رسالة في حديث عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين

السيّد علي الحسيني الميلاني

رسالة في حديث عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢

١
٢

٣
٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين ، من الأولين والآخرين ...

وبعد ،

فهذه رسالة أخرى كتبتها حول حديث آخر ...

أنه حديث في وجوب إطاعة الأمراء واتباع سنة الخلفاء الراشدين وإن كانت السنة والإمارة على خلاف الموازين ...

أخرجوه في غير واحدٍ من أهم أسفارهم ، وجعله غير واحد منهم من أصحّ أخبارهم ...

ثمّ اتخذوه مستنداً لتبرير أُمورٍ وأحكامٍ سابقة ، ومستمسكاً لأعمالٍ وقضايا لاحقة ...

لقد بحثت عن هذا الحديث بحثاً شاملاً ، وحققته تحقيقاً كاملاً ، فجاء ت رسالة نافعة للمحققين ، لا تخفى فوائدها على الباحثين ... فإليهم أقدّم هذا الجهد ، والله من وراء القصد.

٥
٦

(١)

مخرّجو الحديث وأسانيده

رواية الترمذي :

أخرج الترمذي قائلاً :

« (١) حدّثنا علي بن حجر ، حدّثنا بقيّة بن الوليد ، عن بحير بن سعيد ، عن خالد بن معدان ، عن عبدالرحمن بن عمرو السلمي ، عن العرباض بن سارية ، قال :

وعظنا رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم يوماً بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ، ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب. فقال رجل : إن هذه موعظة مودّعٍ ، فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟

قال : أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة وإن عبد حبشي ، فإنه من يعش منكم يرى اختلافاً كثيراً ، وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة ، فمن أدرك ذلك منكم فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديّين ، عضّوا عليها بالنواجذ.

قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح.

وقد روى ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان ، عن عبدالرحمن بن عمرو السلمي ، عن العرباض بن سارية ، عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلّم نحو هذا ، حدثنا بذلك :

(٢) الحسن بن علي الخلاّل وغير واحد ، قالوا : حدثنا أبو عاصم ، عن ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان ، عن عبدالرحمن بن عمرو السلمي ، عن العرباض بن سارية ، عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلّم ، نحوه.

والعرباض بن سارية يكنى : أبا نجيح.

(٣) وقد روي هذا الحديث عن حجر بن حجر ، عن عرباض بن سارية ، عن

٧

إلنبي صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ، نحوه » (١).

رواية أبي داود :

وأخرج أبو داود قائلاً :

« حدثنا أحمد بن حنبل ، ثنا الوليد بن مسلم ، ثنا ثور بن يزيد ، قال : حدثني خالد بن معدان ، قال : حدثني عبدالرحمن بن عمرو السلمي وحجر بن حجر ، قالا :

أتينا العرباض بن سارية ـ وهو ممن نزل فيه : ( ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه ) ـ فسلّمنا وقلنا : اتيناك زائرين وعائدين ومقتبسين. فقال العرباض :

صلى بنا رسول الله صلى الله عليه [واله] وسلم ذات يوم ، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب. فقال قائل : يا رسول الله ، كأنّ هذا موعظة مودع ، فماذا تعهد إلينا؟

فقال : أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وان عبدّ حبشي ، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين ، تمسّكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وايّاكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة » (٢).

رواية ابن ماجة :

وأخرج ابن ماجة قائلاً :

« (١) حدثنا عبدالله بن أحمد بن بشير بن ذكوان الدمشقي ، ثنا الوليد بن مسلم ، ثنا عبدالله بن العلاء ـ يعني ابن زبر ـ ، حدثني يحيى بن أبي المطاع ،

__________________

(١) صحيح الترمذي ٥ / ٤٤ ـ ٤٥ باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع.

(٢) سنن ابي داود ٢ / ٢٦١ باب في لزوم السُنّة.

٨

قال : سمعت العرباض بن سارية يقول :

قام فينا رسول الله صلى الله عليه [واله] وسلّم ذات يوم ، فوعظنا موعظة بليغة وجلت منها القلوب ، وذرفت منها العيون. فقيل : يا رسول الله ، وعظتنا موعظة مودّع فاعهد إلينا بعهد.

فقال : عليكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة وان عبداً حبشياً ، وسترون من بعدي اختلافاً شديداً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضّوا عليها بالنواجذ ، وايّاكم والأمور المحدثات ، فإن كل بدعة ضلالة.

(٢) حدّثنا إسماعيل بن بشر بن منصور واسحاق بن إبراهيم السواق ، قالا : ثنا عبدالرحمن بن مهديّ ، عن معاوية بن صالح ، عن ضمرة بن حبيب ، عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي ، انه سمع العرباض بن سارية يقول :

وعظنا رسول الله صلى الله عليه [واله] وسلم موعظة ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب. فقلنا : يا رسول الله ، إن هذه لموعظة مودع ، فماذا تعهد إلينا؟

قال : قد تركتكم على البيضاء ، ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ، من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضوا عليها بالنواجذ ، وعليكم بالطاعة وإن عبداً حبشياً ، فإنما المؤمن كالجمل الأنف حينما قيد انقاد.

(٣) حدثنا يحيى بن حكيم ، ثنا عبدالملك بن الصباح المسمعي ، ثنا ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان ، عن عبدالرحمن بن عمرو ، عن العرباض بن سارية ، قال :

صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه [واله] وسلم صلاة الصبح ، ثم أقبل علينا بوجهه ، فوعظنا موعظة بليغة. فذكر نحوه » (١).

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ / ١٥ ـ ١٧ باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديّين.

٩

رواية أحمد :

وجاء في مسند أحمد :

« (١) حدثنا عبدالله ، حدثني أبي ، ثنا عبدالرحمن بن مهدي ، ثنا معاوية ـ يعني ابن صالح ـ ، عن ضمرة بن حبيب ، عن عبدالرحمن بن عمرو السلمي ، أنه سمع العرباض بن سارية ، قال :

وعظنا رسول الله صلى الله عليه [واله] وسلم موعظة ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب. قلنا : يا رسول الله ، إن هذه لموعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟

قال : قد تركتكم على البيضاء ، ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ، ومن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، وعليكم بالطاعة وإن عبداً حبشياً ، عضوا عليها بالنواجذ ، فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما انقيد إنقاد »

(٢) حدثنا عبدالله ، حدثني أبي ، ثنا الضحاك بن مخلد ، عن ثور ، عن خالد بن معدان ، عن عبدالرحمن بن عمرو السلمي ، عن عرباض بن سارية ، قال :

صلّى لنا رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم الفجر ، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت لها الأعين ، ووجلت منها القلوب. قلنا ـ أو قالوا ـ : يا رسول الله ، كأنّ هذه موعظة مودع فأوصنا.

قال : أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة وإن كان عبداً حبشياً ، فإنه من يعش منكم يرى بعدي اختلافا كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وإن كل بدعة ضلالة.

(٣) حدثنا عبدالله ، حدثني أبي ، ثنا الوليد بن مسلم ، ثنا ثور بن يزيد ، ثنا خالد ابن معدان ، قال : ثنا عبدالرحمن بن عمرو السلمي وحجر بن حجر ، قالا :

أتينا العرباض بن سارية ـ وهو ممن نزل فيه : ( ولا على الذين إذا ما أتوك

١٠

لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه ) ـ فسلّمنا وقلنا : أتيناك زائرين وعائدين ومقتبسين. فقال عرباض :

صلى بنا رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم الصبح ذات يومٍ ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب. فقال قائل : يا رسول الله ، كأن هذه موعظة مودّع ، فماذا تعهد إلينا؟

فقال : أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة وإن كان عبداً حبشياً ، فإنّه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة.

(٤) حدّثنا عبدالله ، حدّثني أبي ، ثنا حياة بن شريح ، ثنا بقية ، حدثني بحير بن سعيد ، عن خالد بن معدان ، عن ابن أبي بلال ، عن عرباض بن سارية ، أنه حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم وعظهم يوماً بعد صلاة الغداة. فذكره

(٥) حدّثنا عبدالله ، حدثني أبي ، حدثنا إسماعيل ، عن هشام الدستوائي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث ، عن خالد بن معدان ، عن ابن أبي بلال ، عن العرباض بن سارية ، أنه حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وعظهم يوماً بعد صلاة الغداة. فذكره » (١)

رواية الحاكم

وأخرج الحاكم قائلاً :

« (١) حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا العباس بن محمد الدوري ، ثنا أبو عاصم ، ثنا ثور بن يزيد ، ثنا خالد بن معدان ، عن عبدالرحمن بن عمرو السلمي ، عن العرباض بن سارية ، قال :

__________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ٤ / ١٢٦.

١١

صلى لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلاة الصبح ، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة وجلت منها القلوب ، وذرفت منها العيون ، فقلنا : يا رسول الله ، كأنها موعظة مودّع فأوصنا.

قال : أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة وإن أُمّر عليكم عبد حبشي. فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلالة.

هذا حديث صحيح ليس له علّة.

وقد احتجّ البخاري بعبد الرحمن بن عمرو وثور بن يزيد ، وروى هذا الحديث في أول كتاب الاعتصام بالسنة.

والّذي عندي أنهما ـ رحمهما الله ـ توهّما أنه ليس له راوٍ عن خالد بن معدان غير ثور بن يزيد ، وقد رواه محمد بن إبراهيم بن الحارث المخرج حديثه في الصحيحين عن خالد بن معدان.

(٢) حدثنا أبو عبدالله الحسين بن الحسن بن أيوب ، ثنا أبو حاتم محمد بن إدريس الحنظلي ، ثنا عبدالله بن يوسف التنيسي ، ثنا الليث ، عن يزيد بن الهاد ، عن محمد بن إبراهيم. عن خالد بن معدان ، عن عبدالرحمن بن عمرو ، عن العرباض بن سارية ـ من بني سليم ، من أهل الصفة ـ قال :

خرج علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً فقام فوعظ الناس ورغبهم وحذرهم وقال ما شاء الله أن يقول.

ثم قال : اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ، وأطيعوا من ولاه الله أمركم ، ولا تنازعوا الأمر أهله ولو كان عبداً أسود ، وعليكم بما تعرفون من سنة نبيكم والخلفاء الراشدين المهديين ، وعضوا على نواجذكم بالحقّ.

هذا إسناد صحيح على شرطهما جميعاً ، ولا أعرف له علّةً.

وقد تابع ضمرة بن حبيب خالد بن معدان على رواية هذا الحديث عن عبدالرحمن بن عمرو السلمي.

١٢

(٣) حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد العنبري ، ثنا عثمان بن سعيد الدارمي. وأخبرنا أبو بكر محمد بن المؤمل ، ثنا الفضل بن محمد ، قالا : ثنا أبو صالح ، عن معاوية بن صالح.

وأخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر القطيعي ، ثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل ، حدّثني أبي ، ثنا عبدالرحمن ـ يعني ابن مهدي ـ ، عن معاوية بن صالح.

عن ضمرة بن حبيب ، عن عبدالرحمن بن عمرو السلمي ، أنه سمع العرباض ابن سارية قال :

وعظنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم موعظة ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب. فقلنا يا رسول الله ، إن هذا لموعظة مودّعٍ فماذا تعهد إلينا؟

قال : قد تركتكم على البيضاء ، ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ، ومن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء المهديّين الراشدين من بعدي ، وعليكم بالطاعة وإن عبداً حبشياً ، عضوا عليها بالنواجذ.

فكان أسد بن وداعة يزيد في هذا الحديث : فإن المؤمن كالجمل الأنف حيث ما قيد انقاد.

وقد تابع عبدالرحمن بن عمرو على روايته عن العرباض بن سارية ثلاثة من الثقات الأثبات من أئمة أهل الشام :

منهم : حجر بن حجر الكلاعي :

(٤) حدثنا أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري ، ثنا أبو عبدالله محمد بن إبرإهيم العبدي ، ثنا موسى بن أيوب النصيبي وصفوان بن صالح الدمشقي ، قالا : ثنا الوليد ابن مسلم الدمشقي ، ثنا ثور بن يزيد ، حدثني خالد بن معدان ، حدّثني عبدالرحمن بن عمرو السلمي ، وحجر بن حجر الكلاعي ، قالا :

أتينا العرباض بن سارية ـ وهو ممن نزل فيه : ( ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألاّ

١٣

يجدوا ما يننقون ) ـ فسلّمنا وقلنا : أتيناك زائرين ومقتبسين.

فقال العرباض :

صلى بنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصبح ذات يوم ، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب. فقال قائل : يا رسول الله ، كأنها موعظة مودعٍ فما تعهد إلينا؟

فقال : أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة وإن كان عبداً حبشياً ، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة.

ومنهم : يحيى بن أبي المطاع القرشي :

(٥) حدثنا أبوالعباس محمد بن يعقوب ، ثنا أحمد بن عيسى بن زيد التنيسي ، ثنا عمرو بن أبي سلمة التنيسي ، أنبأ عبدالله بن العلاء بن زيد (١) ، عن يحيى بن أبي المطاع ، قال : سمعت العرباض بن سارية السلمي يقول :

قام فينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات غداة فوعظنا موعظة وجلت منها القلوب ، وذرفت منها الأعين. قال : فقلنا : يا رسول الله ، قد وعظتنا موعظة مودع فاعهد إلينا.

قال : عليكم بتقوى الله ـ أظنه قال : والسمع والطاعة ـ ، وسترى من بعدي اختلافاً شديداً ـ أو : كثيراً ـ ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين ، عضّوا عليها بالنواجذ ، وإيّاكم والمحدثات ، فإن كل بدعة ضلالة.

ومنهم : معبد بن عبدالله بن هشام القرشي :

وليس الطريق إليه من شرط هذا الكتاب ، فتركته.

وقد استقصيت في تصحيح هذا الحديث بعض الاستقصاء على ما أدّى إليه

__________________

(١) كذا والصحيح : زبر.

١٤

اجتهادي ، وكنت فيه كما قال إمام أئمة الحديث شعبة ـ في حديث عبدالله بن عطاء ، عن عقبة بن عامر ، لمّا طلبه بالبصرة والكوفة والمدينة ومكّة ، ثمّ عاد الحديث إلى شهر ابن حوشب فتركه ، ثم قال شعبةـ :

لئن يصحّ لي مثل هذا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان أحب إلي من والديّ وولدي والناس أجمعين.

وقد صح هذا الحديث ، والحمد لله ، وصلى الله على محمد وآله أجمعين » (١).

* * *

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين ١ / ٩٦.

١٥

(٢)

نظرات في أسانيده

نقاط حول السند والدلالة :

كانت تلك أسانيد هذا الحديث وطرقه في أهم كتب الحديث وجوامعه ، ولا بدّ قبل الورود في النظر في أحوال رجال الأسانيد والرواة أن نشير بإيجاز إلى نكاتٍ جديرة بالانتباه إليها ...

١ ـ إن هذا الحديث يكذبه واقع الحال بين الصحابة أنفسهم ، فلقد وجدناهم كثيراً مّا يخالفون سنة أبي بكر وعمر ، والمفروض أنهما من الخلفاء الراشدين ، بل لقد خالف الثاني منهما الاول في أكثر من مورد!! فلو كان هذا الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حقاً لما وقعت تلك الخلافات والمخالفات ...

هذا ما ذكره جماعة ... وعل أساسه أوّلوا الحديث ، وقد نص بعضهم كشارح مسلم الثبوت (١) على ضرورة تأويله ...

قلت : لكن هذا إنما يضطر إليه فيما لو كان الأصحاب ملتزمين بإطاعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومنقادين لأوامره ونواهيه .. ولكن ...

٢ ـ إن هذا الحديث بجميع طرقه وأسانيده ينتهي إلى « العرباض بن سارية السلمي » فهو الراوي الوحيد له ... وهذا مّما يورث الشك في صدوره ... لأن الحديث كان في المسجد ... وكان بعد الصلاة .. وكان موعظة بليغة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .. ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب ... ثم طلب منه أن يعهد إلى الأمة .. فقال ..

__________________

(١) فواتح الرحموت في شرح مسلّم الثبوت ٢ / ٢٣١.

١٦

فكيف لم يروه إلآ العرباض؟! ولم لم يرووه إلا عن العرباض؟!

٣ ـ إن هذا الحديث إنما حدّث به في الشام ، وإنما تناقله وروجه أهل الشام! وأكثر رواته من أهل حمص بالخصوص ، وهم من أنصار معاوية وأشد أعداء علي أمير المؤمنين عليه‌السلام (١).

فبالنظر إلى هذه الناحية ، لا سيما مع ضمّ النظر في متن الحديث إليه ، لا يبقى وثوق بصدور هذا الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إذ كيف يوثق بحديث يرويه حمصي عن حمصي عن حمصي!! .. ولا يوجد عند غيرهم من حملة الحديث والاثر علم به؟! وأهل الشام قاطبة غير متحرجين من الافتعال لما ينتهي إلى تشييد سلطان معاوية أو الحطّ مّمن خالفه!

٤ ـ إن هذا الحديث مما أعرض عنه البخاري ومسلم ، وكذا النسائي من أصحاب السنن ... وقد بنى غير واحد من العلماء الكبار من أهل السنة على عدم الاعتناء بحديث اتفق الشيخان على الإعراض عنه ، وإن اتفق أرباب السنن على إخراجه والعناية به ...

قال ابن تيمية بجواب حديث افتراق الأمة على ثلاث وسبعين فرقة :

« هذا الحديث ليس في الصحيحين ، بل قد طعن فيه بعض أهل الحديث كابن حزم وغيره ، ولكن قد أورده أهل السنن كأبي داود والترمذي وابن ماجة ، ورواه أهل المسانيد كالإمام أحمد » (٢).

قلت : ومن عجيب الاتفاق أن حديث « عليكم بسنتي ... » كذلك تماماً ، فإنه « ليس في الصحيحين ، بل قدطعن فيه بعض أهل الحديث ـ كأبن القطّان ـ ولكن قد أورده أهل السنن كأبي داود والترمذي وابن ماجة ، ورواه أهل المسانيد كالإمام أحمد »

بل إنهم بنوا على طرح الخبر إن أعرض عنه البخاري وإن أخرجه مسلم ..

__________________

(١) أنظر كلمة ياقوت عن أهل حمص في معجم البلدان ٢ / ٣٠٤.

(٢) منهاج السنة ٢ / ١٠٢.

١٧

وهذا ما نصّ عليه ابن القيّم .. وسننقل عبارته ... في الفصل اللاحق. وقد جاء في آخرها : « ولو صحّ عنده لم يصبر عن إخراجه والاحتجاج به ».

قلت : فكذا حديثنا .. فلو مح عنده لم يصبر عن إخراجه والاحتجاج به ... كيف وقد تبعه مسلم .. وهو بمرأى ومشهد منهما؟!

ثم جاء الحاكم النيسابوري ... فأراد توجيه إعراضهما عنه بأنهما « توهّما ... » ، أي : إن إعراضهما موهن ، ولكنهما توهما ... ولولا ذلك لأخرجاه ...

وسنرى أن الحاكم هو المتوهم ...

٥ ـ « ثم إن المخرجين له ... منهم من صححه كالترمذي والحاكم ، ومنهم من سكت عنه كأبي داود ، ومنهم من عده في الحسان كالبغوي (١) ومنهم من حكم عليه بالبطلان كابن القطّان ...

ترجمة العرباض بن سارية الحمصي (٢) :

وبعد ، فلننظر في ترجمة الراوي الوحيد لهذا الحديث ، وهو الصحابي « العرباض ابن سارية » :

كان من أهل الصفة ، سكن الشام (٣) ، ونزل حمص (٤). لم يرو عنه الشيخان ، وإنما ورد حديثه في السنن الأربعة (٥) ، مات سنة ٧٥ (٦).

كان يدعى أنه ربع الإسلام ، وهو كذب بلا ريب .. وكان عمرو بن عتبة أيضاً يدعي ذلك ، قال محمد بن عوف : « كل واحد من العرباض بن سارية وعمرو بن عتبة

__________________

(١) مصابيح السنة ١ / ١٥٩.

(٢) تاريخ دمشق ١١ / ٥٣١.

(٣) الاستيعا ب ٣ / ١٢٣٨.

(٤) الإصابة ٢ / ٤٤٧ ، تحفة الاحوذي ٧ / ٤٣٨.

(٥) الإصابة ٢ / ٤٤٧٤ ، تهذيب التهذيب ٧ / ١٥٧.

(٦) الإصابة ٢ / ٤٤٧ ، تهذيب التهذيب ٧ / ١٥٨.

١٨

يقول : أنا ربع الإسلام ، لا ندري إيهما اسلم قبل صاحبه؟! » (١).

وكان يقول : « عتبة خير مني سبقني إلى النبي بسنة ».

وهذا كذب كذلك ، وقد رواه أبناء عساكر والأثير وحجر ... بالإسناد عن عبدالله بن أحمد ، عن أبيه ، بسنده عن شريح بن عبد ، قال :

« كان عتبة يقول : عرباض خير مني وعرباض يقول : عتبة خير مني سبقني إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسنة » (٢).

والذي يبين كذبه بوضوح ما رواه ابن الاثير بترجمة عتبة بسنده إلى شريح ، قال :

« قال عتبة بن عبد السلمي : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أتاه رجل وله الأسم لا يحبه حوّله. ولقد أتيناه وإنا لسبعة من بني سليم أكبرنا العرباض بن سارية ، فبايعناه جميعا » (٣).

ومن جملة أكاذيبه ما أخرجه أحمد ، قال :

« ثنا عبدالرحمن بن مهدي ، عن معاوية ـ يعني ابن صالح ـ ، عن يونس بن سيف ، عن الحارث بن زياد ، عن أبي رهم ، عن العرباض بن سارية السلمي ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وهو يدعونا إلى السحور في شهر رمضان : هلمّوا إلى الغذاء المبارك. ثم سمعته يقول : اللهم علّم معاوية الكتاب والحساب وته العذاب » (٤).

فإنه ـ وإن اكتفى ابن القطّان بتضعيفه (٥) ـ كذب بلا ارتياب ... وإلأ لأخرج في الصحاح وغيرها وعقد به لمناقب معاوية باب ... إنه حديث تكذبه الوقائع والحقائق ،

__________________

(١) تاريخ دمشق ١١ / ٥٣٢ ، تهذيب التهذيب ٧ / ١٧٤.

(٢) تاريخ دمشق ١١ / ٥٣٤ ، أسد الغابة ٣ / ٣٦٢ ، الإصابة ٢ / ٤٤٧.

(٣) اُسد الغابة ٣ / ٣٦٢.

(٤) مسند أحمد ٤ / ١٢٧.

(٥) المغنى عن حمل الأسفارـ هامش إحياء العلوم ـ ١ / ٣٧.

١٩

والبراهين والوثائق ... إنه حديث تكذبه الأدلة المحكمة من الكتاب والسنة المتقنة ، القائمة بتحريم ما استباحه معاوية من قتل للنفوس ، وتبديل للأحكام ، وارتكاب للمحرمات القطعية كبيع الخمر والأصنام ، وشرب للخمر وأكل للربا ... وغير ذلك مما لايحصى ...

لكن الرجل سكن بلاد الشام ، ونزل حمص بلد النواصب اللئام ... وفي ظروف راجت فيها الأكاذيب والافتراءات ... فجعل يتقوّل على الله والرسول التقولات ، تزلّفاً إلى الحكام ، وطمعاً في الحطام.

* ثم إن رواة هذا الحديث عن « العرباض بن سارية » هم :

١ ـ عبدالرحمن بن عمرو السلمي.

٢ ـ حجر بن حجر.

٣ ـ يحيى بن أبي المطاع.

٤ ـ معبد بن عبدالله بن هشام.

أمّا الرابع فلم أجده إلآ عند الحاكم حيث قال : « ومنهم : معبد بن عبدالله بن هشام القرشي » ثّم قال : « وليس الطريق إليه من شرط هذا الكتاب فتركته ».

ترجمة يحيى بن أبي المطاع الشامي :

وأمّا الثالث : « يحيى بن أبي المطاع » :

فأولاً : لم يرو عنه إلا ابن ماجة (١).

وثانياً : قال ابن القطّان : « لا أعرف حاله » (٢).

وثالثاً : إنه كان يروي عن العرباض ولم يلقه .. وهذه الرواية من ذلك ...

قال الذهبي : « قد استبعد دحيم لقيه العرباض ، فلعله أرسل عنه ، فهذا في

__________________

(١) تهذيب التهذيب ١١ / ٢٤٥.

(٢) تهذيب التهذيب ١١ / ٢٤٥.

٢٠