المنطق

الشيخ محمّد رضا المظفّر

المنطق

المؤلف:

الشيخ محمّد رضا المظفّر


المحقق: الشيخ رحمة الله رحمتي الأراكي
الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

١
٢

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الرؤوف الرحمن ، خلق الإنسان علمه البيان ، ووضع الميزان ، والصلاة والسلام على من أرسله بالقرآن محمد المصطفى وعلى أهل بيته معادن الحكمة ومعالم البرهان ، واللعنة الدائمة على أعدائهم عبدة الأوثان وأولياء الشيطان.

عمدت مؤسسة النشر الإسلامي منذ تأسيسها إلى إحياء التراث الإسلامي الذي تصب روافده في خدمة الدين الحنيف ، ووفقت بحمد الله ومنه لتحقيق ونشر كثير من الموسوعات المنيفة والكتب القيمة ، وبقيت تطلعاتها متوهجة لتقديم المزيد.

ومن المصنفات التي حازت مكانة خاصة في خطوط عملنا : ما خلفه لنا فخر الشيعة وحامي الشريعة آية الله المجدد الشيخ محمد رضا المظفر (قدس سره) ألا وهما كتابا «المنطق» و «أصول الفقه» اللذان يعدان منذ تأليفهما شاخصين نيرين في أفق العلوم العقلية والنقلية ، فاستقطبا عناية العلماء والدارسين ، ثم أصبحا ركنين أساسيين في المقررات الدراسية للحوزات العلمية وبعض المعاهد والكليات.

وقد استوقفنا قبل الإقدام على تحقيقهما إحساسنا بمسؤولية هذا المشروع الخطير وحرصنا على أن يكون عملنا من الكمال بنحو يليق بشأن هذين السفرين الجليلين ومؤلفهما. فشرعنا في «المنطق» بخطى بطيئة متأنية ، ولكنها موشحة ببوادر توفيق عديدة :

٣

منها : تعاليق سماحة الأستاذ الشيخ غلام رضا الفياضي ـ دامت إفاضاته ـ حيث مثلت تلك المدونات حصيلة تحقيق وتدقيق استغرق عدة سنوات تدريسية ، وحفلت بتصحيح المتن وشرح مبهماته وحل معضلاته ونقد بعض مسائله.

ومنها : تطلب مواضع البحوث في الكتب المنطقية والإشارة إلى مواردها لتسهيل المراجعة إليها لمن أراد مزيد التحقيق ، وهي جهود بذلها الفاضل النبيل سماحة الأستاذ محمود المنتظري ، باقتراح من شيخه الجليل الفياضي ، فلهما جزيل شكرنا وتقديرنا.

ومنها : الاعتناء البالغ في التصحيح ، والإخراج الفني مما له دخل في تيسير القراءة وتسهيل الفهم ، وقد اعتنى بهما مسؤول لجنة التحقيق في هذه المؤسسة : الشيخ رحمت الله الرحمتي الأراكي.

هذه جملة ما وفقنا له وحظينا به في رحبة كتاب «المنطق». وأما بالنسبة إلى التركة الثمينة الأخرى لشيخنا الجليل المظفر ـ وهي كتاب «أصول الفقه» ـ فسنصدره في المستقبل القريب محققا بإتقان أيضا مع مقدمة حاوية لحياة المؤلف (قدس سره) بقلم سماحة الأستاذ الشيخ محمد مهدى الآصفي ـ دام ظله ـ.

وأخيرا نأمل من أرباب الفضل وأولي الدقة والنظر أن يزودونا بملاحظاتهم واقتراحاتهم البناءة فيما يتعلق بهذا الكتاب وسائر ما صدر عن مؤسستنا ، لنسد مواطن الخلل ونرقى إلى مستوى أكمل في طريق تحقيق ونشر ما يؤازر طلاب العلوم الدينية وشبابنا المثقفين على تصعيد الحركة الفكرية الإسلامية. اللهم ما بنا من نعمة فمنك ، عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير.

مؤسسة النشر الإسلامي

التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة

٤

الإهداء :

إلى أعزائنا الذين وهبنا لهم زهرة حياتنا

ومن ينتظرهم الغد قدوة صالحة

إلى الشباب الديني المتحفز

إلى طلابنا :

أهدي هذا السفر ، لأنه لكم ، وهو من وحي حاجتكم ... والأمل : أن تحققوا حسن الظن بكم ، على ما عاهدتم عليه مدرستكم من الجهاد ، لترفعوا راية العلم والدين بأقلامكم ومقاولكم ، في عصر انغمس بالمادة فنسي الروح ، وانجرف بالعاطفة فأضاع الأخلاق ...!

إليكم يا أفلاذ القلوب! أهدي هذا المجهود المتواضع.

المظفر

٥

مجموعة المحاضرات الّتي القيت في كلّية منتدى النشر بالنجف الأشرف.

ابتداء من سنة ١٣٥٧ ه ق

٦

بسم الله الرحمن الرحيم

المدخل

الحاجة إلى المنطق :

خلق الله الإنسان مفطوراً على النطق ، وجعل اللسان آلة ينطق بها ولكن مع ذلك يحتاج إلى ما يقوم (١) نطقه ويصلحه ليكون كلامه على طبق اللغة التي يتعلمها ، من ناحية هيئات الألفاظ وموادها : فيحتاج أولاً إلى المدرب الذي يعوِّده على ممارستها ، وثانياً إلى قانون يرجع إليه يعصم لسانه عن الخطأ. وذلك هو النحو والصرف.

وكذلك خلق الله الإنسان مفطوراً على التفكير بما منحه من قوة عاقلة مفكرة ، لا كالعجماوات. ولكن مع ذلك نجده كثير الخطأ في أفكاره : فيحسب ما ليس بعلة علة ، وما ليس بنتيجة لأفكاره نتيجة ، وما ليس ببرهان برهانا ، وقد يعتقد بأمر فاسد أو صحيح من مقدمات فاسدة وهكذا. فهو إذن بحاجة إلى ما يصحح أفكاره ويرشده إلى طريق الاستنتاج الصحيح ، ويدرِّبه على تنظيم أفكاره وتعديلها.

وقد ذكروا أن (علم المنطق) هو الأداة التي يستعين بها الإنسان على العصمة من الخطأ ، وترشده إلى تصحيح أفكاره ، فكما أن النحو والصرف

___________________

(١) كذا ، والمناسب : ينظم.

٧

لا يعلمان الإنسان النطق وإنما يعلمانه تصحيح النطق ، فكذلك علم المنطق لا يعلم الإنسان التفكير ، بل يرشده إلى تصحيح التفكير.

إذن فحاجتنا إلى المنطق هي تصحيح أفكارنا. وما أعظمها من حاجة!

ولو قلتم : أن الناس يدرسون المنطق ويخطئون في تفكيرهم فلا نفع فيه.

قلنا لكم : إن الناس يدرسون علمي النحو والصرف ، فيخطئون في نطقهم ، وليس ذلك إلا لأن الدارس للعلم لا يحصل على ملكة العلم ، أو لايراعي قواعده عند الحاجة ، أو يخطئ في تطبيقها ، فيشذ عن الصواب.

تعريف علم المنطق

ولذلك عرفوا علم المنطق بأنه (آلة قانونية (١) تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر). فانظر إلى كلمة (مراعاتها) ، واعرف السر فيها كما قدمناه ، فليس كل من تعلم المنطق عصم عن الخطأ في الفكر ، كما أنه ليس كل من تعلم النحو عصم عن الخطأ في اللسان ، بل لابد من مراعاة القواعد وملاحظتها عند الحاجة ، ليعصم ذهنه أو لسانه.

المنطق آلة :

وانظر إلى كلمة (آلة) في التعريف وتأمل معناها ، فتعرف أن المنطق إنما هو من قسم العلوم الآلية التي تستخدم لحصول غاية ، هي غير معرفة نفس مسائل العلم ، فهو يتكفل ببيان الطرق العامة الصحيحة التي يتوصل بها الفكر إلى الحقائق المجهولة ، كما يبحث (علم الجبر) عن طرق حل المعادلات التي بها يتوصل الرياضي إلى المجهولات الحسابية.

__________________

(١) وإنما كان المنطق قانونا لأن مسائله قضايا كلية منطبقة على جزئيات. راجع شرح المطالع : ص ١٤ ، وشرح الخبيصي على التهذيب : ص ٨.

٨

وببيان أوضح : علم المنطق يعلمك القواعد العامة للتفكير الصحيح حتى ينتقل ذهنك إلى الأفكار الصحيحة في جميع العلوم (١) ، فيعلمك على أية هيئة وترتيب فكري (٢) تنتقل من الصور الحاضرة في ذهنك إلى الأمور الغائبة عنك ولذا سموا هذا العلم (الميزان) و (المعيار) من الوزن والعيار ، وسموه بأنه (خادم العلوم) حتى علم الجبر الذي شبهنا هذا العلم به ، يرتكز حل مسائله وقضاياه عليه.

فلا بد لطالب هذا العلم من استعمال التمرينات لهذه الأداة وإجراء عمليتها في أثناء الدراسة ، شأن العلوم الرياضية والطبيعية.

__________________

(١) أي العلوم الاستدلالية ، كالفلسفة والفقه الاجتهادي.

(٢) فيه تلويح إلى أن المنطق إنما يتعرض لصورة الاستدلال ويبين قواعدها وأحكامها هذا ، ولكن الحق أن المنطق متكفل لمادة الاستدلال أيضا ويبين أنه من أي مادة وعلى أي هيئة يكون التفكير الصحيح.

٩

العلم (*)

تمهيد

قلنا : إن الله تعالى خلق الإنسان مفطوراً على التفكير مستعداً لتحصيل المعارف بما أعطى من قوة عاقلة مفكرة يمتاز بها عن

__________________

(*) (١) المبحوث عنه هنا هو العلم المعبر عنه في لسان الفلاسفة ب‍ «العلم الحصولي». أما «العلم الحضوري» ـ كعلم النفس بذاتها وبصفاتها القائمة بذاتها وبأفعالها وأحكامها وأحاديثها النفسية ، وكعلم الله تعالى بنفسه وبمخلوقاته ـ فلا تدخل فيه الأبحاث الآتية في الكتاب ، لأنه ليس حصوله للعالم بارتسام صورة المعلوم في نفسه ، بل بحضور نفس المعلوم بوجوده الخارجي العيني للعالم ، فان الواحد منا يجد من نفسه أنه يعلم بنفسه وشؤونها ويدركها حق الإدراك ، ولكن لا بانتقاش صورها ، وإنما الشئ الموجود هو حاضر لذاته دائما بنفس وجوده ، وكذا المخلوقات حاضرة لخالقها بنفس وجودها. فيكون الفرق بين الحصولي والحضوري :

١ ـ إن الحصولي هو حضور صورة المعلوم لدى العالم

والحضوري هو حضور نفس المعلوم لدى العالم.

٢ ـ إن المعلوم بالعلم الحصولي وجوده العلمي غير وجوده العيني

وإن المعلوم بالعلم الحضوري وجوده العلمي عين وجوده العيني.

٣ ـ إن الحصولي هو الذي ينقسم إلى التصور والتصديق

والحضوري لا ينقسم إلى التصور والتصديق.

__________________

١ ـ الهوامش التي رمزنا إليها بعلامة (*) موجودة في الطبعات السابقة ، والظاهر أنها من المؤلف (قدس سره).

٢ ـ أقول : والفرق الرابع : أن العلم الحصولي يقبل الخطأ والعلم الحضوري لا يقبل الخطأ.

١٠

العجماوات (١). ولا بأس ببيان موطن هذا الامتياز من أقسام العلم الذي نبحث عنه ، مقدمة لتعريف العلم ولبيان علاقة المنطق به ، فنقول :

١ ـ إذا ولد الإِنسان يولد وهو خالي النفس من كل فكرة وعلم فعلي ، سوى هذا الاستعداد الفطري. فإذا نشأ وأصبح ينظر ويسمع ويذوق ويشم ويلمس ، نراه يحس بما حوله من الأشياء ويتأثر بها التأثر المناسب ، فتنفعل نفسه بها ، فنعرف أن نفسه التي كانت خالية أصبحت مشغولة بحالة جديدة نسميها (العلم) ، وهي العلم الحسي الذي هو ليس إلا حسّ النفس بالأشياء التي تنالها الحواس الخمس : (الباصرة ، السامعة ، الشامة ، الذائقة ، اللامسة). وهذا أول درجات العلم ، وهو رأس المال لجميع العلوم (٢) التي يحصل عليها الإنسان ، ويشاركه فيه سائر الحيوانات التي لها جميع هذه الحواس أو بعضها.

٢ ـ ثم تترقى مدارك الطفل فيتصرف ذهنه في صور المحسوسات المحفوظة عنده ، فينسب بعضها إلى بعض : هذا أطول من ذاك ، وهذا الضوء أنور من الآخر أو مثله ويؤلف بعضها من بعض تأليفاً قد لا يكون له وجود في الخارج ، كتأليفه لصور الأشياء التي يسمع بها ولا يراها ، فيتخيل البلدة التي لم يرها ، مؤلفة من الصور الذهنية المعروفة عنده من مشاهداته للبلدان. وهذا هو (العلم الخيالي) (٣) يحصل عليه الإنسان بقوة (الخيال) ،

__________________

(١) جمع «العجماء» : البهيمة.

(٢) العلم الحسي وإن كان أول درجات العلم وبه يستعد الإنسان لإدراك ما سواه من الدرجات المتعالية ، إلا أنه ليس رأس المال للعلوم التي يحصل عليها الإنسان ، بل الذي هو رأس المال لجميع العلوم إنما هي البديهيات أعم من أن تكون بديهيات تصورية أو تكون بديهيات تصديقية ، فإن الإنسان إنما يكتسب العلوم التصورية النظرية بالاستعانة بالتصورات البديهية ويكتسب العلوم التصديقية النظرية بالتمسك بالتصديقيات البديهية.

(٣) لا يخفى عليك : أنه (قدس سره) خلط الخيال بالمتخيلة ، فإن ما ذكره من الأفعال إنما هي للمتخيلة التي تسمى متصرفة أيضا. وأما العلم الخيالي فهو ما يحفظ في الذهن من صور المحسوسات بعد زوال الاتصال بالمحسوس الخارجي. راجع الشفا : ٦ / ٣٦ وأسرار الحكم : ص ٢٢١.

١١

وقد يشاركه فيه بعض الحيوانات.

٣ ـ ثم يتوسع في إدراكه إلى أكثر المحسوسات ، فيدرك المعاني الجزئية التي لا مادة لها ولا مقدار : مثل حب أبويه له وعداوة مبغضيه ، وخوف الخائف (١) ، وحزن الثاكل ، وفرح المستبشر وهذا هو (العلم الوهمي) يحصل عليه الإنسان كغيره من الحيوانات بقوة (الوهم). وهي ـ هذه القوة ـ موضع افتراق الإنسان عن الحيوان ، فيترك الحيوان وحده يدبر ادراكاته بالوهم فقط ويصرفها بما يستطيعه من هذه القوة والحول المحدود.

٤ ـ ثم يذهب هو ـ الإنسان ـ في طريقه وحده متميزا عن الحيوان بقوة العقل والفكر التي لا حد لها ولا نهاية ، فيدير بها دفة مدركاته الحسية والخيالية والوهمية ، ويميز الصحيح منها عن الفاسد ، وينتزع المعاني الكلية من الجزئيات التي أدركها فيتعقلها ، ويقيس بعضها على بعض ، وينتقل من معلوم الى آخر ، ويستنتج ويحكم ، ويتصرف ما شاءت له قدرته العقلية والفكرية.

وهذا (العلم) الذي يحصل للانسان بهذه القوة هو العلم الاكمل الذي كان به الانسان انساناً ، ولأجل نموه وتكامله وضعت العلوم وألفت الفنون ، وبه تفاوتت الطبقات واختلفت الناس.

وعلم المنطق وضع من بين العلوم ، لاجل تنظيم تصرفات هذه القوة خوفاً من تأثير الوهم (٢) والخيال عليها. ومن ذهابها في غير الصراط المستقيم لها.

__________________

(١) لا يخفى أنه ليس المراد درك الخائف وجود خوفه وإلا لكان علما حضوريا بل المراد درك مفهوم الخوف مضافا إلى خائف خاص أعم من أن يكون هو نفسه أو غيره ، حتى يكون من المفهوم المضاف إلى جزئي وهو العلم الوهمي ، وهكذا في خزن الثاكل وفرح المستبشر.

(٢) قال في أسرار الحكم ص ٢٢٢ : إذا لم يكن الوهم كالكلب المعلم فإنه يتنازع مع العاقلة ، ويحكم بخلافها ولا يذعن لأحكام العاقلة.

١٢

تعريف العلم :

وقد تسأل على أي نحو تحصل للانسان هذه الادراكات؟ ونحن قد قربنا لك فيما مضى نحو حصول هذه الادراكات بعض الشيء ، ولزيادة التوضيح نكلفك أن تنظر إلى شيء أمامك ثم تنطبق عينيك موجها نفسك نحوه ، فستجد في نفسك كأنك لا تزال مفتوح العينين تنظر إليه ، وكذلك إذا سمعت دقات الساعة مثلاً ـ ثم سددت أذنيك موجها نفسك نحوها ، فستحس من نفسك كأنك لا تزال تسمعها وهكذا في كل حواسك. إذا جربت مثل هذه الأمور ودققتها جيداً يسهل عليك أن تعرف أن الإدراك أو العلم إنما هو انطباع صور الأشياء في نفسك ولا فرق بين مدركاتك في جميع مراتبها ، كما تنطبع صور الأشياء في المرآة (١). ولذلك عرفوا العلم بأنه : «حضور صورة (٢) الشيء عند العقل (٣)». أو فقل انطباعها في العقل ، لا فرق بين التعبيرين في المقصود.

التصور والتصديق

إذا رسمت مثلّثاً تحدث في ذهنك صورة له ، هي علمك بهذا المثلث ، ويسمى هذا العلم (بالتصور). وهو تصور مجرد لا يستتبع جزما واعتقادا. وإذا تنبهت إلى زوايا المثلث تحدث لها أيضا صورة في ذهنك. وهي أيضاً من (التصور المجرد). وإذا رسمت خطأ أفقيا وفوقه خطأ عموديا مقاطعا له تحدث زاويتان قائمتان ، فتنتقش صورة الخطين والزاويتين في ذهنك. وهي من (التصور المجرد) أيضاً. وإذا أردت أن تقارن بين القائمتين

__________________

(١) على ما يراه الفهم الساذج المتعارف ، وإلا فلا صورة حقيقية في المرآة ، وإنما هي في ذهن الرائي فقط بتوسط المرآة.

(٢) في معنى الصورة راجع رسالة التصور والتصديق : ص ٤.

(٣) أي عند الذهن ، أعم من قوة الحس والخيال والوهم والقوة العاقلة.

١٣

ومجموع زوايا المثلث ، فتسأل في نفسك هل هما متساويان؟ وتشك في تساويهما ، تحدث عندك صورة لنسبة التساوي بينهما وهي من (التصور المجرد) أيضا.

فإذا برهنت على تساويهما تحصل لك حالة جديدة مغايرة للحالات السابقة. وهي إدراكك لمطابقة النسبة للواقع المستلزم لحكم (١) النفس وإذعانها وتصديقها بالمطابقة (٢). وهذه الحالة أي (صورة المطابقة للواقع التي تعقلتها وأدركتها) هي التي تسمى (بالتصديق) ، لأنها إدراك يستلزم تصديق النفس وإذعانها (٣) ، تسمية للشيء باسم لازمة الذي لا ينفك عنه.

إذن ، إدراك زوايا المثلث ، وإدراك الزاويتين القائمتين ، وإدراك نسبة التساوي بينهما كلها (تصورات مجردة) لا يتبعها حكم وتصديق. أما إدراك [أنّ] هذا التساوي صحيح واقع مطابق للحقيقة في نفس الأمر فهو (تصديق).

وكذلك إذا أدركت أن النسبة في الخبر غير مطابقة للواقع ، فهذا الإدراك (تصديق).

(تنبيه) إذا لاحظت ما مضى يظهر لك أن التصور والإدراك والعلم (٤) كلها ألفاظ لمعنى واحد ، وهو : حضور صور الأشياء عند العقل. فالتصديق أيضاً تصور ولكنه تصور يستتبع الحكم وقناعة النفس

__________________

(١) لا يخفى عليك : أن الحكم هنا بمعنى الإذعان ، وأما الحكم بمعنى إدراك وقوع النسبة أو لا وقوعها فهو نفس التصديق وقد أطلق الحكم في كلماتهم على كل من المعنيين. قال الحكيم السبزواري في منظومته :

الارتسامي من إدراك الحجى

إما تصور يكون ساذجا

أو هو تصديق هو الحكم فقط

ومن يركبه فيركب الشطط

(٢) وبعبارة أخرى : التصديق هو إدراك وجود النسبة في نفس الأمر أو عدم وجودها.

(٣) وبعبارة أخرى : التصديق هو إدراك وجود النسبة في نفس الأمر أو عدم وجودها.

(٤) أي الإدراك والعلم الحصولي ، وأما الإدراك والعلم المطلق فهو أعم من التصور المطلق لشموله للعلم الحضوري أيضا. وبعبارة أخرى : إن الذي يرادف التصور المطلق هو أحد إطلاقات العلم والإدراك أعني العلم الحصولي.

١٤

وتصديقها. وإنما لأجل التمييز بين التصور المجرد أي غير المستتبع للحكم ، وبين التصور المستتبع له ، سمي الأول (تصورا) لأنه تصور محض ساذج مجرد فيستحق إطلاق لفظ (التصور) عليه مجرداً من كل قيد ، وسمي الثاني (تصديقاً) لأنه يستتبع الحكم والتصديق ، كما قلنا تسمية للشيء باسم لازمه.

أما اذا قيل : (التصور المطلق) فانما يراد به ما يساوق العلم والادراك فيعم ـ كلا التصورين : التصور المجرد ، والتصور المستتبع للحكم (التصديق) (*).

بماذا يتعلق التصديق والتصور؟

ليس للتصديق الا مورد واحد يتعلق به ، وهو النسبة في الجملة الخبرية عند الحكم والاذعان بمطابقتها للواقع او عدم مطابقتها.

واما التصور فيتعلق بأحد اربعة أمور :

١ ـ (المفرد) من اسم ، وفعل «كلمة» ، وحرف «اداة».

٢ ـ (النسبة في الخبر) (١) عند الشك فيها أو توهمها ، حيث لا تصديق ، كتصورنا لنسبة السكنى الى المريخ ـ مثلا ـ عندما يقال : «المريخ مسكون».

__________________

(*) هذا البيان عن معنى التصديق هو خلاصة آراء المحققين من الفلاسفة ، وإليه يؤمي تعريف الشيخ الرئيس في الإشارات بأنه تصور معه حكم ، وقد وضع المولى صدر المتألهين رسالة ضافية في تحقيقه ، سماها «رسالة التصور والتصديق» فلتذهب خيالات المشككين وأوهام المغالطين أدراج الرياح ... وقد جعلوا هذا الأمر الواضح بسبب تشكيكاتهم من المسائلالعويصة المستعصية على المبتدئين.

(١) لا يخفى عليك : أن الأنسب في الترتيب الذكري أن يعقب المفرد بالمركب الناقص ثم يذكر بعده النسبة في الإنشاء ثم النسبة في الخبر عند الشك والوهم. وذلك لأنه مقتضى الترتيب في الاحتراز بما يؤتى في بيان مورد التصديق : من أنه المركب التام الخبري عند الحكم والإذعان.

١٥

٣ ـ (النسبة في الانشاء) (١) من أمر ونهي وتمن واستفهام ... الى آخر الامور الانشائية التي لا واقع لها وراء الكلام ، فلا مطابقة فيها للواقع خارج الكلام ، فلا تصديق ولا اذعان.

٤ ـ (المركب الناقص). كالمضاف والمضاف اليه ، والشبيه بالمضاف (٢) ، والموصول وصلته ، والصفة والموصوف ، وكل واحد من طرفي الجملة الشرطية ... الى آخر المركبات الناقصة التي لا يستتبع تصورها (٣) تصديقاً وإذعاناً : ففي قوله تعالى : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا) (٤). الشرط (تعدوا نعمة الله) معلوم تصوري والجزاء (لا تحصوها) معلوم تصوري أيضاً. وإنما كان معلومين تصوريين لأنهما وقعا كذلك جزاءاً وشرطاً في الجملة الشرطية وإلا ففي أنفسهما لولاها كل منهما معلوم تصديقي. وقوله (نعمة الله) معلوم تصوري مضاف. ومجموع الجملة معلوم تصديقي.

أقسام التصديق

ينقسم التصديق إلى قسمين : يقين وظن ، لأن التصديق هو ترجيح أحد طرفي الخبر وهما الوقوع واللاوقوع سواء كان الطرف الآخر محتملاً أو لا فإن كان هذا الترجيح مع نفي احتمال الطرف الآخر بتاً فهو (اليقين) ، وإن كان مع وجود الاحتمال ضعيفاً فهو (الظن).

__________________

(١) وسيأتي في صفحة ٦٢ كثير من الأمور الإنشائية.

(٢) وهو ما اتصل به شئ من تمام معناه وهذا الذي به التمام إما أن يكون مرفوعا به كقولك : يا محمودا فعله ويا حسنا وجهه ، أو منصوبا كقولك : يا طالعا جبلا ، أو مخفوضا بخافض متعلق به كقولك : يا خيرا من زيد ، أو معطوفا عليه قبل النداء كقولك : يا ثلاثة وثلاثين ، في رجل سميته بذلك. قاله ابن هشام في شرح قطر الندى. هكذا في الحدائق الندية ص ١٠٧.

(٣) أي : لا يستتبع العلم بها التصديق اللغوي الذي هو لازم التصديق الاصطلاحي. فالتصور هنا بمعناه المطلق ، والتصديق بمعناه اللغوي.

(٤) إبراهيم / ٣٤ ، النحل / ١٨.

١٦

وتوضيح ذلك : إنك إذا عرضت على نفسك خبراً من الأخبار فأنت لا تخلو عن إحدى حالات أربع : إما أنك لا تجوز إلا طرفاً واحداً منه إما وقوع الخبر أو عدم وقوعه ، وإما أن تجوز الطرفين وتحتملهما معاً. والأول هو اليقين. والثاني وهو تجويز الطرفين له ثلاث صور ، لأنه لا يخلو إما أن يتساوى الطرفان في الاحتمال أو يترجح أحدهما على الآخر : فإن تساوى الطرفان فهو المسمى (بالشك) وإن ترجح أحدهما فإن كان الراجح مضمون الخبر ووقوعه (١) فهو (الظن) الذي هو من أقسام التصديق. وإن كان الراجح الطرف الآخر فهو (الوهم) الذي هو من أقسام الجهل (٢) وهو عكس الظن. فتكون الحالات أربعاً ، ولا خامسة لها :

١ ـ (اليقين) وهو أن تصدق بمضمون الخبر ولا تحتمل كذبه أو تصدق بعدمه ولا تحتمل صدقه ، أي أنك تصدق به على نحو الجزم وهو أعلى قسمي التصديق. (*)

__________________

(١) لا يخفى عليك : أن الصحيح أن يقال بدلها : فالراجح سواء كان هو مضمون الخبر أو عدمه هو الظن. والمرجوح كذلك هو الوهم. فإن الراجح ظن سواء كان هو مضمون الخبر أو عدمه. وهكذا الأمر في المرجوح ، وقد صرح هو بما ذكرنا عند تفصيل ما أجمله هنا حيث قال :

٢ ـ الظن وهو أن ترجح مضمون الخبر أو عدمه ... ٣ ـ الوهم وهو أن تحتمل مضمون الخبر أو عدمه.

(٢) لا يخفى عليك : أنه من أقسام الجهل التصديقي لا الجهل المطلق ، فإن الوهم من أقسام التصور ، كما صرح به سابقا بقوله : النسبة في الخبر عند الشك فيها أو توهمها.

(*) ولليقين معنى آخر في اصطلاحهم وهو خصوص التصديق الجازم المطابق للواقع لا عن التقليد وهو أخص من معناه المذكور في المتن لان المقصود به التصديق الجازم المطابق للواقع سواء كان عن تقليد او لا (١).

__________________

١ ـ لايخفى عليك : أنّه لا يعتبر في اليقين بمعناه المذكور في المتن الّذي هو احد قسمي التصديق كونه مطابقاً للواقع ؛ بل هو مطلق الاعتقاد الجازم ، كما هو ظاهر عبارته قدس سره في المتن. ولكنّه إنّما قيّده بذلك هنا لما زعمه قدس سره من عدم كون الجهل المركّب من التصديق، بل من العلم. ولعلّ منشأ ذلك الزعم هو كون التصديق: هو اعتقاد أن النسبة مطابقة للواقع،

١٧

٢ ـ (الظن) وهو أن ترجح مضمون الخبر أو عدمه مع تجويز الطرف الآخر ، وهو أدنى قسمي التصديق.

٣ ـ (الوهم) وهو أن تحتمل مضمون الخبر أو عدمه مع ترجيح الطرف الآخر.

٤ ـ (الشك) وهو أن يتساوى احتمال الوقوع واحتمال العدم.

(تنبيه) ـ يعرف مما تقدم أمران :

(الأول) أن الوهم والشك ليسا من أقسام التصديق بل هما من أقسام الجهل (١).

و (الثاني) أن الظن والوهم دائماً يتعاكسان : فإنك إذا توهمت مضمون الخبر فأنت تظن بعدمه ، وإذا كنت تتوهم عدمه فإنك تظن بمضمونه ، فيكون الظن لأحد الطرفين توهما للطرف الآخر.

الجهل واقسامه

ليس الجهل إلا عدم العلم ممن له الاستعداد للعلم والتمكن منه ، فالجمادات والعجماوات لا نسميها جاهلة ولا عالمة ، مثل العمى ، فإنه عدم البصر فيمن شأنه أن يبصر ، فلا يسمى الحجر أعمى. وسيأتي أن مثل هذا يسمى (عدم ملكة) ومقابله وهو العلم أو البصر يسمى (ملكة) ، فيقال أن العلم والجهل متقابلان تقابل الملكة وعدمها.

والجهل على قسمين كما أن العلم على قسمين لأنه يقابل العلم

__________________

فجعل اعتقاد مطابقة الواقع عين مطابقة الواقع وليس كذلك، كما لا يخفى وهو قدس سره في أوّل الصناعات الخمس صرّح بأنَّ المعنى المراد من «اليقين» عند تقسيم التصديق هو مطلق الاعتقاد الجازم، ص ٢٨٢.

(١) لا يخفى عليك : أن المقسم في هذا التقسيم هو الجهل البسيط ، أي ما هو عدم ملكة العلم ، كما صرح به في شرح الإشارات (ص ٢٣) وأما المركب فهو تصديق ، أي هو علم تصديقي. ولكنه (قدس سره) إنما ذكره ما ذكر لما زعمه من عدم كون الجهل المركب من العلم.

١٨

فيبادله في موارده فتارةً يبادل التصور أي يكون في مورده وأخرى يبادل التصديق أي يكون في مورده ، فيصح بالمناسبة أن نسمي الأول (الجهل التصوري) (١) والثاني (الجهل التصديقي) (٢).

ثم أنهم يقولون (٣) : أن الجهل ينقسم إلى قسمين : بسيط ومركب. وفي الحقيقة أن الجهل التصديقي خاصة هو الذي ينقسم إليهما ، ولهذا اقتضى أن نقسم الجهل إلى تصوري وتصديقي ونسميهما بهذه التسمية. أما الجهل التصوري فلا يكون إلا بسيطاً كما سيتضح. ولنبين القسمين فنقول :

١ ـ (الجهل البسيط) أن يجهل الإنسان شيئاً وهو ملتفت إلى جهله (٤) فيعلم أنه لا يعلم ، كجهلنا بوجود السكان في المريخ ، فإنا نجهل ذلك ونعلم بجهلنا فليس لنا إلا جهل واحد.

٢ ـ (الجهل المركب) أن يجهل شيئا وهو غير ملتفت إلى أنه جاهل به بل يعتقد أنه من أهل العلم به ، فلا يعلم أنه لا يعلم ، كأهل الاعتقادات الفاسدة الذين يحسبون أنهم عالمون بالحقائق ، وهم جاهلون بها في الواقع. ويسمون هذا مركبا لأنه يتركب من جهلين : الجهل بالواقع والجهل بهذا الجهل. وهو أقبح وأهجن القسمين. ويختص هذا في مورد التصديق لأنه لا يكون إلا مع الاعتقاد.

__________________

(١) وهو أن يكون في مورد التصور.

(٢) وهو أن يكون في مورد التصديق.

(٣) والأولى في العبارة أن يقال : ثم إن الجهل كما يطلق على ما يقابل العلم تقابل العدم والملكة ، وهو الذي يسمى بالجهل البسيط ، يطلق أيضا على التصديق الجازم الذي لا يطابق الواقع ، ويقابله العلم بمعنى التصديق الجازم المطابق للواقع تقابل التضاد ، فالجهل لفظ مشترك ، كما أن العلم الذي يقابله لفظ مشترك أيضا.

(٤) الجهل البسيط : هو عدم ملكة العلم ، سواء التفت الجاهل إلى جهله أم كان غافلا ، ولو كان الأمر على ما ذكره المصنف (قدس سره) لم يصح تقسيم الجهل إلى البسيط والمركب ، فإن التقسيم عليه لا يكون حاصرا ، لخروج الجاهل الغافل. وسيأتي منه أن من شرائط صحة التقسيم أن يكون جامعا مانعا.

١٩

ليس الجهل المركب من العلم

يزعم بعضهم دخول الجهل المركب في العلم فيجعله من أقسامه ،

__________________

(١) ظاهر كلامه (قدس سره) بل صريحه : إنكار دخول الجهل المركب في مقسم التصور والتصديق ، واستند في ذلك إلى أمرين : تعريف العلم ، وعدم صحة كون الشئ من أقسام مقابله. ويرد عليه النقض بالوهم بل الشك حيث جعلهما من أقسام التصور الذي هو قسم من العلم ، مع أن الصورة الوهمية مقارنة للاعتقاد الظني بخلافها. وأيضا قد صرح هو (قدس سره) بكونهما من أقسام الجهل (ص ١٩ س ٤).

والحل : أن العلم يطلق على معان مختلفة :

١ ـ مطلق الانكشاف والحضور ، فيرادف الإدراك والمعرفة ، وهذا هو مقسم الحصولي والحضوري.

٢ ـ الصورة الحاصلة من الشئ لدى العقل ، فيرادف العلم الحصولي.

٣ ـ مطلق الاعتقاد الراجح سواء منع من النقيض أم لا ـ ويقال له : العلم بالمعنى الأعم ـ فيشمل الظن والجزم ، وهذا المعنى مرادف للتصديق ، ويقابله التصور بأقسامه.

٤ ـ الجزم ، وهو الاعتقاد الراجح المانع من النقيض ، وهو العلم بالمعنى الأخص ، ويقابله الظن.

٥ ـ الاعتقاد الجازم المطابق للواقع ، ويقابله الجهل المركب.

٦ ـ اليقين ، وهو الاعتقاد الجازم المطابق الثابت ، ويقابله التقليد ، وهناك معان أخر لا يهمنا ذكرها الآن.

إذا عرفت هذا ، فنقول : كل معنى لاحق أخص من المعنى السابق ، فعدم دخول الجهل المركب في العلم بالمعنى الخامس لكونه مقابلا له لا يستلزم خروجه عن المعاني السابقة للعلم ، كما أن عدم دخول الظن في العلم بالمعنى الرابع لكونه مقابلا له لا يستلزم خروجه عن العلم بالمعنى الثالث ، وهكذا ...

واتضح أن المغالطة نشأت من اشتراك لفظة «العلم» بين معان كل لاحق أخص من سابقه ، وأن الحق كون الجهل المركب «علما» بمعنى الصورة الحاصلة من الشئ لدى العقل ، بل تصديقا ، وهو القول الأول الذي حكاه عن بعضهم ، وقد صرح بكونه تصديقا الشيخ في برهان الشفا (ص ٥١) وفي الإشارات (ص ١٣) وعدة من محشي الحاشية للمولى عبد الله اليزدي (قدس سره) ، وفي مقصود الطالب (ص ٥٨) وشرح المنظومة في المنطق (ص ٨) والمولى صدر المتألهين في اللمعات المشرقية (راجع منطق نوين ص ٣) وهو الظاهر من عبارة التفتازاني في تهذيبه ، بل لم أجد لما ذكره الماتن قائلا غيره.

(٢) قد ظهر لك : أن هذا هو ما عليه جميع المناطقة فيما نعلم ، حيث صرح به كثير منهم كما

٢٠