النصائح الكافية لمن يتولّى معاوية

السيّد محمّد بن عقيل بن عبد الله بن عمر بن يحيى العلوي

النصائح الكافية لمن يتولّى معاوية

المؤلف:

السيّد محمّد بن عقيل بن عبد الله بن عمر بن يحيى العلوي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الثقافة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٤

١
٢

٣
٤

بسم الله الرحمن الرحيم

٥
٦

تنبيه

ربما يحمل الذهول أو الجهل بعض الناظرين من اول وهله على عدم الاهتمام بموضوع هذه الرسالة ويتخيل في ذهنه انه غني من دينه عنها فيعرض عن مطالعتها ويرغب عن الوقوف على فوائدها وحججها وبراهينها مع ان الامر ليس كما يتخيل فان الرسالة مشتملة على تحقيق عظيم في شطر من صريح الايمان لايتم ايمان المؤمن الا به فقد جاء في الآيات المتعددة والاحاديث الجمة.

ان صريح الايمان وحقه هو الحب في الله والبغض في الله ومتى تلبس المؤمن بالحب في الله فقد احرز شطر الايمان ومتى ابغض في الله احرز الشطر الثاني لا يكمل ايمانه الا بهما معا ومن منته نفسه الغرارة ان ايمانه يكمل بالحب في الله فقط فليتهمها في ايمانه حيث خالفت في ذلك ما جاء به كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وآله افتؤمنون ببغض الكتاب وتكفرون ببعض لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوداون من حاد الله ـ الآية.

فليكن الانسان على بصيرة من نفسه ودينه والله الموافق والهادي.

المؤلف

٧
٨

تقديم

أنا لم أتعرف على الشريف العلامة السيد محمد بن عقيل (١) ولا التقيت معه في زمن من الازمان.

ولقد التقيت به مرارا وتعرفت عليه ، فرأيته ثمرة ناضجة من ثمار الثقافة العربية ، تثقف في علوم الدين واللغة ثقافة محيطة شاملة. وشارك المصلحين في ايقاظ النهضة الفكرية الدينية وعمل مع العاملين في نصرة الحق والاتنصار لاهل البيت النبوي الطاهر عليهم السلام.

وفي الحق انه فذ في مواهبه ، موهوب فيما الف وكتب.

* * *

__________________

(١) السيد محمد بن عقيل ركن من اركان النهضة الاصلاحية وعلم من أعلام الشريعة الاسلامية وقطب من اقطاب السادة العلوية عاش زهاء سبعين عاما قضى جلها في العلم والعمل والدعوة إلى الحق والجهر بالصدق مع ما حباه الله به من خلق زاهر وادب باهر وقلب طاهر.

ولد في شعبان سنة ١٢٧٩ ه‍ ببلدة مسيلة آل شيخ بقرب تريم وتربى في حجر والدين كريمين هما من خيرة الاشراف وقد اعتنى والده رحمه الله في تعليمه فأحضر لهذه الغاية بعض علماء حضرموت فكانت آثار النجابة ساطعة البرهان في محيأه الوسيم وكان من صغره مجبولا على حب أهل البيت الطاهر وبغض أعدائهم كيف لا وهو يمت إليهم بالنسبين حتى قيل انه كان وهو في السابعة من سنيه ينظم الاراجيز في مدح الهاشميين ويتغنى بها مع الاولاد وكان جد ولوع في كتب التاريخ والتراجم لا يفوته منها شاردة ولا واردة ودرس النحو وأتقنه وقرأ كثيرأ من الكتب والفنون على والده وعمه ومن أحضراه له من المشائخ وكان والده يحرضه على الاستقلال في الفكر لذلك نشأ مستقة غير مقلد وساعده على بلوغ مرامه انه كان لاسلافه مكتبة حافلة في الكتب المخطوطة النفيسة وزادها حسنا ان الفقيد رتب لها حسب ذوقه فهرسا لطيفا وقد اعطاه بها بعض وجهاء مصر مبلغا كبيرا من المال فلم يشأ بيعها لكنها مع الاسف تشتت أكثرها

٩

وقد يوجد في الناس من ينكر علينا هذا التناقض!. فأني سجلت على نفسي اني لم اتعرف عليه ولا التقيت معه ، ثم ادعيت اني عرفته والتقيت معه!. ولا شك بأن هذا الانكار انما يرجع في غالب الاحيان إلى ما تهيأ لهؤلاء من تفكير بسيط لا يتجاوز مد العين الباصرة ، ويعجزون إذا حاولوا أن يطلقوا الفكر ويحلوا قيوده ويفتحوا له باب القفص لئلا يبقى الفكر يضطرب في أضيق مكان. يعجزون عن أن يصلوا بتفكيرهم إلى أكثرهما تقع عليه حاسة البصر فقط.

انك لتمر في السوق والمراكز العمومية فيقع بصرك على العشرات لا بل على المئات وعشرات المئات فلا يلفت نظرك واحد منهم ولا تلفت انت نظر واحد

__________________

توفى والده وهو بن خمسة عشرة سنة ومع صفر سنه قام مقام والده أحسن قيام ثم رحل وهو في السابعة عشرة من سنيه إلى سنغافورا والبلاد الجاوية فأشتغل هناك بالتجارة وافلح وأول مؤلفاته كتاب النصائح الكافية لمن يتولى معاوية ظهر بها فضله لدى المنصفين ثم الف كتبا كثيرة كلها من خيرة ما الف كالعتب الجميل على أهل الجرح والتعديل وغيره.

وآخر كتاب له ـ وهو كتاب جليل جدا ـ كتاب ثمرات المطالعة يبلغ زهاء ثمانية الف صفحة وكان شرع في مصر بطبع الجزء الاول منه.

ومن أجل اساتذته المرحوم المقدس السيد أبو بكر بن شهاب. وللفقيد رحلات كثيرة في سبيل الدين والعلم والتجارة ولم يكن المال لديه سوى اداة لقضاء الحاجة لذلك كان ينفق ما جمعه وهو غير قليل في سبيل البر والاحسان. حج ثلاث مرات وزار العراق وسورية ومصر خاصة عدة مرات كما زار الهند واليابان والصين وغيرها من الاقطار الشرقية وزار كثيرا من عواصم اوروبة لاسيما پاريس وحضر معرضها الكبير وخطب هناك واجتمع بكثير من المستشرقين وله معهم مساجلات ومحاورات لطيفة. وكان يكتب أحيانا في الصحف فكتب في المؤيد والمقطم والاهرام والعرفان ولما زار امام اليمن اكرم مثواه وحمله من الحديدة إلى صنعاء في طائرة وخصص له مكانا خاصا في جانب غرفته وابقاه في كنفه شهرين كاملين وقد توفى الفقيد سنة ١٣٥٠ في المكلا باليمن وقد عطلت المحاكم في اليمن لوفاته وسارت العساكر في جنازته منكسة الاعلام.

ـ عن مجلة العرفان ـ صيدا ـ

١٠

منهم ، ولكنك تذهب إلى الوراقين ـ باعة الكتب ـ والمكاتب العامة فتجلس إلى العلماء من فلاسفة وفقهاء ومتصوفه وحكماء ووعاظ وادباء وساسه وشعراء فتجادلهم وتناظرهم وتفلجهم بالحجة حينا ويفلجونك ، انت صامت وهم صامتون أنت متكلم وهم متكلمون ، وفي ظل هذا النقاش الصامت تتعرف عليهم وتلتقي بهم فتكون منهم على اوثق ما يكون من الصلاة.

وليست الصلة بالاجسام مما تستريح إليها جميع الاذواق وتلتذ بها جميع النفوس ، ولكن صلة النفس بالنفس هي التي تتنعم بها النفوس وتلتذ بها العقول بما تفيض عليهما من الوان المعاني من كل بديع وكل دقيق.

* * *

أنا لم اشاهد السيد محمد بن عقيل ولم اتعرف عليه بالمشاهدة ولكن في المكتبة تعرفت عليه واجتمعت مع هذا الرجل ، الكبير في ادبه ، الواسع في اطلاعه ، الصريح في أنصافه. في المكتبة عرفته وساجلته في الحديث ، وفي المكتبة يتعرف عليه كل من لا يعرفه ويريد ان يتعرف عليه وفي المكتبة يستطيع القارئ ان يتعرف على العلماء ، والفلاسفة والحكماء ، والادباء والشعراء ، والمؤرخين والمحدثين ، بل يجتمع مع الانبياء والمرسلين ، وان كانوا جميعا قد غيبتهم الارض وأكلت لحومهم ونخرت عظامهم.

وأنا أيضا التقي معك يا قارئي هنا وان كانت أنا في شرق الارض وانت في غربها.

وبعد ـ فلا اظن ان أحدا يجادلني إذا ما قلت اني التقيت مع الشريف محمد بن عقيل ولم أره ، وتعرفت عليه ولم اشاهده ، لان الكتاب عنوان مؤلفه ويعطي صورة عنه تسير مع الاجيال مادام الكتاب موجودا يقرأ ويتعرف عليه كل من يقرأ كتابه ، ولا أريد الكليه المنطقية المسورة بكل ولكنه في الكثير الغالب وانما اقيده بالغالب لان في طبقات القارئين من لا يأخذ

١١

صورة عن المؤلفين عند قراءة كتبهم وانما يخرج من الكتاب كما دخل وكلما فعله انه اجتاز قطعة من الزمن لاهيا عن آلامها لا اكثر ولا أقل.

* * *

ولسنا نريد في هذه الكلمة القصيرة ان نقدم المؤلف إلى جمهرة القراء وانما كتابه هذا ومؤلفاته الاخرى (١) هي التي تقدمه علامة بحاثة. وكذلك لا نريد ان نقدم إلى القراء كتابه ـ النصائح الكافية لمن يتولى معاوية ـ فان الكتاب يقدم نفسه بنفسه دون ان يحتاج إلى أحد يقدمه.

وكذلك لا نجد متسعا لتقديم الكتاب والمؤلف ، لان الكتاب اشتمل على صفحة علمية أنيقة جميلة والمؤلف بلغ أقصى ما أراد في الجهة التي اختار الكتابة فيها فلم يبق مجال للنقد ، ولا ثمة نقص يحتاج إلى التعليق ، وكل من المؤلف والكتاب غني عن الثناء والمدح والجزاء موكول إلى الله عزوجل.

ويقف الباحث في هذا الكتاب وفي سائر مؤلفاته التي رأيناها على أراء سديدة محكمة في نقد الحوادث لم تعرف لغيره من قبله ، وعلى ما يبدو لنا ان المؤلف وقف امام الميزان ـ في كل تأليفه ـ مجردا عن كل شئ الاكتاب الله المجيد وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم المطهرة.

واذن كل ما أريده الآن ان اتحدث إلى القارئ ببضعة سطور عن انصاف هذا المؤلف في خلعه الثوب الذي لبسه غيره ممن تقدم عليه فأحترم كل من شاهد النبي وصاحبه حتى لو كان معاوية وأباه ومروان واباه وبسر ابن ارطاة وعمران بن حطان واضراب هؤلاء.

يعرف المتصلون بعلمي الرجال والجرح والتعديل ان صراعا عنيفا بين

* * *

__________________

(١) رأينا منها كتاب تقوية الايمان وكتاب العتب الجميل في الجرح والتعديل وفصل الحاكم في النزاع والتخاصم فيما بين بني أمية وبني هاشم.

١٢

الطائفتين الكبيرتين من المسلمين اهل السنة والشيعة حول اصحاب النبي صلى الله عليه وآله واستطاعت العقيدة والسياسة أن يلعبا دورا مهما في هذا النزاع الحاد بين الطائفتين وأستمر النزاع يشق طريقه بين الحديد والنار إلى الاجيال يستمد قوته من العقيدة لاغيا كل اعتبار من الاعتبارات الاخرى وحال دون التعاون بين المسلمين وتأخر الاسلام بسبب هذا الصراع حتى اوشك النزاع ان يقضي عليه.

أجل ، انقسم المسلمون إلى قسمين : قسم البس صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثوبا من القداسة الغير المحدودة بحد ولا يمكن ان تتناولها يد ، ولا يمكن للعقول ان تحوم حولها في لحظة من اللحظات ولا في حال من الاحوال وهؤلاء اعتبروا ان الصحبة لا يمكن ان تنتج الا ما يصح ان يكون ، وهي وحدها كافية لتبديل آثار البيئة والوراثة وهي قادرة على تحول النفوس الشريرة إلى نفوس صالحة فحكموا على جميعهم بالطهر والقداسة!.

وقسم من المسلمين لم يعتبر الصحبة الا شرفا يغبط عليه الصحابي فقط واما القداسة والطهر فأمران خارجان عن الصحبة ومرجعهما واقع الامر في كل صحابي فمن عمل منهم صالحا واتقى الله سبحانه حق تقاته وعمل بأوامر الله ورسوله ولم يقترف اثما من قتل وظلم واعتداء فذلك هو الصحابي الواجب علينا تقديسه واكباره واما من أقترف شيئا من اثم فليست الصحبة حارسة له وهو كغيره من المسلمين الذين يلقون آثاما.

وعند هذا القسم من المسلمين الصحبة وتقوى الله يتعاونان على قداسة الصحابي وطهره. واذن لابد لهذا القسم ان يأخذ الغربال فيغربل ويأخذ مبضعة الطبيب فيشرح. وهكذا فعل هذا القسم ، غربل بأنصاف ما وسعه ان يغربل ولم يبال بصيحات المرجفين. وليس من موضوعنا ان نتحدث هنا

١٣

عن مصاير هذه الغربلة فقد استطاعوا ان يذودوا عن آرائهم ببراهين قاطعة.

والمؤلف لم يسلك سبيل قومه فلم يخلع على سائر ، الصحابة ثوب القدس والطهارة واستطاع ان ينزع ذلك الكابوس عن عقله فأشفق على صحب النبي صلى الله عليه وآله عن ان يدنسهم فيدس فيهم من يلوث شرف الصحبة. فأستمع إليه يقول :

«والصحابة الذين يصدق عليهم التعريف المخترع الحادث وتحوي المعاجم اسماء كثير منهم قسمان : قسم اخلص في الايمان واحسن الصحبة ووفي بالحق فهو محمود ممدوح أهل للثناء والتعظيم والاحترام من كل مسلم.

«وقسم نافق واساء الصحبة وخان وغدر وهو مذموم عند كل مصنف». «لا يستوى اصحاب النار واصحاب الجنة. أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الارض» الآية واسمعه أيضا يقول :

«ان صحبة النبي صلى الله عليه وآله شرف عظيم. ومرتبة سامية ، ومنزلة عالية ، واصحابه صلى الله عليه وآله متفاوتون في فضلها وشرفها بقدر ما احسنوا فيها. وإذا عصي أحد منهم وحاد الله ورسوله وارتكب الكبائر وأصر على معصيته فقد ترك ما اوجب له المحبة من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، إذ ليس عند رسول الله صلى الله عليه وآله محاباة ولا مداهنة في عداوة من الله وعصاه. ومن الغباوة ان لم تقل من العناد اهدار كل كبيرة وموبقة بدعوى حرمة الصحبة. لاشك ان للصحبة حرمة عظيمة وشأنا فخما. ولكن مقيد بما قدمنا».

تحس وانت تقرأ هذا ان المؤلف يرى ان الصحبة لا تمتد الا إلى أفراد مخصوصين من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله ، وان أثر الصحبة وشرفها لا يكون بارزا الا في الرجال الذين أخلصوا في ايمانهم واحسنوا ووفوا بما عاهدوا الله وهم قليلون اولئك هم الذين فازوا بالقدس

١٤

والطهر واولئك هم الاصحاب حقا وفازوا بشرف الصحبة رضي الله عنهم ورضوا عنه.

وكم كنت اود لو ان المؤلف توسع في حديثه واتسع غرباله لجميع الصحابة وهذا الذي نأخذه على المؤلف فقد تساهل هنا وكان حق له ان لا يتساهل وكل حق له ان يعمل على تنقية الصحابة ولكن اظن ان قلمه لم يكن ليقوى على تحمل هذه المسئولية العظمى ، ولعل في الغربلة التامة ما يحرجه ولكن. ولكن الحقيقة لا تعرف المراعاة.

وليس بأمكان هذا التقديم ان يتسع للكلام في هذا الموضوع المتباعد الاطراف فأنه يحتاج إلى عشرات المئات من الصحائف.

ومهما يكن من شئ فان الكتاب أستوفى موضوعه حق الاستيفاء. ولا ينافيه ان أخذنا عليه انه لم يعط المسألة حقها من جميع نواحيها ليكون الكتاب عاما شاملا والمصنف منفرد عن قومه بطريقه منصف في ما أراد ان يكتب فيه ما شاء له الانصاف عادل ما شاء له العدل ولا نفهم انصافه وعدله الا إذا درسنا معه المقياس الذي اتخذه وسيلة للوصول إلى الحق في بحثه وإذا أعرض المعرضون عن هذا المقياس وأبوالا أن تكون الصحبة وحدها هي المقياس فقد ضاعت الحقيقة.

وأختم كلمتي هذه راجعا إلى ما ذكرته آنفا فأقول لو ان المؤلف سار مع المقاييس والمعايير التي سار عليها في مؤلفه هذا مع جميع الصحابة ليكون بحثه اتم واشمل ولكن له عذره عندنا فلعله لم يردان يعرض في كتابه نقدا له تفاصيله وله افاته فأذن لابد له ان يقف عند هذه النقطة الحساسة فقط.

وأحسب اننا بعد التسليم له بهذا لسنا في حاجة إلى ان نناقشه فيما لم يرده أو أراده ولكن لم تسمح له به ظروفه والبيئة التي يعيش فيها.

١٥
١٦

لعن معاوية من الاثم أم لا

١٧
١٨

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الراشدين وتابعيهم بأحسان إلى يوم الدين.

أما بعد فاني قد اطلعت على سؤال صورته : سيدي قال لي أحد العلماء ان من يلعن معاوية أقل خطرا ممن يترضى عنه فهل هو مصيب في ذلك أم مخطئ افيدونا؟

وقد أجابه أحد العلماء بأنه مخطئ بلاشبهة وأطال في جوابه من الاستدلال والنقل بما لا تقوم به الحجة (وحيث) اني أرى الحق مع العالم الاول وأرى ان هذا المجيب قد استعجل في أمر كان له فيه أناة لم يسعني الا أن اكتب هنا ما علمته وتحققته في هذه المسألة هربا من الوعيد الوارد في قول الله تعالى ان الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب اولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون الا الذين تابو وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وانا التواب الرحيم وفي قوله عزو جل ان الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا اولئك ما يأكلون في بطونهم الا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم وفي قوله جل وعلا واذ أخذ الله ميثاق الذين اوتوا الكتاب ليبيننه للناس ولا يكتمونه وفي قول النبي عليه أفضل الصلاة والسلام من كتم عملا عن أهله الجم يوم القيمة لجاما من نار إلى غير ذلك.

وأرجو ان يعيد ذلك المجيب الفاضل النظر فيما قاله إذ لاريب في ان

١٩

الحق ضالته وضالتي وقد استحسنت أن آتي على المسألة بحذافيرها وابين أدلتها وما يتفرع عنها في هذه العجالة وسيأتي في مطاوى فصولها ما هو كالجواب على ادلة ذلك العالم الفاضل.

وها أنا شارع بعون الله في تحليل المسألة المسؤول عنها وتقرير حكمها تقريرا واضحا يهتدي به ان شاء الله من أطرح التعصب الذميم جانبا ويستبصر به من كان في معرفة الحق راغبا ويجد به المنصف ضالته المنشودة ويظفر منه الطالب بطلبته المفقودة فأقول اعلم وفقني الله واياك ان الخطر هو الاشرفا على الهلاك وهو هنا الاثم الموجب للعقاب واللعن هو الطرد والابعاد ولعنه الله طرده وابعده والدعاء به على المسلم ممنوع الا من اتصف بصفة استحق بها ذلك وسنورد فيما بعد كثيرا منها جاء به الكتاب والسنة.

فينبغي لنا الآن ان نعرف ان لعن معاوية هل هو من الاثم الذي يحصل بار اتكابه الخطر على اللاعن كما ذكر في السؤال ام لا؟ وان الترضى عن معاوية وتسويده المستعملين شعارا للتعظيم كما يترضى عن الشيخين وغيرهما من الاكابر عند ذكره موجب للاثم المحصل للخطر ام لا وليس لنا ان نحكم في شئ منهما الا بدليل لان الحكم بغير دليل تحكم في دين الله والعياذ بالله تعالى قال الله تعالى ولا تقولوا لما تصف السنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب ولا دليل الا فيما جاء عن الله على لسان رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من كتاب أو سنة أو اجماع صحيح مستند إلى الكتاب أو السنة أو قياس صحيح مستنبط من أحدهما وكل دليل لا يرجع إلى ما تقدم فمردود لا يعتد به مضروب به في وجه صاحبه كائنا من كان.

وإذا استقرينا ادلة جواز لعن معاوية الآتية من الكتاب والسنة مع ما يتعلق بها ويفسرها من فعل اكابر الصحابة وأهل البيت الطاهر وجدناها اقوى بكثير من ادلة جواز تعظيمه بالترضى عنه وتسويده كما تسود الاكابر

٢٠