عاشوراء بين الصّلح الحسني والكيد السّفياني

السيد جعفر مرتضى العاملي

عاشوراء بين الصّلح الحسني والكيد السّفياني

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المركز الإسلامي للدّراسات
الطبعة: ١
الصفحات: ١٥٦

١
٢

٣

٤

مقدّمة لا بدّ منها :

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين ، والصلاة والسّلام على محمّد وآله الطاهرين ، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

وبعد ...

فإنّ المثل يقول : «مَن كان بيته من زجاج فليس له أن يرشق الناس بالحجارة». وإذا ما فعل أحد ذلك وقابله المظلومون المُعتدى عليهم بالمثل وتحطّم بيته الزجاجي ، فلا يلومنَّ إلاّ نفسه ، فإنما «على نفسها جنت براقش».

وإنّ أمرنا مع المتعصبين والمتحاملين على أهل البيت عليهم‌السلام الذين نذروا أنفسهم لنقض فضائلهم ، وتصغير شأنهم ، وغمط حقوقهم (صلوات الله عليهم) حتّى أصبح ذلك هو شغلهم الشاغل وخبزهم اليومي .. إنّ أمرنا مع هؤلاء قد أصبح مصداقاً لذلك المثل الذي عرضناه آنفاً.

فهؤلاء المتحذلقون لا يملكون من الحق والصواب إلاّ الدعاوى العريضة والاستعراضات ، والانتفاخات الفارغة التي تخفي وراءها الوهن والعُدْم والفقر ، والضّآلة والضحالة ، الأمر الذي يضطرهم إلى التزوير والتعمية ، وإلى استخدام وسائل الإرهاب والقهر ، معتمدين

٥

على حربة مسمومة هي إثارة البغضاء ، وشحن النفوس بالحقد والضغينة ، والكيد للحقِّ وأهل الحقِّ ، وتصويره على أنه هو الباطل والزيف والكفر الصريح والقبيح.

بل إنك ترى هؤلاء رحماء على الكفار ومعهم ، يخفضون لهم جناح الذل والضعة ، أشداء على المسلمين والمؤمنين ، يبطشون بهم أفحش البطش ، ويرتكبون في حقهم أعظم الجرائم ، وتلك هي السنة التي سنها لهم وجرّأهم عليها إمامهم يزيد بن معاوية (لعنه الله) ، حتّى إذا ما وجدوا أنفسهم في موقع العجز عن ذلك سلقوا أهل الإيمان بألسنة حداد ، سراً وجهراً ، غير مبالين بما يصيب المسلمين من وهن وأذى وتمزّق من جرّاء ذلك.

أما المسلمون الشيعة الإماميّة فإنهم يدركون أنّ هؤلاء لا يمثلون إلاّ أنفسهم ، ويرون أن واجبهم ـ أعني الشيعة ـ هو أن يحفظوا لهذا الدين قوته ، وللمجتمع الإسلامي وحدته ، فالشيعة هم «اُمّ الصبي» التي تريد أن تحفظ ولدها بكل وسيلة حتّى لو كلّفها ذلك حياتها ..

ولأجل ذلك كانوا وما زالوا يكتفون بالرد على هؤلاء العابثين بالدين وبوحدة المسلمين ، بالكلمة الطيبة وبمنطق العلم والحوار الموضوعي الهادئ الصريح ، والبنَّاء والصحيح ، فيدحضون شبهاتهم ، ويزيفون ادعاءاتهم بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة.

ولكن اُولئك سرعان ما يعودون لتكرار استعراضاتهم وانتفاخاتهم ، وعرض بضائعهم الطحلبية ذاتها ، ونسائجهم العنكبوتية نفسها من جديد.

ويعود أهل الحق والدين لفضح أباطيلهم وتزييف أضاليلهم ، على قاعدة :

٦

إن عادت العقربُ عدنا لها

وكانت النعلُ لها حاضره

ولا تزال هذه الدوامة تعصف بالكيان الإسلامي ، وتتكرر عاماً بعد عام ، منذ العهد الاُموي وحتّى يومنا هذا ، ونتوقع لها أن تستمر في المستقبل أيضاً.

غير أنّ ما يحسن لفت النظر إليه هو أنّ هؤلاء على يقين من أن الشيعة الإماميّة لهم نهج وقضية ، فهم لا يتعدون نهجهم ، ولا يفرطون بقضيتهم ، أي إنهم يعلمون أنّ الشيعة لو أرادوا نشر ما لدى هؤلاء الحاقدين من بدع وترّهات ، ومخازٍ وضلالات لضاقت على هؤلاء الجناة على الدين وأهله الأرضُ بما رحبت ، ولكنهم يعلمون حرص الشيعة على عدم المقابلة بالمثل إذا كانت سلبيات نشر هذه الفضائح سوف تطال الكيان الإسلامي كله ، وسوف تعصف براحته ، وستؤثر على وحدته.

ولأجل ذلك فهم يؤثرون ولا يزالون تحمّل هذا الأذى الكبير من هؤلاء ، انطلاقاً من منطق الإسلام في آياته المباركة (أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ) (١).

ولأجل ذلك فإننا نأمل أن لا يظن أهل السنّة أننا حين نرد على هؤلاء المتعوذين بالتسنن أننا نقصدهم أيضاً في خطابنا معهم ، لإدراكنا العميق المستند إلى العلم والمشاهدة أنّ أهل السنة لا يرضون بمنطق هؤلاء ، بل إنّ الكثيرين منهم قد تصدّوا لهم كما تصدينا ونتصدى ،

____________________

١ ـ الآية ٢٩ من سورة الفتح.

٧

وأدانوا منطقهم كما ندين. فنحن وإياهم في خندق واحد في رد التجني ، وفي التصدي لأهل الأهواء.

حفظ الله هذه الاُمّة من أخطارهم ، وصانها من شرورهم ، وهدانا جميعاً إلى التمسّك بحبل ولاية أهل البيت عليهم‌السلام ، والأخذ عنهم ، والقبول منهم ، استسلاماً وانقياداً لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، وإنهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض» ، أو نحو ذلك ... (١).

وبالمناسبة : فإنّ هناك من يوزّع منشوراً في مناسبات عاشوراء وسواها يتضمّن الكثير من التجني على الحق والتزوير للوقائع ، [وقد] طلب منّا بعض الإخوة النظر فيه وبيان زيف ما فيه من دعاوى وأباطيل ، فاستجبنا لطلبه ، وأجبناه بما هو ماثل الآن أمام عيني القارئ الكريم ، فنحن نذكر نص الرسالة والمنشور أوّلاً ، ثمّ نعقّب على ذلك بما سنحت لنا الفرصة بتسجيله. فإلى ما يلي من مطالب وفصول ، وعلى الله نتوكل ، ومنه نستمد العون والقوة ، إنه ولي قدير ، وبالإجابة حري وجدير ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

____________________

١ ـ كنز العمال ١ / ١٨٧ ، والمعجم الصغير للطبراني ١ / ١٣١ ـ ١٣٥ ، والمعجم الأوسط ٣ / ٢٧٤ و ٤ / ٣٣ ، والمعجم الكبير ٥ / ١٥٤ ـ ١٦٦ ، وكتاب السنة لعمرو بن أبي عاصم / ٦٣٠ ، ومسند أبي يعلى ٢ / ٣٠٣ ، وشرح النهج للمعتزلي ٦ / ٣٧٥.

٨

منشور الممهّدين للسفياني :

أرسل إلينا بعض الإخوة الرسالة التالية :

بسم الله الرحمن الرحيم

إنّ جمعية يعود دعمها إلى الحركة الوهابيّة ، وبعض الجمعيات المتعصبة في مصر تدَّعي أن من أنشطتها محاربة البدعة ، قد نشرت كتباً وكتيبات توزع مجاناً على الناس فيها الكثير من التجنّي على الشيعة.

ولقد وقع بيدي منشور كان يوزّع في العاشر من المحرم ، والآن هم يوزعون منه بمناسبة الأربعين لاستشهاد الإمام الحسين عليه‌السلام.

واسم هذا المنشور :

«البرهان الجلي في مقتل الحسين بن علي رضي‌الله‌عنهما»

قد رأيت أن أرسله لكم طباعة هنا على البريد الإلكتروني حتّى ترسلوا لي الرد بالطريقة التي ترونها مناسبة.

نص المنشور :

«بويع يزيد للخلافة سنة ستّين للهجرة ، وكان له من العمر أربع وثلاثون سنة ، ولم يبايع الحسين بن علي ولا عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم.

٩

ذكر ابن كثير عن عبد الله بن مطيع وأصحابه أنهم مشوا إلى محمّد بن الحنفيّة (محمد بن علي بن أبي طالب أخو الحسن والحسين) فراودوه على خلع يزيد فأبى عليهم ، قال ابن مطيع : إنّ يزيد يشرب الخمرة ويترك الصلاة. فقال محمّد بن الحنفيّة : لقد لزمت يزيد فوجدته متحرّياً للسنة ، غير تارك للصلاة.

وبلغ الخبر أهل العراق أن الحسين لم يبايع ليزيد ، فأرسلوا إليه الرسل والكتب أنّا قد بايعناك ولا نريد إلاّ أنت ، حتّى بلغت أكثر من خمسمئة كتاب كلها جاءت من الكوفة.

فأرسل الحسين رضي الله عنه ابن عمّه مسلم بن عقيل إلى الكوفة ليتقصّى الاُمور ويعرف حقيقة الأمر.

فلما وصل مسلم بن عقيل إلى الكوفة جاء الناس أرتالاً يبايعون مسلماً على بيعة الحسين رضي الله عنه ، فتمت البيعة عند أهل الكوفة للحسين.

فما كان من يزيد إلاّ أن أرسل عبيد الله بن زياد إلى الكوفة ليمنع مسألة الحسين ، أن يأخذ الكوفة لكي لا تعود الاُمور كما كانت قبل عام الجماعة فيرجع القتال بين أهل العراق وأهل الشام ، ولم يأمر عبيد الله بن زياد بقتل الحسين.

وبعد أن استقرت الأحوال وبايع الناس لمسلم بن عقيل أرسل إلى الحسين رضي الله عنه أن أقدم وأنّ الجو قد تهيأ.

فخرج الحسين رضي الله عنه من مكة في يوم التروية قاصداً الكوفة.

فلمّا علم عبيد الله بن زياد بذلك أمر بقتل مسلم بن عقيل ، فما كان

١٠

من الأخير إلاّ أن خرج مع أربعة آلاف من أهل الكوفة وحاصر قصر ابن زياد ، إلاّ أن أهل الكوفة ما زالوا يتخاذلون عن مسلم بن عقيل حتّى بقي معه ثلاثون رجلاً من أربعة آلاف ، فقُتل (رحمه الله) يوم عرفة.

وكان الحسين رضي الله عنه قد خرج قاصداً العراق يوم التروية ، وكان كثير من الصحابة نهوا الحسين عن الخروج ، منهم : أبو سعيد الخدري ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ، وكذلك أخوه محمّد بن الحنفيّة ، وابن الزبير ، وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم.

قال الشعبي : كان ابن عمر بمكّة ، فلمّا علم أنه توجّه إلى العراق لحق به إلى العراق على مسيرة ثلاثة أميال ، فقال : أين تريد؟

فقال : «العراق». وأخرج له الكتب التي اُرسلت له من العراق ، وأنهم معه.

فقال له : «هذه كتبهم وبيعتهم».

فقال ابن عمر : لا تأتيهم ، فأبى الحسين إلاّ أن يذهب.

فقال ابن عمر : إني محدّثك حديثاً : إنّ جبريل أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فخيّره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ولن يريد الدنيا ، وأنك بضعة منه. والله ، لا يليها أحد منكم أبداً ، ولا صرفها الله عنكم إلاّ للذي هو خير لكم. أبى أن يرجع ، فاعتنقه ابن عمر فبكى ، وقال : استودعك الله من قتيل.

وكلّمه أبو سعيد الخدري ، قال : يا أبا عبد الله ، إنّي ناصح لك ، وإني عليكم مشفق ، وقد بلغنا أنّ قوماً من شيعتكم قد كاتبوكم من الكوفة ، فلا تخرج إليهم فإني سمعت أباك يقول :

١١

«والله إني مللتهم وأبغضتهم ، وملّوني وأبغضوني».

ولمّا علم عبيد الله بن زياد بقرب وصول الحسين أمر الحر بن يزيد التميمي أن يخرج بألف رجل ليلقى الحسين في الطريق ، فلقيه قريباً من القادسية ، وأخبره بخبر مسلم بن عقيل ، وأن أهل الكوفة قد خدعوك وخذلوك ، فهمّ الحسين رضي الله عنه أن يرجع ، فتكلّم أبناء مسلم بن عقيل ، قالوا : لا والله لن نرجع حتّى نأخذ بثأر أبينا. عند ذلك رفض الحسين رضي الله عنه الرجوع.

وأراد أن يتقدّم فجاء الحر بن يزيد فسايره ، وقال : إلى أين تذهب يا بن بنت رسول الله؟

قال : «إلى العراق».

قال : ارجع من حيث أتيت ، أو اذهب إلى الشام حيث يزيد بن معاوية ، ولكن لا ترجع إلى الكوفة.

فأبى الحسين ، ثم سار إلى العراق والحر بن يزيد يمنعه ، فقال الحسين : «ابتعد عنّي ثكلتك اُمّك». فقال الحر بن يزيد : والله ، لو غيرك قالها من العرب لاقتصصت منه ، ولكن ماذا أقول واُمّك سيدة نساء العرب!

فعند ذلك امتنع الحسين عن الذهاب.

ثمّ جاءت مؤخرة الجيش ، وكان مقدارها أربعة آلاف بقيادة عمر بن سعد بن أبي وقاص ، وواجهوا الحسين في مكان يقال له : كربلاء.

ولمّا رأى الحسين رضي الله عنه أن الأمر جدّ قال لعمر بن سعد : إنّي اُخيّرك بين ثلاث فاختر منها ما تشاء. قال : ما هي؟

١٢

قال الحسين : أن تدعني أرجع ، أو تتركني إلى ثغر من ثغور المسلمين ، أو تتركني أذهب إلى يزيد.

وأرسل عمر بن سعد إلى عبيد الله بن زياد بالخبر ، فرضي عبيد الله بأي واحدة يختارها الحسين ، وكان عند عبيد الله بن زياد رجل يقال له : شمر بن ذي الجوشن ، قال : لا حتّى ينزل على حكمك. فقال ابن زياد : نعم حتّى ينزل على حكمي بأن يأتي إلى الكوفة وأنا اُسيّره إلى الشام أو إلى الثغور أو اُرجعه إلى المدينة. وأرسل عبيد الله شمر بن ذي الجوشن إلى الحسين ، إلاّ أنّ الحسين أبى أن ينزل على حكم ابن زياد.

فتوافق الفريقان ، وكان مع الحسين اثنان وسبعون فارساً ، قال الحسين لجيش بن زياد : راجعوا أنفسكم وحاسبوها ، هل ينفعكم مثل هذا القتال وأنا ابن بنت نبيكم وليس على وجه الأرض ابن بنت نبي غيري؟

وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لي ولأخي : «سيدا شباب أهل الجنة».

فانضمّ الحر بن يزيد إلى الحسين ، فقيل له : كيف جئت معنا أمير المقدّمة والآن تذهب إلى الحسين؟!

قال : ويحكم! والله إني اُخيّر نفسي بين الجنّة والنار ، والله لأختار الجنة على النار [حتّى] لو قُطّعت واُحرقت.

وبات الحسين تلك الليلة يصلّي ويدعو الله ويستغفر هو ومَن معه ، وكان جيش ابن زياد بقيادة الشمر بن ذي الجوشن يحاصره ومَن معه ، فلمّا أصبح الصبح شبّ القتال بين الفريقين ، وذلك لأن الحسين رفض

١٣

أن يستأثر عبيد الله بن زياد.

ولمّا رأى الحسين بأنه لا طاقة لهم بمقاتلة هذا الجيش ، أصبح همهم الوحيد الموت بين يدي الحسين رضي الله عنه ، فأصبحوا يموتون الواحد تلو الآخر حتّى فنوا جميعاً ، لم يبقَ منهم أحد إلاّ الحسين بن علي رضي‌الله‌عنهما، وبقي بعد ذلك نهاراً طويلاً لا يقدم عليه أحد حتّى يرجع ، لأنه لا يريد أن يبتلي بالحسين. فعند ذلك صاح الشمر بن ذي الجوشن : ويحكم! ما حلّ بكم؟! أقدموا نحو الحسين فاقتلوه. كان ذلك في العاشر من محرم سنة ٦١ هجرية ، والذي باشر قتله أنس بن سنان النخعي ، وقيل : إنّه الشمر بن ذي الجوشن.

قُتل مع الحسين كثير من أهل بيته ، وممّن قُتل من أولاد علي بن أبي طالب الحسينُ وجعفرُ بن علي ، والعباس وأبو بكر ، وعثمان ومحمّد ، ثمانية عشر رجلاً كلهم من آل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ولمّا بلغ يزيد قتلُ الحسين ظهر التوجع عليه ، وظهر البكاء في داره ، ولم يسبِ لهم حريماً أصلاً ، بل أكرم أهل البيت وأجازهم حتّى ردّهم إلى ديارهم.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : لم يكن في خروج الحسين لا مصلحة دين ولا مصلحة دنيا ، أي أن خروجه ما كان سليماً ، لذلك نهاه كبار الصحابة عن ذلك. يقول : بل يمكّن اُولئك الطغاة من سبط النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم يكن ليحصل لو بقي في بلده ، ولكنه أمرٌ من الله تعالى ، وقدر الله كان ولو لم يشأ الناس.

١٤

وطبعاً مقتل الحسين ليس هو بأعظم من قتل الأنبياء ، وقد قُدّم رأس يحيى بن زكريا عليهما‌السلام لبغي ، ونُشر زكريا ، وأرادوا قتل موسى عليه‌السلام ، وعيسى عليه‌السلام ، وكذلك قتل عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين ، وهؤلاء كلّهم أفضل من الحسين ، ولذلك لا يجوز إذا جاء ذكرى الحسين اللطم والشطم وما شابه ذلك ، بل هذا منهي عنه ، فقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ليس منّا مَن لطم الخدود وشقّ الجيوب». والواجب على الإنسان المسلم أمثال هذه المصائب أن يقول كما قال تعالى : (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ).

اللهمّ ارحم شهداء آل البيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسائر شهداء وموتى المسلمين ، واحفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن ، واجمعنا على كتابك المنزل ، وعلى سنة نبيك المرسل (صلى‌الله‌عليه‌وآله وصحبه وسلم).

انتهى نص الكتيب.

هذا النص أضعه بين يديكم الكريمة ، وبإذن الله ترون كيف تردون عليهم ولكم الأجر والثواب.

١٥
١٦

الجواب

توطئة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين ، والصلاة والسّلام على محمّد وآله الطاهرين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد

فإنّ هذا المنشور الذي أرسلتموه إلينا ، وقلتم : إنّهم يوزّعونه عن الإمام الحسينعليه‌السلاموعاشوراء ، ليس بذي قيمة علمية ، بل هو يسعى لعرض أخطر قضية حدثت في الإسلام بصورة مزاجية ، تهدف إلى تبرير موقف يزيد (لعنه الله) ، والإيحاء بإدانة الإمام الحسين عليه‌السلام مع حفظ ماء الوجه بإظهار الترضّي على الإمام الحسين عليه‌السلام على طريقة ذر الرماد بالعيون.

ولأجل ذلك ، فإننا لا نرى أنه يستحق الردّ أو المناقشة ، غير أننا نشير هنا إلى نقاط يسيرة نكتفي بها عن الكثير الذي كان من المفترض بالكاتب لو كان منصفاً أن لا يتجاهله ، فكيف وهو قد عرض أخطر

١٧

قضية بصورة متناقضة تماماً مع سائر الحقائق التي سجّلها لنا التاريخ!

وسوف نقتصر في بحثنا المقتضب هذا على أقل القليل من الشواهد ومن المصادر على حد سواء.

ونعتبر هذا الذي نذكره هنا بمثابة إطلالة سريعة تهدف إلى مجرّد الإشارة إلى مدى تجنّي الممهّدين للسفياني على الحقيقة وعلى أهلها.

فإلى ما يلي من فصول ومطالب :

١٨

القسم الأول :

يزيد (لعنه الله)

هو الباغي بجميع المعايير

١٩
٢٠