رحلة الشام

إبراهيم عبد القادر المازني

رحلة الشام

المؤلف:

إبراهيم عبد القادر المازني


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب
الطبعة: ٠
ISBN: 978-977-420-228-3
الصفحات: ٢٤١

١
٢

٣
٤

شكر وتقدير

تحقيق لرحلة الشام أو رحلة الشتاء" كما أسماها" إبراهيم عبد القادر المازنى" عن مخطوطة كتبها المازنى بنفسه وعلق عليها ، وراجعها بقلمه عام (١٩٣٦) وهى نسخة كتبها المازنى على الآلة الكاتبة بنفسه ثم راجعها بقلم مغاير. وقد سلم لى هذه المخطوطة ابنه محمد إبراهيم عبد القادر المازنى ، ضمن ما أعطانى من مقالات لم ينشرها المازنى فى حياته.

لهذا وجدت من واجبى أن أسهر على هذا العمل النادر ، وأن أعطيه كل الاهتمام ، لأنه يمثل صفحة مشرقة من تاريخ العلاقات المصرية العربية فيما بين الحربين ، بل يعكس النهضة الثقافية العربية آنذاك.

ولا أنسى أن أقدم وافر الشكر لابنه محمد المازنى الذى كان ـ رحمه‌الله ـ يسهم بوعيه فى نشر هذا التراث المهم ، لوالده. لعلمه بمكانة المازنى فى تاريخنا الأدبى الحديث

د. مدحت الجيار

٥
٦

بين يدى القارئ

رحلة الشام

٧
٨

النثر العربى غنى ومتنوع ، ممتد عبر كل عصور الأدب العربى. حمل ـ مثله مثل الشعر ـ خصائص لغتنا العربية ـ وخصائص كل مرحلة حضارية يمر بها المجتمع العربى. وللنثر الأدبى : أنواعه ، وخصائصه المميزة ؛ ولكنه لم يأخذ حقه من الدراسة كما أخذ الشعر العربى. فقد وضعت الظروف التاريخية والحضارية بعامة الشعر العربى كأهم نوع أدبى يكتبه الإنسان العربى خلال كل عصورها. مما جعل النثر يتوارى قليلا فى الحياة الأدبية ، مقدما الشعر أمامه ، حتى أن الأنواع الأدبية النثرية كانت تتوسل بالشعر ليزداد النوع النثرى تشويقا وجذبا لاهتمام القارىء والمستمع على السواء.

وقد سبق فنا الخطابة ، والرسالة ، فى بداية الأمر لاجتياج الحياة العربية إليهما. ثم أضيف إليهما ما لدى العرب من حكايات وحوادث تاريخية وسير شخصية. وتنطوى كلها تحت النتاج الشفاهى. الذى تغلب على ظاهرة النسيان الإنسانية ، بما وضعه من تقسيمات وإيقاعات صوتية فى النص الأدبى النثرى. لتستعين به الذاكرة العربية وتستمع فى الوقت نفسه ، بمقدار من البلاغة ،

٩

والموسيقى ، ووسائل السرد ، وأنواع الفكر ، وتعدد الموضوعات ، حسب الغرض المطلوب والمتاح فى الخطاب النثرى ، على اختلاف أنواعه وطرق تكوينه ، وكما يقول أرسطو : " كل واحد من الناس يوجد مستعملا لنحو ما من أنحاء البلاغة ، ومنتهيا منها إلى مقدار ما. ولذلك فى صنفى الأقاويل اللذين أحدهما المناظرة والثانى التعليم والإرشاد ، وأكثر ذلك فى الموضوعات الخاصة بهذه الصناعة وهى مثلب الشكايا والاعتذار وسائر الأقاويل التى فى الأمور الجزئية." ومثل المدح والذم والجميل والقبيح والفضيلة والرذيلة وغيرها من الأمور المجردة.

وما يقال عن الخطابة يقال عن غيرها من أنواع النثر الأدبى. أعنى ما قاله أرسطو" إنما يكون الكلام تم فعلا وأكثر إقناعا إذا رأى المخاطب به ، إنه لم يبق فيه موضوع ، ولا تأمل ولا معارضة ، إلا وقد أتى بها ..".

لأن النوع الأدبى يحمل خطابا للآخر. ويحتاج إلى إقناعه وإمتاعه وتوصيل رساله إليه.

ولقد أضافت سيرة النبى" صلى‌الله‌عليه‌وسلم" نوعا أدبيا مختلفا عن سير الملوك والأبطال. كانت بداية لكتابة سير الصحابة والخلفاء والصالحين ، ثم سير المشهورين والعظماء فيما بعد. ثم إن فن كتابة الرحلة نوعا أدبيا جديدا ، يهتم بالسفر بين البلاد ، مؤرخا وواصفا وملاحظا.

وقد ثبتت أشكال بعض الأنواع الأدبية النثرية. واستطاع فن كتابة الرحلة أو أدب الرحلة أن يتطور مع الرحلة نفسها وبتطور الأسباب التى تدعو إليها.

١٠

وكانت الأنواع النثرية التقليدية قد أخذت حظها من الدراسة. وكان لا بد أن نهتم بالأنواع النثرية الأخرى التى لم تحظ بعناية كأدب الرحلة.

ولا ننسى فى هذا السياق أن أدب الرحلة ، أدب إكتشاف للذات وللآخر. للمكان وللزمان قديما وجديدا. فالرحلة كالمكتشف الذى يطارده سؤال دائم عن الإنسان والزمان والمكان ، فى كل مرحلة يصل إليها ، أو يفكر فى الوصول إليها.

وهو ما دعا لتأليف الرحلة" لأدب الرحلة" وهذا ما جعلنا ندرس ونحقق" رحلة الشام لإبراهيم عبد القادر المازنى" ، كنموذج تطبيقى لأدب الرحلة الحديث. فهو نموذج من نماذجه المتعددة وأحد مؤلفات المازنى المحتاجة للظهور بين يدى المتابعين والدارسين للأدب العربى الحديث.

وكان لا بد أن يكون الاهتمام بأدب الرحلة مشفوعا بالاهتمام بنص من نصوص الرحلة العربية. وهو ما نجده فى هذا الكتاب. إذ يوضع الكتاب فى قسمين كبيرين :

الأول : دراسة لأدب الرحلة. والثانى : يدرس كتاب" رحلة الشام" كنموذج لأدب الرحلة حتى يتحقق التوازن بين الدراسة ، والتحقيق والتحليل. أملا فى أن يجد المتابع لهذا البحث توازنا آخر بين الاحتفاء بالمازنى وكتابه ، وبين الاحتفاء بأدب الرحلة العربى ، وبالآخرين الذين شكلوا رحلة الشام معه.

١١

وسيجد المتابع خلال وحدات الكتاب وفصوله تفسيرا لتقسيمه على هذا النحو.

* * *

١٢

تصدير

هذا كتاب جديد لم يسبق نشره للأديب الكبير" إبراهيم عبد القادر المازنى" وهو يشمل رحلة الكاتب إلى الشام للاشتراك فى العيد الألفى للمعرى بالنيابة عن نقابة الصحفيين وبدعوة من المجمع العلمى العربى بدمشق.

وإنه ليسرنى أن أقدم هذا الكتاب الجديد إلى قراء العربية ، وقد كتبه المازنى بأسلوبه الشائق الذى تفرد به بين كتاب العرب ، لنواصل نشر وثائق الأدب العربى الحديث (حتى تكتمل). وعند اكتمالها ، سنضطر إلى إعادة النظر فيما كتبناه عنه ، وسيكون من واجبنا أن نراجع أحكامنا على هذه الفترة الثرية من تاريخ الأدب والنقد العربيين. فلقد توقف الاطلاع على هذه الوثائق فترة طويلة من تاريخنا المعاصر حين انشغلنا بالمذاهب والنظريات الغربية والأمريكية والروسية والصينية ، ولم ندرك أن التواصل مع هؤلاء الرواد هو جسر النجاة والانتقال ، فقد كانوا فى أيامهم على اتصال

١٣

مباشر بالفكر العالمى والثقافة العالمية فى لغتها ، وإننا اليوم نعيد الحياة الثقافية إلى حلقتها الطبيعية حتى تسلم الأجيال الرسالة بعضها إلى البعض الآخر.

"وأدب الرحلة" أدب قديم ، وقصصه أقدم ، يعود إلى قدم الوعى الإنسانى بهذه الرحلة وبأدبها الشفاهى منه والمدون. فعند ما خرج الإنسان إلى الصيد فى البر ثم فى البحر ، وهو يقص على أهله وأصدقائه ما رآه ، وما عايشه ، واصفا المواقف الحرجة التى تعرض لها ، وهى مواقف تدور حول (ذاته) فى صراعها مع الطبيعة الخشنة البكر ، ومع الآخرين.

و" الراوى" هو البطل بطبيعة الحال ، فى هذا اللون من القص ، إذ لا بد أن تتمحور الأحداث حول البطل الراوى ، ولا بد أن يحسم الصراع لصالحه ، ما دام قد عاد إلى ذويه ، ذلك إذا لم يعد فقد ضاع ضمن ما يضيع كل يوم فى الحياة. وهنا لا بد أن يلون الحوادث والصراعات ونتائجها وفق هواه ، إذا لم يكن هناك شهود على ما حدث. وهذا التلوين هو نوع من التدخل بالحذف ، أو بالذكر بالتحليل أو بالتفسير ليصبح بطلا أمام مستمعيه. وهذا العمل ما يصنع من الرحلة فنا متميزا تختلط فيه الرحلة بالسيرة الذاتية بالأحلام.

ولا بد أن يكون لمثل هذا اللون من القص قدرة خاصة على الحكى ، والتذكر ، وتنظيم معطيات الرحلة وفق رؤية خاصة هى ما تصنع خصوصية الرحلة ، وخصوصية أسلوب كتابتها. ولقد دون صاحب الرحلة" طريقته الخاصة ، ورموزه الخاصة وفق طريقة

١٤

التدوين الخاصة بكل جماعة وكل عصر إذ يمكنه أن يدونها بالتصوير ، أو أن يتداولها بالحكى.

والرحلة تختلف باختلاف الغرض منها ، فهناك رحلة العمل ، ورحلة البحث عن مصادر العيش لاستمرار الحياة ، وهناك رحلات الاكتشافات والسياحة ، وهناك رحلات الأدباء للتعليم أو للمشاركة الأدبية فى الندوات والمؤتمرات لمعرفة المجايلين لهم ، والتعرف على أهل المهنة وأصحاب التخصص ، وكلها ـ بلا شك ـ رحلات تحكى وتؤرخ ، ويتوقف الحكى ، والتاريخ على القدرات الصياغية وعلى الرغبة فى التسجيل والتوثيق ، بل على التوجه الموضوعى أو الذاتى فى كتابة الرحلة كلها.

ويختلط هذا اللون من القص بما نعده من المذكرات واليوميات ، وما نعهده من أدب السيرة الذاتية أو الترجمة الذاتية ، بصرف النظر عن نوع المعلومة أو الرحلة. أعنى أننا نهتم بصياغاتها الفنية كنوع أدبى يتميز بخصائص فنية لا بد أن نجدها متوفرة فيه لنطلق عليه المصطلح الخاص به.

ولدينا نماذج عربية ـ فى تراثنا ـ لهذا الفن من كتابة الرحلات ، كرحلات" ابن جبير"" وابن بطوطة" و" المسعودى" وغيرهم ...

ولم تكن رحلات" إبراهيم عبد القادر المازنى" بعيدة عن طريقة الحكى العربية ، بل هى قريبة مما تركه لنا الطهطاوى فى" تخليص الإبريز فى تلخيص باريز" أو ما تركه على مبارك فى" علم الدين". إن هذه الرحلة تصنع تواصلا مع فن كتابة الرحلة فى تراثنا وفى تاريخنا الحديث على السواء.

١٥

ولكن المازنى يتميز عن هذه المحاولات التراثية والحديثة ، بالتعامل الفنى مع الرحلة ، وصياغتها فى الشكل القصصى من البداية حتى النهاية ، مراعيا بروحه الفكهة ، وسخريته اللاذعة كونها حكاية. وهذا ما يستدعى دراسة خاصة لهذه الرحلة ، ولغيرها من رحلات المازنى فى الحجاز والعراق.

لذلك يقف فن الرحلة عند المازنى متمايزا عما سبقه وما عاصره. من كتابات السير الذاتية ، وتدوين المشاهدات بل عن القص الذى يتخذ من تاريخ الشخصية وملابساته مادة لعمل فنى.

فقد قام (إبراهيم عبد القادر المازنى) بثلاث رحلات ، كانت الأولى إلى السعودية ، وهى المسماة ب" رحلة الحجاز" وقد صدرت الطبعة الأولى منها سنة (١٩٣٠ م) بمطبعة فؤاد بعطفة عبد الحق السنباطى بميدان الأوبرا بالقاهرة. وكانت الرحلتان الثانية والثالثة مرتبطين ؛ حيث خرج المازنى إلى الشام ومنها تجاوز الحدود إلى فلسطين والعراق ، لذلك نستطيع أن نقول إن رحلتى الشام والعراق ـ وفلسطين ـ واحدة تكمل إحداهما الأخرى. ولم تطبع رحلتا الشام والعراق فى حياة" المازنى" وقد حصلت على مخطوتين للرحلتين من محمد إبراهيم عبد القادر المازنى ، تركهما المازنى مكتوبين على الآلة الكاتبة كما أشرنا من قبل.

ولما كانتا رحلة الشام هى الرحلة الثانية للمازنى بعد رحلة الحجاز ، فسنقدمها قبل رحلة العراق ، حتى نفرغ لها فى تحقيق تال فلدينا مخطوطة هذه الرحلة. وتتكون رحلة الشام من جزئين : الأول هو نص المازنى عن الرحلة إلى الشام حيث كان يحضر مهرجان المعرى ، فى العيد الألفى لأبى العلاء المعرى ، بدعوة من المجمع

١٦

العلمى العربى بدمشق ، وممثلا لنقابة الصحافيين ، فى صيف ١٩٤٤ م. أما الجزء الثانى فهو البحث الذى قدمه المازنى إلى مهرجان المعرى ، ولقد نشر هذا البحث منفصلا عن الرحلة بجريدة" البلاغ (١٩٤٣ م) وقد أشارت ببليوجرافيا السكوت الخاصة بالمازنى ـ وهى العدد الثانى من سلسلة أعلام الأدب المعاصر فى مصر. إلى أن هذه الرحلة قد نشرت فى" البلاغ" فى الفترة ما بين (١١ / ١٠ / ١٩٤٣ ـ ٢٣ / ١١ / ١٩٤٣ م).

كما أشارت إلى نشرها مسلسلة بعنوان" رحلة إلى الشام" فى سبع أجزاء متتالية بمجلة" الجديد" عام ١٩٧٤ م فى الفترة ما بين (١٥ / ٨ / ١٩٧٤ م) ما أشارت الببلوجرافيا إلى ما نشر عن مهرجان المعرى بعنوان" فى مهرجان المعرى" فى" البلاغ" فى الفترة ما بين (١١ / ١٠ / ١٩٤٤ م ـ ٢٣ / ١١ / ١٩٤٤ م) على فترات غير منتظمة ، والخطأ الواضح هنا هو تاريخ السنة ، فقد ذكرها فى البداية (١٩٤٤) وفى نهايتها (١٩٤٣ م) ، والصحيح أنها (١٩٤٣ م).

أما المخطوطة التى تركها المازنى ـ لنا ـ فهى عبارة عن سبع وثلاثين صفحة من قطع الفلوسكاب. وقد قسمها المازنى إلى مقدمة يتحدث فيها عن أسباب قيامه بالرحلة (فى صفحتين) ثم تصوير الرحلة فى بقية الصفحات. وقد قسم الحديث عن الرحلة إلى ثمانى عشرة فقرة عالج فى كل فقرة منها فكرة مستقلة. ولا داعى للتفاصيل فى هذا التصدير ، لأن الدراسة والتحقيق سيعطيان مساحة أكبر لهذه التفصيلات.

١٧
١٨

لماذا هذه الطبعة

حول نص الرحلة وطريقة تحقيقها

١٩
٢٠