تاريخ اليمن الإسلامي

أحمد بن أحمد بن محمّد المطاع

تاريخ اليمن الإسلامي

المؤلف:

أحمد بن أحمد بن محمّد المطاع


المحقق: عبد الله محمّد الحبشي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: شركة دار التنوير للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٨

١
٢

٣
٤

تمهيد في التاريخ اليمني

(اليمن في مدارج التاريخ) (التاريخ وفوائده) (١)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

من القضايا المسلمة تقدم العلوم والمعارف في هذا العصر ، وارتقاء العقل البشري إلى غاية قصر عن التحليق فيها الآباء منذ أحيال قديمة ، ومن الفنون التي بلغت أقصى ما يتصوره العقل من العناية والاتقان فن التاريخ (٢) ومعرفة أحوال الأمم ، إذ من بين صحائفه تشرق أنوار الهداية ، ومن أسفاره تشع شموس الدراية ، وفي حوادثه وما يلابسها من نعم وبؤس وإقبال وإدبار وما يتخلل ذلك : من قيام ممالك ، وهلاك أمم ، وسقوط عروش ، وزوال تيجان ، عبرة وأية عبرة ، ونذير مبين ، يحذر بلسان الأبدية غب المآثم وعاقبة الإعراض والإيغال في الجرائم.

ومن قمته الشامخة تستعرض مواكب العالم في مشارق الأرض ومغاربها ، وتلتمس معارف الشعوب ورقيها وادابها وحضارتها وأخلاقها وعلومها وعمرانها ومعتقداتها وكل ما له صلة ما وعلاقة بحياتها.

فإذا ما أراد الإنسان مرافقة الأمم ، ومسايرة الشعوب ساميّها وآريّها ،

__________________

(١) الحكمة ١ العدد ٦ ، السنة الثانية ، المجلد الثاني ، ربيع الثاني ١٣٥٩ ه‍ (مايو / يونيه ١٩٤٠ م) ص ١٢٥ ـ ١٢٩.

(٢) التاريخ ومتعلقاته كعلم الاجتماع والاقتصاد والجغرافية وعلم الكتابات القديمة والعاديات والنقوش والآثار وعلم السجلات والاحصاء والنقد والمسكوكات وغير ذلك من العلوم التي كانت مجهولة أو بعضها عند العرب. اه

٥

والاطلاع على تكون نهضاتها من أقدم عصورها ومشاهدة أجيالها وهي تخرج من الكهوف إلى الصروح ، ومن الأكواخ إلى القصور ، ومن الأودية والغابات إلى المحاكم والكليات ، ومن نقش الآثار على الأحجار إلى استنطاق الجماد واستخدام البخار ، فعليه بما خلدته الأيام على صحائف التاريخ وإن شاء الرجوع إلى العصور العافية ، والتغلغل في مهاوي القرون السحيقة ، كي يرى الإنسان الأول يزاول أعماله بسائق الفطرة ، ويترصد فريسته في ألفاف الشجر ، وأجواف الحفر ، ويتعقب الطرائد في مخارم الجبال وبطون الأودية ، أيام كان يستوطن الكهوف والغيران ، ويتسلح الحجر ، فليرجع إلى آثار تلك العصور ، (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ).

ولا نبالغ إذا قلنا ان التاريخ ما عرف في جميع أدواره عصرا هبت فيه الشعوب عن بكرة أبيها لدراسة الماضي والارتواء من مناهل ثقافته ، والتنقيب عن آثار البشرية من أقدم أزمنتها ، والبحث عن الحضارة الإنسانية كهذا العصر.

هبت أمم العالم اليوم تنقب عن مفاخر الماضي واثاره ، لتضع على كواهل أبنائها من قدسية ماضيهم وأمانة تاريخهم ما تنوء بحمله الجبال ، وتجعل من آثار ذلك الماضي أدوات تستخدم لإيقاد جذوة الوطنية في الصدور وإلهاب نار الحماسة في الرؤوس مستلهمة وحي النبوغ والتقدم من أرواح الآباء والأجداد.

ولذا كان لزاما على كل أمة تحاول النهوض الالتفات أولا إلى الماضي بدراسة تاريخها ، ومعرفة ما فيه من الحوادث والكوارث ، والوقائع والكوائن وأسباب الصعود والهبوط ، فإن حياة الأمم موصولة ، وحاضرها القريب وليد ماضيها البعيد ، ولذا قيل : «إن الأمة التي تهمل ماضيها ولا تعرفه مثل الرجل الذي يفقد ذاكرته» ، ويقول علماء الاجتماع وتباريس علم الأخلاق : (إن

٦

ماضي الأمة لا يموت أبدا ، ولكنه يكون حيا) تاريخه إلى آلاف السنين يستوحى منه.

فدراسة التاريخ إذا من ضروريات البقاء ، ومعرفة الأمة نفسها من أكبر عوامل الارتقاء ، ولا سيما إذا كان في تاريخ الأمة من أعمال المجد والعظمة ما يثير الفتوة ، ويبعث النشاط والقوة في شرايين الأجسام المنحلة ، ويدفع بالأبناء إلى ترسم آثار الآباء ، فإنه يستحيل أن يرضى لنفسه بالذل والمهانة من كان أبوه يعزم العزمة الفاصلة فيملي إرادته على الملوك والجبابرة ، ويقول الكلمة فتطفىء الحرب العوان وتشعل ، وإذا ريع كان له السيف والرديني أمنع معقل.

وكيف يجمل بأبناء الأرواع اللهاميم فراجو الغمم من دانت لسطوتهم الملوك ، وذلت لهيبتهم الأقاليم ، أن يكونوا نقدا تنتاشهم سباع الأطماع وهم في غفلتهم ساهون ، أو تنزل بهم عون الخطوب فيذلون ويسمدون ، و (يفتتون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون).

أجل ، إن من يدرس أصول النهضات العالمية يجد في قرارتها أثرا للتاريخ وضاح الجبين وعوالم وأرواح الآباء مصدر تلك القوة وأساسها المتين ، فلا غرابة إذا رأينا جبابرة العقول ، وفطاحلة الفكر الإنساني ، تعد التاريخ من أكبر الوسائل لتنمية العقل وتهذيب الشعور ، وبسط النفوذ ، وسعة الملك ، وتضخيم الثروة ، وعظمة الشأن ، ونرى علماء الغرب على اختلاف مشاربهم ، وتنوع معارفهم ، وتباين مباحثهم ، ومناحيهم ، عاكفين في جامعاتهم السنين الطوال : هذا يدرس أجناس البشر وأصول الشعوب ، ومتى وجد الإنسان على الأرض ، ومدنيته الأولى ، وصفاته وقسمات وجهه إلى آخر ما هنالك.

وذلك مكب على تمثال قديم يرجع فنه وجماله ودقته مبلغ حضارة الأمة التي وجد فيها ، كما أن زميله وضريبه قد شغلته لفظة لغوية في أدب أمة لا

٧

يمت إليها بصلة عن كل ما في الوجود ، كل ذلك رغبة في العلم ، ووصلة إلى فهم الشعوب وعاداتها وأخلاقها ، لوسائل كثيرة ، منها : علمية محضة ، ومنها سياسية واقتصادية ونحو ذلك. ومن التواريخ التي أصبحت اليوم تدرس في جامعات الغرب كفن مستقل : تأريخ اليمن القديم وما به من النقوش والآثار والعاديات وما خلفه آباء اليمنيين من آداب وثقافة صقلت العقل الإنساني وازدانت بها حضارة البشر في أيامهم ، وهي اليوم كعبة تحج إليها أفئدة النوابغ افتنانا بروعتها وجلالها ، وترتشف من معينها العقول ويتخذ منها الأقوام درعا لتوطيد أركانها وتخليد كيانها.

ذلك ما حدا بي إلى تقليب صفحة من صفحات تاريخ هذه الأمة الضخم ، والتنقيب عن بعض فرائد عقدها الثمين ، وإن كان ماضيها كثير الظنون قل أن يفوز الخرّيت منه بما يشفى الأوام ، ويطفي لاعج الغرام ، لما على لياليه الماضية ، وأيامه الخالية ، من غبار الدهور ، وكلاكل العصور.

وهيهات أن يجد المشتاق بالرسوم العافية ، والأطلال البالية ، ما يجده بمطرحات تفيض النعمة من ثناياها ، وتتسابق الشموس متطاولة من أبراجها وحناياها.

اللهم إلا أن تكون مرابع أنس ، ومراتع سرور ، أقوت عن القطان وفارقها السكان ، ونزع عنها الأخلاء ، ولم يبق من أثا فيها إلا : (نقط يشك الشاك فيها) ، فإن لها ذكريات لا تقوى يد الحدثان على الدنو من قدس تذكرها.

وهذه الذكريات إحدى عناصر التاريخ ومميزات هذا الإنسان ، فهو لا يقنع بما هو آت ، ولا يسأم الوقوف أمام المخبآت : غاص أعماق البحار ، وركب متون الأخطار ، واستنطق الجماد ، وغزا اللانهاية بقوة فكره ، وحاول أن يفجع الغد في مخبآت سره رغبة في الاطلاع ، وهياما بالرواية والسماع ثم هو مع هذا : (دائم الحنين إلى سالف خال والبكاء على دارس بال) ، لا

٨

يقف عند غاية الأوهام بما خلفها ، وساقته الفطرة إلى استكشاف ما وراءها ، فلا غرو أن اصبح علم التاريخ من مشتهيات النفوس وأغراضها ، وشؤون الحياة ولوازمها.

وإذا كان من طبع الإنسان وغريزته الحنين إلى الفائت المندثر ، والالتفات إلى أطلال الأحبة ، والوقوف بآثارهم الدوارس ، والاعتزاز بتقاليده وماضيه ومجده وتاريخه ، وما كان لأجداده من سجايا ومفاخر ، وعادات ومآثر.

فأخلق بأبناء من ملكوا الخافقين ، وبسطوا سلطانهم على العالمين ، أن يعتزوا بتاريخهم ، ويفاخروا بماضيهم ، ويكاثروا بنوابغهم وأبطالهم الذين تساقطت تحت أقدامهم عروش الفاتحين ، وملكوا الأمور على من كان يملكها في أطراف الأرضين.

وأن يقفوا وقفات كبرى لا كلوث أزار أو كحل عقال ، بل وقوف جميل في عراص بثنية ، أو وقوف شحيح ضاع في الترب خاتمه ، بآثار أسلافهم الغر حيث كانوا يتناغمون ويتسامرون وينثرون طرائف الحكمة وروائع الكلم ، بان يعرجوا بأطلال ماضيهم المجيد لينظروا أبدع ثمرة تركها الإنسان ، وأجمل نتاج للعبقرية والنبوغ ، وأسمى حضارة عرفها التاريخ.

وبهذا الالتفات وذلك الوقوف ما يوقظ الهمم ، ويهيب بالأبناء إلى متابعة الآباء ، وبشوارد الأنفس إلى سواء السبيل ، ليقرنوا شرفهم التليد بمجدهم الطريف كما قيل : (١)

إنا وإن كرمت أوائلنا

لسنا على الأحساب نتكل

نبني كما كانت أوائلنا

تبني ونفعل فوق ما فعلوا

__________________

(١) الحكمة : العدد ٢ ، المجلد الثاني ، السنة الثانية ، جمادى الأولى ١٣٥٩ ه‍ (يونية / يولية ، ١٩٤٠ م) ، ص ٢٠٤ ـ ٢١٠.

٩

ولا يدع فحفظ مناقب الآباء والاعتداد بآثارهم الصالحة من أكبر العوامل المثيرة لعزة النفس ويقظة الوجدان وسمو الغاية ، وقديما كانت العرب تفاخر بأمجادها وآبائها في انديتها واسواقها ومجتمعاتها ومواسم حجها ، قال تعالى : (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً).

وكل شعب يحمل أمانة التاريخ ، وتجري في عروقه مناعة دم شريف ، وتدور في رأسه ذكريات الماضي ، لا يطمئن إلى حياة لا تصله بماضيه : «فإن من فاته حسب نفسه لا ينفعه حسب أبيه».

والتاريخ كما قلنا هو سجل الحياة ، والصورة الفنية للعصور الغوابر ، ومحقق آمال المنبت الحائر ، وقد طمحت به النفس إلى ذرى المجد وسنام المفاخر ، وحفزته غريزته البشرية إلى معرفة تراثه من الأكابر ، ومشاهدة معرض الوجود الحاشر.

منه يستلهم وحي النبوغ ، ومن أرواح أبنائه وآثارهم يستملي روحا تسمو به إلى أبعد شأو كتب له في الحياة ، بعزيمة أمضى من القضاء ، وصدر أوسع من الفضاء ، وشجاعة في الله يكلؤها الحجى.

وأحر ، بمن عرف الماضي ، وأفنى القرون ، وساير ركب الزمان ، ان تسمو نفسه وتتهذب مداركه ، وتلطف شمائله ، وتتحرك مشاعره ، وتحفزه المؤثرات الحرة إلى مطمح الإنسانية ومثلها العالية : (وان لا يكون كمستمع اللدم يسمع الناعي ويحضر الباكي ثم لا يعتبر ، وإنما البصير من سمع فتفكر ، ونظر بأبصر ، وانتفع بالعبر ، ثم سلك جددا واضحا يتجنب فيه الصرعة في المهاوي ، والضلال في المغاوي).

فإن التاريخ هو الشاهد العدل ، والرقيب العتيد ، والمراقب المشرف على أعمال الأمم ومجرياتها لا تفوته صغيرة ولا كبيرة ، ولا يترك حسنة ولا سيئة إلا أتى عليها ونقلها ، يرمي فيقرطس ، ويضرب المحز ويقطع المفصل.

١٠

من عادة التاريخ ملء قضائه

عدل وملء كنانتيه سهام

هذا وللتاريخ من الفوائد غير ما مر من تهذيب الأخلاق ، وإيجاد الشعور القومي ، وإذكاء نيران العواطف الكامنة في القلوب ، وتوحيد كلمة الأمة وصهرها في بوتقة واحدة ، وجعلها كتلة لا تتجزأ ولا تتفرق ، يقودها المجد إلى ميادين العظمة ، وسعة السلطان ، وبسطة النفوذ ويزجيها الاخلاص والحرص على كنوز تراثها وتقاليدها إلى المحل اللائق بها تحت الشمس ، وتؤازرها في سيرها نحو الغاية حرارة عقيدة شب عليها الصغير ، وورثها مجموع الأمة عن أسلافه ، وغير ذلك من خلال الكمال.

مقام لا ينكر في خدمة الكتاب العزيز والسنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والتحية ، فهو عمدة المفسر لمعرفة الناسخ والمنسوخ وغيره من الأسباب المتوقفة على نتائجها ، وهو دليل المحدث ، ومعلم الفقيه ، به تعرف الآجال وحلولها ، والأخبار وناقلوها ، قال سفيان الثوري رحمه الله : «لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التاريخ» ، وقال حماد بن زيد : «لم يستعن على الكذابين بمثل التاريخ».

وبمقدار ما يستفيد منه الملك لإصلاح رعيته ، والسياسي لمهمته ، والفاتح لغايته ، والاجتماعي لعمله ، والمزارع لحاجته ، يستفيد منه القاضي والمرشد والمعلم والمحدث وغيرهم من جميع الأصناف في جميع الشؤون ، فله بكل مقام مقال :

لا تقل دارها بشرقي نجد

كل نجد للعامرية دار

ولها دمنة على كل رسم

وعلى كل دمنة آثار

التاريخ لغة واصطلاحا وكيف يجب أن يكتب

قال المقريزي رحمه الله في خططه : «التأريخ كلمة فارسية أصلها (ماروز) ثم عربت ، قال محمد بن يوسف البلخي في كتابه مفاتيح العلوم :

١١

«وهذا اشتقاق بعيد لو لا أن الرواية جاءت به» ، وقال قدامة بن جعفر في كتاب الخراج : «تأريخ كل شيء آخره ، وهو في الوقت غايته ، يقال فلان تاريخ قومه أي إليه ينتهي شرفهم ، ويقال ورخت الكتاب توريخا ، وأرخته تأريخا ، الأولى لغة تميم والثانية لغة قيس.»

وقال الأستاذ العلامة محمد كرد علي في كتابه خطط الشام ، قال العلامة البروتي «التأريخ هي مدة معلومة من لدن أول سنة ماضية كان فيها مبعث نبي بآيات وبرهان ، أو قيام ملك مسلط عظيم الشأن ، أو هلاك أمة بطوفان عام مخرب ، أو زلزلة خسف مبيد ، أو وباء مهلك ، أو قحط مستأصل ، او انتقال دولة ، أو تبديل ملة ، أو حادثة عظيمة من الآيات السماوية أو العلامات المشهورة الأرضية التي لا تحدث إلا في دهور متطاولة ، أو أزمنة متراخية تعرف به الأوقات المحددة ، فلا غنى عنه في جميع الأحوال الدينية والدنيوية» ، انتهى

وكانت العرب تؤرخ بالنجوم ، ومنه قول الكاتب : تجمعت على فلان كذا ليؤديه ، وبكل عام حدث فيه أمر مشهور ، فقد أرخوا بالختان لأنهم كانوا قد تهاونوا فيه وعظم عندهم أمره ، قال النابغة الجعدي :

فمن يك سائلا عني فإني

من الشبان أيام الختان

وقد أرخوا ببناء الكعبة ، وبموت كعب بن لؤي ، وبعام الفيل ، واستمر ذلك حتى جاء الإسلام وكانت الهجرة ، فكان ذلك العام الأول تاريخ هذه الأمة زادها الله شرفا وعلوا وأعاد عليها سالف مجدها وهداها إلى منهج الحق وصراطه المستقيم آمين

يلوح مما تقدم من مدلول كلمة تاريخ أن معناها التوقيت ، وهذا ما يظهر جليا في كتب المتقدمين ، فإنه قل ان يجد القارىء فيما دوّنه القدماء في فن التاريخ شيئا في تعليل الحوادث وتحليلها والنظر في اسبابها وعواقبها ، أو استخلاص النتائج منها ، كما انهم لم يحوموا حول بيان الحالة الاجتماعية

١٢

والاقتصادية وكيفية سير العلوم والمعارف وسير الأدب وعوامل العمران وكل ما له علاقة بالأمة ، وغاية ما صرفوا فيه عنايتهم أخبار الحروب ، ووصف المجازر الدموية ، والملاحم البشرية ، وحياة الملوك ، وذكر العزل والتولية ، وما إلى ذلك من الحوادث الطبيعية كهطول الأمطار ، وفيضان الأنهار ، وأخبار الزلزال والبراكين ونحو ذلك.

ولعل ذلك الداء سرى إلى المؤرخين من مدلول كلمة تأريخ الفارسية التي معناها التوقيت ، ولو أنهم عدلوا عنها إلى الكلمة اليونانية (هستوريا) ومعناها الرواية والتحقيق لكانت طريقتهم فيما أخال غير ما كان.

ولم تزل هوة البعد عن الحقائق والغرض الأصلي من كتابة التاريخ تتسع حتى أصبح سلطانه منهار الجرف ، منقض الدعائم لطول ما عبثت به أحداث الزمان وأحداث الانسان في عصور الوهم وأزمنة الانحطاط ، وصار أسوأ من الأدب حظا ، وأنحس منه طالعا ، تتلاعب به أدمغة العجائز وألسنة القصاصين والممخرقين والمخرفين ، محشوة أسفاره بالخرافات والأكاذيب إلا النادر القليل.

وسواء في ذلك من عني بتاريخ قرن أو حكومة أو قطر ، أو من اشتغل بالتاريخ العام ، وإنك لتجد كثيرا من المؤرخين وغيرهم يعتبرون المؤرخ «كحاطب ليل» ، ومنهم من جعل هذه الكلمة تكأة له في سيره المغلوط ، فاشتبهت عليه المخارج والموالج ، واختلط لديه الحابل بالنابل ، فجمع الغث والسمين ، ومزج الممكن بالمستحيل ، وليت الخطب وقف عند هذا المرض القتال ، والداء العضال ، وهو مزج الصحيح بالسقيم ، وخلط الجائز بالمستحيل ، ومجانبة النقد وعدم التمحيص ، ولكنه تعداه إلى ما هو أدهى وأمر ، وأسوأ حالا مما مر ، وذلك ما أشار إليه الأستاذ المعاصر محمد كردعلي بقوله : «كان المؤرخون بعد القرون الوسطى بين عاملين قويين إما أن يكذبوا فيغضبوا الحق أو يصدقوا فيغضبوا الخلق». وقال العلامة الفيلسوف

١٣

إمام المؤرخين ، واضع علم الاجتماع عبد الرحمن بن خلدون (١) رحمه الله أثناء خطبة كتابه المسمى بالعبر وديوان المبتدأ والخبر : «وإن فحول المؤرخين في الإسلام قد استوعبوا اخبار الأيام وجمعوها وسطروها ، وفي صفحات الدفاتر أودعوها ، وخلطها المتطفلون بدسائس من الباطل وهموا فيها وابتدعوها ، وزخارف من الروايات المضعفة لفقوها ووضعوها ، واقتفى تلك الآثار الكثير من بعدهم وأدوها إلينا كما سمعوها ، ولم يلاحظوا أسباب الوقائع والأحوال ولم يراعوها ، ولا رفضوا ترهات الأحاديث ولا رفعوها ، فالتحقيق قليل وطرف التنقيح في الغالب كليل ، والغلط والوهم نسيب للأخبار وخليل الخ».

وقال السيد العلامة محمد رشيد رضا رحمه الله : «إن معرفة تاريخ الأمة هو الوسيلة الأولى للنهوض بها والصعود في مراقي الحياة بين الأمم ، وضرر الجهل والكذب فيه كضرر الجهل والكذب في بيان أحوال المريض وأعراض أمراضه للطبيب الذي يعالجه».

فلا بد لكاتب التاريخ إذا من تجري الحقائق ، وتمحيص الأخبار ، والابتعاد عن كل ما يشوب وجه الحقيقة من زيادة أو نقصان ومجانبة الهوى ونزعات النفوس ، وأن يحكم العقل لا العاطفة عملا بقوله تعالى : (وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا) مع ملاحظة الحالة الاجتماعية والاخلاقية والسياسية وكل ماله صلة بحياة الأمة ، وفي ذلك من المشاق والمتاعب ما لا يفي الكلام بوصفه ولا يدرك كنهه إلا من خاض لجج هذه الأبحاث : (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) ، قال بعض مؤرخي الأفرنج : «ليس التاريخ من العلوم السهلة فلأجل يوم واحد يصرف في التركيب ينبغي قضاء أعوام طويلة في التحليل».

(٢) وإذا تأملنا فيما دونه كبار المؤرخين القدماء كالطبري وابن الأثير

__________________

(١) هو المفكر الإسلامي العظيم له طريقة لم يسبق إليها في فلسفة الاجتماع والتاريخ.

(٢) السنة الثانية المجلد الثاني.

١٤

والمسعودي وابن خلدون في تأريخه دون المقدمة واضرابهم ، وجدنا بتلك المؤلفات روعة العلم وجلاله ، ولمسنا روح البحث والتحقيق والاستقصاء والانقطاع للعمل والشهوة العلمية لذاتها بارزة وماثلة.

ولكنها لم تتعد دائرة البحث عن الحالة السياسية ، ووصف حركات التجاذب والتغالب بين المتوافدين من الأمراء والملوك ، وما يتبع ذلك من نزوات ونزعات ، ولذا جاءت تلك المؤلفات غير كاملة بالمعنى المراد من التأريخ لأنهم لم يفوا المشكلة التاريخية حقها.

ويمتاز قدماء المؤرخين بسعة الإطلاع والإحاطة بالجزئيات والفهم للحقائق والقدرة على التعبير : «ولكنهم لم يقدروا على ربط الحوادث برباط جامع لها». وقد طوع لهم إدراك الجزئيات الإحاطة بشتى الحوادث وما جرى في السنين من الأحداث ، فجمعوا في مؤلفاتهم الكثير الطيب ممزوجا بغيره من دون نقد وتمحيص أو تعليل واستنتاج ، فكان من جراء ذلك أن برزت الحقائق محاطة بإطار من الخفاء يعوزها النضوج والاكتمال ، كأنها منجم الذهب يتوقف الحصول عليه على إزالة ما يخالطه من العناصر المتنوعة.

واستمر الحال على ذلك آمادا متطاولة ، وطرق التأليف في هذا الفن مشابهة حتى ظهر إمام المؤرخين عبد الرحمن بن خلدون رحمه الله في القرن الثامن الهجري فعني بالتأريخ عناية خاصة واعتبره جزءا من الفلسفة ولكن هذا الجزء ينبغي ألا يعنى بشيء سوى تقرير الحوادث والعمل على كشف ما بينها من اقتران الشيء بسببه على أساس النقد البريء من التشيع والهوى.

وأكبر قواعد البحث التاريخي هي أن الحوادث يرتبط بعضها ببعض ارتباط العلة بالمعلول (١).

وقد أطال في مقدمته الكلام على هذه المباحث ، وأثبت فيها القوانين

__________________

(١) راجع تاريخ الفلسفة في الإسلام ومقدمة ابن خلدون.

١٥

العامة والأسس الأولية للمقايسة والتمييز وذلك بالإمكان ، والمقايسة والاستحالة ، فمقارنة الماضي بالحاضر تعطينا قانون التشابه ، وقياس الأخبار على أصول العادة ، وطبيعة العمران يعلمنا قانون الإمكان والاستحالة.

ومن المؤسف ان هذا الفيلسوف الاجتماعي العظيم لم ينتفع المسلمون بمبتكراته في علم الاجتماع وفلسفة التاريخ لتأخر زمانه عن زمن النهضة العربية الإسلامية ، وظلت آثاره آنفا لم يمط عنها اللثام إلى أن شرع الغرب في النهوض.

أما من تقدمه من مؤرخي المسلمين فإنه بالرغم عن مقدرتهم العالية ، وملكتهم الكتابية ، ونزاهة مقاصدهم ، واتساع الفكر الإسلامي العربي وحريته في أيامهم ، نجدهم فيما نقلوه عن غيرهم قد تجنبوا النقد أو تهيبوه تقديسا للرواية أو لعلة أخرى ، وقليل منهم من أتى بشيء جديد ، أما ما يتعلق بأزمنتهم فلم يبعدوا عن الأسلوب المذكور أولا.

على أن بعضهم قد تأثر بالنزعات الدينية والعصبية القومية والمذاهب السياسية إلى أمد بعيد فظهرت مؤلفاتهم في ثوب شفاف ينم عما تحته من سلطان الهوى وحكم العاطفة.

كما أن بعضهم لم يتورع عن خدمة الأغراض السياسية والمقاصد الشخصية ، وجعل البحث التاريخي شبكة لصيده ، ومطية لنزوات روحه ، ولا سيما أيام كانت السياسة تركض وراء الألسنة القوية ، والأقلام السليطة لتستفيد من نصرتها ، وتعتز بشهرتها ، ليتم لها احتكار السلطة في اشخاص القائمين بها ، وصرف البلاد والعباد عن التفكير المثمر والعمل النافع ، إلى ما يعود بالمجد الأجوف والخير المزعوم ، وقد سجل التاريخ من أعمال الفريقين ما يندى منه الجبين.

وصفوة القول أن هذا الفن لم يوله أربابه الأكفاء حقه من العناية كسائر الفنون : «ولم يمحصوا أخبارهم الموروثة تمحيصا دقيقا ، ومع هذا فقد كان

١٦

الكثيرون يعولون عليها تعويلهم على المشاهدة ، وكانوا يرجحونها على حكم العقل لأنه قد يسهل أن يسلم بنتائج غير صحيحة».

وكان بين المؤرخين دائما قوم يذكرون مختلف الروايات من غير تشيع ، وكان آخرون مع ما أظهروا من مراعاة لمطالب الحاضر لا يترددون في الحكم على الماضي أحكاما يتفاوت حظها من الصحة ، وكثيرا ما يسهل على الإنسان أن يصيب في حكمه على الحوادث الماضية أكثر مما يسهل عليه الحكم على شؤون العصر الذي يعيش فيه» (١).

وقد أنتج الفكر العربي عند ما استبحر في العمران ، واتسع نفوذه ، وازدادت معارفه قسما من أقسام التاريخ تفنن فيه تفننا يفوق الوصف ، وبلغ فيه مبلغا من الاتقان لا يدرك شأوه ، واستعمل فيه النقد والتمحيص إلى أبعد حدوده وذلك فن التراجم.

فإنه اتسع نطاق التأليف والمؤلفين فيه وذهبوا في الجودة والافتنان كل مذهب ، فقسموا كتبه إلى خاصة وعامة ، وبذلوا عناية كبرى في تتبع أحوال عظماء الرجال ، وآثارهم وكل ما يحيط بحياتهم ويلابسها من خير وشر ، وفضل ونقص ، وتعمقوا في مسايرة حياة من ترجموا لهم وتأثروهم خطوة خطوة. ولشدة عنايتهم بفن التراجم جعلوا المؤلفات العامة للنابهين في أي فن كان ، والخاصة لمن نبغ في فن مخصوص كالنحاة والأطباء والكتاب والشعراء والفقهاء والمتكلمين والحجاب والوزراء والزهاد والمتصوفة والأدباء والمغنّين ونحوهم.

فكانت هذه الكتب القيمة من أغزر الموارد في الأدب العربي ، وأروع الآثار في التاريخ ، لأنها تدلنا على كثير من الفوائد التي لا وجود لها إلا في التراجم ، ولولاها لا فتقدنا حلقات من تاريخنا لا يكمل وجوده بدونها ، وكان

__________________

(١) راجع تاريخ الفلسفة في الإسلام.

١٧

لها الفضل أيضا في تبيان ما طواه التاريخ السياسي وأهمله من شؤون الحياة العلمية والأدبية والدينية والأخلاقية ، وما يتصل بذلك من آراء وأفكار ومعارف وفنون.

ولما تدهور الأدب العربي قلت براعة الكتاب في ذلك ، وأصاب تلك الناحية ما أصاب غيرها من فنون الآداب ، وكأن بعض المؤرخين استشعر نقص الناحية الأولى من التأريخ فعمد الى الجمع بين الحوادث والتراجم فجاءت مؤلفاتهم : «كجونية العطار».

ومما هو جدير بالذكر هنا لعلاقته بالموضوع الإشارة إلى عناية العرب العظيمة بعلم الجغرافية ، والبحث عن شكل الأرض وظواهر الطبيعة ومعرفة الأقاليم وخطوط الطول والعرض وتقسيم المناخ إلى مناطق ، والفحص عن أحوال الأمم وطبائع الشعوب ، وإجالة الفكر في كل ما يصلح أن يجول فيه عملا بهداية القرآن : (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ).

واهتمامهم الكبير بالبلدان وضبط أسماء المدن والقرى والجبال والأنهار والأودية والطرق والمسافات ومحطات البريد ، وتكبدهم الرحلات الشاقة والأسفار الطويلة في سبيل البحث والتنقيب عن كل ما يتعلق بهذا العلم من حقائق تستأهل التخليد والتسجيل ، وتأليفهم في ذلك المؤلفات النفيسة الممتعة ككتاب الجاحظ عن البلدان ، ومعجم ياقوت الرومي الحموي ، وصفة الجزيرة العربية للهمداني اليمني ، ورسالة فيلسوف العرب أبو يوسف يعقوب بن اسحاق الكندي ، وجغرافية عبد الله بن خرداذبة ، والمقدسي ، ومحمد بن رسته ، وأمثالهم.

كما أن إليهم يرجع الفضل أيضا في تخطيط الخرائط. ووضع التقارير الضافية عن رحلاتهم البعيدة كما يفعل الغربيون اليوم.

وأقدم أثر عربي عثر عليه في تخطيط الخرائط كتاب أبي زيد البلخي ،

١٨

أحد تلامذة الفيلسوف الكندي ، عنى فيه بوجه خاص بالخرائط ، فصور العراق في زمانه سنة ٣٠٩ ه‍ بخريطة جعلها ياقوت الحموي دليله في رحلته كما نوه به في كتابه : إرشاد الأريب.

وكذلك فعل الشريف محمد الادريسي في كتابه : نزهة المشتاق في اختراق الآفاق ، وهو من أجل الكتب الجغرافية وأنفسها ، وبه خريطة للبلاد المصرية وكان تأليف الكتاب المذكور بعناية (روجر الثاني) ملك صقلية وتايلي منتصف القرن السادس.

والمستبصر في تاريخه لجزيرة العرب صور فيه أهم مدن الحجاز واليمن في أيامه ، وذكر طرقها وتاريخ اختطاطها ، ومقدار المسافات إليها.

ومن أمثلة تقارير سواح المسلمين تقرير احمد بن فضلان سفير المقتدر العباسي في بلاط ملك البلغار سنة ٣٠٩ ه‍ ذكر فيه أحوال البلاد الطبيعية وعادات السكان وأخلاقهم وتقاليدهم باسلوب ممتع أورده ياقوت في معجمه.

وتقرير إبراهيم بن يعقوب احد تجار المغرب عن رحلته إلى أوربا والمانيا ، وأبو دلف مسعر بن مهلهل عن الهند وتركستان وأبو الريحان محمد بن أحمد البيروني عن الهند أيضا.

والقاضي الحسن بن أحمد الحيمي الصنعاني ، سفير الإمام المتوكل على الله إسماعيل بن الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد ، إلى ملك الحبشة وصف فيه حالة البلاد الطبيعية والسياسية وبلاط ملك الحبشة ، وما كان يحتوي عليه من دسائس الرؤساء والقواد ونحو ذلك.

(١) تلك نظرة إجمالية وكلمة عامة عن المصادر التاريخية العربية كان إيرادها لبيان ما يعترض الباحث أو المؤرخ من عقبات في تاريخنا القديم على جهة

__________________

(١) الحكمة : العدد ١٠ ، السنة الثانية ، المجلد الثاني ، شعبان ١٣٥٩ ه‍ (سبتمبر / اكتوبر ١٩٤٠ م) ص ٢٩٥ ـ ٣٠١.

١٩

الإجمال ، وفي المثال ما يغني اللبيب ، وذلك كله والمصادر التاريخية للأمة أو البلدة التي يريد البحث عن أحوالها متوفرة ، والمراجع التي يستنبط من منابعها بحوثه ، ويستقي من مناهلها نصوصه غنية ، والطرق الموصلة الى الغاية معبدة أو قريبة (١).

ولكن قل لي بربك أيها القارىء ما ذا يقول الباحث المفكر المنصف الخبير بمشاق البحث ومتاعب الطلب ، إذا وقف أمام التاريخ اليمني وأبحاثه الغامضة وفصوله المبعثرة بين مئات المجلدات وآلاف الصفحات؟ وبما ذا يحكم إذا عرف أن طريق البحث متعرجة ملتوية ذات أدغال وسلسلة جبال وعرة المسالك ، وأن السالك فيها لعلى قلت إلا ما وقى الله؟

لا شك أنه يعذر الكاتب في تقصيره ، ويرضى منه بميسوره ، ويوسعه العذر ، ويقابله بمزيد الشكر ، وأيم الله إنه لشيء عسير «يضل فيه الخريت» ويحار فيه الحكيم». وقديما اضطربت أفكار المؤرخين في أمره ، كما احتار من بعدهم في قصصه وأخباره ، ففي سبيل الله ما يلاقي الباحث في تاريخ اليمن.

غير أنه لما كان من الواجب المحتم على كل فرد وهبه الله حظا من العلم ، ونصيبا من الادراك ، وقسطا من المعرفة (٢٩٧) القيام بواجب الشكر ، وشكر كل نعمة بحسبها ، وكنت ممن أفنى السنين الطوال ، وشغل فراغ أيامه منذ الحداثة إلى زمن الكهولة ، في البحث والتنقيب والدرس

__________________

(١) وما أصدق ما قال الكاتب الكبير الأمير شكيب ارسلان في مقدمة كتابه تاريخ غزوات العرب في هذا الشأن ، ولا ينبئك مثل خبير ، قال : «ولعمري ان هذا التاريخ المجيد وإن سقته سيول المحابر ، واخضرت له أعواد المنابر ، وسبقت فيه تآليف استولى اصحابها على الأمد اخراجا ، ولمعت فيه كتب لو لاحت لكانت بروجا ، ولو نضدت لكانت ابراجا ، لا تزال فيه نواقص بادية العوار ، ومعالم طامة الآثار ، ومظان متوارية غامضة ، ومعلومات قاعدة غير ناهضة تحتاج إلى همم بعيدة من الأفواج الآتية ليثيروا من دفائنها ومعارف واسعة عند السلائل للقبلة ليتقلوا من كنائنها).

٢٠