الحدائق النديّة في شرح الفوائد الصمديّة

السيد علي خان المدني الشيرازي

الحدائق النديّة في شرح الفوائد الصمديّة

المؤلف:

السيد علي خان المدني الشيرازي


المحقق: الدكتور السيد أبو الفضل سجادي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: روح الأمين
الطبعة: ٠
ISBN: 978-964-518-296-8
الصفحات: ٩٤٧

مقدّمة

الحمد لله الّذي علّم بالقلم ، علّم الإنسان ما لم يعلم ، والصلاة والسّلام على نبي الأمم سيّدنا محمّد الأجلّ الأكرم.

علم النحو ، علم يعرف به صحّة وسقم اللغة ، وما يتعلّق بالألفاظ من حيث موقعها في الجملة ، والغرض منه الإحتراز عن الخطأ في التأليف ، والقدرة على الفهم والإيصال. وأهمية علم النحو متأتّية من وجوب الحفاظ على أصول وقواعد اللغة كفرض. إذ لا يحفظ دين ولا ثقافة إلا بحفظ اللغة ، وقد صدق من قال :

حفظ اللغات علينا

فرض كفرض الصلات

فليس يحفظ دين

إلا بحفظ اللغات

وانطلاقا من حرص المسلمين على فهم ما جاء به كلام الوحي بأفضل وجوهه ، فقد شكّل القرآن الكريم بالنسبة لهم نبعا ثرّا ، توفّروا منه على معارف غزيرة ، ساعدتهم في تطوير هذا الفهم ووضع أسس علميّة له ، وذلك بما توفّر لهم من وسائل وقدرات علمية. وإذا ما كان جمع القرآن يمثّل أولى الخطوات على طريق الاهتمام بالقرآن الكريم. فإنّ وضع علم النحو يمثّل الخطوة الثانية للحافظ على سلامة أداء النص القرآنيّ بعد شياع اللحن على ألسنة الناس. من هنا يمكن القول إنّ هاجس الحفاظ على سلامة النص القرآنيّ كان الدافع الرئيس لوضع علم النحو والإعراب ، ذلك لأنّ ظهور اللحن وتفشّيه بين الخاصّة والعامّة حتّى على لسان قرّاء القرآن الكريم كان الباعث على تدوين أصول اللغة واستنباط قواعد النحو.

وبهذا نرى أنّ السبب والدافع الرئيس في وضع القواعد النحوية كان حفظ القرآن الكريم من التحريف والخطأ والانحراف ، بحيث يمكن اعتبار العامل الدينيّ هنا أنّه شكّل العامل الأوّل فى وضع علم النحو بالإضافة إلى عوامل أخرى.

وقد قيل إنّ أوّل كلام في النحو أطلقه أبو الأسود الدؤلي المتوفي سنة ٦٧ ه‍. وإنّ اسم علم النحو جاء من مضمون ما جرى بين علي بن أبي طالب (ع) وأبي الأسود

١

الدؤلي حين ألقى عليه شيئا من أصول هذا النحو ، ثمّ قال له : «انح هذا النحو» فسمّي هذا العلم بـ «علم النحو».

بعد الدؤلّي ظهر كثير من العلماء الذين توافروا على علم النحو ، وقد كان للخليل بن أحمد الفراهيديّ ، أستاذ شيخ النحو سيبويه ، فضل كبير على هذا العلم. وقد أخذ عنه سيبويه ، وأكمل من بعده فروع هذا العلم ، وأكثر من أدلّته وشواهده وقواعده ، ووضع فيه كتابه المشهور «الكتاب».

في عصر الانحطاط وشيوع اللحن بصورة واسعة لدرجة أنّه غلب على سلامة اللغة ، ظهر نحاة كبار كابن مالك (٦٠٠ ـ ٦٧٢ ه‍) الّذي اشتهر بـ «ألفية» المعروفة في النحو ، وهي أرجوزة من ألف بيت وبيتين ، اختصر فيها أرجوزته «الكافية الشافية» الطويلة الّتي تقع في ١٧٥٧ بيتا.

وممّن ساهم في التإليف بعلم النحو أيضا عبد الله بن يوسف الأنصاري المعروف بابن هشام (٧٠٨ ـ ٧٦١ ه‍) الّذي نال شهرة واسعة بكتابه «مغني اللبيب» في النحو. واشتهر أيضا في النحو ابن آجروم (٦٧٣ ـ ٧٢٣ ه‍) ، وأهمّ مؤلّفاته «المقدّمة الآجروميّة في مبادي علم العربيّة».

ويمكن القول إنّ علم النحو الّذي اتّسع وتفرّعت أبوابه وازدادت الآراء فيه إبّان العصر العباسيّ ، وجد في عصر الانحطاط من يقصر من ذيوله ، ويحدّ من تشعباته كما نرى في ألفيّة ابن مالك والمغني لابن هشام وغيرهما.

وفي عصر الانحطاط أيضا ظهر الشيخ بهاء الدين العامليّ المعروف بالشيخ البهائيّ ، وهو من العلماء الّذين لو تبعهم المسلمون ، واستضاؤوا بأنوارهم الربّانيّة لوصلوا إلى أعلى المراتب والدرجات العلميّة في كلّ علم ولصاروا روّاد العلوم ، لأنّه (لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [المنافقون / ١٤].

البهائي هو الّذي وضع كتابا في علم النحو سمّاه «الفوائد الصمدية». و «الفوائد الصمدية» كما جاء في مقدّمته «حوت من هذا الفن ما نفعه أعمّ ومعرفته للمبتدئين أهمّ ، وتضمّنت فوائد جليلة في قوانين الإعراب ، وفرائد لم يطّلع عليها إلا أولو الالباب». وقد حاول البهائيّ في هذا الكتاب أن يجمع آراء كبار النحاة في هذا المجال ، بحيث جاء كتابه حاويا لدقائق الأمور. فما من قاعدة من القواعد النحويّة إلا وأشار إليها بصورة موجزة ما جعل هذا الكتاب على الرغم من إيجازه الشديد وبلاغته حاويا لاهمّ القواعد النحويّة في اللغة العربية.

٢

وفي كتاب «الفوائد الصمديّة» تظهر ميول الشيخ البهائي لتبنّي المذهب البصري في النحو ، وذلك بسبب اشتغاله بعلمي الرياضة والهندسة ، ولأنّ أساس المذهب البصريّ يقوم على القياس ، في حين أنّ المذهب الكوفيّ يقوم على السماع. وكأنّ الهندسة أثّرت على أسلوب البهائيّ في علم النحو ، ويظهر ذلك جليّا في التقسيمات الّتي اعتمدها في توزيع مباحث كتابه «الفوائد الصمديّة» ما جعله يختلف عن سائر النّحويّين.

قسّم العامليّ الفوائد الصمديّة إلى خمس حدائق : في الحديقة الأولى جاء بمقدّمات علم النحو ، كتعريف علم النحو والكلمة والكلام وأقسام الاسم والفعل والإعراب والبناء وأنواعها وعلائم الرفع والنصب والجرّ ومواضع تقدير الإعراب.

واختصّ الحديقة الثانية بما يتعلّق بالأسماء ، وقسّم الاسم إلى المعرب والمبنيّ ، وقسّم المعربات إلى أنواع ، الأوّل : ما يرد مرفوعا لا غير ، وهو أربعة ؛ الأوّل : الفاعل ، والثاني : نائب الفاعل ، والثالث والرابع : المبتدأ والخبر ، ثمّ جعل النواسخ في فصل ، وقال : تدخل على المبتدإ والخبر أفعال وحروف ، فتجعل المبتدأ اسما لها ، والخبر خبرا لها ، وتسمّي النواسخ ، وهي خمسة أنواع : الأوّل : الأفعال الناقصة ، والثاني : الأحرف المشبّهة بالفعل ، الثالث : ما ولا المشبهتان بليس ، الرابع : لا النافية للجنس ، الخامس : الأفعال المقاربة. والنوع الثاني ما يرد منصوبا لا غير ، وهو ثمانية : الأوّل : المفعول به ، والثاني : المفعول المطلق ، الثالث : المفعول له ، الرابع : المفعول معه ، الخامس : المفعول فيه ، السادس : المنصوب بترع الخافض ، السابع : الحال ، والثامن : التمييز.

النوع الثالث : ما يرد مجرورا لا غير وهو اثنان : الأوّل : المضاف إليه ، والثاني : المجرور بالحرف.

النوع الرابع : ما يرد منصوبا وغير منصوب ، وهو أربعة : الأوّل : المستثنى ، والثاني : المشتغل عنه العامل ، الثالث : المنادى ، الرابع : مميّز أسماء العدد. وهذا الأسلوب في تقسيم المرفوعات والمنصوبات يختلف عن أسلوب النّحويّين ولا سيّما المتأخرين.

ثمّ يشرح المبنيّات ، ويقول إنّ منها : المضمر وأسماء الإشارة والموصول والمركّب. ثمّ يدخل بحث التوابع ، وقسّمها إلى خمسة ، النعت والمعطوف بالحروف والتأكيد والبدل وعطف البيان ، وقدّم النعت على سائرها كما هو عادة أكثر النّحويّين ، لأنّ استعماله أكثر ، ولكونه أشدّ متابعة وأوفر فائدة. ثمّ يدخل مبحث الأسماء العاملة المشبهة بالأفعال ويقول : وهي خمسة : الأوّل : المصدر ، والثاني والثالث : اسم الفاعل والمفعول ، والرابع : الصفة المشبهة ، والخامس : اسم التفضيل. وفي خاتمة الحديقة الثانية يأتي بالاسم الممنوع من الصرف.

٣

وخصّص العامليّ الحديقة الثالثة بالأفعال ، ويشرح إعراب الفعل المضارع ، ثمّ يأتي بثلاثة فصول ، وفي كلّ فصل يشرح أفعال المدح والذّمّ وفعلى التعجّب وأفعال القلوب ، وفي خاتمة هذه الحديقة يدخل مبحث التنازع.

تأثّر الشيخ البهائي بابن هشام في «مغني اللبيب» ، ويظهر هذا التأثّر جليّا في الحديقة الرابعة والخامسة ، بحيث يمكن القول : إنّ العاملي لخّص الباب الثاني من المغني في الحديقة الرابعة من «الفوائد الصمديّة» في تعريف الجمل واقسامها. بّ

والحديقة الخامسة وهي آخر حدائق «الفوائد الصمديّة» خصّصها للمفردات ، وهذه الحديقة مثل الحديقة الرابعة خلاصة الباب الأوّل من «مغني اللبيب» بإيجاز شديد.

يمكن القول إنّ الشيخ البهائي لم يأت بجديد في علم النحو ، وكان فضله أنّه قدّم القواعد النحوية كلّها بصورة موجزة في الفوائد الصمدية ، وهذا العمل عظيم في نوعه.

وبالرغم من إيجازه الشديد حاول البهائيّ أن يشرح القواعد بصورة واضحة ، ولا نرى غموضا كثيرا في هذا الكتاب إلا في مواضع قليلة ، منها في مبحث توابع المنادى ، حيث يقول : «أمّا المعطوف فإن كان مع أل فالخليل يختار رفعه ، ويونس نصبه ، والمبرّد إن كان كالخليل فكالخليل ، وإلا فكيونس ، وإلا فكالبدل».

وفي سنة ١٠٥٢ ه‍ ق ولد في المدينة المنورّة السّيّد على صدر الدين المدنيّ الشيرازيّ الملّقب بالسّيّد على خان الكبير الّذي ألّف كتاب «الحدائق الندية في شرح الفوائد الصمديّة» الّذي يعتبر شرحا عظيما وافيا بالمقصود ، بيّن فيه كلّ ما أجمله الشيخ البهائيّ.

ويمكن القول إنّ «الحدائق الندية يعتبر كتابا كاملا في علم النحو ، واستفاد المؤلّف فيه من آراء كبار النّحويّين واللغويّين كالخليل وسيبويه والكسائيّ وابن جنيّ ، واعتمد في شرحه على آراء نحو ثلاثمائة نحويّ ولغويّ ، بحيث جاء الكتاب ، وكأنّه موسوعة لآرائهم.

ما تجدر الإشارة له هنا هو أنّ السّيّد على خان شدّد في تسويغه لوضع كتاب الحدائق الندية بأنّ تعلّم علم النحو واجبّ ، كما أكّد علماء الأمّة ، لأنّ النحو مفتاح اللغة العربيّة ، وهذه اللغة وسيلة فهم الشريعة الإسلاميّة ، ويقول الشارح : قيل : ومن ثمّ كانت معرفته واجبة ، لأنّ تعلّم الشرائع الواردة بلغة العرب لا تتمّ إلا به (أى علم النحو) ، وكلّ ما لا يتمّ الواجب المطلق إلا به فهو واجب.

استفاد السّيّد على خان فى «الحدائق الندية» من كتب نحويّة كثيرة ، ويظهر أثر مغني اللبيب واضحا في الحدائق ، إضافة لتأثّره بآراء الرضيّ بشكل واضح وشديد ، و

٤

لا نري أنّه خالف الرضيّ إلا في مواضع قليلة ، مثلا اختلف النحاة في أنّ الظرف والجارّ والمجرور هل هما نفسهما الخبر أو لا؟ حيث يعتقد الرضيّ أنّ الظرف والمجرور ومتعلّقهما هي الخبر ، ولكن السّيّد على خان خالفه ، حيث ذهب إلى أنّ الخبر في الحقيقة هو العامل المحذوف ، وأنّ تسمية الظرف والمجرور خبرا مجاز.

استشهد السّيّد على خان الكبير بآيات قرآنيّة كثيرة ، في حين أهمل الحديث إلى حدّ ما ، حيث يبدو أنّ الأحاديث لم تلبّ حاجته وما يريده من الشواهد ، ولعلّه في ذلك اتّبع سنّة العلماء الّذين تنكّبوا الاستشهاد بالأحاديث لعدم وثوقهم بأنّ ذلك لفظ النبيّ (ص) لأمرين :

أحدهما : أنّ الراوة جوّزوا النقل بالمعنى ، ولا سيّما مع تقادم الزمان والاتّكال على الحفظ ، فالضابط منهم من ضبط المعنى ، وأمّا من ضبط اللفظ فبعيد ، ولا سيّما في الأحاديث الطوال الّتي لم يسمعها الرواة إلا مرّة.

الثاني : أنّه وقع اللحن كثيرا في الحديث ، لأنّ كثيرا من الرواة كانوا غير عرب بالطبع ، ولا يعلمون لسانهم بصناعة النحو ، ورسول الله (ص) كان أفصح الناس ، وإذا تكلّم بلغة غير لغة أهله ، فإنّما ذلك مع أهل تلك اللغة على طريق الإعجاز وتعليم الله تعإلى.

وعلى رغم تعدّد شارحي كتاب الصمديّة للشيخ البهائيّ ، إلا أنّ شرح السّيّد على خان المدنيّ يعتبر الأفضل والأشهر بينها ، لجهة استشهاده بالآيات القرآنية بشكل كبير إلى جانب الأبيات الشعريّة ، فجاء شرحه حاويا لألف ومائة بيت من الشعر لشعراء من العصر الجاهليّ وصدر الإسلام والعصرين الأمويّ والعباسيّ وبعض شعراء عصر الانحطاط.

وبما أنّ السّيّد على خان الكبير كان من كبار العلماء والأدباء ، لذلك ضمّن شرحه للقواعد النحويّة مباحث تفسيريّة للقرآن الكريم ، مستفيدا كثيرا من تفسير الكشاف للزمخشريّ ، وكذلك ضمّن شرحه المسائل التاريخيّة أثيرت بين العلماء حول المسائل النحويّة واللغويّة ، وفي كثير من الأحيان يبدأ قبل دخول البحث بشرح قضايا الأصوات اللغويّة phonetics فيما يتعلّق بتلفظ المفردات إضافة إلى شرح فلسفة الإعراب والمباحث البلاغيّة والكلاميّة ، ويعدّ الكتاب من هذه الناحية من أكمل الكتب النحويّة ، ليس يغني من جوع فحسب بل يسمن أيضا.

وقد قدّم الشارح الكبير كلّ القواعد النحويّة وفوائدها بصورة استدلإلية وعقليّة ومنطقيّة ، ولم يترك مسألة منها إلا واستشهد فيها بالآيات القرآنيّة والقراءات

٥

المختلفة ، مستعرضا آراء النحاة واللغويّين ، مقارنا بينها بدقّة ، ردّا لبعضها ، موافقا للبعض الآخر. ويمكن القول هنا : إنّ هذا الكتاب يشبه «مغني اللبيب» لابن هشام ، إلا أنّه أكمل منه ، ومن حيث مقارنته بين النّحويّين وآرائهم واختلافاتهم ما جعله يشبه كتاب «الإنصاف في مسائل الخلاف» لابن الأنباريّ.

ومع أنّ كتاب الفوائد الصمديّة يعتبر كتابا كاملا في علم النحو ، لكن اتّسامه بالإيجاز الشديد جعله بحاجة إلى شرح وبسط ، حتّي يتمكّن الطالب من فهم القواعد النحويّة بسهولة ، وقد اهتمّ السّيّد على خان بذلك ، ومن هذه الناحية يمكن القول : إنّ هذا الكتاب ملأ فراغا في المكتبات والجامعات والحوزات العلميّة.

أسلوب التصحيح : إنّ تحقيق النصوص أمانة دينيّة وعلميّة وأخلاقيّة ، وعلى المحقّق إثبات ما قاله المصنّف ، خطأ كان أم صوابا ، وأن لا ينصب نفسه حكما على هذه النصوص ، فيبيح لنفسه تصحيحها أو تبديلها بنصوص أخرى ، وعليه أن يكدّ ذهنه ليصل إلى النص السليم الّذي كتبه المصنّف. ويجب أن يقارن بين النسخ المتعدّدة للوصول إلى الصواب. فالمقارنة بين النسخ المتعدّدة لها أهميّة خاصّة في كشف صحّة ما كتبه المصنّف ، وربّما تكون ضرورة للإضافة من هذه النسخ للنسخة الأصليّة ، تقتضيها سلامة النص كإتمام نقص أو تصحيح تحريف أو تصحيف أو سقط كلام ، ويأتي هذا بعد اختيار نسخة كأساس بعد دراستها دراسة علميّة دقيقة ، ثمّ مقارنتها بالنسخ الأخرى ، والإشارة إلى الفروق بين النسخ في حاشية الكتاب مع تحرّي الدقّة في عدم إضافة أيّ لفظ أو تغيير أيّ عبارة من النسخة الأصليّة ، أللهمّ إلا لضرورة علميّة لا مناص منها ، فعندئذ يلجأ المحقّق إلى الإضافة أو التبديل مستعينا بالنسخ الأخرى ، ولا يتمّ ذلك إلا بعد التمحيص الدقيق.

يعتبر تصحيح الكتب وتحقيقها من أشقّ الأعمال وأكبرها تبعة ، ولقد بيّن الجاحظ أبو عمرو في كتاب الحيوان ذلك أفضل تبيين ، فقال : ولربّما أراد مؤلّف الكتاب أن يصلح تصحيفا ، أو كلمة ساقطة ، فيكون إنشاء عشر ورقات من حرّ اللفظ وشريف المعاني أيسر عليه من إتمام ذلك النقص ، حتّي يردّه إلى موضعه.

وبعد اختيار تصحيح مخطوطة «الحدائق النديّة في شرح الفوائد الصمديّة» بدأت بجمع النسخ المتعدّدة للكتاب ، وحصلت على أربع نسخ ، وبعد مطالعتها ، اخترت أكمل النسخ وأقدمها تاريخا ، وجعلتها «المخطوطة الأم» ، وأصلا وأساسا في التصحيح.

٦

وقبل أن أبدأ عملي حصلت على عدّة كتب ومقالات حول أسلوب التصحيح للمخطوطات مثل «نقد وتصحيح متون» لنجيب مايل هروي ، و «قواعد تحقيق المخطوطات» لعبد السّلام محمد هارون ، و «منهج تحقيق المخطوطات» لإياد خالد الطباع ، و «قواعد تحقيق المخطوطات» للدكتور صلاح الدين المنجد ، وعدد من المقالات الّتي أخذتها من المواقع الإنترنتيّة ، وقرأتها بدقّة لكي يكون العمل في تصحيح هذه المخطوطة عملا علميّا دقيقا.

وبعد مطالعة الكتب بدأت بالتصحيح ، وكنت أطالع كلّ بحث في المخطوطة الأصليّة ، وأقارنه بسائر النسخ واحدة تلو أخرى ، وأكتب الفروق والاختلافات على الهامش ، والجدير بالذكر أنّ الفروق بين النسخ كانت كثيرة جدّا بعض الأحيان ، ولكنّي أهملت ما وجدته يعود إلى جهل الناسخ أو من سهوه ، وحاولت أن أدوّن تلك الّتي ذات قيمة وتأثير في قراءة النص ، وفي بعض النسخ كان التشويش والتحريف والحذف كثيرا ، وهذا ما ستردّ له الإشارة عند دراسة النسخ.

ولقد استفاد الشارح من آراء النّحويّين واللغويّين ، واستشهد بكثير من الكتب النحويّة المشهورة مثل «الكتاب» لسيبويه و «شرح الكافية في النحو» للرضيّ و «الخصائص» لابن جنّي و «مغني اللبيب» و «شذور الذهب» لابن هشام و «شرح ابن عقيل» و... فراجعت أثناء التصحيح هذه الكتب ، وطالعت المباحث المشروحة فيها ، لكي يكون عملي بعيدا من الخطأ.

وكما سبق ذكره يوجد في هذا الشرح كثير من الآيات القرآنيّة كشواهد نحويّة ، فراجعت القرآن الكريم ، واستخرجت الآيات ، وشكّلتها ، وأكملت بعضها ، وأصلحت بعض الأخطاء الّتي دخلت عليها أثناء النسخ ، وأشرت إليها في الهامش.

يضمّ كتاب «الحدائق النديّة» ما يقارب السبعين حديثا ، معظمها عن الرسول الأعظم (ص) ، فاستخرجت هذه الأحاديث من كتب الحديث ، وأكملت بعضها ، وشكّلتها ، وكتبت مصادرها ومراجعها في الهامش.

ومن ميّزات هذا الكتاب الإكثار من الاستشهاد بأبيات من الشعر كشواهد نحويّة ، والجدير بالذكر أنّ المؤلّف بعض الأحيان قد أتي بالمصرع الأوّل أو الثاني أو كلمات من وسط المصرعين ، لكنّي استخرجت هذه الأبيات الكثيرة الّتي تزيد عن ألف بيت ، إلا عددا قليلا لم أجد مصدره ، ولم أعثر عليه في دواوين الشعراء والكتب المتعلّقة بها ، نحو :

«خزانة الأدب» و «الأغاني» و «الكتاب» و «مغني اللبيب» و «جامع الشواهد» و «المعجم

٧

المفصّل في شواهد النحو الشعريّة» وسائر الكتب النحويّة ، وقد شكّلت هذه الأبيات ، وعيّنت قائلها وبحورها الشعريّة ، وشرحت مفرداتها الصعبة في الهامش.

وقد شرح المؤلّف في كتابه هذا القواعد النحويّة بأسلوب منطقيّ ودقيق ، ناسبا كلّ قول ورأي إلى صاحبه ، بحيث يشير إلى آراء النحاة في كلّ مسألة وإلى الكتب الّتي استفاد منها ، ويأتي بآراء أكثر من ثلاثمائة نحويّ ولغويّ وشاعر ، ويورد أسماء ما يقارب مائة من الكتب النحويّة واللغويّة ، فكان التعريف بالأعلام والكتب في الهامش جزء من عملي في هذا المجال.

وأمّا بالنسبة للحواشي والتعليقات فهناك مدرستان : الأولي : الاكتفاء ببيان فروق النسخ فحسب ، على اعتبار أنّ عدم إثقال النص بتعليقات وحواش هو أمر ليس من عمل المحقّق ، فالتحقيق ليس شرحا أو تحشية ، وإنّما هو إبراز الكتاب كما أراده المؤلّف ، والثانية : إثبات الشروح والتعليقات وإبداء الرأي في الغامض من العبارات ، وقد سلكت في هذه المسألة منهج التوسّط الّذي يظهر فيه مدي كفاءة المحقّق العلميّة والعمليّة.

يعتبر التشكيل من واجبات المحقّق الأساسيّة في تحقيق المخطوطات ، إذ لا قيمة لتحقيق أيّ أثر تراثيّ إن لم يقترن بتشكيل دقيق ، لأنّ من شأن ذلك ، الوقوف على دقائق الأفكار ومسارها الإعرابيّ الصحيح ، ويتمثّل ذلك خاصّة في تشكيل الآيات القرآنيّة والأحاديث الشريفة والأشعار والأمثال والأعلام والمواضع والعبارات الغامضة ، لذا حاولت إنجاز هذا العمل بالاستفادة من القرآن الكريم وكتب الحديث ودواوين الشعراء وشرح الشواهد الشعريّة وكتب الأمثال.

ومن أهمّ وظائف المحقّق في تصحيح المخطوطات وضع علامات الترقيم وتقسيم الجمل ، لكي يتّضح المعنى ، وتظهر فطنة المحقّق في كثير من الأحيان بوضع العلامة المناسبة في مكانها الملائم ، وكما أشرت سابقا بمطالعة الكتب المتعلّقة بتصحيح المخطوطات قمت بهذا الأمر بعد قراءة النص عدّة مرّات ، والله سبحانه وتعإلى أبعد من كلّ عيب وخطأ.

وتعدّ الفهارس الفنيّة المختلفة أهمّ مرشد للباحث في الكتاب المحقّق ، فهي الّتي تظهر مضمون الكتاب وجواهره ، لأنّ الكتاب بدونها خزانة مقفلة يعسر على القارئ والباحث استخراج ما يحتاجه منها ، وقد وردت بعض الفهارس في مخطوطة «م» ـ سيأتي ـ في الصفحات الأولي ، وعند الاستفادة منها أو من الكتب الأخرى عمدت إلى إكمال الفهارس ووضعتها بين معقوفتين [ ] ، لأبينّ أنّه ليس في نصّ المخطوطة ، وكي

٨

تكون الاستفادة من الكتاب سهلة. وفي النهاية أتيت بفهرس الآيات القرآنيّة والأبيات والأحاديث والأعلام والمصادر ، (وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [هود / ٨٨].

والجدير بالذكر أنّني أتيت بعبارات من «الصمديّة» أوّلا ، وحدّدتها بعلامة «ص» ، ثمّ أتيت بعبارات من نصّ «الحدائق النديّة» في شرح الصمديّة معيّنا إيّاها بعلامة «ش» ، وبما أنّ السّيّد على خان جاء بعبارات من الصمديّة أثناء شرحه ، جعلت تلك العبارات بين علامتي التنصيص «» للدلالة على أنّها من نصّ الصمديّة.

٩

التعريف بالمخطوطات

الف : مخطوطة مجلس الشورى الإسلامي (مخطوطة الأمّ)

رمزها : م كاتبها : حسن علي بن محمود الشهركي.

عدد أوراقها : ٦٨٠. عدد سطور صفحاتها : ٢٥

تاريخ كتابتها : ١٠٨٠ ه

في هذه المخطوطة حذفت الهمزة المتطرّفة. والهمزة المتوسّطة كتبت ياء نحو : الفوايد ودايما وكتابة الهمزة المتوسّطة في معظم الكلمات خطأ. والصورة منها :

١٠

ب : مخطوطة جامعة طهران

رمزها : ط كاتبها : برهانبور عدد أوراقها : ٨٢٢

عدد سطور صفحاتها : ٢٥ تاريخ كتابتها : ١١٠٨

في هذه المخطوطة لا فرق بين الهاء والتاء المربوطة ، وكتابة الهمزة فيها خطأ على سبيل المثال يؤلّف كتبت يالف ، ومطابقة المذكّر والمؤنّث لا توجد فيها ، مثل الجملة الحإلية لا يصدر ، ومن العلائم الإختصاريّة فيها «ح» بدل حينئذ. والصورة منها :

١١

ج : مخطوطة الطبع على الحجر

رمزها : ح كاتبها : محمد هاشم بن الحسين

عدد أوراقها : ٥٨٣ عدد سطور صفحاتها : ٢٤

تاريخ كتابتها : ١٣٠٥

الأخطاء في هذه المخطوطة كثيرة جدآ ، مثلا كلمة خافض كتبت خافظ ، ومطابقة المذكّر والمونّث لا توجد فيها ، وكتابة الهمزة فيها خطأ ، وحذف الكلمات والجمل كثير فيها ، وبعض الآيات القرآنيّة كتبت فيها خطأ ، وبعض الأحيان أضيفت كلمات إلى الآيات القرآنيّة ، ومن العلائم الاختصاريّة فيها : لامح (لا محالة) لايخ (لا يخلو) مم (ممنوع) لايق (لا يقال) المش (المشهور) ، والصورة منها :

١٢

د : مخطوطة سبهسالار

رمزها : س كاتبها : مجهول عدد أوراقها : ٤٧٦ عدد سطور صفحاتها : ٢٤

تاريخ كتابتها : مجهول واقفها : ميرزا محمد خان سبهسالار

الأخطاء والحذف فيها كثيرة ، ولا يوجد فيها معظم الحديقة الخامسة ، ومن العلائم الاختصارية فيها يق (يقال) ، مم (ممنوع) ، أيض (أيضا) والصورة منها :

١٣

ترجمة الماتن

نسبته : هو الشيخ بهاء الدين محمد بن الحسين بن عبد الصمد بن محمد بن علي بن الحسين بن صالح الحارثي الهمداني العاملي الجبعي. و «الحارثي الهمداني» نسبة إلى الحارث الهمداني صاحب أمير المؤمنين علي (ع) ، و «الهمدانيّ» نسبة إلى همدان ، القبيلة العربية المشهورة ، وهم حيّ من اليمن (١).

ويقول الإمام علي (ع) في هذه القبيلة (٢) [من الطويل] :

جزى الله همدان الجنان فإنّهم

سمام العدى في كلّ يوم خصام (٣)

أناس يحبّون النبيّ ورهطه

سراع إلى الهيجاء غير كهام (٤)

إذا كنت بوّابا على باب جنّة

أقول لهمدان ادخلوا بسلام

مولده ووفاته ومدفنه : أقدم مصدر لأحوال الشيخ البهائيّ هو كتاب «سلافة العصر» للسيد عليخان المدنيّ ، وهو يقول : مولده بعلبك عند غروب الشمس يوم الأربعاء لثلاث بقين من ذي الحجّة الحرام سنة ٩٥٣ ه‍ (٥). وهذا المؤلّف في كتابه «الحدائق الندية في شرح الفوائد الصمديّة» يقول : مولده عند غروب الشمس يوم الأربعاء سابع عشر ذي الحجّة سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة ، كذا نقلته من خطّ والده (٦).

وينقل العلّامة السّيّد محسن الأمين في كتاب «أعيان الشيعة» قول بعض العلماء : أمّا القول بأنّه ولد في بعلبك فبعيد عن الصواب ، بل هو خطأ محض ... والروايات تكاد تؤيد القول بأنّه ولد في آمل الإيرانية الكائنة على طريق مازندران. ثمّ يردّ صاحب أعيان الشيعة هذا القول. (٧)

وتوفّي في إصفهان في ١٢ شوال سنة ١٠٣١ ه‍ على أرجح الأقوال (٨) ، ونقل قبل الدفن إلى مشهد الرضا (ع) ودفن هناك في داره بجانب الحضرة المقدسة الرضويّة ، وقبره هناك مشهور يزار إلى اليوم.

__________________

(١) محسن الأمين ، أعيان الشيعة ، المجلّد التاسع ، لاط ، بيروت ، دار التعارف للمطبوعات ، ١٤٠٣ ه‍ ، ص ٢٣٤.

(٢) ديوان الإمام علي (ع) ، جمعه وضبطه حسين الأعلمي ، الطبعة الأولى ، بيروت ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، ١٤١٩ ه‍. ص ١٣٠.

(٣) السمام : جمع السّم.

(٤) كهام : بطيئون لا خير فيهم.

(٥) السّيّد علي صدر الدين المدني ، سلافة العصر ، الطبعة الأولى ، مصر ، ١٣٢٤ ه‍ ق ، ص ٢٩٠.

(٦) السّيّد علي صدر الدين المدتي ، مخطوطة «الحدائق الندية في شرح الفوائد الصمديّة» ص ٢. يبدو أنّ تاريخ سابع عشر غير صحيح والصحيح سابع وعشرون ، وربّما هذا التحريف من النقل أو من الكتابة.

(٧) محسن الأمين ، ١١ / ٢٣٧.

(٨) الأميني ، الغدير ، المجلد الحادي عشر ، الطبعة الرابعة ، بيروت ، دار الكتب العربي ، ١٣٩٧ ، ص ٢٨٠.

١٤

يقول تلميذه الفاضل المحدّث الورع التقيّ القدسيّ المجلسيّ : وسمع قبل وفاته بستّة أشهر صوتا من قبر بابا ركن الدين (١) (ر ض) فكنت قريبا منه ، فنظر إلينا ، وقال : سمعتم ذلك الصوت؟ فقلنا : لا ، فاشتغل بالبكاء والتضرّع والتوجّه إلى الآخرة ، وبعد المبالغة العظيمة قال : إنّه أخبرت باستعداد الموت ، وبعد ذلك بستّة أشهر تقريبا توفّي رحمه الله ، وتشرّفت بالصلاة عليه مع جميع الطلبة والفضلاء وكثير من الناس يقربون من خمسين ألفا (٢).

أقوال العلماء في حقّه : يقول العلّامة الأميني فيه : شيخ الإسلام بهاء الملّة والدين ، وأستاذ الأساتذة والمجتهدين ... والعارف البارع والمؤلّف المبدع والأديب الشاعر ، والضليع من الفنون بأسرها ، فهو أحد نوابغ الأمة الاسلامية (٣).

وقال السّيّد مصطفي التفرشي في «نقد الرجال» : جليل القدر ، عظيم المترلة ، رفيع الشأن ، كثير الحفظ ، ما رأيت بكثرة علومه ووفور فضله وعلو مرتبته أحدا في كلّ فنون الاسلام كمن كان له فن واحد ، له كتب نفيسة جيدة (٤).

وقال السّيّد على خان في السلافة : علم الأئمة الأعلام ، وسيّد علماء الإسلام ، وبحر العلم المتلاطم بالفضائل أمواجه وفحل الفضل الناتجة لديه أفراده وأزواجه ، وطود المعارف الراسخ ، وفضاءها الّذي لا تحدّ له فراسخ ، وجوادها الّذي لا يؤمل له لحاق ، وبدرها الّذي لا يعتريه محاق ، الرحلة الّتي ضربت إليها أكباد الإبل ، والقبلة الّتي فطر كلّ قلب على حبّها ، فهو علامة البشر ومجدّد دين الأئمة على رأس القرن الحادي عشر ...

فما من فنّ إلا وله فيه القدح المعلى والمورد العذب المحلي ، إن قال لم يدع قولا لقائل ، أو طال لم يأت غيره بطائل (٥). وجاء في ريحانة الأدب : شيخ الفقهاء ، أستاد الحكماء ، رئيس الأدباء ، علّامة الدهر ، فهّامة العصر ، شيخ الاسلام والمسلمين ، ... مفسّر ، رياضيّ ، حكيم متكلّم ، أديب أريب ، شاعر ماهر (٦). وهناك كثير من الأقوال في حقّ هذا العالم الجليل ، ندعها خوفا من إطالة الكلام.

__________________

(١) كان من العرفاء بأصفهان.

(٢) العلامة الخوانساري ، روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات ، الجزء السابع ، لاط ، قم ، مطبعة استوار ، ١٣٩٢ ه‍ ق ، ص ٧٨.

(٣) الغدير ، ١١ / ٢٤٦.

(٤) مصطفي التفريشي ، نقد الرجال ، الجزء الرابع ، الطبعة الأولى ، بيروت ، مؤسسة آل البيت لاحياء التراث ، ١٤١٩ ه‍ ، ص ١٨٦.

(٥) السّيّد علي صدر الدين المدني ، سلافه العصر ، ص ٢٩٠.

(٦) محمد علي مدرسي ، ريحانة الأدب ، المجلّد الثالث ، الطبعة الرابعة ، منشورات خيام ، لاتا ، ص ٣٠١.

١٥

مشايخه وأساتذته : إنّ رحلات الشيخ البهائيّ لاقتناء العلوم ردحا من عمره ، وأسفاره البعيدة إلى أصقاع العالم دون ضالّته المنشودة ، وتجوّله دهرا في المدن والأمصار وراء أمنيته الوحيدة ، واجتماعه في الحواضر الإسلامية مع أساطين الدين ، وعباقرة المذهب وأعلام الأمّة ، وأساتذة كلّ علم وفن ، ونوابغ الفواضل والفضائل ، تستدعي كثرة مشايخه في الأخذ والقراءة والرواية ، غير أنّ المذكور منهم في غضون المعاجم (١) :

١ ـ الشيخ والده المقدس الحسين بن عبد الصمد.

٢ ـ الشيخ محمد بن محمد بن أبي اللطيف المقدسي الشافعي.

٣ ـ الشيخ المولي عبد الله اليزدي المتوفى سنة ٩٨١.

٤ ـ الشيخ احمد الكجائي (٢) المعروف بپير أحمد.

تلامذته : للشيخ تلامذة كبار وشخصيات مشهورة ، حيث يلاحظ بينهم أجلّة العلماء والفضلاء منهم :

١ ـ الشيخ حسين بن على بن محمد الحرّ العاملي المتوفى ١١٠٤ ه‍.

٢ ـ الملا محسن الفيض الكاشانيّ المتوفى سنة ١٠٩١ ه‍.

٣ ـ محمد تقي المجلسي المتوفى ١٠٧٠ ه‍.

مؤلّفاته : بالرغم من أسفاره الطويلة والمناصب التنفيذيّة والأعمال العمرانية والمباني الضخمة التذكارية الّتي شيّدها في كبريات المدن ، ألّف وصنّف في العلوم المختلفة قريبا من مائة كتاب. ومن بين مؤلّفاته :

١ ـ العروة الوثقى في التفسير.

٢ ـ الجامع العباسي في الفقه.

٣ ـ رسالة فارسية في الاسطرلاب.

٤ ـ رسالة عربية في الاسطرلاب.

٥ ـ حاشية على تفسير البيضاوي.

٦ ـ حاشية على خلاصة الأقوال.

٧ ـ عين الحياة في التفسير.

٨ ـ تشريح الافلاك.

٩ ـ حلّ حروف القرآن.

١٠ ـ رسالة في المواريث.

١١ ـ حاشية على المطول.

١٢ ـ أسرار البلاغة.

١٣ ـ الكشكول.

١٤ ـ بحر الحساب.

١٥ ـ لغز النحو.

١٦ ـ خلاصة الحساب.

__________________

(١) الغدير ، ١١ / ٢٥٠.

(٢) قرية من بلاد كيلان.

١٦

١٧ ـ الفوائد الصمدية.

١٨ ـ ديوان شعره.

شعره : للشيخ البهائي شعر كثير بالعربيّة والفارسيّة ، من أشعاره الفارسيّة مثنوي نان وحلوا ، شير وشكر ، نان وپنير. ومن أشعاره في مثنوي نان وحلوا [من الرمل] :

«في التأسّف والندامة على صرف العمر فيما لا ينفع في القيامة»

قد صرفت العمر في قيل وقال

يا نديمي قم فقد ضاق المجال

واسقني تلك المدام السلسبيل

إنّها تهدي إلى خير السبيل (١)

واخلع النعلين يا هذا النديم

إنّها نار أضاءت للكليم (٢)

هاتها صهباء من خمر الجنان

دع كؤوسا واسقنيها بالدّنان (٣)

علم رسمى سربسر قيل است وقال

نه ازو كيفتي حاصل نه حال

طبع را افسردگي بخشد مدام

مولوي باور ندارد اين كلام

وه چه خوش مي گفت در راه حجاز

آنعرب شعري به آهنگ حجاز

كلّ من لم يعشق الوجه الحسن

قرّب الرحل إليه والرسن

يعني آن كس را كه نبود عشق يار

بهر او پالان وافساري بيار

گر كسي گويد كه از عمرت همين

هفت روزي مانده وآن گردد يقين

تو درين يك هفته مشغول كدام

علم خواهي گشت اي مرد تمام

فلسفه يا نحو يا طب يا نجوم

هندسه يا رمل يا اعداد شوم

علم نبود غير علم عاشقي

مابقي تلبيس ابليس شقي

علم فقه وعلم تفسير وحديث

هست از تلبيس ابليس خبيث

زان نگردد بر تو هرگز كشف راز

گر بود شاگرد تو صد فخر راز (٤)

وقوله [من الرمل] :

با دف ونى دوش آن مرد عرب

وه چه خوش مي گفت از روي طرب

أيّها القوم الّذي في المدرسة

كلّ ما حصّلتموه وسوسة

فكر كم إن كان في غير الحبيب

ما لكم في النشاءة الأخرى نصيب

فاغسلوا يا قوم عن لوح الفؤاد

كلّ علم ليس ينجي في المعاد

__________________

(١) اللغة : المدام : الخمر. السلسبيل : الشراب السهل المرور في الحلق لعذوبته. واسم عين في الجنة.

(٢) أشار إلى آية (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) ١٢ / ٢٠.

(٣) اللغة : الصهباء : الخمر. الدنان : جمع الدن : وعاء ضخم للخمر وغيرها.

(٤) ديوان شيخ بهايي ، مقدّمة من الأستاذ سعيد نفيسي ، لاط ، نشر چگامه ، ١٣٦١ ه‍ ش ، ١٢٠.

١٧

ومن أشهر أشعاره العربية قصيدة «الفوز والأمان في مدح صاحب الزمان (عج)» في ثلاثة وستين بيتا ، منها [من الطويل] :

خليفة ربّ العالمين وظلّه

على ساكني الغبراء من كلّ ديار (١)

هو العروة الوثقى الّذي من بذيله

تمسّك لا يخشي عظائم أوزار (٢)

علوم الورى في جنب أبحر علمه

كغرفة كفّ أو كغمسة منقار (٣)

فلو زار افلاطون أعتاب قدسه

ولم يعشه منها سواطع أنوار

رأى حكمة قدسية لا يشوبها

شوائب أنظار وأدناس أفكار (٤)

إمام الورى طود النهى منبع الهدى

وصاحب سرّ الله في هذه الدار (٥)

به العالم السفلى يسمو ويعتلي

على العالم العلوى من غير إنكار

ومنه العقول العشر تبغي كمالها

وليس عليها في التعلم من عار

همام لو السبع الطباق تطابقت

على نقض ما يقضيه من حكمه الجار

لنكس من أبراجها كلّ شامخ

وسكن من أفلاكها كلّ دوار

أيا حجّة الله الّذي ليس جاريا

بغير الّذي يرضاه سابق اقدار

أغث حوزة الاسلام واعمر ربوعه

فلم يبق منها غير دارس آثار (٦)

وانقذ كتاب الله من يد عصبة

عصوا وتمادوا في عتوّ وإصرار

وأنعش قلوبا في انتظارك قرّحت

واضجرها الأعداء أية إضجار

وخلّص عباد الله من كلّ غاشم

وطهّر بلاد الله من كلّ كفار

وعجّل فداك العالمون بأسرهم

وبادر على اسم الله من غير إنظار (٧)

__________________

(١) اللغة : الغبراء : الأرض.

(٢) اللغة : العروة : ما يستمسك به ويعتصم. الّذيل : أسفل الثوب. الأوزار : جمع الوزر : الذنب.

(٣) اللغة : الغمسة : المرّة من غمس الشيء في الماء : غمره به.

(٤) اللغة : الأدناس : جمع الدنس : الوسخ.

(٥) اللغة : الورى : الخلق ، الطود : الجبل العظيم.

(٦) اللغة : غث : أمر من أغاثه بمعني أعانه.

(٧) القصيدة موجودة في أعيان الشيعة ٩ / ٢٤٥ و ٢٤٦.

١٨

ترجمة الشارح

نسبه الشريف ، ولادته ونشأته : هو السّيّد علي خان صدر الدين المدنيّ الشيرازيّ المعروف بابن معصوم ، من أولاد زيد بن الإمام السّجاد زين العابدين علي بن الحسين بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السّلام (١).

ولد رحمه الله ليلة السبت الخامس عشر من جمادي الأولى سنة ١٠٥٢ ه‍ في المدينة المنوّرة ، ولذا لقّب بالمدنيّ ، ونشأ وترعرع فترة طفولته وصباه فيها وبجوار مكّة المكرمة. وقد سافر أبوه الفاضل الأديب السّيّد نظام الدين أحمد إلى حيدرآباد في الهند بطلب من السلطان عبد الله قطب الدين شاه حيث زوّجه ابنته ، وبقي السّيّد ابن المعصوم في أحضان والدته (٢).

واشتغل بالعلم إلى أن هاجر إلى حيدرآباد سنة ١٠٦٨ ه‍ ، وشرع بها في تإليف سلافة العصر سنة ١٠٨١ ه‍ ، وأقام بالهند ثماني وأربعين سنة. وكان في حضانة والده الطاهر إلى أن توفّي أبوه سنه ١٠٨٦ ه‍ ، فانتقل إلى برهان پور عند السلطان أورنك زيب ، وجعله رئيسا على ألف وثلاثمائة فارس ، وأعطاه لقب خان (٣).

إنّ السّيّد المدنيّ في حيدرآباد اغترف العلم ، خاصّة من روّاد مجلس أبيه الّذي كان منتدي يلتقي فيه العلماء والأدباء ، وخلال هذه الفترة ألّف كتاب «الحدائق النديّة» في شرح الصمديّة (٤).

وفي سنة ١١١٦ ه‍ طلب من السلطان إعفاءه والسماح له مع عائلته بزيارة الحرمين الشريفين ، فأذن له ، فغادر الهند ... وتوجّه إلى مكّة المكرّمة ، فأدّي مناسك الحجّ ... ثمّ قصد المدينة المنوّرة ، فتشرّف بزيارة قبر النبيّ الأكرم (ص) وقبور أئمة البقيع (ع) ، ثمّ عرج على العراق فحظي بزيارة العتبات المقدّسة في النجف وكربلاء والكاظمية وسامرّا (٥).

وزار مشهد الرضا (ع) وورد إصفهان في عهد السلطان حسين سنة ١١١٧ ه‍ ، وأقام بها سنتين ، ثمّ عاد إلى شيراز ، وحطّ بها عصى السير زعيما مدرّسا مفيدا (٦).

__________________

(١) الغدير ، ١١ / ٣٤٧.

(٢) السّيّد عليخان المدني ، رياض السالكين ، المجلّد الأوّل ، الطبعة الرابعة ، قم ، مؤسسة النشر الإسلامي ، ١٤١٥ ه‍ ق ، ص ٧.

(٣) الغدير ، ١١ / ٣٤٩.

(٤) رياض السالكين ، ١ / ٨.

(٥) المصدر السابق ، ص ١٠ و ١١.

(٦) الغدير ، ١١ / ٣٤٩.

١٩

وفاته : توفّي السّيّد علي خان سنة ١١٢٠ ه‍ على أرجح الروايات في شيراز ، ودفن بحرم السّيّد أحمد بن الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) الملقّب بالشاه چراغ عند جدّه غياث الدين بن منصور صاحب المدرسة المنصوريّة (١).

أقوال العلماء فيه : قال العلّامة الشيخ عبد الحسين الأمينيّ صاحب الغدير : من أسرة كريمة طنّب (٢) سرادقها (٣) بالعلم والشرف والسؤدد ، ومن شجرة طيّبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، تؤتي أكلها كلّ حين ، إعترقت (٤) شجونها (٥) في أقطار الدنيا من الحجاز إلى العراق إلى إيران ، وهي مثمرة يانعة حتي اليوم (٦).

وشاعرنا صدر الدين من ذخائر الدهر ، وحسنات العالم كلّه ، وعباقرة الدنيا ، والعلم الهادي لكلّ فضيلة ، يحقّ للأمّة جمعاء أن تتباهي بمثله ، ويخصّ الشيعة الابتهاج بفضله الباهر ، وسؤدده الطاهر ، وشرفه المعلى ، ومجده الأثيل (٧).

وقال صاحب خلاصة الأثر ، العالم الفاضل المحبي في كتابه نفحة الريحانة : أقول فيه : إنّه أبرع من أظلّته الخضراء ، وأقلّته الغبراء (٨) ، وإذا أردت علاوة في الوصف قلت : هو الغاية القصوي والآية الكبري ، طلع بدر سعده فنسخ الأهلّة ، وأنهل سحاب فضله ، فأخجل السحب المنهلة (٩).

وقال العلّامة ميرزا محمد على مدرّسي بعد عبارات الثناء والإطراء : كلّ كتاب من تإليفاته الظريفة برهان قاطع وشاهد ساطع على علوّ درجاته العلمية ، وحدّة ذهنه ودقته وفطانته (١٠).

مؤلفاته : ١ ـ سلافة العصر : ترجم فيها لأدباء القرن الحادي عشر. فرغ منه سنة ١٠٨٢ ه‍. ٢ ـ سلوة الغريب وأسوة الأديب : وهي رحلته إلى حيدرآباد في الهند ، سنة ١٠٦٦ ه‍. ٣ ـ الدرجات الرفيعة في طبقات الإمامية من الشيعة. ٤ ـ أنوار الربيع في

__________________

(١) المصدر السابق ، ص ٣٤٩. والسّيّد علي خان الشيرازيّ ، الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة ، الطبعة الثانية ، بيروت ، مؤسسة الوفاء ، ١٤٠٣ ه‍ ، ص ١٥.

(٢) طنّب : جعل له أطنابا وشدّه بها.

(٣) السرادق : كل ما أحاط بشيء من حائط أو مضرب.

(٤) اعترقت : امتدت في الارض.

(٥) الشجون : ج الشّجن وهو الغصن المشتبك.

(٦) الغدير ، ١١ / ٣٤٧.

(٧) المصدر السابق ص ٣٤٧.

(٨) الخضراء : السماء. الغبراء : الأرض.

(٩) محسن الامين ، أعيان الشيعة ، ٨ / ١٥٢.

(١٠) محمد علي مدرسي ، ٢ / ٩٢.

٢٠