التطبيق النحوى

الدكتور عبده الراجحي

التطبيق النحوى

المؤلف:

الدكتور عبده الراجحي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار المعرفة الجامعية
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٥٠

١
٢

٣
٤

مقدمة الطبعة الثانية

نحمد الله تعالى ، ونستعينه ، ونستهديه. ونصلى ونسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وبعد ، ،

فقد ظهرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب منذ ست وعشرين سنة ، وكنت قد توفرت على كتابته والانتهاء منه فى شهر رمضان الواقع فى سنة ألف وثلاثمائة وإحدى وتسعين للهجرة ، فأدركته بركة هذا الشهر الكريم ؛ فلقى من القبول ما لم أكن أطمح إليه ، ولقيت بسببه من التشجيع والتكريم ما أرانى غير أهل له ، وظهرت منه نسخ مصوّرة كل سنة فى كثير من بلاد العالم فى الشرق والغرب ، غير أن ذلك لفتنى عما ينبغى نحوه من مراجعته ومعاودة النظر فيه.

وهأنذا الآن أعود إليه بعد هذه السنوات التى نيّفت على ربع قرن من الزمان ، مؤكدا ما قلته فى مقدمة طبعته الأولى عن حال تعليم النحو العربى فى عصرنا هذا ، مضيفا إليه ما كتبته ـ من قبل ـ فى غير موضع من ضرورة التزام «العلم» فى تعليم العربية ، ومن الإفادة من جهود الناس ـ حيثما يكونون ـ فى هذا المجال.

لا تختلف هذه الطبعة عن سابقتها فى المنهج ولا فى التبويب ولا فى طريقة العرض ؛ غير أنى صوّبت ما وقع فى الأولى من خطأ ، وحذفت ما حسبته غير نافع ، وزدت فصلا جديدا بما أسميته بالجمل الأسلوبية ، وضمنت المسائل جميعها عددا غير قليل من التنبيهات تلفت إلى الأخطاء التى شاعت فى الاستعمال المعاصر.

أدين بشكر أراه نعمة من نعم الله التى لا تحصى ـ لكل أساتذتى وزملائى وتلاميذى ممن زودونى بنصائحهم وتعليقاتهم وممن أكرمونى فى هذا الكتاب. وأود أن أقدم عرفانى ومودتى إلى أخى الأستاذ أبى محمد مصطفى كريدية

٥

صاحب دار النهضة العربية ببيروت الذى نهض ـ بطاقته المعهودة ـ على نشر هذا الكتاب وتوزيعه هذه السنوات الطويلة فى أنحاء العالم. كما أشكر للأخ صابر عبد الكريم صاحب دار المعرفة الجامعية تحمسه لإخراج هذه الطبعة فى صورتها الحالية.

وأما زوجتى الحبيبة وأبنائى الأعزاء فلا أملك لهم من الشكر إلا أن أدعو الله أن يتقبل منى ومنهم لقاء ما نقصت من وقتهم ومن حقوقهم عن سعادة منهم. ورضى.

أسأل الله تعالى أن ينفع بهذا الكتاب وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم

عبده الراجحى

الإسكندرية ٢٦ من محرم ١٤١٩ ه

٢٢ من مايو «آيار» ١٩٩٨ م.

٦

مقدمة الطبعة الأولى

بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسّلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وبعد ،

فالذى لا شك فيه أن كثرة كثيرة من الناس تشكو من درس النحو العربى ومما تعانيه من الكد فى سبيل إتقانه وإقامة ألسنتها وأقلامها عليه وعجيب أمر هذه اللغة المفترى عليها ، وعجيب أمر نحوها. فمنذ فجاء؟؟؟ الحضارة العربية نهض أصحاب هذه اللغة يدرسونها ويضعون القوانين التي؟؟؟ تحكمها حتى إننا لا نعرف لغة اهتم بها أصحابها قدر ما لقيت العربية من؟؟؟ اهتمام ، ومنذ عصر الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم والعلماء يتتابعون؟؟؟ واحدا فى إثر واحد ومدرسة بعد مدرسة ، فى إنشاء النحو العربى وتطويره وتأصيله ، حتى بلغ مرحلة من النضج العلمى والوضوح المنهجى لم يبلغها علم آخر.

يقول المستشرق الألمانى يوهان فك «ولقد تكفلت القواعد التى وضعها النحاة العرب فى جهد لا يعرف الكلل ، وتضحية جديرة بالإعجاب بعرض اللغة الفصحى وتصويرها فى جميع مظاهرها ، من ناحية الأصوات ، والصيغ وتركيب الجمل ، ومعانى المفردات على صورة شاملة ، حتى بلغت كتب القواعد الأساسية عندهم مستوى من الكمال لا يسمح بزيادة لمستزيد (١)» وتلك حقيقة لا نستشهد بكلام مستشرق على صوابها ولكنا نشير فحسب إلى هذا النحو وقدرته على حفظ العربية طوال هذه القرون ، وصيانتها من التحلل والفساد ، وذلك وحده كاف أن نطرح من فكرنا تشكيكنا؟؟؟ النحو العربى ، وعلينا أن نبحث عن الداء فى موطن آخر

__________________

(١)؟؟؟ : العربية ، دراسة فى اللغة واللهجات والأساليب. ترجمة الدكتور عبد الحليم النجار ـ مطبعة الخانجى ـ القاهرة ١٩٥١ ، ص ٢.

٧

والمتتبعون لتاريخ العربية فى العصر الحديث يعلمون أنها تعرضت لخطة مدروسة تستهدف القضاء عليها من خلال القضاء على نحوها ، وظلت هذه الخطة تعمل عملها حتى وقر فى أذهان الناس أن النحو العربى صار جامدا لا يساير العصر ، وأن علينا أن نبحث عن نحو جديد ، وظهرت إلى الوجود تجارب من هنا ومن هناك ماتت الواحدة منها بعد الأخرى وظل النحو العربى هو هو دون أن يصل المخططون إلى ما يبغون من القضاء عليه.

على أننا لا ينبغى أن ننكر أن طريقة تدريس النحو فى مدارسنا وفى جامعاتنا غير صالحة فى نقل ما وضعه النحاة إلى الناشئة والدارسين ، ولعل ضعف مدرس العربية ثمرة من ثمرات التخطيط الذى أشرنا إليه منذ قليل. فالعيب ـ فى الحق ـ ليس فى النحو العربى ولكنه يكمن فينا نحن لا جدال. ولقد رأينا شبابا من الأوربيين يتكلمون النحو العربى ويتقنونه ويرجعون فيه إلى مصادره الأولى ، كما نرى كل يوم أعدادا لا حصر لها ممن يمارس اللغة فيتقنها كتابة وضبطا وأداء.

والنحو أساس ضرورى لكل دراسة للحياة العربية ؛ فى الفقه والتفسير والأدب والفلسفة والتاريخ وغيرها من العلوم ، لأنك لا تستطيع أن تدرك المقصود من نص لغوى دون معرفة بالنظام الذى تسير عليه هذه اللغة. يقول عبد القاهر : «إن الألفاظ مغلقة على معانيها حتى يكون الإعراب هو الذى يفتحها ، وأن الأغراض كامنة فيها حتى يكون هو المستخرج لها ، وأنه المعيار الذى لا يتبين نقصان كلام ورجحانه حتى يعرض عليه ، والمقياس الذى لا يعرف صحيح من سقيم حتى يرجع إليه ، ولا ينكر ذلك إلا من ينكر حسّه ، وإلا من غالط فى الحقائق نفسه (١)».

ونحن نؤمن بضرورة تدريس النحو فى جامعاتنا فى مظانه القديمة إلى جانب الدرس التطبيقى ، ولقد كان ذلك نهج القدماء ، قدموا لنا كتبا تضم أبواب النحو ، وتوفّر عدد منهم على معالجة النصوص معالجة نحوية تطبيقية ؛

__________________

(١) عبد القاهر الجرجانى. دلائل الاعجاز ـ مطبعة المنار ١٣٣١ ه‍. ص ٢٣.

٨

فكثير من كتب التفسير يهتم بالقضايا النحوية فى النص ، كما أفرد غير واحد كتبا خاصة فى تحليل القراءات القرآنية تحليلا نحويا كما نعرف عن أبى على الفارسي فى كتابه «الحجة فى القراءات السبع» وعن تلميذه ابن جنى فى كتابه «المحتسب فى تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها». وكتب آخرون كتبا فى إعراب القرآن مثل «إعراب القرآن» المنسوب إلى الزجاج ، «وإعراب ثلاثين سورة من القرآن لابن خالويه» ، «وإملاء ما من به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات فى جميع القرآن» لأبى البقاء العكبرى. كما كتب ابن جنى شرحا نحويا لديوان المتنبى.

ومن هذه الطريقة ، ومن الإيمان بضرورة تدريب الطلاب على درس النحو درسا تطبيقيا نقدم هذا الكتاب ، وقد قسمناه بابين ؛ أولهما عن الكلمة ، وثانيهما عن الجملة ، ثم ألحقنا به قسما خاصا عن بعض المتفرقات التى لها استعمالات معينة بالإضافة إلى نماذج إعرابية.

ويرى الدارس أننا نعتمد فى عرض المادة النحوية على المصطلحات القديمة مع شرح ما تعنيه هذه المصطلحات بالأمثلة الموضحة وطريقة إعراب كل مثال ، ثم ذيلنا كل قسم بتدريبات من القرآن الكريم. وغنى عن البيان أن هذا الكتاب لا يعرض لشرح أبواب النحو جميعها على طريقة الكتب التفصيلية ، وإنما يهدف إلى تقديم الاستعمالات المختلفة للجملة مع تحليلها تحليلا نحويا تطبيقيا. ولقد دلت التجربة على أن هذه الطريقة التطبيقية ـ بجانب الدرس اللغوى ـ تأخذ بيد الطالب إلى فهم أصول الجملة العربية وإلى إدراك نظامها ومن ثم إلى إتقان النحو إتقانا واضحا.

والله نسأل أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه.

والله وحده ولى التوفيق ، ، ،

عبده الراجحى

٩
١٠

الباب الأول

الكلمة

١١
١٢

(١)

تحديد نوع الكلمة

الجملة ميدان علم النحو ؛ لأنه العلم الذي يدرس الكلمات في علاقة بعضها ببعض. وحين تكون الكلمة في جملة يصبح لها معنى نحوي ؛ أي تؤدي وظيفة معينة تتأثر بغيرها من الكلمات وتؤثر في غيرها أيضا ، وأنت حين تقول إن هذه الكلمة «فاعل» مثلا فإنك تعني أن قبلها" فعلا" بينه وبين الفاعل علاقة من نوع ما ، وهكذا في بقية أبواب النحو.

النحو إذن لا يدرس أصوات الكلمات ، ولا بنيتها ، ولا دلالتها ، وإنما يدرسها من حيث هي جزء في كلام تؤدي فيه عملا معينا.

علي أن أهم خطوة في التحليل النحوي هي أن تحدد الكلمة ، وعلي تحديدك لها يتوقف فهمك للجملة ، ويتوقف صواب تحليلك من خطئه.

وأنت تعلم أن الكلمة العربية إما أن تكون اسما أو فعلا أو حرفا. فهي لا تخرج عن واحد من هذه الثلاثة. وعليك أن تسأل نفسك دائما :

ما نوع هذه الكلمة؟ أهي اسم أم فعل أم حرف؟

إن هذا السؤال له أهمية خاصة في التطبيق النحوي ، لأن إجابتك عنه ستترتب عليه كل خطواتك بعد ذلك ..

وذلك :

* أن الكلمة إن كانت حرفا فهي مبنية ولا محل لها من الإعراب.

* وإن كانت فعلا فقد تكون مبنية وقد تكون معربة ، ولكن لا بد لها من معمولات تعمل فيها على ما سنعرفه تفصيلا.

* وإن كانت اسما فلا بد أن يكون لها موقع إعرابي ، مبنية كانت أو معربة.

١٣

فضلا عن أن نوع الكلمة يعينك على معرفة نوع الجملة التي هي مدار الدراسة النحوية.

ولننظر في الأمثلة التالية :

١ ـ ما جاء علي.

٢ ـ (ما هذا بشرا).

٣ ـ إنما محمد رسول.

٤ ـ (فبما رحمة من الله لنت لهم).

٥ ـ (يسبح لله ما في السموات وما في الأرض)

٦ ـ ما أدراك أن عليا قادم؟

٧ ـ ما أكلت اليوم؟

٨ ـ ما أجمل السماء!

فأنت ترى أن الكلمة المشتركة في هذه الجمل هي" ما" ، ولكن نوعها في بعض الجمل يختلف عنه في الجمل الأخرى ؛

١ ـ فهي في الجملة الأولي حرف نفي لا محل له من الإعراب ، ولا تأثير لها على بقية كلمات الجملة إلا من ناحية المعنى وهو النفي.

٢ ـ وهي في الجملة الثانية حرف نفي لا محل له من الإعراب ، ولكنها عاملة عمل ليس ، أي أنها تؤثر على كلمات الجملة ، فكلمة (هذا) اسمها مبني علي السكون في محل رفع ، وكلمة (بشرا) خبرها منصوب بالفتحة.

٣ ـ وهي في الجملة الثالثة حرف كافّ لا محل له من الإعراب ، كف (إنّ) عن العمل.

٤ ـ وهي في الجملة الرابعة حرف زائد بين حرف الجر والمجرور.

٥ ـ وهي في الجملة الخامسة اسم موصول مبني علي السكون في محل رفع لأنه فاعل للفعل (يسبّح).

٦ ـ وهي في الجملة السادسة اسم استفهام مبني علي السكون في محل رفع مبتدأ ، ولا بد أن يكون له خبر ، والخبر هو الجملة الفعلية بعده.

١٤

٧ ـ وهي في الجملة السابعة اسم استفهام مبني علي السكون فى محل نصب مفعول به للفعل بعده.

٨ ـ وهي في الجملة الثامنة اسم تعجب مبني علي السكون فى محل رفع مبتدأ ، والجملة الفعلية بعده خبر.

ثم لننظر في الأسئلة الآتية :

١ ـ هل حضر عليّ؟

٢ ـ متى حضر عليّ؟

٣ ـ من حضر اليوم؟

كلمة (هل) حرف استفهام لا محل له من الإعراب

وكلمة (متى) اسم استفهام مبني على السكون في محل نصب ظرف زمان.

وكلمة (من) اسم استفهام مبني علي السكون في محل رفع مبتدأ

ومعنى ذلك أن كلمات الاستفهام ليست نوعا واحدا ؛ فقد تكون حرفا او اسما ، وهي حين تكون اسما لا تكون في موقع إعرابي واحد ، فقد تكون في محل رفع أو نصب أو جر.

فأنت ترى إذن أن تحديدك لنوع الكلمة يترتب عليه فهمك لموقعها ولوظيفتها في الجملة ولعلاقتها بالكلمات الأخرى مما يهديك في النهاية إلى المعنى المقصود وهو الغاية الأساسية للدراسة النحوية.

ملحوظة : يخطئ بعض الدارسين حين يستعمل في دراسة النحو كلمة" أداة" ، فيقول : أداة استفهام أو أداة نفي أو أداة شرط ، وذلك كله خطأ لأن الكلمة العربية ـ كما حددها النحاة ـ ليس فيها أداة ، وإنما هي اسم أو فعل أو حرف ليس غير. ولو أنك أعربت الأمثلة الأخيرة وقلت عن (هل متى ـ من) إنها أداة استفهام لما أعانك ذلك على معرفة؟؟؟ الإعراب ولا ارتباطها بما يتلوها من كلمات.

* * *

١٥

(٢)

حالة الكلمة

(الإعراب والبناء)

والكلمة المعربة هي الكلمة التي يتغير آخرها لتغير العامل ، أما الكلمة المبنية فهي التي لا يتغير آخرها مهما يتغير عليها من عوامل.

مثلا :

حضر زيد.

حضر هذا.

رأيت زيدا.

رأيت هذا.

مررت بزيد.

مررت بهذا.

كلمة" زيد" تغير شكل آخرها لتغير العوامل التي هي" حضر ـ رأيت ـ مررت ب" ، وهي بذلك كلمة معربة ، علي حين بقيت كلمة" هذا" دون تغيير رغم تغير العوامل نفسها ؛ فهي إذن كلمة مبنية.

وكل كلمة لا تخرج عن حالة من هاتين الحالتين ؛ فهي إما مبنية وإما معربة ، وليست هناك حالة ثالثة ، كما أن الكلمة لا تكون مبنية ومعربة في وقت واحد.

ولننظر في المثال التالي :

ذهب محمد إلى المدينة صباحا.

فإذا أعربنا هذه الجملة قلنا :

ذهب : فعل ماض مبني علي الفتح.

محمد : فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة.

إلى : حرف جر مبني علي السكون لا محل له من الإعراب.

المدينة : مجرور بإلى وعلامة جره الكسرة الظاهرة.

صباحا : ظرف زمان منصوب بالفتحة الظاهرة.

١٦

فأنت ترى أن الكلمتين (ذهب) و (إلى) كلمتان مبنيتان ، وأن الكلمات (محمد) و (المدينة) و (صباحا) كلمات معربة.

وينبغي أن تكون مدققا في استعمال العبارات التي تستخدمها في كل من الإعراب والبناء. ولعلك لاحظت أنا نقول :

مبني على الفتح ، ولم نقل مبني بالفتحة أو على الفتحة.

ومرفوع بالضمة ، ولم نقل مرفوع بالضم أو على الضم.

ففي حالة البناء نقول :

مبني علي الضم

مبني علي الكسر

مبني علي الفتح

مبني علي السكون

وفي حالة الإعراب لا بد أن نذكر كلمة مرفوع أو منصوب أو مجرور أو مجزوم فنقول :

مرفوع بالضمة.

منصوب بالفتحة.

مجرور بالكسرة.

مجزوم بالسكون.

١٧

(٣)

الإعراب

الإعراب هو العلامة التي تقع في آخر الكلمة وتحدد موقعها من الجملة ، أي تحدد وظيفتها فيها ، وهذه العلامة لا بد أن يتسبب فيها عامل معين ولما كان موقع الكلمة يتغير حسب المعنى المراد ، كما تتغير العوامل ، فإن علامة الإعراب تتغير كذلك.

ففي الجملة السابقة (ذهب محمد إلى المدينة صباحا) نرى أن كلمة (محمد) مرفوعة بالضمة ، وهي علامة إعرابها التي دل على موقعها أو وظيفتها وهي كونها فاعلا ، فكلمة (محمد) هي المعرب ، والفعل (ذهب) هو العامل ، والضمة هي علامة الإعراب.

وكذلك كلمة (المدينة) اسم مجرور بالكسرة ، فهو معرب ، والعامل هو الحرف (إلى) ، والكسرة علامة الإعراب : وكلمة (صباحا) ظرف منصوب بالفتحة ، فهي اسم معرب ، والعامل فيه هو الفعل (ذهب) ، والفتحة علامة الإعراب. وكل اسم من هذه الأسماء المعربة معمول للعامل الذي عمل فيه الإعراب.

فالإعراب ـ إذن ـ له أركان لا بد أن تكون محيطا بها عند إعرابك الكلمة ، وهي :

١ ـ عامل : وهو الذي يجلب العلامة.

٢ ـ معمول : وهو الكلمة التي تقع في آخرها العلامة.

٣ ـ موقع : وهو الذي يحدد معنى الكلمة أي وظيفتها مثل الفاعلية والمفعولية والظرفية وغيرها.

٤ ـ علامة : وهي التي ترمز إلى كل موقع على ما تعرفه في أبواب النحو.

* ملحوظة : ليس من هدف هذا الكتاب تقديم معالجات نظرية ، لكننا نلفت إلى أن العامل عنصر جوهري في الفكر النحوي العربي.

١٨

(٤)

علامات الإعراب

يحدد النحاة الكلمة المعربة بأنها الاسم المتمكن والفعل المضارع غير المتصل بنون التوكيد أو نون السوة.

والاسم ـ كما تعلم ـ ينقسم قسمين ، اسم متمكن ، واسم غير متمكن أما الاسم المتمكن فهو الذي لا يختلط بالحرف ، وهو الذي إذا نطقته جلب إلى ذهنك على الفور صورة الشيئ الذي يدل عليه دون التباسه بحرف من الحروف ، فأنت حين تقول : (رجل ـ كتاب ـ شجرة) فإن كل كلمة منها لا تشبه الفعل ولا الحرف بأي وجه من وجوه الشبه ، وبخاصة في بنيتها. وهذا النوع من الأسماء هو الاسم المعرب. وكل واحد منها يسمى اسما متمكنا.

فالمعربات إذن هي :

١ ـ الاسم المتمكن

٢ ـ الفعل المضارع غير المتصل بنون التوكيد أو بنون النسوة. وللإعراب حالات أربع ، لكل منها علامة خاصة ، هي :

١ ـ الرفع وعلامته الضمة.

٢ ـ النصب وعلامته الفتحة.

٣ ـ الجر وعلامته الكسرة

٤ ـ الجزم وعلامته السكون.

وهذه العلامات هي التي تعرف بالإعراب بالحركات.

ولنتدرب الآن على أمثلة لكل حالة.

١ ـ يقرأ محمد كتابا.

يقرأ : فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة.

محمد : فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة.

١٩

كتابا : مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة.

٢ ـ يقرأ محمد في البيت كتاب النحو.

في : حرف جر مبني على السكون لا محل له من الإعراب.

البيت : اسم مجرور بفي وعلامة جره الكسرة الظاهرة.

كتاب : مفعول به منصوب بالفتحة ، وهو مضاف.

النحو : مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة.

وأنت تعلم أن جمع المؤنث السالم ينصب بالكسرة نيابة عن الفتحة ، وأن الممنوع من الصرف يجر بالفتحة نيابة عن الكسرة ، فتقول :

رأيت شجرات مثمرة في أماكن كثيرة.

شجرات : مفعول به منصوب بالكسرة نيابة عن الفتح لأنه جمع مؤنث سالم.

مثمرة : صفة منصوبة بالفتحة الظاهرة.

في : حرف جر مبني على السكون لا محل له من الإعراب.

أماكن : مجرور بفي وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف.

كثيرة : صفة مجرورة بالكسرة الظاهرة.

(أنت ترى أننا أعربنا الصفة حسب أصل الموصوف ، فكلمة (مثمرة) صفة لكلمة (شجيرات) وهي منصوبة ، والأصل في النصب هو الفتحة ، أما الكسرة فقد جاءت لسبب عارض وهو كون الكلمة جمع مؤنث سالما ، وكذلك الحال بالنسبة للصفة الثانية وموصوفها ـ أماكن كثيرة ـ).

وهناك علامات أخرى غير هذه الحركات ، وهي التي نسميها الإعراب بالحروف ، وهي الألف والواو والياء والنون.

فالمثنى يرفع بالألف وينصب ويجر بالياء.

٢٠