الإيضاح في علوم البلاغة

جلال الدين محمّد بن عبد الرحمن بن عمر بن أحمد

الإيضاح في علوم البلاغة

المؤلف:

جلال الدين محمّد بن عبد الرحمن بن عمر بن أحمد


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-3907-X
الصفحات: ٤١٥

١
٢

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

تقديم

لما كانت «العربية» لغة حية فقد كان من الطبيعي أن تجد نفسها على مدى العصور في حالة بحث دائم عما يلبي حاجات أبنائها المتجددة أبدا تبعا لسنة التطور، وإذا كانت اللغة موروثا يملكه الفرد والجماعة على السواء، فلا مفر من تثميره بلا انقطاع لتوظيفه في مجاله الطبيعي بما يعود بالخير والنفع على مالكيه، ومن هنا كان سهر الطلائع من أهل الفكر والأدب والشعر عبر الأجيال على رصد مخزونهم اللغوي، والوقوف على ما يمكن أن يكون قد لحق به من نقص أو ضمور بفعل مستجدات الحياة لمده بدماء جديدة تكفل له النماء والصمود في وجه كل طارىء.

والبلاغة هي مرتقى علوم اللغة وأشرفها فالمرتبة الدنيا من الكلام هي التي تبدأ بألفاظ تدل على معانيها المحددة، ثم تتدرج حتى تصل إلى الكلمة الفصيحة والعبارة البليغة. وقد قيل: إذا تكلم المرء بلغة ما فهو يحدد هويته الحضارية والإنسانية، وإذا امتلك لغته، حدد مركزه في المجتمع، فاللغة وإن كانت وسيلة للتعبير عن الفكر، فهي تمثل الفكر كله، ولا عجب بعد ذلك إذا تحققت أسباب التطور والرقي نتيجة العناية بها.

واللغة ليست هدفا بحد ذاته، بل هي أداة تنقل الأفكار والمشاعر بين البشر، وهي أداة اتصال وحاملة معلومات، فقد قامت اللغة بدور الوسيط الاجتماعي ونجحت في تحقيق الاتصال والتواصل بين الناس، وكان أكثرهم قدرة على التأثير في نفوس سامعيه، هو من يمتلك مهارة الكلام، ويستعمل لغته بمرونة وطواعية في مختلف المجالات، وكانت الفعالية الاجتماعية ترتبط بالبلاغة، وهذه لم تكن تحتاج إلى أي أساس مادي، بل تشترط قوالب تعبير إبلاغية جيدة عند المتكلم ليصنّف بين المؤثرين في مجتمعه.

وقد ذكر كثير من العلماء وجوها عديدة لبيان إعجاز القرآن الكريم، كالتنبؤ بالمستقبل، وذكر أخبار وقصص الأولين وأحوالهم، والإشارات إلى الاكتشافات العلمية

٣

والدقة العددية. وغيرها الكثير، غير أن هذه الوجوه لم يجمع على صحتها العلماء، وإنما وجدوا في كل وجه منها ثغرة تنفذ منها أقوال المعارضين. ولكن الوجه الأمثل في سبب إعجاز القرآن الكريم الذي لم يجد سبيلا إلى الطعن فيه أحد، هو الإعجاز البلاغي للقرآن الذي يتمثل في كل سورة، ولم تتخلف عنه سورة واحدة سواء كانت طويلة أم قصيرة.

والبلاغة علم له قواعده، وفن له أصوله وأدواته، كما لكل علم وفن. وهو ينقسم إلى ثلاثة أركان أساسية:

١ ـ علم المعاني.

٢ ـ علم البيان.

٣ ـ علم البديع.

وهذه نبذة مختصرة ومبسطة عن كل واحد منهم.

١ ـ علم المعاني

هو علم يعرف به أحوال اللفظ العربي التي بها يطابق مقتضى الحال، مع وفائه بغرض بلاغي يفهم ضمنا من السياق، وما يحيط به من القرائن، أو هو علم يبحث في الجملة بحيث تأتي معبّرة عن المعنى المقصود.

وأحوال اللفظ العربي التي بها يطابق مقتضى الحال هي: الحذف، والذكر، والتعريف، والتنكير، والتقديم، والتأخير، والفصل، والوصل، والمساواة، والإيجاز، والإطناب، وما إلى ذلك.

وأحوال اللفظ العربي، تارة تكون أحوالا لمفرد وتارة تكون أحوالا لجملة.

وعلم المعاني يتألف من المباحث التالية:

١ ـ الخبر والإنشاء.

٢ ـ أحوال الإسناد الخبري.

٣ ـ أحوال متعلقات الفعل.

٤ ـ القصر.

٥ ـ الفصل والوصل.

٦ ـ المساواة والإيجاز والإطناب.

٤

وذلك لأن الكلام العربي نوعان: أما خبر أو إنشاء، ولا بد له من إسناد؛ مسند ومسند إليه. والمسند قد يكون له متعلقات إذا كان فعلا، أو في معناه كاسم الفاعل، وكل من التعلق والإسناد إما قصر أو غير قصر. والجملة إذا قرنت بأخرى فالثانية إما معطوفة على الأولى، أو غير معطوفة، وهما الفصل والوصل.

ولفظ الكلام البليغ إما مساو لأصل المراد وهو المساواة، وإما ناقص عن المراد وهو الإيجاز، أو زائد عن أصل المراد لفائدة، وهو الإطناب.

٢ ـ علم البيان

هو علم يبحث في الطرق المختلفة للتعبير عن المعنى الواحد، وعلم المعاني يتألف من المباحث التالية:

١ ـ التصريح والمداورة.

٢ ـ التشبيه.

٣ ـ المجاز، والمجاز المرسل.

٤ ـ الاستعارة.

٥ ـ الكناية.

والبيان لغة: الظهور والوضوح. تقول: بان الشيء يبين إذا ظهر. واصطلاحا كما تقدم: هو علم يعرف به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة من تشبيه واستعارة ومجاز مرسل وكناية.

٣ ـ علم البديع

هو علم يبحث في طرق تحسين الكلام، وتزيين الألفاظ والمعاني بألوان بديعة من الجمال اللفظي أو المعنوي، وسمي بديعا لأنه لم يكن معروفا قبل وضعه.

وأول من دوّن قواعد البديع ووضع أصوله: عبد اللّه بن المعتز، وهو أحد الشعراء المطبوعين والبلغاء الموصوفين.

استقصى ابن المعتز ما في الشعر من المحسنات فجمعها في كتاب سماه «البديع» وذكر فيه سبعة عشر نوعا، وقال: ما جمع قبلي فنون البديع أحد، ولا سبقني إلى تأليفه مؤلف. ومن رأى إضافة شيء من المحاسن فله اختياره. ثم ألّف معاصره قدامة بن جعفر كتابا سماه «نقد قدامة».

٥

ومن أهم أساليب علم البديع:

١ ـ الجناس.

٢ ـ الطباق.

٣ ـ السجع.

٤ ـ المقابلة.

٥ ـ التورية.

ـ كتاب الإيضاح في علوم البلاغة (المعاني والبيان والبديع).

هذا كتاب «الإيضاح في علوم البلاغة» للخطيب القزويني، حيث تميّز المؤلف في كتابه هذا بالاستقصاء، فلم يترك شاردة أو واردة من مسائل البلاغة، إلا عرضها عرضا مفصلا ودقيقا، وملما فيها بالآراء كافة، سواء التي كانت في عصره، أو قبل عصره.

ويقول المؤلف في مقدمته للكتاب: «هذا كتاب في علم البلاغة وتوابعها، ترجمته بـ «الإيضاح» وجعلته على ترتيب مختصري الذي سميته «تلخيص المفتاح» ، وبسطت فيه القول ليكون كالشرح له، فأوضحت مواضعه المشكلة، وفصلت معانيه المجملة، وعمدت إلى ما خلا عنه المختصر، مما تضمنه «مفتاح العلوم» وإلى ما خلا عنه المفتاح من كلام الشيخ الإمام عبد القاهر الجرجاني رحمه اللّه في كتابيه «دلائل الإعجاز» و «أسرار البلاغة» ، وإلى ما تيسر النظر فيه من كلام غيرهما، فاستخرجت زبدة ذلك كله وهذبتها ورتبتها، حتى استقر كل شيء منها في محله، وأضفت إلى ذلك ما أدى إليه فكري، ولم أجده لغيري. فجاء بحمد اللّه جامعا لأشتات هذا العلم، وإليه أرغب في أن يجعله نافعا لمن نظر فيه من أولي الفهم، وهو حسبي ونعم الوكيل».

أما عملنا في هذا الكتاب فهو:

أولا: وضع ترجمة المؤلف.

ثانيا: وضع مقدمة في علم البلاغة وفنونه.

ثالثا: بذلنا ما أمكننا من الجهد في مقابلة ومقارنة النصوص الذي ناقشها المؤلف، مع المتقدمين لكي يعالجها ويدلي فيها بدلوه. مثل عبد القاهر الجرجاني في «أسرار البلاغة» ، والزمخشري في «الكشاف» ، والسكاكي في «مفتاح العلوم» وغيرهم.

رابعا: شرحنا في حواشي الكتاب ما في متنه من غريب اللغة أو صعب المتناول منها، وذلك استنادا إلى المعاجم اللغوية المشهورة.

٦

خامسا: وضعنا في حواشي الكتاب تعريفا وافيا ـ مع ذكر المراجع والمصادر ـ بجمع الأعلام، والكتب والمؤلفات، وما أهملناه من ذلك إما معروف مشهور، ولم نجد ضرورة لنافل القول فيه، وإما لم نهتد إليه فيما بين أيدينا من المراجع والمصادر.

سادسا: خرّجنا جميع الأحاديث النبوية والآثار، تخريجا وافيا، وضبطنا نص الحديث استنادا إلى كتب الحديث المعتبرة.

سابعا: خرّجنا جميع الآيات القرآنية الكريمة على المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم.

ثامنا: خرّجنا الشواهد الشعرية في مظانها.

وأخيرا، نرجو أن يكون عملنا هذا خالصا لوجهه تعالى. وللّه الكمال وحده وهو ولي التوفيق.

إبراهيم شمس الدين

٧

ترجمة المؤلف(١)

هو محمد بن عبد الرحمن بن عمر بن أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن الحسن بن علي بن إبراهيم بن علي بن أحمد بن دلف بن أبي العجلي القزويني، جلا الدين أبوالمعالي بن سعد الدين بن أبي القاسم ابن إمام الدين الشافعي العلامة.

ولد سنة ٦٦٦هـ بالموصل ، وسكن الروم مع والده وأخيه واشتغل وتفقه حتى ولي قضاء ناحية بالروم ، وله دون العشرين، ثم قدم هو أخوه أيام الثئر من بلادهم إلى دمشق.

صفته

كان فهماً ذكياً مفوهاً حسن الإيراد ، جميل الذات والهيئة والمكارم، وكان جميل المحاضرة، حسن الملتقى ، حلو العبارة، حاد الذهن، جيد البحث، منصفاً فيه مع الذكاء والذوق في الأدب حسن الخط.

وكان جواداً، صرف مال الأوقاف على الفقراء والمحتاجين ، وكان مليح الصورة، فصيح العبارة، كبير الذقن، موطاً الأكناف ، جم الفضيلة، يحب الأدب ويحاضر به، ويستحضر نكته.

طلبه للعلم ومشايخه

سمع من العز الفاروئي وطائفة، أخذ عن الإيكي وغيره، وخرج له البرزالي جزءاً

__________________

١) انظر ترجمته في:

١ ـ الدرر الكامنة لابن حجر ٤/٣،٤.

٢ ـ البداية والنهاية لابن كثير الدمشقي ١٤/١٨٥.

٣ ـ بغية الوعاة للسيوطي ١/١٥٦،١٥٧.

٤ ـ مفتاح السعادة لطاش كبري زاده ١/١٩٤.

٥ ـ الأعلام للزركلي ٦/١٩٢.

٦ ـ كشف الظنون لحاجي خليفة ٦/١٥٠.

٨

من حديثه، وحدث به وتفقه واشتغل في الفنون، وأتقن الأصول والعربية والمعاني والبيان.

وكان يرغّب الناس في الاشتغال بأصول الفقه وفي المعاني والبيان.

ولي القضاء في ناحية الروم، ثم دمشق، ثم مصر، ثم دمشق، وخطب بجامع القلعة لما أتى مصر بأمر من السلطان.

قال عنه صاحب كشف الظنون «المعروف بخطيب دمشق» : ولعل هذا سبب شهرته بالخطيب القزويني، وكان يفتي كثيرا.

مصنفاته

قال ابن كثير: «له مصنفات في المعاني، مصنف مشهور اسمه «التلخيص» اختصر فيه «المفتاح» للسكاكي، وهو من أجلّ المختصرات فيه، كما قال السيوطي. وله: إيضاح التلخيص، والسور المرجاني من شعر الأرجاني.

وذكر له حاجي خليفة في كشف الظنون المصنفات التالية:

١ ـ الإيضاح على صاحب المفتاح، في المعاني والبيان.

٢ ـ تلخيص المفتاح للسكاكي.

٣ ـ المشذر المرجاني من شعر الأرجاني.

وفاته

قال ابن حجر: «قال الذهبي: مات في منتصف جمادى الأولى سنة ٧٣٩ ه‍، وشيّعه عالم عظيم، وكثر التأسف عليه، وسيرته تحتمل كراريس وما كل ما يعلم يقال. هذا كلام الذهبي على عادته في الرمز إلى الحط على من يخشى غائلة التصريح فيه» اه‍ كلام ابن حجر.

وقال الحافظ ابن كثير الدمشقي: «دفن بالصوفية، وكان عمره قريبا من السبعين أو جاوزها».

٩
١٠

بسم الله الرّحمن الرّحيم

تصدير

قال الشيخ الإمام ، العالم العلامة ، خطيب الخطباء ، مفتي المسلمين ، جلال الدين أبو عبد الله محمد ، ابن قاضي القضاة سعد الدين أبي محمد عبد الرحمن ، ابن إمام الدين أبي حفص عمر ؛ القزويني الشافعي ، متع الله المسلمين بمحياه ، وأحسن عقباه :

الحمد لله رب العالمين ، وصلاته على محمد وعلى آل محمد أجمعين.

أما بعد : فهذا كتاب في علم البلاغة وتوابعها ؛ ترجمته بـ «الإيضاح» وجعلته على ترتيب مختصري الذي سميته تلخيص المفتاح. وبسطت فيه القول ليكون كالشرح له ؛ فأوضحت مواضعه المشكلة ، وفصلت معانيه المجملة ؛ وعمدت إلى ما خلا عنه المختصر ، مما تضمنه «مفتاح العلوم» (١) ، وإلى ما خلا عنه المفتاح من كلام الشيخ الإمام عبد القاهر الجرجاني (٢) رحمه الله في كتابيه دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة ، وإلى ما تيسر النظر فيه من كلام غيرهما ، فاستخرجت زبدة ذلك كله ، وهذبتها ورتبتها ، حتى استقر كل شيء منها في محله ، وأضفت إلى ذلك ما أدى إليه فكري ، ولم أجده لغيري.

فجاء بحمد الله جامعا لأشتات هذا العلم ، وإليه أرغب في أن يجعله نافعا لمن نظر فيه من أولي الفهم ، وهو حسبي ونعم الوكيل.

__________________

(١) هو كتاب «مفتاح العلوم» للعلامة سراج الدين أبي يعقوب يوسف بن أبي بكر بن محمد بن علي السكاكي المتوفى سنة ٦٢٦ ه‍. (كشف الظنون ٢ / ١٧٦٢).

(٢) هو عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني ، أبو بكر الشافعي الأديب النحوي ، المتوفى سنة ٤٧٤ ه‍. من تصانيفه : أسرار البلاغة ، الإيجاز في مختصر الإيضاح ، في النحو ، الجرجانية ، درج الدرر في تفسير الآي والسور ، دلائل الإعجاز في المعاني والبيان ، شرح الفاتحة ، عمدة في التصريف ، عوامل المائة ، في النحو ، مختار الاختيار في فوائد معيار النظار ، في المعاني والبيان والبديع والقوافي ، المعتضد في شرح إعجاز القرآن للواسطي ، المغني في شرح الإيضاح لأبي علي الفارسي ، المقتصد في تلخيص المغني. (كشف الظنون ٥ / ٦٠٦).

١١
١٢

في الكشف عن معنى الفصاحة والبلاغة

وانحصار علم البلاغة في المعاني والبيان

وللناس في تفسير الفصاحة والبلاغة أقوال مختلفة ، لم أجد ـ فيما بلغني منها ـ ما يصلح لتعريفهما به ، ولا ما يشير إلى الفرق بين كون الموصوف بهما الكلام وكون الموصوف بهما المتكلم ؛ فالأولى أن نقتصر على تلخيص القول فيهما بالاعتبارين ، فنقول

كل واحدة منهما تقع صفة لمعنيين :

أحدهما : الكلام ، كما في قولك «قصيدة فصيحة ، أو بليغة» و «رسالة فصيحة ، أو بليغة».

والثاني : المتكلم ، كما في قولك «شاعر فصيح ، أو بليغ» و «كاتب فصيح ، أو بليغ».

والفصاحة خاصة تقع صفة للمفرد ، فيقال : «كلمة فصيحة» ولا يقال : «كلمة بليغة».

أما فصاحة المفرد ، فهي خلوصه من تنافر الحروف ، والغرابة ، ومخالفة القياس اللغوي.

فالتنافر منه ما تكون الكلمة بسببه متناهية في الثقل على اللسان ، وعسر النطق بها ، كما روي أن أعرابيا سئل عن ناقته ؛ فقال : تركتها ترعى الهعخع. ومنه ما هو دون ذلك. كلفظ مستشزر في قول امرىء القيس (١) :

__________________

(١) امرؤ القيس : هو امرؤ القيس بن حجر الكندي ، أبو وهب أو أبو الحارث ، يلقب بالملك الضليل وبذي القروح ، ولد سنة ١٣٠ قبل الهجرة ، وأمه فاطمة بنت ربيعة بن الحارث أخت كليب والمهلهل التغلبيين ، نشأ في قبيلة كندة وهي أسرة ملوك ، وكان حجر والد امرىء القيس ملكا على بني أسد فقتلوه ، ولما أتاه نعي أبيه جعل يتنقل بين القبائل مؤلبا الأحلاف للثأر من بني أسد ، توفي سنة ٨٠ قبل الهجرة. ـ يقال : امرؤ القيس أول من ورد له نظم من العرب ، وعرف بأنه أول من وقف على الأطلال واستوقف ، وقيّد الأوابد ، وأول من سن عمود الشعر الذي جرى عليه الشعراء بعده ، (معجم الشعراء الجاهليين ص ٣٢ ـ ٣٣).

١٣

غدائره مستشزرات إلى العلا (١)

والغرابة : أن تكون الكلمة وحشيّة ، لا يظهر معناها ، فيحتاج في معرفته إلى أن ينقّر عنها في كتب اللغة المبسوطة ، كما روي عن عيسى بن عمر النحوي (٢) أنه سقط عن حمار ، فاجتمع عليه الناس ، فقال : «ما لكم تكأكأتم عليّ تكأكؤكم على ذي جنّة؟

افرنقعوا عنّي» أي اجتمعتم تنحّوا.

أو يخرّج لها وجه بعيد. كما في قول العجّاج :

وفاحما ومرسنا مسرّجا (٣)

فإنه لم يعرف ما أراد بقوله «مسرّجا» حتى اختلف في تخريجه ، فقيل : هو من قولهم للسيوف «سريجيّة» منسوبة إلى قين يقال له سريج ، يريد أنه في الاستواء والدقة كالسيف السّريجيّ ، وقيل : من السّراج ، يريد أنه في البريق كالسّراج ، وهذا يقرب من قولهم «سرج وجهه» بكسر الراء ـ أي حسن ، وسرّج (الله) وجهه» أي بهّجه وحسّنه.

ومخالفة القياس كما في قول الشاعر :

الحمد لله العليّ الأجلل (٤)

__________________

(١) عجز البيت :

تضلّ المدارى في مثنّى ومرسل

والبيت من الطويل ، وهو في ديوان امرىء القيس ص ١٧ ، وشرح التصريح ٢ / ٣٧١ ، ولسان العرب (شزر) ، (عقص) ، ومعاهد التنصيص ١ / ٨ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٥٨٧ ، وتاج العروس (شقأ) ، وأساس البلاغة (دري). ومستشزرات : مرتفعات.

(٢) عيسى بن عمر : هو أبو عمرو عيسى بن عمر الثقفي النحوي البصري ، مولى خالد بن الوليد ، توفي سنة ١٤٩ ه‍ ، صنف : الإكمال في النحو ، جامع في النحو. (كشف الظنون ٥ / ٨٠٥).

(٣) الرجز للعجاج في ديوانه ٢ / ٣٤ ، ولسان العرب (سرج) ، (رسن) ، وتاج العروس (سرج) ، (رسن) ، وجمهرة اللغة ص ٤٥٨ ، ٧٢٢ ، ومجمل اللغة ٣ / ١٣٨ ، وأساس البلاغة (رسن) ، وكتاب العين ٦ / ٥٣ ، وبلا نسبة في تهذيب اللغة ١٠ / ٥٨٢ ، ومقاييس اللغة ٣ / ١٥٦ ، والمخصص ١٠ / ٩٢ ، ٢ / ١٥٥.

(٤) يلبه :

أعطى فلم يبخل ولم يبخّل

والرجز لأبي النجم في خزانة الأدب ٢ / ٣٩٠ ، ولسان العرب (جلل) ، والدرر ٦ / ١٣٨ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٤٩ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٥٩٥ ، وجمهرة اللغة ص ٤٧١ ، وتاج العروس ـ (

١٤

فإن القياس «الأجلّ» بالإدغام.

وقيل : خلوصه مما ذكر ، ومن الكراهة في السمع ، بأن تمجّ الكلمة ، ويتبرّأ من سماعها ، كما يتبرّأ من سماع الأصوات المنكرة ، فإن اللفظ من قبيل الأصوات ، والأصوات منها ما تستلذّ النفس سماعه ، ومنها ما تكره سماعه.

كلفظ «الجرشّى» في قول أبي الطيب :

كريم الجرشّى. شريف النّسب (١)

أي كريم النّفس ، وفيه نظر.

ثم علامة كون الكلمة فصيحة أن يكون استعمال العرب الموثوق بعربيتهم لها كثيرا ، أو أكثر من استعمالهم ما بمعناها.

وأما فصاحة الكلام فهي خلوصه من ضعف التأليف ، وتنافر الكلمات ، والتعقيد ، مع فصاحتها.

فالضعف كما في قولنا : «ضرب غلامه زيدا» فإن رجوع الضمير إلى المفعول المتأخر لفظا ممتنع عند الجمهور ، لئلا يلزم رجوعه إلى ما هو متأخر لفظا ورتبة ، وقيل :

يجوز ؛ لقول الشاعر (٢) [النابغة الذبياني] :

جزى ربّه عنّي عديّ بن حاتم

جزاء الكلاب العاويات ، وقد فعل

وأجيب عنه بأن الضمير لمصدر «جزى» أي ربّ الجزاء ، كما في قوله تعالى : (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [المائدة : الآية ٨] أي العدل.

__________________

جزل) ، (جلل) ، (خول) ، وبلا نسبة في الخصائص ٣ / ٨٧ ، وشرح الأشموني ٣ / ٥٠٨ ، ٨٩٣ ، والمقتضب ١ / ١٤٢ ، ٢٥٣ ، والممتع في التصريف ٢ / ٦٤٩ ، والمصنف ١ / ٣٣٩ ، ونوادر أبي زيد ص ٤٤ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٥٧.

(١) صدر البيت :

مبارك الاسم أغرته اللقب

والبيت من المتقارب ، وهو في ديوان المتنبي ٢ / ١٩٨ ، (طبعة دار الكتب العلمية).

(٢) البيت من الطويل ، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص ١٩١ ، والخصائص ١ / ٢٩٤ ، وله أو لأبي الأسود الدؤلي في خزانة الأدب ١ / ٢٧٧ ، ٢٧٨ ، ٢٨١ ، ٢٨٧ ، والدرر ١ / ٢١٧ ، وللنابغة أو لأبي الأسود أو لعبد الله بن همارق في شرح التصريح ١ / ٢٨٣ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٨٧ ، ولأبي الأسود الدؤلي في ملحق ديوانه ص ٤٠١ ، وتخليص الشواهد ص ٤٩٠ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ١٢٥ ، وشرح الأشموني ٢ / ٥٩ ، وشرح شذور الذهب ص ١٧٨ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٥٢ ، ولسان العرب (عوي) ، وهمع الهوامع ١ / ٦٦.

١٥

والتنافر : منه ما تكون الكلمات بسببه متناهية في الثقل على اللسان وعسر النطق بها متتابعة ، كما في البيت الذي أنشده الجاحظ (١) :

وقبر حرب بمكان قفر

وليس قرب قبر حرب قبر (٢)

ومنه ما دون ذلك ، كما في قول أبي تمام :

كريم متى أمدحه أمدحه والورى

معي ، وإذا ما لمته لمته وحدي (٣)

فإن في قوله : «أمدحه» ثقلا ما ؛ لما بين الحاء والهاء من تنافر.

والتعقيد : أن لا يكون الكلام ظاهر الدلالة على المراد به ، وله سببان :

__________________

(١) الجاحظ : هو عمرو بن بحر بن محبوب الكناني ، أبو عثمان البصري الإمام اللغوي النحوي المعروف بالجاحظ تلميذ النظام البلخي ، كان من المعتزلة رئيس الفرقة الجاحظية ، سمي بالجاحظ لجحوظ في عينيه ، ولد سنة ١٦٣ ه‍ ، وتوفي سنة ٢٥٥ ه‍ قتلته مجلدات من الكتب وقعت عليه. له من التصانيف : أخلاق الشطار ، أخلاق الملوك ، البيان والتبيين ، تحصين الأموال ، جوابات كتاب المعرفة ، حانوت عطار ، الرد على أصحاب الإلهام ، الرد على المشبهة ، الرد على النصارى ، رسالة في الحسد ، سحر البيان ، سلوة الخريف بمناظرة الربيع والخريف ، عناصر الأدب ، فضيلة المعتزلة ، كتاب آي القرآن ، كتاب الإبل ، كتاب الأخبار ، كتاب الإخوان ، كتاب الاستبداد والمشاورة في الحروب ، كتاب الاستطاعة ، كتاب الأصنام ، كتاب الاعتزال ، كتاب الإمامة ، كتاب الأمثال ، كتاب الأمصار ، كتاب الأنس والسكن ، كتاب البخلاء ، كتاب البغل ، كتاب البلدان ، كتاب النبي والمتنبي ، كتاب التربيع ، كتاب التسوية بين العرب والعجم ، كتاب التعبير ، كتاب التفكر والاعتبار ، كتاب الجواري ، كتاب الحجر والفتوة ، كتاب الحزم والجزم ، كتاب الحيوان ، كتاب الخطاب في التوحيد ، كتاب الدلال ، كتاب السلطان ، كتاب السلوك ، كتاب السودان ، كتاب الشارب والمشروب ، كتاب الصرحاء والهجناء ، كتاب صناعة الكلام ، كتاب الصولجان ، كتاب الطبائع ، كتاب الطفيليين ، كتاب العثمانية ، كتاب العرس والعرائس ، كتاب الفتيان ، كتاب الفخر بين عبد شمس وبني مخزوم ، كتاب فخر القحطانية والعدنانية ، كتاب اللصوص ، كتاب المحاسن والأضداد ، كتاب المزاح والجد ، كتاب المعرفة ، كتاب المعلمين ، كتاب المغنين ، كتاب الناشي والمنتشي ، كتاب النجم وجوابه ، كتاب النرد والشطرنج ، كتاب النساء ، كتاب الوعيد ، كتاب الوكلاء والمتوكلين ، كتاب الهدايا ، مسائل القرآن ، مسائل كتاب المعرفة ، معاني القرآن ، مقالة في أصول الدين ، نظم القرآن ، نقض الطب ، نوادر الجن. (كشف الظنون ٥ / ٨٠٢ ـ ٨٠٣).

وكانت للجاحظ آراء كثيرة ، وكان يقول : إن المعارف كلها طباع ، وأن العباد لا يفعلون إلا الإرادة فقط ، وإن المعارف ضرورية وغير ذلك كثير (انظر الملل والنحل ص ٧٥ ، الفرق ص ١٧٥).

(٢) الرجز بلا نسبة في نهاية الإيجار للفخر الرازي ص ١٢٣.

(٣) البيت من الطويل ، والبيت في نهاية الإيجاز ص ١٢٣.

١٦

أحدهما : ما يرجع إلى اللفظ ، وهو أن يختل نظم الكلام ، ولا يدري السامع كيف يتوصل منه إلى معناه ، كقول الفرزدق :

وما مثله في الناس إلّا مملّكا

أبو أمّه حيّ أبوه يقاربه (١)

كان حقّه أن يقول : وما مثله في الناس حيّ يقاربه إلا مملّكا أبو أمه أبوه ، فإنه مدح إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي خال هشام بن عبد الملك بن مروان ، فقال : وما مثله ـ يعني إبراهيم الممدوح ـ في الناس حيّ يقاربه ، أي أحد يشبهه في الفضائل ، إلا مملّكا ، يعني هشاما ، أبو أمّه ، أي أبو أمّ هشام أبوه ، أي أبو الممدوح ؛ فالضمير في «أمه» للمملّك. وفي «أبوه» للممدوح ، ففصل بين «أبو أمه» وهو مبتدأ و «أبوه» وهو خبره بـ «حيّ» وهو أجنبي ، وكذا فصل بين «حي» و «يقاربه» وهو نعت حي بـ «أبوه» وهو أجنبي ، وقدّم المستثنى على المستثنى منه ؛ فهو كما تراه في غاية التعقيد.

فالكلام الخالي من التعقيد اللفظي ما سلم نظمه من الخلل ، فلم يكن فيه ما يخالف الأصل ـ من تقديم ، أو تأخير ، أو إضمار ، أو غير ذلك ـ إلا وقد قامت عليه قرينة ظاهرة ـ لفظية ، أو معنوية ـ كما سيأتي تفصيل ذلك كله ، وأمثلته اللائقة به.

والثاني : ما يرجع إلى المعنى ، وهو أن لا يكون انتقال الذهن من المعنى الأول إلى المعنى الثاني ـ الذي هو لازمه والمراد به ـ ظاهرا ، كقول العباس بن الأحنف :

سأطلب بعد الدّار عنكم لتقربوا

وتسكب عيناي الدّموع لتجمدا (٢)

كنى بسكب الدّموع عما يوجبه الفراق من الحزن ، وأصاب لأن من شأن البكاء أن يكون كناية عنه ، كقولهم : أبكاني ، وأضحكني ، أي أساءني وسرّني ، كما قال الحماسيّ [حطان بن المعلّى] :

أبكاني الدّهر ويا ربّما

أضحكني الدّهر بما يرضي (٣)

ثم طرد ذلك في نقيضه ، فأراد أن يكني عما يوجبه دوام التلاقي من السرور

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو للفرزدق في لسان العرب (ملك) ، ومعاهد التنصيص ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في الخصائص ١ / ١٤٦ ، ٣٢٩ ، ٢ / ٣٩٣.

(٢) البيت من الطويل ، وهو في ديوان العباس بن الأحنف ص ١٠٦ ، وشرح عقود الجمان ١ / ١٥ ، ودلائل الإعجاز ص ٢٦٨ ، والإشارات والتنبيهات ص ١٢ ، وبلا نسبة في التلخيص للقزويني ص ٨.

(٣) البيت من السريع ، وهو لحطان بن المعلى في شرح ديوان الحماسة للتبريزي ١ / ١٥٢ ، ودلائل الإعجاز ٢٦٩ ، وشرح عقود الجمان ١ / ١٥.

١٧

بالجمود ، لظنّه أن الجمود خلوّ العين من البكاء مطلقا من غير اعتبار شيء آخر ، وأخطأ ، لأن الجمود خلوّ العين من البكاء في حال إرادة البكاء منها ؛ فلا يكون كناية عن المسرة ، وإنما يكون كناية عن البخل ، كما قال الشاعر :

ألا إنّ عينا لم تجد يوم واسط

عليك بجاري دمعها لجمود (١)

ولو كان الجمود يصلح أن يراد به عدم البكاء في حال المسرة لجاز أن يدعى به للرجل ، فيقال : لا زالت عينك جامدة ، كما يقال : لا أبكى الله عينك ، وذلك مما لا يشك في بطلانه ، وعلى ذلك قول أهل اللغة : «سنة جماد» لا مطر فيها ، و «ناقة جماد» لا لبن لها ، فكما لا تجعل السنة والناقة جمادا إلا على معنى أن السنة بخيلة بالقطر ، والناقة لا تسخو بالدّرّ ، لا تجعل العين جمودا إلا وهناك ما يقتضي إرادة البكاء منها ، وما يجعلها إذا بكت محسنة موصوفة بأنها قد جادت ، وإذا لم تبك مسيئة وموصوفة بأنها قد ضنّت.

فالكلام الخالي عن التعقيد المعنوي ما كان الانتقال من معناه الأول إلى معناه الثاني الذي هو المراد به ظاهرا ، حتى يخيّل إلى السامع أنه فهمه من حاق اللفظ. كما سيأتي من الأمثلة المختارة للاستعارة والكناية.

وقيل : فصاحة الكلام هي خلوصه مما ذكر ، ومن كثرة التكرار ، وتتابع الإضافات ، كما في قول أبي الطيب :

سبوح لها منها عليها شواهد (٢)

وفي قول ابن بابك :

حمامة جرعا حومة الجندل اسجعي (٣)

وفيه نظر ؛ لأن ذلك إن أفضى باللفظ إلى الثّقل على اللسان فقد حصل الاحتراز عنه بما تقدم ، وإلا فلا تخلّ بالفصاحة ، وقد قال النبى صلّى الله عليه وسلّم : «الكريم ابن الكريم ابن

__________________

(١) البيت من البسيط ، وهو لأبي عطاء السندي في شرح ديوان الحماسة للتبريزي ١ / ١٥١ ، ودلائل الإعجاز ص ٢٦٩ ، والإشارات والتنبيهات ص ١٢.

(٢) صدر البيت :

وتسعدني في غمرة بعد غمرة

والبيت من الطويل ، وهو في ديوان المتنبي ٢ / ٧٠ (طبعة دار الكتب العلمية).

(٣) عجز البيت :

فأنت بمرأى من سعاد ومسمع

والبيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في تاج العروس (جندل).

١٨

الكريم : يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم» (١).

قال الشيخ عبد القاهر (٢) : قال الصاحب (٣) : إياك والإضافات المتداخلة فإنها لا تحسن. وذكر أنها تستعمل في الهجاء ، كقول القائل :

يا عليّ بن حمزة بن عماره

أنت ـ والله ـ ثلجة في خياره (٤)

ثم قال الشيخ : ولا شك في ثقل ذلك في الأكثر ، لكنه إذا سلم من الاستكراه ملح ولطف.

ومما حسن فيه قول ابن المعتز أيضا :

وظلّت تدير الرّاح أيدي جآذر

عتاق دنانير الوجوه ملاح (٥)

ومما جاء فيه حسنا جميلا قول الخالدي (٦) يصف غلاما له :

ويعرف الشّعر مثل معرفتي

وهو على أن يزيد مجتهد

وصيرفيّ القريض وزّان دينار

المعاني الدّقاق ، منتقد

وأما فصاحة المتكلم فهي : ملكة يقتدر بها على التعبير عن المقصود بلفظ فصيح.

فالملكة : قسم من مقولة الكيف التي هي هيئة قارّة لا تقتضي قسمة ولا نسبة ، وهو مختص بذوات الأنفس ، راسخ في موضوعه.

وقيل : «ملكة» ولم يقل : «صفة» ليشعر بأن الفصاحة من الهيئات الراسخة ؛ حتى لا

__________________

(١) أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء باب ١٩ ، والمناقب باب ١٣ ، وتفسير سورة ١٢ ، باب ، والترمذي في تفسير سورة ١٢ ، باب ١ ، وأحمد في المسند ٢ / ٩٦ ، ٣٣٢ ، ٤١٦.

(٢) الشيخ عبد القاهر الجرجاني ، تقدمت ترجمته.

(٣) الصاحب بن عباد : هو إسماعيل بن أبي الحسن عباد بن العباس بن عباد ، الصاحب ، أبو القاسم الطالقاني الشيعي نزيل الري ، ولد سنة ٣٢٦ ه‍ وزير غلب عليه الأدب ، لقب بالصاحب لصحبته مؤيد الدولة من صباه فكان يدعوه بذلك ، توفي بأصبهان سنة ٣٥٨ ه‍. من مصنفاته : الإقناع ، في العروض ، الجوهرة مختصر الجمهرة ، في النحو ، ديوان شعره ، فضائل النيروز ، كافي الرسائل ، كتاب أسماء الله سبحانه وتعالى وصفاته ، كتاب الإمامة ، كتاب الوزراء ، الكشف عن مساوي شعر المتنبي ، المحيط في اللغة ، سبعة مجلدات ، أخبار أبي العيناء ، تاريخ الملك واختلاف الدول ، ديوان الرسائل ، العروض الكافي ، عنوان المعارف ، في التاريخ ، كتاب الأعياد ، كتاب الزيدين ، نهج السبيل ، في الأصول (كشف الظنون ٥ / ٢٠٩).

(٤) البيت من الخفيف ، وهو بلا نسبة في دلائل الإعجاز ص ١٠٤ ، وشرح عقود الجمان ١ / ١٦.

(٥) البيت لابن المعتز في ديوانه (باب الشراب) ، ودلائل الإعجاز ص ٦٠٤.

(٦) هو سعيد بن هشام ، من شعراء اليتيمة ، توفي سنة ٣٧٠ ه‍.

١٩

يكون المعبّر عن مقصود بلفظ فصيح فصيحا إلا إذا كانت الصفة التي اقتدر بها على التعبير عن المقصود بلفظ فصيح راسخة فيه.

وقيل : «يقتدر بها» ولم يقل : «يعبر بها» ليشمل حالتي النّطق وعدمه.

وقيل : «بلفظ فصيح» ليعم المفرد والمركب.

وأما بلاغة الكلام فهي : مطابقته لمقتضى الحال مع فصاحته.

ومقتضى الحال مختلف ؛ فإن مقامات الكلام متفاوتة ، فمقام التنكير يباين مقام التعريف ، ومقام الإطلاق يباين مقام التقييد ، ومقام التقديم يباين مقام التأخير ، ومقام الذّكر يباين مقام الحذف ، ومقام القصر يباين مقام خلافه ، ومقام الفصل يباين مقام الوصل ، ومقام الإيجاز يباين مقام الإطناب والمساواة ، وكذا خطاب الذكيّ يباين خطاب الغبيّ.

وكذا لكل كلمة مع صاحبتها مقام ، إلى غير ذلك ، كما سيأتي تفصيل الجميع.

وارتفاع شأن الكلام في الحسن والقبول بمطابقته للاعتبار المناسب ، وانحطاطه بعدم مطابقته له.

فمقتضى الحال هو الاعتبار المناسب.

وهذا ـ أعني تطبيق الكلام على مقتضى الحال ـ هو الذي يسمّيه الشيخ عبد القاهر بالنظم حيث يقول : النظم تأخّي معاني النّحو فيما بين الكلم على حسب الأغراض التي يصاغ لها الكلام.

فالبلاغة صفة راجعة إلى اللفظ باعتبار إفادته المعنى عند التركيب. وكثيرا ما يسمى ذلك فصاحة أيضا ، وهو مراد الشيخ عبد القاهر بما يكرره في «دلائل الإعجاز» من أن الفصاحة صفة راجعة إلى المعنى دون اللفظ ، كقوله في أثناء فصل منه : علمت أن الفصاحة والبلاغة وسائر ما يجري في طريقهما أوصاف راجعة إلى المعاني ، وإلى ما يدل عليه بالألفاظ ، دون الألفاظ أنفسها.

وإنما قلنا مراده ذلك لأنه صرّح في مواضع من «دلائل الإعجاز» بأن فضيلة الكلام للفظ ، لا لمعناه ، منها أنه حكي قول من ذهب إلى عكس ذلك فقال : فأنت تراه لا يقدّم شعرا حتى يكون قد أودع حكمة أو أدبا أو اشتمل على تشبيه غريب ومعنى نادر.

ثم قال : والأمر بالضد إذا جئنا إلى الحقائق وما عليه المحصّلون لأنا لا نرى متقدّما في علم البلاغة مبرّزا في شأوها إلا وهو ينكر هذا الرأي.

٢٠