مشاهير المدفونين في الصحن العلوي الشريف

كاظم عبود الفتلاوي

مشاهير المدفونين في الصحن العلوي الشريف

المؤلف:

كاظم عبود الفتلاوي


الموضوع : التراجم
الناشر: منشورات الإجتهاد
الطبعة: ١
ISBN: 964-95037-5-7
الصفحات: ٤٢٤

١
٢

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة :

بعد سقوط النظام البعثي في العراق ، سعي مركز الأبحاث العقائديّة ـ الذي اُنشئ بمباركة وتأييد سماحة المرجع الديني الأعلى زعيم الحوزة العلمية آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظلّه الوارف ـ إلى إعادة الروح في مكتبات العتبات المقدّسة في العراق ، والتي قضى عليها وأبادها النظام الجائر البعثي.

فكان أوّلها مكتبة الروضة الحيدرية في النجف الأشرف ، إذ قام المركز بتجهيز هذه المكتبة بكلّ ما تحتاج إليه من : كتب ، وأجهزة كومبيوتر ، ومقاعد ، ومناضد ، وقفصات لحفظ الكتب ، وسجّاد ، وغيرها.

وقد انتدب المركز لإدارة هذه المكتبة أحد أعضائه النشطين الشاب المهذّب سماحة السيّد هاشم الميلاني ، فعمل على تطويرها ، وتحمّل في سبيل ذلك المصاعب الجمّة ، إذ قام بتهيئة الكثير من الكتب من داخل العراق وخارجه ، كما قام ـ وبالتعاون مع المركز ـ بطبع عدّة كتب باسم مكتبة الروضة الحيدرية ، منها هذا الكتاب الذي بين أيدينا ، الذي نقدّم له مقدّمة مختصرة جداً عن المؤلّف وكتابه.

المؤلّف : شاءت إرادة الله عزّ وجلّ لشابٍ يافعٍ ، لم يُكمل دراسته الابتدائيّة ، اضطرّته صعوبة الحياة لترك الدراسة والعمل مع والده لتهيئة مستلزمات الحياة الأوليّة والبسيطة لعائلته ، فعمل بالطين في صغره ، وصبغ الدور في يفاعته ، وتقديم الشاي للزبائن في شبابه.

٣

شاءت إرادة الله له وليمينه التي تكدّ في سبيل لقمة العيش ، أن توفّقه لينهل من علوم آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مدينة باب علمه النجف الأشرف ، ثمّ يقوم بنشر ما أجادت به يراعه المباركة من العلوم الإسلامية ، وهكذا دائماً هو شأن الرجال العاصميين الذين يبرزون من بين الغمار.

إنه الأُستاذ كاظم بن عبود الفتلاوي ، الذي ولد في مدينة النجف الأشرف في السابع والعشرين من جمادي الآخرة سنة ٣٨٠ هـ = ١٩٦٠ م.

كان يعمل في الصباح مع والده وعصراً يراود أندية العلم في النجف الأشرف وينتهل من ينابيعها الصافية ، حتى تخصّص بالتأريخ وما يتعلّق به من فنون التراجم والرجال والفهرسة ، وكتب عدة كتب طُبع منها :

المنتخب من أعلام الفكر والأدب ، ومستدرك شعراء الغري ، والكشّاف المنتفي لفضائل على المرتضى ، ومشاهير المدفونين في الصحن الحيدري الشريف ـ وهو هذا الكتاب الذي بين أيدينا ـ وتحقيق الإجازة الكبيرة للعلّامة الحلّي.

وله عدة مؤلّفات مخطوطة ، ومراسلات شعريّة رائعة مع بعض الشعراء المعاصرين كالشاعر التركي المعروف نجم الدين داود ، والشاعر السيّد محمّد رضا جعفر الحكيم.

وقد أجازه بالرواية عدد من أساتذته وأعلام عصره ، يقول الاُستاذ عبد الحسين محبوبة في مقالٍ له في ترجمة الفتلاوي ، طبع آخر كتابه مستدرك شعراء الغري ـ والذي اقتبسنا هذه الترجمة منه : «ولأمانته ودّقته وتفانيه في إظهار الحقيقة انهمر عليه وابل الإجازات حتّى زادت على الخمس عشرة إجازة من خيرة الأعلام والفضلاء».

ومن الذين أجازوه الاُستاذ الشاعر العلامة السيد عبد الستّار الحسني ، أجازه

٤

في الرابع عشر من المحرّم سنة ١٤١٥ هـ قائلاً في حقّه : «باحث محقّق ، أديب بارع ، مؤرّخ ثبت ... ألفيته في هذا الباب بحراً خضماً لا يساجل ، وطوداً أشماً لا يطاول ، وقد رأيت أن أتشرّف بايصال سنده بسندي المتصل بأهل بيت الوحي عليهم‌السلام».

وأجازه السيّد محمّد حسن الطالقاني في التاسع والعشرين من ربيع الآخر سنة ١٤١٦ هـ قائلاً : «فإنّ ما يسعدني للغاية أن أرى الخلف يقتفي أثر السلف في الحرص ... فأجزته إجازة عامّة».

وقال عنه الأُستاذ حميد المطبعي : «نسّابة شهير في الفرات الأوسط بحّاثه في التراجم ، اُجيز بالرواية على عدد من علماء النجف ومؤرّخين في الأنساب» (١)

هذا الكتاب : اكتسبت أرض النجف الأشرف قدسيّة خاصّة بعد دفن المولى أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه‌السلام فيها سنة ٤٠ هـ وبدأ الناس بالهجرة إليها والشروع بإعمارها وتوسعتها عند نزول الشيخ الطوسي فيها سنة ٤٤٨ هـ.

وقد خصّ الله سبحانه وتعالى هذه الأرض المباركة بميّزات لم تشاركها غيرها فيها ، فهي «قطعة من طور سيناء» وهي «الجبل الذي كلّم الله عليه موسى تكليما» كما ورد عن الإمام الصادق عليه‌السلام.

وخاطبها الإمام علي عليه‌السلام قائلاً : «ما أحسن منظرك وأطيب قعرك ، اللهمّ اجعل قبري بها».

لذلك يرغب المؤمنون بأن يكون مثواهم الأخير فيها بالقرب من حامي الحمي ، فقد دُفن كثير من المؤمنين في وادي السلام عموماً وفي الصحن الحيدري

____________________

١ ـ موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين ٣ : ٢٠٣.

٥

خصوصاً ، وفيهم الجمّ الغفير من العلماء والفضلاء والشعراء وعموم الناس ، إلى أن منعت الحكومة العراقية الدفن في الصحن وحُجره سنة ١٤٠٤ هـ.

وجاء الأُستاذ المحقّق كاظم الفتلاوي وجمع في كتابه هذا باقة عطرة من تراجم العلماء والفضلاء والأدباء والشعراء المدفونين في الصحن الحيدري الشريف ، فبلغ ما جمعه خمسمائة وأربع عشرة ترجمة. وهذا لا يمثّل العدد الواقعي للمدفونين في هذا الصحن ، فلم يذكر السلاطين والوزراء والأعيان ، بل لم يذكر كلّ العلماء والفضلاء أيضاً لصعوبة الوقوف عليهم جميعاً بعد أن قامت السلطات بمحو آثار قبورهم.

وأخيراً فإنّنا نتمنّى للمؤلّف الموفقيّة التامة في حياته العلمية ، وهو يعيش بجوار باب علم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والحمد لله ربّ العالمين.

محمد الحسّون ـ ١٧ جمادي الآخرة ١٤٢٧ هـ

muhammad@aqaed.com _ site.aqaed.com/mohammad

٦

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة المؤلّف :

للنجف مكانة خاصة في قلوب المسلمين لأهميتها المتمثلة بوجود مرقد الإمام أميرالمؤمنين عليه‌السلام فيها ، لذا تهفو إليها القلوب ويقصدها الزائرون من كلّ البلدان الإسلامية لحصول التكريم والتشريف من ربّ العالمين.

وهي أرض الأنبياء والأولياء والقديسين ، اتخذها إبراهيم الخليل عليه‌السلام مسكناً له واشتراها من أربابها (١).

ثمّ اشتراها أميرالمؤمنين عليه‌السلام من أهلها بأربعين ألف درهم ، وأشهد على ذلك شهوداً (٢).

توفي أميرالمؤمنين عليه‌السلام شهيداً بالكوفة ليلة الجمعة ٢١ شهر رمضان سنة ٤٠ هـ ، فحمله ولداه الحسن والحسين عليهما‌السلام إلى ظهر الكوفة سراً ، حيث مرقده الشريف الآن بين ربوات ـ تلال ـ ثلاث ، وأُخفي قبره (٣).

كان الدافع لإخفاء قبره الشريف ـ بوصية منه ـ ما كان يعلمه من أمر أعدائه من الخوارج والأمويين ، وما يضمرون له من حقد وضغينة (٤).

____________________

١ ـ معجم البلدان ١ / ٣٣١.

٢ ـ فرحة الغري ٥٨.

٣ ـ مقاتل الطالبيين ٤٢ ، إعلام الورى ١٥٤ ، فرحة الغري ٦٧ ، إرشاد القلوب ٢ / ٢٣٣.

٤ ـ فرحة الغري ٤٣ ، إرشاد القلوب ٢ / ٢٣٧ ، عمدة الطالب ٤٧.

٧

فكانت هذه الخطوة إحدى الخطوات الغيبية له ، وبها حفظ قبره وسلم من عبث العابثين.

وكان أولاده وأحفاده وشيعته يتعاهدون القبر الشريف بالزيارة والصلاة عنده سراً ، إلى عهد (هارون الرشيد) واظهار القبر.

كان اظهاره بمثابة ضوء أخضر إذ توافدت الشيعة زرافات ووحداناً لتقبيل تلك الأعتاب الطاهرة ، ونقلت جنائز محبيه لدفنها في تلك الأرض.

واتسع الأمر إلى أن صار هناك خدم ومجاورون وكلّ أصناف الناس ، واكتملت مدينة وصار لها شأن كبير.

واتسعت أكثر لمّا نزلها الشيخ الطوسي محمّد بن الحسن سنة ٤٤٨ هـ مع جمع من تلامذته ومريديه ، وأصبحت مدرسة فاقت أخواتها في الحواضر الإسلامية ، واستمر بها العمران والعلم إلى اليوم (١).

أسماؤها :

للنجف أسماء كثيرة عدّدها من كتب عنها ، إلاّ أنّ المشهور منها ثلاثة أسماء هي :

١ ـ النجف :

فعن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : إنّ النجف كان جبلا وهو الّذي قال ابن نوح : (سَآوِي إلَى جَبَل يَعْصِمُنِي مِنَ المَاءِ) (٢) ، ولم يكن على وجه الأرض جبل أعظم منه ، فأوحى الله عزّ وجلّ إليه : يا جبل أيعتصم بك منّي ، فتقطع قطعاً قطعاً إلى بلاد الشام وصار رملا دقيقاً ، وصار بعد ذلك بحراً عظيماً ، وكان يسمّى ذلك البحر بحر (ني) ،

____________________

١ ـ اُنظر مقال للمؤلّف بعنوان (قراءة ... في أدوار النجف العلمية) نشر في مجلة (ينابيع) العدد صفر سنة ١٤٢٤ هـ.

٢ ـ هود : ٤٣.

٨

ثمّ جف وصار بعد ذلك فقيل : (ني جف) فسمّي بنجف ، ثمّ صار الناس بعد ذلك يسمّونه (نجف) لأ نّه كان أخف على ألسنتهم (١).

قال الفيروزآبادي : النجف محرّكة والنجفة مكان لا يعلوه الماء مستطيل منقاد ... مسناة بظاهر الكوفة تمنع السيل أن يعلو مقابرها ومنازلها (٢).

وقال ياقوت : والنجف قشور الصليان ، وبالقرب من هذا الموضع قبر أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه (٣).

٢ ـ الغري :

الغري نصب كان يذبح عليه العتاير ، والغريان طربالان وهما بناءان كالصومعتين بظاهر الكوفة قرب قبر عليّ بن أبي طالب (٤) ، زعموا أنّهما بناهما بعض ملوك الحيرة (٥).

٣ ـ مشهد عليّ :

والمشهد محضر الناس ومنه المشهدان (٦) : النجف وكربلاء.

وحيث أنّ مراقد الأئمّة عليهم‌السلام كلّها مشاهد إلاّ أنّ المشهور منها (مشهد عليّ) ، وهذا الاسم غلب على المدينة مدّة طويلة وإلى الوقت الحاضر ، فإنّي كنت أسمع من الشيوخ والعجائز أنّه (ذاهب للمشهد) ويقصدون به مشهد أميرالمؤمنين عليه‌السلام.

____________________

١ ـ علل الشرايع ٣١.

٢ ـ تاج العروس ٦ / ٢٥٠ ـ ٢٥١.

٣ ـ معجم البلدان ٥ / ٢٧١.

٤ ـ معجم البلدان ٤ / ١٩٦.

٥ ـ تاج العروس ١٠ / ٢٦٤.

٦ ـ مجمع البحرين ٣ / ٨٢.

٩

فضل النجف :

روي عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : أربع بقع ضجت إلى الله تعالى أيّام الطوفان : البيت المعمور فرفعه الله ، والغري ، وكربلاء ، وطوس (١).

وعنه عليه‌السلام قال : الغري قطعة من طور سيناء ، وإنّه الجبل الّذي كلم الله عليه موسى تكليماً ، وقدّس عليه عيسى تقديساً ، واتخذ عليه إبراهيم خليلا ، واتخذ محمّداً حبيباً ، وجعله للنبيين مسكناً (٢).

وعنه عليه‌السلام قال : نحن نقول بظهر الكوفة قبر ما يلوذ به ذو عاهة إلاّ شافاه الله (٣).

فضل المجاورة والدفن :

وعقيدة الشيعة في السكن أو المبيت أو في نقل جنائزهم جوار مراقد الأئمّة عليهم‌السلام وبالخصوص مرقد أميرالمؤمنين عليه‌السلام ; لما ورد في النصوص المأثورة الّتي تحفز على المجاورة ، فمنها :

أنّ أميرالمؤمنين عليه‌السلام نظر إلى ظهر الكوفة فقال : ما أحسن منظرك ، وأطيب قعرك ، اللّهمّ اجعل قبري بها (٤).

وعن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : ما من مؤمن يموت في شرق الأرض وغربها إلاّ وحشر الله جلّ وعلا روحه إلى وادي السلام.

قيل : وأين وادي السلام؟

قال : بين وادي النجف والكوفة ، كأ نّي بهم حلق كثير قعود يتحدّثون على منابر من نور (٥).

____________________

١ ـ فرحة الغري ٩٩.

٢ ـ إرشاد القلوب ٢ / ٢٣٧ وفيه عن ابن عباس ، ماضي النجف ١ / ١٢.

٣ ـ فرحة الغري ١١٧.

٤ ـ فرحة الغري ٦١ ، إرشاد القلوب ٢ / ٢٣٨.

٥ ـ إرشاد القلوب ٢ / ٢٣٩.

١٠

وهذه المجاورة الكريمة المسقطة لحساب منكر ونكير بحسب الأخبار (١) عناها الشاعر بقوله :

بقبرك لذنا والقبور كثيرة

ولكن من يحمي الجوار قليل

وأوصى آخر حيث قال :

إذا مت فادفني مجاور حيدر

أبا شبر أعني به وشبير

فتى لا يذوق النار من كان جاره

ولا يختشي من منكر ونكير

وعار على حامي الحمى وهوفي الحمى

إذا ضل في البيدا عقال بعير

عمارات المرقد الشريف :

طرأت على المرقد الشريف عدّة عمارات من قبل الملوك والسلاطين وغيرهم تيمناً وتبركاً به ، أُوجزها للقاري الكريم.

(العمارة الاُولى)

بعد ظهور القبر الشريف على يد (هارون الرشيد) نحو سنة ١٧٠ هـ ، بنى على القبر قبة ، وجعل لها أربعة أبواب من طين أحمر ، وطرح على رأسها جرة خضراء ، وبني الضريح المطهر بحجارة بيض (٢).

(العمارة الثانية)

قامت بمساعي المجاهد الشريف (محمّد بن زيد الداعي الحسني) بعدما خرّب العمارة الاُولى (المتوكّل العبّاسي) ـ مثلما فعل بعمارة الحسين عليه‌السلام ـ سنة ٢٣٦ هـ.

____________________

١ ـ إرشاد القلوب ٢ / ٢٣٨.

٢ ـ رحة الغري ١٤٥ ، عمدة الطالب ٤٧ ، إرشاد القلوب ٢ / ٢٣٤ ، نزهة أهل الحرمين ٤٥ و ٥٣.

١١

فإنّه بنى على القبر الشريف قبة وحصناً ـ سوراً ـ فيه سبعون طاقاً ـ إيواناً ـ (١).

وبعدها بقليل قام (أبو الهيجاء عبدالله بن حمدان) ببناء حصار ـ سور ـ ، وقبة عظيمة على القبر رفيعة الأركان من كلّ جانب لها أبواب ، وسترها بفاخر الستور وفرشها بثمين الحصر الساماني (٢).

(العمارة الثالثة)

وهي من أجمل العمارات وأحسن ما وصل إليه فن الهندسة في ذلك العصر.

قام ببنائها (عضد الدولة البويهي ت ٣٧٢ هـ) سنة ٣٦٧ هـ ، فقد بذل عليها الأموال الكثيرة ، وجلب لها أمهر الفعلة والمهندسين مدّة سنة كاملة ، وكان يشرف على البناء بنفسه ، حتّى أتم العمل بها ، ووزّع الأموال الطائلة على سكان النجف (٣).

وقد طرأت على هذه العمارة اصلاحات كثيرة وتحسينات من قبل البويهيين أنفسهم ، ووزرائهم ، والحمدانيين ، ومن بني جنكيزخان وغيرهم حتّى وصلت إلى ذلك الشكل والأثاث والزينة الّتي رآها (ابن بطوطة).

فقد وصفها وصفاً دقيقاً ، وذكر ما فيها من فن رفيع ، وما حوته من ثمين الفرش والمعلقات ، وما يصنعه السدنة وقوام المشهد مع الزائرين في (رحلته) (٤).

(العمارة الرابعة)

وهي الّتي حدثت في سنة ٧٦٠ هـ بعد احتراق العمارة الثالثة ، فقد جددت من قبل عدة من المحسنين ولم ينسب بناؤها إلى أحد.

ويعتقد الشيخ جعفر محبوبه أنّ هذه العمارة أقامها الأيلخانيون ، ثمّ أصلحها

____________________

١ ـ فرحة الغري ١٥١ ، نزهة أهل الحرمين ٥٣.

٢ ـ صورة الأرض ٢١٥.

٣ ـ فرحة الغري ١٥١ و ١٥٥ ، عمدة الطالب ٤٨ ، إرشاد القلوب ٢ / ٢٣٤ ، نزهة أهل الحرمين ٥٣.

٤ ـ رحلة ابن بطوطة ١ / ١٠٩.

١٢

بعدما تضعضعت الشاه (عباس الأوّل) فإنّه عمّر الروضة المطهرة والقبة والصحن (١).

(العمارة الخامسة)

عمارة الشاه (صفي) حفيد الشاه (عباس الأوّل) أحد السلاطين الصفوية وهي العمارة الحاضرة.

فإنّه أمر أنّ يوسّع الصحن الشريف ـ بعدما كان ضيقاً ـ ، ومن ثمّ الحرم المطهر.

وكان المتصدي لهذه المهمّة وزيره (ميرزا تقي المازندراني) ، فأقام في هذا العمل ثلاث سنين مع جميع الفعلة والمهندسين حتّى أتمها.

وكان الابتداء بها سنة ١٠٤٧ هـ إلى وفاة الشاه (صفي) سنة ١٠٥٢ هـ ، فأتمها ولده الشاه (عباس الثاني) (٢).

وهي من أجمل العمارات الإسلامية مع فخامة وهندسة وريازة وفن بديع ، بقبة تطاول السماء ، ومنارتين كأ نّهما عمودا نور.

لم تزل العمارة المذكورة مرصعة بالحجر القاشاني حتّى زمن السلطان (نادر شاه) سنة ١١٥٦ هـ.

فإنّه لمّا ورد النجف زائراً أمر بقلع الحجر القاشاني عن القبة والإيوان والمأذنتين وتذهيبها ، وصرف على ذلك أموالا طائلة (٣).

الصحن الشريف :

يقوم الصحن الشريف على طبقتين ، في كلّ طبقة من الأواوين والغرف مثل ما في الطبقة الثانية ، وكلّ إيوان منها يحتوي على حجرة أو حجرتين.

وهو مستطيل الشكل يبلغ ارتفاعه ١٧ متراً ، أمّا أبعاده فهي :

____________________

١ ـ نزهة أهل الحرمين ٥٧ ، ماضي النجف ١ / ٤٧.

٢ ـ نزهة أهل الحرمين ٥٧.

٣ ـ ماضي النجف ١ / ٦٤.

١٣

من الجنوب إلى الشمال ٧٧ متراً.

من الشرق إلى الغرب ٧٢ متراً.

وله خمسة أبواب :

١ ـ الباب الكبير ، من جهة الشرق.

٢ ـ باب مسلم بن عقيل ، من جهة الشرق.

٣ ـ باب القبلة ، من جهة الجنوب.

٤ ـ باب الفرج أو السلطاني ، من جهة الغرب.

٥ ـ باب الطوسي ، من جهة الشمال.

الدفن في الصحن الشريف :

تحدثنا سابقاً في (فضل المجاورة والدفن) عن عقيدة الشيعة في نقل موتاهم إلى جوار أميرالمؤمنين عليه‌السلام ، سواء داخل الصحن الشريف أم خارجه.

وتعد مقبرة (وادي السلام) من أوسع مقابر العالم إذ ينقل إليها ما معدله (١٠٠) جنازة يومياً (١) من مختلف مدن العراق والعالم.

وللصحن الشريف نصيب من هذا النقل ، فقد امتلأت حجره وأرضه والحرم المطهر بآلاف الموتى من أوّل تأسيسه إلى سنة ١٤٠٤ هـ ـ ١٩٨٤ م حيث منعت الحكومة المبادة الدفن فيه إلاّ لبعض الأفراد المخصوصين الّذين لا يتجاوزون العشرة.

وطمست آثار المقابر ، وقلعت الصخور الدالة على الاشخاص ، ورفعت الصور المعلقة.

وبهذا العمل الخبيث ضاع علينا كثير من الشواخص والآثار النفيسة.

____________________

١ ـ بحسب إحصائية من (مكتب استعلامات الدفن في النجف) بتاريخ ٢٧ / ٤ / ٢٠٠٦.

١٤

ملحوظة :

أشار كثير من المؤرّخين أمثال (المنذري) (١) و (ابن الفوطي) (٢) إلى عدد من وفيات العلماء وغيرهم ونصوا على نقلهم إلى (مشهد عليّ).

وبديهي أنّ المقصود من ذلك هو المدينة لا غير لما عرفت من اسمها ، ولا دليل على دفنهم في الصحن الشريف أو خارجه ، فلذا أهملت ذكرهم والمسألة تحتاج إلى مزيد من التحقيق.

وأشار ـ أيضاً ـ (ابن حوقل) بقوله : وقد دفن في هذا المكان المذكور ـ يعني الصحن الشريف ـ جلة أولاده ـ يعني أبا الهيجا المذكور سابقاً ـ وسادات آل أبي طالب من خارج هذه القبة ، وجعلت الناحية ممّا دون الحصار الكبير ـ السور ـ ترباً ـ مراقد ـ لآل أبي طالب (٣).

ولم أتوصل لمعرفة السادات المذكورين مع الأسف.

هذا وقد عملت جاهداً في أن أُعرّف بأعلام من دفن في الصحن الشريف من علماء وفضلاء الحوزة العلمية وأُدباء وشعراء وخطباء وصحفيين وكتّاب ، وتعيين قبر كلّ واحد منهم من خلال مصادر تراجمهم أو بإخبار من يخصهم من الأولاد والأحفاد والأقارب وغيرهم.

ولم أذكر من دفن فيه من السلاطين والوزراء والاُمراء والأعيان ، وسيكون عملا آخر إن شاء الله.

كما وضعت (خريطة) للصحن الشريف ، حتّى يتوصل القاري الكريم إلى موقع الحجرة أو المكان المذكور في ترجمة العَلَم بسهولة.

وقد سعى معي في هذا العمل ودلّني على أكثر القبور كلٌّ من :

____________________

١ ـ في (التكملة لوفيات النقلة) رقم ٣٠٩ ، ٩٢٥ ، ١٢٩٤ ، ١٤٠١ ، ١٦٦٥ ، ١٨٧٦ ، ٢٢٤٣ ، ٢٧٨٥ ، ٢٨٣٢ ، ٢٨٩٤.

٢ ـ في (مجمع الآداب) رقم ١٠٥ ، ١٤٩ ، ٧٦٥ ، ٨٢١ ، ١٢١٨ ، ١٢٩٢ ، ٢٠٥١ ، ٢٣٥٦ ، ٢٨٢٥ ، ٣٢٨٤ ، ٣٤٧٨ ، ٣٥٦٣ ، ٤١١٠ ، ٤٣٥٢ ، ٤٤٦٤ ، ٥٢٠٨.

٣ ـ صورة الأرض ٢١٥.

١٥

١ ـ العالم الكبير والمحقق الثقة السيّد محمّد مهدي الموسوي الخرسان.

٢ ـ العلاّمة الخطيب السيّد مهدي الحسيني الشيرازي.

فقد راجعتهما واستفدت منهما لخبرتهما بأحوال النجف ، فلهما منّي جزيل الشكر والامتنان.

كما أشكر مساعي (مكتبة الروضة الحيدرية) المتمثلة بمديرها سماحة السيّد هاشم الميلاني ، والّذي أشار عليَّ بتأليف الكتاب ليكون مرجعاً مهماً لمن دفن في الصحن الشريف ، ومن ثمّ طباعته على نفقة المكتبة ، كما أشكر السيّد عبدالرسول حسن الحلو لجهوده في تنضيد واخراج الكتاب.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

كاظم عبود الفتلاوي

النجف الأشرف

١٦

١٧
١٨

١ ـ آدم عليه‌السلام (١)

نبيّ الله أبو البشر

خلقه الله سبحانه وتعالى من طين ، ثمّ أسكنه الجنّة وزوّجه من حواء عليها‌السلام ، وعلّمه الأسماء كلّها ، وأسجد له ملائكته إكراماً له.

فلمّا أكل من الشجرة أهبطه الله تعالى إلى الأرض ، وصار فيها حجته وخليفته ، وعمّر عمراً طويلا في طاعة الله سلام الله عليه.

وتروى عن حياته قصص كثيرة تعرض لها من كتب عن قصص الأنبياء ، وهناك مؤلّفات مفردة عنه.

قال الإمام الصادق عليه‌السلام : إنّ الله تبارك وتعالى أوحى إلى نوح عليه‌السلام وهو في السفينة أن يطوف بالبيت أُسبوعاً ، فطاف أُسبوعاً ثمّ نزل في الماء إلى ركبتيه ، فاستخرج تابوتاً فيه عظام آدم عليه‌السلام ، فحمل التابوت في جوف السفينة حتى طاف البيت ما شاء الله أن يطوف ، ثمّ ورد إلى باب الكوفة في وسط مسجدها ، وتفرق الجمع الّذي كان مع نوح عليه‌السلام في السفينة ، فأخذ التابوت ودفنه في الغري.

٢ ـ الشيخ إبراهيم السالياني القوقاسي (٢)

... ـ ١٣٤٣

عالم فقيه ورع

____________________

١ ـ مصباح الزائر ١٢٦ ، فرحة الغري ٧٣ ، رحلة ابن بطوطة ١ / ١١٠ ، وفيه عندما زار النجف : ثلاثة من القبور يزعمون أنّ أحدها قبر آدم عليه الصلاة والسلام ، والثاني قبر نوح عليه الصلاة والسلام ، والثالث قبر عليّ رضي الله تعالى عنه ... ، الحدائق الوردية في مناقب أئمّة الزيدية ـ ط ـ وفيه : روي عن الرضا عليه‌السلام أنّه قال : من زار قبر أميرالمؤمنين فليصلِّ عند رأسه ست ركعات فإنّ في قبره عظام آدم وجسد نوح وأميرالمؤمنين ... ، قصص الأنبياء ٢٧ ـ ٧٢.

٢ ـ الجوهر المنضد ـ خ ـ ، نقباء البشر ٤.

١٩

أخذ العلم في النجف أوّلا على الفاضل الإيرواني ، ثمّ حضر على الشيخ حبيب الله الرشتي ، والشيخ محمّد حسن المامقاني ، والشيخ حسين الخليلي.

كان أحد علماء النجف وفقهائها الموصوفين بالتقوى ، أقام الصلاة جماعة في الإيوان الذهبي ، يزدلف خلفه جماعات من أهل العلم والصلاح.

ورجع إليه بالتقليد أهل آذربيجان والقوقاس ، وجبيت له الأموال الطائلة يوزعها على الطلبة وغيرهم من المستحقين ، وبقيت مؤلفاته وتقاريره في المسودة.

توفي بالنجف ٢٣ ربيع الآخر سنة ١٣٤٣ ، ودفن بالصحن الشريف في إحدى حجراته الشمالية.

٣ ـ السيّد إبراهيم الجصاني (١)

... ـ حدود ١٣٦٣

السيّد إبراهيم بن عليّ بن الحسين بن موسى الحسيني الجصاني

عالم خطيب شاعر

ولد في النجف ونشأ بها على والده العالم الفقيه المتوفى سنة ١٣١٩ ، فقرأ المقدّمات العلمية والأدبية عليه وعلى غيره من الأساتذة.

كان من الأعلام الفقهاء ، والخطباء المعروفين ، والشعراء المبرزين نظم الشعر الفصيح والعامي وله ديوان حافل بأنواع الشعر الجيد وكان ممدوح الشعراء ، وهو أحد الممهدين والمشاركين في ثورة العشرين المباركة.

مؤلفاته : (١) ديوان شعره ـ خ ـ.

توفي بالنجف حدود سنة ١٣٦٣ ودفن بالصحن الشريف بحجرة رقم ١٣.

____________________

١ ـ أعيان الشيعة ٢ / ١٨٤ ، نقباء البشر ١٤٠٤ ، وادي السلام ١٣٩ ، م م.

٢٠