النصائح الكافية لمن يتولّى معاوية - المقدمة

النصائح الكافية لمن يتولّى معاوية - المقدمة

المؤلف:


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٤

بسم الله الرحمن الرحيم

ترجمة المؤلف

نسبه الشريف

هو محمد بن عقيل بن عبدالله بن عمر بن أبي بكر بن عمر بن طه بن محمد ابن شيخ بن أحمد بن يحيى بن حسن بن علي بن علوي بن محمد مولى الدويلة بن علي بن علوي بن محمد بن علي بن محمد صاحب مربط بن علي بن علوي بن محمد علوي بن عبيدالله بن المهاجر أحمد بن عيسى بن محمد بن علي العريضي بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وابن فاطمة الزهراء عليهم السلام.

مولده ووفاته

ولد ضحى يوم الاربعاء ليومين بقيا من شعبان سنة ١٢٧٩ ه‍ ببلدة مسيلة آل شيخ قرب تريم (١) من بلاد حضرموت ، وتوفي صباح الثلاثاء ١٣ ربيع الاول سنة ١٣٥٠ ه‍ في الحديدة من أرض اليمن ، وشيع نعشه رجال الدولة والاهلون عن بكرة

__________________

(١) تريم : اسم إحدى مدينتي حضرموت ، لان حضرموت اسم للناحية بجملتها ، ومدينتاها : شبام وتريم ، وهما قبيلتان سميت المدينتان بهما. مراصد الاطلاع ١ : ٢٦١

١

أبيهم ، والجيش اليماني منكسا سلاحه ، وجاءت برقيات التعزية لنجله السيد علي من الامام يحيى وولي العهد سيف الاسلام أحمد بن يحيى وأخيه سيف الاسلام محمد ، وأقفلت المحاكم في اليمن ثلاثة أيام حدادا عليه.

أحواله

اعتنى والده بتعليمه ، وأحضر إلى المسيلة من يعلمه من علماء حضرموت ، فقرأ القرآن في بضعة شهور ، وتعلم الخط ، وقرأ النحو وبعض متون الفقه وبعض دواوين الشعر ، وجل مقامات الحريري ، وكانت قراءته على والده وعمه محمد بن عبدالله ، وعلى السيد أبي بكر بن شهاب وغيرهم ، وكانت مخايل النجابة وجودة الفهم بادية عليه من صغره ، وبما أن والده كان يحرضه على الاستقلال في الفهم وعدم اتباع كل ما هو محرر إلا بعد فهمه وفحصه تربت فيه ملكة الاستقلال من صغره ، وكانت لاسلافه مكتبة عظيمة تحوي نفائس الكتب المطبوعة والمخطوطة ولها فهرس عمله هو ، فطالع أكثر ما حوته بإمعان.

توفي والده وهو في الخامسة عشرة من عمره ، فقام مقام والده في رئاسة عائلته على صغر سنه ، وقام بمهام تلك الرئاسة أحسن قيام.

ثم رحل من بلاد حضرموت إلى سنغافورة وجاوة (١) وعمره ١٧ سنة لافادة أهلها ، فنجحت مساعيه وتكللت أعماله بالفوز حتى أصبح مضرب الامثال ، فكثر حساده وتضافرت على مقاومته أضداده ، فأظفره الله عليهم وعادوا بالخيبة والخذلان ، ووصل إلى سنغافورة سنة ١٢٩٦ ه‍ واشتغل بالتجارة ليكون مستغنيا عن الناس ، فنجح في تجارته وحافظ على أوقاته ، فعمل جدولا قسم فيه أوقاته على أعماله وراحته ، وجعل حصته للمطالعة لا تقل عن ثلاث ساعات على الدوام ، وكلما وجد سعة في الوقت جعلها للمطالعة وكان يقول : «مواقيتك يواقيتك ، فحافظ عليها» وكان يقول :

__________________

(١) جاوة : من الجزر الاندنوسية

٢

«أعظم عون لي في نجاح مقاصدي توزيع أوقاتي».

ولم يكن يقبل مناصب الدول ، وأراده الملك حسين بن علي أن يكون ناظرا للمعارف بمكة المكرمة سنة ١٣٤٠ ه‍ فأبى ، سوى أنه رغب إلى حكومة سنغافورة إبان الحرب العظمى الاولى في تأسيس مجلس باسم مجلس الاستشارة الاسلامي فأجابته لذلك ، وترأس هذا المجلس ، وغايته إجراء أحكام المسلمين كالمواريث وغيرها على وفق مذهبهم.

وأسس في سنغافورة جمعية إسلامية ومجلة وجريدة عربيتين ومدرسة عربية دينية ، وحج البيت الحرام ثلاث مرات ، أقام في إحداها بالحجاز مع عائلته أكثر من ستة أشهر.

وسافر إلى الهند مرارا ، وسافر إلى اليابان والصين وإلى آخر بلاد روسيا ، ومنها إلى برلين ففرنسا ، وحضر بها المعرض العلمي والتجاري ، وتعرف بعلية المستشرقين فيها ، ورأى في جهة من المعرض العلمي علما لدولة إسلامية وتحته منبر للخطابة لم يصعد عليه أحد ، فصعد عليه واجتمع حوله علماء المستشرقين ، فالقى خطابا نفيسا ذكر فيه السيرة النبوية ومحاسن الاسلام ، ولما نزل عن المنبر صافحوه ودعوه إلى حفلة أقاموها له في منزل كبير والتفوا حوله رجالا ونساء ، وسافر أيضا إلى العراق وسورية ومصر مرارا.

وكان قوي الحجة ، ثاقب الفكر ، حاد الذهن ، شديد الفهم ، باحثا محققا نقادا مطلعا.

مؤلفاته

(١) النصائح الكافية لمن يتولى معاوية ، وعنونه في الذريعة ب‍ (النصائح الكافية في مثالب معاوية). فرغ منه في سنغافورة ليلة السبت ١١ صفر سنة ١٣٢٦ ، وطبع في بومباي ـ الهند ، في نفس السنة ، وطبع بعدها عدة مرات في بيروت وبغداد والنجف (١).

__________________

(١) الذريعة ٢٤ : ١٧٠.

٣

ورد عليه رجل بكتاب سماه (الرقيه الشافية من مضار النصائح الكافية) فرد السيد أبو بكر بن شهاب على الرد بكتاب أسماه (الحمية من مضار الرقية).

(٢) تقوية الايمان برد تزكية آل أبي سفيان ، كتبه في الذب عن اعتراضات أوردت على كتابه (النصائح الكافية) وأثبت فيه صحة ما ذكره في نصائحه. وقد طبعه في سنة ١٣٤٣ ه‍ (١).

(٣) الفصل الحاكم في النزاع والتخاصم فيما بين بني أمية وبني هاشم ، وهو تلخيص لكتاب (النزاع والتخاصم فيما بين بني أمية وبني هاشم) للمقريزي المتوفى سنة ٨٤٥ ه‍.

ألفه في سنغافورة سنة ١٣٣٢ ، وطبع في سنة ١٣٤٣ مع (تقوية الايمان) (٢).

(٤) العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل ، وهو عتاب على من يروي عن كل خارجي وكذاب ، ويترك الرواية عن أهل البيت ، بلسان طيب جميل ، فهو اسم طبق المسمى ، طبع بعد تأليفه في سنغافورة في سنة ١٣٤٢ ه‍ ، وهو مرتب على ستة أبواب وخاتمة ، وفيه استقراء تام لاسباب الجرح والتعديل فلم ير في المجروحين ذنب غير محبة آل البيت (ع) ، ولم ير في المعدلين سوى التحامل عليهم والميل والانحراف عنهم (٣).

(٥) ثمرات المطالعة ، أشار إليه في (العتب الجميل) بلغ عدد صفحاته أربعة آلاف صفحه ، وقيل : ثمانية آلاف بقطع النصف ، وذلك أنه كان كثير المطالعة ، وله ولع عظيم بها ، بقي عدة أعوام يطالع في كل ليلة مائة وخمسين صفحة ، فكان إذا أراد مطالعة كتاب وضع مذكرته وقلمه ودواته بجانبه وشرع في المطالعة ، وعند الانتهاء من مطالعة ذلك اليوم يكتب على المحل الذي وقف عليه تاريخ اليوم والشهر والسنة ، فإذا رأى في الكتاب غلطا كتب على هامشه : الظاهر كذا. وإذا مرت به فائدة أو اعتراض على

__________________

(١) الذريعة ٤ : ٣٩٤.

(٢) الذريعة ١٦ : ٢٢٧.

(٣) الذريعة ١٥ : ٢١٦.

٤

صاحب الكتاب أو من نقل عنه كتب ذلك في مذكراته ، فاجتمع عنده جملة وافرة من هذه المذكرات فجمعها في كتاب وسماه (ثمرات المطالعة) (١).

(٦) أحاديث المختار في معالي الكرار ، ذكره في (العتب الجميل) (٢).

(٧) كتبه ومراسلاته لاخوانه ، فيها فوائد جليلة لو جمعت لكانت مجلدا ضخما.

قال السيد محسن الامين العاملي رحمه الله في رثائه :

سالت دموع العين كل مسيل

حزنا لرزء محمد بن عقيل

رزء بدا فيه الزمان بمقلة

مكفوفة وبساعد مشلول

رزء به فجع النبي محمد

والبضعة الزهراء خير بتول

والمرتضى وبنوه كلهم فهم

«من سائل باك ومن مسؤول»

رزء له تبكي علوم محمد

وشرائع التحريم والتحليل

نبأ من اليمن استطار فزلزلت

منه البلاد وقيل : دونك زولي

نبأ له اهتز الحجاز وبابل

وربى الشآم وارض وادي النيل

وأصاب أقصى حضرموت بفجعة

تركت بنيه برنة وعويل

وصداه عم الهند من أطرافها

والمغرب الاقصى وكل قبيل

بمحمد جل المصاب ولم يكن

رزء الجليل الفذ غير جليل

أرض (الحديدة) (٣) قد سعدت بنازل

لم تسمح الدنيا له بمثيل

أين السنان العضب (٤) إن جردته

يمضي مضاء الصارم المصقول

اين المقال الفصل لا يبقى به

عند الجدال لقائل من قيل

أين اليراع (٥) إذا جرى كشفت به

شبهات كل مموه ضليل

__________________

(١) الذريعة ٥ : ١٣ ، أعيان الشيعة ٩ : ٣٩٩.

(٢) الذريعة ١ : ٢٨٠ ، أعيان الشيعة ٩ : ٣٩٩.

(٣) موضع باليمن.

(٤) السنان العضب : الرمح القاطع.

(٥) اليراع : القلم.

٥

كم قد نصرت الحق إذ لا ناصر

وأقمت أوضح حجة ودليل

ورددت خصمك ناكصا متحيرا

بدلائل المعقول والمنقول

وإذا بدا ليل الشكوك بدت به

أراؤك الغراء كالقنديل

وإذا الفحول إلى لقاك تواثبت

تلفى فحول القوم غير فحول

كم موقف لك في الجدال غدت به ال‍

أبطال بين مجدل وقتيل

نظروا إليك وقد بهرت عقولهم

بنواظر عند التخاصم حول (١)

كادوك فيما لفقوا من إفكهم

فتركت كيد القوم في تضليل

وتركت ما قد لفقوه وموهوا

يذرى كعصف يابس مأكول

ورميتهم بحجارة من قولك ال‍

معروف لا بحجارة السجيل

ونبا سلاح الحق في أيديهم

فتدرعوا بالسب والتنكيل

وكذا سلاح العاجزين سبابهم

بئس السلاح لعاجز مخذول

جرددت سيف الحق أبيض ماضيا

وسطوا بسيف للضلال كليل

صالوا وصلت لدى الخصام فلم تدع

عند التخاصم صولة لصؤول

لما تسابقتم سبقت وقصروا

وامتاز فاضلكم من المفضول

وعمدت للبرهان يشرق وجهه

نورا وقد عمدوا إلى التدجيل

إن (النصائح) منك (كافية) (٢) غدت

بسماعها إن قوبلت بقبول

أظهرت (بالعتب الجميل) (٣) وما حوى

هفوات أهل الجرح والتعديل

عاتبتهم عتبا جميلا للذي

ما كان فيه فعلهم بجميل

ونهجت نهجا للهدى وأبنت عن

غرر له مشهورة وحجول

ولقد ورثت من النبي محمد

خلقا كزهر الروضة المطلول

__________________

(١) الحول : الحذق وجودة النظر.

(٢) إشارة إلى كتاب المؤلف (النصائح الكافية).

(٣) إشارة إلى كتاب المؤلف (العتب الجميل).

٦

ونشرت بين الخلق علما زاهرا

ما كان بالمكذوب والمنحول

فاذهب كما ذهب الغمام له الثنا

من كل حزن (١) في الثرى وسهول

في كل جيل منك ذكر خالد

يرويه جيل غابر عن جيل

يا قبره كم فيك غيب من ندى

غمر ومجد في التراب أثيل (٢)

يا قبره كم فيك غيب من شبا

عزم ورأي في الامور أصيل (٣)

محتوى الكتاب

الكتاب الذي بين أيدينا هو دراسة وافية تحتوي على بحث شامل يكشف عن الجوانب الحقيقية لشخصية معاوية وما ينطوي فيها من ظلم وتعسف وعدوان ، وتحتوي أيضا على بيان جلي لشخصية ورفعة وفضائل أهل بيت العصمة (ع).

يبدأ المؤلف كتابه بمقدمة مختصرة عن أهمية الكتاب ، ويشرع الفصل الاول في إثبات جواز لعن معاوية من خلال الكتاب والسنة ، بل وأثبت ذلك وجوبا ، ويتطرق بعد ذلك إلى جرائم معاوية التي توجب بغضه وسبه. وعقد الفصل الثاني من الكتاب للرد على الشبهات الواردة في لعن معاوية واحدة واحدة ، ويتعرض في هذا المجال إلى مسألة تعديل الصحابة ، وأكذوبة كون معاوية (خال المؤمنين) و (كاتب الوحي).

وأخيرا يستعرض المؤلف عقائد آبائه وأجداده في شأن معاوية.

ثم في آخر الكتاب قصيدتان : واحدة في رثاء الامام علي (ع) ، وأخرى في رثاء الامام الحسين (ع) ، لابي بكر بن عبدالرحمن بن شهاب الدين العلوي الحسيني ، وأرجوزة عن العلامة الحفظي.

وقال في سبب إيرادهما : وإنما خصصتهما بالنقل لما فيهما من التصريح بالحق

__________________

(١) الحزن : ما ارتفع من الارض.

(٢) الاثيل : الاصيل.

(٣) انظر ترجمته في أعيان الشيعة ٩ : ٤٠٠ ، الكنى والالقاب ٢ : ٢٢ ـ ٢٤ طبعة بيدار ، العتب الجميل : ٣١ ـ ٣٦.

٧

والانحاء على المداهنين المتملقين.

وفيه أيضا كتاب المعتضد العباسي في الامر بسب معاوية ، أخرجه عن تاريخ الطبري ، فكتب بعض معاصريه من العامة ردا عليه فأجاب عنه.

لقد تناول المؤلف كل ذلك بأسلوب تحقيقي علمي باهر بعيد كل البعد عن ميل الاهواء والعواطف وزيغ العصبية والتطرف.

قال فيه العلامة الدكتور محمد إبراهيم آيتي :

إذا أراد أحد الاطلاع جيدا على فترة حكومة معاوية ، والاستغناء عن مئات الكتب والدفاتر ، فليقرأ كتاب (النصائح الكافية لمن يتولى معاوية) من أوله إلى آخره ، ثم يكون منصفا في الحكم والتقييم (١).

__________________

(١) دراسة تاريخ عاشوراء : ٤٩.

٨