الجمل في النّحو

الخليل بن أحمد الفراهيدي

الجمل في النّحو

المؤلف:

الخليل بن أحمد الفراهيدي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات استقلال
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٦

١
٢

٣
٤

المقدّمة

الحمد لله أولا وآخرا ، أن جعلني من خدمة العربية لغة القرآن ، ولسان النور إلى الإيمان ، والصلاة والسّلام على سيّدنا محمّد وإخوانه من الرسل والأنبياء ، وعلى من أحبّ هذه اللغة من خالص الأولياء.

أمّا بعد فهذا «كتاب الجمل في النحو» المنسوب إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت ١٧٥) ، أضعه بين أيدي العلماء والباحثين ، ليكون مادّة للدراسة والتوثيق ، والتحقيق. ولسوف يثير ، فيما أرى ، أمواجا مختلفة أو متناقضة ، من الآراء ، والتوجيهات والنقد والتقويم ، تساهم في توضيح معالمه ، وتسديد منعطفاته ، وحلّ مشكلاته.

ذلك أنّك سترى فيه منابع لا تنضب ، من العقبات والمعضلات والتحدّيات ، تواجه علماء النحو ودارسيه ومؤرّخيه ، وتهزّ ما رسموه في أذهانهم أو سطروه في كتبهم ، وتفتح أبوابا جديدة في ميادين المصطلحات والمذاهب والتوجيهات والأحكام النحويّة ، وفي الهياكل الكبرى التي سيطرت على تاريخ النحو والنحاة.

إنّه ، كما ترى ، كتاب صغير الحجم ، رشيق المظهر ، خفيف الظلّ ، ولكنّه سيتمثّل ، على صغر حجمه ورشاقة مظهره وخفّة ظلّه ، سفرا عظيم القدر ، عنيف المسّ ، ثقيلا في الميزان.

فهو يحمل بين دفّتيه ألوانا من العلم متميّزة ، ولمحات من الفكر قديمة مستجدّة ، ونماذج من النظرات النحويّة واللغويّة والبيانيّة ، تقتضي الاهتمام والتدقيق والتحرير.

٥

وهو ، وإن كان يعتمد منهجا تقليديّا في تصنيف موضوعات الإعراب ، يضع لهذه الموضوعات أطرا خاصّة ، وتفريعات متشعّبة متشاجرة ، تمثّل مرحلة عريقة في القدم ، لفهم معاني النحو وجزئيّاته وكلّيّاته ، وعلاقة كلّ منها بما يحيط بها أو يقرب منها ويجاورها.

وهو ينسب إلى الخليل ، إمام علم العربيّة ، تبويبات غريبة متميّزة ، وتقسيمات وتوجيهات وأحكاما وأقوالا ومصطلحات ، ما كان يعرفها المؤرّخون ، والدارسون ، أو تخالف ما عرف له في تاريخ علم النحو وعلم اللغة والبيان.

وهو يقدّم عددا وافرا من المصطلحات ، في الإعراب والصرف والأدوات ، بعضه غريب كلّ الغرابة لا تجد له صدى في الكتب القديمة والمتأخّرة والمعاصرة ، وبعضه الآخر حمل في التاريخ دلالات انقرضت ، أو خالفت ما عرفه النحو في مذاهبه واتجاهاته ورجالاته.

وهو يورد مجموعة من الآيات الكريمة ، في صور لا نجدها فيما وصل إلينا ، من تاريخ القراءات والتفسير للقرآن الكريم. وقد بدا لي أنّ بعض تلك الصور هو من أوهام المصنّف أو النسّاخ أو المستملين ، فرددته إلى طريق الصواب ، وأنّ البعض الآخر توجيه نحويّ ليس له في القراءات نصيب.

وهو يروي عشرات من الشواهد الشعريّة ، في مسائل الإعراب ومعاني الحروف ، لا تجد لها موئلا ، أو لروايتها مصداقا ، في مصادر النحو والشعر ومراجعهما المعروفة ، أو لا تستطيع تحقيق نسبها ، أو تحديد أصحابها من الشعراء والرجّاز.

وهو يبسط أحكاما وتوجيهات ، في الإعراب واللغة والبيان ، تفتقدها كتب النحو والمعاجم ، وأمّهات المطوّلات والحواشي ، ومصادر علم العربيّة في تاريخه ودراساته وتقويمه.

وهو يضمّ في طيّاته نصوصا وعبارات وشواهد ، لا يشكّ في أنّها مقحمة ،

٦

ألحقها علماء أو نسّاخ أو قرّاء بعد الخليل ، فالتبست بالأصل وتناقلها الناسخون على أنها جزء منه ، في حين أنّه يضمّ أيضا أمثالها ، عرفت في مذهب الخليل وأقواله ، أو فيما تعارفه هو وبعض النحاة أو تواردوا عليه.

وهو أولا وأخيرا يبدي مستويات متفاوتة ، في التفكير ، والمنهج ، والتعبير. فبينا أنت مشدود إلى دقّة التقسيم ، وعمق الفكرة ، وجلاء المعنى ، وبعد النظر ، وسعة الأفق ، وبراعة الاستدلال ، وأصالة الاستنتاج ، إذ يفجؤك ظواهر من الاضطراب والتداخل والإحالة. وبينا أنت مأخوذ بالتعريفات الدقيقة الوافية ، والأحكام والقيود المحكمة المسدّدة ، والآراء الصائبة الحيّة ، إذا بك تصدمك شذرات من التعريفات السطحيّة العامّة الفضفاضة ، والأحكام القاصرة المحدودة. وبينا أنت مستسلم لفصاحة الكلم ، ونصاعة العبارة ، وسلامة النسج ، ودقّة الأداء ، إذ تتعثّر بنتوءات من تلوّي التعبير ، وهلهلة النسج ، وانقطاع السياق.

وهذا كلّه ، بالإضافة إلى الإشارات والمعلومات المتفرّقة المتلاحقة ، يضع أمام الباحثين والمؤرّخين مادّة وافرة ، غنيّة بالندرة والغربة ، وقمينة بالنظر والتأمّل والتحرير ، تجلّي بإصرار أنّ ما تداولته الأجيال المتعاقبة ، من تحديد لشخصيّة الخليل النحويّة ، وتوزيع للمذاهب والأقوال والمصطلحات والآراء في ميدان الإعراب ، وتعميم أو تخصيص في نسبة الأحكام والتأصيل والتفريع والقياس والتعليل والاستنباط والتوجيه والاستدلال .. إنّما هو مسألة نظريّة لم تدرك مرحلة النضج للحقائق العلميّة الراسخة ، ولا بدّ فيها من إعادة البحث والتحقيق. ومعنى هذا أنّ تاريخ النحو ، في القرن الثاني ، ما زال في حاجة إلى الدراسة العلميّة الدقيقة الواعية المستقراة ، لنضع أسسا راسخة مبنيّة على الاستيعاب والإحكام.

وقد كنت كلّما قرأت في هذا الكتاب ، منذ اطّلعت عليه عام ١٣٨٠ ، تحضرني هذه المعالم والمعاني متلاحقة ، تثقل كاهلي ونفسي ، وتشعرني بالقصور

٧

والعجز أن أتصدّى لها أو أسير في ركابها ، فإذا بي أعرض عنها ، وفي ضميري وخزات وحسرات.

إنّ المهمّة لثقيلة ، وإن التبعة لضخمة ، وإنّ ما لديّ من القدرات والوسائل ليعجز عن تحمل التبعة وإنجاز المهمّة. ولكن لا بد من أداء الأمانة ، وتبليغ الناس ما وقفت عليه ، لنحمل أثقال المسؤوليّة معا. فالكتاب غنيّ في محتواه ، بعيد في مداه ، عظيم في مؤدّاه ، والدراسات العربيّة في حاجة إليه ، ولا تعرف منه شيئا يذكر ، والدارسون والمؤرّخون والمحقّقون معرضون عنه ، لما يحمله من إشكالات وعثرات ومعضلات.

قلت لنفسي : إذا عجزت عن تأدية هذه المهمّة أداء ، يكفل لها التحقيق والتوثيق والتحليل والتقويم والنقد ، فلا أقلّ من تيسير الكتاب بخدمته خدمة متواضعة ، تحقّق النصّ ، وترمّم جانبا من الثغرات ، وتذلّل بعض الصعوبات ، وتصوّب نصيبا من الاختلال ، وتيسّر تناوله ، وتنسّق فهارسه الفنّيّة ، ثمّ تضعه بين أيدي المحقّقين والباحثين ، ليسهموا في تأدية الأمانة وتحمّل المسؤوليّة.

تاريخ حياة الكتاب :

الحقّ أنّ حياة هذا الكتاب يشوبها الغموض والإهمال والتوهين. فأنت ترى من المؤرّخين القدماء والمعاصرين ازورارا عنه واستخفافا به ، حتّى لتلقاهم غالبا ما يغفلون ذكره أو الإشارة إليه. فإذا اضطرتهم طبيعة مصنّفاتهم إلى التعرّض له أحاطوه بالطعن في النسب ، والتوهين للسبب ، والازدراء للقيمة العلميّة ، والاستهانة بمكانته في تاريخ العربيّة. وقد كان لهذا كلّه ، مع ما في الكتاب نفسه من إشكالات خاصّة ، مضاعفات سلبيّة عميقة الأثر ، صرفت الناس عنه ، وجعلتهم يواجهونه بالتبرّم والازورار.

ولقد حاولت تتبّع خطوات حياة هذا الكتاب ، فإذا أنا أمام شذرات منثورة لا تغني الباحث ، ولا تملأ حيّز التاريخ ، وتثير العثرات والسحب والعجاج. فأوّل ما يصادفك من هذا الكتاب مشكلة الاختلاف في اسمه. إنّه

٨

يسمّى : الجمل ، وجمل الإعراب ، ووجوه النصب ، والمحلّى ، وجملة آلات الإعراب ، وجملة آلات العرب ، وجملة آلات الطرب ، والنقط والشكل ...

ولعلّ مصدر نبذ الناس له أن أقدم خبر ، وصل إلينا عنه ، يتضمّن الطعن في نسبه ، وزعزعة الثقة به. فأوّل ما نلقاه من تاريخ «كتاب الجمل» هذا هو موقف ابن مسعر (١) المفضّل بن محمّد المعرّيّ (ت ٤٤٢). فهو في ترجمته لأبي بكر بن شقير (ت ٣١٧) يقول عنه (٢) : «له كتاب لقّبه الجمل ، وربّما نسب هذا الكتاب إلى الخليل ، يقول فيه : النصب على أربعين وجها ، والرفع على كذا».

ثمّ تلقانا نسخة تامّة من الكتاب ، تحت عنوان «كتاب الجمل في النحو» ، منسوبة إلى الخليل بن أحمد ، وتاريخ نسخها سنة ٦٠١ ، وقد نقلت من أصل كان قبلها ، وعورضت به. وهي الآن من محفوظات مكتبة آيا صوفيا ، بإستانبول.

وعند ما ترجم ياقوت الحمويّ (ت ٦٢٦) للخليل بن أحمد الفراهيديّ ، ذكر له بضعة مصنّفات ، فيها «كتاب الجمل» (٣). غير أنّه كان قد عرض ، من قبل ، لترجمة ابن شقير ، وأورد فيها ما يلي : «قرأت في كتاب ابن مسعر (٤) أنّ الكتاب الذي ينسب إلى الخليل ، ويسمّى الجمل ، من تصانيف ابن شقير هذا. قال : يقول فيه : النصب على أربعين وجها».

وفي عام ٧٢٢ تلقانا نسخة ثانية ، من الكتاب ، تحت عنوان «وجوه النصب» منسوبة إلى الخليل بن أحمد أيضا ، مع قول ممرّض فيه : إنّها تصنيف ابن شقير. وهي مقابلة بالأصل الذي نقلت منه ، ومحفوظة الآن في دار الكتب المصريّة بالقاهرة.

__________________

(١) هذا هو الصواب. ويصحف أحيانا : ابن مسعدة وابن سعد. بغية الوعاة ١ : ٣٠٢ و ٢ : ٢٩٧ ومعجم الأدباء ١ : ٤٨ و ٣ : ١١.

(٢) تاريخ العلماء النحويين من البصريين والكوفيين ص ٤٨ ـ ٤٩ ومعجم الأدباء ٣ : ١١ وبغية الوعاة ١ : ٣٠٢. وانظر كشف الظنون ص ١١٠٧ ـ ١١٠٨.

(٣) معجم الادباء ١١ : ٧٤.

(٤) معجم الأدباء ٣ : ١١. وفيه : ابن مسعدة

٩

ولمّا ترجم صلاح الدين الصفديّ (ت ٧٦٤) لابن شقير جاء في تلك الترجمة : ويقال : إنّ «الجمل» الذي للخليل هو لابن شقير (١).

وفي عام ٨٦٥ ، تولد نسخة ثالثة من الكتاب ، عنوانها «جمل الإعراب» ، وتنسب إلى الإمام أبي عبد الله (٢) الخليل بن أحمد. وهي محفوظة الآن في مكتبة بشير آغا بإستانبول.

وكأنّ السيوطيّ (ت ٩١١) يعتمد في ترجمتي الخليل وابن شقير على معجم الأدباء. ولذلك نراه يذكر للخليل المصنّفات التي عدّدها ياقوت ، وفيها كتاب الجمل (٣) ، ويقول في حديثه عن ابن شقير (٤) : «وقرأت في طبقات ابن مسعر أنّ الكتاب الذي ينسب للخليل ، ويسمّى المحلّى (٥) ، له».

وفي القرن الحادي عشر ، يصنّف الحرّ العامليّ محمّد بن الحسن (ت ١١٠٤) كتابه «تذكرة المتبحّرين في ترجمة سائر العلماء المتأخّرين» ، فينسب كتاب (٦) «الجمل في النحو» واهما ، إلى خليل بن الغازي القزوينيّ (ت ١٠٨٩).

حتّى إذا انتقلنا إلى التاريخ المعاصر استوقفنا محمّد بن باقر الموسويّ (ت ١٣١٣) ، ليورد مصنّفات الخليل كما هي عند ياقوت والسيوطيّ ، وفيها كتاب الجمل (٧) ، ثمّ يقول (٨) : «وكتابه الجمل صغير جدّا ، وكان عندنا نسخة

__________________

(١) الوافي بالوفيات ٦ : ٣٤٩.

(٢) كذا. والمعروف أن كنية الخليل هي أبو عبد الرحمن.

(٣) بغية الوعاة ١ : ٥٦٠.

(٤) بغية الوعاة ١ : ٣٠٢.

(٥) كذا. والصواب «الجمل» ، خلافا لما جاء في حاشية معجم الأدباء ٣ : ١١.

(٦) روضات الجنات ٣ : ٢٤٩.

(٧) روضات الجنات ٣ : ٢٩٣.

(٨) روضات الجنات ٣ : ٢٩٤.

١٠

منه». وكان قد تعقّب ، من قبل ، وهم الحرّ العامليّ في نسبة الكتاب إلى القزوينيّ خليل بن الغازي ، وردّ ذلك إلى اشتباه الاسمين (١).

ولمّا وضع المستشرق رشر مذكّراته ، عن بعض المخطوطات العربيّة في مكتبات بروسة ، وقف إزاء مشكلة هذا الكتاب ، وجزم انّ اسمه هو «الجمل في النحو» (٢).

أمّا محمّد محسن الطهرانيّ (ت ١٣٨٩) فإنه حين يصنّف «الذريعة إلى تصانيف الشيعة» يعرض لهذه المشكلة أيضا (٣) ، ويزعم أنّ عنوان كتابنا هو : كتاب «النقط والشكل».

وأمّا كارل برو كلمان فإنّه يذكر نسختين من هذا الكتاب (٤) : أولاهما هي نسخة آيا صوفيا ، ويجعل عنوانها «كتاب فيه جملة آلات الإعراب» ، ويعلّق عليها بما ذكرته قبل عن ياقوت ورشر والموسويّ. والثانية هي نسخة دار الكتب المصريّة.

ثمّ يصبح اسم هذا الكتاب ، في ترجمة الخليل عند الزركليّ : «جملة آلات العرب» (٥). وهو ، بلا شكّ ، تصحيف لما جاء في كتاب بروكلمان.

وعند ما عرّف محمّد بن شنب بالخليل ، عرض لما قيل في كتاب العين ، ثمّ قال (٦) : «وثمّة مصنّفات أخرى تنسب للخليل ، وصلت إلينا ، ولكنّا نشكّ في صحّتها ، أو نشكّ على الأقلّ في صحّة الصورة التي وصلت بها إلينا. وهي .... كتاب فيه جملة آلات الإعراب ..».

وفي «معجم المؤلّفين» لعمر رضا كحّالة ، ترى بسطا لأسماء كتب الخليل ،

__________________

(١) روضات الجنات ٣ : ٢٤٩.

(٢) GMDZ ٦٤ : ٥٠٨.

(٣) تاريخ الأدب العربي لبروكلمان ٢ : ١٣٢.

(٤) تاريخ الأدب العربي ٢ : ١٣٢.

(٥) الأعلام ٢ : ٣١٤. وقد صحف هذا أيضا بعض الدارسين المعاصرين ، فكان اسم الكتاب لديهم : جملة آلات الطرب!

(٦) دائرة المعارف الإسلامية ٨ : ٤٣٦.

١١

وفيها كتاب الجمل (١).

ثمّ تعرّض الدكتور رمضان ششن ، لنوادر المخطوطات العربيّة في تركيّا ، فوقف أمام نسخة بشير آغا من كتاب الجمل ، حائرا في تحقيق اسم مؤلّفها (٢). ورأى أخيرا أنّه الخليل بن أحمد أبو عبد الله (٣) المتوفّى سنة ٣٧٩ ، وزعم أنّ المسائل المتفرّقة التي ألحقها بها الناسخ ، من كتب مختلفة ، هي جزء متمّم للكتاب ، وهي للخليل هذا أيضا.

وتصدّى الدكتور محمّد خير الحلوانيّ ، لرصد جهود الخليل بن أحمد الفراهيديّ في نضج علم النحو ، دون أن يتعرّض لهذا الكتاب بالتفصيل. ولمّا أطلعته عليه جزم أنّه ليس من مصنّفات الخليل ، واستدلّ على ذلك بما فيه ، من إشارة إلى كتاب مختصر للمؤلّف نفسه ، ومن نقله عن الخليل وعمن عاصره أو تأخّر ، ومن ألغاز نحويّة ، ومصطلحات كوفيّة أو غريبة ، واضطراب وتخليط لا يمكن أن يصدرا عن مثل الخليل (٤).

وأخيرا أعدّ سعد أحمد سعد جحا رسالة للماجستير ، في كلّيّة اللغة العربيّة بجامعة الأزهر سنة ١٤٠٠ ، قام فيها بتحقيق بدائيّ لنسخة دار الكتب المصريّة ، وجزم أنّ مصنّف الكتاب هو ابن شقير ، لأنّ بعض المصطلحات والتوجيهات فيه هي للكوفييّن ، ولا يعقل أن ينقل الخليل عنهم (٥).

وختاما لهذا التاريخ الشائك أضع هذه الإشارات التالية :

أولاها : أنّ كتابنا هذا ، على الرغم من نسبته إلى الخليل بن أحمد

__________________

(١) معجم المؤلفين ٤ : ١١٢.

(٢) نوادر المخطوطات العربية في مكتبات تركيا ١ : ٤٥٩.

(٣) كذا. والخليل المتوفى عام ٣٧٩ أو ٣٧٨ كنيته أبو سعيد ، وليس من النحاة. وإنما هو فقيه شاعر محدث واعظ قاض. انظر معجم الأدباء ١١ : ٧٧ ـ ٨٠ وتهذيب تاريخ دمشق ٥ : ١٧٥ ـ ١٧٧ والنجوم الزاهرة ٤ : ١٥٣ وشذرات الذهب ٣ : ٩١.

(٤) المفصل في تاريخ النحو العربي ١ : ٢٥٨ ـ ٢٦٢.

(٥) انظر ص ٩ ـ ١٨ و ٣٨١ من تحقيق كتاب وجوه النصب.

١٢

الفراهيديّ ، ووجود عدّة نسخ منه بين أيدي الناس منذ القديم ، لم أقف على أحد من العلماء أو المؤرّخين نقل عنه واستقى منه ، إلّا ما كان من ابن مسعر ، حين زعم أنّ مصنّفه يقول : «النصب على أربعين وجها ..». بيد أنّ ما بين أيدينا من النسخ فيه خلاف ذلك. وسوف ترى أنّ ما جاء فيها هو : «فالنصب أحد وخمسون وجها» و «فجملة وجوه النصب ثمانية وأربعون وجها».

والثانية : أنّ «الجمل في النحو» عرف عنوانا لكتب أربعة حتّى نهاية القرن الرابع : أقدمها هو الذي بين أيدينا. والثاني هو لابن السرّاج (١) محمّد بن السريّ (ت ٣١٦). والثالث هو للزجّاجيّ (٢) عبد الرحمن بن إسحاق (ت ٣٣٧). والرابع (٣) هو لابن خالويه (ت ٣٧٠).

والثالثة : أنّ اسم «الخليل بن أحمد» كان حتّى القرن الرابع قد أطلق علما على جماعة من العلماء والرواة ، عدّتهم أكثر من عشرة (٤). ولكنّ النحويّ منهم واحد فرد هو الفراهيديّ أبو عبد الرحمن.

والرابعة : أنّ نقل نسب «الجمل» من الخليل بن أحمد الفراهيديّ إلى ابن شقير (٥) قام به ابن مسعر وحده. وعنه نقل ياقوت الحمويّ ، وكلّ من جاء بعده حتّى يومنا هذا.

والخامسة : أنّ هناك كتبا أخرى شاركت «الجمل» في نسبها إلى الخليل ابن أحمد الفراهيدي ، والطعن في ذلك النسب أيضا. وهي : كتاب العين وكتاب فائت العين وأمرهما مشهور ، وكتاب في العوامل قيل إنّه منحول

__________________

(١) إنباه الرواة ٣ : ١٤٩.

(٢) إنباه الرواة ٢ : ١٦٠. وكتابه مشهور ومطبوع.

(٣) إنباه الرواة ١ : ٣٢٥.

(٤) تهذيب التهذيب ٣ : ١٦٣ ـ ١٦٦. وانظر تهذيب الأسماء واللغات ١ : ١٧٨

(٥) المعروف أن لابن شقير هذا كتابا مختصرا في النحو ، وكتاب الجمل الذي بين أيدينا ليس من المختصرات.

١٣

عليه (١) ، وكتاب في معاني الحروف (٢) ، وكتاب صرف الخليل (٣) ، وكتاب الإمامة (٤).

والسادسة : أنّ أبا بكر الزّبيديّ (ت ٣٧٩) قال عن الخليل هذا (٥) : إنّه لم يؤلّف في النحو حرفا ، ولم يرسم فيه رسما ، نزاهة بنفسه وترفّعا بقدره ، إذ كان قد تقدّم إلى القول عليه والتأليف فيه ، فكره أن يكون لمن تقدّمه تاليا ، وعلى نظر من سبقه محتذيا ، واكتفى في ذلك بما أوحى إلى سيبويه من علمه ، ولقّنه من دقائق نظره ، ونتائج فكره ، ولطائف حكمته.

النسخ المخطوطة :

على الرغم من اهتمامي بهذا الكتاب ، وتتبّعي آثاره المخطوطة منذ عشرين سنة ، لم أقف منه إلّا على نسخ ثلاث. وهي :

١ ـ نسخة آياصوفيا (الأصل) :

تحتفظ بهذه النسخة مكتبة آياصوفيا بإستانبول ، ضمن مجموعة (٦) من الكتب ، في مجلد واحد تحت الرقم ٤٤٥٦ ، وعدد أوراقه ١٤١ من القطع المتوسط ، مسطرتها ١٥* ٢٤. وتقع النسخة في ٧٨ ورقة. وقد أصابها خرمان ، سقط بهما الورقتان ١٣ و ١٦. ولذلك أصبحت تشغل من المجموعة

__________________

(١) إنباه الرواة ١ : ٣٤٦.

(٢) طبع هذا الكتاب مرتين : إحداهما في بغداد ، والثانية في القاهرة.

(٣) تاريخ الأدب العربي. لبروكلمان ٢ : ١٣٢ ودائرة المعارف الإسلامية ٨ : ٤٣٦ والمدارس النحوية ص ٣٤.

(٤) الذريعة إلى تصانيف الشيعة ٢ : ٣١٢ و ٥٢٥ وتاريخ الأدب العربي لبروكلمان ٢ : ١٣٤. وانظر ص ٣٨ من تاريخ مدارس النحو لفلوجل. فثمة كتب أخرى للخليل مشكوك في نسبها أيضا.

(٥) المزهر ١ : ٨٠ ـ ٨١. وانظر ما نسب الى سيبويه في المفصل في تاريخ النحو العربي ١ : ٢٥٧ ثم قارن ذلك بتهذيب التهذيب ٣ : ١٦٤.

(٦) في هذه المجموعة خمسة كتب ، هي :

متن في علم الكلام ، يشغل الأوراق ١ ـ ٦ أ

الجمل في النحو ، يشغل الأوراق ٦ أـ ٨١ أ.

الفوائد المجموعة الملحقة بالجمل ، تشغل الأوراق ٨١ أـ ١٠٦ أ.

المحاجاة بالمسائل النحوية ، تشغل الأوراق ١٠٧ أـ ١٣٩ أ.

أحاديث شريفة عن البطيخ ، تشغل الأوراق ١٣٩ ب ـ ١٤١ ب.

والكتب الأربعة الأخيرة كلها بقلم ناسخ واحد.

١٤

المذكورة ٧٦ ورقة ، من ٦ أإلى ٨١ أ. وفي الصفحة الواحدة منها ١٧ سطرا.

عنوان هذه النسخة أحيط بخاتمة الكتاب الذي قبله. وهو كما يلي : «كتاب الجمل في النحو. تصنيف الإمام الحبر العالم الفاضل الخليل بن أحمد ، رحمه الله وشكر سعيه». وختامها في آخر ورقة منها : «مضى تفسير جمل الوجوه ، فيما أتينا على ذكره من النحو. تمّ الكتاب ، بحمد الله ومنّه وحسن توفيقه. وصلّى الله على سيّدنا محمّد النبيّ ، وآله الطاهرين ، وسلّم كثيرا. ولذكر الله أكبر». ويلي ذلك : «وجدت مكتوبا ، فكتبته لمّا استحسنته» ، ثم أبيات أربعة من الشعر ، مختومة بهذه الجملة : تمّت الأبيات الحسنة.

أمّا تاريخ النسخ فهو في آخر المجموعة ، إذ جاء في الورقة ١٤١ ب منها ما يلي : «كتب في العشر الأواخر ، من ربيع الأوّل ، سنة إحدى وستمائة». وقد أثبت قبالة عنوان النسخة تملّك تاريخه في ذي القعدة لعام ٨٣١.

أضف إلى هذا أنّ النسخة قوبلت بالأصل الذي نقلت عنه ، وسجّل ذلك على حواشي الأوراق ٩ و ١٩ و ٢٩ و ٣٩ و ٤٩ و ٥٩ و ٦٩ و ٧٤. وقد نثرت في الحواشي أيضا من أوراق النسخة تعليقات مختلفة ، فيها التصويب والتفسير والروايات ، ونقل بعض ذلك من نسخ أخرى.

وقد كتبت النسخة هذه بخطّ حسن ، جيّد الشكل والإعجام. ولكنّ ذلك لم يحل دون كثير من التصحيف والتحريف ، والإخلال والتقطّع ، والوهم في الشكل والإعجام ، بالإضافة إلى اضطراب في نسق نصّ الأوراق الأولى ، سأقف عنده بالتفصيل في منهج التحقيق.

وفي هذه النسخة زيادات غفيرة ، لم ترد في النسختين الأخريين. وقد أثارت هذه الزيادات مشكلات متعدّدة ، لما فيها من استطرادات ، وأقوال ومذاهب ، وشواهد وأوهام ، تعذّر عليّ تحقيق بعضها ، وكان آخر تلك

١٥

الزيادات بحث واف ، يعرض لمعاني «ما» مع الشواهد والأمثلة.

ومع هذا كلّه ، فإنّ النسخة هي أصحّ ما وقفت عليه وأوفاه. فقد تميّزت بجودة الشكل والإعجام ، وبتقدّم التاريخ ، وعورضت بالأصل المنقولة عنه ، وانفردت بنصوص كثيرة جدّا كما ذكرت. ولذا جعلتها أساسا للتحقيق ، ورمزت إليها بلفظ : الأصل.

٢ ـ نسخة قولة (ق) :

هذه النسخة (١) هي من مقتنيات مكتبة قولة ، وهي في دار الكتب المصريّة بالقاهرة ، تحت الرقم ٣٣٦ نحو ق. وثمّة صورة شمسيّة ، أخذت عنها ، وسجّلت في الدار نفسها تحت الرقم ٦٥٨٧ ه‍.

وتقع في ٦٨ ورقة من القطع الصغير ، مسطرتها ١٣* ١٨ ، وفي الصفحة منها ١٦ سطرا ، كتبت بخطّ حسن ، أغفل فيه كثير من الشكل والإعجام. وقد أصابها خرم واحد ، أسقط منها الورقة السادسة (٢).

أمّا عنوانها فهو في الورقة الأولى ، كما يلي : «كتاب وجوه النصب. ألّفه خليل بن أحمد البصريّ. وقيل : هو تصنيف أبي [بكر] عبد الله [بن] محمّد ابن شقير (٣) ، صاحب أبي العبّاس المبرّد». وحول هذا العنوان عدّة تملّكات.

وأمّا خاتمتها فقد وزّعت على مراحل. ففي مستهلّ الورقة ٦٣ أمنها :

«تمّ كتاب وجوه النصب ، بحمد الله وحسن توفيقه ، ومصلّيا على سيّدنا محمّد وآله ، يوم السبت الثامن عشر من ربيع الآخر ، سنة اثنتين وعشرين

__________________

(١) انظر فهرسة مكتبة قولة ٢ : ١١٨ وتاريخ الأدب العربي لبروكلمان ٢ : ١٣٢. وقد تكرم عليّ الأستاذ علي حمودان بالسعي في تصويرها مشكورا. وقد أشرت من قبل إلى أن هذه النسخة حققها سعد أحمد رسالة للماجستير في جامعة الأزهر.

(٢) انظر الورقة ٧ من الأصل.

(٣) انظر الفهرست ص ١٢٣. وما بين معقوفين هو منه. وانظر أيضا تاريخ العلماء النحويين ص ٤٨. والمشهور أن ابن شقير هو أحمد بن الحسن أو الحسين. الإيضاح ص ٧٩ وتاريخ بغداد ٤ : ٨٩ ونزهة الألباء ص ١٥٠ ومعجم الأدباء ٣ : ١١ وإنباه الرواة ١ : ٣٤ والوافي بالوفيات ٦ : ٣٤٩ وبغية الوعاة ١ : ٣٠٢ والتاج (شقر).

١٦

وسبعمائة». ويلي ذلك فراغ يسير ، ثم العنوان التالي : «تفسير الفاءات أيضا من جملة وجوه النصب». وتحت هذا يورد الناسخ تفسير الفاءات ، فتفسير النونات ، فتفسير الباءات ، فتفسير الياءات. ويختم ذلك بقوله في الورقة ٦٦ أ: «تمّ كتاب وجوه النصب ، بتاريخه المذكور فيه». ثم يلحق أيضا فصلا في معاني «رويد» ، وآخر في الفرق بين «أم» و «أو» ، يترك النصّ مطلقا بلا ختام.

وقد قوبلت هذه النسخة أيضا بالأصل الذي نقلت عنه ، وعبّر عن ذلك في الورقتين ٢١ و ٦١. ثمّ جاء في آخرها : «تمّت المقابلة بالنسخة الأصليّة ، بتوفيق الله تعالى» ، كما جاء في حواشيها قليل من التعليقات ، يتضمّن تفسيرا وروايات عن بعض النسخ الأخرى.

وممّا مضى يبدو لنا أنّ هذه النسخة انفردت بما جاء بعد إيراد تاريخ نسخها ، من مادّة. وقد تبيّن لي ، بعد البحث والتنقيب ، أنّ ما ورد فيها من تفسير النونات والياءات ، ومعاني رويد ، والفرق بين «أم» و «أو» ، يوافق كثيرا ما جاء في نسخة من «كتاب الحروف» المنسوب إلى عليّ بن عيسى الرمّانيّ (ت ٣٨٤) ، هي محفوظة (١) في مكتبة كبرل بإستانبول ، تحت الرقم ١٢٩٣ ، وتاريخ نسخها جمادى الآخرة من سنة ٩٣٦.

والجدير بالذكر أنّ في هذه المادّة المزيدة إشارة إلى نصّ انفرد به الأصل. وذلك أنّ معاني «ما» ، التي تميزت بها نسخة الأصل ، ورد فيها مرّتين ذكر «أمّا» التي لا بدّ لها من فاء تكون عمادا (٢). وهذا نفسه يشار إليه في زيادات نسخة قولة ، إذ يعقد عنوان لـ «فاء العماد» ، يرد فيه : «أمّا زيد فخارج. فالفاء عماد ، وقد مضى».

__________________

(١) انظر كتاب معاني الحروف للرماني (دار نهضة مصر ١٩٧٣) ص ٢٢ و ٢٣ و ١٤٦ و ١٤٩ و ١٦٧ و ١٧٣

(٢) انظر الورقتين ٧٦ و ٧٨.

١٧

ومع ما في نسخة قولة من زيادات ، فإنّها قد خلت من جزء كبير ممّا جاء في نسخة الأصل. أضف إلى هذا أنّ فيها كثيرا من التقديم والتأخير ، ومن الخلاف لعبارة الأصل ولفظه وضبطه ، ومن استبدال كلمة «شعر» بالعبارات الممهّدة للشواهد ، مع تحديد لنسبة شواهد أخرى.

ولقد أمدّتني هذه النسخة ، على ما فيها من الخلل والاضطراب ، بمساعدة كبيرة في تحقيق الكتاب ، وتصويب كثير من نقصه وخلله ، وتوضيح جانب من غموضه. ولذلك استعنت بها في التحقيق ، ورمزت إليها بالحرف : ق.

٣ ـ نسخة بشير آغا (ب) :

تحتفظ مكتبة بشير آغا في إستانبول ، بهذه النسخة (١) تحت الرقم ٢ / ٧٩.

وهي ضمن مجموعة من الكتب يضمّها مجلد واحد ، وتقع في ثلاثين ورقة من القطع المتوسط ، تشغل الورقات ١٤٨ ـ ١٧٧ من المجموعة. وقد كتبت بخطّ رديء فاسد الرسم والشكل والإعجام ، ومفعم بالتصحيف والتحريف والخروم والاختلال.

أمّا عنوانها فهو في الورقة الأولى : «كتاب جمل الإعراب ، من تصنيف الإمام أبي عبد الله (٢) الخليل بن أحمد ، رضي الله عنه». وأمّا خاتمتها فهي في

__________________

(١) انظر نوادر المخطوطات العربية في مكتبات تركيا ١ : ٤٥٩. وقد ألحق الناسخ بذيل هذه النسخة مسائل متفرقة ، جمعها من كتب مختلفة ، فتوهم مصنف النوادر أن تلك المسائل جزء متمم لكتاب الجمل.

(٢) كذا. والمشهور أن كنية الخليل الفراهيدي هي أبو عبد الرحمن. انظر المعارف ص ٢٣٦ والفهرست ص ٤٢ وطبقات النحويين واللغويين ص ٤٣ وطبقات النحاة البصريين ص ٣٨ ودول الإسلام ١ : ١١٤ والعبر ١ : ٢٦٨ وتاريخ العلماء النحويين ص ١٢٣ والصحاح ١ : ٥١٦ وتهذيب اللغة ١ : ١٠ ونور القبس ص ٥٦ وطبقات فحول الشعراء ١ : ٢٢ وطبقات الشعراء ص ٦٩ والجرح والتعديل ١ : ٣٨٠ وفهرسة ابن خير ص ٣٤٩ ومفتاح السعادة ١ : ١٠٦ وإيضاح المكنون ٢ : ٢٧٧ وأعيان الشيعة ٣٠ : ٥٠ وتنقيح المقال ١ : ٤٠٢ وتاريخ ابن كثير ١٠ : ١٦١ والأنساب للسمعاني ٤٢١ ونزهة الألباء ص ٤٥ ومعجم الأدباء ١١ : ٧٢ وتقريب التهذيب ص ٧٢ وتلخيص ابن مكتوم ص ٦٥ وتهذيب التهذيب ٣ : ١٦٣ ووفيات الأعيان ٢ : ٢٤٤ وإنباه الرواة ١ : ٣٤١ وتهذيب الأسماء واللغات ١ : ١٧٧ وطبقات القراء ١ : ٢٧٥ وشرح مقامات الحريري ٤ : ٦٠ ـ ٦٢ وطبقات النحاة واللغويين ١ : ٣٣٥ والفلاكة والمفلوكين ص ٦٩ والنجوم الزاهرة ١ : ٣١١ و ٢ : ٨٢ واللباب ٢ : ٢٠١ ونزهة الجليس ١ : ٨٠ والمزهر ٢ : ٤٠١ والحور العين ص ١١٢ وسرح العيون ص ٢٦٨ ومرآة الجنان ١ : ٣٦٢ وشذرات الذهب ١ : ٢٧٥ وبغية الوعاة ١ : ٥٦٠ وروضات الجنات ٣ : ٢٨٩ والذريعة إلى تصانيف الشيعة ٢ : ٣١٢ وكشف الظنون ص ١٤٤١ ـ ١٤٤٤ والجاسوس على القاموس ص ٢٢. والراجح أن الكلمات «أبي عبد الله» هي مقحمة من اسم آخر. انظر عنوان نسخة قولة وتعليقنا عليه في صفحة ١٦.

١٨

الورقه الأخيرة ، بعد تمام معاني اللام ألفات : «كمل الكتاب ، والحمد لله كثيرا. تمّت في شهر الله المعظّم ، سنة ٨٦٥ المصطفويّة».

والجدير بالملاحظة أنّ هذه النسخة أصغر من النسختين المتقدّمتين ، وأقلّ منهما مادّة. فهي لا تضمّ «اختلاف ما في معانيه» ، ولا ما انفردت به نسخة قولة في آخرها ، بالإضافة إلى النقص الكبير الذي أصاب النصّ فيها لكثرة الخروم والتقطّع. ويظهر هذا جليّا في اختصار بعض أقسام الموضوعات النحويّة. فالنصب مثلا هو في نسختي الأصل و «ق» واحد وخمسون وجها ، وفي نسختنا هذه ثمانية وأربعون وجها. وقريب منه ما في جمل اللام ألفات. ولعل هذا يرجّح أنها قد نقلت من نسخة تمثّل أقدم أمالي الكتاب.

ويلاحظ أيضا أنّ هذه النسخة تشارك «ق» في كثير من خلاف الرواية ، والنقص والزيادة ، والتقديم والتأخير ، والتصرّف في العبارة والكلمات والشواهد والأمثلة. وأبرز ذلك اتفاقهما في عدد وجوه الرفع ، ووجوه الجزم ، وجمل التاءات ، وجمل الواوات. إلّا أنّها تخالف «ق» أيضا في مثل ذلك ، وتضمّ زيادات وتصويبات متميّزة ، في نسبة بعض الشواهد وتوجيهها وروايتها ، ساهمت في تسديد النصّ وترميم بعض ثغراته. ولهذا اعتمدتها (١) في التحقيق ، ورمزت إليها بالحرف : ب.

منهج التحقيق :

يتبيّن ممّا ذكرت أنّ بين النسخ الثلاث اختلافا كبيرا ، في الزيادة والنقص ، والتقديم والتأخير ، وفي العبارات ونسق المفردات ، واللفظ والضبط والإعجام ، وخلافا ظاهرا في توزيع الفقر والشواهد ، والتعليقات والتوجيهات. حتّى لكأنّ هذه النصوص كانت أمالي ثلاثا ، ألقيت في مجالس مختلفة ، وليست تصنيفا لكتاب واحد. وقد ولّد هذا لديّ كثرة وافرة ، من التعليقات التي تجمع اختلاف النسخ وأشكال التعبير.

__________________

(١) قمت بهذا في زيارة لإستانبول ، ولم يتيسر لي تصوير النسخة حتى الآن.

١٩

وعلى الرغم من اتفاق «ب» و «ق» في كثير من تلك الخلافات ، فقد كان بينهما اختلاف أيضا ، إذ نرى إحداهما أحيانا تخرج على هذا الاتفاق ، فتشارك الأصل في فحواه أو لفظه ، أو تتميّز بنمط خاصّ فريد. ولذا واجهتني مشكلات عسيرة في منهج التحقيق ، حاولت تذليلها بعون الله ، وبالصبر والأناة ، وكثرة المراجعة والتدقيق.

ولمّا كانت نسخة آيا صوفيا أوفى الثلاث وأقدمها ، وأقربها إلى الضبط والإتقان والصواب اتّخذتها ، كما ذكرت ، أصلا ، فأثبتّ النصّ منها ، وحدّدت بها أرقام أوراقه ، وعلّقت عليه بما كان من خلاف في النسختين الأخريين. إلّا أنّ وفرة الأوهام والتصحيف والتحريف ، في هذا الأصل ، حملتني أحيانا على التلفيق في الجمل والعبارات ، باختيار ألفاظ وتراكيب من النسختين أو من إحداهما ، مع الإشارة إلى ذلك فيما علّقت.

ولأنّ هاتين النسختين ، أعني «ق» و «ب» ، كانتا على وفاق كبير ، كما ذكرت ، رأيت أن أرمز إليهما بـ «النسختين» حين تتّفقان ، اختصارا للتعبير وتخفيفا للتكرير. وفيما عدا ذلك كنت أشير إلى كلّ نسخة ، بالرمز الذي اعتمدته.

ولعلّ أبرز ما اتّفق فيه النسختان هو إهمال ما جاء في الأصل ، من تحديد لبعض سور الآيات المستشهد بها. وقد رأيتني أغفل الإشارة في التعليقات إلى هذا الإهمال ، مكتفيا بما أذكره هنا الآن.

أمّا الخلافات الكثيرة المتشعّبة ، بين النسخ الثلاث ، فقد رأيت أنّ بعضها يعود إلى تصحيف ناسخ أو تحريف ، وهو ظاهر لا يقتضي التدقيق والتحرير ، ولا يقدّم خدمة للنصّ في توجيه عبارة أو تسديد اعوجاج ، فأسقطته من التعليقات ولم أشر إليه ، إلّا إذا كان موضع ذلك الخلاف نصّا انفردت به نسخة ، أو كان فيه ما يحتمل النظر والتحقيق.

أضف إلى هذا أنّ الاضطراب الكبير في «ب» أدّى إلى تخلخل النصّ

٢٠