حقيقة الاعتقاد بالامام المهدي المنتظر

احمد حسين يعقوب

حقيقة الاعتقاد بالامام المهدي المنتظر

المؤلف:

احمد حسين يعقوب


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٩

١
٢

٣
٤

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسول الله وخاتم النبيين ، وعلى آله الطيبين الطاهرين ، الذين اصطفاهم وميّزهم على علم من عباده المسلمين أما بعد :

فبعد أن طبعت كتابي الحادي عشر « الهاشميون في الشريعة والتاريخ » صممت على الشروع بتأليف كتاب خاص عن « القضاء والافتاء عند أهل بيت النبوة » جمعت وهيأت المصادر والمراجع المتعلقة بهذا الموضوع ورتبتها على طاولتي ، ولم يبق على سوى المباشرة فعلا بالكتابة بعد الموضوع ورتبتها على مباشرة فعلا بالكتابة ، بعد ذلك اجتمعت مع أخ كريم ، وصديق بارز ، فسألني عن مشاريعي الجديدة بعد طباعة كتابي الأخير فأخبرته بما عزمت عليه فقال أبو علي : لقد أثبت بالدليل القاطع في كتابيك « المواجهة » و « الهاشميون في الشريعة والتاريخ » أن عدد الأئمة الشرعيين من بعد النبي اثنا عشر إماماً ، فما رأيكم لو كان كتابك الثاني عشر عن الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة وهو الإمام المهدي المنتظر؟ ثم إنك قد غطيت بالبحث والدراسة الفكر السياسي لأهل بيت النبوة خاصة ، والنظام السياسي الاسلامي عامة من خلال مؤلفاتك فلماذا تترك هذه الثغرة لأن نظرية الإمام المهدي المنتظر مقطع بارز بالفكر والنظام السياسي الإسلامي ، وأن الإمام المهدي هو المؤسس الفعلي لدولة آل محمد التي ستكون آخر الدول وبالتالي فلا يمكنك تجاهل هذه الحقايق ، أو القفز عنها ، والاهم أن تناول الإمام المهدي بالبحث والدراسة يشكل إغلاقاً مناسباً لدائرة بحوثك عن الفكر السياسي العالمي عامة ، ولفكر أهل بيت النبوة خاصة ، وبعد ذلك فلا تثريب عليك لو طرقت أي موضوع شئت فاقتنعت

٥

بصواب الاقتراح ، تفاءلت خيراً ، ولكني أوجست في نفسي خيفه وتهيبت كثيراً ، لأن : كافة المعلومات المتعلقة بالأمام المهدي من أنباء الغيب التي لم تقع بعد ، ولا مجال فيها للاجتهاد ولا للتحليل ، بل آلت إلى الأمة من الأحاديث النبوية الشريفة ، ثم إن الحديث النبوي نفسه قد تعرض لمحنة قاسية حيث منعت دولة الخلافة التاريخية كتابة ورواية الأحاديث النبوية منعاً باتاً قرابة مائة عام تحت شعار « حسبنا كتاب الله » وزاد المشكلة تعقيداً أن دولة الخلافة قد عزلت أئمة أهل بيت النبوة ، وهم ورثة علمي النبوة والكتاب وفرضت عليهم نوعاً من الإقامة الجبرية ، وهكذا حوُصرت أنباء الغيب محاصرة تامة ، وبعد المائه عام حدث الانفراج عن مصادر تلك الأنباء ، وبدأ المسلمون يروون ويكتبون الأحاديث النبوية علناً!! هذه الظروف تجعل الوصول إلى الحقائق الشرعيه الصادرة عن رسول الله أمراً ليس سهلاً.

ويكمن الخوف والتهيب في منهجية عرض وتقديم نظرية الإمام المهدي المنتظر ، فالعشرات من العلماء الأجلاء قد بحثوا هذه النظرية ، وعرضوها بأشكال متشابهة ، وما ينبغي أن يكتب يجب أن يكون مختلفاً تماماً.

ثم إن شعور النخبة المستنيره من المسلمين ولاشعور الخاصه والعامه من أبناء الجنس البشري قد انفض تماماً من حول العقائد والأنظمة الوضعية ، ويئس من قدرتها على إنقاذ البشرية ، وقد حمت عندهم وتواترت بينهم ، واقتنعوا بأن العالم الأنساني لن ينقذه ، ولن يخلصه من مستنقعات واقعه إلا المهدي المنتظر!! فعشقوه عشقاً ، وعشقوا حكومته العالمية التي سيخضع لسلطانها كافة سكان الكرة الأرضية ، والملتزمة بتطهير الأرض من الظلمة ، ونشر العدالة المطلقة في أرجائها ، وتحقيق الكفاية التامة والرخاء المطلق لكل بني البشر ، وإتمام المصالحة التامة بينهم بعد أن تقتلع جذور الخلاف والاختلاف فيسود الانسجام التام ، هولاء بحاجة إلى دعم معنوي من الباحث ، وتنسيق خاص لأنباء الغيب المتعلق بمثل هذه الأمور ، والأهم كيف يرتقي الواقع العالمي للإمام المهدي وأهدافه وغاياته المعلنة؟ وبتعبير أدق كيف تتسلسل الحادثات وحلقات الوقائع تسلسلاً منطقياً بحيث تؤدي أو تفضي مباشرة إلى دولة آل محمد ، أو إلى عهد الإمام

٦

المهدي المنتظر؟ وكيف نخلص هذا الكم من الامال من بين مخالب واقع عالمي يبعث على اليأس والقنوط؟ كل هذا يحتاج إلى قدرة هائلة على الاستقراء والاستنباط والمقارنة وتحليل الثوابت من النصوص تحليلاً يبقيك دائماً ضمن دائرتها.

واجتزت حواجز التهيب والخوف ، وصممت على الكتابة ، وجمعت مجموعة كبيرة من المراجع أهمها وأعظمها على الإطلاق « معجم أحاديث الإمام المهدي » الذي ألفته الهيئة العلمية في مؤسسة المعارف الإسلامية تحت إشراف سماحة الأخ والصديق الشيخ علي الکوراني ، وهو يقع على خمسة مجلدات اشتملت على كافة الأحاديث النبوية وأحاديث أئمة أهل بيت النبوة ، وشرعت بالكتابة ، ولم أجد بحمد الله ومنّته عسراً ولا حرجاً ، لأن مولانا الإمام المهدي يُسر ويفرح.

وبعد أن أتممت الكتاب أيقنت أن قوانينا ، ومناهجنا وأساليبنا بالتغيير ، تعكس حجم قدراتنا وقوانا المحدودة ، وأن لله نواميس وأساليب بالتغيير تعكس حجم قدرته التي استطال بها على كل شيء ، لا إله إلا هو شديد المحال ، الكبير المتعال.

وقد اشتمل فهرس الموضوعات على الأبواب والفصول ويمكنني القول وبغير ادعاء أن الكتاب مختلف تماماً عن الكتب التي سبقته والتي عالجت نفس الموضوع ، لقد قدمت نظرية الأمام المهدي المنتظر ، بروح العصر ولغته بعد أن أصّلتها وجذرتها دينياً وتاريخاً.

الّلهم اجعل عملي خالصاً لوجهك الكريم ، وتقبل منا إنك أنت السميع العليم وآخر دعواهم ان الحمدلله رب العالمين.

المحامي

أحمد حسين يعقوب

٧

٨

حقيقة الاعتقاد بالإمام

المهدي المنتظر

٩

١٠

الباب الأول

نقض عرى الإسلام وغربته

والتهيئة لظهور المهدي المنتظر

١١

١٢

الفصل الأول :

نقض عرى الأسلام وناقضوها

الأسباب والنتائج

نجاح لا مثيل له في التاريخ البشري

لقد نجح محمد رسول الله نجاحاً لا نظير له في تاريخ البشرية. كلها ، فقد نقل العرب من دين إلى دين ، وكون لهم دولة شملت كل بلادهم ، ووحدهم وحدة حقيقية لاول مرة في التاريخ كله بمدة لا تتجاوز ٢٣ سنة وبكلفة بشرية لم تتجاوز ٣٨٩ قلتيلاً من طرفي الصراع ، ووضع تحت تصرفهم نظاماً سياسياً لو أخذوا به لدخل العالم كله في طاعتهم من غير إكراه ، ولتغير مجرى التاريخ العالمي تماماً لما اختلف اثنان قط.

وبكل الحياد والتجرد والموضوعية ، فإن نجاح النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا نجاح لا يضاهيه نجاح في الدنيا قط ، خاصة وأنه والهاشميون من خلفه قد شقوا طريقهم بموضوعية وبحدود قدرة العقل البشري على الاستيعاب ، وتخطوا قبل النجاح عوائق عظمى لا طاقة لقدرة في الأرض على مواجهتها وتخطيها. واکتمل كل شيء. بلغ الرسالة على خير ما تُبلغ الرسالات ، وأدي الأمانة على خير ما توًدى الأمانات ، وانتهت مرحلة الإبداع والتأسس ، وخُيّر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين النبوة والملك والبقاء ، وبين ما عند الله ، فاختار ما عند الله ، وأعلن للأمة أنه سيمرض بعد عودته من حجة الوداع وسيموت في مرضه ، وحذرها من فتن وعواصف ومحن تتربص بها ، وتنتظر موته بفارغ الصبر لتنقض كالصاعقة. فتلغي عملياً كافة الترتيبات

١٣

الإلهية لعصر ما بعد النبوة وتضع ترتيبات بديلة توًدي لتفريغ الإسلام من مضامينه ومحتواه مع الإبقاء على القشرة أو الاسم ليكون الغطاء الشرعي للملك وضرورات توسعه وتوسيعه.

بيان ما هو كائن وما سيكون

رحمة من النبي بالأمة ، ورغبة منه بتبصيرها معالم الطريق ، وإقامة للحجة بيّن الرسول للأمة كل ما كان في الأمم السابقة ، وما كان أثناء مرحلة بناء الدعوة والدولة ، ماذا سيكون بعد موته ، وأن ما سيكون يمكن تجنبه تماماً إذا التزمت الأمة بتوجيهات نبيها ، لأن النبي لا ينطق عن الهوى ، بل يتبع ما يوحى إليه ويتكلم بالعلم الإلهي اليقيني ، وبيان ما كان وما سيكون هو جزء من رسالته ، وهو فيض الرحمتين الإلهية والنبوية ، وأكد لهم النبي أن الفتن ستزحف عليهم بعد موته وهي مشتبهة كوجوه البقر لا تدرون أياً من أي. قال حذيفة : قلت : « يا رسول الله ، إنّا كنا في جاهليةٍ وشر ، فجاء الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال : نعم! قال حذيفة : ما هو؟ قال النبي : فتن كقطع الليل المظلم ، سيتبع بعضها بعضاً تأتيكم مشتبهة » [ راجع صحيح البخاري ، كتاب بدء الخلق ، باب علامات النبوة ، ورواه أحمد. راجع الفتح الرباني ج‍ ٢٣ ، ص ٣٨ ] ، وروى مسلم في صحيحه كتاب الفتن ج ١٦ ص ١٨ وأحمد في الفتح الرباني ج ١ ـ ص (٢٧٤) عن أبي زيد أنه قال : « صلى بنا رسول الله الفجر وصعد المنبر ، فخطبنا حتى حضرت الظهر ، فنزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر ، ثم نزل فصلي ، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس ، فأخبرنا بما كان ، وبما هو كائن فأعلمنا أحفظنا ». قال أسامة : أشرف النبي على آطم من اطام المدينة ، ثم قال : « هل ترون ما أرى؟ إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر ». [ رواه البخاري في كتاب الحج من صحيحه ج‍ ١ ص ٣٢٢ ، ورواه مسلم في صحيحه ج ٧ ص ٨ ].

نقض عرى الإسلام كلها والناقضون

لقد حذر رسول الله الموًمنين بانهم إن لم يتبعوا ما أمرهم أصحابه قائلاً : « لينقض

١٤

الإسلام عروة عروة ، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها ، فأولهنّ نقضاً الحكم ، وآخرهن الصلاة ». [ رواه أحمد وابن حبان والحاكم ، راجع كنز العمال ج‍ ١ ص ٢٣٨ ]. وعملية نقض العرى لن تتم من تلقاء نفسها بل سيتولاها وينفذها فريق من المسلمين المحسوبين على الأمة ، لذلك كشف رسول الله حقيقة هذا الفريق ليحذر الناس من شرورهم قبل وقوعها. قال حذيفة : « والله ما أدري أنسي أصحابي أم تناسوا ، والله ما ترك رسول الله من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدنيا بلغ من معه ثلاثمائة فأكثر ، إلا قد سماه لنا باسمه واسم أبيه واسم قبيلته ». [ رواه أبو داود في عون المعبود حديث ٤٢٤٣ و ٤٢٢٢ ] ، ووضع رسول الله النقاط على الحروف ، قال حذيفة : قال رسول الله : « إن في أصحابي اثنى عشر منافقاً منهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ، [ رواه الإمام أحمد والإمام مسلم ، راجع كنز العمال ج‍ ١ ص ١٦٩ ومعالم الفتن ج‍ ١ ص ٦٧ ] ، وقال حذيقة : أشهد أن الاثنى عشر حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ، ويوم يقوم الأشهاد [ راجع صحيح مسلم ج‍ ١٧ ص ١٢٥ ] ، وروي عن عمار بن ياسر مثل ذلك. [ رواه الإمام أحمد ، راجع الفتح الرباني ج‍ ٢١ ص ٢٠٢. ] إن اثنى عشر مجموعة تخريبية كذبت بآيات الله واستكبرت عنها كما يستفاد ذلك من الآية ٤٠ من سورة الأعراف. واقترب الرسول من نقطة الخطر فأعلن أمام أصحابه قائلاً : « إن هلاك أمتي على يد غلمة من قريش ». [ رواه البخاري في صحيحه كتاب بدء الخلق ، باب علامات النبوة من صحيحه ج‍ ٢ ص ٢٨٠ ] ثم قال : « يهلك أمتي هذا الحي من قريش » [ رواه البخاري أيضاً في كتاب بدء الخلق ، باب علامات النبوّة من صحيحه ج‍ ٢ ص ٢٨٠ ومسلم في صحيحه كتاب الفتن ج‍ ١٨ ص ٤١ ] ، وعن ابن عباس أنه قال : قال رسول : « ولتحملنكم قريش على سنّة فارس والروم ولتؤمنن عليكم اليهود والنصارى والمجوس ». [ رواه الطبراني ، راجع محمع الزوائد ج‍ ٧ ص ٢٣٦ ] ، وقال الرسول مرة لأصحابه : « رواه الإمام أحمد ، وقال الهيثمي : رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح الفتح الرباني ج‍ ٢٣ ص ٢٤٠ ].

١٥

وعندما ذكر رسول الله الغلمة من قريش ، والحي من قريش طالب الناس باعتزالهم قائلاً : « لو أن الناس اعتزلوهم ». [ راجع صحيح البخاري ج‍ ٢ ص ٢٨٠ وصحيح مسلم ج‍ ١٨ ص ٣٩ ومعالم الفتن ج‍ ١ ص ٣٠٣ ].

ثم وقف النبي طويلاً عند بني أمية وحذر الأمة منهم ، فبين أن أكثر بطون قريش بعضاً لمحمد ولآل محمد هم بنو أمية ، وبنو أمية ، وبنو مخزوم ... [ راجع المستدرك على الصحيحين للحاكم وحلية الأولياء لأبي نعيم ، وكنز العمال ج‍ ١١ ص ١٦٩ حديث ٣١٠٧٤ ] تحديث عن الشجرة الملعونة وعن رؤى نزو الأمويين على منبره نزو القردة وتيقن المسلمون من استياء النبي البالغ من تلك الرؤيا ، [ رواه الحاكم في المستدرك ج‍ ٣ ص ١٧١ ، وأقره الذهبي وقال ابن كثير في البداية والنهاية ج‍ ٦ ص ٢٤٣ ، ورواه الترمذي وابن جرير والحاكم والبيهقي ] وتحدث النبي عن اصحاب الخطر من بني أمية ، وركز عليهم واحداً واحداً ، وحذّر الأمة منهم. ثم وقف النبي وقفة طويلة وخاصة عند الحكم بن العاص والد وجد الخلفاء الامويين ، فقال أمام أصحابه : « ويل لأمتي مما في صلب هذا » [ رواه ابن عساكر راجع الكنز ج‍ ١١ ص ١٦٧ ] ، وقال أيضاً : « ويل لأمتي من هذا وولد هذا » ، [ الكنز ج‍ ١١ ص ١٦٧ والإصابة لابن حجر ج‍ ٢ ص ٢٩ ] ، وقال النبي لأصحابه عن الحکم : « إن هذا سيخالف كتاب الله وسنة نبيه وسيخرج من صلبه فتن يبلغ دخانها السماء ، وبعضكم يومئذ شيعته ، [ رواه الدار قطني الكنز ج‍ ١١ ص ١٦٦ وابن عساكر ج‍ ١١ ص ٣٦٠ والطبراني ج‍ ١١ ص ٦٦٧ ].

وبعد أن كشف الرسول حقيقة هذا الخطر لعنه رسول الله ، ولعن ولده. [ قال الهيثمي ، رواه أحمد والبزار والطبراني راجع الزوائد ج‍ ٥ ص ٢٤١ ]. قال عبد الرحمن بن أبي بكر لمروان بن الحكم : « إن رسول الله لعن أباك » [ رواه البزار ومجمع الزوائد ج‍ ٥ ص ٢١ ] ، وقال الحسن بن علي لمروان : لقد لعنك الله على لسان رسوله ، وانت في صلب أبيك [ رواه أبو يعلى مجمع الزوائد ج‍ ٥ ص ٢٤٠ ، وابن سعد وابن عساكر ج‍ ١١ ص ٣٥٧ وابن كثير في البداية ج‍ ٨ ص ٢٨٠ ]. وحتى يكون الأمر معلوماً أمام الجميع أمر رسول الله

١٦

بنفي الحكم بن العاص ، فنفاه الرسول من المدينة أن الحكم بن العاص عدو لله ولرسوله ، وبقي الحكم منفياً طوال عهد النبي المبارك ، وبعد وفاة النبي راجع عثمان أبا بكر لإعادة الحكم فرفض ذلك أبو بكر ، وبعد وفاة أبي بكر راجع عثمان عمر فرفض ذلك ، ولما آلت الخلافة لعثمان أدخله معززاً ، واتخذ ابنه مروان رئيساً لوزرائه ، ولما مات الحكم أقام عثمان على قبره فسطاطاً تعبيراً عن حزنه وعميق مصابه بموت الحكم [ راجع الإصابة ج‍ ٢ ص ٢٩ ].

استمع المسلمون إلى كافة تحذيرات الرسول مما سيكون!! وتعجبوا كيف يكون ذلك!! وهل يعقل أن تنقض عرى الإسلام كلها!! فأراد الرسول أن يحذر أصحابه أنفسهم ، وأن يضعهم إمام مسؤولياتهم فذكرهم أنه سينتظرهم على الحوض وفاجأهم قائلاً : « ... وليردن عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني ، ثم يُحال بيني وبينهم. [ راجع صحيح بخاري ج‍ ٤ ص ١٤١ كتاب الدعوات وصحيح مسلم ج‍ ٥ ص ١٥٣ كتاب الفضائل والفتح الرباني ج‍ ١ ص ١٩٢ ] ، وفي رواية عن عبد الله : « فأقول يا رب أصحابي!! فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ». [ صحيح البخاري كتاب الدعوات ج‍ ١ ص ١٤١ وصحيح مسلم كتاب الفضائل ج‍ ١٥ ص ١٥٩ ، ورواه أحمد والبيهقي ، راجع كنز العمال ج‍ ١١ ص ٤١٨ ] ، وفي رواية عن أبي هريرة : « فيقال إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى ». راجع صحيح البخاري ج‍ ٤ ص ١٤٢ باب الصراط ] ، وفي رواية عن ابن عباس : « فيقال إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ». [ راجع صحيح البخاري تفسير سورة الأنبياء ج‍ ٣ ص ١٦٠ ، وصحيح مسلم ج‍ ١٧ ص ١٩٤ ] ، ونادى منادٍ فقال هلم ، قلت : أين؟ قال : إلى النار والله! قلت : ما شأنهم؟ قال : إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى ، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم » [ راجع صحيح البخاري ج‍ ٤ ص ١٤٢ كتاب العدعوات باب الصراط ]. هذه التحذيرات التي أطلقها الرسول بمواجهة أصحابه كانت إغلاقاً للدائرة فقد بين كل شيء على الإطلاق ، فمن وعي بيانه تيقن أن الوقائع التي جرت بعد وفاته ، ما كانت إلا ترجمة حرفية ، لكل ما حذر منه ، وباختصار شديد قال رسول الله : « وايم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء ». [ رواه ابن

١٧

ماجه راجع الكنز ج‍ ١١ ص ٣٧٠ ، وقال الألباني له منابع قوي عند الإمام أحمد كتاب السنة ج‍ ١ ص ٢٧ ].

أخطر التحذيرات النبوية

لغايات إكمال الحلقة ، وحتى لا يضل الناس بعد هدى ، وتبياناً لما سيكون قال النبي لأصحابه ومنهم أصحاب الخطر : « أكثر ما أتخوف على أمتي من بعدي رجل يتأول القرآن ، يضعه على غير مواضعه ، ورجل يرى أنه أحق بهذا الأمر من غيره » ، [ رواه الطبراني في الأوسط ، راجع معالم الفتن ج‍ ١ ص ٩١ ] ، لأن الله تعالى قد خصص فئة معينة لفهم القرآن فهماً يقينياً ، وهم أهل البيت والمتأول يقف بما ليس له به علم ، ويتولى مهمة مخصصة لغيره ، ولأن هذا المتأول محكم بهواه فسيضطر ، لترك النصوص الشرعية التي لا تتفق حتماً مع هواه ، واتباع ارائه الشخصية ، مما يعني إهمال مضامين النصوص الشرعية وإحلال التحليلات والاراء الشخصية محلها تحت شعار أن هذا المتأول مشفق وناصح لله ولرسوله ، وانه يرى مالا يرون!!! وبيّن الرسول أن القرآن سيقرأه في زمن الأزمان ثلاثة « مؤمن ومنافق وفاجر ». [ رواه الحاكم وأقره الذهبي في ذيل المستدرك ج‍ ٤ ص ٥٠٧ ] ، ولكن لا يمسه ولا يفهم المقصود الشرعي منه إلا المطهرون ، وليقنع الرسول أصحابه ، بأن ما يقوله يقيناً ومن عند الله ، فقد ذكرّ أصحابه قائلاً : « لم يزل أمر بني إسرائيل معتدلاً حتى نشأ فيهم المولدون وأبناء سبايا الأمم التي كانت بنو إسرائيل تسبيها ، فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا ». [ رواه الطبراني في الكبير ، راجع كنز العمال ج‍ ١١ ص ١٨١ ].

أما الشق الآخر من الخطر المحدق الذي حذر منه رسول الله فهو رجل يرى أنه أحق بهذا الأمر من غيره!! لقد أعلن رسول الله بأمر من ربه حديث الثقلين ، وبيًن بأمر من ربه قد ترك هذين الثقلين. خليفتين من بعده ، وبين أيضاً بأن القرآن لا يمسه إلا المطهرون والمطهرون الذين أذهب الله عنهم الرجس هم أهل البيت أحد الثقلين ، بمعنى أن النقاط موشوعة على الحروف وأن كل شيء مرتب تربيناً إلهياً محكماً ، وأخطر ما حذر الرسول من الوقوع فيه بعد موته هو ادعاء عمرو أو

١٨

زيد من الناس انه أحق بالأمر أي (بقيادة الأمة) ومس القرآن من أهل بيت النبوة وأن « مصلحة المسلمين » تقتضي ، تقديم المفضول على الأفضل ، وهكذا وبجرة قلم ينقضوا أعظم عروة من عرى الأسلام ، وهي نظام الحكم ويلغوا كافه الترتيبات الإلهية المتعلقة بها ، وكافة النصوص الشرعية التي تعالجها مستندين إلى الرأي الشخصي ، والتأويلات الخاطئة ، وهكذا يضلون ويضلون الأمة ، ويدخلوها ... والعالم معهم في ليل طويل ، لا آخر له. وقد حذرهم الرسول إن فعلوا ذلك قائلاً : « إنه سيلي أمركم بعدي رجال يُطفئون السنّة ، ويُحدثون البدعة ، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها. وعندما سأله ابن مسعود : كيف بي إذا أدركتهم؟ أجابه النبي قائلاً : « يابن أم عبد ، لا طاعة لمن عصى الله » ، قالها ثلاث مرات. [ رواة أحمد ، الفتح الرباني ج‍ ٢٩ ص ٢٣ وقال : حديث ].

الله ورسوله يكشفان العقول

والجموع التي ستنقض عرى الإسلام

إن نقض عرى الإسلام لم يتم الياً أو بصورة عفوية إنما كان وراء عملية النقض ، تخطيط محكم ، وعقول كبيرة كانت تعرف ما تريد وتسعى ، بلا كلل ولا ملل لتحقيق ما تريد ، وتقف وراءها جموع إلهها هواها ، ولا همّ لها إلا هدم دين الإسلام وتفريغه نهائياً من مضامينه ، والإبقاء على قشوره ليستقيم لها الملك الذي جاءت به النبوة. وقد أشرنا إلى قيادات النقض ، بالقدر الذي تحتمله عقول العامة ، ونشير الآن إلى الجموع التي وقفت خلف تلك القيادات التي تولت كبر عملية نقض عرى الإسلام وهذه الجموع هي :

١ ـ بطون قريش : منذ اليوم الأول الذي أعلن فيه الرسول أنباء النبوة والكتاب ، وطوال مدة ال‍ ١٥ سنة التي سبقت الهجرة النبوية ، وبطون قريش ال‍ ٢٣ تقف وقفة رجل واحد ضد محمد ، وضد بني هاشم ، وقد استعملت بطون قريش كافة سهام كيدها ، وفنون مكرها ، وتآمرت على قتل النبي مرات متعددة ، لأنها ببساطة تحسد الهاشميين ، وتكره ما أنزل الله ، ولا تريد أن يكون النبي من بني هاشم ، ولما هاجر النبي جيّشت بطون قريش الجيوش ، واستعدت العرب على

١٩

النبي ، وحاربته حرباً لا هوادة فيها ، وبعد حروب طاحنة ، ولما هزمها النبي إضطرت مكرهة أن تدخل ، أو أن تتظاهر بالدخول في الإسلام ، وبنفس الوقت أخفت تركة صراع طويل ، وحسداً متمكناً من النفوس ، وحقداً دفيناً ألقي أجرانه في القلوب. ولما رأت بطون قريش أن النبوة قد أسفرت عن مُلْك رأت من مصلحتها أن تعترف بهذه النبوة طمعاً بالأنقضاض على الملك ذات يوم ، وعندما تيقنت البطون بأن الرسول قد رتب مرحلة ما بعد النبوة ، وأنه قد عين خليفتين من بعده « كتاب الله وعترة النبي أهل بيته » ، صممت بطون قريش أن تستولي على الملك من بعد النبي ، وأن تحارب الإسلام بأسلحته فروّجت ، بإن الإسلام قد جاء بالعدل والمساواة والانصاف ، وليس من العدل ولا من الإنصاف أن ينال الهاشميون الملك والنبوة معاً ، وأن تحرم بطون قريش من هذين الشرفين معاً ، الأفضل أن يختص الهاشميون بالنبوة ، وأن تختص بطون قريش بالملك تتداوله فيما بينها ، لذلك صممت بطون قريش على فرض هذه الغاشمة بعد وفاة النبي ، وهكذا نقضت بطون قريش عملياً العروة الأولى من عرى الإسلام ، وهي الحكم. واتحدت ضد آل محمد بعد وفاة النبي تماماً ، كما اتحدت ضد النبي ، وحاربت آل محمد بكل وسائل الحرب وفنونه ، تماماً كما حاربت النبي من قبل ، واستعدت عليهم العرب ، تماماً كما استعدت العرب على النبي من قبل!! وكانت بطون قريش على استعداد أن تمد يدها للشيطان إن ساعدها على تحقيق ذلك كله. وقد وثقنا ذلك في كتابنا « المواجهة » وسقت ٣٩٤ دليلاً على ذلك من عيون المراج المعتمدة عند أهل السنة ، فليرجع إليه من يشاء.

٢ ـ المنافقون : وهم العمود الفقري للجموع التي دعمت نقض عرى الإسلام ، وكانت لهم قواعد في المدينة ، وما حولها وفي مكة وما حولها ، وقد حمل عليهم القرآن حملات متكررة حتى كشفهم وعّراهم على حقيقتهم ، ووضع الله ورسوله معياراً لمعرفة المؤمن من المنافق ، فمن وإلى علياً بن أبي طالب وأحبه ، فهو مؤمن ، ومن عاداه وأبغضه فهو منافق. [ راجع على سبيل المثال صحيح الترمذي ج‍ ٢ ص ٢٩٩ ومسند أحمد بن حنبل ج‍ ٦ ص ٢٩٢ وصحيح النسائي ج‍ ٢ ص ٢٧ وخصائص النسائي وصحيح ابن ماجة ص ٢ ].

٢٠