زواج المتعة في كتب أهل السنّة

الدكتور السيّد علاء الدين القزويني

زواج المتعة في كتب أهل السنّة

المؤلف:

الدكتور السيّد علاء الدين القزويني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٤

١
٢

٣
٤

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى :

(فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن)

(النساء : ٢٤)

وعن عمران بن الحصين أنه قال : نزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينزل قرآن يحرمه ولم ينه عنها حتى مات ، قال رجل برأيه ما شاء ، قال محمد (اي البخاري) يقال عمر رضي الله عنه.

صحيح البخاري ، باب قوله تعالى : (وانفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) من كتاب التفسير من جزئه الثالث ص ٧١.

٥
٦

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وكفى ثم الصلاة على النبي المصطفى وعلى آله النجباء وصحبه الأصفياء ، وبعد.

إن مسألة زواج المتعة من المسائل التي بحث فيها فقهاء المسلمين على اختلاف مذاهبهم ، وأولوها العناية الكبرى بحثا وتمحيصا بين مثبت لهذا النوع من الزواج ، وبين ناف له ، بعد اتفاقهم علي مشروعيته في صدر الإسلام ، وحيث إن دور هذه المسألة الخطيرة في صيانة عفة المجتمع وحفظه من الوقوع في مزالق الفساد ، دور هام يجب أن لا يغفله المشرع وخاصة ممن يحاول إصلاح المجتمع ، لكي يعيش حياة سعيدة تحفظ فيها عفة المرأة من الانزلاق وراء

٧

الشهوات المحرمة.

والذي يبدو لمن تتبع هذه المسألة في مختلف مواضعها من كتب التشريع ، سواء ما يتعلق منها بالتفسير والحديث ، أم كتب الفقه ، أن المسلمين على اختلاف مذاهبهم لا تكاد كلمتهم تختلف في أن هذا النوع من الزواج مما شرع في صدر الإسلام ، ونزلت فيه آية من الكتاب العزيز وهي آية : (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن) ... وفسروا الاستمتاع فيها بنكاح المتعة (١) كما سوف يتضح من هذا البحث.

إن تشريع الزواج المؤقت «أو زواج المتعة» لأن الزواج الدائم غير قادر في كل الحالات والظروف أن يفي باحتياجات البشر ، وأن الاقتصار على الزواج الدائم يستلزم حرمان كثير من النساء أو الرجال ممارسة حقهم في الحياة الجنسية ، لعدم قدرة البعض على تهيئة الظروف لمثل هذا الزواج ، ولهذا فإما أن يكبت الرجل أو المرأة ما بداخله

__________________

(١) انظر محمد تقي الحكيم : الزواج المؤقت : ص ٣٤ ـ ٣٥.

٨

(أو بداخلها) من غرائز وحب الالتقاء ، مما يؤدي بهم إلى نتائج وخيمة وآلام دائمة ، أو أن ينزلقوا في المحرمات ، وأن تنشئ المرأة علاقات غير شريفة قائمة على التستر بأوكار الليل وأجنحة الظلام وخوف العاقبة.

ومن هنا فإن للزواج المؤقت (زواج المتعة) ، بعد اعتراف الشريعة الإسلامية به ، علاقة طيبة وطبيعية ، يشعر فيها كل من المرأة والرجل بحكم كونها عقدا من العقود بكرامة الوفاء بالالتزام من الطرفين وفق الشروط التي شرعها المشرع في هذا العقد ، ولهذا فهو من هذه الناحية كالزواج الدائم مع فارق واحد ، وهو أن المرأة هنا تملك أن تحدد أمد العقد ابتداء ولا تملكها في الزواج الدائم ، بل تظل تحت رحمة الزوج إن شاء طلقها ، وإن شاء مد بها إلى نهاية الحياة ، فهي ليست سلعة تؤجر للمتعة ، وإنما هي كالطرف الآخر في المعاملة تعطي من الالتزامات بمقدار ما تأخذ منها وربما تكون هي الرابحة أخيرا باكتشافها لأخلاق الزواج ومعاملته ، وبرؤيتها له في مختلف حالاته ومباذله تستطيع

٩

تحديد موقفها منه فيما إذا كانت تقوى على تكوين علاقات دائمة معه بتحويل الزواج المؤقت إلى زواج دائم تأمن معه من الاختلاف نتيجة عدم توافق الطباع (١). ولهذه المصلحة أجاز الإسلام زواج المتعة ، بل اعتبره ضرورة من ضرورات الحياة ، حتى قام الإجماع على تشريعه من الكتاب والسنة النبوية ، وقد ورد ذلك في مصادر جمهور المسلمين المعتبرة ، ووصل إلى درجة من الكثرة لا نحتاج معها إلى تتبع واستيعاب كل الروايات ، بل قام الاجماع على تشريعها ، وهذا الإجماع موضع وفاق عند المسلمين من كل المذاهب الإسلامية (٢) كما سوف نشير إليه إن شاء الله.

* * *

__________________

(١) انظر المصدر السابق : ص ٢٣ ـ ٢٤.

(٢) انظر أحمد الوائلي : من فقه الجنس ـ ص ١٥١.

١٠

الشروط المعتبرة

في زواج المتعة وأنها كالدائم

قبل أن نشير إلى مشروعية الزواج المؤقت الثابت بنص القرآن الكريم والسنة النبوية المتفق عليها ، نذكر بعض الشروط المعتبرة في زواج المتعة ، وأنها كالدائم باختصار :

١ ـ الايجاب والقبول باللفظ الدال على إنشاء المعنى المقصود والرضا به.

٢ ـ القصد لمضمون المعنى وهو : متعت أو أنكحت أو زوجت.

٣ ـ أن يكون الايجاب والقبول باللغة العربية مع الامكان.

٤ ـ أن يكون الايجاب من طرف الزوجة والقبول من

١١

طرف الزوج مع تقدم الايجاب على القبول.

٥ ـ ذكر المهر في العقد المتفق عليه بين الطرفين.

٦ ـ ذكر الأجل المتفق عليه بين الطرفين في العقد طال أو قصر.

٧ ـ ألا تكون المرأة مما يحرم نكاحها سواء بالدائم أو المنقطع.

٨ ـ تجب العدة فيها بعد انقضاء المدة أو [بعد انقضاء المدة التي] وهبها الزوج ، وعدتها حيضتان إن كانت تحيض ، وإن كانت في سن من تحيض ولا تحيض فعدتها خمسة وأربعون يوما ، وإن كانت حاملا فعدتها أبعد الأجلين ، وأما عدتها من وفاة الزوج فأربعة أشهر وعشرة أيام إن لم تكن حاملا وإلا فبأبعد الأجلين كالزواج الدائم.

٩ ـ لا يجوز الجمع بين الأختين في نكاح المتعة كالدائم بلا فرق (١).

__________________

(١) انظر السيد أمير محمد القزويني : المتعة بين الإباحة والحرمة.

١٢

١٠ ـ الأطفال الذين يولدون من الزواج المؤقت لا يختلفون في شئ من الحقوق عن الأطفال المتولدين من الزواج الدائم ، إلى غير ذلك من الشروط التي تشترط في الزواج الدائم فهي معتبرة في الزواج المؤقت.

* * *

١٣
١٤

مشروعية الزواج المؤقت

من الكتاب والسنة

هذا وقد دلت الأدلة القطعية من الكتاب والسنة وإجماع المسلمين وأقوال أئمتهم على أن المتعة كانت مشروعة في صدر الإسلام ومباحة بنص القرآن ، وأن كثيرا من الصحابة الكرام فعلوها في حياة النبي صلى الله عليه وآله بأمره وإذنه وترخيصه ، كما فعلوها بعد وفاته صلى الله عليه وآله ، ولم ينزل قرآن يحرمها ولم ينه عنها صلى الله عليه وآله حتى مات ، وإن نسخها عند من يقول بالنسخ ، فمنهم من يقول إنها نسخت بالسنة ، مع أن السنة من أخبار الآحاد لا ينسخ الحكم الثابت بنص من القرآن ، فكيف ينسخ ما هو ظني الصدور ، وهو الخبر الواحد ، لما هو قطعي الصدور ، وهو القرآن الكريم ، وتارة

١٥

يقولون بأن آية المتعة نسخت بآية أخرى ، وهذا الاختلاف دليل على عدم نسخها ، وأنها ثابتة ومباحة إلى يوم القيامة ، كإباحة الزواج الدائم وملك اليمين ، «حلال محمد حلال إلى يوم القيامة ، وحرامه حرام إلى يوم القيامة».

ومما شنع به على الشيعة في قولهم بإباحة المتعة ما جاء في كتاب «وجاء دور المجوس» للدكتور الغريب ، ومن غريب قوله :

«وما دمنا في صدد الحديث عن أكاذيب الرافضة «أي الشيعة» فمن المناسب أن نشير إلى كتاب اسمه «المتعة من متطلبات العصر» ... زعم الكاتب أن حجة أهل السنة في تحريم المتعة رفض الفاروق عمر بن الخطاب لها ، ولم يتوقف عند هذه الفرية بل وجه سهامه المسمومة إلى ثاني الخلفاء الراشدين ، وأشرنا قبل صفحات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي حرم المتعة» (١).

__________________

(١) عبد الله محمد الغريب : وجاء دور المجوس ـ ص ١٣٥.

١٦

أقول : يظهر من صاحب هذا الكتاب أنه طعن حتى في صحاح أهل السنة ، ووجه إليهم الأكاذيب ، كما أنه كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله في إرجاع تحريم المتعة إليه صلى الله عليه وآله وقديما قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» ، فهذا شيخ الحديث وإمام أهل السنة يروي في صحيحه وهو أصح الكتب بعد القرآن عن عمران بن الحصين قوله : «نزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينزل قرآن يحرمه ولم ينه عنها ...» فهذا الحديث كما سوف نشير إليه نص صريح على أن المتعة نزلت في كتاب الله ، ولم ينه عنها النبي صلى الله عليه وآله حتى مات ، ومن هنا يظهر أن التحريم لم يكن من النبي صلى الله عليه وآله ، كما يظهر ما في كتاب «وجاء دور المجوس» من أكاذيب وبهتان رمى بها طائفة كبيرة من المسلمين.

وحسبك على إباحتها القرآن الكريم حيث يقول : (فما استمتعتم ...) الآية.

ما جاء في كتب أهل السنة والجماعة في إباحة زواج

١٧

المتعة :

١ ـ صحيح البخاري وروايات إباحة المتعة :

وحسبك على إباحة المتعة ما أخرجه البخاري في صحيحه من كتاب التفسير في باب قوله تعالى : (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) ، عن عمران بن الحصين أنه قال : «نزلت المتعة في كتاب الله ، ففعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينزل قرآن يحرمها ولم ينه عنها حتى مات ، قال رجل برأيه ما شاء قال محمد يعني البخاري يقال عمر» (١).

أقول : هذا ما أخرجه البخاري في صحيحه ، وهو أصح الكتب بعد القرآن باجماع من يعتد به من علماء أهل السنة ، فقد نص بصريح العبارة التي لا تقبل التأويل على إباحة المتعة واستمرار هذه الإباحة إلى يوم القيامة ، كما أن هذا الحديث نص على عدم نزول قرآن يحرمها ، وأنه نص في عدم نهي النبي صلى الله عليه وآله عنها حتى التحق بالرفيق الأعلى ،

__________________

(١) صحيح البخاري : المطبعة العامرة المليجية ـ ط ـ ١ ١٣٣٢ ه‍ ـ ج ٣ ـ ٧١.

١٨

كما أنه صريح أيضا في أن المحرم لها هو الخليفة عمر بن الخطاب (رض) ، ومن هذه الرواية يظهر افتراء وكذب صاحب كتاب «وجاء دور المجوس» في قوله عن مؤلف كتاب المتعة : «ولم يتوقف عند هذه الفرية بل وجه سهامه المسمومة إلى ثاني الخلفاء الراشدين» وكان من اللازم أن يوجه هذا الكلام إلى شيخ الحديث البخاري الذي روى هذه الرواية ، ولكن الحق مر على ألسنة المنحرفين عن آل الرسول صلى الله عليه وآله.

وأخرج البخاري أيضا في باب قوله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) ، من كتاب التفسير عن إسماعيل عن قيس عن عبد الله ـ ابن مسعود ـ قال : كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم وليس معنا نساء ، فقلنا ألا نستخصي فنهانا عن ذلك فرخص لنا بعد ذلك أن نتزوج المرأة بالثوب ، ثم قرأ عبد الله : (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) (١).

__________________

(١) نفس المصدر : ص ٨٤.

١٩

أقول : وهذا الحديث أيضا نص في أن متعة النساء من الطيبات ، ولا شئ من الطيبات بحرام إلى يوم القيامة ، ولهذا لا يصح القول بأن المتعة بعد إباحتها حرمها رسول الله صلى الله عليه وآله. وعلى هذا فكل تأويل فيها غير مقبول ومردود ، لأنه مناف لنصها ، وعبد الله بن مسعود هو أحد القراء الأربعة الذين أمر الرسول صلى الله عليه وآله بتعلم القرآن منهم ، فهو أعرف من الآخرين بمداليل الآيات ومفاهيمها ، فهذا البخاري يحدثنا في صحيحه ص ٢٠١ من جزئه الثاني في باب مناقب عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «استقرؤوا القرآن من أربعة من عبد الله بن مسعود ...».

٢ ـ صحيح الإمام مسلم وإباحة المتعة ، وأن الناهي عنها الخليفة (رض) :

وأما إمام الحديث عند أهل السنة الإمام مسلم ، فقد أخرج في صحيحه في باب نكاح المتعة عن إسماعيل عن قيس قال : سمعت عبد الله يقول : «كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لنا نساء فقلنا ألا نستخصي فنهانا عن ذلك ثم

٢٠