كتاب المزار

السيد مهدي القزويني

كتاب المزار

المؤلف:

السيد مهدي القزويني


المحقق: الدكتور جودت القزويني
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الرافدين للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٢

١
٢

٣

٤

كتاب المزار

مدخل لتعيين قبور الأنبياء والشهداء وأولاد الأئمة والعلماء

أولا : «كتاب المزار» للسيد مهدي القزويني ، فصل من فصول كتابه «فلك النجاة في أحكام الهداة» المطبوع بتبريز سنة ١٢٩٨ ه‍ / ١٨٨١ م ، طباعة حجرية. يبدأ من صفحة ٣٢٥ ، وينتهي بصفحة ٣٤٤. فمجموع صفحاته تسع عشرة صفحة ، مكتوبة بخط اليد.

ثانيا : قسّم المؤلف كتابه إلى بحثين : الأول : في مشروعيّة الزيارة الثاني : في زيارة النبي (ص) والمعصومين (ع). ورتّبه على ثلاثة فصول : الفصل الأول : في زيارة النبي (ص). الفصل الثاني : في زيارة فاطمة (ع) بنت الرسول (ص). الفصل الثالث : في زيارة الأئمة الإثني عشر.

ثم بدأ في الفصل الرابع بالحديث عن زيارة الأنبياء (ع) وتعيين مراقدهم ، فذكر اسم عشرين نبيّا. ثم عرّج في الفصل الخامس إلى ذكر الشهداء الذين قتلوا مع النبي (ص) ، أو الأئمة ، وعدّد منهم شهداء بدر ، وشهداء أحد دون أن يذكر أسماءهم سوى إسم الحمزة عمّ النبي (سيد الشهداء) الذي قتل في أحد. كما أشار إلى شهداء صفين ، وكربلاء والكوفة ، والبقيع والموصل ، والمدائن ، والربذة.

أمّا الفصل السادس فقد كرّسه لزيارة قبور المشاهير المعروفين من أولاد الأئمة ، وذكر منهم ثلاثة وعشرين إسما.

٥

وفي الفصل السابع أشار إلى تعيين قبور جملة من العلماء المجتهدين ، الذين تولّوا الزعامة الدينية على مرّ العصور ، مبتدئا من النوّاب الأربعة ، ثم بالطبقة التي تلتهم كطبقة الشيخ الكليني صاحب كتاب «الكافي» ، والشيخ المفيد ، والمرتضى ، وشيخ الطائفة الطوسي.

ثم عيّن مراقد جملة من علماء الحلّة في عصور ازدهار ثقافتها في القرن السادس والسابع والثامن. كما ذكر علماء النجف ، وبعض علماء جبل عامل ، وكذلك من دفن من العلماء بإيران ، ولم يتعدّ ذكر أكثر من ثلاثة أسماء فقط.

أمّا بقيّة الفصول ، وبالتحديد : الفصل الثامن ، التاسع ، العاشر فهي تتعلّق بشكل عام بآداب الزيارة ، وأحوال الأئمة ، والحديث عن أحكام المشاهد. وختم فصوله في الحديث عن آداب زيارة الأخوان.

ثالثا : إلتزم المؤلف حول تعداد الأسماء التي أوردها في فصوله ، المراحل الزمنية ، إلّا أنّ ذلك لم يكن خاضعا لمنهج عام ، بل كان يقدّم في بعض المواضع أسماءا على أخرى ، حسب السياق الذي تمليه عليه طبيعة البحث ومنهجه.

رابعا : لم يذكر المؤلف أسماء الشهداء الذين دفنوا في الحائر الحسيني ، أو ممن دفن بالبقيع من منتجبي الصحابة ، أو ممن استشهد بمعركة بدر ، أو أحد ، واكتفى بالاشارة إليهم بشكل عام.

خامسا : إبتدأ القزويني بتعداد أسماء العلماء ، منذ القرن الرابع إلى القرن الثالث عشر الهجريين. وأقرب تاريخ وفاة لزمن تأليف الرسالة هو تاريخ وفاة صاحب الجواهر ، الشيخ محمد حسن النجفي المتوفى سنة ١٢٦٦ ه‍ / ١٨٥٠ م. ولمّا كان تأليف كتاب المزار تمّ سنة ١٢٧٢ ه‍ / ١٨٥٦ م فيكون بين التاريخين ما يقرب من خمس سنوات فقط.

٦

إلّا أنّه نفسه أضاف إسم الشيخ مرتضى الأنصاري المتوفى سنة ١٢٨١ ه‍ / ١٨٦٤ م على النص بعد الفراغ من تأليف كتابه بتسع سنوات تقريبا ، وهو الإسم الوحيد الذي أضيف على كتاب المزار بعد تأليفه. علما أنّ القزويني توفي بعد الأنصاري بتسع عشرة سنة ، أي في سنة ١٣٠٠ ه‍ / ١٨٨٣ م.

سادسا : إندرجت في بعض الفصول أسماء في غير مواضعها استطرادا ، لتعلّقها بذلك الموضع ، وتلبّسها به. فقد أدرج إسم إبراهيم بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن الإمام علي بن أبي طالب (ع) ضمن الحديث عن زيارة الأنبياء ، وتعيين قبورهم. وبطبيعة الحال أنّ مكانه في الفصل المعدّ بالحديث عن أبناء الأئمة. وكذلك التكرار في تعيين إسم أحمد بن الإمام موسى الكاظم (ع) في فصل «المشاهير من أولاد الأئمة» أولا ، ثم في فصل مشاهير العلماء ثانيا. وإن كان يقصد في هذا التكرار تعيين قبر أحمد المزيدي دون سواه للشهرة عنده. فيتوافق مكانه في الموضعين.

سابعا : يلاحظ أنّ الفصل الأول المتعلّق بزيارة النبي (ص) يتداخل مع الفصل التاسع المتعلّق بآداب زيارة النبي (ص) ، وزيارة الأئمة (ع) وإن اختلف في منهجيتهما.

أهمية كتاب المزار

١ ـ أصبح كتاب المزار منذ عصر مؤلفه مصدرا أصليا لجميع من كتب عن سيرة الأئمة وأولادهم ، واهتمّ بتعيين قبورهم ، ومزاراتهم ، والاختلاف بمواضع مدافنهم ، أو إظهار ما أخفاه التاريخ وزواه عنهم.

٢ ـ يعتبر كتاب المزار من الكتب التي حرّر مؤلفه فيه من الآراء التي تعدّ من متبنياته التي إنفرد بها ، وقد تلقّى جمهور العلماء الباحثين آراءه بالقبول ، وإن خالفوه في بعضها الآخر.

٧

٣ ـ يعتبر الإمام المؤلف من الباحثين الميدانيين ، حيث أخذ على عاتقه القيام بمهمة الكشف عن القبور وتعيينها.

وقد أظهر جملة من المراقد التي لم تكن معروفة في عصره ، ولم يشر هو نفسه إلى ذلك في كتاب المزار ، إلّا أنّ ما تناقله معاصروه عنه يجعله من العلماء الأوائل في هذا الميدان ، إن لم يكن الرائد الأول فيه.

ومن القبور التي تمّ تعيينها على يديه ، قبر الحمزة حفيد العباس بن علي بن أبي طالب (ع) المعروف بالحمزة الغربي ، الواقع قبره بالهاشمية ، قرب مدينة الحلّة ، وكذلك تعيينه لقبر الإمام الشهيد زيد بن علي بكناسة الكوفة ، حيث إعتقد أنّه موضع صلبه وحرقه.

٤ ـ يلاحظ أنّ ظهور المراقد ، وتعيينها كان قد تمّ في هذا العصر ، القرن الثالث عشر الهجري / التاسع عشر الميلادي بعد ما أصاب النسيان الكثير منها بسبب الإهمال ، وعدم القيام بتجديدها وتخليدها.

المنهج في تحقيق «المزار»

١ ـ جرى المؤلف على ذكر الأسماء دون أن يدخل بالتفاصيل. فلم يذكر عن حياتهم ، ولا تواريخ وفياتهم شيئا سوى الإشارة إلى مواضع دفنهم ، وإقبارهم. وكانت غايته فقط تعيين مواضع قبورهم حسبما وصل إليه من تتبّع في المصادر المحفوظة لديه ، أو طريقة التنقيب والاهتداء بالأثر.

وكان عملي منصبّا على توضيح ما أورده من أسماء الأنبياء ، والشهداء ، وأولاد الأئمة ، والعلماء ، والحديث عنهم بما يوفّر مادة مكمّلة ضمن منهج المؤلف نفسه دون الخروج عن مضامين الرسالة.

٢ ـ لم تكن «الهوامش» تستوعب أسماء الأعلام المترجمين لطولها ، ولبعض التفاصيل الواردة بها. لذلك ألحقت كلا منها بالفصل الخاص به على إنفراد ، بعد نهاية الفصل الذي أورد فيه مؤلفه أسماء أعلامه ، وجعلتها بعنوان «تعليقات» على ذلك الفصل.

٨

٩

١٠

وهذه (الملحقات) تشمل فقط الفصل الرابع ، والخامس ، والسادس ، والسابع.

كما ألحقت هذه الفصول ببعض الصور التوضيحيّة التي تتعلّق بالموضوع نفسه ، وتتناسب معه. وهي مختلفة في فتراتها الزمنية.

٣ ـ تضمّن الكتاب ما يقرب من مائة وأربعين ترجمة لأسماء الأعلام الواردة فيه.

٤ ـ ألحقت بالكتاب مقدّمتين ، الأولى : عن مقبرة السيد مهدي القزويني بالنجف (لاتصالها بموضوع الكتاب) ، وفيها نبذة عن زمن تشييدها ، وبعض مراحل الإعمار التي مرّت عليها.

الثانية : ترجمة خطّية نفيسة للإمام المؤلف كتبها ولده العلّامة السيد حسين القزويني المتوفى سنة ١٣٢٥ ه‍ / ١٩٠٧ م ، وهي من نفائس المدّخرات الأدبيّة والتاريخية المختصّة بهذا الفنّ من التأليف.

المقدمة الأولى

مقبرة السيد مهدي القزويني بالنجف

بعد وفاة السيد باقر بن السيد أحمد القزويني (عمّ السيد مهدي القزويني) يوم الخميس ٩ ذي الحجة ١٢٤٦ ه‍ / ٢٢ أيار ١٨٣١ م أقبر في مقبرة خاصة به ، وهي معروفة اليوم بالنجف بين مقبرتي السيد حسين الترك الكوهكمري من جهة الشرق والشيخ محمد حسن الجواهري من جهة الغرب ، ويفصل بينهما زقاق نافذ (١).

وقد دفن السيد مهدي القزويني بعد وفاته يوم الثلاثاء ١٣ ربيع الأول ١٣٠٠ ه‍ / ٢٣ كانون الثاني ١٨٨٣ م في المقبرة نفسها ، وقد شيّدها ولده السيد

__________________

(١) حرز الدين ، معارف الرجال ، ج ١ ، ص ١٢٣.

١١

١٢

صالح ، وأجرى توسعة لها. ويبدو أنّ السيد مهدي كان قد تملّك المقبرة ، وأوقفها لدفن أولاده وأحفاده. وفعلا فقد دفن الكثير منهم رجالا ونساءا فيها ، حتى لم تعد في العقود الأخيرة تستوعب أحدا.

وممن دفن فيها :

أولاد السيد مهدي الذين توفوا بعده ، السيد صالح ١٣٠٤ ه‍ / ١٨٨٧ م ، السيد حسين ١٣٢٥ ه‍ / ١٩٠٧ م ، أبو المعزّ السيد محمد ١٣٣٥ ه‍ / ١٩١٦ م. (أمّا ولده الأكبر السيد جعفر فقد توفي بحياته سنة ١٢٩٨ ه‍ / ١٨٨١ م ، ودفن في الصحن الحيدري تحت الساباط ، أول غرفة على اليسار للقادم من باب الطوسي. ودفنت أمّه إبنة العلّامة الشيخ علي بن الشيخ جعفر كاشف الغطاء معه بعد وفاتها ، في شهر محرم سنة ١٣٠٠ ه‍ / تشرين الثاني ١٨٨٢ م).

وكذلك أحفاده : منهم ، السيد هادي (ت : ١٣٤٧ ه‍ / ١٩٢٨ م) بن السيد صالح وأولاده : السيد باقر ، والسيد محيي الدين (ت : ١٣٥٦ ه‍ / ١٩٣٧ م) ، وجدّي السيد جواد (ت : ١٣٣٨ ه‍ / ١٩٣٩ م) ، ووالدي السيد كاظم (ت : ١٣٩٦ ه‍ / ١٩٧٦ م) ، وغيرهم ممن تضيق هذه الصفحات عن تعداد أسمائهم ، أو الإشارة إليهم.

العمارات التي أجريت على المقبرة

عمارة السيد صالح القزويني

بنى السيد المرزة صالح القزويني سنة ١٣٠٠ ه‍ / ١٨٨٣ م على قبر أبيه ، وعمّه قبّتين زرقاوتين ، وعمّر المقبرة تعميرا فنيّا لا نظير له ، متخذا لها ، هو ومن جاء بعده مكانا للتدريس والمباحثة ، ومركزا من مراكز العلم والمعرفة.

أصبحت مقبرة آل القزويني من المعالم العمرانية الشاخصة بمدينة النجف ، بعد هذه العمارة. وقد وضعت لوحة على الباب الخارجي للمقبرة ، كتبت على الكاشي الأخضر ، منقوشا عليها تاريخ سنة تشييدها وهو عام

١٣

١٣٠٠ ه‍. وقد أزيلت هذه التحفة النادرة مؤخرا ضمن مشروع الاعمار الذي طال الواجهة وغيرها دون الالتفات إلى القيمة الأثرية لها. ونصّ ما كتب عليها ، هو :

بسم الله الرحمن الرحيم

(إن المتقين فى مقام أمين فى جنات وعيون)

هذه بقعة قدس

هي للمهدي مرقد

هي للخائف كهف

وهي للطائف معبد

حرم ينزل فيه الوحي

والأملاك تصعد

شاده (الصالح)

تعظيما ، وأعلاه (محمّد)

لامام العصر أرّخ

(إنّه في خير مشهد)

١٣٠٠ ه

كما نقش بيتان للسيد عباس الزيوري البغدادي المتوفى سنة ١٣٢٠ ه‍ / ١٩٠٢ م على الجدار الخارجي للمقبرة ، يؤرخ بهما سنة وفاة السيد مهدي ، وهما :

ناع نعى مضرا ، فآلم يعربا

والحجر والبيت الحرام ، ويثربا

من بعد عام حجّ فيه أرّخوا

(مهديّ آل محمّد قد غيّبا)

١٣٠٠ ه

عمارة السيد هادي القزويني

بعد وفاة السيد صالح سنة ١٣٠٤ ه‍ / ١٨٨٧ ، قام ولده العلامة السيد هادي القزويني (ت : ١٣٤٧ ه‍ / ١٩٢٨ م) بتطوير المقبرة عمرانيا. ففي سنة ١٣١٧ ه‍ / ١٨٩٩ م أو عز للفنّان الإيراني المتخصص بفنّ الزخرفة الميرزا عبد الجواد الأصفهاني بعمل المرايا الهندسية ، والزخارف المطعّمة بالشعر الجزل المتين ، مزيّنا الغرف بها. ففي الغرفة التي يرقد بها السيد صالح بن السيد

١٤

مهدي أحاطت أشعار العالم الأديب الشيخ جواد الشبيبي الكبير (ت : ١٣٦٤ ه‍ / ١٩٤٥ م) جوانبها ، مسجّلة تاريخ وفاته ، وقد إلتقطتها جميعا ، إلّا ما سقط منها من جرّاء الإهمال ، وعدم صيانة المكان ، والأبيات هي :

تخطّت غير طائشة الحلوم

 ... (١)

وجاءت غير واعية نداءا

بواعية من الرزء الجسيم

وقد أخذت بناصية المعالي

وجبّت كاهل الدين القويم

وخصّت بالرزية آل بيت ال

نبوة ، معدن الفضل العميم

حديث مفاخر الشرف القديم

بوهّاج المحامد أثكلتهم

ونهّاج الصراط المستقيم

بروح المنّ يخطر بالعطايا

وروح الفضل يزخر بالعلوم

تسائلني الحفيظة وهي تدري

بأنّ مقرّه دار النعيم

وتنشد عنه معولة عليه

 ...

لصالح في جنان الخلد أضحى

يؤرخ (صالح الفوز العظيم)

كما كتب تاريخ شعري آخر للشاعر السيد مهدي البغدادي المتوفى سنة ١٣٢٩ ه‍ / ١٩١١ م :

أهي الكعبة والبيت الحرام

أم هي الجنّة في وادي السلام؟

وترى الناس على أعتابها

زمرا بين التثام واستلام

من بها حلّ ، بلى قد علموا

 ...

تربة قد ضمت (الصالح) من

 ...

 ...

عند هاديه فوافاه المرام

 ...

 ... (٢)

__________________

(١) سقط هذا العجز.

(٢) سقط بيت التاريخ.

١٥

عمارة العلوية (الحبّابة) ملوك القزويني

في منتصف التسعينات الهجرية / السبعينات الميلادية إنبرت عمّتنا العلوية ملوك بنت السيد موسى بن السيد جعفر بن السيد مهدي القزويني ، الملقّبة «بالحبّابة» لجلالة قدرها وفضلها ، لإصلاح المقبرة ، وإعادة إعمارها ، وأنفقت عليها مبالغ ضخمة مما كان يصلها من واردات أملاكها ، وعمّرت لها قبرا دفنت به سنة ١٤٠٣ ه‍ / ١٩٨٣ م. وهي من مواليد سنة ١٣١٥ ه‍ / ١٨٩٧ م. وكانت قد اقترنت بالسيد باقر بن السيد هادي القزويني ، ولم تطل حياتهما معا إلّا بضع سنوات ، حينما فاجأ المرض زوجها الباقر سنة ١٣٣٣ ه‍ / ١٩١٥ م ، واخترم غصن شبيبته الغضّ. وهي شاعرة أديبة لها مجلس عامر بمدينة الحلّة تقصده الزائرات من أهل البلدة. وكانت العلوية (الحبّابة) فيه زهرته على تقدّمها بالعمر تفيض إشراقا. سلام الله على تلك الروح الطاهرة التي يعجز القلم أن يصور ومضة واحدة من ومضاتها.

نجت «المقبرة» بقدرة قادر من عمليات الدمار التي مرّت بها مدينة النجف خلال السنوات العشرين الأولى من القرن الخامس عشر الهجري ، التي تصادف السنوات العشرين الأخيرة من القرن العشرين الميلادي. فقد تعرّضت مدافن كبار العلماء بالنجف إلى الإبادة ، وتحوّلت قبورهم إلى ساحات عامة ، أو أراض عرضت لانشاء الفنادق ، والدور السكنية ، والمحلّات التجارية ، الغرض منها القضاء على تاريخ علماء النجف ، ومحو شواخصه الظاهرة ، وقطع الصلة بينه وبين الأجيال القادمة. لكنها لم تنج من تدابير الصيانة التي عفّت على معالمها الأثرية وغيّرتها. وقد طال ذلك أبواب الغرف الأثرية وما يلحق بها من القناديل الزجاجية والمرايا وآثار المزخرفات والأحجار التي أزيلت بعد هدم الجدران الفاصلة بين غرف المقبرة.

١٦

المقدمة الثانية

ترجمة حياة السيد مهدي القزويني

كتب هذه الترجمة ولده العلّامة السيد حسين القزويني ، وهو الإبن الثالث له. كان عالما مجتهدا ، وشاعرا جزلا ، له مجموعة شعرية رائقة. ولو لا اشتغاله بالفقه ، وظروف عصره التي تعدّ موهبة الشعر وصناعته منقصة على صاحبه لكان من شعراء العربيّة المبرّزين في عصره ، وما بعده من العصور.

قال عنه معاصره السيد محسن الأمين : كان عالما فاضلا أديبا شاعرا بليغا ، من الحفّاظ ، كريم الأخلاق ، جهبذا مهيبا. وكانت داره بالنجف مجمع الفضلاء والأدباء ، تلقى فيها المحاضرات ، وينشد فيها الشعر. ومجلسه ملتقط الفوائد والفرائد. المهابة تعلوه ، والجلالة رداؤه ، والرقّة تتقاطر من ألفاظه (١).

ووصفه المؤرّخ اليعقوبي بقوله : رأيته بالحلة في نادي أخيه أبي المعزّ السيد محمد ، فما رأيت أملأ للعين منه. وكان كما وصفه السيد الأمين في الأعيان ، بل وفوق ذلك (٢)

وقد رثاه شعراء عصره بمراث عديدة ، جمعها الشيخ جواد الشبيبي ، وقدّم لكلّ قصيدة مقدّمة عرّف بشاعرها بطراز أدبي مسجّع. وأحتفظ بنسخة الأصل ، وهي تشكّل ديوانا لشعراء العراق أوائل القرن العشرين.

ومن مؤلفاته تعليقات على كتاب الرسائل للأنصاري ، وحاشية اللمعة ، وكتاب في الفقه ، ورسالة في مقدمة الواجب. وله ديوان شعر جمعه تلميذه السيد مهدي البغدادي.

__________________

(١) أعيان الشيعة ، ج ٢٧ ، ص ٢٩١.

(٢) البابليات ، ج ٢ ، ص ١٢٢.

١٧

ومن آثاره رسالة في ترجمة حياة والده السيد مهدي القزويني ، وهي لم تنشر من قبل ، وفيها من براعة مزج التاريخ بالأدب أو كتابة التاريخ كما أراد أن يتميّز بكتابته بمراعاة فنون الوصف ، ما يجعل هذه الرسالة مختصّة به ، ودالة عليه لفظا ومعنى.

السيد باقر القزويني (١٣٠٤ ـ ١٣٣٣ ه‍ / ١٨٨٧ ـ ١٩١٥ م).

ظفر بنسخة هذه الرسالة السيد باقر بن السيد هادي بن السيد صالح بن السيد مهدي القزويني ، فأحبّ أن يذيّلها بمقدّمة ، وبعض التعليقات ، ويختمها بملحق شعري ، فأصبحت رسالة جامعة لفوائد تاريخية وأدبية عديدة.

كان السيد باقر شابا طموحا ، من نوابغ الشبان المتطلّعين الذين جمعوا مواهب عدّة ، ألّف وكتب ، وهو لم يزل بعد في أدوار نشأته الأولى. وقد إخترمه الأجل ، فعصف بغصن شبيبته الغضّ ، فتوفي وهو ابن الثامنة والعشرين بمرض التدرن الرئوي الذي إجتاح بعض المدن العراقية أوائل القرن العشرين الميلادي.

تزوّج السيد باقر سنة ١٣٢٩ ه‍ / ١٩١١ م من إبنة عمّته السيدة ملوك (العلوية الحبّابة) بنت السيد موسى بن السيد جعفر القزويني. ولم تدم حياته معها سوى سنوات أربعة ، وليس له عقب.

وخلال حياته القصيرة ترك آثارا مهمة ، منها :

١ ـ متن مختصر في المعاني والبيان ، لم أقف عليه.

٢ ـ منظومة في الصرف تنيف على (٥٠٠) بيت ، مع شرحها. وقفت على نسخة تالفة ، طمست كتابتها بسبب فيضان الفرات ، أولها :

قال فقير الزاد للمعاد

محمد الباقر نجل الهادي

٣ ـ منظومة في نسبه.

١٨

١٩

٢٠