الحسين في طريقه إلى الشهادة - المقدمة

الحسين في طريقه إلى الشهادة - المقدمة

المؤلف:


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٦٠

١
٢

بسم الله وله الحمد

«كلمة سماحة السيّد الحجّة السيّد

هبة الدين الشهرستاني (دام تأييده)»

قدّم إليّ البحّاثة الجليل ، والخطيب الأديب ، والواعظ المعروف ، السيّد علي الهاشمي (أعزه الله) كتابه القيّم الذي هو الآن بين يدي القارئ الكريم ، وقد ضمّ قصيدة مقصورة من نظمه الرائق ، يرثي بها إمام الأبطال ، سيّدنا الحسين السبط (عليه السّلام) ، ويصف ركبه الهاشمي من (مكّة المعظمة) (زاد الله شرفها) إلى مصرعه الشريف بكربلاء في العراق.

وقد رأيته كتاباً على وجازته وجزالة نظمه ، قد حوى بين دفتيه تاريخاً موجزاً عن الإمام (عليه السّلام) ، وعن المواقع والمنازل التي مرّ موكبه بها في طريقهم إلى العراق ، من مصادر وثيقة ومخطوطات عتيقة. فذكر فيها منازل لم يذكرها إلاّ قلّة من مشاهير المؤرّخين ، ممّا يجدر بالخطباء والباحثين أن يطّلعوا عليها ، ويرجعوا إليها. كما ضمّن فيها أسماء رسل الحسين (عليه السّلام) إلى أهل الكوفة ، وكيفية مصارعهم هناك.

وإنّني إذ أُثني على مؤلّفه الجليل ، وما بذله من الجهد الجهيد لإخراج مؤلَفه هذا ، أتمنّى له حسن الثواب والأجر الجزيل ، راجياً أن يأخذ الكتاب سبيله إلى القلوب بالإقبال والترحيب ، إنّه سميع مجيب.

بغداد ـ غرة رجب ١٣٧٧

الموافق ٢١ كانون الثاني ١٩٥٨

هبة الدين الحسيني

الشهرستاني

٣

مقدّمة

لنهضة الحسين (عليه السّلام) تاريخ مجيد حافل بكلّ مثل رائع من أمثلة التضحية وضروب الفخر ، دوّنها المؤرّخون في مؤلفاتهم وكتبهم ، وها هي ذي بين أيدينا قد جاوزت في عدّها المئات.

ولم يكتب عن شخصية ما بقدر ما كتب عن شخصية (سيّد شباب أهل الجنّة) ، كما إنّه ما رُثي أحد قطّ بمثل ما رُثي به الحسين (عليه السّلام) من لدن شهادته حتّى اليوم.

نعم ، ألّف العلماء في ترجمة حياته (عليه السّلام) من ولادته ونشأته المباركة وحياته الطيّبة حتّى يوم مصرعه ؛ وأهمّها السنّة التي سبقت شهادته ـ سنة ستين من الهجرة ـ حتّى يوم العاشر من المحرّم من سنة إحدى وستين.

هذا وقد اهتمّ المؤلّفون بواقعة الطفّ أشدّ اهتمام لفاجعتها البكر ، والتي لم يحدّثنا التاريخ عن مثلها فاجعة. وأيم الحقّ ، إنّ واقعة الطفّ جاءت لطخةً سوداء مشوّهة في تاريخ أُميّة ؛ تلك الوقعة التي هدّت عرش يزيد ، ودكّت قواعد ملكه ، وأودت به إلى الجحيم مخلّداً فيها مع أشياخه.

وقد كتب أرباب التاريخ عن جلّ نواحي هذه الكارثة ، ولكنّهم لم يفردوا مؤلّفاً خاصاً يحقّق لنا المحجّة التي سلكها (عليه السّلام) ، والمنازل التي مرّ بها ونزلها ، أو اجتازها إلى غيرها في طريقه من الحجاز إلى العراق ، أي ـ من مكّة المكرّمة إلى الطفّ ـ حيث تربته الزكية.

ولقد ذُكر في بعض الكتب أسماء منها ، لكنّها غير متسلسلة ، وأُغفل الكثير منها

٤

ولم يتعرّضوا لها ؛ فرأيت أنّ الواجب يحتّم عليّ أن أفرد كتاباً أذكر فيه الطريق الذي سلكه الحسين (عليه السّلام) ، وكلّ منزل منها ، وما يخصّه جغرافياً وتاريخياً ، وها هي ذي المصادر الموفورة لدي يسهل عليّ التناول منها ما صعب على غيري من قبل. فأخذت أبحث وأكتب عن الطريق الوحيد الذي كان يسلكه عامّة الناس من مكة إلى العراق وقتئذ ، وأنظم المنازل في مقصورة حتّى استقصيتها إلى كربلاء ، ونظمت أسماء المواقع التي لها المساس التام بموضوعي ، وتخطيط كربلاء وقراها ، والمواقع الشهيرة منها ، وإن كان الشعر على الأغلب تسايره الركّة في مثل هذه المواضيع ؛ لالتزام الناظم الأسماء والأمكنة والحوادث بشعره كالشعر القصصي وغيره ، وهذا شيء يستعمله الشعراء ولا ينكرونه ، مع هذا كلّه جاءت المقصورة كما تقرأها مع شرح كلّ بيت منها.

وفي الوقت الذي كنت أرتاد المكتبات العامّة في بغداد وأنهل من نميرها ، وأهمّها المكتبة العامّة (مكتبة المتحف العراقي) أرشدني صديقي (الدكتور حسين علي محفوظ) إلى كتاب مخطوط يخصّ موضوعي ، والكتاب من مخطوطات خزانة الرضا (عليه السّلام) في خراسان ، وهي من أهمّ مكتبات الشرق. فصرت إلى خراسان ، وطلبت من مدير المكتبة الأستاذ (شاهزاده) الكتاب ، فأمر بإحضاره في الحال ، وراح يقدّم لي بنفسه ما أحتاجه في الوقت نفسه ، فأنا أشكره على تفضّله ، وكنت أرتاد المكتبة مدّة بقائي في خراسان ، ونقلت ما احتاجه منه.

والكتاب كما ذكرت مخطوط ، مجهول الإسم والمؤلف ؛ حيث بتر أوّله وآخره ، وعلى أحد صفحاته ختم باسم المغفور له (الشيخ البهائي طاب رمسه) ، وقد وقفه مع طائفة من المخطوطات النادرة. وإليك صفة الكتاب :

كتابته سقيمة جدّاً ، وورقه سميك يميل إلى الصفرة ، مختلف الأسطر ، طوله ٢٣ ، العرض ١٨ سنتمتر ، عدد أوراقه ١١٦ ورقة ، برقم ٥٧٥١ ، باسم تاريخ مكّة. هكذا عنون أخيراً ، وأعتقد أنّ اسمه غير هذا. والذي أراه أنّ مؤلّفه جعل مكّة المكرّمة نقطة وسطى راح يذكر الطرق المؤدّية إليها ، مع

٥

تشخيص مواضع الحلّ للقادم إلى الحرم ، وأسماء الأماكن والبقاع ، وخصوصياتها من المدينة والكوفة ، والبصرة والبحرين ، والشام واليمن ومصر ، ثمّ يشير إلى بلدان ومَنْ عمّرها بادئ ذي بدء ، والقرى والسهول ، والجبال والأودية ، والآبار ومَنْ احتفرها وصفة مياهها ، والأبنية ومَنْ شيّدها ، والعلائم ومَنْ وضعها وأمكنة البرد. وهو يحدّد المواقع تارة بالفراسخ وأخرى بالأميال ، وإنّي استرعي نظر القارئ إذا ما ذكرت منه شيئاً ، ونقلت عنه نبذة أقول (وفي المخطوط) ، وأذكر ما نقلته منه على علاّته. وإنّي حسب جهدي في نظم هذه المقصورة وشرحها ، وتحقيقاتي للمنازل التي مرّ عليها الحسين (عليه السّلام) أراني لم أقصر عن التنقيب والبحث طالباً من الله السداد ، إنّه ولي التوفيق.

المؤلّف

٦

٧