كتاب سيبويه - ج ١

أبو بشر عمرو بن عثمان [ سيبويه ]

كتاب سيبويه - ج ١

المؤلف:

أبو بشر عمرو بن عثمان [ سيبويه ]


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٨٢

١
٢

موجز

من حياة المؤلف

هو الامام الذي فاق أقرانه ، والنابغة الأريب الذي لا يبارى في حسن صناعته ، ولا يجارى في فصيح عبارته ، من سارت بفضله الركبان في سائر الاقطار وشهدت بعلّو مكانته فحول العلماء في جميع الأعصار ، شيخ النحاة ابو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر ، مولى بني الحارث بن كعب الملقب بسيبويه (١).

مولده ونشأته :

ولد بالبيضاء قرية من قرى شيراز (فارس) من عام ثمانية واربعين بعد المائة من الهجرة.

قدم البصرة وهو طفل صغير مع والديه ونشأ بها ، ولزم حلقة حماد بن سلمة فبينا هو يستملى على حماد بعض أحاديث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إذ لحّنه حماد ، فقال سوف أطلب علما لا يلحّنني فيه أحد.

__________________

(١) سيبويه كلمة فارسية مؤلفة من «سيب» وهو التفاح و «بوى» وهو الرائحة ، أي رائحة التفاح ، اشتهر بهذا اللقب لأن امه كانت ترقصه في صغره وتمدحه بهذه الكلمة ، لأنه كان في منته الجمال ، وقيل سمّى به لأن وجنتيه كانتا كأنهما تفاحتان.

٣

شيوخه :

طلب أولا علوم الدين ، ثم انصرف إلى علوم الأدب ، وغلب عليه النحو حتى صار الامام الاعظم ، وصحب الفقهاء واهل الحديث ، وأخذ اللغة عن ابي الخطاب المعروف بالأخفش الأكبر وغيره ، وأخذ عنه الأخفش الصغير وقطرب ، وجماعة.

صفاته :

كان سيبويه «ره» شابا له ذؤابتان ، أنيقا ، جميلا ، ظريفا ، وديعا ، سمحا ، طموحا ، شجاعا ، حليما ، طيب الرائحة ، حسن الظن بالناس ، وكان في لسانه حبسة تعوق لسانه عن الانطلاق والاسترسال ، وعلمه أبلغ من لسانه ، وكان كثير المجالسة للخليل ، وكان الخليل (وهو استاذه) يحبه حبا جما ، وكان كلما يقبل على على الخليل ، يقول له الخليل : «مرحبا بزائر لا يملّ» وما كان يقوله لغيره.

وكان رحمه‌الله : حافظا للقرآن ، وكان يحبّ الكتب ، ويقبل على العلم اقبالا شديدا ، حتى لا يكاد يفضل لديه شيء او يشغله عنه شيء ، ويروى أنه كانت عنده جارية ، وكانت تحبّه ، فلما رأت إعراضه عنها ، وإنصرافه إلى كتابه ترصّدت له حتى خرج لبعض شأنه فأخذت جذوة نار ، وطرحتها في الكتب حتى احترقت ، فلما رجع سيبويه ورأى كتبه وقد صارت هباء غشي عليه أسفا ، ثم أفاق فطلقّها.

٤

كتابه :

صنّف كتابه في النحو في الف ورقة (وهو هذا الكتاب) الذي لم يصنّف مثله لا قبله ولا بعده ، والكتاب كما تراه ليس له مقدمة ولا خاتمة ، وكان على نية العود اليه ، لأنه كان لديه منه بقية ، ولا يزال في نفسه شيء ، ويؤيد ذلك أنه ما سمّاه ، وما قرأه على أحد ، ولم يقرأه عليه أحد ، وان يونس وهو من شيوخه لم يعلم نبأ الكتاب الا بعد وفاته ، واتفق العلماء بعد وفاته أن يسمّوا هذه الأورق (بالكتاب) فقط ، ولا يصفونه بصفة ، ولا يخصصونه باضافة ، ورضى الناس منهم هذه التسمية ، ووافقوا عليها ، وصار (الكتاب) علما لكتاب سيبويه ، فكان يقال قرأ فلان الكتاب فيعلم أنه كتاب سيبويه ، وقرأ نصف الكتاب فلا يشك أنه كتاب سيبويه ، وكان هذا الكتاب يهدى الى الملوك والوزراء كأحسن هدية في عهد العباسيين ، وقد اجاد الزمخشري بقوله فيه وفي كتابه :

ألا صلى الاله صلاة صدق

على عمرو بن عثمان بن قنبر

فانّ كتابه لم يغن عنه

بنو قلم ولا ابناء منبر

مناظرته مع الكسائي :

قدم رحمه‌الله بغداد في عهد الرشيد ، وكان في ذلك الحين «للكسائى» مكانة عظيمة في بغداد وعند الخليفة ، وكان مؤدب أولاد الرشيد ، واولاد يحي ابن خالد البرمكي ، فلما علم الكسائي بمقدم سيبويه شق امره عليه ، فأتى جعفر والفضل ابنا يحي البرمكي ، وقال : أنا وليكما وصاحبكما ، وهذا الرجل انما

٥

قدم ليذهب محليّ ، ، قالا فاحتل لنفسك ، فانا سنجمع بينكما ، فوصل الخبر الى يحيي البرمكى ، فطلب سيبويه ، ونصحه بأن لا يجتمع مع الكسائي ، ولا يناظره لمكانته في بغداد عند الناس وعند الرشيد ، فقبل منه ذلك ، وأراد الخروج من بغداد ، فاشتهر الخبر وعرفه الرشيد ، فأمر بأن يجمع بينهما ، فجعل لهما موعدا ، وحضر سيبويه للموعد وحده ، وحضر من اصحاب الكسائي جماعة وفيهم خلف الأحمر ، والفراء. فتقدم الأحمر وسأل سيبويه مسألة ، فأجابه ، فقال له الأحمر : قد اخطأت يا بصري ، وسأله عن ثانية وثالثة. و. وو فما كان يجيب الجواب إلا ويقول الأحمر قد اخطأت يا بصري ، فوجم لذلك سيبويه ، وقال هذا سوء أدب.

فتقدم الفراء ، وقال : إن في هذا الرجل حدّة وعجلة ، ولكن ما تقول في هذه المسألة وسأله ، فأجابه سيبويه ، فقال الفراء : أعد النظر ، فقال لست اكلمكما حتى يحضر صاحبكما فاناظره.

فحضر الكسائي في جمع من العرب (وقد ارتشوا من قبل ، واتفق معهم بأن يؤيدوه ويخطئوا سيبويه في كل مسألة) فقال لسيبويه : تسألني او اسألك فقال : لا بل تسألني انت ، فقال الكسائي : ما تقول في «قد كنت أظن ان العقرب اشدّ لسعة من الزنبور فاذا هو هى» او «فاذا هو اياها» قال سيبويه فاذا هو هى بالرفع ولا يجوز النصب فقال له الكسائي لحنت ثم سأله عن مسائل

٦

من هذا النوع ، فاجابه سيبويه في ذلك كله بالرفع دون النصب ، فقال الكسائي ليس هذا كلام العرب ، والعرب ترفع في ذلك كله وتنصبه ، فأصر سيبويه على قوله :

فقال يحي بن خالد البرمكى : قد اختلفتما وانتما رئيسا بلديكما ، فمن ذا يحكم بينكما ، قال الكسائي : هذه العرب ببابك فيحضرون ويسألون ، فقال يحى : قد انصفت وأمر باحضارهم فدخلوا فسئلوا عن المسائل التي جرت بين الكسائى وسيبويه ، فشايعوا الكسائي ، وقالوا : القول قول الكسائى ولم ينطقوا بالنصب فقال سيبويه ليحي : مرهم ان ينطقوا بذلك ، فان السنتهم لا تطاوعهم عليه ، فما نطقوا غير قولهم (القول قول الكسائى) ، فانقطع سيبويه واستكان وانصرف الناس يتحدثون بانتصار الكوفي وهزيمة البصري ، فانصرم المجلس على أن سيبويه قد اخطأ.

فهمّ سيبويه لذلك ، ورقّ عليه يحى ، واجازه بعشرة آلاف درهم ، فخرج من بغداد ، وما عرج على البصرة ، فدخل الأهواز ، وأقام مدة قصيرة ، ثم قصد بلاد فارس ، ومات فيها كمدا وما قتله إلا الغم لما جرى عليه في بغداد من المؤامرة المؤلمة التي وقعت عليه ، فانا لله وانا اليه راجعون.

وفاته ومدفنه :

اختلف المؤرخون في سنة وفاته اشد اختلاف فقيل سنة ١٦١ ، وقيل

٧

سنة ١٧٧ ، وقيل سنة ١٨٠ ، وقيل سنة ١٩٤ ، والصحيح أنه توفي سنة ١٨٠ من الهجرة ، واما مكان وفاته فقيل مات في ساوة ، وقيل في البصرة ، وقيل في شيراز ، وقيل في البيضاء والصحيح انه مات بالبيضاء (القرية التي ولد فيها) ، ودفن بها ، وقد كتب على قبره ، قول سليمان بن يزيد العدوى :

ذهب الأحبة بعد طول تزاور

ونأى المزار فاسلموك واقشعوا

تركوك اوحش ما تكون بقفرة

لم يؤنسوك وكربة لم يرفعوا

وقضى القضاء وصرت صاحب حفرة

عنك الأحبة اعرضوا وتصدعوا

بيروت في ١ / ١ / ١٣٨٧ ه

١٠ / ٤ / ١٩٦٧ م

محمد الحسين الاعلمي

٨

بسم الله الرّحمن الرّحيم

[باب علم ما الكلم من العربية]

فالكلم اسم ، وفعل ، وحرف جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل ، فالاسم رجل وفرس وحائط ، واما الفعل فامثلة اخذت من لفظ أحداث الاسماء وبنيت لما مضى ولما يكون ولم يقع وما هو كائن لم ينقطع ، فاما بناء ما مضى فذهب وسمع ونكث وحمد ، وأما بناء ما لم يقع فانه قولك آمرا : إذهب واقتل واضرب ، ومخبرا يقتل ، ويذهب ويضرب ويقتل ويضرب ، وكذلك بناء ما لم ينقطع وهو كائن اذا أخبرت فهذه الأمثلة التي أخذت من لفظ أحداث الأسماء ولها أبنية كثيرة ستبيّن انشاء الله ، والأحداث نحو الضّرب والقتل والحمد ، وأما ما جاء لمعنى وليس باستم ولا فعل فنحو ثمّ وسوف وواو القسم ولام الاضافة ونحو هذا.

[باب مجارى أواخر الكلم من العربية]

وهي تجري على ثمانية مجار على النصب والجرّ ، والرفع والجزم والفتح والكسر والضمّ والوقف ، وهذه المجاري الثمانية يجمعهنّ في اللفظ أربعة أضرب فالنصب والفتح في اللفظ ضرب واحد ، والجرّ والكسر ضرب واحد ، وكذلك

__________________

بسم الله الرحمن الرحيم ، ولا إله الا الله ، الحمد لله حمدا يبلغ رضاه ، ويوجب المزيد من مواهبه وعطاياه ، ويؤدي حق نعمته ، ويتكفل بالزلفة لديه في جنته ، وصلّى الله على محمد نبيه المصطفى ، ورسوله المنتخب المنتقى ، وأمينه البشير المرتضى ، واهل بيته خاصة ، وعلى جميع ـ

٩

الرفع والضم ، والجزم والوقف ، وانما ذكرت لك ثمانية مجار لأفرق بين ما يدخله ضرب من هذه الأربعة لما يحدث فيه العامل وليس شىء منها إلّا وهو يزول عنه وبين ما يبنى عليه الحرف بناء لا يزول عنه لغير شيء أحدث ذلك فيه من العوامل التي لكلّ عامل منها ضرب من اللفظ في الحرف وذلك الحرف حرف الاعراب فالنصب والجرّ والرفع والجزم لحروف الاعراب وحروف الاعراب للاسماء المتمكّنة وللأفعال المضارعة ولأسماء الفاعلين التي في أوائلها الزوائد الأربع الهمزة والتاء والياء والنون وذلك قولك : أفعل أنا وتفعل أنت أو هي ، ويفعل هو ونفعل نحن ، فالنصب في الأسماء رأيت زيدا والجرّ مررت بزيد والرفع هذا زيد ، وليس في الأسماء جزم لتمكّنها وللحاق التنوين فاذا ذهب التنوين لم يجمعوا على الاسم ذهابه وذهاب الحركة ، والنصب في المضارع من الأفعال لن يفعل والرفع سيفعل والجزم لم يفعل ، وليس في الأفعال المضارعة جر كما أنه ليس في الأسماء جزم لأن المجرور داخل في المضاف إليه معاقب للتنوين وليس ذلك في هذه الأفعال ، وانما ضارعت أسماء الفاعلين أنّك تقول : «إنّ عبد الله ليفعل» فيوافق قولك لفاعل حتى كأنك قلت ان زيدا لفاعل فيما تريد من المعنى وتلحقه هذه اللام كما لحقت الاسم ولا تلحق فعل اللام وتقول سيفعل ذلك وسوف يفعل ذاك فتلحقها هذين الحرفين لمعنى كما تلحق الالف واللام الاسماء للمعرفة ويبين لك أنها ليست بأسماء أنك لو وضعتها مواضع الاسماء لم يجز ذلك ألا ترى أنك لو قلت «إنّ يضرب يأتينا» وأشباه هذا لم يكن كلاما الا أنها ضارعت الفاعل لاجتماعهما في المعنى وسترى ذلك أيضا في موضعه ولدخول اللام قال الله تعالى (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) أي لحاكم ولما لحقها من السين وسوف كما لحقت الالف واللام الاسم للمعرفة.

وأما الفتح والكسر والضم والوقف فللاسماء غير المتمكنة المضارعة عندهم ما ليس باسم ولا فعل مما جاء لمعنى ليس غير نحو سوف وقد ، وللأفعال التي لم تجر مجرى المضارعة ، وللحروف التي ليست بأسماء ولا أفعال ولم تحبىء الا لمعنى ، فالفتح في الاسماء قولهم حيث وكيف وأين والكسر فيها نحو أولاء وحذار وبداد ، والضمّ نحو حيث وقبل وبعد والوقف

__________________

ـ انبيائه عامة ، افضل صلاة وازكاها ، وأرفعها درجة وأسناها [هذا كتاب] امر بتأليفه وتلخيصه ، وتهذيبه وتخليصه ، المعتضد بالله المنصور بفضل الله أبو عمرو عباد بن محمد بن عباد عناية منه بالأدب ـ

١٠

نحو من وكم وقط وإذ ، والفتح في الأفعال التي لم تجر مجرى المضارعة قولهم ضرب وكذلك كل بناء من الفعل كان معناه فعل ولم يسكّنوا آخر فعل لان فيها بعض ما في المضارعة تقول هذا رجل ضربنا فتصف بها النكرة وتكون في موضع ضارب إذا قلت «هذا رجل ضارب» وتقول إن فعل فعلت فيكون في معنى ان يفعل أفعل فهي فعل كما أن المضارع فعل وقد وقعت موقعها في إن ووقعت موقع الاسماء في الوصف كما تقع المضارعة في الوصف فلم يسكّنوها كما لم يسكّنوا من الاسماء ما ضارع المتمكن ولا ما صيّر من المتمكّن في موضع بمنزلة غير المتمكن فالمضارع من «عل» حرّكوه لانهم قد يقولون من عل فيجرّونه وأما المتمكن الذي جعل بمنزلة غير المتمكن في موضع فقولك : ابدأ بهذا أول ويا حكم والوقف قولهم اضربه في الأمر لم يحركوها لانها لا يوصف بها ولا تقع موقع المضارعة فبعدت من المضارعة بعدكم وإذ من المتمكنة وكذلك كل بناء من الفعل كان معناه افعل ، والفتح في الحروف التي ليست إلا لمعنى وليست بأسماء ولا أفعال قولهم سوف وثم والكسر فيها قولهم في باء الاضافة ولامها بزيد ولزيد والضمّ فيها منذ فيمن جرّ بها لانها بمنزلة من في الايام والوقف فيها قولهم من وهل وبل وقد ، ولا ضمّ في الفعل لانه لم يجىء ثالث سوى المضارع وعلى هذين المعنيين بناء كل فعل بعد المضارع.

وأعلم انك إذا ثنيت الواحد لحقته زيادتان الاولى منهما حرف المدّ واللين وهو حرف الاعراب غير متحرّك ولا منّون تكون في الرفع ألفا ولم تكن واوا ليفصل بين التثنية والجمع الذي على حدّ التثنية وتكون في الجرّ ياء مفتوحا ما قبلها ولم يكسر ليفصل بين التثنية والجمع الذي على حدّ التثنية وتكون في النصب كذلك ولم يجعلوا النصب ألفا ليكون مثله في الجمع وكان مع هذا أن يكون تابعا لما الجرّ منه أولى لان الجرّ للاسم لا يجاوزه والرفع قد ينتقل الى الفعل فكان هذا أغلب وأقوى وتكون الزيادة الثانية نونا كأنها عوض لما منع من الحركة والتنوين وهي النون وحركتها الكسر وذلك قولك هما الرجلان ، ورأيت الرجلين ، ومررت بالرجلين ، واذا جمعت على حدّ التثنية لحقتها زيادتان الاولى منهما حرف المدّ واللين والثانية نون وحال الاولى في السكون وترك التنوين وأنها حرف الاعراب حال

__________________

ـ وميلا اليه ، وتهمها بعلم لسان العرب وحرصا عليه ، أمر باستخراج شواهد كتاب سيبويه أبي بشر عمرو بن عثمان بن قنبر رحمة الله عليه وتلخيصها منه ، وجمعها في كتاب يخصها ويفصلها عنه مع ـ

١١

الاولى في التثنية الا أنها واو مضموم ما قبلها في الرفع وفي الجرّ والنصب ياء مكسور ما قبلها ونونها مفتوحة فرقوا بينها وبين نون الاثنين كما أن حرف اللين الذي هو حرف الاعراب مختلف فيهما وذلك قولك : جائني المسلمون ورأيت المسلمين ومررت بالمسلمين ، ومن ثم جعلوا تاء الجمع في الجرّ والنصب مكسورة لانهم جعلوا التاء التي هي حرف الاعراب كالواو والياء والتنوين بمنزلة النون لانها في التأنيث نظيرة الواو والياء في التذكير فأجروها مجراها.

واعلم ان التثنية إذا لحقت الأفعال المضارعة علامة للفاعلين لحقها ألف ونون ولم تكن الألف حرف الاعراب لانك لم ترد أن تثنّي يفعل هذا البناء فتضمّ اليه يفعلا آخر ولكنك انما ألحقته هذا علامة للفاعلين ولم تكن منونة ولا تلزمها الحركة لانه يدركها الجزم والسكون فيكون الأول حرف الاعراب والآخر كالتنوين فلمّا كان حال يفعل في الواحد غير حال الاسم وفي التثنية لم يكن بمنزلته فجعلوا إعرابه في الرفع ثبات النون لتكون له في التثنية علامة الرفع كما كان في الواحد إذ منع حرف الاعراب وجعلوا النون مكسورة كحالها في الاسم ولم يجعلوها حرف إعراب إذ كانت متحركة لا تثبت في الجزم ولم يكونوا ليحذفوا الألف لانها علامة الاضمار والتثنية في قول من قال أكلوني البراغيث وبمنزلة التاء في قلت وقالت فأثبتوها في الرفع وحذفوها في الجزم كما حذفوا الحركة في الواحد ووافق النصب الجزم في الحذف كما وافق النصب الجرّ في الأسماء لان الجزم في الافعال نظير الجرّ في الاسماء وليس للاسماء في الجزم نصيب كما انه ليس للفعل في الجرّ نصيب وذلك قولك : هما يفعلان ولم يفعلا ولن يفعلا ، وكذلك إذا لحقت الافعال علامة للجمع لحقتها زائدتان إلا ان الاولى واو مضموم ما قبلها لئلا يكون الجمع كالتثنية ونونها مفتوحة بمنزلتها في الاسماء كما فعلت ذلك في التثنية لانهما وقعتا في التثنية والجمع ههنا كما انهما في الاسماء كذلك وهو قولك : هم يفعلون ولم يفعلوا ولن يفعلوا ، وكذلك اذا ألحقت التأنيث في المخاطبة إلا أن الاولى ياء وتفتح النون لان الزيادة التي قبلها بمنزلة الزيادة التي في الجمع وهي تكون في الاسماء في الجر والنصب وذلك قولك : أنت تفعلين ولم تفعلي ولن تفعلي ، وإذا أردت جمع المؤنث في الفعل المضارع ألحقته للعلامة نونا وكانت علامة الاضمار والجمع فيمن قال «أكلوني

__________________

ـ تلخيص معانيها وتقريب مراميها ، وتسهيل مطالعها ومراقيها ، وجلاء ما غمض وخفى منها من وجوه الاستشهادات فيها ، ليقرب على الطالب تناول جملتها ، ويسهل عليه حصر عامتها ، ويجتني من ـ

١٢

البراغيث» وأسكنت ما كان في الواحد حرف الاعراب كما فعلت ذلك في فعل حين قلت: فعلت وفعلن فأسكن هذا ههنا وبني على هذه العلامة كما اسكن فعل لانه فعل كما أنه فعل وهو متحرك كما أنه متحرك ، وليس هذا بأبعد فيها اذ كانت هي وفعل شيئا واحدا من يفعل اذ جاز لهم فيها الاعراب حين ضارعت الاسماء وليست باسماء وذلك قولك : هنّ يفعلن ولن يفعلن ولم يفعلن ، وتفتح النون لأنها نون جمع ولا تحذف لانها علامة إضمار وجمع في قول من قال أكلوني البراغيث فالنون ههنا في يفعلن بمنزلتها في فعلن وفعل بلام يفعل ما فعل بلام فعل لما ذكرت لك ولانها قد تبني مع ذلك على الفتحة في قولك : هل تفعلن ، وألزموا لام فعل السكون وبنوها على العلامة وحذفوا الحركة لما زادوا لانها في الواحد ليس آخرها حرف الاعراب لما ذكرت لك.

واعلم أن بعض الكلام أثقل من بعض فالافعال أثقل من الاسماء لان الاسماء هي الأول وهي أشدّ تمكنا فمن ثم لم يلحقها تنوين ولحقها الجزم والسكون وإنما هي من الاسماء ألا ترى أن الفعل لا بدّ له من الاسم وإلا لم يكن كلاما والاسم قد يستغني عن الفعل تقول الله إلهنا وعبد الله أخونا.

واعلم أن ما ضارع الفعل المضارع من الاسماء في الكلام ووافقه في البناء اجرى لفظه مجري ما يستثقلون ومنعوه ما يكون لما يستخفّون فيكون في موضع الجرّ مفتوحا استثقلوه حيث قارب الفعل في الكلام ووافقه في البناء وذلك نحو أبيض وأسود وأحمر وأصفر فهذا بناء أذهب وأعلم ، وأما مضارعته في الصفة فانك لو قلت أتاني اليوم قوىّ وألا ماء باردا ومررت بجميل كان ضعيفا ، ولم يكن في حسن أتاني رجل قوي وألا ماء باردا ومررت برجل جميل ، أفلا ترى أن هذا يقبح ههنا كما أن الفعل المضارع لا يتكلّم به إلا ومعه الاسم لان الاسم قبل الصفة كما أنه قبل الفعل ومع هذا أنك ترى الصفة تجري في معنى يفعل وتنصب كما ينصب الفعل وسترى ذلك ان شاء الله فان كان اسما كان أخفّ عليهم وذلك نحو أفكل وأكلب ينصرفان في النكرة ومضارعة أفعل الذي يكون صفة

__________________

ـ كثب ثمر فائدتها ، فانتهيت الى أمره العلى ، وسلكت فيه منهاج مذهبه الرفيع السنى ، وأمليته على ما حد أيده الله وأعلى يده وألفته على رتبة وقوع الشواهد في الكتاب ، وأسندت كل شاهد منها الى بابه اولا ، ثم الى شاعره ان كان معلوما آخرا (وسميته بكتاب تحصيل عين الذهب من ـ

١٣

للاسم أنه يكون وهو اسم صفة كما يكون الفعل صفة وأما يشكر فانه لا يكون صفة وهو اسم انما يكون صفة وهو فعل.

وأعلم أن النكرة أخف عليهم من المعرفة وهي أشد تمكنا لان النكرة أول ثم يدخل عليها ما تعرّف به فن ثم أكثر الكلام ينصرف في النكرة.

وأعلم أن الواحد أشد تمكنا من الجمع لأن الواحد الأول ومن ثم لم يصرفوا ما جاء من الجمع على مثال ليس يكون للواحد نحو مساجد ومفاتيح.

وأعلم أن المذكّر أخف عليهم من المؤنّث لان المذكر أول وهو أشدّ تمكنا وانما يخرج التأنيث من التذكير ألا ترى أن الشيء يقع على كل ما أخبر عنه من قبل أن يعلم أذكر هو أو أنثى والشىء مذكّر فالتنوين علامة للأمكن عندهم ولاخفّ عليهم وتركه علامة لما يستثقلون وسوف يبين ما ينصرف ان شاء الله ، وجميع ما لا ينصرف اذا ادخل عليه الألف واللام أو اضيف انجرّ لأنها أسماء ادخل عليها ما يدخل على المنصرف وادخل فيها المجرور كما يدخل في المنصرف ولا يكون ذلك في الأفعال وأمنوا التنوين فجميع ما يترك صرفه مضارع به الفعل لانه إنما فعل ذلك به لانه ليس له تمكّن غيره كما أن الفعل ليس له تمكن الاسم.

وأعلم أن الآخر اذا كان يسكن في الرفع حذف في الجزم لئلا يكون الجزم بمنزلة الرفع فحذفوا كما حذفوا الحركة ونون الاثنين والجميع وذلك قولك لم يرم ولم يغز ولم يخش وهو في الرفع ساكن الآخر تقول هو يرمى ويغزو ويخشى.

[باب المسند والمسند اليه]

وهما مالا يستغنى واحد منهما عن الآخر ولا يجد المتكلم منه بدا فمن ذلك الاسم المبتدأ والمبنى عليه وهو قولك : عبد الله أخوك وهذا أخوك ، ومثل ذلك قولك : يذهب زيد فلا بدّ للفعل من الاسم كما لم يكن للاسم الأول بد من الآخر في الابتداء ومما يكون بمنزلة الابتداء قولك : كان عبد الله منطلقا وليت زيدا منطلق لأن هذا يحتاج الى ما بعده كاحتياج المبتدإ الى ما بعده.

__________________

ـ معدن جوهر الأدب في علم مجازات العرب) ليكون اسمه مطابقا لمعناه ، وترجمته دالة على مغزاه ولم أطل فيه اطالة تمل الطالب الملتمس للحقيقة ، ولا قصرت نقصيرا يخل عنده بالفائدة ، فان جاء ـ

١٤

وأعلم أن الاسم أول أحواله الابتداء وإنما يدخل الناصب والرافع سوى الابتداء والجارّ على المبتدا ألا ترى أن ما كان مبتدءا قد تدخل عليه هذه الاشياء حتى يكون غير مبتدإ ولا تصل الى الابتداء ما دام مع ما ذكرت لك الا أن تدعه وذلك أنك اذا قلت عبد الله منطلق ان شئت أدخلت رأيت عليه فقلت رأيت عبد الله منطلقا او قلت كان عبد الله منطلقا أو مررت بعبد الله منطلقا فالابتداء أول كما كان الواحد أول العدد والنكرة قبل المعرفة.

[باب اللفظ للمعاني]

اعلم أن من كلامهم اختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين واختلاف اللفظين والمعنى واحد ، واتفاق اللفظين واختلاف المعنيين ، وسترى ذلك ان شاء الله تعالى فاختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين هو نحو جلس وذهب واختلاف اللفظين والمعنى واحد نحو ذهب وانطلق واتفاق اللفظين والمعنى مختلف قولك وجدت عليه من الموجدة ووجدت اذا أردت وجدان الضالة وأشباه هذا كثير.

[باب ما يكون في اللفظ من الأعراض]

اعلم أنهم مما يحذفون الكلم وان كان أصله في الكلام غير ذلك ويحذفون ويعوّضون ويستغنون بالشىء عن الشىء الذي أصله في كلامهم أن يستعمل حتى يصير ساقطا وسترى ذلك ان شاء الله ، فما حذف وأصله في الكلام غير ذلك لم يك ولا أدر ، وأشباه ذلك ، وأما استغناؤهم بالشىء عن الشىء فانهم يقولون يدع ولا يقولون ودع استغنوا عنها بترك وأشباه ذلك كثيرة ، والعوض قولهم زنادقة وزناديق وفرازنة وفرازين حذفوا الياء وعوّضوا الهاء وقولهم أسطاع يسطيع وانما هي أطاع يطيع زادوا السين عوضا من ذهاب حركة العين من أفعل وقولهم اللهمّ حذفوا يا وألحقوا الميم عوضا.

[باب الاستقامة من الكلام والاحالة]

فمنه مستقيم حسن ومحال ومستقيم كذب ومستقيم قبيح وما هو محال كذب ، فأما المستقيم الحسن فقولك أتيتك أمس وسآتيك غدا ، وأما المحال فأن تنقض أول كلامك بآخره

__________________

ـ على ما يوافقه فبسعده وتوفيق الله عزوجل ، وان جاء بخلاف ذلك فقد اجتهدت ولكني حرمت التوفيق وحسبي الله ونعم الوكيل.

١٥

فتقول أتيتك غدا وسآتيك أمس ، وأما المستقيم الكذب فقولك : حملت الجبل وشربت ماء البحر ونحوه ، وأما المستقيم القبيح فأن تضع اللفظ في غير موضعه نحو قولك قد زيدا رأيت وكي زيد يأتيك وأشباه هذا ، وأما المحال الكذب فأن تقول : سوف أشرب ماء البحر أمس.

[باب ما يحتمل الشعر]

اعلم أنه يجوز في الشعر ما لا يجوز في الكلام من صرف ما لا ينصرف يشبّهونه بما ينصرف من الاسماء لانها أسماء كما انها أسماء وحذف ما لا يحذف يشبّهونه بما قد حذف واستعمل محذوفا كما قال العجّاج : [رجز]

(١) قواطنا مكّة من ورق الحمى

يريد الحمام وكما قال خفاف بن ندبة السّلمي : [كامل]

(٢) كنواح ريش حمامة نجديّة

ومسحت باللثتين عصف الأثمد

__________________

(١) يريد الحمام فغيرها الى الحمى وفي ذلك اوجه احسنها عندي واشبهها بالمستعمل من كلام العرب أن يكون اقتطع بعض الكلمة للضرورة وأبقى بعضها لدلالة المبقى على المحذوف منها وبناها بناء يد ودم وجبرها بالاضافة والحقها الياء في اللفظ لوصل القافية فيكون في التغيير والحذف مثل قول لبيد* عفت المنا بمتالع فأبان* أراد المنازل فغير كما ترى وهذا بين جدا ، ووجه آخر أن يكون حذف الألف من زيادتها فبقي الحمم وأبدل من الميم الثانية ياء استثقالا للتضعيف كما قالوا تظنيت في تظننت ثم كسر ما قبل الياء لتسلم من الانقلاب الى الالف فقال الحمى ، ووجه آخر ان يكون حذف الميم للترخيم في غير النداء ضرورة وأبدل من الألف ياء كما يبدل من الياء ألف في قولهم مدارى وعذارى وانما أصله مدار وعذار* وصف في البيت حمام مكة القاطنة بها لأمنها فيها وواحدة القواطن قاطنة وهي الساكنة المقيمة وصرفها ضرورة والورق جمع اورق وورقاء وهي الشيء على لون الرماد تضرب الى الخضرة.

(٢) أراد كنواحى ريش فحذف الياء في الاضافة ضرورة شبهالها بها في حال الافراد والتنوين وحال الوقف.

وصف في البيت شفتي المرأة فشبههما بنواحي ريش الحمامة في رقتهما ولطافتهما وحوتهما وأراد ان لثاتها تضرب الى السمرة فكأنها مسحت بالأثمد ، وعصف الاثمد ، ما سحق منه وهو من عصفت الريح اذا هبت بشدة ، سحقت ما مرت عليه وكسرته وهو مصدر وصف به المفعول ـ

١٦

وكما قال : [رجز]

(١) دار لسعدى إذه من هواكا

وقال : [وافر]

(٢) فطرت بمنصلي في يعملات

دوامى الأيد يخبطن السّريحا

وكما قال النجاشي : [طويل]

(٣) فلست بآتيه ولا أستطبيعه

ولاك آسقني إن كان ماؤك ذا فضل

__________________

ـ كما قيل الخلق بمعنى المخلوق والرواية الصحيحة مسحت بكسر التاء وعليه التفسير ، وروى مسحت بضم التاء ومعناه قلتها فمسحت عصف الاثمد في لثتيها وكانت العرب تفعل ذلك تغرز المرأة لثاتها بالابرة ثم تمر عليها الأثمد والنؤر وهو دخان الشحم المحرق حتى يثبت باللثات فيشتد ويسمر ويتبين بياض الثغر أو يكون المعنى باشرت من سمرتها مثل عصف الاثمد ، وإنما خص الحمامة النجدية لان الحمام عند العرب كل مطوق كالقطا وغيره ، وانما قصده منها الى الحمام الورق المعروفة وهي تألف الحبال والجزر والنجد ما ارتفع من الأرض ولا تألف الفيافي والسهول كالقطا وغيره.

(٣) أراد إذ هي فسكن الياء أولا ضرورة ثم حذفها ضرورة أخرى بعد الاسكان آخرا تشبيها لها بعد سكونها بالياء اللاحقة في ضمير الغائب اذا سكن ما قبله والواو اللاحقة له في هذه الحال نحو عليه ولديه ومنه وعنه* وصف دارا خلت من سعدى هذه المرأة وبعد عهدها بها فتغيرت بعدها وذكر أنها كانت لها دار او مستقرا اذ كانت مقيمة بها فكان بهواها باقامتها فيها

(٤) حذف الياء من الايدي مع الألف واللام ضرورة كما حذفها من الأول مع الاضافة والعلة واحدة وقد تقدمت واستغنى من اعادتها* وصف أنه أسرع الفيام بسيفه وهو المنصل في نوق فعقرهن للاضياف أو لاصحابه مع حاجته اليهن وذكر أنهن دوامى الأيدي اشارة الى أنه في سفر فقد حفين لادمان السير ودميت أخفافهن فانعلن السريح وهي جلود أو خرق تشد على اخفافهن وواحدة اليعملات يعملة وهي القوية على العمل وواحدة السريح سريحة واشتقاقها من التسريح كأن الناقة قامت من الحفاء فلما انعلتها تسرحت وانبعثت والسريح الناقة الخفيفة السريعة

(٥) حذف النون من لكن لاجتماع الساكنين ضرورة لاقامة الوزن وكان وجه الكلام أن يكسر لالتقاء الساكنين شبهها في الحذف بحروف المد واللين اذا سكنت وسكن ما بعدها ـ

١٧

وكما قال مالك بن خريم الهمداني : [طويل]

(١) فان بك غثّا أو سمينا فاقّني

سأجعل عينيه لنفسه مقنعا

وقال الاعشى : [كامل]

(٢) وأخو الغوان متى يشأ يصر منه

ويكنّ أعداء بعيد وداد

وربما مدّوا مثل مساجد ومنابر فيقولون مساجيد ومنابير شبّهوه بما جمع على غير واحده في الكلام ، كما قال الفرزدق : [بسيط]

(٣) تنفي يداها الحصى في كلّ هاجرة

نفى الدنّانير تنقاد الصّياريف

وقد يبلغون بالمعتل الاصل فيقولون رادد في رادّ وضننوا في ضنّوا ومررتم بجواري

__________________

ـ نحو يغز العدو ويقض الحق ويخش الله ولما استعمل محذوفا نحو لم يك ولا أدر* وصف انه اصطحب ذئبا في فلاة معضلة لا ماء بها وزعم ان الذئب رد عليه فقال لست بآت ما دعوتني اليه من الصحبة ولا استطيعه لانني وحشي وأنت انسي ولكن اسقني ان كان ماؤك فاضلا عن ريك واشار بهذا الى تعسفه للفلوات التي لا ماء فيها فيهتدي الذئب الى مظانه فيها لاعتياده لها.

(٦) أراد لنفسهي فحذف الياء ضرورة في الوصل تشبيها بها في الوقف اذ قال لنفسه* وصف ضيفا فيقول انه يقدم اليه ما عنده من القرى ويحكمه فيه ليختار منه أفضل ما تقع عليه عيناه فيقنع بذلك.

(٧) أراد الغواني فحذف الياء ضرورة وقد تقدمت علته* وصف النساء بالغدر وقلة الوفاء والصبر فيقول من كان مشغوفا بهن ومواصلا لهن اذا تعرض لصرمهن سارعن الى ذلك لتغير أخلاقهن وقلة وفائهن وأراد متى يشأ صرمهن يصر منه فحذف ، وقد قيل المعنى متى يشأ وصالهن يصر منه والأول أصح لأنه قد أثبت المواصلة منهن والوداد بقوله بعيد وداد ولو صح هذا التأويل وقطعه على انه متى يشأ الوصال صرم لما جاز أن يتواصل عاشقان أبدا وواحدة الغواني غانية وهي التي غنيت بشبابها وحسنها عن الزينة ويقال هي التي غنيت بزوجها عفة وتحصنا ويقال هي التي غنيت في البيوت أي أقامت بها ولم تنصرف صيانة لها.

(٨) زاد الياء في الصياريف ضرورة تشبيها لها بما جمع في الكلام على غير واحد نحو ذكر ومذاكير وسمح ومساميح* وصف ناقة بسرعة السير في الهواجر فيقول ان يديها لشدة وقعهما في الحصى تنفيانه فيقرع بعضه بعضا ويسمع له صليل كصليل الدنانير اذا انتقدها الصيرف فنفى رديئها عن جيدها وخص الهاجرة لتعذر السير فيها.

١٨

قبل ، قال قصنب بن أمّ صاحب : [بسيط]

(١) مهلا أعاذل قد جرّبت من خلقي

أنّى اجود لأقوام وان ضننوا

ومن العرب من يثقّل الكلمة إذا وقف عليها ولا يثّقلها في الوصل فاذا كان في الشعر فهم يجرونه في الوصل على حاله في الوقف نحو سبسبّا وكلكلّا لأنهم قد يثقّلونه في الوقف فأثبتوه في الوصل كما أثبتوا الحذف في قوله لنفسه مقنعا وإنما حذفه في الوقف ، قال رؤبة [رجز]

(٢) ضخم يحبّ الخلق الأضخمّا

يروى بكسر الهمزة وفتحها وقال بعضهم الضّخّما بكسر الضاد وقال أيضا في مثل لنفسه مقنعا ، وهو الشماخ : [وافر]

(٣) له زجل كأنه صوت حاد

إذا طلب الوسيقة أو زمير

وقال حنظلة بن فاتك : [طويل]

__________________

(٩) أراد ضنوا فبناء على الاصل وأظهر التضعيف ضرورة شبهه بما استعمل في الكلام مضافا على أصله نحو لححت عينه اذا التصقت وضبب البلد كثرت ضبابه وألل السقاء اذا تغير ريحه* وصف انه جواد لا يصرفه العذل عن الجود وان كان الذي يجود عليه ما نعاله بخيلا بما له وانما يريد ان جوده سجية فلا سبيل الى أن يكفه العذل عنه.

(١٠) أراد الاضخم فشدد في الوصل ضرورة تشبيها بما يشدد في الوقف اذ قيل هذا أكبر وأعظم ولو قال الاضخم فوقف على الميم لم تكن فيه ضرورة ولكنه لما وصل القافية بالالف خرجت الميم عن حكم الوقف لان الوقف على الالف لا عليها ولذلك مثل سيبويه بسبسبا وكلكلا وروى الأضخما بكسر الهمزة والضخما بكسر الضاد فالضرورة على روايته لان إفعلا.

وفعلا موجودان في الكلام كثيرا نحو إرزب وخدب وانما الضرورة في فتح الهمزة لان أفعلا ليس بموجود* وصف رجلا بشرف الهمة وعظم الخليقة ونسبه الى الضخم اشارة الى ذلك ولم يرد ضخم الجثة قال الله عزوجل (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) والعظم والضخم سواء.

(١١) أراد كأنهو فحذف الواو ضرورة وقد تقدمت علته* وصف حمار وحش هائجا فيقول اذا طلب وسيقته وهي انثاء التي يضمها ويجمعها وهي من وسقت الشيء أي جمعته صوت بها وكأن صوته لما فيه من الزجل والحنين ومن حسن الترجيع والتطريب ، وصوت حاد بلبل يتغنى ويطربها أو صوت مزمار ، والزجل صوت فيه حنين وترنم.

١٩

(١) وأيقن أنّ الخيل إن تلتبس به

يكن لفسيل النّخل بعده آبر

وقال رجل من باهلة : [بسيط]

(٢) أو معبر الظّهر ينبي عن وليّته

ما حجّ ربّه في الدنيا ولا اعتمرا

وقال الاعشى : [طويل]

(٣) وماله من مجد تليد وماله

من الريح حظ لا الجنوب ولا الصبا

وقال : [بسيط]

(٤) بيناه في دار صدق قد أقام بها

حينا يعلّلنا وما نعلّله

__________________

(١٢) أراد بعد هو فحذف الواو ضرورة كما تقدم والبيت يتأول على معنيين أحدهما وهو الاصح أن يكون وصف جبانا فيقول أيقن أنه التبست به الخيل قتل فصار ماله الى غيره فكع وانهزم ، والمعنى الآخر أن يكون وصف شجاعا فيقول قد علم انه ان ثبت وقتل لم تتغير الدنيا بعده وبقي من أهله من يخلفه في حرمه وماله فثبت ولم يبال بالموت وفسيل النخل صغاره واحدته فسيلة والآبر المصلح له القائم عليه والابار تلقيح النخل.

(١٣) أراد ربهو فحذف الواو ضرورة وقد تقدمت علته* وصف لصا يتمني سرقة بعير لم يستعمله ربه في سفر لحج أو عمرة فينصبه ، والمعبر الظهر الكثير وبره الممتلئة ومعنى ينبي عن وليته يجعلها تنبو عنه لسمنه وكثرة وبره وكان ينبغي أن يقول تنبى وليته عن ظهره فقلب لأنه إذا أنبأها عن ظهره فقد أنبى ظهره عنها والولية البرذعة.

(١٤) أراد لهو فحذف الواو ضرورة كما مرقبله هجا بالبيت رجلا فيقول هو لئيم الأصل لم يرث مجدا ولا كسب خيرا فضرب له المثل بقلة خيره بنفي حظه من الريحين الجنوب والصبا لأن الجنوب والصبا أكثر الرياح عندهم خيرا والجنوب تلقح السحاب والصبا تلقح الأشجار وقد يتأول على معنى انه لا خير عنده ولا شر كما يقال فلان لا ينفع ولا يضر أي ليس بشيء يعبأ به لان الصبا عند بعضهم لا تأتي بخير ، والتليد القديم ورفع الجنوب والصبا على البدل من الحظ لان الحظ ههنا جزء من الريح والريح في معنى الرياح لانه اسم جنس ثم بين الحظ الذي نفى عنه بالريحين ويجوز خفض الجنوب على البدل من الريح.

(١٥) أراد بينا هو فسكن ضرورة ثم حذف فادخل ضرورة على ضرورة وعلته كعلة حذف الياء في قوله «اذه من هواكا» وقد تقدم شرحه* وصف رجلا سيدا فاجأته المنية فاخترمته فيقول بينا هو في خير وصلاح حال يعللنا بالطعام والشراب والمعروف والافضال ذهبت به المنية ففقدناه وجواب بيناه فيما يتصل بالبيت ، والصدق ههنا الخير والصلاح.

٢٠