بحوث في المعراج

السيد علي الحسيني الصدر

بحوث في المعراج

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-397-380-3
الصفحات: ١٦٠

١
٢

الإهداء

إلى من نزلت ولايته ليلة الإسراء من السماء

إلى الآية الكبرى والمثل الأعلى لسيد الأنبياء

إلى إمام الأمة وأب الأئمة النجباء

إلى أمير المؤمنين وقدوة الأتقياء

إليك يا سرور روحي وروحي المسرور

إلى مقامك الأسمى أهدى لَمحَة من صفحة الملكوت الأعلى في

معراج أحبِّ الخلق إليك وأعزِّهم عليك الرسول الأمين

صلوات الله عليه وآله الطاهرين.

راجياً منك القبول ، وهو غاية المأمول.

٣

الحمد لله رب العالمين ، وصلواته وتحيّاته على أشرف بريَّته أجمعين ، محمد وأهل بيته الغرِّ الميامين.

واللعنة الأبديَّة على أعدائهم وظالميهم وغاصبي حقوقهم ومنكري فضائلهم إلى يوم الدين.

وبعد ... ، فهذه أشعَّة من أنوار الإسراء ، التي خصَّ الله تعالى بها خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله ، بعروجه إلى السماوات العُلى ، والملكوت الأعلى ، والمراقي الكبرى.

حيث هي من الحقائق الإسلامية ، والكرامات النبوية التي يلزم أن يعتقد بها الإنسان ، ويكون الإعتقاد بها من صميم الدين والإيمان.

إلى جانب كونها سموّاً إلى المعارف الربانية ، والآياتالإلهية التي شَعَّت وزَهَت في معراج نبينا إلى قاب قوسين أو أدنى ، فأوحى إلى عبده ما أوحى ، وفاضَت معطياتها المباركة على الورى.

نسأل الله تعالى توفيق الإغتراف من معَينه الزاخر ، ونميرهالزاهر ، إنه ولي التوفيق.

٤

تمهيد

كلمة المعراج مأخوذة من العروج ، بمعنى الصعود ؛ يقال : عَرَج يَعرِج عروجاً ، أي صعد وارتقى.

وفي التنزيل : (تَعرج الملائكة والروح) ، أي تصعد.

فالمعراج مِفعالٌ ، وهو في أصله بمعنى المسعَد والسُلَّم والدَرَج. ثم استعُعمِل في العروج. ومنه ليلة المعراج ؛ أي ليلة العروج والصعود. وسُمِّيَ بالإسراء ، من السُرى وهو السير ليلاً. يُقال : سَرى ، يَسري سُريٌ وسَرياً ، أي سار ليلاً. وبمعناه أسرى ، كما يستفاد من معاجم اللغة ١.

ومعراج نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله ، هو عروجه وصعوده إلى السماوات العُلى ، ثم إلى سدرة المنتهى ؛ دُنوّاً واقتراباً من العليِّ الأعلى ، لرؤية الآيات الكبرى ، بنفس بدنه الشريف وروحه المقدسة ، كرامة من الله تعالى له ، ومعجزة لرسالته ونبوته ، كما سنستفيد من براهينه وأدلته.

ومعراج الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله حقيقة وعقيدة ، حلَّت في موقعها القمَّة من شؤون النبوة ،

__________________

١. مرآة الأنوار : ص ١٢٧ ، ١٥٦. المفردات : ص ٣٢٩. مجمع البحرين : ص ٤٣ ، ١٨٧. ترتيب العين : ج ٣ ص ٨١٧ ، ١١٦٦. المحيط في اللغة : ج ٨ ص ٣٧١. لسان العرب : ج ٢ ص ٣٢١. تاج العروس : ج ٢ ص ٧٢.

٥

واختصَّت في مزيَّتها العلياء بخاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله. فكانت من أعظم المعارف الإسلامية والمعالم الدينية. بحيث ورد في حديثها : أن من أقرَّ بالتوحيد والمعراج فهو مؤمن حقاً. بل ورد عدم إيمان من أنكرها ، وتكذيبه للرسول صلى الله عليه وآله إذا كذَّبها. كما تلاحظها في الأحاديث الآتية في المقام الثالث.

ومعراج رسول الله صلى الله عليه وآله قد دلَّت وصرَّحت به آيات الكتاب المجيد ، ومتواتر الحديث السديد ، وأجمعَت عليه الأمة ، ونقلَته التواريخ المهمة.

فكان لابدَّ لنا من دراسة متابعة لهذا السير السماوي الرفيع ، والإرتقاء النبوي الشامخ ، تحت ظلِّ الآيات القرآنية ، والأحاديث المعصومية ، مما يحصل منها القطع واليقين على الصعيد الإعتقادي الحق المبين. بل لكَي يُستفاد منها ، أن المعراج من ضروريات الدين ، ومن المسلَّمات عند جميع فرق المسلمين ، ومما قام عليه قاطع البرهان وحصل به علم الوجدان.

وحتى تظهر الحجة وتتَّضح المحجة ، أن المعراج من آثار القدرة الإلهية والإعجازات الربانية التي أرادها الله تعالى ، الذي إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون. وقضاها الله الذي هو ملك الأرض والسماوات وهي له طائعات.

فتنقطع بذلك شبهات المنحرفين في ذلك ، أو المختلفين فيما هنا لك ، ممن أدعى أن معراجه صلى الله عليه وآله كان بالروح فقط دون الجسم ، أو في الرؤيا دون اليقظة. لزعمه امتناع العروج بالجسم بتلك السرعة ، أو امتناع خرق الأفلاك السماوية ، أو امتناع البقاء في خارج هواء الفضاء.

فإن هذه شبهات واهية في قبال القدرة الإلهية غيرالمتناهية ، التي تعلَّقت بإسراء سيد أنبيائه بجسمه وروحه إلى ملكوت سماواته. وستظهر فهاهة هذه الشبهات ، خصوصاً على ضوء العلم الحديث الذيخرق الفضاء ، وسار إلى جوِّ السماء.

ولتنقيح البحث وتكميل المبحث ، كان لابدَّ من دراسة هذا المعراج على كلا الصعيدين : الثبوت والإثبات.

فتتمُّ الحجة على عروجه صلى الله عليه وآله بجسمه وروحه معا في يقظته ، لا بخصوص روحه أو في منامه.

٦

فنبيِّن :

أولا :

أن المعراج الجسماني ممكن ، غير مستحيل ولا ممتنع ، وهذا هو المقام الأول.

ثانياً :

أن المعراج الجسماني واقع بالدليل الجازم القاطع ، وهذا هو المقام الثاني.

ثالثاً :

أدلة المعراج من الكتاب والسنة والإجماع ، وهذا هو المقام الثالث.

مستمدِّين من الله تعالى التأييد والعون ، إنه خير معين.

علي بن السيد محمد الحسيني الصدر

ربيع الأول / ١٤٢٤ الهجرية

٧
٨

المقام الأول :

إمكان المعراج

٩
١٠

بكلمة واحدة ، أعظم برهان على إمكان الشيء عقلاً هو وقوعه خارجاً. وقد وقعت هذه الحقائق الكونيَّة بالفعل ، وتحقَّقتهذه الظواهر المعراجيَّة في الخارج ؛ يعني هذه الأمور الثلاثة : سرعة حركة الجسم ، وبقاء الإنسان خارج الهواء ، وخرق الأفلاك والفضاء.

فلا إستحالة في هذه الحقائق الثلاثة ، كما تخيَّلها القائل بإمتناع المعراج الجسماني ، بل هي ممكنة ، بل واقعة بالإدراك الوجداني.

١. فقد تحقَّق ـ كما هو معلوم ـ حركة عرش بلقيس من أقصى اليمن إلى أقصى الشام ـ تلك المسافة البعيدة ـ بلَمح البصر ، وما أسرعه من حركة ١.

٢. وتحقَّق ـ كما هو واضح ـ بقاء نبي الله يونس عليه السلام في بطن الحوت وفي قعر البحار ، تلك المدة الطويلة التي سار فيها ، بلا هواء من الفضاء ٢.

٣. وتحقَّق ـ كما هو مشاهد محسوس ـ خرق الجوِّ والفضاء وكرات السماء إلى المرِّيخ

__________________

١. لاحظ تفصيله في تفسير قوله تعالى في سورة النمل : الآية ٤٠ : (قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يَرتَدَّ إليك طَرفُك فلمّا رآه مُستَقِرّاً عنده قال هذا مِن فضل ربي). كنز الدقائق : ج ٩ ص ٥٦٢.

٢. لاحظ تفصيل بيانه في : قصص الأنبياء : ص ٤٨٤.

١١

مرات عديدة بالسُفن الفضائية ١.

فلا إستحالة ولا امتناع في هذه الأمور ، بل الإمكان ظاهر بالعيان في صعود أبسط إنسان. فكيف بعروج رسول الله صلى الله عليه وآله الذي هو متفوَّق على البشر روحاً وجسماً ٢.

مع ما ستعرف أن معراجه ظاهرة إعجازية وكرامة إلهيّة ، تحقَّقت بقدرة الله تعالى القادر على كل شيء والغالب على كل أمر.

فالمعراج ممكن قطعاً ، ولا استحالة فيه أبداً ، ولا إستبعاد فيه إطلاقاً ، شأن سائر معاجزه الباهرة وكراماته الزاهرة.

وللعلامة المجلسي كلام لطيف في الردِّ على الإستبعاد العقلي لمعراج النبي صلى الله عليه وآله ؛ قال فيه :

«انه كما يستبعد في العقل صعود الجسم الكثيف من مركز العالم إلى ما فوق العرش ، فكذلك يستعبد نزول الجسم اللطيف الروحاني من فوق العرش إلى مركز العالم. فإن كان القول بمعراج محمد صلى الله عليه وآله في الليلة الواحدة ممتنعاً في العقول ، كان القول بنزول جبرئيل من العرش إلى مكة في اللحظة الواحدة ممتنعاً أيضاً.

ولو حكمنا بهذا الإمتناع كان طعناً في نبوة جميع الأنبياء عليهم السلام ، والقول بالمعراج فرع على تسليم جواز أصل النبوة ....

أن هذه الحركة لمّا كانت ممكنة الوجود في نفسها ، وجب أن لا يكون حصولها في جسد محمد صلى الله عليه وآله ممتنعاً ، لأنّا قد بيَّنا أن الأجسام متماثلة في تمام ماهيتها. فلما صحَّ حصول مثل هذه الحركة في حق بعض الأجسام ، وجب إمكان حصولها في سائر الأجسام.

فيلزم من مجموع هذهالمقدمات ، أن القول بثبوت المعراج أمر ممكن الوجود في نفسه.

__________________

١. وقد ملأت الدنيا الأخبار المتواترة في السنوات الأخيرة بغزو الفضاء والوصول إلى كرات السماء. وقد استُفيد إمكان النفوذ إلى أقطار السماوات والأرض من الإستثناء في قوله تعالى في سورة الرحمن : الآية ٣٣ : (يا معشر الجنِّ والإنس إن استَطَعتُم أن تَنقُذوا مِن أقطار السماوات والأرض فانفُذوا لا تَنفُذون إلا بسلطان). العلوم الطبيعيِّة في القرآن : ص ١٦٧.

٢. لاحظ أحاديث خلقتهم النورانية وطينتهم العلِّية تحت عنوان : «خلقكم الله أنواراً فجعلكم بعرشه محدِقين» في شرح الزيارة الجامعة : ص ٤٣٨ ، وأحاديث خصائصه الجسمية في الكافي : ج ١ ص ٣٨٩.

١٢

أقصى ما في الباب ، أنه يبقى التعجب ، إلا أن هذا التعجب غير مخصوص بهذا المقام ، بل هو حاصل في جميع المعجزات ؛ فالإنقلاب العصى ثعباناً يَبتَلع سبعين ألف حبل من الحبال والعصيِّ ثم تعود في الحال عصىً صغيرة كما كانت ، أمر عجيب ، وكذا سائر المعجزات» ١.

واعلَم أن عمدة الإشكال الذي هو صادر من بعض قدامى الفلاسفة بالنسبة إلى المعراج الجسماني ، مُبتنٍ على زعمهم إستحالة الخرق والإلتئام في الأفلاك بعد العبور من العناصر الأربعة : التراب والماء والهواء والنار. فأنكروا المعراج الجسماني لاستلزامه هذا المحال بزعمهم!

لكن هذه المسألة ـ يعني الإستحالة ـ مبتنية على النظرية اليونانية القديمة في الفلك بحسب الهيئة البطليموسيَّة التي أكل الدهر عليها وشرب ، وأصبحَت من الخرافات والأوهام طبق التحريّات العلمية ، والإكتشافات الأخيرة لعلماء الفلك ومراصد النجوم. فلم تبق حقيقة للأصل ، فضلاً عن الفرع.

بيان ذلك :

أنه كانت النظرية السائدة في علم الهيئة قديماً ، أن مركز العلم العُلوي ومدار الكوكب هي الأرض. فزعموا أنه تَدور جميع الكواكب حتى الشمس حول الأرض ، وتشكل الليل والنهار والشهور والسنين في دورانها.

وقالوا أن الأفلاك التي تدور حول الأرض تسعة :

١. فلك القمر.

٢. فلك عطارد.

٣. فلك الزُهرة.

٤. فلك الشمس.

٥. فلك المرِّيخ.

٦. فلك المشتري.

__________________

١. بحارالأنوار : ج ١٨ ص ٢٨٥ ـ ٢٨٦.

١٣

٧. فلك زُحَل.

٨. فلك الثوابت ، الذي يشتمل على النجوم الثوابت.

٩. فلك الأفلاك (أطلس) ، الذي ليس فيه نجم وليس بعده موجود في العالم.

وذكروا أن الأفلاك الثمانية لها حركة خاصة وسير خاص ، إلا أن الفلك التاسع هو الذي يدور حول الأرض في كل ٢٤ ساعة دورة كاملة. وهو الذي يحرِّك بقية الأفلاك السيارة ومنها الشمس والقمر ، فيحدث في الأرض الليل والنهار.

كانت هذههي العقيدة السائدة في الأفلاك ، وقد حدثت منذ القرن الثاني الميلادي ، ودامت إلى القران الخامس عشر ؛ يعني دامت مدة تقارب ١٣٠٠ سنة ، كنظرية علمية فلكية محترمة ١.

وعلى هذه النظرية ، زعم بعض قدامي الفلاسفة أن تلك الأفلاك التسعة كطبقات البصل ، على حدِّ تعبيرهم. فلا يمكن خرقها والعبور منها إلى العالم الأعلى. لكن في القرن الخامس عشر ، أدَّت الإكتشافات الرصديَّة والبحوث العلمية والدراسات الفلكية إلى خرافة تلك النظرية وإنهيار ذلك الرأي.

فتبيَّن قبل خمسة قرون تقريباً في علم الهيئة الحديثة ، أن مركز الكواكب ومدارها هي الشمس لا الأرض ـ كما تخيَّلها اليونان ـ ، وأن جميع الكواكب والنجوم السيارة ـ ومنها الأرض ـ تدور حول الشمس ، وأن الأرض مضافاً إلى حركتها الإنتقالية حول الشمس ، لها حركة وضعيَّة أيضاً تَدور حول نفسها في كل ٢٤ ساعة دوراً كاملاً مرة واحدة. وهذه الحركة الوضعيَّة للأرض هي التي تُحدِث الليل والنهار ، لا حركة الفلك التاسع ،كما توَّهمته الهيئة اليونانية.

واكتشفوا أن الأرض هي التي تَدور حول الشمس دورة واحدة كاملة ، تَحدث معها

__________________

١. هذه النظرية البائدة ، هي نظرية كلوديوس بطليموس ، الفلكي اليوناني المصري الذي نشأ في بلدة الإسكندرية في الربع الثاني من القرن الثاني الميلادي ، ومات بعد سنة ١٦١. الموسوعة العربية : ص ٣٨١.

١٤

السنة ، وتقدِّر دورتها الكاملة ٣٦٥ يوم و ٥ ساعات و ٤٨ دقيقة و ٤٦ ثانية ١.

وكذلك النجوم السيارة ، هي تدور حول الشمس ، ومحورها الشمس لا الأرض.

وأنه عرف إلى هذا اليوم من النجوم السيارة :

١. عطارد.

٢. الزهرة.

٣. الأرض.

٤. المريِّخ.

٥. المشتري.

٦. زُحَل.

٧. أورانوس.

٨. نپتون.

٩. پلوتون.

وأن لهذه النجوم السيّارة ، سيّارات أُخرى تَدور حولها تُسمَّى بالأقمار ، ونجوم أُخرى تُسمَّى بالثوابت ٢.

وأن المحور الأصلي والمدار الفلكي الرئيسي ليس هي الأرض ، بل هي الشمس التي يبلغ حجمها ١٣٠٠٠٠٠ مرة ضِعف الأرض ٣.

وكيف كان ، فاستحالة الخرق والإلتئام التي زعمها بعض الفلاسفة اعتذاراً عن إنكار المعراج الجسماني ، هي مبتنية على أساس تلك الخرافة الباطلة القديمة والجُرُف الهار في

__________________

١. دائرة المعارف الحديثة : ص ٣١٣.

٢. كشف عن هذه الحقيقة الفلكي البولندي «نيقولاكوبرنيق» المولود سنة ١٤٧٣ والمتوفي سنة ١٥٤٣ ميلادية ، وقد نشر نظريته سنة ١٥٤٣ في آخر أيام حياته. ثم تابعه الفلكي الألماني «يوهانس كُپلر» والفلكي الإيطالي «غاليلو». ثم أيَّدهم العلماء الآخرون. الموسوعة العربية : ص ١٤٤٠ ، ١٤٩٥.

٣. الموسوعة العربية : ص ١٠٩٤.

١٥

إدعاء الأفلاك التسعة التي زعموها كطبقات البصل حول الأرض ، لا يمكن خرقها والعبور عنها. وقد عرفت بطلانها وعدم أساس لها ، وأن الصحيح هو انتظام النجوم حول الشمس ، وأن الأرض هي نجم كسائر النجوم السيارة في الفضاء.

فيمكن الإنتقال منها إلى أيِّ كوكب في السماء ، بلا محذور ولا إمتناع. بل عرفت وقوعه بالآلات والوسائل البشرية ، فكيف بمعراج الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله بالقدرة الإلهية. فالحق إمكانه وعدم إستحالته.

١٦

المقام الثاني :

وقوع المعراج

١٧
١٨

معراج الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله بجسمه وروحه معاً ليس ممكناً فحسب ، بل هو واقع بجزم.

كما تدلُّ عليه أدلة المعراج الآتية الذكر في المقام الثالث ؛ يعني آيات الكتاب الكريم ، والأحاديث الشريفة.

ويدلُّ على وقوع المعراج بالجسم والروح معاً الوجوه الثمانية التالية :

الوجه الأول :

نفس آية الإسراء الشريفة ، حيث ابتدأت الآية بكلمة «سبحان» التي هي كلمة التنزيه ، واستعملت في القرآن الكريم للتعجيب في الاُمور العظيمة والحوادث العجيبة في آيات عديدة مثل :

١. قوله تعالى : (ولمّا جاء موسى لِميقاتِنا وكلَّمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تَراني ولكن انظُر إِلى الجبل فإن استَقرَّ مكانه فسوف تَراني فلمّا تَجَلَّى ربه للجبل جعله دكّاً وخَرَّ موسى صَعِقاً فلمّا أفاق قال سبحانك تُبتُ إليك وأنا أول المؤمنين) ١.

__________________

١. سورة الأعراف : الآية ١٤٣.

١٩

٢. قوله تعالى : (الذين يَذكُرون الله قياماً وقُعوداً وعلى جُنوبهم ويَتَفَكَّرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقتَ هذا باطلاً سبحانك فَقِنا عذاب النار) ١.

٣. قوله تعالى : (سبحان الذي خلق الأزواج كلَّها ممّا تُنبِتُ الأرض ومِن أنفسهم وممّا لا يَعلَمون) ٢.

وغير ذلك من الآيات الكريمة الأخرى ٣.

ومن المعلوم أنه لا عجب ولا إعجاز ولا عظمة في رؤيا أحد في منامه المسجد الأقصى أو السماوات العُلى ، حتى تبتدؤ الآية بالتسبيح. فإنه يراها في المنام عامة الناس لا خصوص صاحب الوحي. ولا يناسب التعجيب والإعجاز إلا أن يكون الإسراء بالروح والجسد الذي لا يَناله أحد.

الوجه الثاني :

كلمة «أسرى» في نفس الآية الشريفة أيضاً قرينة لفظية ظاهرة في كون المعراج جسمانياً.

وذلك لأن الإسراء في اللغة نصٌّ في : السير بالليل وقطع الطريق فيه. ومن المعلوم أن سير الإنسان وقطعه الطريق يكون بالبدن ، لا بمجرد الروح ، كما تشهد به الإستعمالات القرآنية مثل :

١. قوله تعالى : (فأسرِ بأهلك بِقِطع من الليل ولا يَلتَفِت منكم أحد إلا امرأتك إنه مُصيبُها ما أصابهم إن مَوعِدَهم الصبح أليس الصبح بِقَريب) ٤.

__________________

١. سورة آل عمران : الآية ١٩١.

٢. سورة يس : الآية ٣٦.

٣. تدبَّر في قوله تعالى في سورة النمل : الآية ٨ ، وسورة يس : الآية ٨٣ ، وسورة الزخرف : الآية ١٣.

٤. سورة هود : الآية ٨١.

٢٠