النحو العربي - ج ٤

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ٤

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٤٩٥

١
٢

أساليب المعنى

(الجمل ذات المعانى الثابتة)

فى هذا القسم من هذا المؤلف تكون دراسة الأساليب ذات المعنى المحدد ، أى : الأساليب التى وضعت فى اللغة لأداء دلالات مقصودة ، لا تعرف إلا من خلال هذه البنية فى التركيب : بأدواتها وترتيب كلماتها ونطقها نطقا محددا مقصورا عليها لأداء الدلالة الموضوعة لها.

وتكون هذه الجمل أو التراكيب أو الأساليب ذات إعراب واحد لا تحيد عنه إلا من خلال التأويل أو التصرف فى كيفية الترتيب.

ولذلك فإنه يجوز لى أن أجعل هذه الأساليب «الجمل الثابت إعرابها».

تتمثل هذه فى أساليب : النداء ، وما يتبعه من ندبة واستغاثة وترخيم ، والإغراء والتحذير ، والاختصاص ، والمدح والذم ، والتعجب.

تلحظ أن هذه الأساليب تسمى بما تدل عليه من أداء دلالى.

* * *

٣

أسلوب النداء (١)

همزة النداء بدل من الواو ؛ لأنه من قولهم : ندوت القوم ندوة ، أى : جلست معهم فى النادى.

يتركب أسلوب النداء من ثلاثة أجزاء : حرف النداء ، والمنادى ، فجملة جواب النداء.

أما أحرف النداء فهى أحرف مخصوصة موضوعة فى اللغة لهذا الغرض ، فهى الوسيلة أو الأداة التى ينادى بها المنادى ، وتدرس فيما بعد بالتفصيل.

والنداء يعنى الصياح والدعاء ، فالمقصود بالنداء الإقبال ، أو تصويتك لمن تريد إقباله عليك لتخاطبه ، أو استدعاء مطلوب من مخاطب ، أو من هو فى تقدير مخاطب باسمه ، بواسطة حروف موضوعة فى اللغة لهذا المدلول.

أما المنادى فهو المنادى عليه ، فاللفظ اسم مفعول من الفعل : نادى عليه. ومعناه الصرفى : متابعة النداء وموالاته.

فالمنادى من يصاح به أو عليه بواسطة حروف خاصة ظاهرة أو مقدرة موضوعة

__________________

(١) يرجع فى هذه الدراسة إلى : الكتاب ٢ ـ ١٨٢ إلى ٢٣٣ / المقتضب ٤ ـ ٢٠٩ وما بعدها / الواضح ٨٠ / اللمع ١٩١ / التبصرة والتذكرة ١ ـ ٣٣٧ / شرح المقدمة المحسبة / المقتصد فى شرح الإيضاح ٢ ـ ٧٥٣ / شرح عيون الإعراب ٢٥٩ / المفصل ٣٥ / الهادى فى الإعراب ٨٠ / المرتجل ١٩١ / المقدمة الجزولية فى النحو ١٨٧ / شرح ابن يعيش ١ ـ ١٢٧ ـ ٢٠٢ / ٨ ـ ١١٨ / الإيضاح فى شرح المفصل ١ ـ ٢٤٩ / الرضى على الكافية ١ ـ ١٣١ / المقرب ١ ـ ١٧٥ / البسيط فى التسهيل ١٧٩ الإرشاد فى علم الإعراب ٢٧١ / شرح ابن الناظم ٥٦٥ / شرح ابن معطى ٢ ـ ١٠٣٣ / شرح ابن عقيل ٣ ـ ٢٥٥ / المساعد على تسهيل الفوائد ٢ ـ ٤٨٠ / شفاء العليل ٢ ـ ٨٠١ / الجامع الصغير ٩٣ / شرح عمدة الحافظ ١٧٢ / شرح جمل الزجاجى ٢٢٨ / الصبان على الأشمونى ٣ ـ ١٧٧ / شرح القمولى على الكافية تحقيق عفاف بنتن ١ ـ ٤٦ / الفرائد الضيائية ١ ـ ٣٢٣ / ٢ ـ ٣٦٥ / ارتشاف الضرب ٣ ـ ١١٧ / شرح اللمحة البدرية ٢ ـ ١٣٠ / شرح التحفة الوردية ٣٠١ / كشف الوافية فى شرح الكافية ١٨٣ / شرح التصريح ٢ ـ ١٦٣ / همع الهوامع ١ ـ ١٧١.

٤

فى اللغة لأداء هذا المدلول ؛ لتنبيهه وتهيئته ودعوته للمعنى الذى يذكر بعد حرف النداء والمنادى عليه ، وهو المتمثل فى معنى جملة الجواب.

فجواب النداء تلك الجملة التى أنشئ النداء من أجلها ، وسميت جوابا لأن النداء طلبىّ ـ غالبا ـ كما قد يكون خبريا ، وبخاصة تلك التراكيب التى تعنى الاختصاص ، والأغراض البلاغية التى تخرج عن معنى النداء.

ولتتمثل معى الأمثلة الآتية لتستوعب هذا المقصود من معنى النداء :

ـ تقول : يا محمد اصغ لما أقول ، حيث النداء على محمد ، أى : الصياح به لينبّه إلى الأمر المطلوب والمتمثل فى جواب الأمر : (اصغ لما أقول).

ـ كما تقول : يا طالبان اكتبا الدرس. يا مواطنون أخلصوا فى أعمالكم ، وأدّوا واجباتكم.

وأنت تلمس أن المنادى يصاح به للانتباه للأمر التالى له.

ـ وتقول : يا طالب لا تهمل أداء واجبك. يا أيها المواطنون ، لا تركنوا إلى التكاسل والإهمال.

حيث تلمس أن جواب النداء فيه نهى ، فالمنادى يصاح به لينتبه إلى النهى المطلوب منه.

ـ وتقول ، يا محمد ، أنت مجدّ. ويا عليان ، إن الصديقين يزوراننا اليوم. ويا مواطنون ؛ أنتم أوفياء لوطنكم.

فأنت تصيح بالمنادى عليه لتنبّهه إلى الخبر المتمثّل فى جملة جواب النداء.

ـ وتقول : يا سمير ما ذا فعلت اليوم؟ ويا أحمدان هل فهمتما الدرس؟ ويا أصدقاء متى تزوروننا؟ فأنت تصيح بالمنادى لتنبهه إلى استخبار موجه منك إليه ليخبر عنه ، سواء أكان استفهاما عن حديث مفعول كما فى المثال الأول ، أم كان استخبارا عن مضمون الجملة كما فى الثانى ، أم كان استخبارا عن الزمن كما فى الثالث.

٥

ولتتأمل : (يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا) [هود : ٧٦] ، (يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) [البقرة : ٣٣]. (يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي) [هود : ٤٤]. (يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ) [النمل : ١٨]. (يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) [آل عمران : ٤٣].

ـ وممّا جاء من المنادى للصياح به وتنبيهه للاستخبار قوله تعالى : (وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ) [غافر : ٤١] (١).

(يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) [الانفطار : ٦] (٢).

(يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى) [طه : ١٢٠] (٣).

(وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ) [هود : ٣٠] (٤).

__________________

(١) (يا قَوْمِ) حرف نداء مبنى ، لا محل له من الإعراب ، قوم : منادى منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بالكسرة المناسبة لضمير المتكلم ، وضمير المتكلم المحذوف الدالة عليه الكسرة فى محل جر بالإضافة. (ما لِي) ما : اسم استفهام مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (لِي) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة فى محل رفع ، خبر المبتدإ. (أَدْعُوكُمْ) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، وفاعله ضمير مستتر تقديره أنا ، وضمير المخاطبين مبنى فى محل نصب ، مفعول به ، والجملة فى محل نصب ، حال ، (إلى النجاة) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالدعاء. (وَتَدْعُونَنِي) حرف عطف ، وفعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه ثبوت النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل ، والنون للوقاية ، ضمير المتكلم مبنى فى محل نصب ، مفعول به ، والجملة الفعلية فى محل نصب بالعطف على الجملة الحالية. (إِلَى النَّارِ) شبه جملة متعلقة بالدعاء.

(٢) (يا) حرف نداء مبنى ، لا محل له من الإعراب. (أَيُّهَا) منادى مبنى على الضم فى محل نصب ، و (أَيُّهَا) حرف وصلة مبنى ، لا محل له من الإعراب.

أو مانع لأى من الإضافة ، (الْإِنْسانُ) نعت للمنادى مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة أو عطف بيان (ما) اسم استفهام مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (غَرَّكَ) فعل ماض مبنى على الفتح ، وفاعله مستتر تقديره : هو ، وضمير المخاطب مبنى فى محل نصب ، مفعول به ، والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر المبتدإ ، جملة جواب النداء ، لا محل لها من الإعراب. (بِرَبِّكَ) جار ومجرور ومضاف إليه ، وشبه الجملة متعلقة بالغرور. (الْكَرِيمِ) نعت لرب مجرور ، وعلامة جره الكسرة.

(٣) جملة(لا يَبْلى) فى محل جر نعت لملك.

(٤) (مَنْ) اسم استفهام مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. خبره الجملة الفعلية(يَنْصُرُنِي). وجملة جواب شرط(إِنْ) محذوفة دل عليها ما سبق على رأى النحاة.

٦

ـ ومما جاء من المنادى للصياح به وتنبيهه إلى معنى إخبارى :

ـ (فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ) [طه : ١١٧].

(قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ) [هود : ٩١] (١).

(يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ) [مريم : ٢٨] (٢).

ـ وقد يجمع جواب النداء بين الإخبار والطلب كما فى : (وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ) [هود : ٦٤] (٣).

__________________

(١) (شُعَيْبُ) منادى مبنى على الضم فى محل نصب. (ما) حرف نفى مبنى ، لا محل له من الإعراب. (نَفْقَهُ) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : نحن. (كَثِيراً) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (مِمَّا) حرف جر مبنى ، ما : اسم موصول مبنى فى محل جر. وشبه الجملة فى محل نصب ، نعت لكثير. يجوز أن تجعل (كَثِيراً) نائبا عن المفعول المطلق المحذوف ، والتقدير : فقها كثيرا ، وتكون شبه الجملة متعلقة بالفعل نفقه. (تَقُولُ) فعل مضارع مرفوع ، وفاعله مستتر تقديره : أنت ، والجملة الفعلية صلة الموصول ، لا محل لها من الإعراب. ويجوز أن تجعل (ما) مصدرية ، والمصدر المؤو لـ (ما تقول) فى محل جر بمن ، والتقدير : من قولك.

(٢) (أُخْتَ) منادى منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (هارُونَ) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة ؛ لأنه ممنوع من الصرف. (ما) حرف مبنى (كانَ) فعل ماض ناقص ناسخ مبنى على الفتح. (أَبُوكِ) اسم كان مرفوع ، وعلامة رفعه الواو ، وضمير المخاطب مبنى فى محل جر مضاف إليه. (امْرَأَ) خبر كان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (سَوْءٍ) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة.

(٣) (ناقَةُ) خبر المبتدإ هذه مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (لَكُمْ) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة فى محل نصب ، حال من آية ؛ لأنه لو تأخر عنها لكان نعتا ، فلما تقدم النعت على منعوته النكرة نصب على الحالية. (آيَةً) حال من ناقة منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة ، والعامل فيها اسم الإشارة أو ها التنبيه ، فكل منها يتضمن معنى الفعل. (ذروها) فعل أمر مبنى على حذف النون ، وواو الجماعة فاعل مبنى فى محل رفع ، وضمير الغائبة مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (تَأْكُلْ) فعل مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه السكون ؛ لأنه جواب الأمر ، أو جواب لشرط محذوف مقدر من الأمر السابق عليه. (فِي أَرْضِ) شبه جملة متعلقة بالأكل. (لا تَمَسُّوها) لا : حرف نهى مبنى ، تمسوها : فعل مضارع مجزوم بعد لا الناهية ، وعلامة جزمه حذف النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل ، وضمير الغائبة مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (بِسُوءٍ) شبه جملة متعلقة بالمس.

٧

(قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا) [هود : ٦٢] (١).

ـ ولتلحظ تنازع القول والنداء فيما وقع بعد النداء من معنى ، كما فى آيات [طه : ١٧ ، هود : ٩١ ، ٦٢] ، لكن المؤكد منه أن القول واقع على أسلوب النداء أولا ، ويمكن الاكتفاء به مقولا للقول ، لكن النداء لا يكتفى بمعناه فى ذاته ، ولأنه لا بدّ للنداء من جواب ، ويتمثل فيما يذكر بعده من معنى.

(يا) للتنبيه :

قد يخرج أسلوب النداء من معنى النداء إلى معنى التنبيه عند كثير من النحاة ، ويكون باستخدام (يا) ، خصوصا إذا وليها (ليت) ، أو (رب) ، أو حبذا).

ذلك كما فى قوله تعالى : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً) [النساء : ٧٣] (٢).

__________________

(١) (صالِحُ) منادى مبنى على الضم فى محل نصب. (فِينا) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالرجاء. (مَرْجُوًّا) خبر كان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (هذا) اسم إشارة مبنى فى محل جر بالإضافة قبل. (أَتَنْهانا) الهمزة حرف استفهام مبنى ، لا محل له من الإعراب ، تنهى : فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، وفاعله مستتر تقديره : أنت ، نا : ضمير المتكلمين مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (أَنْ نَعْبُدَ) أن : حرف مصدرى ونصب مبنى ، لا محل له من الإعراب. نعبد : فعل مضارع منصوب وعلامة نصبه الفتحة ، وفاعله مستتر تقديره : نحن ، والمصدر المؤول منصوب على نزع الخافض ؛ إذ التقدير : تنهانا عن أن نعبد. (ما) اسم موصول مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (يعبد) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وفيه ضمير محذوف مفعول به ليكون عائدا على الاسم الموصول ، والتقدير : ما يعبده آباؤنا. (آباؤُنا) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وضمير المتكلمين مبنى فى محل جر بالإضافة.

(٢) (يا) حرف للتنبيه مبنى ، لا محل له من الإعراب. إذا جعلته للنداء فإنك تقدر منادى محذوفا ، والتقدير : يا قوم. (مَعَهُمْ) شبه جملة فى محل نصب ، خبر كان ، أو متعلقة بخبر كان المحذوف. وجملة(كُنْتُ مَعَهُمْ) فى محل رفع ، خبر ليت. (فَأَفُوزَ) الفاء للسببية حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب. أفوز : فعل مضارع منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. بعد فاء السببية ، أو بأن المقدرة. وفاعله ضمير مستتر تقديره أنا. (فَوْزاً) مفعول مطلق منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (عَظِيماً) صفة لفوز منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة.

٨

وقول الشاعر :

يا ربّ سار بات ما توسدا

إلّا ذراع العنس أو كفّ اليدا

وقول الآخر :

يا حبذا جبل الريّان من جبل

وحبّذا ساكن الريّان من كانا

التعجب بالنداء :

يستعمل حرف النداء [يا] لإفادة معنى التعجب ، وتكون خصائص هذا التركيب ما يأتى :

ـ أن يذكر حرف النداء (يّا) بخاصة.

ـ أن يذكر بعده لام التعجب مفتوحة.

ـ أن يلحق بلام التعجب المتعجب منه مجرورا لوجود اللام الجارة.

مثال ذلك : قول الفرزدق :

فيا لعباد الله كيف تخيّلت

لنا باطلا لما جلا الليل نايره (١)

حيث (عباد) منادى منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة ، منع من ظهورها الكسرة المناسبة للام التعجب ، فأصله : يا عباد الله ، ثم أقحمت اللام دلالة على التعجب ، وتفرقة بين إرادة النداء وإرادة معنى التعجب.

وكذلك قول امرئ القيس فى معلقته :

فيا لك من ليل كأن نجومه

بكلّ مغار الفتل شدّت بيذبل (٢)

__________________

(١) ديوانه ١ ـ ٣٤١ / عمدة الحافظ ١٩٨.

(٢) ديوانه / ٣٦ عمدة الحافظ ١٩٩ / خزانة الأدب ٢ ـ ٢٦٩ / الدرر اللوامع ٤ ـ ١٦٦. (الفاء) بحسب ما سبق. (يا) حرف نداء تعجبى مبنى لا محل له من الإعراب (لك) اللام : حرف تعجبى مبنى ، لا محل له من الإعراب. وضمير المخاطب منادى مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (من ليل) شبه الجملة فى محل نصب تمييز للضمير المنادى ، أو : حرف الجر زائد وليل تمييز منصوب مقدرا. (كأن) حرف تشبيه ونصب ناسخ مبنى ، لا محل له من الإعراب. (نجومه) اسم كأن منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وهو مضاف ، وضمير الغائب مبنى فى محل جر بالإضافة. (بكل) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالشد ، (مغار) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة ، وهو مضاف. (الفتل) مضاف

٩

حيث التركيب الندائى (يا لك من ليل) يخرج إلى معنى التعجب ، وتلحظ دخول اللام على الضمير المنادى لإفادة التعجب ، وأصله يا إياك ، أو يا أنت ، فلما دخلت اللام أصبح التركيب : يا لك.

ومنه قولهم : يا للماء ويا للعشب ، إذ تعجبوا من كثرتهما.

وقد يستغنى عن اللام فى معنى التعجب ، ومن ذلك قول عمر بن أبى ربيعة :

أوانس يسلبن الحليم فؤاده

فيا طول ما شوق ويا حسن مجتلى (١)

فكلّ من (يا طول ما شوق ، ويا حسن مجتلى) أسلوب تعجبى باستخدام النداء. ويكون كلّ من (طول ، وحسن) منادى منصوبا ، وعلامة نصبه الفتحة.

حرف النداء :

ما يستعمل للنداء فى الجملة العربية من كلمات إنما هو حرف كما يرى الجمهور ، ومن النحاة من يجعله أسماء أفعال ، ومنهم من يجعلها أسماء أصوات.

__________________

إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة ، (شدت) فعل ماض مبنى على الفتح مبنى للمجهول ، والتاء حرف تأنيث مبنى لا محل له. نائب الفاعل ضمير مستتر ، تقديره : هى. والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر كأن. وجملة : كأن نجومه شدت فى محل جر ، نعت لليل على اللفظ ، أو فى محل نصب على المحل. (بيذبل) جار مبنى ، ومجرور بالفتحة نيابة عن الكسرة ؛ لأنه ممنوع من الصرف ، وصرف بالكسرة للضرورة الشعرية.

(١) ديوانه ٩ / عمدة الحافظ ١٩٩.

(أوانس) خبر لمبتدإ محذوف مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، ولا ينون لأنه ممنوع من الصرف. (يسلبن) فعل مضارع مبنى على السكون لإسناده إلى نون النسوة فى محل رفع. ونون النسوة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. والجملة الفعلية فى محل رفع ، نعت أوانس. (الحليم) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (فؤاده) بدل بعض من كل من الحليم منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وضمير الغائب مبنى فى محل جر بالإضافة إليه. (فيا) الفاء حرف تعقيب مبنى ، لا محل له من الإعراب. يا : حرف نداء مبنى ، لا محل له من الإعراب. (طول) منادى منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (ما) حرف زائد مبنى لا محل له. (شوق) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (ويا حسن مجتلى) عاطف أسلوب التعجب على سابقه ، وحرف نداء مبنى ، ومنادى منصوب ، ومضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة المقدرة منع من ظهورها التعذر.

١٠

وحروف النداء هى :

ـ للمنادى القريب : الهمزة.

فتقول : أمحمد أقبل ، وأحاضرون ، اصغوا إلى التعليمات.

وكانت الهمزة للمنادى القريب ، حيث لا يحتاج إلى تكثير صوتى ؛ لتنبيهه لقرب المسافة بينه وبين المنادى المتحدث.

ـ للمنادى البعيد : أى ، وآ ، ويا ، وأيا ، وهيا ، وكذلك : آى (بمد الهمزة وسكون الياء).

فتقول : آطالبان لا تبعدا ، أيا بناءون اهبطوا إلى الطابق الأرضى ، هيا عمال اجتمعوا إلىّ.

وأنت تلمس أن كلا من المنادى (طالبان ، بناءون ، عمال) بعيد عن المنادى ، ولذلك فقد استخدمت حروف النداء (آ ، أيا ، هيا).

وكانت هذه الأحرف متضمنة المدّ حتى يطول نفس المنادى ، فيطول تصويته ، مما يسنح بفرصة للمنادى عليه لسماع النداء ، والانتباه إلى ما هو مطلوب منه فى معنى جملة الجواب.

والمراد بالبعد البعد فى المسافة ، وكذلك الساهى والغافل والنائم.

ـ للمستغاث : (يا). فتقول : يا لمحمد لعلىّ.

ـ للمندوب : وا. والمندوب هو المتفجع عليه ، أو المتوجّع منه ، ويجوز استعمال (يا) للمندوب إذا أمن اللبس ، فتقول : واصديقاه ، واظهراه ، حيث كلّ من (صديق وظهر) مندوب ، فالصديق متفجّع عليه ، والظهر متوجّع منه.

اختصاص (يا):

تختص (يا) من بين حروف النداء بما يأتى :

أ ـ تدخل (يا) فى كل نداء ، سواء أكان للقريب ، أم للبعيد ، أو كان خاليا من معنى الاستغاثة والندبة ، أم مصحوبا بهما.

١١

ب ـ تختص (يا) بدخولها على لفظ الجلالة (الله) للنداء ، فتقول : يا الله.

ج ـ كما تختص بالدخول على المنادى المعرف بالأداة فى موضعى جواز اجتماعهما.

د ـ تتعين (يا) بنداء (أى) فى (أيها وأيتها) ، فتقول يا أيها المؤمنون .. يا أيتها المؤمنات.

ه ـ كما تختص (يا) بنداء المستغاث به والمستغاث له. فتقول : يا لله للمسلمين.

كما تشارك (وا) فى نداء المندوب والمتفجع عليه إذا أمن اللبس ، فدلت القرينة على معنى الندبة.

و ـ تختص (يا) بأنه الحرف الذى يقدر عند حذف حرف النداء.

ز ـ يتعين ذكر (يا) فى النداء الذى حذف منه المنادى ، كما نذكر لاحقا.

ح ـ تختص بأنها الحرف الذى يستعمل لأداء معنى التعجب ، أو لإخراج معنى النداء إلى معنى التعجب.

ط ـ كما أنها تستعمل للتنبيه دون غيرها من حروف النداء.

الصور التى يبنى عليها المنادى

يأتى المنادى من حيث بنيته اللغوية ـ أى : هيئته اللفظية فى التركيب ـ على الصور الآتية :

أ ـ المنادى العلم :

نحو : محمد ، وأحمد ، وفاطمة ... إلخ ... والبنية اللفظية للأعلام التى يعتدّ بها فى دراسة المنادى يمكن أن تحصر فى :

ـ ما هو علم مضاف : نحو : عبد الله ، وعبد الرحمن ، وفتح الباب ...

إلخ. وهذا يكون منصوبا ، فتقول : يا عبد الرحمن التفت إلىّ. (عبد) منادى منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وهو مضاف.

١٢

ـ ما هو علم غير مضاف : مثل : على ، وزينب ، وسعاد ، وإبراهيم ، وكذلك ، فريد ، ويشكر ، وينبع ، وأحمد ، وتغلب ، وعمر ، وأسامة ، وطلحة ، وحارث ، و

حسن ، وفاتن ، وسعيد ، وفضل ، وأمل ، وصلاح ، وثناء ، وأسد ، وجحش (مسمّى بهما) ، وسيبويه ، وخمارويه ، وبعلبك ، ومعد يكرب ، وتأبط شرا ، وشاب قرناها ، وفتح الباب (جملة مسمى بها) ...

ومثل المنادى العلم غير المضاف قولك : يا علىّ ، أدّ الواجب. (على) منادى مبنى على الضمّ فى محلّ نصب ، وهو علم غير مضاف.

يا أسامة أطع والديك ، (أسامة) منادى مبنى على الضم فى محل نصب. وهو علم غير مضاف.

يا أمل استمعى لما أقول. يا حارث أدّ الزكاة ، كلّ من (أمل وحارث) منادى مبنى على الضمّ فى محل نصب.

يا نحمده أدّ ما عليك من واجب. (نحمده) منادى مبنى على الضم المقدر فى محل نصب.

ومنه قوله تعالى : (يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) [الزخرف : ٧٧] (١). (يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) [هود : ٤٦] (٢). (قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ) [هود : ٨١].

(قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) [البقرة : ٣٣]. كل من المنادى (مالك ، نوح ، لوط ، آدم) نكرة مقصودة مبنية على الضم فى محل نصب.

ـ قد يكون العلم الاسم الواحد علما مجازيا عندنا ـ المخلوقين ـ كما فى قوله

__________________

(١) (ليقض) اللام للأمر حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب. يقض : فعل مضارع مجزوم بعد لام الأمر ، وعلامة جزمه حذف حرف العلة. (علينا) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالقضاء. (ربك) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وضمير المخاطب مبنى فى محل جر بالإضافة.

(٢) جملة(لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) فى محل رفع ، خبر إن. شبه جملة(مِنْ أَهْلِكَ) فى محل نصب ، خبر ليس.

١٣

تعالى : (يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي) [هود : ٤٤] ، (يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) [الأنبياء : ٦٩](١).

كل من «أرض ، وسماء ، ونار» منادى مبنى على الضمّ فى محل نصب ؛ لأنه علم مفرد (اسم واحد) ، وأخذ حكم العلم ؛ لأن المنادى عليها هو الخالق ـ تعالى.

ب ـ المنادى النكرة المقصودة :

قد يأتى المنادى نكرة مقصودة ، أى : يكون المنادى غير معروف الاسم ، لكنه مقصود بالنداء لذاته دون غيره ممّن تنطبق عليه صفاته ، فالمنادى منه معين فهو نكرة ، تعرفت بالنداء ، وذلك بقصد نداء ذات معينة منه.

وكثير من النحاة يجعلونها نكرة مقبلا عليها ، أو تقبل عليها ، والمنادى النكرة المقصودة يبنى على ما يرفع به ، أى : يكون مبنيّا على الضمّ إذا كان مفردا ، أو جمعا مكسرا ، أو جمع مؤنث سالما ، نحو : يا رجل خذ بيدى ، وأنت تعنى رجلا معينا تنادى عليه دون غيره ، ولكنك لا تعرف اسمه ، فيكون نكرة مقصودة منادى مبنيّا على الضم فى محل نصب.

وتقول : يا طلاب ، انتبهوا. ويا طالبات أدّين واجباتكن ، وكل من (طلاب ، وطالبات) منادى مبنىّ على الضمّ فى محلّ نصب ؛ لأنه نكرة مقصودة.

ويكون المنادى النكرة المقصودة مبنيا على الألف إذا كان مثنى ، فتقول يا جوّ الان أسرعا ، (جوّالان) منادى مبنى على الألف ؛ لأنه فى محل نصب. وهو نكرة مقصودة.

ويكون مبنيا على الواو إذا كان المنادى نكرة مقصودة مجموعة جمع مذكر

__________________

(١) (كُونِي) فعل أمر مبنى على حذف النون ، وياء المخاطبة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. (بَرْداً) خبر كان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (وَسَلاماً) الواو حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب. سلاما : معطوف على برد منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (عَلى) حرف جر مبنى ، لا محل له من الإعراب. (إِبْراهِيمَ) مجرور بعد على ، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة ؛ لأنه ممنوع من الصرف. وشبه الجملة متعلقة بالسلام ، أو فى محل نعت.

١٤

سالما ، نحو : يا معلمون ، أخلصوا فى تربية أبناء الوطن. (معلمون) منادى مبنى على الواو ؛ لأنه جمع مذكر سالم فى محل نصب ، وهو نكرة مقصودة.

فالنكرة المقصودة فى النداء. بمثابة المعرفة تعريفا عارضا بسبب القصد ، وقيل : تعريفها بالأداة محذوفة ، ثم ناب عنها حرف النداء.

ج ـ النكرة غير المقصودة :

قد يأتى المنادى نكرة غير مقصودة ، أى : يكون المنادى غير معروف الاسم ، وغير المقصود نداء مفرد معين من جنسه ، فالمنادى من النكرة غير المقصود غير معين ، وغير مقصود مفرد من جنسه لذاته ، فكل نكرة منه تقبل عليك وتناديها تكون المدعوّ ، أو المنادى ، وتنطق منصوبة.

أى : ينصب بالفتحة إذا كان مفردا ، أو جمعا مكسرا ، فتقول : يا رجلا خذ بيدى ، (رجلا) منادى منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ؛ لأنه نكرة غير مقصودة مفرد.

والفرق بين المنادى فى هذا النوع والمنادى فيما سبقه أن المنادى هنا غير مقصود به ذات معينة ، فالمنادى عليه أىّ فرد سامع من جنس الرجال ، أما المنادى النكرة المقصودة فمقصود به ذات معينة موجودة ، فالمنادى عليه رجل معين.

وتقول : يا رجالا ساعدوا الضعفاء. (رجالا) منادى منصوب. وعلامة نصبه الفتحة ؛ لأنه نكرة غير مقصودة ، وهو جمع تكسير.

ويكون منصوبا بالياء المفتوح ما قبلها إذا كان مثنى ، فتقول : يا طالبين اخرجا.

ويكون منصوبا بالياء المكسور ما قبلها. إذا كان جمع مذكر سالما ، فتقول : يا مواطنين أقبلوا على عملكم بإخلاص ، كلّ من (طالبين ، ومواطنين) منادى منصوب ، وعلامة نصبه الياء ؛ لأن الأول مثنى ، والثانى جمع مذكر سالم.

ويكون المنادى النكرة غير المقصودة منصوبا بالكسرة إذا كان جمع مؤنث سالما ، فتقول ، يا طالبات ، انتبهن إلى دروسكنّ. (طالبات) منادى منصوب ،

١٥

وعلامة نصبه الكسرة ؛ حيث جعلته نكرة غير مقصودة ، فإن قصدت النكرة المنادى عليها بنيت على الضم ، فقلت : يا طالبات (بضمة واحدة).

ومن المنادى النكرة غير المقصودة قول عبد يغوث :

أيا راكبا إمّا عرضت فبلّغن

ندا ماى من نجران أن لا تلاقيا (١)

حيث (راكبا) منادى منصوب ؛ لأنه نكرة غير مقصودة ، فالشاعر لا يقصد راكبا معينا ، وإنما يقصد أىّ راكب.

د ـ المنادى المضاف :

قد يكون المنادى مضافا ، فيكون منصوبا ، فتقول ، يا بائع اللبن اتق الله ، يا كتّاب القرية كونوا أمناء ، كلّ من (بائع ، وكتاب) منادى منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وهو مضاف ، وكلّ من (اللبن ، والقرية) مضاف إليه مجرور.

كما تقول. يا ذا العلم اعمل به. (ذا) منادى منصوب ، وعلامة نصبه الألف ؛ لأنه من الأسماء الستة.

وتقول : يا قارئى الموضوع لخّصاه ، يا بائعى اللبن كونوا أمناء. كل من (قارئ ،

__________________

(١) الكتاب ٢ ٢٠٠ / الإيضاح فى شرح المفصل ١ ـ ١٥٨ / شرح ابن يعيش ١ ـ ١٢٧ ، ١٢٩ / شرح الكافية للرضى ١ ـ ١٣١ / شرح جمل الزجاجى لابن عصفور ٢ ـ ٨٤ / شرح الألفية لابن عقيل ٣ ـ ٢٦٠ / شرح التصريح ٢ ـ ١٦٧.

(أيا) حرف نداء مبنى ، لا محل له من الإعراب. (راكبا) منادى منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (إما) إن : حرف شرط جازم مبنى ، لا محل له من الإعراب. ما : توسعية زائدة للتأكيد حرف مبنى. (عرضت) فعل الشرط ماض مبنى على السكون ، وتاء المتكلم مبنى فى محل رفع ، فاعل. (فبلغن) الفاء حرف رابط الجواب بشرطه مبنى لا محل له. بلغ : فعل أمر مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد المباشرة ، وهى حرف مبنى لا محل له ، والفاعل ضمير مستتر تقديره : أنت ، والجملة فى محل جزم ، جواب شرط إن. (ندا ماى) مفعول به أول منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة ، ومنع من ظهورها التعذر ، وضمير المتكلم مبنى فى محل جر ، مضاف إليه. (من نجران) حرف جر مبنى ، ومجرور بمن وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة ؛ لأنه ممنوع من الصرف ، وشبه الجملة فى محل نصب ، حال. (أن) حرف توكيد ونصب مخفف من الثقيلة. اسمه ضمير الشأن محذوف. (لا) نافية للجنس حرف مبنى لا محل له من الإعراب. (تلاقيا) اسم لا النافية محذوف تقديره موجود ، أو : لنا. وجملة لا مع اسمها وخبرها فى محل رفع ، خبر أن. والمصدر المؤول من أن ومعموليها فى محل نصب ، مفعول به ثان لبلغ.

١٦

وبائعى) منادى منصوب وعلامة نصبه الياء ، الأول مثنى ، والثانى جمع مذكر سالم ، وحذفت النون منهما للإضافة.

وتقول : يا معلمات المدرسة اخلصن فى عملكن. (معلمات) منادى منصوب ، وعلامة نصبه الكسرة ، وهو مضاف ، والمدرسة مضاف إليه.

ومن المنادى المضاف ما أضيف إلى ضمير ، نحو : يا غلامه أقبل.

ومنه قوله عز وجل : (قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ) [يوسف : ١١](١). (أبا) منادى منصوب ، وعلامة نصبه الألف ؛ لأنه من الأسماء الستة ، وهو مضاف.

وقوله تعالى : (يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ) [مريم : ٢٨](٢) ، (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) [آل عمران : ٦٤](٣).

ه ـ المنادى الشبيه بالمضاف :

قد يكون المنادى شبيها بالمضاف ، أى : أنه مضاف ومضاف إليه ، لكنه فصل بينهما بفاصل منع الإضافة.

__________________

(١) (لا تَأْمَنَّا) لا : حرف نفى مبنى ، لا محل له من الإعراب. تأمن : فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنت ، وضمير المتكلمين مبنى فى محل نصب ، مفعول به ، والجملة الفعلية فى محل نصب ، حال. (تلحظ الإخفاء الموجود فى ضمة نون الفعل ، ويعنى تضعيف الصوت بالحركة ، فيكون إدغام فى النون). (عَلى يُوسُفَ) جار مبنى ومجرور ، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة ؛ لأنه ممنوع من الصرف ، وشبه الجملة متعلقة بالفعل.

(٢) (أُخْتَ) منادى منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وهو مضاف (هارُونَ) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة ؛ لأنه ممنوع من الصرف. (ما) حرف نفى مبنى. (كانَ) فعل ماض ناقص ناسخ مبنى على الفتح. (أَبُوكِ) اسم كان مرفوع ، وعلامة رفعه الواو ؛ لأنه من الأسماء الستة ، وضمير المخاطب مبنى فى محل جر ، مضاف إليه. (امْرَأَ) خبر كان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. الحظ وجود الفتحة فى كلّ من الراء والهمزة. (سَوْءٍ) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة.

(٣) (تَعالَوْا) فعل أمر مبنى على حذف النون. وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. (إِلى كَلِمَةٍ) شبه جملة متعلقة بالفعل. (سَواءٍ) صفة لكلمة مجرورة بالكسرة. (بَيْنَنا) شبه جملة متعلقة بسواء.

١٧

وفواصل منع الإضافة : التنوين ، ونونا التثنية والجمع وما يلحق بهما ، وحرف الجر ، وحرف العطف ، وأداة التعريف إلا فى مواضع معينة ، فيكون الثانى من تمام الأول ، والمنادى الشبيه بالمضاف يكون منصوبا ، مثاله :

ـ يا بائعا اللبن كن أمينا ، (بائعا) منادى منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ؛ لأنه شبيه بالمضاف. (اللبن) مفعول به لاسم الفاعل (بائع) منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

ـ يا قارئين القصة أمعنا الفكر. (قارئين) منادى منصوب ، وعلامة نصبه الياء ؛ لأنه مثنى ، وهو شبيه بالمضاف. (القصة) مفعول به منصوب لاسم الفاعل (قارئ).

ـ يا فاهمين الدرس ارفعوا أصابعكم. (فاهمين) منادى منصوب ، وعلامة نصبه الياء ؛ لأنه جمع مذكر سالم ، وهو شبيه بالمضاف. (الدرس) مفعول به لاسم الفاعل (فاهم) منصوب.

ـ يا ذاكرات لله أثابكنّ الله. (ذاكرات) منادى منصوب ، وعلامة نصبه الكسرة ، لأنه جمع مؤنث سالم ، وهو شبيه بالمضاف ، (لله) شبه جملة متعلقة بالذكر. الحظ التنوين بالكسر فى (ذاكرات).

ـ ومن المنادى الشبيه بالمضاف قولك : يا ثلاثة وثلاثين اخرج إلى السبورة.

(ثلاثة) منادى منصوب ، وهو شبيه بالمضاف. والمقصود : يا من رقمك ثلاثة وثلاثون ...

والمقصود بالشبيه بالمضاف عند النحاة توالى اسمين يتطلب أولهما الآخر ، فيكون هذا التطلب بأحد أمور ، هى :

ـ العمل : أن يكون الأول عاملا فى الثانى بالرفع ، نحو : يا منطلقا أخوه أتبعه ، حيث (أخو) فاعل مرفوع باسم الفاعل (منطلق) ، ومنه : يا محمودا خلقه أنت محترم ، حيث (خلق) نائب فاعل مرفوع باسم المفعول (محمود). ومنه : يا حسنا خطّه اكتب هذا.

١٨

أو يكون عاملا فيه بالنصب ، نحو : يا كاتبا درسه صوّبه ، حيث (درس) مفعول به منصوب باسم الفاعل (كاتب) ، ومنه : يا ثلاثين رجلا أقبل ، لواحد سميته بهذا الاسم ، حيث (رجلا) تمييز منصوب بثلاثين.

ولتلحظ أنه لكى تعمل الصفات المشتقة فى معمولها فإنه يفصل بينهما بالتنوين ، أو نونى التثنية والجمع وما يلحق بهما.

ـ التعلق عن طريق حرف الجر : أن يكون الأول قد تعلق به حرف جرّ عامل فى الثانى ، نحو : يا خيرا من محمود أقبل ، يا عالما بهذا الأمر اشرحه ، يا خارجا من القاعة عد إليها ، أو بالإضافة.

ـ العطف : أن يكون أحد جزأى الاسمية معطوفا على الآخر ، نحو يا أحمد وأبا سمير أقبل ، وهما اسم لواحد ، فتنصب الاسمين بما تنصب به كلّ واحد منهما ؛ لأنهما معا شبيه بالمضاف ، فتنصب ـ حينئذ ـ الأول بلا تنوين ، وتنصب الثانى بالألف.

وكلّ منادى شبيه بالمضاف يكون منصوبا ، سواء أكان علما ، أم نكرة مقصودة ، أم غير مقصودة.

ومثل هذه الأمور شبيهة بالمضاف من حيث عمل الأول فى الثانى ، واختصاصه به ، وافتقاره إليه.

أسماء لازمت النداء :

فى الجملة العربية أسماء ملازمة للنداء ، حيث لا تذكر إلا مسبوقة بحرف النداء ، وهى :

أ ـ (فل) بمعنى (فلان) ، ويكون مبنيا على الضمّ دائما مسبوقا بحرف النداء ظاهرا أو مقدرا. فتقول : يا فل ما ذا وراءك؟

وللأنثى (فلة) ، وليس ذلك من الترخيم ، فلو كان منه لما لحقه التاء ، ولم تحذف منه الألف.

١٩

قد تخرج (فل) عن النداء فى الضرورة الشعرية ، كما هو فى رجز أبى النجم : فى لجّة أمسك فلانا عن فل (١) ، حيث استخدام (فل) نيابة عن (فلان) فى غير النداء ، وهو ضرورة ، ومنهم من يرى أن (فل) فى هذا الموضع مقتطع من فلان.

ب ـ ما سمع من الصفات من قولهم : يا لؤمان ، ويا ملأمان ، ويا ملأم. لعظيم اللؤم ، ويا نومان لكثير النوم ، ويا ملكعان مرادا به اللؤم ، يا مكرمان ، ويا مخبثان ، يا مطيبان ، يا مكذبان.

ح ـ وزن (فعل) بضم الفاء ، وفتح العين. يكون من كلّ فعل ثلاثى مقصودا به سبّ المذكر ، ويجب أن يسبق بأداة النداء ، فيقال : يا فسق ، يا غدر ، يا لكع ، يا خبث ، يا لؤم ... الخ. وكلّه منادى مبنى على الضمّ فى محلّ نصب.

د ـ وزن (فعال) بفتح ففتح : يكون من كل فعل ثلاثى مقصودا به سبّ الأنثى ، ويجب أن يسبق بأداة النداء ، فيقال : يالكاع ، يا خباث ، يا فساق ، يا غدار ، ويكون مبنيا لفظا على الكسر ، وحقّه البناء على الضمّ مقدرا فى محل نصب.

ويجعلون (لكاع) فى قول الحطيئة :

أطوّف ما أطوّف ثم آوى

إلى بيت قعيدته لكاع (٢)

__________________

(١) الكتاب ٢ ـ ٢٤٨ / ٣ ـ ٤٥٢ / المقتضب ٤ ـ ٢٣٨ / الجمل ١٧٦ / شرح ابن الناظم ٥٨٥ / شرح التصريح ٢ ـ ١٨٠.

(٢) المقتضب ٤ ـ ٢٣٨ / الجمل ١٧٦ / التبصرة والتذكرة ١ ـ ٣٥٤ / المذكر والمؤنث (لابن الأنبارى ٣٢٧ ، ٣٢٩) شرح ابن يعيش ٤ ـ ٥٧ / شرح التصريح ٢ ـ ١٨٠ / ديوانه ٢٨٠.

(أطوف) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنا ، (ما) حرف مصدرى مبنى ، لا محل له من الإعراب. (أطوف) فعل مضارع وفيه فاعله المستتر ، والمصدر المؤول فى محل نصب مفعول مطلق من أطوف السابق. (ثم) حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب. (آوى) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة وفاعله مستتر تقديره أنا ، والجملة معطوفة على جملة (أطوف) الأولى. (إلى بيت) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالإيواء. (قعيدته) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وضمير الغائب مبنى فى محل جر بالإضافة. (لكاع) منادى مبنى على الضم المقدر ، والنداء مقول لقول محذوف ، والقول المحذوف خبر المبتدإ ، والتقدير : قعيدته مقول لها ، أو يقال لها : يا لكاع ، والجملة الاسمية فى محل جر ، نعت لبيت. ومنهم من يرى أن (لكاع) خبر المبتدأ قعيدة مبنى على الكسر فى محل رفع.

٢٠