الإيضاح في شرح المفصّل - المقدمة

الإيضاح في شرح المفصّل - المقدمة

المؤلف:


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠٢

١
٢

٣

بسم الله الرحمن الرحيم

٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسّلام على سيّدنا محمّد وآله وأصحابة أجمعين.

يسر دار سعد الدين للطباعة والنشر والتوزيع أن تقدم لمحبي العربية كتاب «الإيضاح في شرح المفصل» لابن الحاجب ، بتحقيق الأستاذ الدكتور إبراهيم محمد عبد الله.

والدار إذ تحرص على طبع هذا الكتاب ونشره فإنها تتوخى من عملها هذا المساهمة في خدمة تراث اللغة العربية الشريفة ، وتزويد مريديها بمصنف له ولصاحبه شأن في العربية.

فابن الحاجب مؤلف الكتاب من علماء القرنين السّادس والسّابع الهجريين ، اشتهر بتضلعه في علوم شتى ، كالفقه وأصوله والنحو والصرف ، وله مؤلفات ذاع صيتها وشغلت العلماء فانكبوا عليها وشرحوها ، وذلك نحو كتابيه «الكافية» في النحو و «الشافية» في الصرف ، حتى إن هذين الكتابين كانا كتابي الناس في القرنين السّادس والسّابع في بلاد المشرق ، وكثرت شروحهما ، ولابن الحاجب مصنفات أخرى في علمي الفقه والأصول ، ولعل أشهرها كتاب «منتهى الوصول والأمل في علمي الأصول والجدل».

وكتاب الإيضاح هذا واحد من شروح كتاب «المفصل في العربية» للزمخشري ، وقد كثرت شروح هذا الكتاب والتعليقات عليه ، وابن الحاجب أحد النحويين الذين تناولوا المفصل بالعناية فصنف «الإيضاح في شرح المفصل» ، وتتجلى أهمية هذا الكتاب في أنه يظهر أصول التفكير النحوي عند ابن الحاجب ، فمنه نعرف أسلوب صاحبه في تناوله لنصوص المفصل بالشرح والتوجيه والفهم ، ومنه أيضا نقف على تمكن ابن الحاجب من مذاهب النحويين ومناقشتها ، واصطفاء ما يراه سديدا منها ، ويمثل هذا الكتاب صورة واضحة لتأثر النحو بعلمي الأصول والمنطق.

رحم الله صاحب الإيضاح وجزاه الله خيرا

والله المرجوّ أن يكون هذا السفر لبنة صالحة في صرح العربية التي نسعى لخدمتها والله من وراء القصد ، وهو نعم الوكيل.

الناشر

محمّد سعد الدّين

٥
٦

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله على ما أسدى من النعم والصّلاة والسّلام على نبيه محمّد وآله وأصحابه أجمعين.

هذا السّفر واحد من شروح كتاب «المفصّل» للزمخشري ، صنّفه ابن الحاجب ، والمفصّل من مؤلفات الجهيرة في النّحو العربي ، ومن الكتب التي عرفت لدى النحويين ، وأكبّ عليها أهل العلم واشتغلوا بها ، نحو الكتاب لسيبويه ، والمقتضب للمبرد والأصول لابن السّراج والجمل للزجّاجي والإيضاح للفارسي واللّمع لابن جنّي ، والمفصّل كان كتاب النّاس في خوارزم وخراسان ومصر وبلاد الشّام ، إذ تناوله بالشّرح ثلّة من علماء هذه الأمصار وبلغ ـ فيما أحصيت ـ عدّة شروحه المخطوطة ثلاثة عشر شرحا ، وعدّة شروحه المفقودة خمسة عشر شرحا ، هذا عدا المصنّفات التي شرحت أبياته وقلّدته واختصرته ونظّمته ونقدته.

وقد طبع من هذه الشروح اثنان أولهما شرح ابن يعيش وثانيهما شرح صدر الأفاضل الخوارزمي المسمى «التّخمير» ، وهناك شرحان آخران لم أرهما في المظان التي وقفت عليها ، وإنّما ذكرا ذكرا ، أولهما ذكره بروكلمان أنّه مطبوع في الهند باسم شرح محمّد طيّب مكي الهندي ، وثانيهما ذكرته دائرة المعارف الإسلامية أنّه مطبوع في كلكتا باسم شرح محمّد عبد الغني ، وقد تطلبتهما فلم أظفر بهما.

ولما للمفصّل من هذه المنزلة رأيت أن يكون موضوع أطروحتي لنيل درجة الدكتوراة درس شرح من شروحه وتحقيقه ، فوقع اختياري على كتاب «الإيضاح في شرح المفصل لابن الحاجب» ، وبعد أن اعتمد تسجيله لنيل الدرجة العلمية المذكورة باشرت بالعمل في تحقيقه ، وبعد حين من الزمن وقفت على دراسة لهذا الكتاب أعدها المرحوم الدكتور موسى بناي العليلي ، طبعت في مطبعة العاني ببغداد ، أشار فيها إلى أنه قام بتحقيق كتاب الإيضاح وأنه في طريقه إلى المطبعة ، ففزعت إلى أولي العلم والنّهى ممن أحاطوني برعايتهم وعلمهم ، فأشاروا عليّ أن أمضي في عملي أنّ الكتاب لمّا يصدر ، فعملت بمشورتهم وكانت خيرا ، وبعد حين من الدهر وقفت على الإيضاح

٧

مطبوعا في مطبعة العاني ببغداد بتحقيق المرحوم الدكتور موسى بناي العليلي ، ونظرت فيه فوجدت الدكتور أحاط تحقيق الكتاب بجهده وعلق على ما رآه في حاجة إلى تعليق ، وهو بلا ريب حاز قصب السبق إذ أخرج الكتاب على ما ارتآه ، وقد اعتمدت هذه النسخة المطبوعة في عملي وجعلتها إحدى النسخ التي عوّلت عليها ، وسيأتي الكلام عليها.

أما القسم الثاني من الأطروحة فهو قسم الدراسة ، ولا أطيل الحديث عنه هنا لأنه سيصدر مطبوعا بإذن الله.

وبعد إذ بسطت الكلام على العمل في كتاب الإيضاح بدايته ومنتهاه أراني في حاجة إلى تبيان أهميته ، فهو يحتل مكانة بالغة الأهمية في المصادر النحوية ، ففيه تتضح الخصائص البارزة لشخصية ابن الحاجب ، ويظهر تمكّنه من الخوض في المسائل النحوية ، وأسلوبه في شرح نصوص المفصل وفهمها ، وفيه يبدو تأثره واضحا بالمنطق والفقه وأصوله ويتجلّى فيه أيضا مذهبه النحوي ، ويبرز تفرّده واستقلاليته ، واستنادا إلى هذه الأشياء يمكن تحديد موقعه في تاريخ النحو العربي وأثره فيه.

وأما قسم التحقيق فقد حرصت فيه على أن أقدّم النص مضبوطا محرّرا من السقط والتصحيف والتحريف سليما من الاضطراب مخرّجا كلّ ما فيه من الشواهد والنصوص المنقولة ، ثم ختمت هذا القسم بعدد من الفهارس تسهيلا للفائدة.

وتأبى عليّ نفسي أن أقفل هذه المقدمة دون أن أزجي لأصحاب الحقوق حقوقهم ، وأن أدفع لأصحاب الجميل مستحقّهم ، فللأستاذ الدكتور عبد الحفيظ السّطلي خالص الشّكر والعرفان بالأريحية إذ وافق على هذا البحث وأخذ بيد صاحبه وشجّعه فصنع على عينه.

أما أولئك القوم الأفاضل الذين قضوا ولما ينجز هذا العمل فإني أسأل الله تعالى لهم أن يتغمّدهم بواسع رحمته ويسكنهم فسيح جنانه ويجزيهم عنّي وعن طلبة العلم الأوفياء الذين كانوا يرتادون بيوتهم المفتحة أبوابها خيرا.

وأتقدم بالشكر الجزيل إلى الأساتذة لجنة الحكم الذين ناقشوا هذا البحث وإلى كل صديق مدّ لي يد العون وأسدى إليّ معروفا.

والله وليّ التوفيق ، وما توفيقي إلا به ، عليه توكّلت وإليه أنيب.

أ. د. إبراهيم محمد عبد الله

٨

نسخ الكتاب ومنهج التحقيق

أولا : نسخ الكتاب :

١ ـ النسخ المخطوطة :

تهيأ لي أن أقف على نسختين خطيتين من كتاب «الإيضاح في شرح المفصل» ، الأولى في حلب والثانية في دمشق ، وللكتاب نسخ أخرى مخطوطة لم أوفق في الحصول عليها ، وهذا بيان للنسختين اللتين اعتمدتهما ووصف للنسخ التي لم أحصل عليها.

١ ـ نسخة الأصل :

وهي محفوظة في المكتبة الأحمدية في حلب (١) ، وهي تامة ، تتألف من ٣٥١ ورقة جيدة قديمة ، قريبة من عهد المؤلف ، نسخت سنة ٦٨٤ ه‍ ، أولها «بسم الله الرحمن الرحيم ، قال : «الله أحمد» على طريقة «إياك نعبد» تقديما للأهم ..» وآخرها «وأولى من «يتسع» و «يتقي» باعتبار شذوذيهما ، والله أعلم بالصواب ، وإليه المرجع والمآب ، وقد فرغ من هذا الكتاب عبيد الله بن خضر بن يوسف في أوائل شهر الله المبارك جمادى الآخرة في سنة أربع وثمانين وستمائة ، حامدا ومصليا على نبيّه محمد وآله الطيّبين المسبحين وسلم» ، كتبت بخط التعليق الجيد ، وميّز متن المفصل من شرحه بخطوط فوق فقر المتن.

٢ ـ نسخة المكتبة الظاهرية :

وهي نسخة محفوظة في المكتبة الظاهرية بدمشق (٢) ، تامة ، تتألف من ٢٥٢ ورقة ، جيدة ، مضبوطة ، عليها تعليقات وحواش ، نسخت سنة ٧٩٢ ه‍ في حلب ، أولها «بسم الله الرحمن الرحيم ، وبه أتوكل ، قال : («الله أحمد» على طريقة «إياك نعبد» تقديما للأهم ...) ، وآخرها «وإنما هو أولى من «يتسع» و «يتقي» باعتبار شذوذيهما ، نجز الكتاب بحمد الله تعالى وحسن توفيقه على يد أضعف عباد الله يوسف بن إبراهيم بن محمد بن زكريا الكردي الهكاري بحلب المحروسة في منتصف شهر الله المبارك جمادى الأولى سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة ، رحم الله لمن نظر فيه ودعا لكاتبه بالرحمة والرضوان ولكافة المسلمين أجمعين ، والحمد لله وحده» ، كتبت الصفحات الثماني الأولى

__________________

(١) المنتخب من المخطوطات العربية في حلب ، القسم الرابع ص ٢٤٠ ـ ٢٤١.

(٢) فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية ـ النحو : ٦٤ ـ ٦٥.

٩

فيها بخط نسخي جميل ، وكتب سائرها بخط نسخي عادي مقروء ، كتب على الورقة الأولى تمليك باسم محمد بن خليل البغدادي الدمشقي بتاريخ ١١٥٩ ه‍ ، وتحبيس باسم الحاج محمد باشا والي الشام على طلبة العلم بتاريخ ١١٩٠ ه‍. واعتمدت هذه النسخة في التحقيق وجعلت لها الرمز (د) للدلالة عليها.

وأما سائر النسخ الخطية التي لم أقف عليها فهي :

١ ـ نسخة مخطوطة في مكتبة متحف (مولانا) في قونية ، كتبت بخط النسخ السلجوقي،فرغ من كتابتهاسنة ٧٠٧ ه‍ ببلدة تبريزمدرسة الصلاحي،تتألف من ٢٢٠ ورقة (١)

٢ ـ نسخة مخطوطة في كوبريلي ، كتبت بخط نسخ مشكول سنة ٧٠٠ ه‍ ، وتتألف من ٣٥٦ ورقة (٢).

٣ ـ نسخة مخطوطة لجزء من كتاب الإيضاح في شرح المفصل في خزانة القرويين كتبت بالسواك ، لا يعرف تاريخ نسخها ، وتتألف من ١٣٢ ورقة ، أولها في الكلام على «نعم» وآخرها منتهى الإدغام (٣).

وأشار بروكلمان إلى عدة نسخ مخطوطة لهذا الكتاب وهي :

نسخة مخطوطة في ميونيخ ٦٩٣ ، والإسكندرية ٤ نحو ، وياتنة ١ / ١٦١ رقم ١٥٢٣ ، وبنكييور ٢٠ / ٢٠٢٧ ، وبرلين.t ٣٦٩٥٥٢ ، رقم ١ ، والمتحف البريطاني.ro ٧٧٥٩ (ثالث ٥٠) ، وعاطف أفندي ٢٤٤٥ ، وجامع القرويين بفاس ١١٩١ ، والخالدية بالقدس ٣٧٢ ب ، والظاهرية بدمشق ٦٧ (عمومية ٧٥) وأحمد تيمور باشا في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق ٣ / ٣٤ ومكتبة إسماعيل صائب بأنقرة ١٣٩٧(ريتر) (٤).

٢ ـ النسخة المطبوعة :

طبع كتاب «الإيضاح في شرح المفصل» في مطبعة العاني في بغداد بتحقيق الدكتور موسى بناي العليلي ، واطلعت على هذه الطبعة وكنت قد تجاوزت نصف العمل في هذا الكتاب ، ولكن ذلك لم يحجبني عن متابعة ما بدأت به ، لأن هذه النسخة زخرت بالمواضع التي لم تحظ بالضبط

__________________

(١) فهرس المخطوطات العربية في مكتبة متحف (مولانا) في قونية ، القسم الخامس ص : ٢٢١ ـ ٢٢٢.

(٢) فهرس مخطوطات كوبريلي : ٢ / ١٦٧.

(٣) فهرس خزانة مخطوطات القرويين : ٢ / ١٧ ـ ١٨.

(٤) بروكلمان : ٥ / ٢٢٥ ـ ٢٢٦.

١٠

والدقة ، وأصابها الاضطراب والخلل في العبارة في غير ما موضع ، وكثر فيها السقط المخل بالمعنى ، واتصف عمل المحقق بالسرعة وعدم التثبت والصبر.

وكثرت المواضع التي تحتاج إلى الضبط والتثبت والدقة ، ومنها أن المحقق ضبط بعض الكلمات ضبطا خاطئا ، فقد ضبط كلمة «مقدّم» بالجر في قول ابن الحاجب : «وإنما ينهض مثالا لما ذكره إذا جعل «سواء» (١) خبر مبتدأ مقدم (٢)» والصواب نصبها (٣) ، ومثل ذلك ضبطه كلمة «فاعل» بالرفع في قول ابن الحاجب «وأما إذا جعل «سواء» خبر «إنّ» و(أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) فاعل لها (٤) ، والصواب نصبها (٥) ، ومن ذلك أنه ضبط قول ابن الحاجب : «أن الفرار المظنون سبب للنجاة وسبب للإخبار (٦)» برفع «سبب» وزيادة الواو في «وسبب» والصواب «أن الفرار المظنون سببا للنجاة سبب للإخبار (٧)» ، ومما يلاحظ أن المحقق ضبط كل اسم بعد ضمير الشأن بالرفع ، سواء أكان قبله فعل ناسخ عامل فيما بعده أم لم يكن.

ومن المواضع التي اتصف فيها عمل المحقق بالسرعة وعدم التثبت والدقة أنه قال عند قول ابن الحاجب : «وأجاب ابن الأنباري» : «هو عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن أبي سعيد الأنباري الملقب بالكمال النحوي ت ٥٧٧ ه‍ (٨)» ، والصواب أنه محمد بن القاسم أبو بكر بن الأنباري ٣٢٨ ه‍ (٩)».

والسرعة وعدم التثبت أوقعا المحقق في أخطاء فادحة ، فقد جعل الحديث : «لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا عليّ» شعرا وأثبته على هيئة بيت شعر ، وذكر عبارة ابن الحاجب على النحو التالي :

«وذو الفقار وعلي في قوله :

٧١ ـ لا سيف إلا ذو الفقار

ولا فتى إلا علي

__________________

(١) من الآية :(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٦)من سورة البقرة : ٢ / ٦.

(٢) النسخة المطبوعة : ١ / ١٩٠.

(٣) انظر الإيضاح : الأصل : ٤٠ أ.

(٤) انظر النسخة المطبوعة : ١ / ١٩٠.

(٥) انظر الإيضاح : الأصل : ٤٠ أ.

(٦) النسخة المطبوعة : ١ / ٢٠٧.

(٧) انظر الإيضاح : الأصل : ٤٥ أ.

(٨) النسخة المطبوعة : ١ / ٢١٩.

(٩) انظر ص : ٣٠٧ الإيضاح : الأصل : ٤٨ أ.

١١

لا يصح أن يكون «خبرا (١)» ثم قال في الحاشية : «هذا البيت ذكره أبو الفداء في البداية والنهاية ، قال : قال الحسن بن عرفة : حدثني عمار بن محمد عن سعيد بن محمد الحنظلي عن أبي جعفر محمد بن علي قال : نادى مناد في السماء يوم بدر يقال له رضوان ، وذكر الرجز (٢)».

وفيما قاله المحقق من التخليط والتخبط الشيء الكثير ، فقد ساق الحديث كما يساق الشعر ، ولكنه على الهيئة التي أثبته فيها غير موزون ، ثم ساق كلام ابن كثير وقال : «وذكر الرجز» ، وأيّ رجز هذا؟ على فرض أن الحديث موزون فهو من مجزوء الكامل على أن تكتب الراء من «الفقار» في الشطر الثاني ، ثم إن الحديث لا يمتّ إلى الرجز بشيء ، وابن كثير لم يقل عن الحديث : إنه رجز أو غير رجز ، وإنما ساقه على أنه حديث ، وهذه عبارته «وقال الحسن بن عرفة : حدثني عمار بن محمد عن سعيد بن محمد الحنظلي عن أبي جعفر محمد بن علي ، قال : نادى مناد في السماء يوم بدر يقال له : رضوان : لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي ، قال ابن عساكر : وهذا مرسل (٣)». فابن كثير لم يشر إلى رجز كما رأينا ، وإنما أشار إلى مناد نادى بهذا الحديث من السماء ، ثم أتى بقول ابن عساكر فيه بأنه مرسل ، ولو تنبه المحقق إلى كلمة مرسل لاهتدى إلى الصواب ، لأن الحديث يوصف بأنه مرسل إذا سقط منه اسم الصحابي (٤).

وأورد ابن كثير هذا الحديث في موضع آخر وقال : «لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي» ثم حكم عليه بقوله : «وهذا إسناد ضعيف وحديث منكر (٥)».

فابن كثير صرح في الموضعين بأن «لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي» حديث ، وحكم عليه بحكمين : الأول أنه مرسل وذلك على لسان ابن عساكر ، والثاني أنه حديث منكر ، وكلمة «منكر» تدل على أنه حديث ، والمنكر قسم من أقسام الحديث (٦) ، فمن أين جاء المحقق بالرجز؟ ألم يتمّ قراءة عبارة ابن كثير في البداية والنهاية ليهتدي إلى الصواب ويتجنب الزلل؟

وربما غرّه أن هذا الحديث موزون ، ولكنه لم يهتد إلى وزنه الصحيح وعدّه من الرجز ، وهو ليس من الرجز ، وإنما هو من مجزوء الكامل إذا بتر عن تتمته ، فقد روي «نزل جبريل على رسول

__________________

(١) النسخة المطبوعة : ١ / ٢١٧.

(٢) النسخة المطبوعة : ١ / ٢١٧.

(٣) البداية والنهاية : ٧ / ٢٣٥.

(٤) انظر شرح ألفية العراقي المسماة بالتبصرة والتذكرة : ١ / ١٤٤.

(٥) البداية والنهاية : ٧ / ٢٧٥.

(٦) انظر شرح ألفية العراقي المسماة بالتبصرة والتذكرة : ١ / ١٩٧.

١٢

الله فقال : يا محمد لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي (١)» ، وروي «لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار (٢)» ، وبذا يسقط وزنه.

ومن المواضع التي أسرع فيها المحقق أنه مرّ على الآية : (سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ)(٣) دون أن يشير إلى أنها آية قرآنية ، وقد استشهد بها ابن الحاجب على تقديم الخبر على المبتدأ ، ولها قراءة بنصب سواء ورفعها (٤).

ومنها أنه يتجاوز العبارة دون أن يحيط بمعناها ، من ذلك العبارة التالية : «فكان الضمير عائدا على غير مذكور في المعنى (٥)» ، والصواب أن تسقط «غير» ، لأنها تفسد المعنى ، لأن ابن الحاجب جاء بهذه العبارة ليدل على أن عود الضمير على متقدم في الرتبة ومتأخر في اللفظ جائز ، وهذه عبارته : «وإن أعمل الأول فلا يخلو الثاني من أن يكون للفاعل أو للمفعول ، فإن كان للفاعل وجب الإضمار باتفاق ، وليس إضمارا قبل الذكر ، فيتوهم امتناعه ، كقولك : «ضربت وضربوني الزيدين» ، لأن «الزيدين» معمول الفعل المتقدم ، فهو في المعنى متقدم على الفعل الثاني ، فكان الضمير عائدا على مذكور في المعنى (٦)».

ومن مظاهر السرعة وعدم الدقة في العمل أن المحقق ترك جواب الشرط متصلا بالواو في قول ابن الحاجب : «فإن قيل : فقد عمل «أيّا» في «تدعوا» و «تدعوا» في «أيّا» في قوله تعالى : (أَيًّا ما تَدْعُوا)(٧) ، وأجيب (٨) ..» والصواب إسقاط الواو من «وأجيب».

ولم يتثبت المحقق من نص المفصل الذي جاء عند ابن الحاجب ، ومن ذلك أنه ساق قول الزمخشري : «والخبر على نوعين : مفرد وجملة ، فالمفرد على ضربين : خال عن الضمير ومضمر

__________________

(١) كنز العمال : ٥ / ٧٢٣.

(٢) المفصل : ٣٠ ، وشرحه لابن يعيش : ١ / ١٠٧ ، وشرح الكافية للرضي : ١ / ٢٣٩ ، وانظر الإيضاح : الأصل : ٤٧ ب.

(٣) النسخة المطبوعة : ١ / ١٩٠ ، والآية من سورة الجاثية : ٤٥ / ٢١.

(٤) انظر الإيضاح : الأصل : ٤٠ أ.

(٥) النسخة المطبوعة : ١ / ١٦٤.

(٦) الإيضاح : الأصل : ٣٣ أ.

(٧) الإسراء : ١٧ / ١١٠ والآية : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى).

(٨) النسخة المطبوعة : ١ / ١٨٣.

١٣

له (١)» ، ولو عاد إلى نص المفصل لوجد أن الصواب «ومتضمن له (٢)».

ومن المواضع التي لم يتحقق فيها من نص المفصل أنه ساق العبارة التالية مع ما وقع فيها من خطأ وسقط : «والثاني : أن تعرب (٣)» ، وهو القياس ، «أو محمولة على محله» (٤) ، وهو القياس أيضا من جهة أن الإعراب في التابع والمحل ، وإلا في المحلّ ..» (٥) ، فقد وقع في هذه العبارة خطأ في نص المفصل ، إذ أورده المحقق «أو محمولة على محله» ، والصواب «محمولة على محله» (٦) ، ووقع في العبارة أيضا سقط مخل ، والصواب أن تأتي كالتالي : «والثاني : أن تعرب» ، وهو القياس ، «محمولة على محله» ، وهو القياس أيضا ، من جهة أن الإعراب في التابع إنما يكون على إعراب المتبوع إن أمكن في اللفظ والمحل» (٧).

ووقع في هذه النسخة اضطراب وسقط مخلان بالمعنى ، ومن أمثلة ذلك العبارة التالية «وبشرائطه أنه إذا كان ظرفا إذا كان جملة فلا بدّ له من ضمير ، والمبتدأ نكرة فلا بد من تقدم الخبر» (٨) ، وصواب العبارة «وبشرائطه أنه إذا كان جملة فلا بد له من ضمير ، وإذا حذف فلا بد له من قرينة ، إما حالية أو مقالية ، وإذا كان ظرفا والمبتدأ نكرة فلا بد من تقديم الخبر» (٩) ، فقد وقع سقط ذهب بالمعنى ولم يتداركه المحقق أو ينبه عليه.

ومن السقط المخلّ أيضا العبارة التالية «والحذف الذي يكون واجبا ، وستأتي أمثلة تدلّ على ذلك» (١٠) ، وصواب العبارة «والحذف الذي يكون واجبا أن يقع ما تقدّم لفظ موقع الخبر يسدّ مسدّه ، فحينئذ يكون الحذف واجبا ، وستأتي أمثلة تدل على ذلك» (١١) ، ولم يشر المحقق إلى سقط أو اضطراب في العبارة ، ومرّ عليها صامتا.

__________________

(١) النسخة المطبوعة : ١ / ١٨٧.

(٢) انظر ص : ٢٧٥.

(٣) هذا كلام الزمخشري ، المفصل : ٧٨.

(٤) هذا كلام الزمخشري ، المفصل : ٧٨.

(٥) النسخة المطبوعة : ١ / ٣٩٠.

(٦) انظر المفصل : ٧٨.

(٧) الإيضاح : الأصل : ٩٣ أ.

(٨) النسخة المطبوعة : ١ / ٢١٠.

(٩) الإيضاح : الأصل : ٤٦ أ.

(١٠) النسخة المطبوعة : ١ / ١٩٣.

(١١) الإيضاح : الأصل : ٤١ أ.

١٤

ومنه أيضا العبارة التالية «أنه لا يتوقف كونه صالحا لأن يكون خبر إن ، بل يعرف ذلك قبل دخول إن بأن يقال : كل مبتدأ وخبر لا منافاة بينهما وأن تصالح أن يكون خبر المبتدأ خبرا لأن ، فينتفي الدور» (١) ، واضطراب العبارة لم ينتبه إليه المحقق ، والصواب فيها «أنه لا يتوقف كونه صالحا لأن يكون خبر «إنّ» على دخول «إنّ» ، بل يعرف ذلك قبل دخول «إنّ» بأن يقال : كل مبتدأ وخبر لا منافاة بينهما وبين «إنّ» فصالح أن يكون خبر المبتدأ خبرا ل «إنّ» فينتفي الدّور» (٢).

وما ذكرته عن هذه النسخة شيء مما وقع فيها من الاضطراب والسقط المخلين بالمعنى ، والسرعة في العمل وعدم الدقة والتثبت والتوثيق ، وضربت صفحا عن ذكر المواضع التي لحقها التصحيف والتحريف وهي كثيرة ، نبهت عليها في مواطنها.

ثانيا : منهج التحقيق :

كان طبيعيا أن أتخذ نسخة حلب أصلا في التحقيق ، وذلك لقربها من عهد ابن الحاجب ، فقد رأينا أنها نسخت سنة ٦٨٤ ه‍ ، وهي أقدم النسخ التي وقفت على ذكر لها ، ولما اتصفت به من الدقة والجودة وقلة السقط إلا في بعض المواضع ، ويعود ذلك إلى خطأ العين في أغلب الأحيان.

واعتمدت أيضا على نسخة المكتبة الظاهرية ، وجعلت لها حرف (د) رمزا ، ولكي يكون العمل قريبا إلى التمام قابلت النص المحقق على النسخة المطبوعة ، وجعلت حرف (ط) رمزا لها.

وبما أن عبارة ابن الحاجب ليست بالعبارة السهلة القريبة ، وأسلوبه في عرض المسائل النحوية لم يكن بسيطا ، وإنما اعتوره بعض الجفاف ، تناول منهج التحقيق الإحاطة بعبارته ومتابعتها وضبطها ، والتنبيه على ما قد يطرأ عليها من السقط والتصحيف والتحريف لتلافيه ، واستعنت بنسخة المكتبة الظاهرية لتدارك السقط الذي وقع في النسخة الأصل ، وتصحيح بعض المواضع التي أصابها التصحيف والتحريف ، ووضعت ما سقط من الأصل بين معقوفين [].

وأعدت الضمائر إلى أصحابها كلما رأيت إلى ذلك داعيا ، فكثيرا ما كان ابن الحاجب يسوق كلمات فيها ضمائر ، وهذه الضمائر تارة تعود إلى الزمخشري ، وتارة تعود إلى غيره من النحويين الذين عوّل ابن الحاجب على آرائهم ، وعود الضمائر عنده مشكلة ، فقد يعيد ضمير المذكر على المؤنث ، وضمير المفرد على الجمع ونبهت على ذلك في مواطنه.

وحرصت على أن أوثق النص ، فتثبتّ من الفقرات التي نقلها ابن الحاجب من المفصل ،

__________________

(١) النسخة المطبوعة : ١ / ٢١١.

(٢) الإيضاح : الأصل ٤٦ ب.

١٥

وأشرت إلى الخلاف بينها وبين ما جاء فيه ، وأعدت الآراء النحوية التي ساقها الشارح إلى مظانها ، وتحققت من نسبتها إلى أصحابها ، وحاولت ما استطعت أن أعيد النصوص والأمثلة والآراء النحوية التي لم تنسب إلى مصادرها وأصحابها.

وضبطت الآيات القرآنية التي استشهد بها ابن الحاجب ، وتيقنت من نسبة القراءات التي أشار إليها إلى أصحابها بالعودة إلى مصادرها في كتب القراءات ، ونسبت ما لم ينسبه ، وخرجت الأحاديث النبوية من مظانها ونبهت على مدى صحتها ما وجدت إلى ذلك سبيلا.

وحاولت جاهدا أن أنسب الشواهد الشعرية إلى أصحابها النسبة الصحيحة ، وضبطتها بالشكل ، وخرجتها من مصادرها ، ولم أن باختلاف الرواية إلا إذا كان ذلك الاختلاف يتعلق بموطن الشاهد ، وشرحت الكلمات الغريبة ، والتزمت في الإشارة إلى مصادر الأبيات بالترتيب الزمني ، فكنت أبدأ بالمصدر المتقدم فالذي يليه وهكذا ..

وصنعت فهارس للآيات والأحاديث والشواهد الشعرية والأماكن والأعلام ، واللغة والموضوعات ، آملا أن تكون هذه الفهارس خير معين للقارئ ، ولم أترجم لجميع الأعلام الواردة أسماؤهم ، وإنما ترجمت لغير المشاهير منهم ـ كما رأيت ـ ممن يحتاج القارئ إلى معرفة شيء عنهم.

١٦

١٧

١٨

١٩

٢٠