مراح الأرواح

المؤلف:

أحمد بن علي بن مسعود حسام الدين


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٩٤

١
٢

٣
٤

مقدمة التحقيق

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله رب العالمين ، الحمد لله الذي علم القرآن ، وخلق الإنسان ، وعلمه البيان.

والصلاة والسّلام على سيدنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أفصح الخلق لسانا ، وأبلغهم بيانا.

ورضي الله عن صحابته الكرام مصابيح الهدى ، وعن من تبعهم بإحسان وإيمان إلى يوم الدين.

وبعد :

فقد قيل : بأن الصرف أمّ العلوم ، والنحو أبوها ، فكان لزاما على المسلمين العناية بعلم اللغة عامة وعلم الصرف خاصة ، ليتوصلوا بذلك إلى فهم أدق لكتاب الله عزوجل وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد ترك علماء الأمة ذخرا جليلا من كتب اللغة ، إلا أن بعضها ما يزال مخطوطا ، مودعا في خزائن المكتبات ، وبعضها الآخر مطبوعا بغير خدمة علمية من ضبط وتصحيح وتخريج.

ومن بين هذا الكم الهائل من ميراث الأمة المختصر الوجيز المشهور المسمى ب (مراح الأرواح) للعلامة أحمد بن علي بن مسعود أبو الفضائل ، حسام الدين رحمه‌الله تعالى.

٥
٦

ترجمة مؤلف المراح

لم نعثر على ترجمة مطولة لهذا العلم ، وجلّ من عرّف به ذكر اسمه وأنه صاحب مراح الأرواح.

فهو أحمد بن علي بن مسعود أبو الفضائل ، حسام الدين ، مصنف المراح في التصريف ، مختصر وجيز مشهور بأيدي الناس.

قال السيوطي في بغية الوعاة : لم أقف له على ترجمة.

وقال الزركلي في الأعلام : مصنف مراح الارواح ، وهو رسالة متداولة في علم الصرف ، ليست لصاحبها ترجمة معروفة ، كما قال السيوطي في البغية ، شرحها البدر العيني ، حوالي سنة (٧٨١ ه‍) ، ومن هذا قدرت وفاته تخمينا ب : (٧٠٠ ه‍).

أما كتابه مراح الأرواح في التصريف ، فقد قال عنه حاجي خليفة في كشف الظنون :

هو مختصر نافع متداول شرحه :

ـ المولى أحمد المعروف بديكقوز ، وهو شرح مفيد معتبر.

ـ وتاج الدين عبد الوهاب بن إبراهيم الشافعي ، سماه فتح الفتاح في شرح المراح.

ـ وعبد الرحيم بن خليل الرومي ، وهو شرح مختصر من شرح ديكقوز.

ـ والمولى حسن باشا بن علاء الدين الأسود ، وهو شرح متوسط بين الإيجاز والإطناب ، حاو للفوائد.

ـ وقره سنان.

٧

ـ والمولى مصطفى بن شعبان ، المعروف بسروري ، المتوفّى سنة (٩٦٩ ه‍).

ـ وللمولى مصنفك شرح كبير ، وهو في خزانة كتب أبى الفتح في جامعه.

ـ وشرح المراح لابن هلال.

ـ ومن شروحه الفلاح ، قيل : هو لابن كمال.

ـ وله ترجمة بالتركي مسماة ب : ريحان الأرواح.

ـ وشرحه العلامة بدر الدين محمود بن أحمد العيني الحنفي ، المتوفى سنة (٨٥٥ ه‍) ، سماه : ملاح الأرواح ، وهو أول تصانيفه ، صنفه وله من العمر تسع عشرة سنة.

ـ ومن شروحه : رواح الأرواح ، لصاحب الضمائر ، ولعله قره سنان ، وهو المولى سنان الدين يوسف ، المشتهر بقره سنان ، من علماء الدولة العثمانية الفاتحية.

مراجع ترجمته :

١ ـ بغية الوعاة للسيوطي ١ / ٣٤٧ (٦٦٥).

٢ ـ كشف الظنون لحاجي خليفة ٢ / ١٦٥١

٣ ـ الأعلام للزركلي ١ / ١٧٥.

٤ ـ أسماء الكتب لعبد اللطيف زاده ص ٢٦٩.

٥ ـ أبجد العلوم للقنوجي ٢ / ٣٤٨ ، ٣ / ٣٧.

٦ ـ اكتفاء القنوع لإدوارد فنديك ص ٣١٠.

* * *

٨

بسم الله الرّحمن الرّحيم

قال (١)

______________________________________________________

(١) قوله (قال ... إلخ) وإنما بدأ بصيغة الماضي الغائب دون المتكلم والمضارع مع أن قول المصنف رحمه‌الله وقت تأليف الكتاب لا في الزمان الماضي للتنبيه على التحقق ودفع الكبر عن نفسه ولأن من دأب بعض المصنفين رحمه‌الله تعالى أن يكتب الكتاب أولا بطريق الحاشية ثم يركب الخطبة به فتسمى حينئذ خطبة إلحاقيّة فناسب الماضي على هذا الاعتبار ، أو لأنه أورد لفظ الماضي نظرا إلى تصور ما في هذا المختصر من المسائل أولا من الابتداء بتأليفه فافهم بالإنصاف. اه. جلالية ومولوي.

قوله : (قال ... إلخ) اعلم أن المصنف لم يبدأ كتابه بعد التيمن بالتسمية بحمد الله سبحانه ، بأن جعله جزءا منه ، فيلزم عدم متابعته للحديث الواقع في شأن الحمد ، ومخالفته لكتاب الله تعالى ، وترك سنة السلف المتقدمين.

فأجيب عن الأول بأن المأمور به أعم من أن يكون بالجنان أو باللسان أو بالكتابة فالمصنف يحتمل أن يأتي بالحمد من غير الكتابة فلا يلزم عدم متابعة الحديث ، أو يقال : المقصود من ذكر الحمد ذكر صفات الله على وجه التّعظيم والتمجيد وذا يحصل من التسمية.

وفيه أن حديث الحمد يقتضي أن يؤتى به على وجه الاستقلال من غير أن يجعل في ضمن التسمية وإلا لم تبق فائدة في حديث الحمد ، والجواب عنه أنه صرح بعض شراح البخاري بأن في صحة حديث التحميد مقالا فلا يصلح للحجة ، وأيضا قد وقع كتب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى الملوك والقضايا مفتتحة بالتسمية دون التحميد ، فعلم أن المراد بالحمد ذكر الله تعالى فإنه لو لم يكن كذلك لما صدر كتابه عليه الصلاة والسّلام إلى هرقل ـ لقب سلطان الروم ـ بالتسمية دون التحميد وعبارته كذلك :

«بسم الله الرحمن الرحيم : من محّمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم ، أمّا بعد : فإني أدعوك بدعوة الإسلام» (١) ، وقيل : إنما ترك الحمد اقتداء لسيد المرسلين في إظهار عجزه في مقام الحمد ، حيث قال عليه الصلاة والسّلام : «لا أحصي ثناء عليك كما أثنيت على نفسك» (٢) ، وأتبع على ترك الحمد ترك الصلاة على النبي عليه الصلاة والسّلام وعلى آله وأصحابه.

ويمكن أن يقال : إن ترك الحمد لإظهار عجزه في مقام الحمد بناء على أن عظمته تعالى ـ

__________________

(١) أخرجه البخاري ، كتاب الجهاد والسير ، باب دعاء الناس إلى الإسلام والنبوة ... (٢٩٤١) ، ومسلم ، كتاب الجهاد والسير ، باب كتاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام (١٧٧٣) ، عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما.

(٢) أخرجه مسلم ، كتاب الصلاة ، باب ما يقال في الركوع والسجود (٤٨٦) ، والترمذي ، كتاب الدعوات ، باب ما جاء في عقد التسبيح باليد (٣٤٩٣) ، عن عائشة رضي‌الله‌عنها.

٩

المفتقر (١) إلى الله (٢) الودود (٣)

______________________________________________________

ليست في حد يمكن أن تعبر عنها النفوس الناطقة البشرية القاصرة ، حمده ـ خبر إنّ ـ بناء ... على أن معنى الحمد فعل ينبئ عن تعظيم المنعم بسبب كونه منعما ، وإن هذا الترك فعل كذلك بل هو أبلغ وأولى من مثل الحمد لله ؛ لأن دلالة الألفاظ وضعيّة قد يتخلف مدلولاتها عنها بخلاف دلالة الأفعال فإنها عقلية وبهذا المعنى قيل : أولى الحمد ترك الحمد ، ويمكن أن يقال أيضا إنّ قوله : المفتقر إلى الله الودود ، حمد بناء على أن هذا القول يشعر بالتعظيم وكل ما يشعر بالتعظيم حمد تدبر ، والجواب من الأخيرين أن المصنف رحمه‌الله هضم نفسه بتخييل أن كتابه هذا من حيث إنه كتابه ليس ككتب السلف حتى يؤتى بالحمد كتابة على سننهم.

ولا يقال : على هذا ينبغي أن يترك التسمية أيضا كما لا يخفى ؛ لأن التسمية مأمور بها بالحديث الصالح للاحتجاج ، حيث لا كلام لأحد في صحته ؛ ولأن النكتة تطلب للفارّ لا للقارّ. اه من الحنفية والفلاح بزيادة.

(١) قوله : (المفتقر) أي : قال العبد المفتقر بحذف الموصوف ؛ لأن المفتقر اسم فاعل من الافتقار وهو صفة ، فلا بد له من موصوف ملفوظ أو مقدر ؛ لأن الوصف لا يقوم بذاته بل يقوم بغيره وهو الموصوف.

فإن قيل : لم حذف الفاعل وهو الموصوف مع أن الحذف خلاف القياس؟.

أجيب : حذف الفاعل الذي هو الموصوف هنا للإيجاز وهو إنما يكون على خلاف القياس إذا لم يقم مقامه شيء ، وهنا أقيمت الصفة مقامه فلا يكون خلاف القياس ، وإنما اختار المفتقر على المحتاج والمسكين موافقة لقوله تعالى : (وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) [محمد : ٣٨].

فإن قلت : لو قال : الفقير ، مكان : المفتقر ، لكان أحرى ؛ لأنه أصل بأنه مجرد ، والمفتقر فرع بكونه من المزيد.

قلت : إن في المفتقر زيادة حروف وهي تدل على زيادة المعنى فكان فيه مبالغة في الاحتياج ليست في الفقير فناسب إيراده بحال الإنسان الذي هو مجمع الحاجات وإنما أظهر افتقاره إلى الله لأنه هو الأقدر على قضاء الحاجات بأسرها بخلاف العباد. اه ملخص الشروح.

(٢) قوله : (إلى الله) ولمّا كان لفظة الله اسما للذات المستجمع بجميع الصفات فكان ذكره بها ذكره بجميع صفاته ، قال : إلى الله الودود دون إلى الغني وغيره من الصفات ، مع أن في الأول رعاية التضاد مع المفتقر ، وموافقة كلامه لكلام الله تعالى في ذكر الغناء أيضا. اه فلاح.

(٣) قوله : (الودود) ولما التزم الودود لرعاية السجع مع مسعود ، وكان طول الكلام الأول قبيحا في السجع لم يقل إلى الله الغني الودود.

فإن قيل : لو قال : إلى الله المحمود لكان السجع موجودا أيضا؟.

قلنا : الودود على وزن الفعول ، وهو قد يجيء بمعنى المفعول كالحلوب بمعنى المحلوب ـ

١٠

أحمد بن علي (١) بن مسعود ، غفر (٢) الله له ولوالديه وأحسن (٣) إليهما وإليه :

اعلم (٤)

______________________________________________________

وقد يجيء بمعنى الفاعل كالضروب بمعنى الضارب ، فيكون فيه مبالغة ليست في المحمود.

ثم اعلم أن بقولنا : ولما التزم الودود لرعاية السجع ... إلخ ، اندفع ما قيل : إن لفظة الله مستجمع لجميع الصفات الكمالية فلم تبق الحاجة إلى ذكره من صفات الله تعالى ، وحاصل الدفع إيراد الودود خاصة لرعاية السجع لا غير فافهم. اه من الحواشي.

قوله : (الودود) مأخوذ من الود بالحركات الثلاث دوست بسيار محبت صيغة مبالغة فيه وجهان :

أحدهما : أن يكون بمعنى مودودك الحلوب بمعنى المحلوب ، فإن الله سبحانه مودود في قلوب عباده الصادقين.

والثّاني : أن يكون بمعنى واد كالصبور بمعنى الصابر فالله سبحانه يود الصالحين من عباده ويرضى عنهم. اه شرح.

(١) قوله : (علي) أصله عليو من العلو قلبت الواو ياء ؛ لاجتماعهما وسبق أحدهما بالسكون ثم أدغمت. اه فلاح.

(٢) قوله : (غفر ... إلخ) دعاء في صورة إخبار بمعنى ليغفر ، والسّرّ في التعبير بالماضي في موقع الدعاء التفاؤل في القبول فكأن المدعو قد وقع والداعي أخبر عنه بالمعنى ، أو إظهار الحرص في وقوعه. اه فلاح.

(٣) قوله : (وأحسن ... إلخ) فإن قيل : لم قدم المصنف نسبة الغفران إلى نفسه وأخرها عن الوالدين ، ثم أخر نفسه في الإحسان وقدم الوالدين فيه؟.

قلنا : إنما قدم نفسه في الغفران ؛ لأن المقصود الأهم لكل مؤمن طلب المغفرة لنفسه ، وأمّا الشفاعة في حق الغير فهي فرع للمغفرة ، فإن الشفيع يجب أن يكون مغفورا ، وأمّا المأخوذ فهو مبتلى نفسه فكيف يشفع لغيره ، ولا خفاء في تقديم الأصل على الفرع ، وليكون مستجاب الدعوات فيكون دعاؤه للغير أسرع إجابة ، ولرعاية السجع.

وترقيا من الأدنى إلى الأعلى فإن الغفران هو مغفرة العصيان من غير أن يزاد عليه شيء آخر من الثواب ، والإحسان هو مغفرة العصيان مع زيادة ثواب وأجر أو لأن الإحسان لما كان أعم من المغفرة فالأولى فيه تقديم الوالدين حفظا للأدب. اه مجمع الشروح.

(٤) قوله : (اعلم ... إلخ) لما كان هذا الكتاب مصنفا في علم الصّرف أشار المصنف رحمه‌الله إلى ترجيح هذا العلم رغبة للطالبين على سائر العلوم ، فقال : اعلم ... إلخ ، وهو خطاب عام بكلمة التنبيه ، ومن عادة العاقل أن ينبه المخاطب أوّلا ثم يخاطبه لمظنة أن يكون غافلا ، فوقع كلامه ضائعا. ـ

١١

أن الصّرف (١) أمّ العلوم (٢) ،

______________________________________________________

وذكر لفظ أنّ بعده مستحسن ؛ لأن المخاطب بما فيه صار مترددا فإتيان أنّ بعده للتحقق ودفع التردد أنسب ، ثم قوله : اعلم ، مقول قال وهي صيغة أمر والأمر يقتضي أمورا ثلاثة لعدم إتمامه بدونها ، الأمر والمأمور والمأمور به فالأول المصنف رحمه‌الله ، والثّاني الطالب لتحصيل العلوم ، والثّالث قوله : «أنّ الصّرف أمّ ...» إلخ ما في الكتاب ، إلا أن تكرار اعلم فيما سيأتي من قوله : اعلم أسعدك ... إلخ ، لزيادة التوجّة تدبر. اه من الحواشي.

(١) قوله : (الصّرف) وإنما قال : الصّرف ، ولم يقل : التصريف مع أن في التصريف مبالغة ؛ لأن الصّرف أصل والتصريف فرع ؛ لأنه مزيد فيه ، أو لأنه لما ذكر النحو عقيبه ، وهو ثلاثة أحرف فذكر الصّرف أيضا بثلاثة أحرف طلبا للموافقة بينهما ، ووقع في بعض النسخ لفظ التصريف فحينئذ النكتة في اختيار المزيد فيه هي المبالغة. اه حنفية.

قوله : (الصّرف) وهو في الأصل مصدر صرف من باب ضرب ، ومعناه التبديل والتغيير يقال : صرفت الدراهم بالدينار ، وبين الدرهمين صرف أي : فضل لجودة في أحدهما ومنه الصيرفي ، وفي هذا العلم أيضا من تغيير الألفاظ من حال إلى حال ، وفضل من الحروف عند التغيير من الحال إلى حال أخرى. اه فلاح.

(٢) قوله : (أمّ العلوم ... إلخ) أي : أصلها ومبدؤها ؛ لأنها يبدأ منها العلوم ، يقال للفاتحة أم القرآن وأم الكتاب ؛ لأنها أصل منها يبدأ القرآن.

وإنما شبه الصّرف بالأمّ والنحو بالأب فإنه كما أن الولد يرتبط بالأم أولا وبالأب ثانيا كذلك المبتدئ إذا أراد تحصيل العلوم يشتغل أولا بالصّرف ، ثم بالنحو ، وكما أن الولد لا ينمو ولا يكمل بدون الرضاع وبدون تربية الأب من المعاش كذلك المبتدئ لا يحصل له كمال في العلوم بدون تحصيل علم الصّرف ومعرفة الصيغ والتغيرات أولا ، وبدون تحصيل علم النحو ومعرفة التركيبات ثانيا.

فكان علم الصّرف بمنزلة الأم والنحو بمنزلة الأب للمبتدئ الذي أراد تحصيل العلوم ، وإضافة الأم والأب إلى العلوم مسامحة ومجاز. ولا شك أن المبتدئ باعتبار تعلم العلوم وفهمها يحتاج أولا إلى الصّرف وثانيا إلى النحو ، وإن العلوم باعتبار المفهومية تحتاج أولا إلى الأول وثانيا الثّاني ، وأشار بإيراد كلمة التنبيه إلى أنه لا بد من معرفة هذا المعنى لكل واحد. اه إيضاح.

قوله : (أمّ العلوم) فإن قيل : العلوم جمع يتناول جميع العلوم بأسرها ، فيلزم منه أن يكون علم الصّرف أما لنفسه والنحو الذي هو أبو الصّرف وهو محال ، وكذا كون علم النحو أبا لنفسه والصّرف الذي هو أم النحو؟.

قلت : المراد من العلوم في الموضعين غير الصّرف والنحو ، كما أن المنطق آلة لما عداه ، ثم مدح النحو وإن كان غير مقصود إلا أنه لإتمام المقولة ولمناسبة الأم تدبر. اه فلاح بتصرف.

١٢

والنّحو أبوها ، ويقوى في الدرايات (١) داروها (٢) ، ويطغى في الروايات (٣) عاروها (٤) ، فجمعت (٥) فيه كتابا موسوما ب : «مراح الأرواح» (٦)

______________________________________________________

(١) قوله : (في الدرايات) جمع دراية وهي العلم من درى يدري على حد ضرب.

فإن قلت : المصدر لا يثنى ولا يجمع ؛ إذ يقع على القليل والكثير ، فلم جمع ههنا؟.

قلنا : إذا اختلف أنواعه فحينئذ يجوز أن يجمع بقصد الأنواع كالبيوع والطهارات. اه حنفية.

(٢) قوله : (داروها) أصله داريون ثقلت الضمة على الياء فنقلت إلى ما قبلها بعد سلب حركة ما قبلها فأسكنت ثم التقى الساكنان الواو والياء فصار دارون ، ثم لما أضيف إلى الضمير حذفت النون أيضا عند الإضافة ؛ لئلا يلزم اجتماع المتنافيين ؛ لأن النون لقيامه مقام التنوين يدل على تمام الكلمة وانفصالها عن غيرها ، والإضافة تدل على عدم تمام الكلمة واتصالها بغيرها فصار مدلولاهما متنافيان ، والمتنافيان لا يجتمعان فكذا ما يدل عليهما فصار داروها.

فإن قلت : الضمير في داروها لا يخلو إمّا إلى الصّرف والنحو كليهما معا ، أو إلى أحدهما معينا ، وعلى كلّ واحد من الأمرين لا يستقيم إرجاع الضمير كما لا يخفى؟.

قلت : الضمير في داروها يرجع إلى العلم وهو مصدر يذكر ويؤنث.

وفيه نظر بأنه ما وجه اختيار التأنيث على التذكير مع أنه أشرف وأقدم وأخصر؟ والجواب أن رعاية السجع تحصل هنا في ضمير المؤنث ، ورعاية السجع مطلوب في الخطب ، فكان إيراد ضمير المؤنث هنا أولى. اه ملا غلام رباني.

(٣) لأن الألفاظ قوالب المعاني فتصح بصحتها وتفسد بفسادها. اه نور محمد مدقق.

(٤) قوله : (عاروها) أي : جاهلوها اعلم أن المقصود من قوله : «اعلم أن الصّرف» إلى هنا ترغيب في الصّرف ، وبيان سبب تأليف هذا الكتاب ، وبهذا اندفع ما قيل : إن المطلوب بيان المسائل الصّرفية دون مدحها ، وأيضا العلوم كثيرة فما وجه تأليف المصنف رحمه‌الله في علم الصّرف دون غيره؟ وحاصل دفع الأول أن الغرض من مدح الصّرف ترغيب المبتدئ إليه ، والثّاني أن علم الصّرف لما كان كذلك فلزم فيه تأليف كتاب ليصل الخير إلى كافة الأنام. اه لمحرره.

(٥) قوله : (فجمعت فيه) جمع بالفتح كرداورون ، والمراد من الجمع التصنيف على ما في المنتخب وفصل البعض عن البعض وجعل الشيء قسما قسما ، والشيخ رحمه‌الله أيضا جعل قوانين الصّرف متنوعا ، فإن بعضها من الصحيح وبعضها من المضاعف وبعضها من المهموز إلى غير ذلك ، ولم يقل : فصنفت ، وإن كان المراد ذلك تنبيها على كثرة المسائل في هذا المختصر ، وكذا لم يقل : فألفت ؛ لأن التأليف توافق أحد الشيئين بالآخر وإتمام الإلف على ما في كتب اللغة وكلاهما ليس بمرادين هنا فافهم. اه لمحرره.

(٦) قوله : (بمراح الأرواح) المراح اسم مكان من الروح بفتح الراء من الاستراحة ، والأرواح جمع روح وهي النفس الناطقة ، فمعناه في الأصل موضع راحة النفوس الناطقة ، وإنما سمي به ؛ ـ

١٣

وهو للصبّي (١) جناح (٢) النّجاح وراح (٣) رحراح ، وفي معدته (٤)

______________________________________________________

لأن النفس الناطقة لما كانت طالبة للكمالات العلمية وهي لا تحصل إلّا بآلاتها تألمت واضطربت إلى أن تجد تلك الآلة ، كالمرضى تألمت إلى أن تجد دواء شافيا ، ولما كان هذا الكتاب مشتملا على ما هي الآلة لتلك العلوم تتلذذ به النفوس وتصير راحة. اه فلاح.

(١) قوله : (للصبي) أي : لغير البالغ بعد الضبط.

فإن قلت : ما وجه تخصيص كون هذا الكتاب جناح النجاح للصبي دون غيره ، مع أن فائدته بعد الضبط للصبي ، والشاب والشيخ سواء؟.

قلت : الوجه في هذا أن الغالب والأكثر قارئ الصّرف الصبيان ، ولهذا نقل عن محمد رحمه‌الله في الدر المختار بأن قال الصرف تدريس الصبيان.

ولا يرد بأن يقال : كيف يتصور كون هذا الكتاب للصبي جناح النجاح لما في المنتخب صبيّ بالفتح وتشديد ياء كودكي كه از شير باز نشده باشد ؛ لأن المراد بالصبي غير البالغ كما أشرنا إليه في صدر الحاشية مجازا لا الصبي بمعنى اللغوي ، أو يقال : المراد من الصبي كل من يميل إلى قراءته ؛ لأن الصبي من الصبّوه وهو الميل ولهذا يسمى صبيا. اه حنفية بزيادة.

(٢) قوله : (جناح النجاح) جناح الطائر يده ، والجمع أجنحة ، والنجاح الظفر والخلاص ، شبه الصبي بالطير في النجاة وهذا الكتاب بالجناح في السببية ، يعني : كما أن الطير ينجو من مهلكة العدو بسبب الجناح كذلك الصبي ينجو من مهلكة الجهل ويظفر المقاصد العلمية بسبب هذا الكتاب.

قوله : «وهو» مبتدأ و «جناح الجناح» خبره ، والصبي يتعلق بمحذوف ؛ إذ هو حال من الخبر ؛ لأنه مفعول في المعنى ؛ إذ تقدير الكلام أشبه هذا الكتاب بجناح النجاح ولم يلزم ذكر أداة التشبيه في كونه مفعولا معنى ، فيكون من قبيل زيد وعمرو راكبا ، أي : زيد كعمرو راكبا. اه فلاح شرح مراح.

(٣) قوله : (وراح) شاد شدن وشراب رحراح بالفتح فراخ. اه منتخب ، وهذا الكتاب أيضا للصبيّ سبب نشاط. اه ح.

(٤) قوله : (معدته) بفتح الميم وكسر العين ، أو المعدة بكسر الميم وسكون العين بمعنى واحد وهي عبارة عن القوة الجامعة للإدراكات واللذات.

وقوله : راح من الرياح بمعنى شيا تكاه ، ولما كان في الليل استقرار وتسكين غالبا أريد به الاستقرار ، فمعنى راح استقر من قبيل ذكر الظرف وإرادة المظروف والجار والمجرور أعني «في معدته» متعلق بقوله حين راح ، وقوله : مثل تفاح مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي : هو مثل تفاح. اه يعني عضو معروف آدمى كه در آن طعام گيرد وهضم شود. اه منتخب.

١٤

حين راح مثل (١) : تفّاح أو راح (٢).

وبالله أعتصم (٣) عما يصم وأستعين (٤) منه ، وهو نعم (٥) المولى ونعم المعين.

* * *

______________________________________________________

(١) قوله : (مثل تفاح ... إلخ) لا يقال بأن تمدح المصنف رحمه‌الله لكتابه لا يناسب بشأنه لما فيه من علو النفس والتكبر ؛ لأنا نقول : المقصود من مدح هذا الكتاب ازدياد رغبة الطالبين في قراءته وتحصيله ؛ امتثالا لقوله عليه الصلاة والسّلام : «ظنوا المؤمنين خيرا» كذا أفيد. اه لمحرره.

(٢) قوله : (وبالله ... إلخ) ولما كان التصنيف أمرا من الأمور العظام التي هي مداحض الأقدام ، اعتصم بالله وتمسك به ؛ ليكون محفوظا من الخلل والاضطراب ويصير سالما من الطعن والعتاب. اه إيضاح.

قوله : (وبالله ... إلخ) الجار والمجرور ـ أعني : بالله ـ يتعلق بقوله : أعتصم.

فإن قيل : لم قدم الجار والمجرور؟.

قلنا : إمّا للشرف ، أو للاهتمام ، أو للاختصاص ، أي : للحصر. اه حنفية.

(٣) قوله : (أعتصم) صيغة المتكلم الواحد لا الماضي الغائب ، يدل عليه قوله : وبه أستعين ، وفاعلهما وفاعل جمعت عبارة عن المؤلف ، كما أنه فاعل قال المفتقر ، فيكون فيه صنعة التفات.

ويصم من وصمه ، أي : جعله ذا عيب ، أي : بالله أعتصم عما يصمني ويجعلني ذا عيب في هذا التصنيف من كونه معقدا مظنيا غير منتفع به ، ومشتملا على الخطأ والأمور التي لا ينبغي أن يورد أمثالها فيه ، وكونه مطعونا لسوء الترتيب وعدم التنقيح والتهذيب ، إلى غير ذلك مما يجعل المصنف متهما ذا عيب ، منسوبا إلى سوء الفهم والفطنة بلا ريب في جميع الأمور الدينية والدنيوية التي من جملتها التصنيف. اه إيضاح.

(٤) قوله : (وأستعين منه) وفي بعض النسخ وبه نستعين ، والنكتة في تقديم الجار والمجرور في هذه النسخة هي التي مرت في ما مر فالمعنى على الحصر بالله أستعين لا بغيره ؛ لأن تقديم ما حقه التأخير يوجب الحصر والاختصاص. اه حنفية.

(٥) قوله : (نعم ... إلخ) وهو فعل مدح منقول عن قولك : نعم فلان إذا أصابته نعمة ، إلى المدح فأزيل عن موضعه فشابه الحروف فلم يتصرف ، وبيان النقل أنه كسر النون إتباعا للعين فصار نعم بكسرتين ، ثم حذفت كسرة العين تخفيفا فصار نعم ، كذا قيل. اه فلاح.

قوله : (نعم المولى ... إلخ) والمخصوص محذوف ، أي : نعم المولى هو ، ونعم المعين هو ، والإعانة هو النصر.

فإن قلت : الجملة الإنشائية لا تكون خبرا من المبتدأ؟.

قلنا : تقدير الكلام هكذا ، أي : هو مقول في حقه نعم المولى. اه حنفية شرح مراح الأرواح.

١٥

اعلم (١) ـ أسعدك الله تعالى ـ أن الصّراف (٢) يحتاج (٣)

______________________________________________________

(١) قوله : (اعلم أسعدك ... إلخ) كلمة اعلم للتنبيه ، وهي كلمة تذكر في أول الكلام لإيقاظ الغافلين على نكتة ، وقيل : هي كلمة تذكر في أول الكلام تشويقا إلى ما سيأتي من بعد ، فلما كان المخاطب متشوقا كان طالبا ، ومعلوم أن الحصول بعد الطلب أوقع في الذهن.

وإنما قال : اعلم ولم يقل : اعرف ؛ لأن استعمال العلم في الكليات ، واستعمال المعرفة في الجزئيات ، فلما كان الصّرف عبارة عن القوانين الكلية اختار اعلم دون اعرف.

وإنما لم يقل : افهم ؛ لأن استعمال افهم في كلام سبق ذكره ؛ ليفهم المخاطب مضمونه ، واستعمال اعلم في كلام مبتدأ ، والمقصود به التشويق إلى ما سيأتي.

وإنما لم يقل : اقرأ ؛ لأن القراءة دالة على مجرد التّلاوة دون العلم ، بخلاف اعلم فإنه يدل على القراءة مع العلم بمضمون ذلك الكلام.

وقوله : (أسعدك ... إلخ) جملة دعائية معترضة وقعت بين اعلم ومعموله ، وهو «أن الصرّاف» والتعبير بلفظ الماضي للتفاؤل وإن كان مستقبلا في الواقع. اه حنفية.

(٢) قوله : (أن الصرّاف) صراف بالفتح وتشديد راء ، والصراف صيغة مبالغة ، مثل : أكّال فيها معنى الكثرة.

فإن قيل : الصرّاف من يعلم الصّرف ، ومن يعلم الصّرف لا يحتاج إلى تلك المعرفة ، فلم قال : يحتاج؟.

قلنا : المراد به الشارع في الصّرف ، وإنما عبر عنه به إمّا بتأويل الإرادة ، أي : من أراد أن يكون صرّافا ، وإمّا تفاؤلا كأنه حين شرع صار صرافا ، وإمّا باعتبار ما يؤول إليه ، كما في قوله تعالى : (إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً) [يوسف : ٣٦] والمعصور العنب.

ثم لا يخفى عليك أن المبتدئ لكل علم إنما يحتاج أولا إلى معرفة حده وموضوعه ومبادئه وغرضه ، ثم إلى مسائله وإنما لم يذكرها روما للاختصار ليسهل على المبتدىء ضبط المسائل التي هي المقصودة في هذا الفن.

فنقول : الصّرف علم بأصول يعرف بها أحوال الأبنية التي ليست بإعراب وبناء ، فلما كان قولنا : علم شاملا للمقصود وغير المقصود ، أردفناه بما يخرج سوى المحدود ، فخرج بقولنا : يعرف بها أحوال أبنية الكلم سوى النحو والصّرف. وبقولنا : ليست بإعراب وبناء علم النحو بأقسامه وموضوعه نفس الأبنية مطلقا ، أي : مع قطع النظر عن الحركات والسّكنات ، ومبادئه تعريف الصحيح والمضاعف وغير ذلك ، وغرضه الاقتدار على الاحتراز عن الخطأ في حروف الكلمة. اه حنفية وفلاح.

(٣) قوله : (يحتاج) وذلك لأن من لم يعرف الأقسام السّبعة ، والتغيرات الواقعة فيها لا يحصل له معرفة الأوزان ، لأن من لا يعرف أنّ كان مثلا من أيّ قسم من هذه الأقسام ، ولا يعرف التغيير الواقع فيه ، ولا قاعدته ، لا يعلم أن وزنه فعل بالتّحريك أو التّسكين. اه جلال الدين.

١٦

في معرفة (١) الأوزان إلى سبعة (٢) أبواب (٣):

١ ـ الصحيح.

٢ ـ والمضاعف (٤).

______________________________________________________

(١) قوله : (معرفة ... إلخ) ولم يقل في علم الأوزان ؛ لأن المراد بالأوزان الصيغ ، مثل : نصر وردّ وأخذ ووعد وقال ورمى وطوى وغير ذلك من الألفاظ مطلقا. سواء كانت موضوعة أو لا ، فناسب إيراد لفظ المعرفة لاستعمالها في الجزئيات ، والصيغ المذكورة منها لا العلم تدبر كذا أفيد. اه لمحرره.

(٢) قوله : (إلى سبعة أبواب) وإنما انحصرت الأبواب في السّبعة ؛ لأن الكلمة لا تخلو من أن توجد فقط في حروفها الأصليّة حرف علّة ، أو ملحق حرف علّة ، أو لا توجد شيء منهما ، الثّالث الصحيح ، والثّاني وهو ما يوجد فيها ملحق حرف علّة ، إن كان كونه ملحقا لها باعتبار التكرر فهو المضاعف ، وإن كان باعتبار الانفراد ، سواء كان في الفاء أو العين أو اللام فهو المهموز.

وإنما قلنا : إن حرف التضعيف والهمزة ملحق حرف علة ؛ لأنهما قد تقلبان حرف علّة في مثل : تقضّى البازي ، أصله تقضض فقلبت الضّاد الثّانية ياء ، في مثل : إيمان ، أصله إءمان بهمزتين قلبت الثّانية ياء.

والأول وهو ما يوجد فيها حرف علّة ، فلا يخلو من أن يكون ذلك الحرف واحدا أو أكثر ، فإن كان واحدا ، فإن كان في الفاء فهو المثال ، وإن كان في العين فهو الأجوف ، وإن كان في اللام فهو النّاقص ، وإن أكثر من واحد فهو اللفيف ، المفروق إن كان في الفاء واللام ، والمقرون إن كان في العين واللام.

ولم يعتبر المصنف بما كان فاؤه وعينه حرف علّة ، نحو : ويل ويوم ، وما كان فاؤه وعينه ولامه حرف علّة ، مثل : واو وياء في اسمي حرفين ، كما اعتبرهما الزنجاني وغيره ، حتى جعلوا أقسام المعتلات سبعة لا خمسة ؛ لعدم بناء الفعل منهما ، فمقصد المصنف بيان أوزان المشتقة ، ويؤيده عطف قوله : (واشتقاق ... إلخ) على سبعة أبواب. اه فلاح.

(٣) تعليق باللغة الفارسية ثم حذفه لعدم وضوحه.

(٤) قوله : (والمضاعف) وإنما قدم المضاعف على المهموز ، لأنه أخف وأكثر مشابهة بالصحيح ، بخلاف المهموز ، لأن الهمزة من ملحقات حرف العلّة ، وإنما قدم المهموز على المعتل ، وإن كانت من ملحقات حرف العلّة لقوتها منها ؛ لأنها حرف صحيح قابل للحركات.

وإنما قدم المثال على الأجوف لتقدم حرف العلّة فيه وكذلك تقديم الأجوف على النّاقص ، وقدم المعتل بحرف على المعتل بحرفين لتقدم المفرد على الاثنين.

١٧

٣ ـ والمهموز.

٤ ـ والمثال.

٥ ـ والأجوف.

٦ ـ والناقص.

٧ ـ واللفيف.

واشتقاق تسعة (١)

______________________________________________________

ثم لا يخفى عليك أنه إن أريد بالأبواب المذكور أصولها فأربعة صحيح ومضاعف ومهموز ومعتل. وإن أريد أصولها وفروعها ، بأن يراد قسم القسم فيزيد على عشرة صحيح ومضاعف ثلاثي ومضاعف رباعي ومهموز الفاء والعين واللام.

والمعتل على أربعة أقسام مثال واوي ويائي ، والأجوف كذلك ، والنّاقص كذلك.

واللفيف على نوعين : مقرون ومفروق.

والمضاعف مع المهموز ، والمثال مع المضاعف وغير ذلك.

فالانحصار في سبعة تحكم ، اللهم إلّا أن يقال : ليس المقصود في هذا الانحصار ملاحظة الأصليّة والفرعية ، بل ملاحظة شيوع المبحث وكثرته. اه ح وغلام رباني.

(١) قوله : (تسعة ... إلخ) لأن من لا يعرف اشتقاق تسعة أشياء من كلّ مصدر ، لا يحصل له معرفة الأوزان. فإن من لا يعرف اشتقاق ضارب من الضرب ، لا يعلم أن ألفه زائد أو لا ، فلا يعلم أن وزنه فعلل أو فاعل ، وكذلك من لا يعرف أن مضروبا مشتق من الضرب ، لا يعلم أن الميم والواو زائدتان أو لا ، فلا يعلم أن وزنه فعلول أو مفعول ، وعلى هذا فقس.

وبهذا تبين أن معرفة الأوزان موقوفة على أمرين : أحدهما معرفة الأقسام السّبعة ، وثانيهما معرفة اشتقاق تسعة أشياء من كل مصدر ، والأولى أن يقول : إلى سبعة أقسام ، إلّا أن المصنف لما عنون كل قسم بالباب في هذا الكتاب قال : إلى سبعة أبواب ، يعني أن المبتدئ يحتاج إلى هذه الأبواب فلا بد من بيانها. اه جلال الدين.

قوله : (تسعة ... إلخ) وإنما انحصر الاشتقاق في التسعة ، لأن ما يشتق من المصدر إمّا يكون فعلا أو اسما. فإن كان فعلا فلا يخلو من أن يكون إخباريّا أو إنشائيا ، فإن كان إخباريّا فإن لم يتعاقب في أوله الزوائد الأربع وهي : حروف أتين فهو الماضي ، وإن تعاقب فهو المستقبل ، وإن كان إنشائيا فإن دلّ على طلب الفعل فهو الأمر ، وإن دلّ على ترك الفعل فهو النهي.

وإن كان اسما فإن دلّ على ذات من قام به الفعل فهو اسم الفاعل ، وإن دلّ على ذات ـ

١٨

أشياء من كل مصدر (١) ، وهي :

١ ـ الماضي (٢).

______________________________________________________

من وقع عليه الفعل فهو اسم المفعول ، وإن دلّ على ما وقع فيه الفعل فإن كان مكانا فهو اسم المكان ، وإن كان زمانا فهو اسم الزمان ، وإن دلّ على ما وقع الفعل بسببه فهو اسم الآلة.

فإن قيل : لم لم يذكر النفي والجحد والصفة المشبهة وأفعل التفضيل مع أنها مشتقات من المصدر أيضا؟.

قلنا : النفي يشبه النهي صورة ، والجحد يشبه النهي معنى ، فلذا لم يذكرهما.

وفيه أن المشابهة إن كانت وجها لعدم الذكر فبالحري أن لا يذكر المكان والزمان أيضا ، بل يكتفي بذكر أحدهما ؛ لكون صيغتهما واحدة ، بحسب الصورة كمضرب مثلا. فيكون الأشياء كلها ثمانية.

ويمكن الجواب بأن المراد المشابهة بحسب الصورة مع تقارب المعنى. فإن النفي كثيرا ما يستعمل في النهي كما في قوله تعالى : (لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ) [البقرة : ٨٣] فلا يرد ما أورده تدبر.

والجواب عن الصفة المشبهة ... إلخ ، أن الأول داخل في اسم الفاعل أو المفعول ، كما لا يخفى على ماهر الفن ، وأمّا اسم التفضيل فلا يخلو ، إمّا أن يجيء لتفضيل الفاعل كما هو القياس أو لتفضيل المفعول على سبيل الشذوذ وغير القياس ، فعلى الأول داخل في اسم الفاعل ، وعلى الثّاني في اسم المفعول.

فإن قلت : التصغير مشتق من المصدر بزيادة الياء ، مثل نصر ونصير؟.

قلت : لا نسلم أنه مشتق منه ، وزيادة الياء من قبيل الزيادة لإفادة المعنى ، لا الاشتقاق كما صرحوا به ، ويدل عليه عدم اختصاصه بالمشتقات بل تجري أيضا في الجوامد ، مثل رجل ورجيل.

فإن قلت : هذا يدل على أن اسم الفاعل أو المفعول مشتقان من المصدر ، وكذا الزمان والمكان والآلة والأمر والنهي ، وقد صرح فيما سيأتي أنها مشتقات من المضارع؟.

أجيب بأنها مشتقات من المصدر بالتوسط ؛ لأنها مشتقات من الفعل ، وهو مشتق من المصدر ، فتكون هي مشتقة من المصدر ، كما هو مذهب السيرافي. اه فلاح شرح مراح.

(١) قوله : (من كل مصدر) فإن قلت : يرد عليه المصادر التي لا يشتق منها شيء ، كويل وويح؟.

قلت : المراد من اشتقاق تسعة أشياء اشتقاقها منه إن وجدت ، ويحتمل أن يكون بناء على الغالب. اه فلاح.

(٢) قوله : (وهي الماضي ... إلخ) قدمه على المستقبل ؛ لتقدم زمانه عليه ، وقدم المضارع على الأمر ؛ لأنه مأخوذ منه فيكون فرعا عنه. ـ

١٩

٢ ـ والمضارع

٣ ـ والأمر.

٤ ـ والنهي.

٥ ـ وأسماء الفاعل.

٦ ـ والمفعول.

٧ ـ والمكان.

٨ ـ والزمان.

٩ ـ والآلة.

فكسرته (١) على سبعة أبواب.

* * *

______________________________________________________

والأمر على النهي لدلالته على الوجود ، والنهي على العدم ، والوجود أشرف منه.

والنهي على اسم الفاعل لكونه فعلا ، واسم الفاعل اسم ، والفعل أصل في العمل والاشتقاق بالنسبة إلى ما سوى المصدر.

واسم الفاعل على المفعول لكونه أشرف ، لصدور الفعل عنه ، أو لأنه هو المقصود في الكلام بخلاف المفعول ، فإنه فضلة.

واسم المفعول على المكان ، لأنه يناسب الفاعل في قيامه مقامه في إسناد الفعل إليهما.

واسم المكان على الزمان ، لأن المكان محسوس والزمان معقول. والمحسوس أقوى منه وصيغتهما واحدة. وقدّمهما على الآلة ؛ لكونهما مناسبين للمفعول ، في كون كل واحد منهما محلا لصدور الأفعال وزمانه والمفعول مناسب له. اه حنفية.

(١) قوله : (فكسرته) جواب للشرط المحذوف ، تقديره إذا احتاج الصرّاف في معرفة الأوزان إلى سبعة أبواب فكسرت هذا الكتاب على سبعة ... إلخ. اه فلاح.

فلا يرد ما قال الشارح الحنفية :

«أقول : الفاء في فكسرته للتفريع ، فإن كان متفرعا على قوله : إن الصّرّاف يحتاج في معرفة الأوزان إلى سبعة أبواب ، فيلزم الفصل بين المتفرع والأصل بالأجنبي ، وهو قوله : واشتقاق تسعة أشياء ... إلخ. وهذا ليس بشيء ، لأنه لما كان متفرعا عليه فبالحري أن يذكر ـ

٢٠