تقويم البلدان

عماد الدين إسماعيل [ أبي الفداء ]

تقويم البلدان

المؤلف:

عماد الدين إسماعيل [ أبي الفداء ]


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
ISBN: 977-341-304-7
الصفحات: ٥٧٥

١

٢

٣
٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وبه نستعين الحمد لله حمدا يليق بجلاله وصلى الله على سيدنا محمد وآله وبعد. فإني لما طالعت الكتب المؤلفة في البلاد ونواحي الأرض من الجبال والبحار وغيرها لم أجد فيها كتابا موفيا بغرضي ، فمن الكتب التي وقفت عليها في هذا الفنّ : كتاب ابن حوقل وهو كتاب مطوّل ذكر فيه صفات البلاد مستوفيا غير أنه لم يضبط الأسماء ، وكذلك لم يذكر الأطوال ولا العروض فصار غالب ما ذكره مجهول الاسم والبقعة ومع جهل ذلك لا تحصل فائدة تامّة ، وكتاب الشريف الإدريسي في" الممالك والمسالك" ، وكتاب ابن خرداذبة وغيرها ، وجميعهم حذوا حذو ابن حوقل في عدم التعرّض إلى تحقيق الأسماء والأطوال والعروض ، وأما الزيجات والكتب المؤلفة في الأقوال والعروض فإنها عريّة عن تحقيق الأسامي ، وعن ذكر صفات المدن.

وأما الكتب المؤلفة في تصحيح الأسماء وضبطها مثل : كتاب" الأنساب" للسمعاني ، و" المشترك" لياقوت الحموي ، وكتاب" مزيل الارتياب عن مشتبه الانتساب" ، وكتاب" الفيصل" كلاهما لأبي المجد إسمعيل بن هبة الله الموصلي ، فإنها اشتملت على ضبط الأسماء وتحقيقها من غير تعرّض إلى الأطوال والعروض ، ومع الجهل بالأطوال والعروض يجهل سمت ذلك البلد ، فلا يعرف الشرقي منها ولا الغربي ولا الجنوبي ولا الشمالي ، ولما وقفنا على ذلك وتامّلناه جمعنا في هذا المختصر ما تفرّق في الكتب المذكورة ، من غير أن ندّعي الإحاطة بجميع البلاد أو بغالبها ، فإن ذلك أمر لا مطمع في الإحاطة به ، فإن جميع الكتب المؤلفة في هذا الفن لا تشتمل إلا على القليل إلى الغاية.

فإن إقليم الصين مع عظمته ، وكثرة مدنه لم يقع إلينا من أخباره إلا الشاذّ النادر ، وهو مع ذلك غير محقق ، وكذلك إقليم الهند ، فإن الذي وصل إلينا من

٥

أخباره مضطرب ، وهو غير محقق. وكذلك بلاد البلغار ، وبلاد الجركس ، وبلاد الروس ، وبلاد السرب ، وبلاد الأولق ، وبلاد الفرنج ، من الخليج القسطنطيني إلى البحر المحيط الغربي. فإنها بلاد كثيرة وممالك عظيمة متّسعة إلى الغاية ، ومع ذلك فإن أسماء مدنها وأحوالها مجهولة عندنا ، لم يذكر منها إلا القليل النادر ، وكذلك بلاد السودان في جهة الجنوب ، فإنها أيضا بلاد كثيرة لجنوس مختلفة من الحبش والزنج والنوبة والتكرور والزيلع وغيرهم ، فإنه لم يقع إلينا من أخبار بلادهم إلا القليل النادر ، وغالب كتب المسالك والممالك إنما حقّقوا بلاد الإسلام ، ومع ذلك فلم يحصوها عن آخرها ، ولكن كما قيل : ما لم يعلم كله لا يترك كله ، فإن العلم بالبعض خير من الجهل بالكل ، وقد جمعنا في هذا المختصر ما تفرّق في كتب عديدة على ما سنقف عليه إن شاء الله عند ذكرها.

وحذونا في تأليفه حذو ابن جزلة في كتاب تقويم الأبدان في الطب ، وسمّينا كتابنا هذا: " تقويم البلدان" ، وقبل ذكر البلاد في الجداول نقدّم ما يجب معرفته من ذكر الأرض والأقاليم السبعة والبحار في معرفة جملة الأرض ، أما جملة الارض فكروية الشكل حسبما ثبت في علم الهيئة بعدّة أدلّة منها : أن تقدّم طلوع الكواكب ، وتقدّم غروبها للمشرقيّين على طلوعها وغروبها للمغربيّين يدلّ على استدارتها شرقا وغربا ، وارتفاع القطب والكواكب الشماليّة وانحطاط الجنوبية للواغلين في الشمال ، وارتفاع القطب والكواكب الجنوبية وانحطاط الشمالية للواغلين في الجنوب بحسب وغولهما وتركّب الاختلافين للسآئرين على سمت بين السمتين ، وغير ذلك دليل على استدارة جملة باقي الأرض ، وأما تضاريسها التي تلزمها من جهة الجبال والأغوار فإنه لا يخرجها عن أصل الاستدارة ، ولا نسبة لها محسوسة إلى جملة الأرض ، فإنه قد تبرهن في علم الهيئة : أن جبلا يرتفع نصف فرسخ يكون عند جملة الأرض كخمس سبع عرض شعيرة عند كرة قطرها ذراع ، وكذلك ثبت في علم الهيئة : أن الأرض في وسط الفلك بعدّة أدلّة :

٦

منها أن انخساف القمر في مقاطراته الحقيقيّة للشمس يدل على أن الأرض في الوسط ، والواقف على الأرض من جميع الجوانب رأسه إلى ما يلي المحيط وهو الفوق ، ورجله إلى ما يلي المركز وهو التحت ، ومحدّب الأرض مواز لمقعّر الفلك المحيط به ، والسآر على الأرض يجب أن يسير سمت رأسه في كل وقت جزءا آخر من الفلك.

مسئلة لتنبيه الذهن على ما نحن فيه

وهي : لو كان السير على جميع الأرض ممكنا ، ثم فرض تفرّق ثلاثة أشخاص من موضع بعينه ، فسار أحدهم نحو المغرب ، والثاني نحو المشرق ، وأقام الثالث حتى دار السائران دورا من الأرض ورجع السائر في الغرب إليه من جهة الشرق ، والسائر في الشرق من جهة الغرب ؛ نقص من الأيام التي عدّوها جميعا للمغرب واحد ، وزاد للمشرق واحد ؛ لأن الذي سار إلى الغرب ، ولنفرض أنه دار الأرض في سبعة أيام سار موافقا لمسير الشمس ، فيتأخّر غروبها عنه بقدر سبع الدور بالتقريب ، وهو ما يسيره في كل نهار ، ففي سبعة أيام حصل له دور كامل ، وهو يوم بكماله ، والذي سار إلى الشرق كان سيره مخالفا لمسير الشمس فتغرب الشمس عنه قبل أن يصل إلى سبع الدور ، فيجتمع من ذلك مقدار يوم ، فتزيد أيامه يوما كاملا ، فلو كان افتراقهم يوم الجمعة ثم حضرا إلى المقيم الجمعة الأخرى فإنه يكون بالنسبة إلى المقيم يوم الجمعة ، وبالنسبة إلى المغربي الذي حضر من المشرق يوم الخميس ، وبالنسبة إلى المشرقي الذي حضر من المغرب يوم السبت ، وكذلك الحال لو فرضت هذه الصورة في الشهور أو السنين في معرفة أجزاء الأرض : خطّ الاستواء هي الدائرة العظيمة المتوهّمة التي تمرّ بنقطتي الاعتدالين الربيعي والخزيفي ، وتفصل الأرض بنصفين : أحدهما شمالي والآخر جنوبي.

وإذا توهّمت عظيمة أخرى تمرّ بقطبي هذه الدائرة انقسمت الأرض بهما أرباعا أحد الشماليين هو الربع المسكون ، وثلاثة الأرباع غير معلومة الأحوال

٧

والأكثر على أنها مغمورة بالماء ، وإنما حكم بأن المعمور ربع ؛ لأنه لم يوجد في أرصاد الحوادث الفلكية كالخسوفات تقدّم ساعات الواغلين في المشرق لها على ساعات الواغلين في المغرب زائدا على اثنتي عشرة ساعة لكل ساعة خمس عشرة درجة ، وخمسة عشر في اثنى عشر بمائة وثمانين وهو نصف الدور. فعلموا من ذلك أن طول المسكون لا يزيد على نصف الدور ، وإنما قيل :

إنّ المسكون هو الشمالي ؛ لأنه لم يوجد أظلال أنصاف نهار الاعتدالين في شيء من المساكن جنوبيّا إلا في قليل من مساكن على أطراف الزنج والحبشة ، لكن لا يزيد عرضها على ثلاث درجات ، وفي جانب الشمال أيضا لا يمكن أن يسكن فيما جاوز عرضه تمام الميل الكلّي ؛ لشدّة البرد ، والمراد بتمام الميل الكلي عرض ست وستين درجة ونصف تقريبا ، والبحر محيط بأكثر جوانب الأرض ، أما من جانب المغرب وشماله ، والجانب الشرقي الجنوبي فمعلوم ، وأما جنوب المغرب فإنه لم يصل أحد فيه إلى البحر. وكذلك شمال المشرق ليس لنا وقوف يقيني على البحر الذي فيه ، وقد قيل : إن علّة عمارة الربع الشمالي ، وخراب الربع الجنوبي إنما هو قرب الشمس ؛ لأنها إذا سامتت الربع الجنوبي من الأرض تكون في البروج الجنوبية في حضيضها ، فتكون حينئذ أقرب إلى الأرض ، وأعظم جرما ، وأشد شعاعا وأثرا ، وقد ضعّف النصير الطوسي هذا التعليل وقال : إن التفاوت بين صغر الشمس من جهة كونها في الأوج ، وكبرها من جهة كونها في الحضيض ليس ببيّن عند الحسّ ، فمن البعيد أن يبلغ تأثيرها إلى حدّ يصير أحد موضعين متساويين في الوضع مسكونا والآخر غير مسكون ، وليس لذلك علّة غير العناية الإلهيّة. وقيل : لمسامتة الطريقة المحترقة ، والمراد بالطريقة المحترقة : ما بين هبوط النيّرين ، وهو من أثناء الميزان إلى أثناء العقرب ، وهو أيضا تعليل ضعيف.

قال النصير : وهو من خرافات الإحكاميّين ، فصل الذي عليه اتفاق المشّائين ، وجمهور المنجّمين : أن الأرض مقسومة بخمسة أقسام يفصلها دوائر

٨

متوازية ، وموازية لمعدّل النهار ، فمن ذلك دائرتان تفصلان الخراب من العالم بسبب القرب من القطبين لشدّة البرد ، وذلك الخراب قطعتان طبليتان : إحداهما شمالية ، والأخرى جنوبية ، يحيط بكل واحدة منهما طائفة من محيط كرة الأرض ، وسطح مستو ، والحدّ المشترك بينهما مقسوم بثلاثة قطوع ، يحيط بكل واحدة منها سطحا دائرتين ، فالسطح المتوسط من هذه القطوع الثلاثة هو الذي عليه خط الاستواء وأكثره خراب من جهة الحر ، وأما السطحان اللذان عن جانبيه أحدهما من شماليه ، والآخر من جنوبيه ، فهما معتدلان ، لكن الجنوبي منهما مغمور بالماء على المشهور ، وليتصور من هذا الشكل صورته.

ذكر خط الاستواء وهو يمرّ من بحر الصين إلى بحر الهند إلى الزنج إلى براري سودان المغرب وينتهي إلى بحر المحيط في المغرب ، فمن سكن في أحد الأماكن التي على خط الاستواء لم يختلف عليه الليل والنهار ، واستويا عليه أبدا ، وكان قطبا العالم على أفق بلده ، وكانت المدارات قائمة على الأفق ، واجتازت الشمس على سمت رأسه في السنة مرّتين عند كون الشمس في رأس الحمل والميزان ، وبعضهم يرى أنه أعدل المواضع ، وبعضهم يرى أنه حارّ وأنه إنما سميّ خط الاستواء ؛ لاستواء الليل والنهار فيه ، وأنه غير معتدل المزاج

٩

لاحتراق أهله ، ومن قرب منهم لونا وشعرا وخلقا ، ويصير في مدة اثني عشر شهرا ، وهو سنة كاملة في خط الاستواء : ربيعان وصيفان وخريفان وشتاءان.

فإن الشمس إذا حلّت برأس الحمل سامتت رءوس أهل خط الاستواء ، وهو أول فصل صيفهم الأول ، فإذا حلّت بنصف برج الثور كان أول خريفهم الأول ، وإذا حلّت بأول برج السرطان كان أول فصل شتائهم الأول ؛ لأنها تكون حينئذ في نهاية البعد عن خط الاستواء في الشمال ، وإذا حلّت بنصف برج الأسد كان أول فصل ربيعهم الأول ، وإذا حلت برأس الميزان كان أول الصيف الثاني ، وإذا حلت بنصف العقرب كان أول الخريف الثاني ، وإذا حلت بأول الجدي كان أول الشتاء الثاني ؛ لأنها حينئذ تكون في نهاية البعد عن خط الاستواء في الجنوب ، وإذا حلت بنصف برج الدلو كان الربيع الثاني.

كلام كلي على الأقاليم السبعة

اعلم أن معظم العمارة يقع بين ما يجاوز عشر درجات في العرض إلى حدود الخمسين ، فقسمها أهل الصناعة بالأقاليم السبعة ؛ ليكون كل إقليم تحت مدار تتشابه أحوال البقاع التي فيه ، وكل إقليم منها يمتد ما بين الخافقين طولا ، ويكون عرضه قدرا قليلا ، وهو ما يوجب تفاضل نصف ساعة في مقادير النهار الأطوال ، والجمهور جعلوا مبدأ الأطوال من جانب المغرب ليكون ازدياد عدد الطول في جهة توالي البروج ، ومبدأ العرض خط الاستواء ؛ لأنه بالطبع متعين ، وقد ذكر أن بدأة العمارة في المغرب كانت في جزائر تسمى بالخالدات ، وهي الآن غير معمورة ، فجعل بعضهم الجزائر المذكورة مبدأ الطول ، وقوم آخرون جعلوا ساحل البحر الغربي مبدأ وبينهما عشر درجات من دور معدّل النهار ، وأما نهاية العمارة في الجانب الشرقي فهو موضع يقال له : كتكدز ومنتصف ما بين النهايتين أعني : الغربية والشرقية على خط الاستواء يسمّى قبة الأرض ، وهي على بعد ربع الدور من المبدأ الغربي ، ويلزمها الاختلاف بسبب الاختلاف في المبدأ الغربي أعني : كونه الجزائر الخالدات أو

١٠

الساحل ، وأما الأقاليم بحسب العروض فإن آخر كل أقليم ما عداه أول الذي يليه ، وقد اختلفوا أيضا في ترتيب الأقاليم بحسب العرض ، فقوم جعلوا مبدأ الإقليم الأول خط الاستواء ، وآخر السابع منتهى العمارة ، وأما المختار الذي عليه المحقّقون فإنهم جعلوا أول الإقليم الأول حيث العرض اثنتا عشرة درجة وثلثا درجة ، وآخر الإقليم السابع حيث العرض خمسون درجة وعليه رتبنا الأقاليم في هذا المختصر ، وأما الأطوال فإنا اثبتناها من الساحل حسبما اختاره المتأخرون ، ولنشرع في ذكر الأقاليم السبعة مفصلا.

الإقليم الأول : مبدؤه حيث النهار الأطول اثنتا عشرة ساعة ونصف وربع ، وعرضه اثنتا عشرة درجة وثلثا درجة ، ووسطه حيث النهار ثلاث عشرة ساعة ، والعرض ست عشرة درجة ونصف وثمن درجة ، وآخره حيث النهار ثلاث عشرة ساعة وربع ساعة ، والعرض عشرون درجة وربع وخمس درجة ، ينقص شيئا ما ؛ لأنا قلنا : إن آخره ما عداه أول الثاني ، وأول الثاني عشرون وربع وخمس ، فآخر الأول ينقص عن ذلك أمرا ما ، فسعة الإقليم الأول سبع درجات وثلثا درجة وثمن درجة بالتقريب ، وأما مساحته فسنذكرها مع مساحة باقي الأقاليم إن شاء الله تعالى.

الإقليم الثاني : مبدؤه حيث النهار ثلاث عشرة ساعة وربع ساعة ، والعرض عشرون وربع وخمس ، ووسطه حيث النهار ثلاث عشرة ساعة ونصف ساعة ، والعرض أربع وعشرون ونصف وسدس ، وآخره حيث النهار ثلاث عشرة ساعة ونصف وربع ساعة ، والعرض سبع وعشرون درجة ونصف درجة ، ينقص شيئا ما ، فيكون سعته بالتقريب سبع درجات وثلاث دقائق.

الإقليم الثالث : مبدؤه حيث النهار ثلاث عشرة ساعة ونصف وربع ساعة ، والعرض سبع وعشرون درجة ونصف درجة ، ووسطه حيث النهار

١١

أربع عشرة ساعة ، والعرض ثلاثون درجة وثلثا درجة ، وآخره حيث النهار أربع عشرة ساعة وربع ساعة ، والعرض ثلاث وثلاثين درجة ونصف وثمن درجة ، ينقص شيئا ما ، فسعته ست درجات وثمن درجة بالتقريب.

الإقليم الرابع : مبدؤه حيث النهار أربع عشرة ساعة وربع ساعة ، والعرض ثلاث وثلاثين درجة ونصف وثمن درجة ، ووسطه حيث النهار أربع عشرة ساعة ونصف ساعة ، والعرض ست وثلاثون درجة وخمس وسدس درجة ، وآخره حيث النهار أربع عشرة ساعة ونصف وربع ساعة ، والعرض ما ينقص شيئا ما عن تسع وثلاثين درجة إلا عشرا ، فيكون سعته خمس درجات وسبع عشرة دقيقة بالتقريب.

الإقليم الخامس : مبدؤه حيث النهار أربع عشرة ساعة ونصف وربع ساعة ، والعرض تسع وثلاثون درجة إلا عشرا ، ووسطه حيث النهار خمس عشرة ساعة ، والعرض إحدى وأربعون درجة وربع درجة ، وآخره حيث النهار خمس عشرة ساعة وربع ساعة ، والعرض ثلاث وأربعون درجة وربع وثمن درجة ، ينقص شيئا ما ، فسعته أربع درجات وربع وثمن وعشر درجة بالتقريب.

الإقليم السادس : مبدؤه حيث النهار خمس عشرة ساعة وربع ساعة ، والعرض ثلاث وأربعون درجة وربع وثمن درجة ، ووسطه حيث النهار خمس عشرة ساعة ونصف ساعة ، والعرض خمس وأربعون درجة وربع وعشر درجة ، وآخره حيث النهار خمس عشرة ساعة ونصف وربع ساعة ، والعرض سبع وأربعون درجة وخمس درجة ، ينقص شيئا ما فيكون سعته ثلاث درجات ونصف وثمن وخمس درجة بالتقريب.

الإقليم السابع : مبدأه حيث النهار خمس عشرة ساعة ونصف وربع ،

١٢

والعرض سبع وأربعون درجة وخمس درجة ، ووسطه حيث النهار ست عشرة ساعة وربع ساعة ، والعرض ثمان وأربعون درجة ونصف وربع وثمن درجة ، وآخره حيث النهار ست عشرة ساعة وربع ساعة ، والعرض خمسون درجة وثلث درجة ، فيكون سعته ثلاث درجات وثمان دقائق.

وقد رأينا غالب واضعي الكتب المؤلفة في الأطوال والعروض من الزيجات وغيرها ، لا يحافظون فيها على إثبات الأماكن في مواضعها من الأقاليم ، بل يثبتون بعض أماكن الإقليم في الإقليم الآخر ، ومن تأمل ذلك وكشفه تحقّق صحة ما ذكرناه.

ونحن : فقد راعينا ذلك وأثبتنا كل مكان في إقليمه ، واعلم أن ثم بلاد كثيرة ليست من الأقاليم السبعة ، وهي البلاد التي وراء أول الإقليم الأول من الجهة الجنوبية ، وكذلك البلاد التي خلف آخر الإقليم السابع من جهة الشمال ، وإلى نهاية العمارة في الشمال ، وأما ساعات النهار الأطول في العروض التي وراء الإقليم السابع ، فإن النهار الأطول يبلغ سبع عشرة ساعة ؛ حيث العرض أربع وخمسون درجة وكسر ، ويبلغ ثماني عشرة ساعة حيث العرض ثمان وخمسون ، ويبلغ تسع عشرة ساعة حيث العرض إحدى وستون ، ويبلغ عشرين ساعة حيث العرض ثلاث وستون ، ويبلغ إحدى وعشرين حيث العرض أربع وستون ونصف ، ويبلغ اثنتين وعشرين حيث العرض خمس وستون وكسر ، ويبلغ ثلاثا وعشرين حيث العرض ست وستون ، ويبلغ أربعا وعشرين حيث العرض مثل تمام الميل كله وهو ست وستون وكسر ، ويبلغ شهرا حيث العرض سبع وستون وربع ، وشهرين حيث العرض سبعون إلا ربع درجة ، وثلاثة أشهر حيث العرض ثلاث وسبعون ونصف ، وأربعة أشهر حيث العرض ثمان وسبعون ونصف ، وخمسة أشهر حيث العرض أربع وثمانون ونصف السنة تقريبا حيث العرض ربع الدور وهو تسعون.

١٣

فصل

من كلام البيروني في القانون قال :

خط الاستواء الذي لا عرض له ، فالعرض منه ، ومنسوب إليه ، لما اجتازت أفقه على قطبي الكل قسمت المدارات المخطوطة على الأفق الموازية لمعدّل النهار كلها بنصفين ، فلم يدم فيه ظهور مدار أو خفاؤه أصلا ، ولم يختلف فيه ليل مع نهاره بل استويا لكل طالع وغارب وقطبا فلك البروج من جملتها ، فمرت منطقة البروج على سمت الرأس في كل دورة مرتين عند طلوعهما وغروبهما ، وانتصبت المدارات على الأفق ، فاستقامت الحركة لمبصرها ، وساوت سعة المشارق والمغارب الميول لكون الأفق إحدي دوائرها ، واستوى بعد المنقلبين عن سمت الرأس ، فتساوى ارتفاعهما في نصف النهار عن جنوب وشمال ، وكذلك ظلالهما فيهما وتوسطهما أعظم الارتفاع العديم الظل ، ولم يختلف فيه جهتا سعة المشرق وارتفاع نصف النهار في مدار واحد وسامتته الشمس على نقطتين متقاطرتين هما : " أول الحمل والميزان" ، وكانت المدة بينهما نصف سنة بالتقريب.

في صفة المعمور بإجمال. قال البيروني :

الروم والهند أصدق سائر الأمم عناية بهذه الصناعة ، ولكن الهند لا يبلغون غاية اليونانيين فيعترفون لهم بالتقدم ، ولمثله نميل إلى آرائهم ونؤثرها.

فأما الهند : ففي كتبهم أن نصف كرة الأرض ماء ونصفها طين ؛ يعنون البر والبحر ، وأن على ترابيع خط الاستواء أربعة مواضع : هي جمكوت الشرقي ، والروم الغربي ، وكنك الذي هو القبة والمقاطر لها ، فلزم من كلامهم أن العمارة في النصف الشمالي بأسره.

١٤

وأما اليونانيون : فقد انقطع العمران في جانبهم ببحر أوقيانوس ، فلما لم يأتهم خبر إلا من جزائر فيه غير بعيدة عن الساحل ، ولم يتجاوز المخبرون عن الشرق ما يقارب نصف الدور جعلوا العمارة في أحد الربعين الشماليين لا أن ذلك موجب أمر طبيعي ، فمزاج الهواء الواحد لا يتباين ؛ ولكن أمثاله من المعارف موكول إلى الخبر من جانب الثقة ، فكان الربع دون النصف هو ظاهر الأمر ، والأولى بأن يؤخذ به إلى أن يرد لغيره خبر طارئ ، وطول العمارة على ذلك أوفر من عرضها لتعطل العمارة في الشمال بالبرد عند ثلثي ربع الدور بالتقريب. والهند سمّوا بر الأرض بلغتهم سلحفاة من أجل إحاطة الماء بحواشيه وبروزه مقببّا منه ، وخاصّة إذا اعتقدوا أن هذا البارز نصف كرة.

قال : وإنما سمي بحر أوقيانوس الغربي محيطا لأن ساحله يأخذ من أقصى المنتهى في الجنوب محاذيا لأرض السودان ، مارا على حدود أودغست ، والسوس الأقصى ، وطنجة ، وتأهرت ، ثم الأندلس وجليقية والصقالبة ، وينعطف إلى العمران من ناحية الشمال ، ويمتد من هناك أيضا وراء الجبال غير المسلوكة والأراضي غير المسكونة من شدة البرد ، ويمر نحو المشرق غير مشاهد ، والبحر الشرقي الذي عنده منتهى العمارة في تلك الناحية غير محصل كتحصيل أوقيانوس ؛ من أجل بعد المشقة وعدم الفوز بمن يتحقق الأمر منه ، ولكنه بالجملة يمتد من الجنوب على مثال أوقيانوس نحو الشمال فيقال : إنه يحد بالممتد وراء ما ذكرنا من الجبال الصردة ، ثم البحر الأعظم في جنوب الربع المسكون متصل بالبحر المحيط الشرقي ، مسمى بما يوازيه في الساحل من الممالك أو حصل فيه من الجزائر ، فيأخذ من أرض الصين إلى الهند إلى الزنج ، وساحله من جانب الشمال ليس بمعمور ، ومن جانب الجنوب غير معلوم ، لم يقف عليه أحد من ركابه ، ولم يخبر بشيء منه سكان الجزائر ، ويدخل من هذا البحر في الحد الشرقي أعباب وألسنة وخلجان معروفة ، وأعظمها خليج فارس : الذي على شرقي مبدئه أرض مكران ، وعلى غربيه : أرض عمان ، ثم

١٥

خليج القلزم الذي على شرقي أوله أرض اليمن وعدن ، وعلى غربيه : أرض الحبشة ورأس بربرة والخليج البربري ، وكل واحد من هذه يسمّى بحرا على حدة لعظمه ، وأكثر ما يبلغ سالكو البحر الأعظم من جانب المغرب سفالة الزنج ، ولا يتجاوزونها ؛ وسببه أن هذا البحر طعن في البر الشمالي في ناحية المشرق ، ودخله في مواضع كثيرة ، وكثرت الجزائر في تلك المواضع وعلى مثله بالتكافي طعن البر في البحر الجنوبي في ناحية المغرب ، وسكنه سودان المغرب ، وتجاوزوا فيه خط الاستواء إلى جبال القمر التي منها منابع نيل مصر ، فحصل البحر هناك فيما بين جبال وشعاب ذوات مهابط ومصاعد ، يتردد فيها الماء بالمدّ والجزر الدائمين ، ويتلاطم فيحطم السفن ، ويمنع السلاك ، ومع هذا فليس يمنعه عن الاتصال ببحر أوقيانوس من تلك المضايق.

ومن جهة الجنوب وراء تلك الجبال فقد وجدت علامات اتصالهما ، وإن لم يشاهد ، وبذلك صار بر المعمورة وسط ما قد أحاط به باتصال ، وفي خلال هذا البر مستنقعات مياه كثيرة مختلفة المقادير ، فمنها ما استحق بعظمته اسم البحر كبحر نيطش الأرمني وبحر الروم وبحر الخرز.

وإذا تقرر جملة المعمورة قلنا : إن الأرض قسمت إلى أقسام تقوم مقام الأجناس وهي مختلفة عند الأمم وأولاها التسبيع بالأقاليم الممتدة من شرق الأرض إلى غربها بالتلاصق في العرض ، والإقليم هو الناحية والرستاق ، والأصل فيها أن الاختلافات المحسوسة إنما تكون بالمسير في العروض وأظهرها لعامة الناس اختلاف النهار والليل فجعلوا ما يوجب تفاوت نصف ساعة إقليما حسبما تقدّم ذكره. وهذا ما اخترناه من كلام أبي الريحان.

١٦

فصل

في تحقيق أمر المساحة قد تقدم أن الأرض كروية ، وأنها في الوسط. فسطح الأرض وهو محدبها مواز لمقعر السماء ، فالدوائر العظام التي على سطح الأرض موازية للعظام الفلكية ، وينقسم كانقسامها على ثلاث مائة وستين جزءا وسامت كل جزء من الدائرة الأرضية نظيره من الفلكية ، فإذا سار سائر على خط نصف النهار ، وهو الخط الواصل بين القطبين الشمالي والجنوبي في أرض مستوية خالية عن الوهدات ، عرية عن الربوات على استقامة من غير انحراف أصلا حتى يرتفع له القطب أو ينقص له جزءا ، فالقدر الذي ساره من تلك الدائرة يكون حصة درجة واحدة منها ، وتكون تلك الدائرة الأرضية ثلاث ماية وستين مرة مثل ذلك القدر ، وقد قام بتحقيق ذلك طائفة من القدماء كبطليموس صاحب" المجسطي" وغيره. فوجدوا حصّة الدرجة الواحدة من العظيمة المتوهّمة على الأرض ستة وستين ميلا وثلثي ميل ، ثم قام بتحقيق طائفة من الحكماء المحدثين في عهد المأمون ، وحضروا بأمره في برية سنجار ، وافترقوا فرقتين بعد أن أخذوا ارتفاع القطب محرّرا في المكان الذي افترقوا منه ، وأخذت إحدى الفرقتين في المسير نحو القطب الشمالي ، والأخرى نحو القطب الجنوب ، بي وساروا على أشدّ ما أمكنهم من الاستقامة حتى ارتفع القطب للسائرين في الشمال وانحط للسائرين في الجنوب درجة واحدة ، ثم اجتمعوا عند المفترق وتقابلوا على ما وجدوه ، فكان مع إحديهما ستة وخمسون ميلا وثلثا ميل ، ومع الأخرى ستة وخمسون ميلا بغير كسر فأخذ بالأكثر وهو ستة وخمسون ميلا وثلثا ميل ، وقد تقدّم أنّ القدماء وجدوا حصة الدرجة ستة وستين ميلا وثلثي ميل ، فبينهما من التفاوت عشرة أميال ، فينبغي أن يعلم أن ذلك إنما هو للخلل في العمل ؛ لأن مثل هذه الأعمال لا يخلو من تفاوت إذ لا يمكن الاحتراز عن المساهمة والمسامحة تارة في استقامة المشي على خط نصف النهار ، وتارة من جهة الذرع ، وغير ذلك فقد علمت الخلاف في مساحة دور

١٧

الأرض بين القدماء والمحدثين ، وأن مساحتها عند القدماء أكثر مما هو عند المحدثين ، وغالب عمل المتأخرين إنما هو على رأي القدماء لتعلق كثير من المسائل به.

واعلم أن بين القدماء والمحدثين أيضا اختلافا في الاصطلاح على الذراع والميل والفرسخ ، وأما الأصبع فليس بينهم فيها اختلاف ؛ لأنهم أجمعوا واتفقوا على أن كل أصبع ست شعيرات معتدلات مضموم بطون بعضها إلى بعض ، أمّا الذراع فالخلاف بينهم فيه حقيقي ؛ لأنه عند القدماء اثنتان وثلاثون أصبعا ، وعند المحدثين أربع وعشرون أصبعا ، وذراع القدماء أطول من ذراع المحدثين بثمان أصابع ، وأما الميل فهو عند القدماء ثلاثة آلاف ذراع ، وعند المحدثين أربعة آلاف ذراع ، والخلاف بينهم فيه إنما هو لفظي ، فإن مقدار الميل عند الجميع شيء واحد ، وإن اختلفت أعداد الأذرع ؛ لأنه على التفسيرين ستة وتسعون ألف أصبع ، فإذا قسمتها اثنين وثلاثين اثنين وثلاثين كان المتحصل ثلاثة آلاف ذراع ، وإذا قسمتها أربعة وعشرين أربعة وعشرين كانت أربعة آلاف ذراع ، وأما الفرسخ فهو عند القدماء وعند المحدثين ثلاثة أميال ، لكن يجيء الخلاف لفظيا في الفرسخ إذا جعل أذرعا ؛ فإنه بذراع القدماء تسعة آلاف ذراع ، وبذراع المحدثين اثنا عشر ألف ذراع ، وهو على التفسيرين ثلاث مائة ألف أصبع ينقص اثني عشر ألف أصبع ، وإذا علمت أن الفرسخ عند القدماء تسعة آلاف ذراع ، والميل ثلاثة آلاف ذراع ، وعند المحدثين الفرسخ اثنا عشر ألف ذراع ، والميل أربعة آلاف ذراع. فاعلم أن الميل على التفسيرين ثلث فرسخ وكل فرسخ ثلاثة أميال باتفاق.

١٨

فصل

وفراسخ درجة واحدة عند القدماء : اثنان وعشرون فرسخا وتسعا فرسخ إذ هو الخارج من قسمة ستة وستين ميلا وثلثي ميل على ثلاثة ، وأما فراسخ درجة واحدة عند المحدثين : فتسعة عشر فرسخا إلا تسع فرسخ إذ هو الخارج من قسمة ستة وخمسين ميلا وثلثي ميل على ثلاثة ، والعمل إنما هو على مذهب القدماء ، فإذا عمل على مذهب القدماء وضرب حصة الدرجة الواحدة من الفراسخ ، وهو اثنان وعشرون فرسخا وتسع فرسخ في ثلاث مائة وستين حصل مقدار الدائرة العظمى من الأرض وهو ثمانية آلاف فرسخ من غير زيادة ولا نقص ، وأما تكسير سطح الأرض على ذلك فهو عشرون ألف ألف فرسخ وثلاث مائة ألف وستون ألف فرسخ وربع ذلك تكسير الربع المسكون ، ويكون طول الربع نصف المحيط ، وعرضه ربع المحيط ، وأمّا إذا ضرب حصة الدرجة الواحدة على مذهب المحدثين وهو تسعة عشر فرسخا إلا تسع فرسخ في ثلاث مائة وستين ؛ فإنه يخرج مقدار الدائرة العظمى من الأرض على مذهب المحدثين وهو ستة آلاف وثمان مائة فرسخ. فدور الأرض عند المحدثين ينقص عما هو عند القدماء ألفا ومائتي فرسخ.

١٩

ذكر مساحة الأقاليم السبعة على المذهبين

أما أبو الريحان البيروني فإنه ذكر في" القانون المسعودي" مساحتها على رأي المتأخرين فضرب درج الأقليم في تسعة عشر فرسخا إلا تسع فرسخ ، فقال : الإقليم الأول طوله من ساحل البحر الغربي إلى نهايته في المشرق مائة واثنتان وسبعون درجة وسبع وعشرون دقيقة ، فيكون بالفراسخ ثلاثة آلاف ومائتين واثنين وخمسين فرسخا وكسرا ، وسعته من الجنوب إلى الشمال سبع درج وثلثان وثمن درجة ، فيكون بالفراسخ مائة وسبعة وأربعين فرسخا وسبعا وعشرين دقيقة ، أقول : فإن أردت مساحته على رأي القدماء ضربت درج الطول المذكورة وهي : ١٧٣ درجة و ٣٧ دقيقة في اثنين وعشرين فرسخا ، وتسعي فرسخ فيكون بالفراسخ ثلاثة آلاف وثمان مائة واثنين وثلاثين فرسخا ، ويكون التفاوت بين المساحتين خمس مائة وأربعة وسبعين فرسخا ونصف فرسخ ، وهو المقدار الذي يزيد به مساحة المتقدمين لطول الإقليم الأول على مساحة المتأخرين ، وكذلك تضرب درج العرض وهي سبع درج وثلثان وثمن في اثنين وعشرين وتسعين ، فيكون بالفراسخ مائة وثلاثة وسبعين فرسخا وسدس فرسخ ، فيكون التفاوت بين المساحتين ستة وعشرين فرسخا وهو القدر الذي يزيد به مساحة المتقدمين لسعة الإقليم الأول على مساحة المتأخرين.

وأما الإقليم الثاني : فقال أبو الريحان : طوله من ساحل البحر الغربي إلى نهايته في المشرق مائة وأربع وستون درجة وعشرون دقيقة فيكون بالفراسخ ثلاثة آلاف ومائة وأربعة فراسخ ، وسعته سبع درج وثلاث دقائق فيكون بالفراسخ مائة وخمسة وثلاثين فرسخا وربع وثمن فرسخ.

أقول : فإن أردت مساحته على رأي القدماء ضربت درج الطول المذكورة

٢٠