الدليل العقلي على إمامة علي عليه السلام

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
الطبعة: ٠
ISBN: 964-319-257-1
الصفحات: ٥٥
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

١

٢

دليل الكتاب :

مقدّمة المركز.................................................................... ٥

تمهيد........................................................................... ٧

الأوصاف المجمع عليها في الإمام.................................................. ١١

الشرط الأول : العلم........................................................... ١٢

الشرط الثاني : العدالة.......................................................... ١٣

الشرط الثالث : الشجاعة....................................................... ١٣

الصفة الأولى : العلم............................................................ ١٩

أنا مدينة العلم وعلي بابها....................................................... ٢٠

أنا دار الحكمة وعلي بابها....................................................... ٢٣

أنت تبيّن لاُمّتي ما اختلفوا فيه من بعدي.......................................... ٢٥

عليّ هو الأذن الواعية.......................................................... ٢٦

أقضاكم عليّ.................................................................. ٢٧

كلمات الصحابة في المقام العلمي للإمام علي عليه‌السلام................................. ٢٩

عدم رجوع الإمام علي إلى أحد من الصحابة ..................................... ٣١

لولا عليّ لهلك عمر............................................................ ٣٤

٣

انتشار العلوم الإسلامية بالبلاد بواسطة الإمام علي وتلامذته......................... ٣٧

الصفة الثانية : العدالة.......................................................... ٤١

الصفة الثالثة : الشجاعة........................................................ ٤٣

خاتمة المطاف.................................................................. ٥١

مسألة تقدّم المفضول على الفاضل................................................ ٥٢

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة المركز :

لا يخفى أنّنا لازلنا بحاجة إلى تكريس الجهود ومضاعفتها نحو الفهم الصحيح والإفهام المناسب لعقائدنا الحقّة ومفاهيمنا الرفيعة ، ممّا يستدعي الالتزام الجادّ بالبرامج والمناهج العلمية التي توجد حالة من المفاعلة الدائمة بين الأمّة وقيمها الحقّة ، بشكل يتناسب مع لغة العصر والتطوّر التقني الحديث.

وانطلاقاً من ذلك ، فقد بادر مركز الابحاث العقائدية التابع لمكتب سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني ـ مدّ ظلّه ـ إلى اتّخاذ منهج ينتظم على عدّة محاور بهدف طرح الفكر الاسلامي الشيعي على أوسع نطاق ممكن.

ومن هذه المحاور : عقد الندوات العقائديّة المختصّة ، باستضافة نخبة من أساتذة الحوزة العلمية ومفكّريها المرموقين ، التي تقوم نوعاً على الموضوعات الهامّة ، حيث يجري تناولها بالعرض والنقد

٥

والتحليل وطرح الرأي الشيعي المختار فيها ، ثم يخضع ذلك الموضوع ـ بطبيعة الحال ـ للحوار المفتوح والمناقشات الحرّة لغرض الحصول على أفضل النتائج.

ولاجل تعميم الفائدة فقد أخذت هذه الندوات طريقها إلى شبكة الإنترنت العالمية صوتاً وكتابةً.

كما يجري تكثيرها عبر التسجيل الصوتي والمرئي وتوزيعها على المراكز والمؤسسات العلمية والشخصيات الثقافية في شتى أرجاء العالم.

وأخيراً ، فإنّ الخطوة الثالثة تكمن في طبعها ونشرها على شكل كراريس تحت عنوان « سلسلة الندوات العقائدية » بعد إجراء مجموعة من الخطوات التحقيقية والفنيّة اللازمة عليها.

وهذا الكرّاس الماثل بين يدي القارئ الكريم واحدٌ من السلسلة المشار إليها.

سائلينه سبحانه وتعالى أن يناله بأحسن قبوله.

مركز الأبحاث العقائدية

فارس الحسّون

٦

بسم الله الرحمن الرحيم

تمهيد

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطيبين والطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.

يقول الله سبحانه وتعالى : ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (١).

الحق في اللغة بمعنى الثبوت ، ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ ) أي : أفمن يهدي إلى الامور الثابتة القطعية اليقينية ، هذا الذي يهدي إلى الواقع ، ( أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ ) أم الذي لا يهتدي ( إِلاَّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ).

هذا الذي يقوله الله سبحانه وتعالى إرشاد إلى قاعدة عقلية

__________________

(١) سورة يونس : ٣٥.

٧

قطعية عند جميع العقلاء من مسلمين وغير مسلمين ، إنّهم إذا أرادوا الوصول إلى أمر واقع وإلى حقيقة من الحقائق ، يهتدون بمن يعلم بتلك الحقيقة ويهدي ويوصل الإنسان إلى تلك الحقيقة ، يرجعون إلى هكذا شخص ، أمّا الذي ليس بمهدي ، ليس بعارف بالحقيقة ، الذي لا يهتدي إلى الواقع ، كيف يمكن أن يكون هادياً للاخرين إلى الواقع ؟

ومن هنا قرّر العلماء من الفريقين على أنّ العقائد يجب أن يتوصل إليها الإنسان بالقطع واليقين ، ولا يكفي في العقيدة الظن والتقليد ، ويقول الله سبحانه وتعالى ( إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ) (١) ، الظن لا يغني من الواقعيّات شيئاً ، الواقعيّات والأمور الحقيقيّة ، المطلوب فيها القطع واليقين ، ولا يكفي فيها الظن ، ولا يكفي فيها الاخذ بأقوال الآخرين ، وهذه قاعدة عقليّة ، والقرآن الكريم يشير ويرشد إلى هذه القاعدة العقلية القطعية.

وحينئذ إذا دار الأمر بين رجلين ، أحدهما مهتدي ويمكنه هداية الآخرين إلى العقائد الحقة والاُمور الواقعية ، والشخص الآخر يحتاج إلى من يهديه ، يحتاج إلى من يرشده ويأخذ بيده ،

__________________

(١) سورة النجم : ٢٨.

٨

كيف يمكن الحكم بالاهتداء وبأخذ الحقائق والواقعيات ممّن هو بنفسه يحتاج إلى من يهديه ؟

أمّا نحن فنعتقد بأنّ الإمامة أمر لا يكون إلاّ من الله سبحانه وتعالى ، الإمامة جعل ونصب من الله سبحانه وتعالى ، ولا فرق بين الإمامة والنبوّة من هذه الحيثيّة ، وحينئذ نحتاج في معرفة الإمام وتعيّنه إلى نصّ قطعيّ ، أو إلى أدلّة تقتضي أن يكون الشخص هو الإمام لكونه مهتدياً وهادياً.

وأيضاً ، لو قام الدليل على عصمة شخص أو أشخاص ، فإنّ العصمة إنْ وجدت في شخص لا يجوّز العقل الإهتداء بغير هذا الشخص مع وجوده ، ومع التمكن منه ولو بالواسطة ، لذا جعلنا الإمامة إمّا بالنص وإمّا بالعقل ، والنص إمّا من الكتاب وإمّا من السنّة القطعيّة.

وكان حديث المنزلة ـ وهو آخر الأدلة اللفظية التي بحثنا عنها ـ دليلاً على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام من الجهات الثلاثة جميعاً ، فلقد كان هذا الحديث نصّاً في إمامة أمير المؤمنين ، ودليلاً على عصمته ، ودليلاً على أفضليّته عليه‌السلام من سائر الصحابة.

وقد بحثنا عن مدلول هذا الحديث وفقهه ، وبيّنا اندفاع الشبهات التي طرحت في كتب الأصول والكلام على هذا الحديث

٩

والإستدلال به على إمامة أمير المؤمنين ، وكان عمدة تلك الشبهات ، ثلاثة شبهات ذكرتها ، وقد كانت شبهات مترابطة ، وبيّنّا اندفاع تلك الشبهات بأدلّة عديدة تجتمع تلك الأدلة على اندفاع المناقشات الثلاثة كلّها في دلالة حديث المنزلة.

وموضوع بحثنا في هذه الليلة هو الإستدلال بما يحكم به العقل على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، أي الدليل العقلي على الإمامة.

١٠

الأوصاف المجمع عليها في الإمام

لو راجعتم كتب العقائد والكلام عند أهل السنّة ككتاب : المواقف في علم الكلام للقاضي الإيجي ، وشرح المواقف للشريف الجرجاني ، وشرح القوشچي على التجريد ، وشرح المقاصد لسعدالدين التفتازاني ، وشرح العقائد النسفية ، وغير هذه الكتب التي هي من أُمّهات كتب العقيدة والكلام عند أهل السنّة.

لرأيتم أنّهم يذكرون في المباحث المتعلقة بالإمام فصولاً ، منها :

إنّ نصب الإمام إنّما يكون بالإختيار ، وليس بيد الله سبحانه وتعالى ، خلافاً للإماميّة.

وإذا كان نصب الإمام عندهم بالإختيار ، فإنّهم يذكرون في فصل آخر الشروط التي يجب توفّرها في الإمام حتّى يُختار للإمامة.

وإذا راجعتم ذلك الفصل الذي يذكرون فيه الشروط ، شروط الإمام أو أوصاف الإمام ، يذكرون هناك أوصافاً ويقسّمونها إلى قسمين :

١١

قسم قالوا بأنّها أوصاف مجمع عليها.

وقسم هي أوصاف وقع الخلاف فيها.

ونحن نتكلّم على ضوء تلك الشروط التي ذكروها على مسلكهم في تعيين الإمام وهو الإختيار ، تلك الشروط المجمع عليها بينهم ، نتكلم معهم على ضوء تلك الشروط التي ذكروها وأوجبوا توفّرها في الإمام كي يختار إماماً على المسلمين بعد رسول الله.

نتكلّم معهم بغضّ النظر عن مسلكنا في تعيين الإمام ، وهو أنّه بيد الله سبحانه وتعالى ، بغضّ النظر عن ذلك المسلك ، نتكلّم معهم على مسلكهم ، وعلى ضوء ذلك القسم من الأوصاف التي نصّوا على ضرورة وجودها للإمام بالإجماع.

فما هي تلك الشروط والأوصاف التي أجمعوا على ضرورة وجودها في الإمام حتى يختار إماماً ؟

تلك الشروط المجمع عليها بينهم :

الشرط الأول : العلم

بأن يكون عالماً بالأصول والفروع ، بحيث يمكنه إقامة الحجج والبراهين على حقيّة هذا الدين ، ويمكنه دفع الشبهات

١٢

الواردة من الآخرين ، بأن يدافع عن هذا الدين من الناحية الفكرية ، ويمكنه دفع الشبهات والإشكالات الواردة في أصول الدين وفروعه من المخالفين.

الشرط الثاني : العدالة

بأنْ يكون عادلاً في أحكامه ، وفي سيرته وسلوكه مع الناس ، أن يكون عادلاً في أحكامه عندما يتصدى رفع نزاع بين المسلمين ، أن يكون عادلاً عندما يريد أن يقسّم بينهم بيت المال ، أن يكون عادلاً في تصرّفاته المختلفة المتعلّقة بالشؤون الشخصية والعامة.

الشرط الثالث : الشجاعة

بأن يكون شجاعاً ، بحيث يمكنه تجهيز الجيوش ، بحيث يمكنه الوقوف أمام هجمات الاعداء ، بحيث يمكنه الدفاع عن حوزة الدين وعن بيضة الإسلام والمسلمين.

هذه هي الشروط المتفقة عندهم ، التي يجب توفرها في الشخص حتى يمكن اختياره للإمامة على مسلكهم من أنّ الإمامة تكون بالإختيار.

١٣

ولابدّ وأنّكم تحبّون أنْ أقرأ لكم نصّاً من تلك الكتب التي أشرت إليها ، لتكونوا على يقين ممّا أنسبه إليهم ، ومن حقّكم أن تطالبوا بقراءة نص من تلك النصوص :

جاء في كتاب المواقف في علم الكلام وشرح المواقف (١) ما نصّه :

« المقصد الثاني : في شروط الإمامة

الجمهور على أنّ أهل الإمامة ومستحقّها من هو مجتهد في الأصول والفروع ليقوم بأُمور الدين ، متمكّناً من إقامة الحجج وحلّ الشبه في العقائد الدينية ، مستقلاً بالفتوى في النوازل وأحكام الوقائع نصّاً واستنباطاً ، لأن أهمّ مقاصد الإمامة حفظ العقائد وفصل الحكومات ورفع المخاصمات ، ولن يتمّ ذلك بدون هذا الشرط ».

إذن ، الشرط الأول : أن يكون عالماً مجتهداً بتعبيره هو في الأصول والفروع ، ليقوم بأمور الدين ، وليكون متمكناً من إقامة الحجج والبراهين ، ودفع الشبه المتوجهة إلى العقائد من قبل المخالفين.

__________________

(١) شرح المواقف في علم الكلام ٨ / ٣٤٩.

١٤

الشرط الثاني : « ذو رأي وبصارة ، بتدبير الحرب والسلم وترتيب الجيوش وحفظ الثغور ، ليقوم بأُمور الملك ، شجاع ليقوى على الذب عن الحوزة والحفظ لبيضة الإسلام بالثبات في المعارك ».

لاحظوا بدقة ولا تفوتنّكم الكلمات الموجودة في هذا النص ، وكتاب المواقف وشرح المواقف من أهم كتب القوم في علم الكلام ، فالشرط الثاني هو الشجاعة.

« وقيل في مقابل قول الجمهور : لا يشترط في الإمامة هذه الصفات ، لانّها لا توجد الآن مجتمعة ».

وكتاب المواقف إنّما أُلّف في القرن السابع أو الثامن من الهجرة ، وهذه الصفات غير مجتمعة في الحكّام في ذلك الوقت ، إذن ، يجب عليهم أن يرفعوا اليد عن اعتبارها في الإمام ، ويقولوا بإمامة من لم يكن بعالم أو لم يكن بشجاع ، وحتّى من يكون فاسقاً فاجراً كما سنقرأ صفة العدالة أيضاً.

يقول : « نعم يجب أن يكون عدلاً ، لئلاّ يجور ، فإنّ الفاسق ربّما يصرف الأموال في أغراض نفسه فيضيع الحقوق. فهذه الصفات شروط معتبرة في الإمامة بالإجماع ».

هذا نصّ عبارته ، ثم يقول : « وهاهنا صفات أُخرى في

١٥

اشتراطها خلاف ».

إذن ، نتكلم معهم باعتبارنا عقلاء مثلهم ، ونعتبر هذه الصفات الثلاث أيضاً في الإمام ، ونفترض أنّ الإمامة تثبت بالإختيار ، والإمامة مورد نزاع بيننا وبينهم ، فنحن نقول بإمامة علي وهم يقولون بإمامة أبي بكر.

فلنلاحظ إذن ، هل هذه الصفات المعتبرة بالإجماع في الإمام ، المجوّز توفّرها فيه لانتخابه واختياره إماماً ، هل هذه الصفات توفّرت في علي أو في أبي بكر ، حتّى نختار عليّاً أو نختار أبا بكر ، ومع غضّ النظر عن الكتاب والسنّة الدالّين على إمامة علي بالنص أو غير ذلك ؟

نحن والعقل الذي يقول بأنّ الرئيس للاُمّة والخليفة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجب أن يكون واجداً لهذه الصفات المجمع عليها ، ونحن تبع لهذا الإجماع الذي هم يدّعونه على هذه الصفات.

وأيضاً : نحن نوافق على هذا الإجماع ، وإن كنّا نقول باعتبار العصمة التي هي أعلى من العدالة ، لكن مع ذلك نبحث عن هذه المسألة في هذه الليلة مع غضّ النظر عن مسلكنا في ثبوت الإمامة وتعيين الإمام.

إذن ، يتلخّص كلام القوم في الصفات اللازم وجودها في

١٦

الإمام بالإجماع في ثلاثة صفات :

أنْ يكون متمكناً من إقامة الحجج وحلّ الشبه في العقائد الدينية ، لأن أهم مقاصد الإمامة حفظ العقائد وفصل الخصومات ، فلابدّ وأن يكون عالماً في الدين بجميع جهاته من أُصوله وفروعه ، ليتمكّن من الدفاع عن هذا الدين إذا ما جاءت شبهة أو توجّهت هجمة فكرية.

وأن يكون شجاعاً ، ليقوى على الذب عن الحوزة والحفظ لبيضة الإسلام بالثبات في المعارك ، لأن الإمام إذا فرّ من المعركة فالمأمومون أيضاً يفرّون ، إذا فرّ القائد فالجنود يفرّون تبعاً له ، إذا انكسر الرئيس انكسر الجيش كلّه ، وهذا واضح ، إذن بنصّ عبارة هؤلاء يجب أن يكون من أهل الثبات في المعارك.

وأن يكون عدلاً غير ظالم ولا فاسق.

فإمّا تكون هذه الصفات مجتمعة في علي دون غيره ، فيكون علي هو الإمام ، وإمّا تكون مجتمعة في غير علي فيكون ذاك هو الإمام ، وإمّا تكون مجتمعة في كليهما ، فحينئذ ينظر إلى أنّ أيّهما الواجد لهذه الصفات في أعلى مراتبها ، وإلاّ فمن القبيح تقديم المفضول على الفاضل عقلاً ، والقرآن الكريم يقول : ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهِدِّي ) ، من يكون عادلاً أولى بأن

١٧

يكون إماماً أو من يكون فاسقاً ؟ العالم أولى أن يكون إماماً نقتدي به أو من يكون جاهلاً ؟ وعلى فرض أن يكون كلاهما عالمين فالأعلم هو المتعيّن أو لا ؟ لا بدّ من الرجوع إلى العقل والعقلاء ، ونحن نتكلّم على هذا الصعيد.

قالوا : هذه هي الصفات المعتبرة بالإجماع ، أمّا أنْ يكون هاشميّاً ففيه خلاف ، أمّا أن يكون معصوماً ففيه خلاف ، أمّا أن يكون حرّاً ، ربّما يكون فيه خلاف ، ربّما ينسبون إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه أمر بإطاعة من ولّي على المسلمين وإنْ كان عبداً ، ربّما ينسبون إليه هكذا حديث ، لكن هذه قضايا مختلف فيها ، فالعصمة تقول بها الشيعة وغيرهم لا يقولون بها ، وكذا سائر الصفات فهي مورد خلاف ، مثل أن يكون هاشمياً ، أن يكون قرشياً ، أن يكون حرّاً ، وغير ذلك من الصفات المطروحة في الكتب.

أمّا الصفات المتفق عليها بين الجميع فهي : العلم والعدالة والشجاعة ، ونحن نبحث على ضوء هذه الصفات.

١٨

الصفة الأولى : العلم

العلم والتمكن من إقامة الحجج والبراهين على حقيّة هذا الدين ، والتمكن من دفع شبه المخالفين ، من الصفات المتفق عليها.

لندرس سيرة علي وسيرة أبي بكر ، لندرس ما ورد في هذا وهذا ، لندرس ما قاله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ما قاله الصحابة ، ما قاله سائر العلماء في علي ، وما قيل في أبي بكر.

ولا نرجع إلى شيء ممّا يروى عن كلّ واحد منهما في حقّ نفسه ، فعلي عليه‌السلام يقول : « علّمني رسول الله ألف باب من العلم ، يفتح لي من كلّ باب ألف باب » (١).

لا نرجع إلى هذا الحديث ، وهذا الخبر ، لأن المفروض أنّه في علي ومن علي ، نرجع إلى غير هذه الروايات.

__________________

(١) كنز العمال ١٣ / ١١٤ رقم ٣٦٣٧٢ ، ١٦٥ رقم ٣٦٥٠٠.

١٩

مثلاً يقول علي : « سلوني قبل أن تفقدوني » (١) هذا لم يرد عن أبي بكر ، أبو بكر لم يقل في يوم من الأيام : سلوني قبل أن تفقدوني ، لكن نضع على جانب مثل هذه الروايات الواردة عن علي ، وإنْ كنّا نستدلّ بها في مواضعها ، وهي موجودة في كتب أهل السنّة.

لكنّا نريد أن ندرس سيرة هذين الرجلين ، أن ندرس سيرة أمير المؤمنين وأبي بكر على ضوء ما ورد وما قيل فيهما عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والصحابة والعلماء ، لنكون على بصيرة من أمرنا ، عندما نريد أن نختار وننتخب أحدهما للإمامة بعد رسول الله على مسلك القوم.

أنا مدينة العلم وعلي بابها :

نلاحظ في كتب القوم أنّ رسول الله يقول في علي : « أنا مدينة العلم وعلي بابها ».

ونحن الآن نبحث عن الصفة الأولى وهي العلم ، والتمكن من إقامة الحجج والبراهين ، ورسول الله يقول في علي : « أنا مدينة

__________________

(١) أخرجه أحمد في المناقب وابن سعد وابن عبد البر وغيرهم ، الاستيعاب ٣ / ١١٠٣ ، الرياض النضرة ٢ / ١٩٨ ، الصواعق المحرقة : ٧٦.

٢٠