مواهب الفتّاح في شرح تلخيص المفتاح - ج ١

أبي العبّاس أحمد بن محمّد بن محمّدابن يعقوب المغربي

مواهب الفتّاح في شرح تلخيص المفتاح - ج ١

المؤلف:

أبي العبّاس أحمد بن محمّد بن محمّدابن يعقوب المغربي


المحقق: الدكتور خليل إبراهيم خليل
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 978-2-7451-3820-0
ISBN الدورة:
978-2-7451-3820-0

الصفحات: ٦٨٨
الجزء ١ الجزء ٢

١
٢

٣
٤

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المحقق

الحمد لله ، والصلاة والسّلام على رسوله ، وبعد ،

فإتماما لما وعدنا به من إخراج هذه الشروح في صورة بديعة تيسر على القارئ قراءتها بعد إذ كانت مجموعة ملتبسة معا في سفر واحد ، يسرنا أن نقدم لدارسي البلاغة العربية هذا الكتاب الموسوم بمواهب الفتاح للعلامة أبي العباس أحمد بن محمد بن محمد ابن يعقوب المغربي ، وهو من العلماء الموسوعيين المبرزين في شتى العلوم شأنه شأن علماء عصره في تلك الأزمنة.

والكتاب شرح لتلخيص المفتاح يسير فيه مؤلفه على طريقة الشراح المعهودة في ذلك الوقت من شرح الحدود وتعليلها ، وتفصيل المجمل ، وتوضيح المشكل ، وشرح غريب الألفاظ وغير ذلك.

وفي ثنايا الشرح نجد مناقشات لغيره من الشراح ممن سبقوه في شرح هذا السفر الجامع ، ومآخذ واعتراضات ، وانتصارا وترجيحا وغير ذلك.

والكتاب بعد ذلك ، حلقة من حلقات هذا التراث البلاغي الذي لا يسع الدارس المعاصر إلا أن يقرأه بعين الإجلال والتوقير مع التمحيص ليستخرج خير ما فيه مما يصلح أن يكون بداية لتجديد بلاغي مؤسس على جذور عميقة ضاربة في عمق هذا التراث البلاغي.

٥

هذا ، وقد كانت خطتنا في تحقيق هذا السفر الجليل كالتالي :

١ ـ اعتمدت في تحقيق هذا الكتاب على النسخة المصورة عن طبعته القديمة المتداولة ، مع الاستعانة في تصحيحها بمخطوطات الكتاب في دار الكتب المصرية.

٢ ـ تخريج الشواهد القرآنية.

٣ ـ تخريج الشواهد الحديثية في كتب الحديث المشهورة مع الحكم على الحديث.

٤ ـ تخريج الشواهد الشعرية في دواوينها ومصادرها في كتب الأدب وكتب التراث البلاغي.

٥ ـ شرح معاني الألفاظ الغريبة.

٦ ـ الترجمة الوافية لكل من الخطيب القزويني صاحب الأصل (التلخيص) وابن يعقوب المغربي صاحب الشرح (مواهب الفتاح).

٧ ـ الفهارس العلمية الشاملة للموضوعات وللشواهد الشعرية.

٨ ـ ثبت مصادر التحقيق.

هذا ، والله تعالى نسأل أن ينفع به عباده وأن يغفر لنا ما وقع فيه من زلل وخلل ،

وأن يجزل لنا المثوبة على ما بذلنا فيه من جهد.

المحقق

٦

ترجمة جلال الدين القزوينى

صاحب «التلخيص»

اسمه ونسبه :

هو محمد بن عبد الرحمن بن عمر بن أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن الحسن بن على ابن إبراهيم بن على بن أحمد بن دلف بن أبى دلف العجلى القزوينى جلال الدين أبو المعالى بن سعد الدين بن أبى القاسم ابن إمام الدين الشافعى العلامة.

ولادته ونشأته :

ولد سنة ست وستين وستمائة ٦٦٦ ه‍ وسكن الروم مع والده وأخيه واشتغل وتفقه حتى ولى قضاء ناحية بالروم وله دون العشرين ، ثم قدم هو وأخوه أيام التتر من بلادهم إلى دمشق.

صفته :

كان فهما ذكيّا مفوها حسن الإيراد جميل الذات والهيئة والمكارم ، وكان جميل المحاضرة حسن الملتقى حلو العبارة حاد الذهن جيد البحث منصفا ، فيه مع الذكاء والذوق فى الأدب حسن الخط.

وكان جوادا صرف مال الأوقاف على الفقراء والمحتاجين. وكان مليح الصورة فصيح العبارة كبير الذقن موطأ الأكناف جم الفضيلة يحب الأدب ويحاضر به ويستحضر نكته.

طلبه للعلم ومشايخه :

سمع من العز الفاروتى (١) وطائفة وأخذ عن الأيكى وغيره وخرج له البرزالى جزءا من حديثه وحدث به وتفقه واشتغل فى الفنون وأتقن الأصول والعربية والمعانى والبيان.

وكان يرغب الناس فى الاشتغال بأصول الفقه وفى المعانى والبيان.

__________________

(١) كذا فى الدرر الكامنة ، وفى بغية الوعاة : الفاروثى ، وفى مفتاح السعادة : الفاروقى.

٧

ولى القضاء فى ناحية الروم ثم دمشق ثم مصر ثم دمشق ، وخطب بجامع القلعة لما أتى مصر بأمر من السلطان.

قال عنه صاحب كشف الظنون : «المعروف بخطيب دمشق» ولعل هذا سبب شهرته بالخطيب القزوينى ، وكان يفتى كثيرا.

مصنفاته :

قال ابن كثير : «له مصنفات فى المعانى ، مصنف مشهور اسمه التلخيص اختصر فيه المفتاح للسكاكى» . وهو من أجل المختصرات فيه كما قال السيوطى. وله : إيضاح التلخيص ، والسور المرجانى من شعر الأرجانى.

وفاته :

قال ابن حجر : «قال الذهبى : مات فى منتصف جمادى الأولى سنة ٧٣٩ ه‍ وشيعه عالم عظيم وكثر التأسف عليه وسيرته تحتمل كراريس وما كل ما يعلم يقال. هذا كلام الذهبى على عادته فى الرمز إلى الحط على من يخشى غائلة التصريح فيه» . اه كلام ابن حجر.

وقال الحافظ ابن كثير : «دفن بالصوفية .. وكان عمره قريبا من السبعين أو جاوزها» (١).

__________________

(١) راجع ترجمته فى الدرر الكامنة لابن حجر (٤ / ٣ ، ٤) ، والبداية والنهاية للحافظ ابن كثير (١٤ / ١٨٥) ، وبغية الوعاة للسيوطى (١ / ١٥٦ ، ١٥٧) ، ومفتاح السعادة لطاش كبرى زاده (١ / ١٩٤) والأعلام (٦ / ١٩٢) ، وكشف الظنون (١ / ٤٧٣).

٨

ترجمة ابن يعقوب المغربى

نسبه وكنيته : هو أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد بن يعقوب الولالى (١) ، نسبته إلى بنى ولال من قبائل العرب بالمغرب ، وقد اشتهر بابن يعقوب على اسم جده الأكبر.

ميلاده : تاريخ ميلاده مجهول حيث لم تحدد كتب التراجم سنة ميلاده ، ولكنهم ذكروا أنه من أهل فاس بالمغرب العربى.

حياته : لم يعلم عن الشيخ من تفاصيل حياته شيء يذكر ، وكل ما علم عنه أنه كان فقيها مالكيا ، تولى التدريس بمسجد الإسماعيلية بمكناسة ، ويبدو أن لهذا الشيخ اهتمامات علمية مختلفة ؛ حيث لم يقتصر على الفقه فقط ، بل تعداه إلى مختلف العلوم ؛ مثل البلاغة ، والنحو ، والمنطق ، والتاريخ.

ويبدو أن الشيخ ابن يعقوب المغربى قد ألقى على تلامذته ومريديه شرحه لتلخيص المفتاح للخطيب القزوينى ، وغيره من الشروح أثناء تدريسه فى مسجد الإسماعيلية كما أن كتب التراجم لم تذكر له شيوخا يكون قد تتلمذ على أيديهم ، أو أفاد من علمهم ، ولم يذكروا له ـ أيضا ـ تلامذة نجباء تتلمذوا على يديه ويبدو أنه لم تكن له أسفار خارج المغرب العربى ، ولم ينتقل من مكناس ؛ لأن كتب التراجم أكدت على تدريسه بمسجدها الإسماعيلى ، وكذلك وفاته فيها.

وفاته : توفى ابن يعقوب بمكناس سنة ١١٢٨ ه‍ الموافق سنة ١٧١٦ م ، ولكن خالف الشيخ المراغى هذا التاريخ فقال : «لا نعلم تاريخ وفاته بالضبط ، والمعروف أنها حوالى سنة عشر ومائة وألف هجرية (١١١٠ ه‍)» .

__________________

(١) هذا ما ذكره الزركلى فى الأعلام ، وقد ذكر صاحب هدية العارفين أن شهرته «الدلائى» ، أما صاحب كشف الظنون ذكر أن شهرته «الولائى» .

٩

مؤلفاته : يبدو أن ابن يعقوب كان له باع طويل فى التأليف ؛ حيث ذكرت له كتب التراجم كثيرا من الكتب فى شتى العلوم ، ولكنها فى معظمها كانت شروحا وحواشى على كتب ومؤلفات سابقة ، مثل :

١ ـ حاشية على المحلى.

٢ ـ شرح تلخيص المفتاح المسمى مواهب الفتاح فى شرح تلخيص المفتاح.

٣ ـ شرح مختصر المنطق للسنوسى.

٤ ـ شرح روضة الأزهار للجأدرى.

٥ ـ شرح المقاصد للسعد.

٦ ـ شرح منظومة الجوهر المكنون للأخضرى.

٧ ـ شرح رسالة السيد الشريف الجرجانى.

٨ ـ شرح لامية الأفعال لابن مالك فى التصريف.

٩ ـ شرح جمل الخونجى فى المنطق.

١٠ ـ شرح السلم.

١١ ـ مباحث الأنوار فى أخبار بعض الأخيار (١).

__________________

(١) انظر : كشف الظنون (٣ / ٣١٩) ، وهدية العارفين (٥ / ١٧٠) ، والأعلام (١ / ٢٤١) ، وتاريخ علوم البلاغة للمراغى ص (١٩٠).

١٠

الفن الأول

علم المعانى

من كتاب التلخيص

فى علوم البلاغة

للخطيب القزوينى

وبعده

شرح مواهب الفتاح

على تلخيص المفتاح

لابن يعقوب المغربى

١١
١٢

بسم الله الرّحمن الرحيم

كلمة الافتتاح

للخطيب القزوينى

(٩٤) الحمد لله على ما أنعم ، وعلم من البيان ما لم نعلم ، والصلاة والسّلام على سيّدنا محمد خير من نطق بالصواب ، وأفضل من أتى الحكمة وفصل الخطاب ، وعلى آله الأطهار .. ، وصحابته الأخيار.

(٩٨) أما بعد :

فلّما كان علم البلاغة وتوابعها من أجلّ العلوم قدرا ؛ وأدقها سرّا ؛ إذ به تعرف دقائق العربية وأسرارها ، وتكشف عن وجوه الإعجاز فى نظم القرآن أستارها ، وكان القسم الثالث من «مفتاح العلوم» الذى صنّفه الفاضل العلّامة أبو يعقوب يوسف السّكّاكى ـ أعظم ما صنّف فيه من الكتب المشهورة نفعا ؛ لكونه أحسنها ترتيبا ، وأتّمها تحريرا ، وأكثرها للأصول جمعا ، ولكن كان غير مصون عن الحشو والتطويل والتعقيد ؛ قابلا للاختصار مفتقرا إلى الإيضاح والتجريد : ألّفت مختصرا يتضمّن ما فيه من القواعد ، ويشتمل على ما يحتاج إليه من الأمثلة والشواهد ، ولم آل جهدا فى تحقيقه وتهذيبه ؛ ورتّبته ترتيبا أقرب تناولا من ترتيبه ، ولم أبالغ فى اختصار لفظه تقريبا لتعاطيه ؛ وطلبا لتسهيل فهمه على طالبيه ، وأضفت إلى ذلك فوائد عثرت فى بعض كتب القوم عليها ؛ وزوائد لم أظفر فى كلام أحد بالتصريح بها ولا الإشارة إليها ، وسميته : «تلخيص المفتاح» .

وأنا أسأل الله تعالى من فضله أن ينفع به ، كما نفع بأصله ؛ إنه ولى ذلك ، وهو حسبى ونعم الوكيل!

١٣

مقدّمة

فى بيان معنى الفصاحة ، والبلاغة

(١٠٨) الفصاحة : يوصف بها المفرد (١) ، والكلام ، والمتكلّم.

(١١٠) والبلاغة : يوصف بها الأخيران فقط.

فالفصاحة فى المفرد : خلوّه من تنافر الحروف ، والغرابة ، ومخالفة القياس :

فالتنافر (٢) نحو [من الطويل ] :

غدائره مستشزرات إلى العلا

(١١٣) والغرابة (٣) : نحو [من الرجز ] :

وفاحما ومرسنا مسرّجا (٤)

أى : كالسيف السّريجى فى الدقة والاستواء ، أو كالسراج فى البريق واللمعان.

(١١٦) والمخالفة (٥) نحو [من الرجز ] :

الحمد لله العلىّ الأجلل (٦)

__________________

(١) أى الكلمة المفردة فيقال : كلمة فصيحة ، وشرط ذلك أن ينظر إلى الكلمة داخل سياقها ، لا كما فعل البلاغيون حيث نظروا إلى الكلمة المفردة معزولة عن سياقها ، ثم وضعوا لها ما سوف يتلى عليك قريبا من شروط فصاحتها.

(٢) هو وصف فى الكلمة يوجب ثقلها على اللسان وعسر النطق بها.

(٣) هى كون الكلمة وحشية غير ظاهرة المعنى ولا مأنوسة الاستعمال ، يصعب تخريج معناها.

(٤) أورده بدر الدين بن مالك فى المصباح ص ١٢٣ وعزاه للعجاج ، وأسرار البلاغة ١ / ١٢٤ الفاحم : الشعر الأسود كالفحم. والمرسن : الأنف ، ومسرج هى موضع الشاهد لعدم ظهور معناها. وقبله : ومقلة وحاجبا مزججا وقد اختلفوا فى تخريج كلمة (مسرجا) هذه ، فقيل : المعنى وصف الأنف بأنه كالسيف السريجى فى الدقة والاستواء ، وسريج اسم حداد تنسب إليه السيوف ، أو كالسراج فى البريق واللمعان ، أو هو من قولهم : سرج الله وجهه ، أى بهجه وحسنه ، وقيل غير ذلك.

(٥) هى أن تكون الكلمة على خلاف قواعد الصرف.

(٦) البيت لأبى النجم الراجز. وبعده : أنت مليك الناس ربا فاقبل والشاهد فيه كلمة (الأجلل) لأن الموافق لقواعد الصرف هو (الأجل) بإدغام اللامين.

١٤

(١١٦) قيل (١) : ومن الكراهة فى السمع ؛ نحو [من المتقارب ] :

كريم الجرشى شريف النسب (٢)

(١١٧) وفيه نظر (٣) :

وفى الكلام : خلوصه من ضعف التأليف ، وتنافر الكلمات ، والتعقيد ، مع فصاحتها :

فالضعف (٤) نحو : ضرب غلامه زيدا.

والتنافر (٥) : كقوله [من الرجز ] :

وليس قرب قبر حرب قبر (٦)

وقوله (٧) [من الطويل ] :

كريم متى أمدحه أمدحه والورى معي

وإذا ما لمته لمته وحدي

(١٢٠) والتعقيد : ألا يكون الكلام ظاهر الدلالة على المراد ؛ لخلل :

إما فى النظم : كقول الفرزدق فى خال هشام (٨) :

وما مثله فى الناس إلا مملكا

أبو أمه حى أبوه يقاربه

__________________

(١) أى قيل : فصاحة المفرد خلوص مما سبق ذكره ، وأيضا من الكراهة فى السمع.

(٢) البيت للمتنبى ، وهو فى مدح سيف الدولة ، والجرشى : النفس. وصدره : مبارك الاسم أغر اللقب

(٣) لأن الكراهة فى السمع هنا من قبيل الغرابة.

(٤) أن يكون تأليف الكلام على خلاف القانون النحوي المشهور بين الجمهور ، كالإضمار قبل أن يذكر اللفظ.

(٥) هو أن تكون الكلمات ثقيلة على اللسان وإن كان كل منها فصيحا.

(٦) أورده فخر الدين الرازى فى نهاية الإيجاز ص ١٢٣ بلا عزو. وقبله : وقبر حرب بمكان قفر وهو مجهول القائل. القفر : الخالى من الماء والكلأ.

(٧) البيت لأبى تمام أورده فخر الدين الرازى فى نهاية الإيجاز ص ١٢٣ وجاء البيت برواية :

كريم متى أمدحه أمدحه والورى

جميعا ومهما لمته لمته وحدى

(٨) خال هشام بن عبد الملك بن مروان أحد ملوك بنى أمية ، وخاله الممدوح إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومى.

١٥

أى : ليس مثله فى الناس حىّ يقاربه إلا مملّكا أبو أمّه (١) أبوه.

(١٢٢) ٢ ـ وإمّا فى الانتقال (٢) : كقول الآخر (٣) [من الطويل ] :

سأطلب بعد الدّار عنكم لتقربوا

وتسكب عيناى الدّموع لتجمدا

فإن الانتقال (٤) من جمود العين إلى بخلها بالدموع ، لا إلى ما قصده من السرور.

(١٢٣) قيل (٥) : ومن كثرة التّكرار ، وتتابع الإضافات ؛ كقوله [من الطويل ] :

سبوح لها منها عليها شواهد (٦)

وقوله [من الطويل ] :

حمامة جرعا حومة الجندل اسجعى ...

وفيه نظر!

(١٢٥) وفى المتكلّم (٧) ملكة يقتدر بها على التعبير عن المقصود ، بلفظ فصيح.

(١٢٧) والبلاغة فى الكلام : مطابقته لمقتضى الحال ، مع فصاحته.

وهو (٨) مختلف ؛ فإنّ مقامات الكلام متفاوتة :

فمقام كلّ من التنكير ، والإطلاق ، والتقديم والذكر : يباين مقام خلافه.

ومقام الفصل : يباين مقام الوصل.

__________________

(١) مملكا : أى رجل أعطى الملك وهو هشام المذكور ، وأبو أمه : أى أبو أم هشام أى أبو الممدوح وهو خال هشام ، وحاصله الإخبار بأن الممدوح لا مثل له فى الناس إلا ابن أخته الذى هو المملك.

(٢) أى لخلل واقع فى انتقال الذهن من معنى اللفظ الأصلى إلى معنى آخر ملابس للأصلى قد استعمل اللفظ ليفهم منه ذلك الملابس على وجه الكناية أو المجاز.

(٣) هو العباس بن الأحنف الشاعر الغزل المشهور. والشاهد فى قوله : لتجمدا.

(٤) أى انتقال الذهن المعهود من جمود العين إلى بخلها بالدموع إنما يكون فى حالة الحزن والبكاء لا فى حالة الفرح والسرور.

(٥) أى فصاحة الكلام ترجع أيضا إلى خلوصه من كثرة التكرار ... إلخ.

(٦) مثال لكثرة التكرار. والبيت للمتنبى وصدره : وتسعدنى فى غمرة بعد غمرة ، وسبوح أى فرس حسن الجرى لا تتعب راكبها ، كأنها تجرى فى الماء.

(٧) أى الفصاحة الكائنة فى المتكلم.

(٨) أى مقتضى الحال.

١٦

ومقام الإيجاز : يباين مقام خلافه.

وكذا : خطاب الذكى مع خطاب الغبىّ ، ولكلّ كلمة مع صاحبتها مقام.

(١٢٩) وارتفاع شأن الكلام فى الحسن والقبول بمطابقته للاعتبار المناسب (١) ، وانحطاطه بعدمها ، فمقتضى الحال : هو الاعتبار المناسب.

(١٣٠) فالبلاغة ؛ راجعة إلى اللفظ باعتبار إفادته المعنى بالتركيب ، وكثيرا ما يسمّى ذلك فصاحة ـ أيضا ـ ولها (٢) طرفان :

أعلى : وهو حدّ الإعجاز وما يقرب منه.

وأسفل : وهو ما إذا غيّر الكلام عنه إلى ما دونه ، التحق عند البلغاء بأصوات الحيوانات.

وبينهما مراتب كثيرة ، وتتبعها وجوه أخر تورث الكلام حسنا.

وفى المتكلم : ملكة يقتدر بها على تأليف كلام بليغ.

فعلم : أنّ كلّ بليغ فصيح ، ولا عكس.

(١٣٣) وأنّ البلاغة مرجعها :

١ ـ إلى الاحتراز عن الخطأ فى تأدية المعنى المراد.

٢ ـ وإلى تمييز الفصيح من غيره :

والثاني (٣) : منه ما يبيّن فى علم متن اللغة ، أو التصريف ، أو النحو ، أو يدرك بالحسّ ، وهو ما عدا التعقيد المعنوىّ.

(١٣٦) وما يحترز به عن الأوّل (٤) : علم المعانى.

وما يحترز به عن التعقيد المعنوىّ : علم البيان.

وما يعرف به وجوه التحسين : علم البديع.

وكثير (٥) يسمّى الجميع : علم البيان.

وبعضهم يسمّى الأول : علم المعانى ، والأخيرين : علم البيان ، والثلاثة : علم البديع.

__________________

(١) أى للحال والمقام.

(٢) أى بلاغة الكلام.

(٣) أى تمييز الفصيح من غيره.

(٤) أى عن الخطأ فى تأدية المعنى المراد.

(٥) أى كثير من الناس.

١٧

الفنّ الأوّل

علم المعاني

(١٣٨) وهو علم يعرف به أحوال اللفظ العربى التى بها يطابق مقتضى الحال.

(١٤١) وينحصر فى ثمانية أبواب :

١ ـ أحوال الإسناد الخبرىّ.

٣ ـ أحوال المسند.

٥ ـ القصر.

٧ ـ الفصل والوصل.

٢ ـ أحوال المسند إليه.

٤ ـ أحوال متعلّقات الفعل.

٦ ـ الإنشاء.

٨ ـ الإيجاز والإطناب والمساواة.

لأنّ الكلام إمّا خبر ، وإما إنشاء ، لأنه :

إن كان لنسبته خارج تطابقه أو لا تطابقه : فخبر ، وإلا : فإنشاء.

والخبر : لا بدّ له من مسند إليه ، ومسند ، وإسناد.

(١٤٤) والمسند : قد يكون له متعلّقات إذا كان فعلا أو فى معناه.

وكلّ من الإسناد والتعلّق : إما بقصر أو بغير قصر.

وكلّ جملة قرنت بأخرى : إمّا معطوفة عليها أو غير معطوفة.

والكلام البليغ : إمّا زائد على أصل المراد لفائدة أو غير زائد.

تنبيه

(١٤٥) صدق الخبر : مطابقته للواقع ، وكذبه : عدمها.

وقيل : «مطابقته لاعتقاد المخبر ولو خطأ ، وعدمها (١) ؛ بدليل قوله تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ)(٢) :

__________________

(١) أى وكذب الخبر : عدمها.

(٢) المنافقون : ١.

١٨

(١٤٧) وردّ : بأن المعنى : لكاذبون فى الشهادة ، أو فى تسميتها ، أو فى المشهود به فى زعمهم.

الجاحظ (١) مطابقته مع الإعتقاد ، وعدمها معه (٢) ، وغيرهما (٣) ليس بصدق ولا كذب ؛ بدليل : (أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ)(٤) ؛ لأن المراد بالثانى غير الكذب ؛ لأنه قسيمه ، وغير الصدق ؛ لأنهم لم يعتقدوه :

وردّ : بأنّ المعنى : «أم لم يفتر؟!» ؛ فعبّر عنه ب «الجنّة» ؛ لأنّ المجنون لا افتراء له.

أحوال الإسناد الخبريّ

(١٥٣) لا شك أن قصد المخبر بخبره إفادة المخاطب : إمّا الحكم ، أو كونه عالما به ؛ ويسمّى الأول : فائدة الخبر.

والثانى : لازمها.

(١٥٥) وقد ينزل العالم بهما منزلة الجاهل ؛ لعدم جريه على موجب العلم ؛ فينبغى أن يقتصر من التركيب على قدر الحاجة :

(١٥٦) فإن كان خالى الذّهن من الحكم ، والتردّد فيه : استغنى عن مؤكّدات الحكم. وإن كان متردّدا فيه ، طالبا له : حسن تقويته بمؤكّد.

وإن كان منكرا : وجب توكيده بحسب الإنكار ؛ كما قال الله ـ تعالى ـ حكاية عن رسل عيسى ، عليه‌السلام ، إذ كذّبوا فى المرّة الأولى : (إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ)(٥) ، وفى الثانية : (إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ)(٦).

__________________

(١) أى : قال الجاحظ.

(٢) أى مع اعتقاد أنه غير مطابق.

(٣) أى غير هذين القسمين.

(٤) سبأ : ٨.

(٥) يس : ١٤.

(٦) يس : ١٦.

١٩

(١٥٩) ويسمى الضرب الأول : ابتدائيا ، والثانى : طلبيا ، والثالث : إنكاريا ، وإخراج الكلام عليها : إخراجا على مقتضى الظاهر.

(١٥٩) وكثيرا ما يخرج على خلافه.

إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر

فيجعل غير السائل كالسائل : إذا قدّم إليه ما يلوّح له بالخبر ؛ فيستشرف له استشراف الطالب المتردّد ؛ نحو : (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ)(١).

(١٦٠) وغير (٢) المنكر كالمنكر : إذا لاح عليه شيء من أمارات الإنكار ؛ نحو (٣) [من السريع ] :

جاء شقيق عارضا رمحه

إنّ بنى عمّك فيهم رماح

(١٦٢) والمنكر كغير المنكر (٤) : إذا كان معه ما إن تأمّله ارتدع ؛ نحو : (لا رَيْبَ فِيهِ)(٥).

(١٦٤) وهكذا اعتبارات النّفى.

ثم الإسناد :

(١٦٤) ١ ـ منه : حقيقة عقلية ، وهى : إسناد الفعل ـ أو معناه ـ إلى ما هو له عند المتكلّم ، فى الظاهر ؛ كقول المؤمن : أنبت الله البقل ، وقول الجاهل : أنبت الرّبيع البقل ، وقولك :

جاء زيد ، وأنت تعلم أنه لم يجىء.

(١٦٨) ٢ ـ ومنه : مجاز عقلىّ ، وهو : إسناده إلى ملابس له غير ما هو له بتأوّل.

__________________

(١) المؤمنون : ٢٧.

(٢) أى ويجعل غير المنكر كالمنكر.

(٣) البيت لحجل بن نضلة الباهلى ، وهو شاعر جاهلى ، والبيت فى دلائل الإعجاز للجرجانى ، ص ٣٠٤ ، ٣١٢ ، والمصباح لبدر الدين بن مالك ، (٦) ، والإيضاح للقزوينى (١ / ٢٠).

(٤) أى : ويجعل المنكر كغير المنكر.

(٥) البقرة : ٢.

٢٠