذا قلت هنيدة الى ما لا ينصرف البتّة في جميع اللغات ، وكذلك أجادل اسم رجل اذا حقّرته لأنه يصير أجيدل مثل أميلح ، وإن سمّيت رجلا بهرق قلت هذا هريق قد جاء لا تصرف.

[باب ما كان من أفعل صفة في بعض اللغات واسما في أكثر الكلام]

وذلك أجدل وأخيل وأفعى ، فأجود ذلك أن يكون هذا النحو اسما ، وقد جعله بعضهم صفة وذلك لأن الجدل شدة الخلق فصار أجدل عندهم بمنزلة شديد ، وأما أخيل فجعلوه من أخيل من الخيلان للونه وهو طائر أخضر وعلى جناحه لمعة سوداء مخالفة للونه وعلى هذا المثال جاء أفعى كأنه صار عندهم صفة وان لم يكن له فعل ولا مصدر ، وأما أدهم اذا عنيت القيد والأسود اذا عنيت الحيّة والأرقم اذا عنيت الحية فانك لا تصرفه في معرفة ولا نكرة ولم تختلف في ذلك العرب فان قال قائل أصرف هذا لأني أقول أداهم وأراقم فانت تقول الأبطح والأباطح وأجارع وأبارق وانما الأبرق صفة ، وانما قيل أبرق لأن فيه حمرة وبياضا وسوادا كما قالوا تيس أبرق حين كان فيه سواد وبياض ، وكذلك الأبطح انما هو المكان المنبطح من الوادي وكذلك الأجرع انما هو المكان المستوي من الرمل المتمّكن ، ويقال مكان جرع ولكن الصفة ربما كثرت في كلامهم واستعملت وأوقعت مواقع الأسماء حتى يستغنوا بها عن الاسماء كما تقول الأبغث وانما هو من البغثة وهو لون ، ومما يقوّى أنه صفة قولهم بطحاء وجرعاء وبرقاء فجعلوا مؤنّثه كمؤنّث أحمر.

[باب أفعل منك]

اعلم أنك انما تركت صرف أفعل منك لأنه صفة فان سميت رجلا بأفعل هذا

٦

بغير منك صرفته في النكرة وذلك نحو أحمد وأصغر وأكبر لأنك لا تقول هذا رجل أصغر ولا هذا أفضل وانما يكون هذا صفة بمنك فان سمّيته أفضل منك لم تصرفه على حال ، وأمّا أجمع وأكتع فاذا سمّيت رجلا بواحد منهما لم تصرفه في المعرفة وصرفته في النكرة وليس واحد منهما في قولك مررت به أجمع أكتع بمنزلة أحمر لأن أحمر صفة للنكرة وأجمع وأكتع انما وصفت به معرفة فلم ينصرفا لأنهما معرفة فأجمع هيهنا بمنزلة كلّهم.

[باب ما ينصرف من الأمثلة وما لا ينصرف]

تقول كلّ أفعل يكون وصفا لا تصرفه في معرفة ولا نكرة وكلّ أفعل يكون اسما تصرفه في النكرة ، قلت فكيف تصرفه وقد قلت لا أصرفه ، قال لأن هذا بناء يمثّل به فزعمت أن هذا المثال ما كان عليه من الوصف لم يجرفان كان اسما وليس بوصف جرى ، ونظير ذلك قولك كلّ أفعل أردت به الفعل نصب أبدا ، فانما زعمت أن هذا البناء يكون في الكلام على وجوه وكان أفعل اسما فكذلك منزلة أفعل في المسئلة الاولى ولو لم تصرفه ثمّ لتركت أفعل هيهنا نصبا فانما أفعل هيهنا اسم بمنزلة أفكل ، ألا ترى أنك تقول اذا كان هذا البناء وصفا لم أصرفه وتقول أفعل اذا كان وصفا لم أصرفه فانما تركت صرفه هيهنا كما تركت صرف أفكل إذا كان معرفة ، وتقول اذا قلت هذا رجل أفعل لم ينصرف على حال وذلك لأنك مثّلت به الوصف خاصّة فصار كقولك كلّ أفعل زيد نصب أبدا لأنك مثّلت به الفعل خاصّة ، قلت فلم لا يجوز أن تقول كلّ أفعل في الكلام لا أصرفه اذا أردت الذي مثّلت به الوصف كما أقول كلّ آدم في الكلام لا أصرفه ، فقال لا يجوز هذا لأنه لم يستقرّ أفعل في الكلام صفة بمنزلة آدم فانما هو مثال ألا ترى أنك لو سمّيت رجلا بأفعل صرفته في النكرة لان قولك أفعل لا يوصف به شيء وانما تمثّل به ، وانما تركت التنوين فيه حين مثّلت به الوصف كما نصبت أفعلا حين مثّلت به الفعل وأفعل لا يعرف في الكلام فعلا مستعملا فقولك هذا رجل أفعل بمنزلة قولك أفعل زيد فاذا لم تذكر الموصوف صار بمنزلة أفعل اذا لم يعمل في اسم مظهر ولا مضمر ، قلت فما يمنعه أن يقول كلّ أفعل يكون صفة لا أصرفه يريد الذي مثّلت به الوصف

٧

فقال هذا بمنزلة الذي ذكرنا قبله لو جاز هذا لكان أفعل وصفا ثابتا في الكلام غير مثال ولم يكن يحتاج الى أن يقول يكون صفة ولكنه يقول لأنه صفة كما أنك اذا قلت لا تصرف كلّ آدم في الكلام قلت لأنه صفة ولا تقول أردت به الصفة فيرى المخاطب أن آدم يكون غير صفة لأن آدم الصفة بعينها ، وكذلك قولك هذا رجل فعلان يكون على وجهين لأنك تقول هذا ان كان عليه وصف له فعلى لم ينصرف وان لم يكن له فعلى انصرف وليس فعلان هنا بوصف مستعمل في الكلام له فعلى ولكنه هاهنا بمنزلة أفعل في قولك كلّ أفعل كان صفة فأمره كذا وكذا ، ومثله كلّ فعلان كان صفة وكانت له فعلى لم ينصرف ، وقولك كانت له فعلى وكان صفة يدلّك على أنه مثال ، وتقول كلّ فعلى أو فعلى ، كانت ألفها لغير التأنيث انصرف ، وان كانت الألف جاءت للتأنيث لم ينصرف ، وان شئت صرفت وجعلت الألف لغير التأنيث ، وتقول اذا قلت هذا رجل فعنلى نوّنت لأنك مثّلت به وصف المذكّر خاصّة مثل حبنطى ولا يكون الا منوّنا ألا ترى أنك تقول هذا رجل حبنطى يا هذا ، فعلى هذا جرى هذا الباب ، وتقول كلّ فعلى في الكلام لا ينصرف وكلّ فعلاء في الكلام لا ينصرف لأن هذا المثال لا ينصرف في الكلام البتّة كما أنك تقول هذا رجل أفعل فلا ينصرف لأنك مثّلته بما لا ينصرف وهي الصفة فأفعل صفة كفعلاء.

[باب ما ينصرف من الأفعال اذا سمّيت به رجلا]

زعم يونس أنك اذا سمّيت رجلا بضارب من قولك ضارب وأنت تأمر فهو مصروف وكذلك إن سمّيته ضارب وكذلك ضرب وهو قول الخليل وأبي عمرو وذلك لأنها حيث صارت اسما وصارت في موضع الاسم المجرور والمنصوب والمرفوع ولم تجيء في أوائلها الزوائد التي ليس في الأصل عندهم أن تكون في أوائل الاسماء اذا كانت على بناء الفعل غلبت الاسماء عليها اذا أشبهتها في البناء وصارت أوائلها الاوائل التي هي في الاصل للاسماء فصارت بمنزلة ضارب الذى هو اسم وبمنزلة حجر وتابل كما أن يزيد وتغلب يصيران بمنزلة تنضب ويعمل اذا صارت اسما ، وأمّا عيسى فكان لا يصرف ذلك وهو خلاف قول العرب ، سمعناهم يصرفون الرجل يسمّى كعسبا وانما هو فعل من الكعسبة وهو

٨

العدو الشديد مع تدانى الخطا ، والعرب تنشد هذا البيت لسحيم بن وثيل اليربوعي [وهو من بني رياح بن يربوع] : [وافر]

(١) أنا ابن جلا وطلّاع الثّنايا

متى أضع العمامة تعرفوني

ولا نراه على قول عيسى ولكنه على الحكاية كما قال : [طويل]

بني شاب قرناها تصرّ وتحلب

كأنه قال أنا ابن الذي جلا ، فان سمّيت رجلا ضرّب أو ضرّب لم تصرف ، فأما فعّل فهو مصروف ودحرج ودحرج لا تصرفه لانه لا يشبه الاسماء ، وأنشد الأخفش في ضرّب (لكثير) :

(٢) سقى الله أمواها عرفت مكانها

جرابا وملكوما وبذّر والغمرا

ولا يصرفون خضّم وهو اسم العنبر بن عمرو بن تميم ، فان حقّرت هذه الأسماء صرفتها

__________________

(١) الشاهد في امتناع جلا من التنوين لانه نوي فيه الفاعل مضمرا فحكاه لانه جملة ، ولو جعله اسما مفردا لصرفه لأن نظيره في الاسماء موجود ، وعيسى بن عمر يرى أن لا يصرف شيئا من الفعل اذا سمى به وافق أسماء الاجناس أو لم يوافق ، واحتج بهذا البيت وهو عند سيبويه محمول على الحكاية كما تقدم ، والمعنى انا ابن المشهور بالكرم الذي يقال له جلا كرمه وتبين فضله ، والثنايا جمع ثنية وهي الطريق في الجبل ، ويقال لكل مضطلع بالشدائد راكب لصعاب الامور هو طلاع الثنايا وطلاع أنجد ، والنجد الطريق في الجبل أيضا ، وقوله متى أضع العمامة تعرفوني أي اذا حسرت اللثام للكلام أعربت عن نسفى فعرفتموني بما كان يبلغكم عنى.

(٢) الشاهد في ترك صرف بذر وهو اسم ماء لموافقته من ابنية الافعال ما لا نظير له في الاسماء لان فعل بناء مختص به الفعل ولا يحتج ببقم لانه أعجمي معرب ولا بشلم «اسم بيت المقدس» لانه أعجمي أيضا معرفة والمعارف فروع داخلة على النكرات مر الاجناس ولا بخضم لأنه لقب معرفة سمي به العنبر بن عمرو بن تميم لكثرة أكله ونصب جرابا وما بعده على البدل من الأمواه لأنها كلها اسماء مياه ، ودعا بالسقي للامواه وهو يريد أهلها النازلين بها اتساعا ومجازا.

٩

لأنها تشبه الأسماء فيصير ضارب وضارب ونحوهما بمنزلة ساعد وخاتم ، فكلّ اسم يسمّى بشيء من الفعل ليست في أوّله زيادة وله مثال في الاسماء انصرف فان سمّيته باسم في أوله زيادة وأشبه الأفعال لم ينصرف فهذه جملة هذا كلّه ، وإن سمّيت رجلا ببقّم أو شلّم «وهو بيت المقدس» لم تصرفه البتّة لأنه ليس في العربيّة اسم على هذا البناء ولأنه أشبه فعلا فهو لا ينصرف اذا صار اسما لانه ليس له نظير في الأسماء لأنه جاء على بناء الفعل الذي انما هو في الاصل للفعل لا للاسماء فاستثقل فيه ما يستثقل في الافعال ، فان حقّرته صرفته وان سمّيت رجلا ضربوا فيمن قال «أكلوني البراغيث» قلت هذا ضربون قد أقبل تلحق النون كما تلحقها في اولي لو سمّيت بها رجلا من قوله عزوجل (أولي أجنحة) ومن قال هذا مسلمون في اسم رجل قال هذا ضربون ورأيت ضربين وكذلك يضربون في هذا القول ، فان جعلت النون حرف الاعراب فيمن قال هذا مسلمين قلت هذا ضربين قد جاء ، ولو سمّيت رجلا مسلمين على هذه اللغة لقلت هذا مسلمين صرفت وأبدلت مكان الواو ياء لأنها قد صارت بمنزلة الاسماء وصرت كأنك سميته بمثل يبرين ، وإنما فعلت هذا بهذا حين لم يكن علامة للاضمار وكان علامة للجمع كما فعلت ذلك بضربت حين كانت علامة للتأنيث فقلت هذا ضربة قد جاء ، وتجعل التاء هاء لأنها قد دخلت في الاسماء حين قلت هذه ضربه فوقفت اذا كانت بعد حرف متحرّك قلبت التاء هاء حين كانت علامة للتأنيث ، وان سمّيت بضربا في هذا القول ألحقت النون وجعلته بمنزلة رجل سمّى برجلين ، وإنما كففت النون في الفعل لأنّك حين ثنّيت وكانت الفتحة لازمة للواحد حذفت أيضا في الاثنين النون ووافق الفتح في ذاك النصب في اللفظ فكان حذف النون نظير الفتح كما كان الكسر في هيهات نظير الفتح في هيهاة ، وان سمّيت رجلا بضربن أو يضربن لم تصرفه في هذا لأنه ليس مثله في الاسماء لأنك إن جعلت النون علامة للجمع فليس في الكلام مثل جعفر فلا تصرفه وان جعلته علامة للفاعلات حكيته فهو في كلا القولين لا ينصرف.

[باب ما لحقته الألف في آخره فمنعه ذلك من الانصراف في النكرة والمعرفة وما] «لحقته الألف فانصرف في النكرة ولم تصرفه في المعرفة»

أمّا ما لا ينصرف فيهما فنحو حبلى وحبارى وجمزى ودفلى وشروى وغضبى ،

١٠

وذاك أنهم أرادوا أن يفرقوا بين الالف التي تكون بدلا من الحرف الذي هو من نفس الكلمة والالف التي تلحق ما كان من بنات الثلاثة ببنات الأربعة ، وبين هذه الالف التي تجيء للتأنيث ، فأما ذفرى فقد اختلفت العرب فقالوا هذه ذفرى أسيلة فنوّنوا وهي أقلّهما ، وقالوا ذفرى أسيلة ، وذلك أنهم أرادوا أن يجعلوها ألف تأنيث فأمّا من نوّن جعلها ملحقة بهجرع كما أن واو جدول بتلك المنزلة ، وكذلك تترى فيها لغتان ، وأما معزى فليس فيها الّا لغة واحدة تنوّن في النكرة ، وكذلك الأرطي كلّهم يصرف ، وتذكيره مما يقوّيك على هذا التفسير ، وكذلك العلقى لأنهم اذا أنّثوا قالوا علقاة ، وأرطاة ، لأنهما ليستا ألفي تأنيث ، وقالوا بهمى واحدة لأنها ألف تأنيث وبهمى جميع ، وحبنطى بهذه المنزلة انما جاءت ملحقة بجحنفل وكينونته وصفا للمذكّر يدلّك على أن هذه الالف ليست للتأنيث ، وكذلك قبعشرى لانك لم تلحق هذه الالف للتأنيث ، ألا ترى أنك تقول قبعثراة وانما هي زيادة لحقت بنات الخمسة ، كما لحقتها الياء في دردبيس وبعض العرب يؤنّث العلقى فينزّلها بمنزلة البهمى فيجعل الألف للتأنيث ، قال رؤبة : [رجز]

(٣) ـ * يستنّ في علقى وفي مكور*

فلم ينوّنه ، وانما منعهم من صرف دفلي وشروي ونحوهما في المعرفة والنكرة أن ألفهما حرف يكسّر عليه الاسم اذا قلت حبالى ، ولا تدخل في التأنيث لمعنى يخرج منه ولا تلحق به أبدا بناء ببناء كما فعلوا ذلك بنون رعشن وتاء سنبتة وعفريت ، ألا ترى أنهم قالوا جمزى فبنوا عليها الحرف فتوالت فيه ثلاث حركات وليس شيء يكون فيه الالف لغير التأنيث نحو نون رعشن توالى فيه ثلاث حركات مما عدّته أربعة أحرف

__________________

(٣) الشاهد فيه ترك صرف علقى لأن في آخره ألف التأنيث ويجوز صرفه على أن تكون الالف للالحاق وتؤنث واحدته بالهاء فيقال علقاة وكل سمع من العرب * وصف ثورا يرتعي في ضروب من الشجر ، والعلقي والمكور ضربان من الشجر ، ومعنى يستن يرتعي وسن الماشية رعيها وأصله أن يقام عليها حتى تسمن ، وتملاس جلودها فتكون كأنها قد سنت وصقلت كما يسن الحديد.

١١

لأنها ليست من الحروف التى تلحق بناء ببناء وإنما تدخل لمعنى فلمّا بعدت من حروف الأصل تركوا صرفها كما تركوا صرف مساجد حيث كسّروا هذا البناء لمعنى لا يكون للواحد ولا تتوالى فيه ثلاث حركات.

[باب ما لحقته ألف التأنيث بعد ألف فمنعه ذلك من الانصراف في النكرة والمعرفة]

وذلك نحو حمراء ، وصفراء ، وخضراء ، وصحراء ، وطرفاء ، ونفساء ، وعشراء وقوباء وفقهاء وسابياء ، وحاوياء ، وكبرياء ، ومنه عاشوراء ، ومنه أيضا أصدقاء ، وأصفياء ، ومنه زمكّاء ، وبروكاء ، وبراكاء ، ودبوقاء ، وخنفساء وعنظباء ، وعقرباء ، وزكريّاء ، فقد جاءت في هذه الأبنية كلّها للتأنيث والألف اذا كانت بعد ألف مثلها اذا كانت وحدها الّا أنك همزت الآخرة للتحرّك لانه لا ينجزم حرفان فصارت الهمزة التي هي بدل من الألف بمنزلة الالف لو لم تبدل وجرى عليها ما كان يجري عليها اذا كانت ثابتة كما صارت الهاء في هراق بمنزلة الالف.

واعلم أن الالفين لا تزادان أبدا الّا للتأنيث ولا تزادان أبدا لتلحقا بنات الثلاثة بسرداح ونحوها ، ألا ترى أنك لم تر قط فعلاء مصروفة ولم تر شيئا من بنات الثلاثة فيه ألفان زائدتان مصروفا ، فان قلت ما بال علباء وحرباء فانّ هذه الهمزة التي بعد الألف انما هي بدل من ياء كالياء التي في درحاية وأشباهها فانما جاءت هاتان الزيادتان هنا لتلحقا علباء وحرباء بسرداح وسربال ، ألا ترى أن هذه الالف والياء لا تلحقان اسما فيكون أوّله مفتوحا لأنه ليس في الكلام مثل سرداح ولا سربال ، وانما تلحقان لتجعلا بنات الثلاثة على هذا المثال والبناء فصارت هذه الياء بمنزلة ياء هي من نفس الحرف ولا تلحق ألفان للتأنيث شيئا فتلحقا هذا البناء به ، ولا تلحق ألفان للتأنيث شيئا على ثلاثة أحرف وأول الاسم مضموم أو مكسور ، وذلك لأن هذه الياء والألف انما تلحقان لتلبغا بنات الثلاثة بسرداح وقسطاس ، لا تزادان هيهنا الّا لهذا فلم تشركهما الألفان اللتان للتأنيث كما لم تشركا الألفين في مواضعهما وصار هذا الموضع ليس من المواضع التي تلحق فيها الالفان اللّتان للتأنيث وصار لهما اذا جاءتا للتأنيث أبنية لا تلحق فيها الياء بعد الالف يعنى الهمزة فكذلك لم تلحقا في المواضع التي تلحق فيها الياء بعد الألف ،

١٢

واعلم أن من العرب من يقول هذا قوباء كما ترى وذلك أنهم أرادوا أن يلحقوه بباب قسطاس والتذكير يدلّك على ذلك والصرف ، وأمّا غوغاء فمن العرب من يجعلها بمنزلة عوراء فيؤنّث ولا يصرف ، ومنهم من يجعلها بمنزلة قضقاض فيذكّر ويصرف ويجعل الغين والواو مضاعفتين بمنزلة القاف والضاد ولا يجيء على هذا البناء الّا ما كان مرددا والواحدة غوغاء.

[باب ما لحقته نون بعد ألف فلم ينصرف في معرفة ولا نكرة]

وذلك نحو عطشان وسكران وعجلان وأشباهها وذلك أنهم جعلوا النون حيث جاءت بعد ألف كألف حمراء لأنها على مثالها في عدّة الحروف والتحرك والسكون وهاتان الزائدتان قد اختصّ بهما المذكّر ولا تلحقه علامة التأنيث كما أن حمراء لم تؤنّث على بناء المذكّر ولمؤنّث سكران بناء على حدة كما كان لمذكّر حمراء بناء على حدة فلمّا ضارع فعلاء هذه المضارعة وأشبهها فيما ذكرت لك أجرى مجراها.

[باب ما لا ينصرف في المعرفة مما ليست نونه بمنزلة الالف التي في نحو بشرى وما أشبهها]

وذلك كلّ نون لا يكون في مؤنّثها فعلى وهى زائدة وذلك نحو عريان وسرحان وإنسان ، يدلّك على زيادته سراح فإنما أرادوا حيث قالوا سرحان ، أن يبلغوا به باب سرداح كما أرادوا أن يبلغوا بمعزى باب هجرع ، ومن ذلك ضبعان يدلك على زيادته قولك الضّبع والضباع وأشباه هذا كثير ، وانما تعتبر أزائدة هي أم غير زائدة بالفعل أو الجمع أو مصدر أو مؤنّث نحو الضّبع وأشباه ذلك ، وإنما دعاهم الى أن لا يصرفوا هذا في المعرفة أنّ آخره كآخر ما لا ينصرف في معرفة ولا نكرة فجعلوه بمنزلته في المعرفة كما جعلوا أفكلا بمنزلة ما لا يدخله التنوين في معرفة ولا نكرة وذلك أفعل صفة لأنه بمنزلة الفعل ، وكان هذه النون بعد الألف في الأصل لباب فعلان الذي له فعلى ، كما كان بناء أفعل في الأصل للأفعال فلمّا صار هذا الذي ينصرف في النكرة في موضع يستثقل فيه التنوين جعلوه بمنزلة ما هذه الزيادة له في الأصل ، فاذا حقّرت سرحان اسم رجل فقلت سريحين صرفته لأن آخره الآن لا يشبه آخر غضبان لأنك تقول في تصغير غضبان غضيبان ، ويصير بمنزلة غسلين وسنين فيمن قال هذه سنين ، كما ترى ولو

١٣

كنت تدع صرف كلّ نون زائدة لتركت صرف رعشن ولكنك إنما تدع صرف ما آخره كآخر غضبان كما تدع صرف ما كان على مثال الفعل اذا كانت الزيادة في أوله ، فاذا قلت إصليت صرفته لأنه لا يشبه الافعال فكذلك صرفت هذا لأن آخره لا يشبه آخر غضبان اذا صغّرته ، وهذا قول أبي عمرو والخليل ويونس.

واذا سمّيت رجلا طحّان أو سمّان من السّمن أو تبان من التّبن صرفته في المعرفة والنكرة لأنها نون من نفس الحرف وهي بمنزلة دال حمّاد ، وسألته عن رجل يسمّى دهقان فقال إن سمّيته من التّدهقن فهو مصروف وكذلك شيطان إن أخذته من التّشيطن والنون عندنا في مثل هذا من نفس الحرف اذا كان له فعل تثبت فيه النون ، وان جعلت دهقان من الدّهق وشيطان من شيّط لم تصرفه ، وسألت الخليل عن رجل يسمّى مرّانا فقال أصرفه لأن المرّان انما سمي للينه فهو فعّال كما يسمّى الحمّاض لحموضته ، وانما المرانة اللّين ، وسألته عن رجل يسمّى فينانا فقال مصروف لانه فيعال وانما يريد أن يقول لشعره فنون كأفنان الشجر ، وسألته عن ديوان فقال بمنزلة قيراط لأنه من دوّنت ومن قال ديوان فهو بمنزلة بيطار وسألته عن رمّان فقال لا أصرفه وأحمله على الأكثر اذا لم يكن له معنى يعرف ، وسألته عن سعدان والمرجان فقال لا أشكّ في أن هذه النون زائدة لأنه ليس في الكلام مثل سرداح ولا فعلال الا مضعّفا وتفسيره كتفسير عريان وقصّته كقصّته فلو جاء شىء في مثال جنجان لكانت النون عندنا بمنزلة نون مرّان الا أن يجىء أمر مبيّن أو يكثر في كلامهم فيدعوا صرفه فيعلم أنهم جعلوها زائدة كما قالوا غوغاء فجعلوها بمنزلة عوراء ، فلمّا لم يريدوا ذلك وأرادوا أن لا يجعلوا النون زائدة صرفوا كما أنه لو كان خضخاض لصرفته وقلت ضاعفوا هذه النون يعني في جنجان ، فان سمعناهم لم يصرفوا قلنا لم يريدوا ذلك يعنى التضعيف وأرادوا نونا زائدة يعني في جنجان ، واذا سمّيت رجلا حبنطي أو علقي لم تصرفه في المعرفة وترك الصرف فيه كترك الصرف في عريان وقصّته كقصّته ، وأمّا علباء وحرباء اسم رجل فمصروف في المعرفة والنكرة ، من قبل أنه ليست بعد هذه الألف نون فيشبّه آخره بآخر غضبان كما شبّه آخر علقي بآخر شروى ، ولا يشبه آخر حمراء لأنه بدل من حرف لا يؤنّث

١٤

به كالألف وينصرف على كلّ حال فجرى عليه ما جرى على ذلك الحرف وذلك الحرف بمنزلة الياء والواو اللّتين من نفس الحرف ، وسألته عن تحقير علقي اسم رجل فقال أصرفه كما صرفت سرحان حين حقّرته لأن آخره حينئذ لا يشبه آخر ذفرى ، وأما معزى اسم رجل فلا يصرف إذا حقّرتها من أجل التأنيث ، ومن العرب من يؤنّث علقي فلا ينوّن ، وزعموا أن ناسا يذكرون معزّى ، زعم أبو الخطّاب أنه سمعهم يقولون [هزج]

(٤) ومعزى هدبا يعلو

قران الأرض سودانا

[باب هاآت التأنيث]

اعلم أن كلّ هاء كانت في اسم للتأنيث فان ذلك الاسم لا ينصرف في المعرفة وينصرف في النكرة ، قلت فما باله انصرف في النكرة وانما هذه للتأنيث هلّا ترك صرفه في النكرة كما ترك صرف ما فيه ألف التأنيث ، قال من قبل أن الهاء ليست عندهم في الاسم وانما هي بمنزلة اسم ضمّ الى اسم فجعلا اسما واحدا نحو حضر موت ، ألا ترى أن العرب تقول في حبارى حبير وفي جحجبى جحيجب ، ولا يقولون في دجاجة الادجيجة ، ولا في قرقرة الاقريقرة كما يقولون في حضر موت حضير موت ، وفي خمسة عشر خميسة عشر فجعلت هذه الهاء بمنزلة هذه الأشياء ، ويدلّك على أن الهاء بهذه المنزلة أنها لم تلحق بنات الثلاثة ببنات الاربعة قط ولا الاربعة بالخمسة لأنها بمنزلة عشر وموت وكرب في معد يكرب ، وإنما تلحق بناء المذكر ولا يبنى عليها الاسم كالالف ولم يصرفوها في المعرفة كما لم يصرفوا معد يكرب ونحوه ، وسابيّن ذلك إن شاء الله.

[باب ما ينصرف في المذكر البتة مما ليس في آخره حرف التأنيث]

كلّ اسم مذكّر سمّى بثلاثة أحرف ليس فيه حرف التأنيث فهو مصروف كائنا ما كان أعجميّا أو عربيا أو مؤنّثا إلّا فعل مشتقّا من الفعل أو يكون في أوله زيادة

__________________

(٤) الشاهد فيه تنوين معزى لأنه مذكر وألفه للالحاق بهجرع ونحوه ولذلك وصفه بقوله هدبا وهو الكثير الهدب يعني الشعر ، والقران جمع قرن وهو المشرف من الأرض وقال سودانا فجمع لأن المعزى اسم واحد كأنه يؤدي عن جمع فحمل على المعنى.

١٥

فيكون كيجد ويضع أو يكون كضرب لا يشبه الأسماء ، وذلك أنّ المذكر أشدّ تمكّنا فلذلك كان أحمل للتنوين فاحتمل ذلك فيما كان على ثلاثة أحرف لأنه ليس شىء من الأبنية أقلّ حروفا منه فاحتمل التنوين لخفّته ولتمكنه في الكلام ، ولو سمّيت رجلا قدما أو حشا صرفته فان حقّرته قلت قد يم فهو مصروف وذلك لاستخفافهم هذا التحقير كما استخفّوا الثلاثة لأن هذا لا يكون إلا تحقير أقلّ العدد وليس محقّر أقلّ حروفا منه فصار كغير المقّحر الذي هو أقلّ ما كان غير محقّر حروفا ، وهذا قول العرب والخليل ويونس.

واعلم أن كلّ اسم لا ينصرف فان الجرّ يدخله اذا أضفته أو أدخلت عليه الألف واللام ، وذلك أنهم أمنوا التنوين وأجروه مجرى الأسماء ، وقد أوضحته في أوّل الكتاب بأكثر من هذا ، وإن سمّيت رجلا ببنت أو أخت صرفته لأنك بنيت الاسم على هذه التاء وألحقتها ببناء الثلاثة كما ألحقوا سنبتة بالأربعة ، ولو كانت كالهاء لما أسكنوا الحرف الذى قبلها ، فانما هذه التاء فيها كتاء عفريت ، ولو كانت كألف التأنيث لم ينصرف في النكرة وليست كالهاء لما ذكرت لك وانما هذه زيادة في الاسم بنى عليها وانصرف في المعرفة ، ولو أن الهاء التى في دجاجة كهذه التاء انصرف في المعرفة ، وان سميت رجلا بهنه وكانت في الوصل هنت قلت هنة يافتى تحرّك النون وتثبت الهاء لأنك لم ترمختصا متمكنا على هذه الحال التي تكون عليها هنة قبل أن تكون اسما ، تسكن النون في الوصل وذا قليل ، فاذا حوّلته الى الاسم لزمه القياس ، وان سمّيت رجلا ضربت قلت هذا ضربه لا تحرّك ما قبل هذه التاء فتوالى أربع حركات وليس هذا في الأسماء فتجعلها هاء وتحملها على ما فيه هاء التأنيث.

[باب فعل]

اعلم أن كلّ فعل كان أسما معروفا في الكلام أو صفة فهو مصروف فالأسماء نحو صرد وجعل وثقب وحفر اذا أردت جماع الحفرة والثّقبة ، وأما الصفات فنحو قولك هذا رجل حطم ، قال الحطم القيسى :

(٥) * قد لفّها الليل بسوّاق حطم*

__________________

(٥) الشاهد فيه نعت سوّاق بحطم لانه نكرة مثله وليس بمعدول عن حاطم لان فعل لا يعدل عن فاعل الا في باب المعرفة نحر عمر وزفر والحطم الشديد السوق للابل كأنه يحطم ما مر عليه لشدة سوقه * وصف ابلا يحدوها وبعده * ليس براعي ابل ولا غنم*.

١٦

فانما صرفت ما ذكرت لك لأنه ليس باسم يشبه الفعل الذي في أوله زيادة وليست في آخره زيادة تأنيث وليس بفعل لا نظير له في الأسماء فصار ما كان منه اسما ولم يكن جمعا بمنزلة حجر ونحوه وصار ما كان منه جمعا بمنزلة كسر وإبر ، وأمّا ما كان صفة فصار بمنزلة قولك هذا رجل عميل اذا أردت معنى كثير العمل ، وأمّا عمر وزفر فانما منعهم من صرفهما وأشباههما أنهما ليسا كشىء مما ذكرنا وإنما هما محدودان عن البناء الذي هو أولى بهما وهو بناؤهما في الأصل فلمّا خالفا بناءهما في الأصل تركوا صرفهما وذلك نحو عامر وزافر ، ولا يجىء عمر وأشباهه محدودا عن البناء الذي هو أولى به إلا وذلك البناء معرفة ، كذلك جرى في هذا الكلام ، فان قلت عمر آخر صرفته لأنه نكرة فتحوّل عن موضع عامر معرفة وإن حقّرته صرفته لان فعيلا لا يقع في كلامهم محدودا عن فويعل وأشباهه كما لم يقع فعل نكرة محدودا عن عامر فصار تحقيره كتحقير عمر وكما صارت نكرته كصرد وأشباهه ، وهذا قول الخليل ، وزحل معدول في حالة اذا أردت اسم الكوكب فلا ينصرف ، وسألته عن جمع وكتع فقال هما معرفة بمنزلة كلّهم وهما معدولتان عن جمع جمعاء وجمع كتعاءوهما منصرفان في النكرة ؛ وسألته عن صغر من قوله الصّغرى وصغر فقال أصرف هذا في المعرفة لانه بمنزلة ثقبة وثقب ولم يشبّه بشيء محدود عن وجهه ، قلت فما بال أخر لا ينصرف في معرفة ولا نكرة فقال لان أخر خالفت أخواتها وأصلها ، وانما هي بمنزلة الطّول والوسط والكبر لا يكنّ صفة إلّا وفيهن ألف ولام فيوصف بهن المعرفة ، ألا ترى أنك لا تقول نسوة صغر ولا هؤلاء نسوة وسط ولا تقول هؤلاء قوم أصاغر فلما خالفت الاصل وجاءت صفة بغير الالف واللام تركوا صرفها كما تركوا صرف لكع حين أرادوا يا ألكع وفسق حين أرادوا يا فاسق ، وترك الصرف في فسق هنا لانه لا يتمكّن بمنزلة يا رجل للعدل ، فان حقّرت أخر اسم رجل صرفته لان فعيلا لا يكون بناء لمحدود عن وجهه فلمّا حقرت غيّرت البناء الذي جاء محدودا عن وجهه ، وسألته عن أحاد وثناء ومثنى وثلاث ورباع فقال هو بمنزلة أخر إنما حدّه واحدا واحدا واثنين اثنين فجاء محدودا عن وجهه فترك صرفه ، قلت أفتصرفه في النكرة قال لا لانه نكرة يوصف به نكرة ، وقال لي قال أبو عمرو

١٧

أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع صفة ، كأنك قلت أولى أجنحة اثنين اثنين وثلاثة ثلاثة وتصديق قول أبي عمرو قول ساعدة بن جؤيّة : [طويل]

(٦) وعاودنى ديني فبتّ كأنّما

خلال ضلوع الصدر شرع ممدّد

ثم قال ولكنّما أهلي بواد أنيسه

ذئاب تبغّى الناس مثنى وموحد

فاذا حقّرت ثناء وأحاد صرفته كما صرفت أخيرا وعميرا تصغير عمر وأخر اذا كان اسم رجل لأن هذا ليس هنا من البناء الذي يخالف به الأصل ، فان قلت ما بال قال صرف اسم رجل وقيل التي هي فعل ، وهما محدودتان عن البناء الذي هو الأصل ، فليس يدخل هذا على أحد في هذا القول من قبل أنك خفّفت فعل وفعل نفسه كما خفّفت الحركة من علم ، وذلك من لغة بنى تميم فتقول علم كما حذفت الهمزة من يرى ونحوها فلمّا خفّت وجاءت على مثال ما هو في الأسماء صرفت ، وأمّا عمر فليس محذوفا من عامر كما أنّ ميتا محذوف من ميّت ولكنه اسم بني من هذا اللفظ وخولف به بناء الأصل ، يدلّك على ذلك أنّ مثنى ليس محذوفا من اثنين ، وان سمّيت رجلا ضرب ثم خفّفته فأسكنت الراء صرفته لأنك قد أخرجته الى مثال ما ينصرف كما صرفت قبل وكان تخفيفك لضرب كتحقيرك إيّاه لأنك تخرجه الى مثال الأسماء ، ولو تركت صرف هذه الاشياء في التخفيف للعدل لما صرفت اسم هار لأنه محذوف من هائر.

[باب ما كان على مثال مفاعل ومفاعيل]

اعلم أنه ليس شيء يكون على هذا المثال إلّا لم ينصرف في معرفة ولا نكرة ، وذلك لأنه ليس شيء يكون واحدا يكون على هذا البناء ، والواحد أشدّ تمكنا وهو الأوّل فلمّا لم يكن هذا من بناء الواحد الذي هو أشدّ تمكنا وهو الأوّل تركوا صرفه اذخرج من بناء الذي هو أشدّ تمكنا ، وانما صرفت مقاتلا وعذافرا لأن هذا المثال يكون

__________________

(٦) الشاهد في ترك صرف مثنى وموحد لأنهما صفتان للذئاب معدولتان عن اثنين اثنين وواحد واحد * وصف بعده عن أهله وشوقه اليهم ، وحنينه نحوهم وشبه صوت زفيره وحنينه بصوت العود ، والشرع الأوتار واحدتها شرعة ، وأراد بالدين ما يعتاده من الشوق والهم والدين العادة والدأب ومعنى تبغى الناس تطلبهم.

١٨

للواحد ، قلت فما بال ثمان لم يشبه ضحارى وعذارى ، قال الياء في ثمانى ياء الاضافة أدخلتها على فعال ، كما أدخلتها على يمان وشآم فصرفت الاسم اذ خفّفت كما صرفته اذ ثقّلت يمانيّ وشاميّ ، وكذلك رباع فانما ألحقت هذه الأسماء ياآت الاضافة قلت أرأيت صياقلة وأشباهها لم صرفت ، قال من قبل أن هذه الهاء انما ضمّت الى صياقل كما ضمّت موت الى حضر وكرب الي معدى في قول من قال معد يكرب ، وليست الهاء من الحروف التي تكون زيادة في هذا البناء كالياء والألف في صياقلة وكالياء والألف اللتين يبنى بهما الجميع اذا كسّرت الواحد ولكنها انما تجيء مضمومة الى هذا البناء كما تضمّ ياء الاضافة الى مدائن ومساجد بعد ما يفرغ من البناء فتلحق ما فيه الهاء من نحو صياقلة بباب طلحة وتمرة كما تلحق هذا بباب تميميّ وقيسيّ ، يعني قولك مدائني ومساجدىّ ، فقد أخرجت هذه الياء مفاعيل ومفاعل الى باب تميمي ، كما أخرجته الهاء الى باب طلحة ، ألا ترى أن الواحد تقول له مدائنيّ فقد صار يقع للواحد ويكون من أسمائه ، وقد يكون هذا المثال للواحد نحو رجل عباقية ، فلمّا لحقت هذه الهاء لم يكن عند العرب مثل البناء الذي ليس في الأصل للواحد ، ولكنه صار عندهم بمنزلة اسم ضمّ الى اسم فجعل معه اسما واحدا ، فقد تغيّر بهذا عن حاله كما تغيّر بياء الاضافة ، ويقول بعضهم جندل وذلذل يحذف ألف جنادل وذلاذل وينوّن يجعلونه عوضا من هذا المحذوف.

واعلم أنك اذا سمّيت رجلا مساجد ثم حقّرته صرفته لأنك قد حوّلت هذا البناء وان سمّيته حضاجر ثم صغّرته صرفته لأنها انما سمّيت بجمع الحضجر ، سمعنا العرب يقولون أوطب حضاجر وانما جعل هذا اسما للضّبع لسعة بطنها ، وأمّا سراويل فشيء واحد وهو أعجميّ أعرب كما أعرب الآجرّ إلّا أنّ سراويل أشبه من كلامهم ما لا ينصرف في نكرة ولا معرفة كما أشبه بقم الفعل ولم يكن له نظير في الأسماء ، فان حقّرتها اسم رجل لم تصرفها كما لا تصرف عناق اسم رجل ، وأمّا شراحيل فتحقيره ينصرف لأنه عربي ولا يكون إلّا جماعا ، وأمّا أجمال وفلوس فانها تنصرف وما أشبهها لأنها ضارعت الواحد ، ألا ترى أنك تقول أقوال وأقاويل وأعراب وأعاريب وأيد وأياد ، فهذه

١٩

الأحرف تخرج الى مثال مفاعل ومفاعيل اذا كسّر للجمع كما يخرج اليه الواحد اذا كسّر للجمع ، وأمّا مفاعل ومفاعيل فلا يكسّر فيخرج الجمع الى بناء غير هذا ، لأن هذا البناء هو الغاية فلمّا ضارعت الواحد صرفت ، كما أدخلوا الرفع والنصب في يفعل حين ضارع فاعلا ، وكما ترك صرف أفعل حين ضارع الفعل ، فكذلك الفعول لو كسّرت مثل الفلوس لأن تجمع جمعا لأخرج الى فعائل كما تقول جدود وجدائد وركوب وركائب ، ولو فعلت ذلك بمفاعل ومفاعيل لم تجاوز هذا ، ويقوّى ذلك أن بعض العرب يقول أتيّ للواحد فيضمّ الألف ، وأمّا أفعال فقد يقع للواحد ، من العرب من يقول هو الأنعام وقال الله عزوجل (نسقيكم ممّا في بطونه) وقال أبو الخطّاب سمعت العرب يقولون هذا ثوب أكياش ويقال سدوس لضرب من الثياب كما تقول جدور ولم يكسّر عليه شيء كالجلوس والقعود ، وأمّا بخاتيّ فليس بمنزلة مدائني لأنك لم تلحق هذه الياء بخات للاضافة ولكنها التي كانت في الواحد اذا كسّرته للجمع فصارت بمنزلة التي في حذرية اذا قلت حذار وصارت هذه الياء كدال مساجد لأنها جرت في الجمع مجرى هذه الدال لانك بنيت الجمع بها فلم تلحقها بعد فراغ من بنائها وقد جعل بعض الشعراء ثمانى بمنزلة حذار ، حدّثني أبو الخطّاب أنه سمع العرب ينشدون هذا البيت غير منوّن قال : [كامل]

(٧) يحدو ثماني مولعا بلقاحها

حتّى هممن بزيغة الإرتاج

وإذا حقّرت بخاتىّ اسم رجل صرفته كما صرفت تحقير مساجد ، وكذلك صحار فيمن قال صحيّر لأنه ليس ببناء جمع ، وأما ثمان اذا سمّيت به رجلا فلا تصرف لأنها واحدة ، كعناق ، وصحار جمع كعنوق فاذا ذهب ذلك البناء صرفته وياء ثمان كياء قمرى

__________________

(٧) الشاهد فيه ترك صرف ثمانى تشبيها لها بما جمع على زنة مفاعل كأنه توهم واحدتها ثمنية كحذرية ثم جمع فقال ثمان كما يقال حذار في جمع حذرية والمعروف في كلام العرب صرفها على أنها اسم واحد أتى بلفظ المنسوب نحو يمان ورباع فاذا أنت قيل ثمانية كما قيل يمانية وفرس رباعية * وصف ابلا اولع راعيها بلقاحها حتى لقحت ثم حداها أشدّ الحداء ، ثم همت بازلاق ما أرتجت عليه أرحامها من الأجنة ، والزيغ بها وهو ازلاقها واسقاطها.

٢٠