تاريخ أمراء المدينة المنوّرة

عارف أحمد عبد الغني

تاريخ أمراء المدينة المنوّرة

المؤلف:

عارف أحمد عبد الغني


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار كنان للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٨

١
٢

٣
٤

الإهداء

إلى الحبيب المصطفى ، أبي القاسم ، أبي الزهراء ، محمد بن عبد الله ، النبي العربي الأمي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، الذي اختار طيبة الطيبة عاصمة لدعوته الإسلامية ، إيمانا بأهمية موقعها الجغرافي المتميز ، ودور أهلها في نصرته ونصرة دعوته ، فكان ذلك عن عبقرية فذة ، فكيف لا وهو لا يصدر إلا عن وحي يوحى.

وإلى أهل طيبة الطيبة ، الذين نصروا محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وآووا المهاجرين الفارين بعقيدتهم ودينهم الجديد من مكة ، وقاسموهم أموالهم وبيوتهم ، فكانوا لهم وللدعوة الجديدة خير سند وعضد ، وبعد أن تشرف ثرى طيبة الطيبة بالجسد الطاهر للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، انطلقت جحافل الفتح الإسلامي من أمة محمد تنشر الدين الجديد في شرق الأرض وغربها.

اللهم احم طيبة الطيبة ، وأهلها من كل أذى ومكروه ، وصل على حبيبنا محمد وعلى أصحابه وآله الطاهرين إلى يوم الدين.

٥
٦

بسم الله الرّحمن الرّحيم

مقدّمة

هذا هو الكتاب الثالث من سلسلة كتبنا ، تواريخ المدن ، حيث كان بداية هذه السلسلة : «تاريخ أمراء مكة المكرمة من سنة ٨ ه‍ ـ ١٣٤٤ ه‍» ، ثم تلاه كتاب : «تاريخ الحيرة في الجاهلية والإسلام» ، نقدم اليوم للقارىء «تاريخ أمراء المدينة المنورة في الجاهلية والاسلام حتى سنة ١٤١٧ ه‍».

وقد قام منهج هذا الكتاب على مقدمة قصيرة حول تاريخ المدينة في الجاهلية ، وبعض الأقوام التي سكنتها ، ولم نثقل الكتاب بتفصيلات مسهبة حول ذلك التاريخ في الجاهلية ، نظرا لعدم توفر مصادر دقيقة ، سوى روايات متعددة ، ومتضاربة في أغلب الأحيان ، ولكننا عرجنا على أبرز الشخصيات التي حكمت المدينة قبل الإسلام ، أو كان لها الدور الهام في الأحداث.

وأتبعنا تلك المقدمة بتراجم أمراء المدينة منذ الدعوة المحمدية ، أي بداية الهجرة ، وحتى بعد انتقال مقر الخلافة من المدينة إلى كل من الكوفة ودمشق ، وبغداد ، والقاهرة ، وأخيرا القسطنطينية ، ثم انضمام المدينة إلى الدولة السعودية بعد استسلام الهاشميين للقوات السعودية في سنة ١٣٤٤ ه‍ ، وحتى اليوم.

وقد واجهتنا عدة صعوبات في هذا البحث من أهمها :

١ ـ الخلل السياسي في الحجاز ، وضعف سلطة الدولة المركزية ، حيث سادت القوة مكان الشرعية ، وانعكاس ذلك على أمراء المدينة ، الذي جعل الخلافات تصل إلى حد القتال فيما بينهم. وفي داخل الحرم النبوي ذاته ، وانفراد بعضهم بالسلطة ... وانعكاس ذلك في النهاية على سكان المدينة في جميع مناحي حياتهم.

٧

٢ ـ الصعوبة الثانية : افتقارنا إلى المصادر التي تترجم لهؤلاء الأمراء ، أو تحدد تواريخ حكمهم ، وخاصة بعد سنة ٩٢٣ ه‍ ، إثر الحكم العثماني للبلاد العربية وحتى حملة محمد علي باشا على الحجاز ، حيث أتبعت المدينة اداريا إلى سلطة شريف مكة الذي يعين القائم مقام ، أو الأمير ، والذي جعل تداخل السلطات ينعكس بآثاره السلبية على المدينة أيضا.

٣ ـ الصعوبة الثالثة : حدوث التداخل بين السلطات العامة في المدينة ، خلال تلك الحقب التاريخية ، فمرة يكون الأمير أو القائم مقام ، أو وزير المدينة هو الشخصية الأولى ، وفي مرات أخرى كانت سلطة المفتي فوق ذلك ، أو شيخ الحرم الذي كان بيده كافة السلطات السياسية ، وفي مرات متعددة كان والي الحجاز له الهيمنة الأكثر ، وفي مرات أخرى محافظ المدينة ، أو قائد حامية المدينة ، أو حاكم البلد ، وفي احدى المرات كان حاكم القلعة بيده كل مقاليد السلطة ، ناهيك عن سلطة سلطان القاهرة أو أمير الحج الشامي أو المصري.

مما اضطرنا إلى إفراد تراجم لهؤلاء الأشخاص إمّا في بنية الكتاب الأساسية أو في ملاحق الكتاب.

وقد أمكن التغلب على بعض هذه الصعوبات باجراء المقارنات بين تلك السلطات المتداخلة والتي نوهنا عنها في سياق الكتاب.

وقد عاونتنا المصادر المحلية كتاريخ مكة والحجاز وبعض كتب الرحالة ، والحوليات اليومية ، وكتب الآثار ، بالإضافة إلى كتب التاريخ الأصيلة في ايضاح ذلك الغموض والتداخل.

٤ ـ ولم نقم بتحليل للمصادر التي اعتمدنا عليها في بناء هذا الكتاب ، بسبب أن لكل قرن من الزمن مصادره التي تختلف عن القرن الذي سبقه أو يلحقه ، وقد أثبتنا ذلك في الحواشي وفي جريدة المصادر والمراجع في ذيل الكتاب.

والكتاب بشكل عام ، يرسم أوضاع المدينة في الجاهلية والاسلام وحتى يومنا هذا ، ويقدم لوحة شبه كاملة لكافة مناحي الحياة من خلال هؤلاء الأمراء ، ولا ندعي أننا أعطينا البحث كل عناصره ، حيث ظلت بعض الثغرات والفجوات ، بحاجة إلى الردم والسد ، آملين أن تعاوننا المصادر الخطية التي لم نطلع عليها في المستقبل في تأمين ذلك.

٨

والكتاب رغم كل ذلك خطوة متقدمة في ايضاح تاريخ المدينة المنورة السياسي والاقتصادي والثقافي ، وهو بحث غير مسبوق.

وقبل الختام أعطر الشكر والثناء للأخ الحسيب النسيب الشريف المؤلف المحقق أنس بن يعقوب الكتبي الحسني ، عالم الأنساب في المدينة المنورة لما أسداه لي من معروف بتزويدي بصور العديد من المخطوطات التي لم أكن لأطلع عليها لو لا تيسير الله ، وتسهيله الأمر عبره ، وكذلك الأخ الشريف عبد الحميد زيني عقيل خبير الأنساب في مكة المكرمة الذي عرّفني على الأخ أنس ، فلهما مرة أخرى خالص الشكر والثناء.

راجيا أن يكون ثوابهما عند الله يوم لا ينفع مال ولا بنون ، الا من أتى الله بقلب سليم ، اللهم آمين.

راجيا أن يحظى هذا العمل برضى الله ورضى القارئ ، معتذرا عما فاتتني معرفته أو زللت فيه ، لأن فوق كل ذي علم عليم ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، والصلاة على سيدنا محمد سيد الخلق والمرسلين.

دمشق الشام في

٢٤ صفر ١٤١٧ ه‍ الموافق ١٠ تموز ١٩٩٦ م

عارف أحمد عبد الغني

٩
١٠

تمهيد

المدينة لغة : مدن بالمكان : أقام به ، ومنه المدينة ، وهي فعيلة ، وتجمع على مدائن ومدن ، وفيه قول آخر : أنه مفعلة من مدنت أي ملكت ، والمدينة : الحصن بيني بها في أصطمة الأرض ، وكل أرض بينى بها حصن في أصطمّتها فهي مدينة. والنسبة إليها مديني.

والمدينة : اسم مدينة سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، خاصة غلبت عليها تفخيما لها ، شرّفها الله وصانها وإذا نسبت إلى مدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم قلت مدنيّ ، وإلى مدينة المنصور مدينيّ ، وإلى مدائن كسرى مدائني ، للفرق بين النسب لئلا يختلط" (١)

وكان يطلق سابقا على المدينة اسم (يثرب) ، وذلك في الجاهلية.

والنسبة إليها : يثربيّ ، يثربيّ ، وأثربيّ ، وأثربيّ.

والثّرب : أرض حجارتها كحجارة الحرّة إلّا أنها بيض.

ونرجح أن اسم يثرب جاء من خلال صفة اتصفت بها.

ومن أسمائها أيضا (٢) :

أثرب ، أرض الله ، أرض الهجرة ، أكالة البلدان ، أكالة القرى ، الأيمان ، البارة البرّة ، البحرة ، البحيرة ، البلاط ، البلد ، بيت الرسول ، تغدّد ، تندر ، الجابرة ، جبار ، الجبارة ، جزيرة العرب ، الجنة الحصينة ، الحرم ، حرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حسنة ، الخيرة ، الدار ، دار الأبرار ، دار الإيمان ، دار السنة ، دار السلامة ، دار الفتح ، دار الهجرة ، طيبة ، ذات الحرار ، ذات النخل ، الشافية ، طائب ، طبابا ، العاصمة ، العذراء ، الغرّاء ، غلبة ، المؤمنة ، مبوء الحلال والحرام ، المجبورة ، المحبة ، المحبوبة ، المحفوظة ، المختارة ، مدخل صدق ، السكينة ..."

__________________

(١) لسان العرب ج ١٣ ص ٤٠٢.

(٢) وفاء الوفاء ص ٧ وما بعدها.

١١

والثّرب : أرض حجارتها كحجارة الحرّة ، إلا أنها بيض.

تاريخ يثرب :

هي من المواضع التي يرجع تاريخها إلى ما قبل الميلاد ، وقد ذكرت في الكتابات المعينية ، وكانت من المواضع التي سكنتها جاليات من معين ، ثم صارت إلى السبئيين بعد زوال مملكة معين (١)

وفصّل صاحب معجم البلدان أمرها :

كان أول من زرع بالمدينة (يثرب) واتخذ بها النّخل ، وعمّر بها الدور ، والأطام ، واتخذ بها الضياع العماليق ، وهم بنو عملاق بن أرفشخذ بن سام بن نوح ، عليه‌السلام ، فعلى هذا الكلام يثرب رجل : وكانت العماليق ممن انبسط في البلاد ، فأخذوا ما بين البحرين وعمان والحجاز كله إلى الشام ومصر فجبابرة الشام ومصر منهم (٢) ، ولكن جواد علي يذكر : أنّ قوما أقدم من العمالقة قد سكنوا يثرب يقال لهم صعل ، وفالج ، فغزاهم النبي داود عليه‌السلام ، وأخذ منهم أسرى ، وهلك أكثرهم ، وقبورهم بناحية الجرف ، وسكنها العماليق (٣).

فبنو صعل وفالج أقدم من العماليق ، ولعل العماليق من بقاياهم أو من نسلهم.

وكان ساكنوا المدينة (يثرب) بنو هفّ ، وسعد بن هفّان ، وبنو مطرويل ، من العماليق ، وكان ملك الحجاز الأرقم بن أبي الأرقم (٤).

وقد نزلها اليهود وكان سبب نزولهم المدينة وأعراضها : أنّ موسى بن عمران عليه‌السلام ، بعث إلى الكنعانيين حين أظهره الله تعالى على فرعون ، فوطىء الشام ، وأهلك من كان بها منهم ، ثم بعث بعثا آخر إلى الحجاز إلى العماليق ، وأمرهم أن لا يستبقوا أحدا ممن بلغ الحلم إلّا من دخل في دينه ، فقدموا عليهم ، فقاتلوهم ، فأظهرهم الله عليهم ، فقتلوهم ، وقتلوا ملكهم الأرقم ، وأسروا ابنا له شابا جميلا ، كأحسن من رأى في زمانه ،

__________________

(١) المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام ، جواد علي ج ٤ ص ١٢٨.

(٢) معجم البلدان ج ٥ ص ٨٤.

(٣) المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام ج ٤ ص ١٢٨

(٤) نفس المصدر السابق. ج ٥ ص ٨٤

١٢

فضنّوا به عن القتل وقالوا : نستحييه حتى نقدم به على موسى فيرى فيه رأيه ، فأقبلوا وهو معهم ، وقبض الله موسى قبل قدومهم ، فلما قربوا وسمع بنو اسرائيل بذلك تلقوهم ، وسألوهم عن أخبارهم ، فأخبروهم بما فتح الله عليهم. قالوا : فما هذا الفتى الذي معكم؟ فأخبروه بقصته ، فقالوا : إنّ هذه معصية منكم لمخالفتكم أمر نبيكم ، والله لا دخلتم علينا بلادنا أبدا ، فحالوا بينهم وبين الشام .. فعادوا وسكنوا المدينة والحجاز" (١)

ثم روي أيضا : غزا الروم الشام فاحتلوها ، وقتلوا من بني اسرائيل خلقا كثيرا ، فخرج بنو قريظة ، والنّضير ، وهدل ، هاربين من الشام يريدون الحجاز ، لينضموا إلى الاسرائيليين هناك ، ويسكنوا معهم ، ووجه ملك الروم في طلبهم من يردهم ، فأعجزوا رسله ، وفاتوهم" (٢) هذه رواية معقولة ومنطقية.

وذكر رواية أخرى : أن سبب نزولهم هو رفضهم تزويج احدى اليهوديات من ملك الروم (٣) ، حيث أن الديانة اليهودية ترفض ذلك!! ولكن من المعلوم أن الديانة اليهودية تتبع للأم ولا للأب وقيل أيضا : إن السبب أن اليهود كانوا يجدون في التوراة صفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأنه يهاجر إلى بلد فيه نخل بين حرّتين ..." (٤)

وليس لدينا تاريخ محدد لتلك الحقيقة التاريخية ، سوى تلك الاشارات لدى صاحب معجم البلدان ، أو غيره من المؤلفين (٥)

وبعد أن سكن اليهود في مواضعهم ، نزل عليهم بعض قبائل العرب ، فكانوا معهم ، واتخذوا الأموال والآكام ، والمنازل ، ومن هؤلاء بنو أنيف وهم حي من بليّ ، ويقال : إنهم بقية من العماليق ، وبنو (مريد) مزيد ، مرثد حّيّ من بليّ ، وبنو معاوية بن الحارث بن بهثة

__________________

(١) معجم البلدان ج ٥ ص ٨٤

(٢) نفس المصدر السابق والصفحة.

(٣) نفس المصدر السابق والصفحة.

(٤) نفس المصدر السابق والصفحة.

(٥) انظر تفصيلات أكثر ، أحسن التقاسيم ص ٣٠ ، ط ليدن ١٩٠٦ ، الاعلاق النفيسة ص ٥٩ ، ٦٣ ، ٣١٢ ، ص ٧٨ ، تاريخ ابن خلدون ج ٢ ، ص ٢٨٦ ، البداية والنهاية لابن كثير ج ٢ ص ١٦٠ ، المعارف ص ٨٣ ، موسوعة العتبات المقدسة قسم المدينة ص ٢١ وما بعدها ، الروض المعطار ص ٥٢٩ ، المسالك والممالك للاصطخري ص ١٨ ، مختصر البلدان للهمداني ، ص ٢٦ ، معجم ما استعجم ج ٢ ص ١٢٠١ ، وفاء الوفاء ص ١٥٦ وما بعدها تفصيلات مسهبه حول ذلك ، صبح الأعشى ج ٤ ص ٣٠٥ ، وفي احدى الروايات أنهم هربوا من القدس عندما دمرها نبوخذ نصر ، عندما سبى اليهود إلى بابل.

١٣

ابن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان.

وبنو الجذميّ ، الجذماء حيّ من اليمن ، فعاشوا مع من كان بيثرب وأطرافها من اليهود واتخذوا المنازل والآطام يتحصنون فيها من عدوهم إلى قدوم الأوس والخزرج إيّاها. (١)

وقد أشار إلى ذلك صاحب معجم البلدان بأنهم من القوم الذين أنزلهم تبّع في يثرب المذكورين أعلاه (٢)

ولا شك أن تبّع عندما قدم يثرب ، فقد حصل بينه وبين اليهود قتال كان لصالح جماعته مما جعل اليهود يرضخون : لقبول العرب الجدد المنافسين لهم في سكن يثرب ، ولهذا أشار بعض آل أسعد بن ملكيكرب تبّع وذكر منازل من خرج من اليمن في سائر جزيرة العرب وغيرها :

وفي يثرب منّا قبائل إن دعوا

أتوا سربا من دارعين وحسّر

هم طردوا عنها اليهود فأصبحوا

على معزل منها بساحة خيبر

وقال جماعة البارقي : (٣)

وبنو قيلة الذين حووا يث

رب بالقود والأسود العتاة

زحفوا لليهود وهي ألوف

من دهاة اليهود أيّ دهاة

فأبادوا الطغاة منها ولما

يفشلوا في لقاء تلك الطغاة

وأذلوا اليهود منها وأخلوا

منهم الحرّتين واللابات

وأصبح الماء والفسيل لقوم

تحت آطامها مع الثمرات

أسروها من اليهود لدى تش

تيتها في القرى والفلوات

ثم كان سيل العرم ، حيث اختار يثرب الأوس والخزرج ابن حارثة بن ثعلبة بن عمرو ابن عامر بن حارثة بن امرىء القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد ، وأمهم قيلة" (٤)

__________________

(١) الأعلاق النفسية ص ٦٢ ط ليدن ١٩٠٦.

(٢) معجم البلدان ج ٥ ص ٨٤

(٣) نفس المصدر السابق ص ٣٢٩ أنظر معجم البلدان ج ٥ ص ٨٤ ، والذي أراه أنه أقدم من ذلك الأوس والخزرج ، وقد يكون الأوس والخزرج من بقايا جنده.

(٤) معجم البلدان ج ٥ ص ٨٥ ، والمفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام ج ٤ ص ٨٧.

١٤

وقد دانوا لليهود ، الذين كان ملكهم الفطيون (الفيطوان) (١) بيثرب ، وقد كان لديه سنّة بأن يفض بكارة كل عروس تزفّ إلى زوجها من الأوس والخزرج ، وقد احتال أحد أبناء الأوس والخزرج وقتل ملك اليهود قبل أن يدخل على أخته ، واسمه مالك بن العجلان ابن زيد السالمي الخزرجي (٢) ، وهرب إلى الشام فدخل على ملك من ملوك الغساسنة يقال له أبو جبيلة ، وفي بعض الروايات ذهب مستنجدا بتّبع الأصغر بن حسان ملك اليمن ، فعاهد أبو جبيلة على الثأر ، وقدم إلى يثرب ونكل باليهود ، وقتلهم مقتلة عظيمة ، وصارت السيادة للخزرج والأوس من يومها على يثرب ، وقال الرّمق بن زيد بن غنم بن سالم بن مالك بن سالم بن عوف بن الخزرج يمدح أبا جبيلة : (٣)

وأبو جبيلة خير من

يمشي وأوفاهم يمينا

وأبرّهم برّا وأعلم

هم بفضل الصالحينا

أبقت لنا الأيام والح

رب المهمة يعترينا

كبشا له زريف

لّ متونها الذّكر السنينا

ومعاقلا شمّا وأسيا

فا يقمن وينحنينا

ومحلّة زوراء تج

حف بالرجال الظالمينا

ولعنت اليهود مالك بن العجلان في كنائسهم وبيوت عبادتهم ، فبلغه ذلك فقال (٤)

تحايا اليهود بتلعانها

تحايا الحمير بأبوالها

وماذا عليّ بأن يغضبوا

وتأتي المنايا بأذلالها!

وقالت سارة القرضية ترثي من قتل من قومها : (٥)

__________________

(١) ورد في سير الملوك للاصمعي مخطوط ص ٢٤٧ : القيطون بن اسعد بن عمرو والي الحجاز وتهامة من اليمن حيث ملك يثرب وهو الذي سلك ملك طسم وجديس في افتراع بكارة كل عروس قبل ان تزف الى زوجها ، وسبب مقتله ان يهودية زفت الى زوجها وكانت اختا لمالك بن عجلان في الرضاعة ، حيث استنجدت بأخيها وتم قتله من قبل مالك بن عجلان ...

(٢) في مخطوط الأصمعي مالك بن عجلان بن عمرو بن أوس بن حارثة بن عمرو بن عامر.

(٣) نفس المصدر السابق ج ٥ ص ٨٥ ، ولعل رواية الاستنجاد بالغساسنة هي الأرجح ، رغم الشك بموضوع ملك اليهود وفضه بكارة كل عروس ، ولعل الأرجح أنه اعتدى على تلك الفتاة. وكان ذلك هو السبب.

(٤) نفس المصدر السابق ج ٥ ص ٨٦ ـ الاشتقاق ص ٢٧٠ ـ الأغاني ج ١٩ ص ٩٥ تاريخ الطبري ج ٢ ص ٣٧١ تاريخ اليهود في بلاد العرب اسرائيل ولغنسون ص ٦٥

(٥) نفس المصدر السابق ج ٥ ص ٨٦.

١٥

بأهلي رمّة لم تفن شيئا

بذي حرض تعفيها الرياح

كهول من قريظة أتلفتهم

سيوف الخزرجية والرماح

ولو أذنوا بأمرهم لحالت

هنالك دونهم حرب رداح

وذكر ابن دريد أن الفطيون اسم عبراني ، وكان تملك بيثرب ، وكان هذا أول اسم في الجاهلية الأولى ، ولقد شهد بعض ولد الفطيون بدرا ، واستشهد بعضهم يوم اليمامة ، فمن ولد الفطيون : أبو المقشعر ، واسمه اسيد بن عبد الله (١)

ويذكر بعضهم أن اسم الفطيون : هو عامر بن عامر بن ثعلبة بن حارثة بن عمرو بن الحارث بن المحرّق بن عمرو مزيقياء (٢)

فعلى أساس هذه الرواية ليس يهوديا : بل عربيا من اليمن كما ورد أيضا عند الأصمعي في كتابه المخطوط سير الملوك ص ٢٤٧ :

وأبو جبيلة عند بعض الاخباريين هو عبيد بن سالم بن مالك بن سالم ، أحد بني غضب بن جشم من الخزرج ، فهو على أساس هذه الرواية رجل من الخزرج ، ذهب إلى ديار الشام ، فملك على غسان ، وذهب بعض آخر من الأخباريين إلى أنه لم يكن ملكا ، وإنما كان عظيما ومقربا عند ملك غسان" (٣)

وهو رأي نرجحه لأننا لم نسمع بملك غسّاني بهذا الاسم حسب القوائم التي نشرها نولدكة (٤) ونحن لا نريد أن ندخل في تفصيلات وتشعبات تبعدنا عن غاية هذا البحث وهو تاريخ أمراء المدينة في الاسلام ، ولكن نحيل القارىء إلى بعض المظان والمصادر ليزداد معرفة بتاريخ المدينة في الجاهلية (٥).

__________________

(١) الاشتقاق ص ٢٥٩

(٢) نفس المصدر السابق ص ٢٥٩ ـ انظر سيرة ابن هشام ج ١ ص ٥٠٣ أسماء اليهود الذين عاهدهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأنهم من العرب ليس في أسمائهم غرابة ، وكذلك ص ٥١٤ المغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٤١ ، تاريخ قريش ص ٣٩٩

(٣) الكامل في التاريخ ج ١ ص ٢٧٦ ، تاريخ ابن خلدون ج ٢ ص ٢٨٦

(٤) أمراء غسان ص ١٧ وما بعدها

(٥) الاشتقاق ص ٢٧١ ، معجم البلدان ج ٥ ص ٨٥ ، معجم البلدان ج ٧ ص ٤٢٨ ط أوربية ، الكامل في التاريخ ج ١ ض ٢٧٥ ، ابن خلدون ج ٢ ص ٢٨٨ ، لسان العرب ج ٤ ص ١٨ ، تاج العروس ج ٤ ص ١٠٣ ط مصر ، جمهرة

١٦

والذي يعنينا من البحث أن اليهود قطنوا في يثرب مع الأوس والخزرج ، ولا نعلم المدة التي اشتركوا فيها حكم يثرب منفردين أو مجتمعين ، ولكن من المعلوم فيما بعد أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أجلاهم عن يثرب بعد سلسلة من المؤامرات والدسائس ضد المسلمين (١).

أما صلة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيثرب فيمكن أن نحددها بدءا من تاريخ بيعة العقبة الأولى ، حيث عرض الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم نفسه في الموسم عند العقبة ، على نفر من الخزرج ، ونسوق الحديث :

قال لهم : من أنتم؟ قالوا : نفر من الخزرج ، قال : أمن موالي يهود؟ قالوا : نعم ، قال : أفلا تجلسون أكلمكم؟ قالوا : بلى .. فدعاهم إلى الله عزوجل ، وعرض عليهم الاسلام وتلا عليهم القرآن. قال : وكان مما صنع الله بهم في الاسلام ، أن يهود كانوا معهم في بلادهم وكانوا أهل كتاب وعلم ، وكانوا هم أهل شرك ، وأصحاب أوثان ، وكانوا قد غزوهم ببلادهم ، فكانوا إذا كان بينهم شيء ، قالوا لهم : إنّ نبينا مبعوث الآن ، قد أطلّ زمانه ، نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم ، فلما كلم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أولئك النفر ، ودعاهم إلى الله ، قال بعضهم لبعض : يا قوم ، تعلموا والله إنه للنبي الذي توعدكم به يهود ، فلا تسبقنّكم إليه. فأجابوه فيما دعاهم إليه ، بأن صدقوه وقبلوا منه ما عرض عليهم من الاسلام ، وقالوا : إنا قد تركنا قومنا ، ولا قوم بينهم في العداوة والشر ما بينهم ، فعسى أن يجمعهم الله بك ، فسنقدم عليه ، فندعوهم إلى أمرك ، وتعرض عليهم الذي أجبناك إليه في هذا الدين ، فإن يجمعهم الله عليه فلا رجل أعزّ منك.

ثم انصرفوا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم راجعين إلى بلادهم ، وقد آمنوا وصدقوا.

فلما قدموا المدينة إلى قومهم ذكروا لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ودعوهم إلى الاسلام حتى فشا فيهم ، فلم يبق دار من دور الأنصار إلّا وفيها ذكر من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان نص البيعة : لا نشرك بالله شيئا ، ولا نسرق ، ولا نزني ، ولا نقتل أولادنا ، ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا ، ولا نعصيه بمعروف. فإن وفيتم فلكم الجنة ، وإن غشيتم من ذلك شيئا ، فأمركم إلى الله عزوجل إن شاء عذب ، وإن شاء غفر.

__________________

أنساب العرب ص ٣٢٢ ، العقد الفريد ج ٣ ص ٣٦ ، ١٥٩ ، ط اللجنة ، السيرة النبوية لابن هشام ج ٢ ص ٣٤٧ ، دائرة المعارف الاسلامية ج ٣ ص ١٥٠ ، المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام ج ٤ ص ١٢٨ وما بعدها ، المغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٤١ وما بعدها ، تاريخ قريش د. حسين مؤنس ص ٣٩٩ وما بعدها.

(١) انظر تفصيل ذلك عند الواقدي ج ٢ ص ٤٤١ بالاضافة إلى المصادر السابقة.

١٧

وبعث معهم مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي ، وأراد أن يقرئهم القرآن ، ويعلمهم الاسلام ، ويفقهم في الدين ، فكان يسمى المقرىء بالمدينة ، وقيل كان يصلي بهم ، لأن الأوس والخزرج كره بعضهم أن يؤمه بعض" (١)

وكانت بيعة العقبة الثانية خطوة متقدمة وهامة إلى الأمام في مجال انطلاق الدعوة الاسلامية انطلاقة جديدة ، وتطورا سيكون له آثاره في المستقبل القريب.

وبدأت طلائع المهاجرين المسلمين تتجه إلى يثرب ، بعد أن كانت توجهت إلى الحبشة ، وبدأ المجتمع الجديد يتفاعل في عملية مزج وتمازج وتفاعل من أندر ما جرى في التاريخ ، وانتهت هذه الهجرة الجماعية بوصول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبدء تكوين المجتمع الاسلامي لحمته وسداه من قريش والأوس والخزرج في مؤاخاة نادرة في الممتلكات ، حيث عقب ذلك بناء المسجد النبوي ، وتكوين مؤسسات كانت نواة الدولة الاسلامية الجديدة التي تمخض عنها لأول مرة نواة جيش اسلامي كان من نتائجه الانتصار في معركة بدر ، حيث عمقّت الدولة الجديدة جذورها في كل أنحاء المدينة وما حولها ، ووصل صدى ذلك إلى كل القبائل العربية. ولعل أبرز ما تمخضت عنه الهجرة هو تلك الوثيقة النادرة التي كتبها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين المهاجرين وأهل المدينة واليهود ونسوقها نظرا لأهميتها : (٢)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

" هذا كتاب من محمد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ، ومن تبعهم ، فلحق بهم ، وجاهد معهم إنهم أمه واحدة من دون الناس ، المهاجرون من قريش على ربعتهم (٣) يتعاقلون : بينهم ، وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين ، وبنو

__________________

(١) سيرة بن هشام ج ١ ص ٤٢٨ وهناك تفصيلات حول أسماء الذين أسلموا من الأنصار في العقبة الأولى ثم في العقبة الثانية ص ٤٣٨ وحضور عم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم العباس بن عبد المطلب العقبة الثانية وهو على دين الشرك للاطلاع على الحلف الجديد بين ابن أخيه وأهل يثرب ، موسوعة العتبات المقدسة قسم المدينة ص ١٣٧ وما بعدها. انظر تفصيلات بيعة العقبة الثانية وتفاصيل ذلك في سيرة ابن هشام ج ١ ص ٤٣٨ ـ ٤٦٧ وتفاصيل عن هجرة المسلمين والرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم في نفس المصدر ج ١ ص ٤٦٨ ـ ٥٨٠ وما بعدها.

(٢) سيرة ابن هشام ج ١ ص ٥٠١ ـ ٥٠٤ ، موسوعة العتبات المقدسة ـ قسم المدينة ص ١٥٧.

(٣) الربعة : الحال التي جاء الاسلام وهم عليها.

١٨

عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، كل طائفة تفدي بالمعروف والقسط بين المؤمنين ، وبنو ساعدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة منهم تفدي عما فيها بالمعروف ، والقسط بين المؤمنين. وبنو الحارث على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ، وبنو جشم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى.

وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف ، والقسط بين المؤمنين ، وبنو النجار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف ، والقسط بين المؤمنين. وبنو عمرو بن عوف على ربعتها يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف ، والقسط بين المؤمنين.

وبنو النّبيت على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف ، والقسط بين المؤمنين.

وبنو الأوس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ، وإنّ المؤمنين لا يتركون مغرما (١) بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل.

وأن لا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه ، وإن المؤمنين المتقين على من بغى منهم ، أو ابتغى دسيعة (٢) ظلم ، أو اثم ، أو عدوان ، أو فساد بين المؤمنين وإن أيديهم عليه جميعا ، ولو كان ولد أحدهم.

ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر ، ولا ينصر كافرا على مؤمن ، وإنّ ذمة الله واحدة ، يجير عليه أدناهم ، وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس ، وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة ، غير مظلومين ، ولا متناصرين عليه.

وإنّ سلم المؤمنين واحدة ، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله ، إلا على سواء وعدل بينهم ، وإنّ كل غازية غزت معنا يعقب بعضها بعضا وإنّ المؤمنين ينبىء بعضهم على بعض ، بما نال دماءهم في سبيل الله. وإن المؤمنين المتقين على أحسن هدى

__________________

(١) المغرم : المثقل بالدّين والكثير العيال.

(٢) الدسيعة : العظيمة ، وهي في الأصل ما يخرج من حلق البعير إذا رغا ، ويراد هنا ما ينال عنهم من ظلم.

١٩

وأقومه ، وأنه لا يجير مشرك لقريش ، ولا نفسا ، ولا يحول دونه على مؤمن ، وإنه من اعتبط (١) مؤمنا قتلا عن بينة فإنه قود به ، إلّا أن يرضى وليّ المقتول ، وإن المؤمنين عليه كافة ، ولا يحل لهم إلا قيام عليه ، وإنه لا يحلّ لمؤمن أقرّ بما في هذه الصحيفة ، وآمن بالله واليوم الآخر ، أن ينصر محدثا ولا يؤويه. وأنه من نصره أو أواه ، فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة ، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل ، وإنكم مهما اختلفتم فيه في شيء ، فإن مرده إلى الله عزوجل وإلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين ، وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين.

لليهود دينهم ، وللمسلمين دينهم ، مواليهم وأنفسهم ، إلّا من ظلم وأثم ، فإنه لا يرتغ (٢) إلا نفسه ، وأهل بيته ، وإن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف وإن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف ، وإنّ ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف ، وإن ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف ، وإن ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف ، وإن ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف ، إلا من ظلم وأثم ، فإنه لا يرتغ إلا نفسه ، وأهل بيته ، وإنّ جفنة بطن مثل ثعلبة كأنفسهم ، وإن لبني الشطيبة مثل ما ليهود بني عوف. وإن جفنة من ثعلبة كأنفسهم ، وإن لبني الشّطيبة مثل ما ليهود بني عوف. وإن البر دون الاثم وإنّ موالي ثعلبة كأنفسهم ، وإن بطانة يهود كأنفسهم ، وإنه لا يخرج منهم أحد إلّا بإذن محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإنه لا ينحجز على ثار جرح ، وإنه من فتك فبنفسه فتك ، وأهل بيته ، إلّا من ظلم ، وإنّ الله على أبرّ (٣) هذا ، وإنّ على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم ، وإنّ بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة ، وإنه بينهم النصح والنصيحة ، والبرّ دون الاثم ، وإنّه لم يأثم أمرؤ بحليفه وإنّ النصر للمظلوم ، وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين ، وإنّ يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة ، وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم ، وإنه لا تجار حرمة إلّا بإذن أهلها.

وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده ، فإن مردّه إلى الله عزوجل والى محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره ، وإنه لا

__________________

(١) اعتبطه : أي قتله بلا جناية توجب قتله.

(٢) يرتغ : يهلك.

(٣) على أبرّ هذا : اي على الرضا به.

٢٠