رحلة السيرافي

رحلة السيرافي

المؤلف:


المحقق: عبد الله الحبشي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: المجمع الثقافي
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٣٩

١
٢

المقدمه

فيما يتعلق بالتجارة عن طريق البحر وقصص الأسفار للبحارة العرب والفرس مع بلاد الهند وارخبيل الملايو والصين ، فإن أولئك التجار العرب قد ساروا على التقاليد القديمه لمنطقة جنوبي العراق وسواحل الخليج العربي منذ العصر الساساني.

ويقال انه عند ما استولى العرب على ميناء (الأبله) قرب البصرة في خلافة عمر بن الخطاب وجد بها المسلمون سفنا صينية ، وقد كان الفرس حتى عصر السيادة العربية هم أكثر الناس جسارة على ركوب البحر ، وكان من الواضح منذ عهد طويل ان المستعمرة العربية الفارسية بمينا كانتون بالصّين ، كانت قد بلغت حدا من القوة أصبحت معها في سنة ٧٥٨ م تضع يدها على المدينة وتتحكم فيها ثم تنهبها وتغادر البلاد عن طريق البحر.

وفي أواخر القرن التاسع عشر الميلادي حالف الحظ بعض المستشرقين بأن عثر على شواهد قبور تثبت زيارة بعض العرب للصين في ذلك العهد القديم وذلك في مقبرة تثبت زيارة بعض العرب للصين في ذلك العهد القديم وذلك في مقبرة تثبت وجود جماعة من أهل عمان والخليج العربي. وعزز هذا الإثبات مصدر تاريخي آخر هو كتاب لأبي سفيان محبوب العبدي المتوفي في النصف الأول من القرن التاسع الميلادي حيث جاء فيه أن أحد شيوخ الإباضية وهو أبو عبيدة عبد الله بن القاسم من أهل عمان ، وكان

٣

عالما كبيرا في عصره وتاجرا معروفا اشتغل بتجارة المر ، وكان قد سافر بتجارة من الصبر والمر الى الصين ، يقول المستشرق كراتشكوفسكى : ولكن تاريخ تلك الرحلة غير معروف لنا ولو انه لإعتبارات عديدة يمكن القول بأنها حدثت دون شك قبل نهب كانتون السابق الذكر عام ٧٥٨ م.

أما التاجر العماني الآخر فهو النّضر بن ميمون الذي عاش بالبصرة على ما يظهر في حدود القرنين الثامن والتاسع الميلاديين ، ومن هناك سافر الى الصين ، ولكن لا نملك تفاصيل دقيقة عن رحلته تلك.

وعلى كل حال فإنه يمكن اعتبار أولئك التجار العمانيين بما فيهم أهل الإمارات بمثابة ممهدين لتجار آخرين كبار ، أمثال صاحب رحلتنا هذه التي بين يديك ، وهو التاجر سليمان ورفيقه ابن وهب اللذان تلقى رحلتهما مؤرخ جغرافي هو أبو زيد السيرافي ، ونقلها عنهما ومحّص روايتهما وهي هذه التي ننشرها الآن ضمن مطبوعات المجمع الثقافي. تحمل اسم المذكور.

ونعود الى ما كنا بصدده فنرى أن الرحالة العرب قد كونوا عن بلدان الشرق الأقصى وغيرها مادة مقتضبة منذ عهود مبكرة تعود الى القرن التاسع الميلادي معتمدين في ذلك على ما يتناقله الرحالة المغامرون ، وهم شخصيات في الغالب عربية بحته ساهمت في بعض الأسفار التجارية ، ويذكر لنا ابن رسته في كتابه «الاعلاق النفيسة» حقائق عن الهند هامة يرويها عن شخص غير معروف عند المؤرخين ، هو أبو عبد الله محمد بن اسحاق ، وهو غير ابن اسحاق صاحب السيرة والمغازي المعروف ، وكان هذا

٤

الرجل قد أمضى قرابة عامين في جزيرة قمارى (أي خمير ، وهو الاسم القديم لكمبوديا) وكان ذلك على أغلب الظن في أوائل القرن التاسع.

ويرى أكثر الباحثين الأوربيين من المستشرقين في الجغرافيا أن هذا الرجل يكاد يكون هو المصدر الوحيد لكل من ابن رسته وابن خرداذبة ، وهو الذي ينقل عنه ياقوت فقرات معينة في بعض مواد كتابه.

هذا فيما يتعلق بالطريق البحري من قبل الرحالة العرب من التجار ، أما اذا رجعنا الى رحلاتهم البرية في العهود المبكرة فسنجدها تتمثل في روايات استقاها الجغرافيون العرب من أفواه رحالة عرب آخرين مرّوا بالطريق البري الذي يخترق آسيا الوسطى الى الصين ، وذلك نجده في الوصف الذي يقدمه تميم بن بحر المطوعي. وكما يظهر من لقبه فالرجل لم يكن من فئة التجار المعروفين ، وأغلب الظن انه عاش حياة الجهاد والمرابطه في الثغور الإسلامية ، التي تمتد مساحتها على سائر تخوم الخلافة الإسلامية ، وكان المذكور قد توجه الى خاقان الترك (التغزغز) بمهمة دبلوماسية كما يظهر ، ويرى بارتولد انها تعود الى الفترة ما بين ٧٦٠ م ـ ٨٠٠ م وأورد ياقوت في كتابه (معجم البلدان) أهم قطعة من هذه الرحلة عرفنا بواسطتها الاستدلال على شخصية صاحب الرحلة.

وبهذا فإن تميم بن بحر المطوعي ، يكون أول جغرافي عربي يذكر لنا وصف الطريق البري الى الصين ، ويمكن أن نجد أثر تميم المذكور في النصوص التي أوردها عنه جغرافيون كبار ورحالة

٥

معروفون ، أمثال أبي دلف ، وقدامه ، وأيضا عند الإدريسي صاحب أشهر كتاب في الجغرافيا ، وهو كتاب (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) بل وعند ابن خرداذبه ، وياقوت كما أسلفنا ، وتميم هو أول عربي يعطينا معلومات هامة عن التغزغز تعتمد في الأساس على معلومات شخصية مباشرة شاهدها بنفسه ، فهو يصف لنا عاصمة التغزغز (قامجو) قرب (طرفان) ويذكر معلومات عن حجر المطر عند الترك الى غير ذلك.

سليمان التاجر

نرجع الى صاحب رحلتنا هذه التاجر سليمان التي تلقفها عنه ورواها وهذّ بها أبو زيد السيرافي ، فالمذكور هو من قدامى الرحالة الذين عرفوا برحلاتهم الغريبه ورواياتهم الطريفة عن البلدان التي زاروها ، ونحن لا نعرف شيئا عن حياته ، سوى ما وصل إلينا من الرواية التي ذكرها عن رحلته ، وهي ترجع في الغالب الى حوالي سنة ٢٣٧ ه‍ ، وقد سافر مرارا بغرض التجارة الى الهند والصين ، وقد محّص ما ورد عنه وتابع خطواته على ضوء الخرائط الحديثة المستشرق الفرنسي فيرن فوجدها من حيث الدقة والأمانة العلمية بمكانة تذكر له ، يقول : وهو خير مثال للتجار العرب والفرس الذين توجهوا الى الصين. وقد أبحر من (سيراف) الى (مسقط) على الخليج العربي ، ومن هناك الى (كلم) على ساحل مليبار ، ثم مر بمضيق (بالك) شمالي جزيرة (سيلان) ثم عبر خليج البنغال فوصل جزيرة (لنجبالوس) (احدى جزر نيكوبار) ثم تقدم الى (كله بره) على ساحل الملايو الغربي ، ومر هناك الى جزيرة (تيومن) الواقعة الى الجنوب الغربي من (ملقا) ومنها الى راس

٦

القديس يعقوب قرب (سايجون) ومن هناك الى جزيرة (هاينان) فعبر المضيق الذي يفصلها عن أرض الصين ليصل الى مينا (خانفو) أو (كانتون) الحديثة بالصين.

وكانت الرحلة البحرية من (مسقط) الى الصين تستغرق أكثر من أربعة أشهر ولم يقتصر سليمان في وصفه على ذكر المراحل وتقدير المسافات بالأيام وأحيانا بالفراسخ ، بل ترك أيضا وصفا حيّا للسواحل والجزر والمواني المختلفة والمدن وسكانها والمحاصيل والمنتجات وسلع التجارة. كما ثبت أن المعلومات التي أوردها عن (كانتون) تتميز بالتفصيل والدقة.

يقول كراتشكو في الحديث عن نسبة تلك الرحلات الى سليمان التاجر : ونظر العدم وجود معلومات عن سليمان نفسه فإن بعض كبار علماء (الصينيات) مثل (يول) و (بليو) قد تشككوا في نسبة القصص إليه. كما ظهر رأي آخر يرى أن هذه القصص لعربي زار الهند. غير أن (فيرن) لفت الأنظار الى أن ابن الفقيه ينسب القصص صراحة الى سليمان ، ولهذا فإن مسألة تأليفه لها لا يحوم حولها أدنى شك.

وقد أضاف الى القصص المنسوبة الى سليمان وذلك بعد عشرين عاما من رحلة المذكور ، رحالة آخر هو ابن وهب الذي يرجع نسبه الى قريش ، وكان من الأعيان الأثرياء وقد غادر بلده البصرة عند ما سقطت على أيدي ثوار الزنج سنة ٢٥٧ ه‍ ، واستقر رأيه على القيام برحلة طويلة من سيراف الى الصين ، وحالفه التوفيق فوصل الى عاصمة الصين ، وكانت في ذلك (خمدان) ولوصفه أهمية خاصة إذ بعد ذلك عام ٢٦٤ ه‍ يتم القضاء على

٧

المستعمرة العربية في (كانتون) نتيجة للحروب الداخلية فانقطعت بذلك الصّلات المباشرة بين العرب والصين. وأصبح آخر ميناء تصله السفن العربية (ميناكله) وكله بره بشبه جزيرة الملايو ، ولم بتجدد الاتصال بالصين إلّا في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الميلادي.

وقصص سليمان وابن وهب قد دونها في بداية القرن العاشر الميلادي أبو زيد الحسن السيرافي من أهل البصرة ، وهو الذي اعطاها الشكل المعروف لنا الأن ، والسيرافي المذكور لم يكن في الحقيقة رحالة ولا عالما بل كان على ما يظهر من المغرمين بأمثال هذه القصص التي كان من السهل جمع روايات كثيرة منها سواء في مسقط رأسه (سيراف) أو في (البصرة) ، وقد التقى به المسعودي عام ٣٠٣ ه‍ ، وقد استفاد منه رواية ابن وهب الواردة في رحلتنا هذه.

ومخطوطة رحلة ابي زيد السيرافي التي وصلتنا في نسخة فريدة وحيدة هي الموجودة بمكتبة باريس الأهلية ، وقد أضاف إليها النّساخ مقدمة لا علاقة لها البته بمحتويات الكتاب ، وزاد المشكلة تعقيدا أن المخطوطة تحمل عنوانا غير مناسب على الإطلاق ، ولا يتفق مع موضوع الكتاب ، هو عنوان (سلسلة التواريخ) وقد صدرت طبعة رينو سنة ١٨١١ م تحمل هذا العنوان.

ولأهمية رحلة التّاجر سليمان فقد استوقف هذا الأثر أنظار كبار المستشرقين في القرن الثامن عشر فظهرت له منذ عام ١٧١٨ م ترجمة فرنسية ، وكانت هذه الترجمة مدعاة الى اختلاسها وإضافة أشياء من قبل بعض المغامرين ونسبتها الى

٨

أنفسهم. ويعود الفضل في دراسة هذه الرحلة وتحقيق نصوصها الى المستشرق الفرنسي رينو ، ثم جاء بعده المستشرق الفرنسي أيضا فيرن وأعاد تحقيقها وترجمها بمنهجيّة تذكر له.

وقد استفدنا نحن من كلا الطبعتين ، وحاولنا ان نظهرها في هذا القالب مع إضافة بعض التعليقات اللازمة التي تتوافق مع هذه الرحلة ومن حيث الصبغة التراثية وكما سيراها القارئ ، وبالله التوفيق.

٩
١٠

هذا كتاب فيه سلسلة التواريخ والبلاد والبحور وأنواع الأسماك وفيه علم الفلك وعجايب الدنيا وقياس البلدان والمعمور منها ، والوحش وعجائب غير ذلك ، وهو كتاب نفيس.

١١
١٢

باب في البحر الذي بين بلاد الهند والسند

١٣
١٤

وغوز وماغوز (١) ، وجبل قاف ، وبلاد سرنديب ، وفتح أبو حبيش ، وهو الرجل الذي عاش من العمر مائتين وخمسين سنة وكان في بعض السنين نزل في الماغوز فرأى أبو حبيش الحكيم السواح فأتي به الى البحر وروّاه (٢) سمكة مثل الشراع (٣) ، وربما رفع رأسه [عن الماء](٤) فتراه كالشيء العظيم ، وربما نفخ الماء من فيه فيكون كالمنارة العظيمة ، فاذا سكن البحر اجتمع السمك فحواه بذنبه ، ثم يفتح فمه فيرى السمك في جوفه يغيض كأنه يغيض (٥) في بئر ، والمراكب التي تكون في البحر تخافه فهم يضربون بالليل بنواقيس مثل نواقيس النصارى مخافة أن تتكئ على المركب فتغرقه.

وفي هذا البحر [سمكة اصطدناها](٦) يكون طولها عشرين ذراعا فشققنا بطنها فأخرجنا منها أيضا سمكة من جنسها ، ثم شققنا بطن الثانية فإذا في بطنها مثلها ، وكل هذا حيّ يضطرب يشبه بعضه بعضا في الصورة.

__________________

(١) كذا في الأصل لعله جوج ومأجوج أو يأجوج ومأجوج

(٢) كذا على صيغة اللفظة العامية صوابه : وأراه

(٣) أي شراع المركب (معروف)

(٤) زيادة في نسخة أخرى

(٥) في أخرى : بغيص بالصاد المهملة

(٦) ساقط من طبعة رينو باريس سنة ١٨١١ م واضفناه من طبعة جان سوفاجه سنة ١٩٤٨ م (مع الترجمة الفرنسية)

١٥

ولهذا السمك الكبير الذي يدعي الوال (١) مع عظم خلقه سمكة تدعى اللشك (٢) طولها قدر ذراع فاذا طغت هذه السمكة وبغت وآذت السمك في البحر ، سلّطت عليها هذه السمكة الصغيرة ، فصارت في أصل أذنها (٣) ولا تفارقها حتى تقتلها.

وتلتزق (٤) بالمركب فلا تقرب المركب هذه السمكة الكبيرة فرقا من الصغيرة.

وفي هذا البحر أيضا سمكة يحكى وجهها وجه الانسان تطير فوق الماء ، واسم هذا السمك الميج (٥) وسمك آخر من تحت الماء

__________________

(١) الوال كذا عند المؤلف صوابه (البال) بالباء الموحدة وهو جنس من الحيتان لا زعنفة على ظهره ولا أسنان له ، ومكان الأسنان مادة قرنية تعرف بالبالين ، وقد يبلغ طوله أكثر من ٢٥ مترا (كذا في المنجد) وفي حياة الحيوان ١ : ١٤١ البال سمكة تكون في البحر الأعظم يبلغ طولها خمسين ذراعا ، يقال لها : العنبر وليست بعربية ، قال الجواليقي : كأنها عربت ، وقال في الصحاح : البال الحوت العظيم من حيتان البحر ، وليس بعربي ، وفي (عجائب المخلوقات) للقزويني : ١٧٤ «ومنها سمكة تعرف بالبال طولها أربعمائة ذراع الى خمسمائة ذراع فيظهر في بعض الأوقات طرف من جناحها يكون كالشراع العظيم ويظهر رأسها وتنفخ فيه الماء فيذهب الماء في الجو أكثر من قامتين والمراكب تفزع منها ليلا ونهارا ، فإذا أحسوا بها ضربوا بالدبادب وضجوا حتى تنفر وانها تحشو بذنبها وأجنحتها السمك الى فيها ، فإذا بغت علي حيوان البحر بعث الله سمكة نحو الذراع الخ ما ذكره ، وأنظر مروج الذهب ١ : ١٠٨

(٢) اللشك : كذا في (عجائب المخلوقات) للقزويني : ١٧٥ قال في أثناء حديثه عن البال ، ونقل نصّ كلام السيرافي «فإذا بغت على حيوان البحر ، بعث الله سمكة نحو ذراع تدعى اللشك تلتصق بأذنابها ولا خلاص للبال فتطلب قعر البحر وتضرب الأرض بنفسها حتى تموت وتطفوا فوق الماء كالجبل العظيم.

(٣) عجائب المخلوقات للقزويني : أذنابها (والمعروف أن الأسماك ليس لها آذان ظاهره والله أعلم)

(٤) أي تلتصق : لزق بمعنى لصق

(٥) الميج : في بعض الأصول : المج لم أجده

١٦

يرصده حتى إذا سقط ابتلعه ويسمى هذا السمك العنقتوس (١) والسمك كله يأكل بعضه بعضا.

[بحر هركند]

والبحر الثالث بحر هركند (٢) وبينه وبين بحر دلاروى (٣) جزائر كثيرة يقال أنها ألف وتسعمائة جزيرة ، وهى فرق ما بين هذين البحرين دلاروى وهركند.

وهذه الجزائر تملكها امرأة ويقع في هذه الجزائر عنبر عظيم القدر ، فتقع القطعة مثل البيت (٤) ونحوه ، وهذا العنبر ينبت في قعر البحر نباتا ، فإذا اشتد هيجان البحر قذفه من قعره مثل الفطر والكمأة.

وهذه الجزائر التي تملكها المرأة ، عامرة بنخل النارجيل (٥) وبعد

__________________

(١) العنقتوس : لم أجده

(٢) هركند : بحر في أقصي بلاد الهند بين الهند والصين ، وفيه جزيرة سرنديب مما يلي المشرق فيما يزعم بعضهم (ياقوت ٤ : ٩٦٣ ، ط أوربا) وانظر (نخبة الدهر) لأبي طالب الأنصاري المعروف بشيخ الربوة : ١٥٢ ط بطرسبورغ ، وبلدان ابن الفقيه : ١٠ ط ليدن سنة ١٣٠٢ ه‍ وآثار البلاد للقزويني : ٤٢.

(٣) كذا في (ط) رينو وفي ط سوفاجه «لاروي»

(٤) في (ط) رينو (البنت) وأصلحناها من (ط) سوفاجه

(٥) النارجيل : الجوز الهندي وقد يهمز وعامة أهل العراق واليمن لا يهمزونه ، وهو معرب ، وشجرته مثل النخلة سواء إلّا أنها تكون غلباء تميد بمرتقيها حتى تدنيه من الأرض لينا ويكون في القنو منها ثلاثون نارجيلة ولها لبن يسمونه (الأطراق) انظر : العين للخليل بن أحمد ٦ : ٢٠٨ والنّبات للدينوري ٥ : ٥١ وتهذيب اللغة ١١ : ٢٥٧ والعباب مادة ن ر ج ل وتاج العروس ن آ ر ج ل ، وللتّوسع في وصفه انظر رحلة ابن بطوطة ٢ : ١٢٧ (ط) المغرب.

١٧

ما بين الجزيرة والجزيرة فرسخان (١) وثلاثة وأربعة ، وكلها عامرة بالناس والنارجيل ، وما لهم الودع (٢) وهذه الملكة تذخّر الودع في خزائنها ، ويقال أن أهل هذه الجزيرة (٣) لا يكون أصنع منهم ، حتى انهم يعملون القميص مفروغا منه نسجا بالكمين والدخريصين (٤) والجيب ، ويبنون السفن والبيوت ، ويعملون سائر الأعمال على هذا النسق من الصنعة ، والودع يأتيهم على وجه الماء ، وفيه روح فتوخذ سعفه من سعف النارجيل فتطرح على وجه الماء فيتعلق فيها الودع وهم يدعونه الكبتح (٥).

__________________

(١) مثنى فرسخ وهو مسافة معلومة : وهو ثلاثة أميال أو ستة سمى بذلك لأن صاحبه اذا مشى قعد واستراح من ذلك كأنه سكن وهو واحد الفراسخ (فارسي معرب) انظر (لسان العرب).

(٢) جاء في كتاب (النقود العربية والاسلامية) لأنستاس الكرملي : ٧٥ «وقد كانت الأمم في الاسلام وقبله لهم أشياء يتعاملون بها بدل الفلوس كالبيض والكسر من الخبز والورق ولحاء الشجر والودع الذي يستخرج من البحر ويقال له الكوري وغير ذلك» قال الكرملي : والودعة ليست بالكوري فالودعة اسم عام يشمل (الصّدف) و (المناقيف) و (النباح) وفي (تاج العروس) ٥ : ٥٣٣ الودعة بالتّحريك وبالفتح جمعه : ودعات محركة (مناقيف) صغار وهي (خرز) بيض تخرج من البحر تتفاوت في الصغر والكبر ، كما في الصحاح ، تزين بها العثاكيل شقها كشق النواة وقيل في جوفها دودة كلحمة تعلق لدفع العين. وقال السهيلي في الروض : ان هذه الخرزات يقذفها البحر ، وإنها حيوان من جوف البحر ، فاذا قذفها ماتت ولها بريق أحسن لون إلخ ما ذكره

(٣) (ط) سوفاجه : الجزائر

(٤) قال في (القاموس) وشرحه ٤ : ٣٩٣ : (الدّخريص) من القميص والدرع واحد الدخاريص وهو ما يوصل به البدن ليوسعه ، والتخريص بالتاء لغة فيه ، وقال أبو عمرو ، : وأصل (الدخاريص) دخرص ودخرصه وقال الأزهري : الدخرص معرب وقال أبو عبيد وابن الاعرابي : هو عند العرب النبيقة وانظر مادة (خرص)

(٥) سوفاجه : كستج

١٨

وآخر هذه الجزائر سرنديب (١) في بحر هركند ، وهى رأس هذه الجزائر كلها ، وهم يدعونها الدبيجات (٢) وبسرنديب (٣) منها مغاص اللؤلؤ بحرها كله حولها.

وفي أرضها جبل يدعى الرهون (٤) وعليه هبط آدم عليه‌السلام ، وقدمه في صفا (٥) رأس هذا الجبل منغمسة في الحجر : في رأس هذا الجبل قدم واحدة.

ويقال انه عليه‌السلام خطا خطوة أخرى في البحر ، ويقال : إن هذه القدم التى على رأس الجبل نحو من سبعين ذراعا وحول هذا الجبل معدن جوهر الياقوت الأحمر والأصفر والاسمانجوني (٦).

وفي هذه الجزيرة ملكان ، وهى جزيرة عظيمة عريضة فيها العود ، والذهب ، والجوهر ، وفي بحرها اللؤلؤ ، والشنك وهو هنا

__________________

(١) سرنديب : بفتح أوله وثانيه ، وسكون النّون ، ولفظة (ديب) بلغة الهنود هي الجزيرة و (سرن) قال ياقوت : لا أدري ما هو وهي جزيرة عظيمة في بحر (هركند) بأقصى بلاد الهند طولها ثمانون فرسخا (ياقوت ٣ : ٨٣ ط أوربا) ، وانظر (الجماهر في الجواهر) : ٤٢ و (آثار البلاد) للقزويني : ٤٢

(٢) سوفاجه : ٢٠٣ : «الديبيجات» ، وفي نخبة الدهر : ١٦٣ «الديجات : جزائر صغار وكبار متقاربات. وعدّها من جزائر بحر اليمن ، وفي (عجائب المخلوقات) : الدنيجات

(٣) (ط) سوفاجه : «وبجانب منها»

(٤) الرهون : سبق وفي (نخبة الدهر) ٦٤ : (الراهون) بزيادة ألف بعد الراء جبل من جزيرة (سرنديب) يوجد به معدن الياقوت ، وفي ياقوت : ٣ : ٨٣ الرهون جبل بسرنديب وهو الذي هبط عليه آدم عليه‌السلام

(٥) الصفأ والصفاة : الحجر الأملس الصلد الضخم

(٦) الأسمانجوني : قال القزويني في (عجائب المخلوقات) : ٢٥٢ «حجر له خواص منها انه اذا استصحبه الرجل يبقى فرحا غير حزين ، واذا طرح في بئر أو نهر قل ماؤه وربما انقطع

١٩

(البوق) الذي ينفخ فيه ممّا يدخرونه.

وفي هذا البحر اذا ركب الى سرنديب جزائر ليست بالكثيرة ، غير انها واسعة لا تضبط ، منها : جزيرة يقال لها الرامني (١) فيها عدة ملوك ، وسعتها يقال ثمانمائة أو تسعمائة فرسخا ، وفيها معادن الذهب ، وفيها معادن تدعى فنصور (٢) يكون الكافور الجيّد منها.

ولهذه الجزائر جزائر تليها منها :

جزيرة يقال لها النيان (٣) لهم ذهب كثير واكلهم النارجيل ، وبه يتأدمون ويدهنون ، واذا أراد أحد منهم أن يتزوج لم يزوج إلّا بقحف رأس رجل من أعدائهم ، فإذا قتل اثنين زوج اثنتين ، وكذلك ان قتل خمسين زوج خمسين امراة بخمسين قحفا ، وسبب ذلك أن أعدائهم كثير ، فمن أقدم على القتل أكثر كان رغبتهم فيه أوفر.

وفي هذه الجزائر أعنى الرامنى فيلة كثيرة ، وفيها البقم (٤)

__________________

(١) الرامني : جزيرة ذكرها صاحب (نخبة الدهر) : ١٥٣ ضمن جزر الصين ، وفي بلدان ابن الفقيه : ١٠ (بعد جزيرة سرنديب وهي ثمان مائة فرسخ ، وفيها عجائب كثيرة) وانظر أيضا (عجائب المخلوقات) : ١٥٤

(٢) فنصور : قال في نخبة الدهر لأبي طالب الأنصاري : ١٠٤ (ط) بطرسبورع «فنصور : جزيرة في بحر الصّين ينسب اليها الكافور المسمى باسمها ، وفي بلدان ابن الفقيه : ١٦ فنصور بلد من الزابح وهو من ناحية القبلة بالقرب من الصين

(٣) النيان : كذا في الأصل وفي (عجائب المخلوقات) : ١٥٥ جزيرة البنان بالباء والنون.

(٤) البقم : قال في (نخبة الدهر) : هو شجر يشبه شجر (الخروب) الشامي ويحمل مثل حمله ولكنه مرّ شديد المرارة ، وللتوسع في البقم انظر (تاج العروس) ٨ : ٢٠٤ وفيه «البقم خشب شجر عظام ورقه كورق اللّوز ، ساقه أحمر يصبغ بطبيخه ، ويلحم الجراحات ، وفي (معجم النبات) ٢ : ٢٥٩ «دخيل من نبات الهند وأرض الزنج انظر أيضا (العين) ٥ : ١٨٢ و (النبات) لأبي حنيفة ٣ : ١٧٤ و (الجمهرة) لابن دريد ٣ : ٣٥٢ و (تهذيب اللغة) ٩ : ٢٠٥ وتاج اللغة (بقم)

٢٠