بغية الطلب في تاريخ حلب - ج ٨

كمال الدّين عمر بن أحمد بن أبي جرادة الحلبي [ ابن العديم ]

بغية الطلب في تاريخ حلب - ج ٨

المؤلف:

كمال الدّين عمر بن أحمد بن أبي جرادة الحلبي [ ابن العديم ]


المحقق: الدكتور سهيل زكار
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٨

١
٢

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه توفيقي

راجح بن اسماعيل الحلبي : (١)

سمعت راجح بن اسماعيل الحلبي ينشد الملك الظاهر قصيدة يرثي بها الأمير أبا الحسن علي بن الامام الناصر لدين الله أمير المؤمنين ، وقد ورد الخبر الى حلب بوفاته ، وجلس السلطان الملك الظاهر للعزاء فأنشدهم :

أكذا يهد الدهر أطواد الهدى

ويرد بالنكبات شاردة الردى

أكذا تغيب النيرات وينطفي

ما كان من أنوارها متوقدا

يا للرجال لنكبة نبوية طوت

العلى قلبا عليها مكمدا

ولحظة شنعاء لاحظها الهدى

دامي الجفون فغض جفنا أرمدا

لو كنت بالشهباء يوم تواترت

أنباؤها لرأيت يوما أسودا

يوم تزاحمت الملائكة العلى

فيه فعزت عن علي أحمدا

قصدت أمير المؤمنين رزية

عادات وقع سهامها أن تقصدا

هي ضعضعت شم الجبال وأخضعت

من لم يكن لمذلة متعودا

شنت على حرم الخلافة غارة

شعواء غادرت الفخار مطردا

فسقت أبا حسن ثراك صنائع

لك ليس تبرح غاديات عودا

يا طود زلت فزلزلت أرض

 ... أن تتمهدا (٢)

يا ليث من يغني غناءك والظبى

تبكي دما يا غيث من يروي الصدا

__________________

(١) بداية هذه الترجمة مفقودة وجاءت الصفحة الحاوية للقصيدة مطموسة شبه كليا وأمكن تدارك بعض القصيدة من كتاب مفرج الكروب لابن واصل الحموي الجزء الثالث ط. القاهرة ـ دار القلم : ٢٣٠ ـ ٢٣٢ (حوادث سنة ٦١٢ ه‍).

(٢) مطموس بالاصل ولم أجده في مصدر آخر.

٣

يا وحشة المحراب منك اذا دجى

غسق الظلام ولم يجد متعبدا (٢ ـ و)

هذا كتاب الله لم غادرته

من بعد احكام الذي فيه سدى

أسفي لمنتجع وعاف معيل

عدما سحابا منك يمطر عسجدا

تا لله ما ظفر الحمام بمثلها

يوما ولم يمدد إلى أحد يدا

يا دهر لست وإن عرفت بعده

في البغي أول من طغى وتمردا

أحيا بنيك وما عداك تعطف

منه ففيم عليه صرفك قد عدا

تعسا لجدك إذ كففت أنا ملا

يا طالما وكفت (١) ندا وكفت ردا

قال فيها :

ما للامامة أصبحت مفجوعة

بأعزها حسبا وأزكى محتدا

ورث الخلائف علم يوم مصابه

فلأجله اتخذوا الشعار الأسودا

منها :

يا خابط البيداء يحمي يومه

أرق فيرمي بالمطيّ الفدفدا (٢)

لاتحدونّ اليعملات (٣) وخلها

تسري سيغنيها الزفير عن الحدا

ميعاد طرفك بالبكاء متى بدا

علم الحجاز ولاح معتليا كدا (٤)

فهناك صح يا آل هاشم دعوة

تذكي عليلا وتبكيّ جلدا

واقرأ السلام على المشاعر والصفا

واحبس هنالك النعي مرددا

واكتم عن الوفد الحلول مصابه

فالقوم صرعى السير من بعد المدا

وصل السّرى حتى تحل بيثرب

ليلا فعزّ به النبي محمدا

(٢ ـ ظ)

وقل ابن عمك يومه أدناه من

أجل فكن جار الجنان له غدا

واعدل إلى العباس عم المصطفى

إن أنت عاينت البقيبع الغرقدا

وصف المصاب وقل فجعت بدوحة

نبوية كادت تطول الفرقدا

__________________

(١) وكف ربط واغلق.

(٢) الفدفد : الفلاة. القاموس.

(٣) النوق. القاموس.

(٤) موضع قرب مكة. معجم البلدان.

٤

وتركت بالزوراء (١) أهل قيامة

كان النعيم عليهم قد خلدا

صلى الإله على قبور أئمة

ملئت مع الحلم الشجاعة والندا

صبرا أمير المؤمنين فلم تزل

في كل حادثة بصبرك يقتدى

إن السماء تكاد عند مصابكم

تهوي وعقد الشهب أن يتبددا

وامنح غياث الدين صبرا منك لو

أرشدته يوما إليه لاهتدى

فهو الضعيف إذا تلم ملمة

بكم وما زال القويّ تجلدا

واسلم فلا سعت الليالي بعدها

أبدا إليك بما يسر به العدا

أنشدني الأمير شرف الدين راجح بن اسماعيل بن أبي القاسم الحلي لنفسه بحرّان في الملك الأشرف موسى بن أبي بكر بن أيوب ، وذكر لي أنه كان مرض مرضة عظيمة ، وكان هو أيضا مريضا ، فلما أبل الملك الأشرف من مرضه عوفي الحلي أيضا فأنشده مهنئا :

هاجت فنون الهوى ورقاء في فنن

ناهيك من شجر أمرن بالشجن

ناحت وأفياؤها خضر مراتعها

وإلفها عن فروع البان لم يبن

شدت فأصغيت ملتذا بنغمتها

جهلا فماذا لقلبي هجتم يا أذني

(٣ ـ و)

وقفت ما بين ملتّف الأراك وبي

من سجعها أنّة النائي عن الوطن

أبكى وتبكي فلولا أن علا نفسي

فاستيقظ الركب لم يدر الجوى بمن

فبعدها لا أرى بالجزع ذا جزع

على الديار ولا بالحزن ذا حزن

وأنت يا حامل الخطىّ معترضا

لقتل عشاقه خفف عن البدن

صل بالقوام ودع ما أنت حامله

فأين من لدنه فعل القنا اللدن

يا من ثنته شمول من شمائله

فاهتز مثل اهتزاز الذابل اليزني

في فترة الطرف أرسلت العذار فما

هذا التثني الذي يدعو إلى الوثن

علمت إذ قمت للعشاق منتصبا

أن سوف تظهر فيهم دولة الفتن

سل خدك الأحمر القاني أيشعر ما

شعاره فهو خوف الثأر في جنن

__________________

(١) هي بغداد.

٥

من صرف الخمر في عنقود عارضه

واطلع البدر تحت الليل في غصمن؟؟؟

واستبق أسراك من أهل الغرام فقد

طاحت نفوسهم نهبا بلا ثمن

وهات قل لي أزيد الخيل في دمهم

أفتاك بالفتك أم سيف بن ذي يزن

فمل إلى السّلم فالأيام خالية

بصفو ملك بني أيوب من إحن

واشرب على برء موسى من

مشعشعة مشمولة عتقت في الدن من زمن

واطرب على الدولة الغراء مقبلة

تجر ثوب التهاني معلم الردن

حسب الهدى برء فياض الندى كلف

بالمكرمات نقي العرض من درن

لاحت بوارق بشراه فأطربني

ما خلفها من عموم العارض الهتن

(٣ ـ ظ)

بشرى عرفت شذاها الشاذوي (١) وقد

خفيت عن عين عوّادي فلم ترني

جاءت وروحي قد راحت تقسمها

أيدي الردى فأعادتها إلى بدني

منها

ما بعدكم يا بني أيوب منتجع

لطالب الرزق يستعدى على الزمن

وكلتم بالرعايا عين عدلكم فما

درت بعدكم مالذة الوسن

تلاعب بصروف الدهر سطوتكم

تلاعب الريح في الآذي (٢) بالسفن

فالملك بالشرق ممتد الرواق إلى

فسطاط مصر فأقصى الهند فاليمن

وقل لمفتخر بالباس من مضر

وبالسماحة من قيس ومن يمن

دعوا العلى أوفعدوا مثل سؤددهم

هذي المناقب لاقعبان من لبن

ما كل رونق وجه تحته كرم

هيهات قد ينبت المرعى على الدمن

ما يستوي العود مشتدا عريكته

وابن اللبون إذا مالذ في قرن

يا من يطوف به وفد العفاة كما

طاف الحجيج ببيت الله والركن

أجرتني حين جار الدهر معتمدا

جبري فكم منح عوضت من محن

وجدت لي بالذي صرت الغني به

وكنت أجوج من ميت إلى كفن

__________________

(١) أي أيوبي ، فأيوب والد صلاح الدين هو «أيوب بن شاذي».

(٢) الآذي : الموج. القاموس.

٦

أنشدني راجح بن اسماعيل الحلي لنفسه بحرّان يمدح الملك العظم عيسى ابن الملك العادل ، وأنشده إياها بحضرة أخيه الملك الأشرف موسى ، وكان قد جرت بينهما وحشة أو جبت أن الملك المعظم أغرى خوارزم شاه جلال الدين (١) (٤ ـ و) ببلاد أخلاط ، وهي بلاد أخيه الملك الأشرف وأوجب ذلك أن سار الملك الأشرف من الجزيرة إلى دمشق واجتمع بأخيه طمعا في أن تزول الوحشة بينهما ، فاتفق أن ورد الخبر إلى دمشق بنزول خوازم شاه على أخلاط محاصرا لها ، فأنشده هذه القصيدة يعرض فيها بتقريعه على ما فعل ، ويحذره عاقبة الخلاف وذلك في سنة أربع وعشرين وستمائه :

ملكت كما شاء الهوى فتحكمّ

وإلّا ففيم الهجر لي وإلي كم

أخذت توريّ عن دمي أوما

ترى بخديك من أثاره لون عندم (٢)

ولو جحدت عيناك قتلي وأنكرت

أقر به خط العزار المتمم

أيحسن أن تمشي من الحسن مثريا

وتمنع من ماعونه فقر معدم

وفوق يواقيت الشفاه زبرجد

نقشت به أفراد در منظم

فما لي إذا حاولت منك التفاتة

احلت على تمويه طيف مسلم

وهبني أرضى بالخيال وزوره

فمن لي إذ تجفو بجفن مهوم

وبي حرق بين الجوانح كلما

خلت منك عيدان الأراك بميسم

تحدّث عن برد الثنايا نسيمها

فيا طيب ما أداه عن ذلك الفم

فظلت نشاوي مورقات غصونها

تثنى وباتت ورقها في ترنم

لي الله من غصن وريق ومبسم

وريق حماه اللحظ عن ورد حوم

فيا شغلي بالفارغ القلب والحشا

أطلت شقائي بالغزال المنعم

(٤ ـ ظ)

وعيس رحلناها قسيا فأرقلت

الى غرض الآمال منا بأسهم

تظل الثنايا مدميات نحورها

فتقتص أيديهن من أنف مخرم

__________________

(١) جلال الدين منكبرتي خلف أباه في حكم واحة خوارزم والتصدي للمغول ، واضطر الى القدوم الى منطقة خلاط وأعالي الجزيرة ، وخلاط ما تزال تحمل الاسم نفسه في تركية على مقربة من بحيرة وان.

(٢) العندم : دم الاخوين او البقم. القاموس.

٧

وزنجي ليل بات رومي ثلجه

أغرّيريني منه تحجيل أدهم

تدرعته لما دجا وضريبه

إذا ضربته الريح لم أتلثم

وفي شعب الأكوار أبناء مطلب

شعارهم توشيع شعر منمنم

هداهم غلام من خزيمة عالم

ملئ بأعمال المطيّ المخزّم

جنبنا المذاكي وامتطينا الى العلى

نجائب من نسل الجديل وشدقم

فكم من هلال فوق بدر تريكه

إذا هي ألقت حافرا فوق منسم

تيممن أرض الغوطتين فلم تمل

بنا العيس عن أبواب عيسى المعظم

الى شرف الدين انبرت في برنيها

حراجيج (١) قد أدمين كل مخدّم

الى ملك من دوحة شاذويه

تفيء على ورد من الجود مفعم

الى طود حلم ثابت الهضب شامخ

الى بحر علم زاخر اللج خضرم

الى من كأن اللائذين بظله

من الأمن ما بين الحطيم وزمزم

الى مخبت (٢) يغضي حياء ودمعه

يصيخ فيرضى دعوة المتظلم

الى كعبة تدعو بحي على الهدى

وتلبس أثواب الندى كل محرم

تريه وجوه الغيب مرآة فكره

فتؤمنه من كل ظن مرجّم

ويغشى غمار الموت في كل معرك

يراع له قلب الخميس العرمرم

(ه ـ و)

ويطربه خلع النفوس على القنا

إذا رنحت أعطافها حمرة الدم

له نشوة في الجود ليست لحاتم

وشنشنة في المجد ليست لأخزم (٣)

فيا من له يوم النوال أنامل

إليها الغيوث المستهلة تنتمي

سحبن الندى في كل قطر كأنما

أغرن على نؤي سماك ومرزم (٤)

__________________

(١) أي في حملها نوق ضامرة. القاموس.

(٢) أخبت : خشع. القاموس.

(٣) الشنشنة : السجية والطبيعة ، وقال عمر رضي الله عنه لابن عباس رضي الله عنهما : شنشنة أعرفها من اخزم : أي فيه شبه من أبيه في الرأي والحزم والذكاء.

النهاية لابن الاثير.

(٤) نوء السماك أربعة أيام في نيسان بمطره يزكو الزرع ، ويطول الكلأ ، أرزم الرعد أشتد صوته ، والشتاء رزمة : برد وبه سمي نوء الرزم. انظر الازمنة والانواء لابن الاجدابي ـ ط. دمشق ١٩٦٤ : ١٥٥. القاموس.

٨

أعيذ علاكم أن يباح لملككم

حمى وبكم غرّ الممالك تحتمي

فسفح خلاط قاسيون وتركها

تقلّد طوق العار جيد المقطّم

فقد أنف الجفني من عار لطمة

فباع بعزّ الكفر ذلة مسلم

وجرّ على عبس وأشجع حتفها

مغار دريد بعد طعنة زهدم

وصبّح في جوّ اليمامة حاجب

بأشام يوم عابس حيّ أشأم

وما مات من نجىّ الضغائن هلكة

وأبقى جميل الذكر كابن مكدم

أبت لكم آباء صدق نمتكم

تخيل ضغن يقتضي نقض مبرم

فقد جر قبح الغدر مصرع مالك

فما رده ترصيع شعر يشأم

نصيحة عبد عاش في ظل ملككم

تقابله بالنجح أوجه أنعم

نداك به نادى فجاء مرخما

وان كان أصل الوضع غير مرخم

يعني أن راجح إذا رخمته حذفت الحاء فصار راج.

فدونكها أحلى من الامن موقعا

وأطيب من شوق إلي قلب مغرم

إذا حدّثت أبياتها عن علاكم

غدت أم أوفى دمية لم تكلم

(ه ـ ظ)

قال راجح : فسر الملك الاشرف بهذه ، وحنق عليّ الملك المعظم بسببها ، فلما خرجنا من المجلس استدعاني الملك الاشرف وقال لي : والله شفيت قلبي في هذا اليوم ، وأما الملك المعظم فانه أسرّ ذلك في نفسه حتى خرج الملك الاشرف من دمشق وخرجت عقب خروجه ، وقبض على أخي وجعل له حجة وحبسه فبقى في السجن سنة.

أخبرني بعض الاصدقاء أن راجح الحلي توفي بدمشق في يوم الخميس الخامس والعشرين من شعبان سنة سبع وعشرين وستمائة.

وأنبأنا الحافظ عبد العظيم بن عبد القوي المنذري قال : وفي ليلة السابع والعشرين من شعبان ـ يعني ـ من سنة سبع وعشرين وستمائة توفي الشيخ الاديب أبو الوفاء راجح بن اسماعيل بن أبي القاسم الاسدي الحلي الشاعر المنعوت بالشرف

٩

بدمشق ، مدح جماعة من الملوك وغيرهم بمصر والشام والجزيرة وحدث بشيء من شعره بحلب وحرّان وغيرهما (١).

راجح بن الحسين :

 ـ وقيل الحسن ـ بن عتاب بن عتاب أبو الحسن النشائي منسوب الى النشاء المعمول من الحنطة ، حدث بحلب عن محمد بن خلف بن صالح التيمي ومحمد بن كثير البصري. روى عنه الحافظ أبو بكر محمد بن الحسين بن صالح السبيعي وأبو الحسن علي بن محمد بن اسماعيل الطوسي.

أخبرنا عمي أبو غانم بن هبة الله بن محمد بن أبي جرادة والشيخ أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الاسدي ، وابنه القاضي أبو عبد الله محمد (٦ ـ و) ابن عبد الرحمن وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن الطرطوسي الحلبيون بها قالوا : أخبرنا أبو سالم أحمد بن عبد القاهر بن الموصول الحلبي بها قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن محمد بن أبي جرادة الحلبي ـ بها ـ قال : حدثني أبو الفتح عبد الله بن اسماعيل بن الجليّ الحلبي بها قال : أخبرنا الشيخ الزاهد أبو عبيد الله عبد الرزاق بن عبد السلام بن أبي نمير العابد الحلبي بها قال : حدثنا أبو الحسن الراجح بن الحسين بن عتاب بن عتاب النشائي بحلب قال : حدثني محمد بن خلف بن صالح التيمي بكناسة الكوفة قال : حدثني سليمان الاعمش قال : بعث إليّ أبو جعفر المنصور في الليل ، فقلت في نفسي ما وجه إليّ في هذا الوقت إلّا وهو يريد أن يسألني عن فضائل علي بن أبي طالب عليه السلام ، وذكر الحديث وقال فيه عن المنصور قال : حدثني أبي عن جدي قال : كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقبلت فاطمة باكية فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما يبكيك يا بنية؟ قالت : يا رسول الله عيرنني نساء قريش وزعمن أنك زوجتني معد ما لا مال له ، فقال لها رسول الله : والذي بعثني بالحق نبيا يا بنية ما زوجتك حتى زوجك الله من فوق عرشه وأشهد على ذلك جبريل وميكائيل (٢).

__________________

(١) ليس بالمطبوع من كتاب التكملة لو فيات النقلة.

(٢) انظر كنز العمال : ١١ / ٣٢٩٢٨.

١٠

راجح بن أبي بكر بن ابراهيم بن محمد :

أبو الوفاء العبدري القرشي الميورقي ، شيخ حسن صالح من أهل ميورقه (١) قدم الشام ونزل حماة فاتفق يوما أن (٦ ـ و) رأى صاحبها الملك المظفر محمود ابن محمد بن عمر بن شاهانشاه بن أيوب (٢) وهو يشرب في مركب في العاصي ، فباداه : أما تخاف من الله؟ فنزل إليه وضربه وهو سكران ضربا مبرحا ، فلما أفاق ندم على ذلك واعتذر وخرج راجح من حماة ، وقدم علينا حلب وأقام بها مدة وتأهل بها ، وصار له بها حرمة وافرة ورتب شيخا في الخانقاة التي وقفها قاضي القضاة أبو المحاسن يوسف بن رافع بن تميم ، ثم إنه رتّب بعد ذلك شيخا في خانقاه ابن المقدم (٣) بحلب ، ثم عزل عنها ورتب له معلوم على مصالح المسلمين الى أن كسر التتار ملك الروم غياث (٤) الدين فخاف من التتار ، وخرج من حلب في سنة إحدى وأربعين وستمائة وتوجه إلى الديار المصرية ورافقته من دمشق إلى مصر وكنت إذ ذاك قد سيرت رسولا إلى مصر فحدثني ببيسان بشيء من الحديث عن أبي زكريا يحيى بن علي بن موسى المغيلي بعد مشاهدة سماعه عليه بموطأ يحيى بن يحيى ، وأخبرني أنه سمع من محمد بن احمد بن خير ، وسألته عن مولده فقال : بميورقة في سنة ثمان وسبعين في آخرها أو أوائل سنة تسع وسبعين وخمسمائة ولم يبق صاحب حماه الملك المظفر بعد ضربه إلّا مدة يسيرة وفلج وبطلت حركته ودام مفلوجا إلى أن مات.

أخبرنا مخلص الدين أبو الوفاء راجح بن أبي بكر بن إبراهيم بن محمد العبدري القرشي المتوفي ببيسان قال : أخبرنا أبو زكريا يحيى بن علي بن موسى

__________________

(١) من جزر الاندلس.

(٢). ٦٢٧ ـ ٦٤٢ ه‍ / ١٢٢٩ ـ ١٢٤٤ م.

(٣) انشأها عبد الملك المقدم بدرب الحطابين سنة أربع وأربعين وخمسمائة.

الاعلاق الخطيرة ـ قسم حلب ص ٩٤.

(٤) من سلاجقة الروم ، غياث الدين كيخسرو الثاني ٦٣٤ ـ ٦٤٤ ه‍ / ١٢٣٧ ـ ١٢٤٦ م.

١١

المغيلي قال : أخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي القيسي عرف بابن الرّمامة قال : حدثنا أبو بحر سفيان (٧ ـ و) بن العاصي الأسدي قال : حدثنا أبو عمر يوسف بن عبد البرقال : حدثني أبو عثمان سعد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن وضّاح قال : حدثنا يحيى بن يحيى عن مالك ، قال أبو عمر ابن عبد البر : وحدثني أبو الفضل أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن التاهرتي البزاز قال : أخبرنا أبو عبد الملك محمد بن عبد الله بن أبي دليم عن أبي الحرم وهب ابن ميسرة قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا يحيى بن يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت : إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي الصبح فينصرف النساء متلففات بمروطهن ما يعرفن من الغلس (١).

توفي الشيخ راجح بن أبي بكر الميورقي في شوال سنة ثلاث وأربعين وستمائة بمكة شرفها الله ودفن بالمعلا (٢) ، أخبرني بذلك عبد المؤمن بن خلف الدمياطي.

***

__________________

(١) الموطأ ص ١٤ (٣).

(٢) موضع بالحجاز. معجم البلدان.

١٢

ذكر من اسمه راشد

راشد بن سعد المقراني :

ويقال الحبراني الحمصي شهد صفين مع معاوية بن أبي سفيان ، وحدث عنه وعن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبي أمامة الباهلي وعمرو بن العاص ، وأبي الدرداء ويعلي بن مرة ، وعبد الله بن بشر المازني ، والمقدام بن معد يكرب وعبد الله بن نجي الهمداني ، وعتبة بن عبد السلمي ، وعبد الرحمن بن عائذ الثمالي وجبله بن الأزرق وعبد الرحمن بن قتاده وحمزه بن عبد كلال.

(٧ ـ ظ).

روى عنه حريز بن عثمان الرحبي وثور بن يزيد الكلاعي ، ومحمد بن الوليد الزبيدي ، ومعاوية بن صالح الحضرمي ، وأبو ضمرة محمد بن سليمان بن أبي ضمرة السلمي ، وبكير بن عبد الله بن أبي مريم ، والمقراني منسوب إلى بطن بن حمير وكذلك الحبراني أيضا.

أخبرنا أبو علي حسن بن أحمد بن يوسف الصوفي قال : أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد السّلفي قال : أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن الحسين بن زكريا الطريثيثي ، وأبو سعد محمد بن عبد الكريم بن محمد بن خشيش ، ح.

وأخبرنا أبو اسحاق إبراهيم بن عثمان بن يوسف الكاشغري البغدادي قال : أخبرنا أبو الفضل أحمد بن محمد بن علي بن صالح الكاغدي قال : أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن الحسين ، ح.

قال أبو اسحاق الكاشغري : وأخبرنا أبو الفتح محمد بن عبد الباقي بن سلمان المعروف بابن البطي قال : أخبرنا أبو الفضل أحمد بن الحسين بن خيرون قالوا :

١٣

أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان قال : أخبرنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه قال : حدثنا أبو يوسف يعقوب بن سفيان قال : حدثنا أبو روح الربيع الحمصي محمد بن حرب قال : حدثنا الزبيدي عن راشد بن سعد المقراني عن أبي عامر الهوزني عن أبي كبشه الأنماري أنه أتى رجلا فقال له : أطرقني من فرسك وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من أطرق مسلما فعقب له الفرس كان له كأجر ستين فرسا يحمل عليها في سبيل الله عز وجل فإن لم تعقب كان له كأجر فرس في سبيل الله عز وجل (١). (٨ ـ و).

أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن الحسين الأنصاري ـ إذنا ـ عن الحافظ أبي طاهر السّلفي قال : أخبرنا ثابت بن بندار قال : أخبرنا الحسين بن جعفر قال : أخبرنا الوليد بن بكر قال : حدثنا علي بن أحمد الهاشمي قال : حدثنا أبو مسلم صالح بن أحمد بن عبد الله العجلي قال : حدثني أبي قال : راشد بن سعد شامي ثقه (٢).

أنبأنا أبو حفص عمر بن محمد الدارقزي قال : أخبرنا أبو الفضل محمد بن ناصر السلامي ـ اجازة إن لم يكن سماعا ـ قال : أخبرنا أبو الحسن المبارك بن عبد الجبار الصيرفي قال : أخبرنا أبو اسحاق ابراهيم بن عمر بن أحمد الفقيه البرمكي قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله الدقاق قال : أخبرنا أبو حفص عمر ابن محمد بن عيسى الجوهري قال : أخبرنا أبو بكر أحمد بن هاني الطائي الأثرم قال : سمعت أحمد بن حنبل يقول : راشد بن سعد لا بأس به.

أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان ـ اذنا ـ قال : أنبأنا مسعود بن الحسن الثقفي عن أبي عمرو عبد الوهاب بن محمد بن منده قال : أخبرنا حمد بن عبد الله قال : أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم قال : راشد بن سعد المقراني روى عن ثوبان وأبي أمامة ويعلى بن مرة وجبلة بن الأزرق ومعاوية.

__________________

(١) ليس في كتاب المعرفة والتاريخ للفسوي ، انظره في كنز العمال : ١٥ / ٤٣١٣٠.

(٢) الثقات للعجلي : ١٥١.

١٤

روى عنه ثور بن يزيد وحريز بن عثمان ومعاوية بن صالح ومحمد بن سليمان أبو ضمره ، سمعت أبي يقول ذلك. سئل أبي عنه فقال : ثقة.

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا صالح بن أحمد (٨ ـ ظ) قال : حدثنا علي بن المديني قال : قلت ليحيى القطان : تروي عن راشد بن سعد؟ قال : ما شأنه هو أحب إليّ من مكحول.

وقال ابن أبي حاتم : أخبرنا يعقوب بن اسحاق الهروي في كتابه إليّ قال : حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي قال : سألت يحيى بن معين عن راشد بن سعد فقال : ثقة (١).

ذكر الحافظ أبو بكر محمد بن عمر الجعابي في كتاب الأخوة الذين روي عنهم الحديث راشد بن سعد الحمصي ، وأخوه هو خالد بن سعد وقال : حدثني اسحاق بن موسى قال : حدثنا سليمان بن عبد الحميد قال : حدثنا أحمد بن يعقوب الكندي قال : حدثنا خالد بن عمرو قال : حدثنا بقية قال : حدثني صفوان عن راشد بن سعد قال : سألني طاووس : من أين أنت؟ فأخبرته فبسط إليّ يده وقال : راشد الحمصي؟ قلت : نعم قال : إن هذا لوجه كنت أتمنى ـ أو قال أشتهي ـ أراه.

وقال أبو بكر الجعابي : حدثني أحمد بن موسى بن عمران الدوري قال : حدثنا الفيريابي قال : حدثنا ابن أبي السرى قال حدثنا السري قال : حدثنا حريز بن عثمان عن راشد بن سعد أنه حضر يوم صفين مع معاوية وكان يجيز على الجرحى.

وقال حدثني اسحاق بن موسى قال : حدثنا سليمان بن عبد الحميد قال : حدثنا ابن مصفى قال : حدثنا بقية عن صفوان قال : شهد راشد بن سعد صفين وذهبت عينه فيها (٩ ـ و).

أنبأنا أبو علي حسن بن أحمد الأوقى قال : أخبرنا أبو طاهر السّلفى قال : أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال : أخبرنا أبو الحسن الحربي قال : أخبرنا أبو

__________________

(١) الجرح والتعديل : ٣ / ٤٨٣.

١٥

محمد الصفار قال : أخبرنا عبد الباقي بن قانع قال : سنة ثلاث عشرة ومائة راشد ابن سعد المقراني بطن من حمير ، يعني مات.

راشد :

غير منسوب غلام كان لعمار بن ياسر ، له ذكر ، وشهد صفين مع عمار رضي الله عنه.

أنبأنا أبو الحسن علي بن محمود المحمودي قال : أخبرنا أبو محمد عبد الله ابن أحمد بن أحمد بن الخشاب ـ إذنا ـ قال : أخبرنا أبو الحسين بن الفراء قال : أخبرنا أبو غالب الباقلاني قال : أخبرنا أبو علي بن شاذان قال : حدثنا أبو (٩ ـ ظ) الحسن بن ننجاب قال حدثنا إبراهيم بن الحسين قال : حدثنا يحيى ابن سليمان قال : حدثنا نصر بن مزاحم قال : حدثنا عمرو بن شمر عن السدى عن ابن حريث قال : أقبل غلام لعمار بن ياسر يومئذ اسمه راشد وهو يحمل شربة من لبن ليسقي عمارا ، فقال عمار أما إني سمعت خليلي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن آخر زادك من الدنيا شربة من لبن ثم شرب (١).

***

__________________

(١) صفين لنصر بن مزاحم : ٣٨٨.

١٦

راغب الخادم :

مولى الموفق أبي أحمد بن جعفر المتوكل كان قائدا معروفا جليلا ، وكان فاضلا فصيحا حسن المجالسة وله مال وافر وغلمان متوافرون ، ولما مات مولاه انتقل إلى ثغر طرسوس وأقام بها ، وابتنى بها دورا ومساكن له ولمواليه ، وكان حين وصل إلى حلب سير ماله وثقله إلى طرسوس ، وتوجه إلى خمارويه بن أحمد ابن طولون فأقام عنده مدة ، وفرح أهل الثغر بكثرة غلمانه ومقامه بهم عنده ، وتوهم أهل طرسوس أن خمارويه قبض عليه فعمدوا إلى والي طرسوس ، وهو ابن عم خمارويه فقبضوا عليه ونهبوه وسجنوه إلى أن أطلق لهم راغب وهمّ خمارويه بعد ذلك بالقبض عليه فعصمه الله منه ، وكان له ولمواليه نكاية في العدو ، وآثار حسنه في الجهاد ، وقيل إنه لما وصل حلب اجتمع بطفج بن جفّ لما لقيه بحلب ، ووعده بأشياء عن خمارويه ، فصعد إلى مصر في سنة تسع وستين ومائتين ، وردّ راغب خادمه مكنون مع سائر أمواله وسلاحه إلى طرسوس ، ومضى إلى خمارويه إلى مصر في خمس غلمان ، وكتب طغج إلى محمد (٩ ـ ظ) ابن موسى الأعرج بالقبض على مكنون وما معه ، ففعل ، ووثب عليه أهل طرسوس ومنعوه من ذلك ، وكتبوا إلى خمارويه وقالوا : أطلق لنا راغبا حتى نطلق الأعرج ، وأنفذ معه أحمد ابن طغان واليا على الثغور ، وعزل عنهم الأعرج. ذكر ذلك ابن أبي الأزهر والقطربلي في تاريخهما الذي اجتمعا على تأليفه (١).

وذكر أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن زولاق فيما قرأته في سيرة أبي الجيش خمارويه بن أحمد ابن طولون قال : وفي هذه السنة في هذه السنة في صفر منها ـ يعني سنة ثمان وسبعين ومائتين ـ مات أبو أحمد الموفق وعقد العهد لابنه أبي العباس ، وكان للموفق غلام خادم من جلة غلمانه يعرف براغب ، فلما مات مولاه أحزنه موته ،

__________________

(١) لم يصلنا انظر حوله كتابي الجامع في أخبار القرامطة : ١ / ١٧٣ ـ ١٧٤.

١٧

فأحب أن يسكن طرسوس ، فاستأذن في ذلك ، فأذن له ، فخرج قاصدا يريد الثغر ، وكان خمارويه يومئذ بدمشق فلما بلغ راغب إلى حلب وهمّ بالدخول إلى طرسوس قيل له : طرسوس من عمل أبي الجيش ، وهو بالقرب منك ، فلو صرت إليه زائرا وقضيت حقه ، وعرفته ما عزمت عليه من المقام بالثغر ما ضرك ذلك ، وكان أجلّ لمحلك وأقوى لك على ما تريده ، فبعث بثقله وجميع ما كان معه مع غلام له يعرف بمكنون وأمره أن يتقدمه إلى طرسوس ، ورحل هو مخفا إلى دمشق ، فلقي أبا الجيش فأحسن أبو الجيش تلقيه وسر بنظره ووصله وأحسن إليه وكان يكثر عنده ويحادثه ، وكانت لراغب عارضه وبيان وحسن عبارة (١١ ـ ظ) وكان قد رأى الخلفاء وعرف كثيرا من أخبارهم ، فكان يصل مجلسه بشيء من أخبارهم وسيرهم ، فأنس به خمارويه ، وكان يستريح الى حديثه ومذاكرته ، فلما رأى راغب ما يخصه به خمارويه من التكرمة والأنس به والاستدعاء إذا تأخر استحيا أن يذكر له الخروج إلى طرسوس ، فلما طال مقامه بدمشق ظن مكنون غلامه أن أبا الجيش قد قبض عليه ومنعه من الخروج إلى الثغر ، فأذاع ما ظنه عند المطوعة وشكاه إليهم ، وأكثر هؤلاء المطوعة من أهل الجبل وخراسان ، معهم غلظ الأعجمية وسوء أدب الصوفية فأحفظهم هذا القول وظنوه حقا ، فقالوا : تعمد إلى رجل قد خرج إلى سبيل الله محتسبا نفسه لله عز وجل. وفي مقام مثله في الثغر قوة للمسلمين وكبت لأعدائهم من الكافرين ، فتقبض عليه وتمنعه من ذلك جرأة على الله فتلففوا وتجمعوا ومشى بعضهم الى بعض وأقبلوا الى واليهم وهو ابن عم خمارويه ، فشغبوا عليه ، فأدخلهم إليه ليسكن منهم ويعدهم بما يحبون ، فقبضوا عليه وقالوا : لا تزال في اعتقالنا أو يطلق صاحبك صاحبنا ، فإن قتله قتلناك به ، وتسرع سفلهم إلى داره فنبهت وهتكت حريمه ولحقه كل ما يكره ، وجاءت الكتب إلى أبي الجيش بذلك فأحضر راغبا وأقرأه الكتب : وقال له : والله ما منعناك ولا حظرنا عليك الخروج ولقد سررنا بقربك وما أوليت وأوليناك (١٢ ـ و) إلا جميلا ، وقد جنى علينا سوء ظن غلامك ما لم نجنه فإذا شئت فارحل مصاحبا ، وقل لأهل طرسوس : يا جهلة ما يومنا فيكم بواحد تتسرعون الى ما نكره مرة بعد أخرى ونغضي عنكم ، ويحلم الله عز وجل ، ولو لا المحافظة على ثغر المسلمين وعز الاسلام لا خشية منكم

١٨

ولا من كثرتكم ، وإلى الله الشكوى ، ولو لا الخوف من غضبه عز وجل لجازيناكم على أفعالكم ، فودعه راغب ورحل الى طرسوس ، فلما صح عند أهل طرسوس خبر راغب أطلقوا عن محمد بن موسى بن طولون ، فلما أطلق قال : أصلح الله بلدكم ، ورحل عنهم فسكن بيت المقدس ، وكان له دين وفيه خير كثير.

وقرأت في سيرة الاخشيد : تأليف أبي محمد بن زولاق قال : وحدثني احمد ابن عبيد الله عن أبيه قال : قال : طغج كنت بدمشق أخلف أبا الجيش فجاءني كتابه يأمرني بالمسير الى طرسوس ، وأقبض على راغب وأقتله فسرت الى طرسوس ، وكان شتاء عظيما فما أمكن أحد أن يتلقاني ، فلقيني راغب وحده في غلمانه ، وكان له مائتا غلام قد أشجو العدو ، فأنزلني وخدمني وقضى حقي فأمسكت عنه ، وحضرت معه غزاة أشجى فيها العدو فقال لي جماعة من أهل طرسوس : بالله إلّا صنت هذا الرجل وأحسنت إليه ، ففعلت وآثرت رضا الله عز وجل فانصرفت الى دمشق وكتب الى أبي الجيش أعتذر وذكرت أشياء منعتني من القبض على راغب.

قال طغج : فما شعرت وأنا بدمشق (١٢ ـ ظ) حتى وافى أبو الجيش فلقيته وخدمته وجلست معه ليلة للشرب فلما تمكن منه الشراب قال لي : يا طغج شعرت بأنه ما جاء بي الى دمشق سواك ، فاضطربت فلما رآني قد تغيرت اقلب الحديث ، وانصرفت وأنا خائف منه وعلمت أنه يقتلني كما قتل صافي غلام أبيه بدمشق لأنه سار إليه من مصر وقتله فقتل أبو الجيش تلك الليلة وكفاني الله أمره لأني عملت مع راغب لله فكفيت (١).

قرأت بخط القاضي أبي عمرو عثمان بن عبد الله الطرسوسي في كتاب سير الثغور الذي وضعه للوزير أبي الفضل جعفر بن الفضل بن الفرات قال في ذكر طرسوس ومنازلها : ويلاصق شارع البرامكة الى جهة الغرب دار راغب مولى الموفق بالله ، وهي الدار الصغيرة فيها مواليه وموالياته وأولادهم في حجر مفروزة ، وكانت الرئاسة فيهم الى بشرى الراغبي ثم انتقلت الى أحمد بن بشرى ، ووقوفهم

__________________

(١) تتهم معظم الروايات التاريخية طغجا بتدبير موامرة قتل خمارويه.

١٩

بنقابلس وغيرها وضياع في أعمال طرسوس بنواحي باب قلمية ، منها ما يضمن ، ومنها ما يقوم به الموالي ، وذكر من الموالي جماعة من أهل العلم ومن أهل النجدة والشجاعة قد ذكرنا بعضهم في كتابنا هذا ، ثم قال بعد ذلك : ثم تسير فتجد عجالين وبيادر حتى تصل بها يسارك الى دار راغب الكبرى وهي على مثال دار السيدة ، غير أن تلك أعلى فناء ، وفي هذه الدار خدم وشيوخ من الفرسان المقدمين ، منهم أبو هلال الراغبي ، وذكر حاله ، وقد ذكرناه أيضا (١٠ ـ و) في هذا الكتاب.

قال : وما زال الجهاد بأهل هذه الدار حتى قل عددهم ونفد مددهم ، وتفانوا موتا وقتلا وأسرا ، واختلت جوانبها ، حتى رأيت عبد الله بن اشكام الخراساني قد نزلها ، ثم رأيت علي بن عسكر بعد نزلها ، وخرجنا عن طرسوس وهي معمورة.

وقرأت بخطه في هذا الكتاب : وحدثني أبو بكر أحمد بن أفلح الراغبي قال : سمعت أبي يحدث عن أبيه راغب مولى الراضي بالله أن قبر المأمون هو هذا الذي يظهر في داره المقببة صحيح يعلمه حقا يقينا.

قلت : إنما قال مولى الراضي لأن ولاءه في بني العباس وقد ذكر أولا أن راغب مولى الموفق ، وذكر أن أحمد بن أفلح من موالي راغب (١).

***

__________________

(١) جاءت هذه الترجمة بالأصل مضطربة الترتيب قد طمست كلمات كثيرة منها لذلك صعبت قراءتها بشكل يقيني ، والمروي هو أن المأمون دفن في محراب جامع طرسوس ، وكما جاء بالقاموس : دقة الخضر وضمور البطن.

٢٠